مائة حكم اعدام في مائة دقيقة.
الخميني وراء الاعدامات، ويقول لجلاد الثورة "قاتلوا ائمة الكفر".
تنمية الروح الشريرة في الحرس الثوري.
دس في التاريخ الاسلامي.
التقاء الخمينية واليهودية في تشويه عظمة الامام علي عليه السلام.
اعدام الفتيات والفتيان دون البلوغ القانوني وحتى الشرعي.
اعدام المرضى والجرحى والحوامل من النساء والشيوخ الذين تجاوزوا التسعين.
القراصنة يشغلون منصة القضاء.
فلسفة الخميني في محاكمه الثورية، جئنا لنبقى بأي ثمن.
(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93))
محاكم الثورة الاسلامية
حدثني حسين الخميني حفيد الامام الخميني ان قاضي المحكمة الثورية في مدينة بندر عباس اصدر حكما بحق احد المتهمين الذين ساقه حظه التعيس إلى المحكمة تلك بتهمة الاخلال بامن البلاد بالنص التالي:
يحكم بالاعدام وتصادر امواله المنقولة وغير المنقولة.
تصادر اموال المنتسبين اليه من الدرجة الاولى.
تصادر اموال كل ذويه والمنتسبين اليه واقاربائه.
وهكذا افتى القاضي بمصادرة اموال اولاد ادم وحواء جميعا لانهم ينتمون إلى المحكوم عليه بحكم القرابة العامة التي تربط البشر بعضه بالبعض "كلنا من ادم وادم من تراب " كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
لقد حمل الخميني الصغير صورة من حكم القاضي إلى الخميني الكبير ليعلم جده الانحدار الذي وصل اليه القضاء الاسلامي بفضل الجمهورية الاسلامية، ولكن الخميني بعد ان اطلع على مضمون الحكم رمى الورقة جانبا وحوقل مرتين وانتهى كل شيء. وحدثني المحدث نفسه انه عندما ذهب بصحبة الخلخالي (جلاد الثورة) إلى كردستان لقمع الحركة الكردية، اراد الشيخ الجلاد لدى وصوله إلى سنندح تنفيذ حكم الاعدام في ثلاثين شخصا من المسجونين فورا وقبل التثبت من اتهامهم وهوياتهم.
فقال له: اتق الله يا رجل، كيف تقتل اناسا لم تعرف اسمائهم؟ كيف باعمالهم؟
فاجابه الشيخ الجلاد: لألقاء الرعب في نفوس الناس عامة.
وبعد الالحاح والرجاء والالتماس خفض الحاكم الجلاد عدد الثلاثين إلى عشرة، ثم قتل العشرة جميعا في بضع دقائق، وظهر فيما بعد انه كان بين المعدومين بلا جرم وذنب طفل عمره 13سنة وطبيب مجروح وامرأة معلمة، ولما سمع الخميني بما فعل جلاده حوقل ثلاث مرات وانتهى كل شيء.
ان المحاكم الثورية الاسلامية ارتكبت من الظلم بحق الامة الايرانية ما لم يرتكبه أي جيش غاز باعدائه الالداء، ولكي يعلم العالم ان الامام الخميني بشخصه وراء الاعدامات بالجملة واراقة الدماء، ووراء اعدام الشبان المراهقين والفتيات اللواتي لم يبلغن سن الرشد، والشيوخ الذين بلغوا من السن عتيا. انقل هنا حديثا متواترا نقل من محمد الكيلاني رئيس المحاكم الثورية الاسلامية والذي اعدم من الشبان المجاهدين والشابات المجاهدات اكثر من الفين في غضون ثلاثة اشهر، لقد ذهب الكيلاني إلى الخميني يطلب منه الموافقة بوقف احكام الاعدام في الشباب المراهقين وارسالهم إلى دار الاحداث لتأديبهم تربية تتلائم مع اهداف الثورة، وترك الشيوخ رهن المحبس حتى يلاقوا حتفهم، لأن الشباب على حد زعمه يمكن اصلاحهم والشيوخ هم على قاب قوسين اوادنى من الموت فلا داعي اذن لاراقة دمائهم، فكان جواب الخميني " قاتلوا ائمة الكفر "، وهكذا استمر الجلاد في تنفيذ اوامر سيده.
واذكر هنا قصة اخرى تظهر بوضوح مدى تورط الامام في اراقة دماء المؤمنين، لقد حدثت هذه القصة بعد نجاح الثورة باسبوع واحد وذلك عندما حكم الخلخالي، الحاكم المنصوب من قبل مرشد الثورة على الجنرال نصيري رئيس السافاك وثلاثة من رفاقه من القواد العسكريين بالموت، ولكن لم يجد القاضي من ينفذ احكامه، وكلما طلب من هذا اوذاك تنفيذ الاحكام لم يستجب اليه احد بذريعة انه لم يسبق لأي من الزمرة المحاطة بالامام تنفيذ الاعدام بحق احد، وعندما سمع الخميني بالخبر نهر الذين كانوا حوله وقال لهم " ايتوني برشاشة حتى اذهب بنفسي وانفذ في هؤلاء المجرمين الموت "، وعندما سمع الحاضرين ان امامهم يريد ان يقوم بدور الجلاد ايقنوا ان الموت للمحكومين عقاب الهي يمليه الواجب الديني، فسارع قوم من الحاضرين لاعدام المحكومين، ونفذت الاحكام على سطح الغرفة التي كان يسكنها الامام في (مدرسة الرفاه) بطهران.
وبعد ثلاث سنوات من اللحظة التي لم يجد فيها حاكم الثورة شخصا واحدا يستطيع تنفيذ حكم الاعدام بمجرمين كبار مثل الجنرال نصيري وفاقه، تفشت رائحة الدم وحب الاعدام وتطوع مئات من حرس الثورة لتنفيذ الاعدام بالجملة والافراد في البريء والمجرم على السواء واصبحت حياة الانسان ارخص شيء في ظل نظام الجمهورية الاسلامية، حتى قال شاهد عيان " ان حرس الثورة الاسلامية بعد تنفيذ القتل والاعدام في مجموعات كبيرة يتباهون امام رؤسائهم بالاعداد الغفيرة التي ارسلوها إلى الجحيم حسب زعمهم "، وهكذا شجع الامام مأموريه وتابعيه على ازهاق النفوس المحترمة، ولقنهم بان في ذلك رضى الله ورسوله والمؤمنين.
ان السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو، كيف استطاع الخميني والخمينيون تنمية الروح الشريرة والتعطش إلى الدماء في نفوس الناس؟ فلم يكن من السهل في بلد اسلامي يأمر دينه بالعفووالسماحة والرحمة والرأفة بالمذنبين، كيف وبالابرياء خلق هذه النفسية الشاذة التي لا تستقر ولا تهدأ الا بالاسراف في القتل. ان الكلام الذي يردده الخميني والخمينيون لاضفاء الشرعية على اراقة الدماء والقتل بالجملة هوالاستشهاد بسيرة الامام علي عليه السلام في الحروب التي خاضها بعد ان الت الخلافة اليه، وبما ان الشعب الايراني يوالي عليا عليه السلام ويراه اماما وقدوة له فلذلك اتخذ حبه لعلى وسذاجته في المقارنة بين الحق والباطل، ذريعة لاضفاء الشرعية على اعمال الطغاة، فكلما اراق الطغاة مزيدا من دماء المسلمين، قالوا، اليس الامام عليا قتل المنشقين والخارجين على حكمه، واذا كان الامام علي يقتل المنشقين عليه بالجملة والاحاد ايام خلافته، فلماذا لايقتل الخميني المنشقين على نظامه الذي هوامتداد لحكومة الامام علي عليه السلام؟ لقد كانت ولا تزال لهذه الدعاية الاجرامية التي تريد النيل من سيرة امير المؤمنين عليه السلام وتشويه صورته النقية الطاهرة اثر كبير في نفسية القابضين على السلاح وتشجيعهم على القتل واراقة الدماء اسوة بالامام علي عليه السلام على زعم الشعوذة الحاكمة في رقاب المسلمين في ايران.
وبما ان الاعلام الايراني هوفي احتكار السلطة، ويسير في نفس الخط والمسيرة، ولا يستطيع احد التنفس ضد ما تدعيه السلطة والادلاء بكلام يغاير ارادة الحاكمين فيها، فلذلك لم يستطع احد ان ينبري لدحض تلك المزاعم الكاذبة والدفاع عن الامام علي عليه السلام. ان هذا التشويه للحقائق وللتاريخ ولسيرة ابطال الاسلام وعظماء الانسانية، واعطاء صورة قاتمة سوداء عن الصدر الاول الاسلامي، يهز عرش الرحمن وطعن في امام المتقين وسيد الوصيين وقائد الغر المحجلين، ان من يكون له ادنى المام بتاريخ الاسلام وسيرة الرسول العظيم كما وردت في كتب السيرة والتاريخ ليعلم بوضوح ان الامام عليا خاض حروبا دفاعية بصحبة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ضد المشركين الذين كانوا يداهمون المدينة المنورة مقر الرسالة والوحي للقضاء على الرسول ورسالته واصحابه، وكان النبي وصحابته يدافعون عن انفسهم ورسالة السماء معا وقد استشهد في تلك الغزوات من خيرة صحابة الرسول ومن اعز اقربائه وذويه، كما ان المشركين كانوا يتكبدون بدورهم خسائر كبيرة في الارواح، والحرب كر وفر، والمحارب يقتل اويقتل ما دام هوفي ساحة الوغى، اما الحروب التي خاضها الامام علي بعد ان آلت الخلافة اليه فقد كان هناك القاتل والمقتول في صفوف الامام وصفوف اصحاب الجمل والصفين والنهروان وبما ان الحروب التي خاضها الامام في ايام خلافته كانت مجابهة بين المسلمين المنشقين على الامام المفترض الطاعة وبين الامام القائم بالامر، فلم تحدث المجابهة الا بعد ان كان الامام يتم عليهم الحجة مرة بعد المرة وكتب التاريخ كلها تحكى بصورة متواترة ان الامام لم يبدأ بالقتال في أي حرب خاضها، وكان يردد دائما قبل ان يلتحم الطرفان " اللهم احقن دماء المسلمين " ثم كان يقرأ الآية الكريمة " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين " لقد روى البلاذري والشريف الرضي ان الامام عليا عليه
السلام كان يوصي عسكره قبل لقاء العدوبصفين بالعبارات التالية:
" لاتقاتلوهم حتى يبداؤكم فانكم بحمد الله على حجة ".
" وترككم اياهم حتى يبدأوكم حجة اخرى لكم عليهم ".
" فاذا كانت الهزيمة باذن الله فلا تقتلوا مدبرا ".
" ولاتصيبوا معورا ".
" ولاتجهزوا على جريح ".
" ولا تهيجوا النساء باذى وان شتمن اعراضكم وسبين امرائكم ".
" ان كنا لنؤمر بالكف عنهن وانهن لمشركات ". (1)
ان من يمعن النظر بهذه الوصية ليعلم بوضوح كيف كانت سيرة الامام في قتال خصومه، فمتى كان الامام علي يقتل المرأة والجريح والطفلة المراهقة كما فعل الخميني؟ ومتى كانت لعلي محاكم الثورة التي حكمت بالاعدام على ثلاثة الاف بريء في 3 شهور، وعشرين الف بريء في ظروف ثلاثة اعوام؟ ومتى كانت لعلي سجون فيها ثلاثين الف سجين سياسي؟ متى كان علي يصادر اموال الناس؟ ومتى كان علي يكذب؟ ومتى كان علي يأمر بالتجسس؟ ومتى كان علي يقتل الاقليات القومية؟ ومتى كان علي يعيش في كهف جمران بعيدا عن شعبه وامته؟ واذا ظهر في الشرفة لبضع دقائق ليمنح الحاضرين البركه تم متى كان علي محاطا بعيون الكترونية شرقية وغربية، وخمسمائة حارس مدربين للحماية من روسيا وكوريا ومتى كان علي سببا في حرب الاشقاء ويتعاون مع اليهود لقتل المسلمين والمسلمات وخراب بلاد الاسلام؟
__________
(1) نهج البلاغة ج3 الصفحة 15.
ان المقارنة بين حكومة علي وحكومة الخميني هي المقارنة بين النور والظلمة، والوجود والعدم، والخير المحض والشر المطلق، ولولا اننا نعيش في عصر لا زالت الاساطير تتحكم في عقول السذج من الناس لكنت امر على هذا السخف في التفكير والسقط من الكلام مرور الكرام، ولكن ما الحيلة اذا كنت تخاطب قوما يعتقدون بالسلطة الالهية في الفقيه، ويقارنون اسوأ انواع الحكومات في تاريخ الانسان بافضلها، لقد استطاع الانسان بفضل التكنولوجيا والعلم ان يهبط على سطح القمر، الامر الذي كان يعتبر خيالا ووهما في سابق الزمان، الا ان الاوهام والاباطيل لا زالت تحكم عقول كثير من ابنائها، وهناك عدم تكافؤ يدعوإلى الحزن والحيرة في مراتب الوعي الفكري لدى الانسان، فالانسان الذي سخر الفضاء بعلمه وعبقريته لا زال هواسير الاوهام والاساطير، فهناك في الهند اربعمائة مليون انسان يقدسون البقرة وينحنون امامها اجلالا واكبارا وهي مظهر من مظاهر الالوهية عندهم. وعشرات الملايين في جنوب شرقي اسيا يعبدون التماسيح والضفادع والسلحفاة، فلذلك لانستغرب ابدا اذا التقينا بفئة اوشرذمة في ايران يقدسون الفقيه ويعتقدون بحلول السلطة الالهية فيه، ويقارنون بين علي ومن لايساوي شسع نعله.
واعود مرة اخرى إلى حكومة علي عليه السلام واقول متى كان لعلي حرس الثورة يداهم البيوت في اناء الليل واطراف النهار ليقتاد الناس إلى ساحات الاعدام؟ ومتى كان علي يقتل الناس لانهم قالوا (الموت لفلان)؟
ومتى كان علي يخدع الامة بوعوده الكاذبة، ويقول السقط من الكلام؟
قيل لعلي عليه السلام ستغتالك الفئة الخارجة عليك وقد اغتالوا قبلك الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه، اتخذ لنفسك حراسا، فكان جوابه عليه السلام، كفى بالموت حارسا وكان يخرج من داره وحيدا قبل طلوع الفجر ليؤم الناس في صلاة الفجر في جامع الكوفة حتى ان ضربه ابن ملجم المرادي بالسيف المسموم وهوفي اثناء الصلوة، وعندما ضربه ابن ملجم قال عليه السلام تلك الكلمة التي هزت الخافقين " فزت ورب الكعبة " ثم امر اهله بالعفوعن قاتله وهنا ادون نص الكلمة التي قالها الامام عليه السلام وهوفي فراش الموت " انا بالامس صاحبكم واليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم، ان ابق فانا ولي دمي وان اعف فالعفولي قربة وهولكم حسنة فاعفوا " هذه كانت سيرة علي وهوالحاكم المطلق عل نصف المعمورة في عصره أي بلاد يمتد طولها من اليمن إلى بخارى شرقا، ومن الجزيرة حتى شمال افريقيا غربا.
واما اهتمام علي عليه السلام بشؤون المسلمين فقد يتجلى في كتاب بعثه إلى واليه في البصرة وهوحنيف بن قيس الانصاري وقد جاء ضمن ما كتبه الامام " ولوشئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ولكن هيهات ان يقودني هواي لتخير الاطعمة ولذائذها ولعل بمالمنجد اواليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع. ااقنع من نفسي بان يقال امير المؤمنين ولا اشاركهم في مكاره الدهر وجشوبة العيش، اوابيت مبطانا وحولي بطون غرثي واكباد حرى اواكون كما قال القائل " وحسبك داء ان تبيت ببطنه وحولك اكباد تحن إلى القد. "
هذا علي بن ابي طالب الذي يريد الخمينيون تشويه صورته الطاهرة بالصاق التهمم التي الصقها رواة اليهود في كتبهم به من قبل، ورددها اليوم الخميني والخمينيون ليبرروا طغيانهم المخيف فوالله لقد جاءوا شيئا ادّا، وهنا اسجل فقرات من كتاب الامام علي إلى مالك الاشتر حين ولاه مصرا ليكون درسا وعبرة لكل من يريد ان يعرف سياسة الامام علي عليه السلام في ادارة دفة الحكم والبلاد، واطلب من الله ان يعين السذج الغفل من ابناء الشعب الايراني إلى التمييز بين الحق والباطل ويهديهم سواء السبيل:
يوصي الامام في ضمن كتاب يحوي واجبات الوالي نحوالرعية جاء فيه:
واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم.
ولا تكونن عليهم سبعا ضارا تغتنم اكلهم.
فالناس صنفان، اما اخ لك في الدين اونظير لك في الخلق. يفرط منهم الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب ان يعطيك الله من عفوه وصفحه.
ولا تندمن على عفو، ولا تبجحن بعقوبة.
الا ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده.
وليكن ابعد رعيتك منك وشنأهم عندك اطلبهم لمعائب الناس، فان في الناس عيوبا الوالي احق من سترها، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك.
اطلق عن الناس عقدة كل حقد.
ولا تعجل إلى تصديق ساع فان الساعي غاش وان تشبه بالناصحين.
ونختم هذا الفصل باعطاء صورة عن المآسي التي ارتكبت وترتكب في محاكم الثورة الاسلامية، فلاول مرة يحدث مثل هذا التناقض الصارخ في نظام دولة ترى نفسها دولة نموذجية في التاريخ مجلس للشورى وسجون ومحاكم ثورية، ولست ادري كيف يمكن الجمع بين محاكم الثورة التي تمثل عصرا استثنائيا خاصا، ومجلس الشورى الذي يحكي عن استقرار النظام ودولة المؤسسات ولكن الخمينيين والخميني نفسه ابعد الناس في درك هذه التناقضات، ومهما يكن من امر فان هذه المحاكم منتشرة في انحاء البلاد طولا وعرضا وحتى القرى لم تسلم منها، انها كالوباء القاتل تجد اثارها المشئومة في كل مدينة وقرية، وان شئت قل في كل دار ومتجر ومصنع ومزرعة ومقام.
لقد اختار الخميني لرئاسة هذه المحاكم اناسا لبوسهم لبوس الدين ولكنهم والله ابعد الناس من الدين، لم يراع فيهم العلم وشرائط القضاء والامانة والعفووسداد الاخلاق، كلما اشترط فيهم هوالوفاء المطلق لشخصه وتنفيذ اوامره ومأربه، ولذلك وضعوا في دستورهم هذه العبارة " حب خميني حسنة لا تضر معها سيئة " وانطلاقا من هذا المضمون جرت وتجري المحاكمات الثورية على قدم وساق. فمن كان ضد الخميني يقتل ومن كان معه يطلق ولوكانت ذنوبه تعادل الجبال، لقد اعدم هؤلاء الوحوش الكاسرة باسم القضاء الاسلامي رهطا كبيرا من الناس بلا ذنب ولاجرم ليستولوا على اموالهم وبيوتهم ومزارعهم، وكانت المبررات التي اتخذوها اساسا لاحكامهم الجائرة اوهن من بيت العنكبوت، وعندما يبلغ الخبر مسامع الخميني يبتسم ابتسامة المنتصر على عدوه ويبعث للقاضي برسالة شكر وثناء.
ان المحاكم الثورية الاسلامية في ايران منذ تأسيسها:
حكمت على ما يقارب من اربعين الف شخص بالاعدام ونفذ الحكم فيهم فورا.
حكمت على ما يتجاوز على خمس وعشرين الف شخصا بالحبس لفترات طويلة وقصيرة.
صادرات اموال ما يقارب من خمس واربعين الف شخص: وكان حراس الثورة يذهبون إلى دور المحكومين تلفظ عوائلهم صغيرا وكبيرا نساءا ورجالا إلى خارج منازلهم ليفترشوا الارض ويلتحفوا السماء، وكان يحل محلهم الحرس الثوري يتصرفون في الدار وما فيها تصرف المالك في ملكه.
حكمت هذه المحاكم على المرابي بالاعدام، وعلى المرأة الحاملة بالرجم، وعلى الطفل الصغير بالموت، وعلى المريض بالشنق.
هذه المحاكم لم تسمح للمتهمين الاستنجاد بمحامي الدفاع واستئناف الحكم ولم يأخذ مرور الزمان بعين الاعتبار بذريعة ان الاسلام لا يعترف بهذه الاشياء.
ان تنفيذ حكم الاعدام في هذه المحاكم يجري فور صدور الحكم ليلا كان ام نهارا.
السن القانوني لقبول الموت في محاكم الثورة، للفتيات 9 سنوات وللفتيان 15 سنة وهوسن البلوغ الشرعي.
لم يصدر الخميني العفوعن أي محكوم بالاعدام حتى الآن.
ولكي نعطي صورة واضحة عن مدى استهتار هذه المحاكم بكل القيم الانسانية وشرائع السماء والتي اصبحت اداة من ادوات الطغيان في ايران، نذكر هنا ما تواترت إلى اسماع الناس من داخل تلك المحاكم:
ان احكام الاعدام التي يصدرها القضاة لم يبلغ المحكوم عليهم بها في ساحة المحكمة خشية من حدوث بلبلة، وانما يؤمر الحرس الثوري الذي يقتاد المتهم خارج المحكمة بتنفيذها طي رسالة مغلقة يفتحها عندما يغادر ساحة القضاء، وقد يزعم المحكوم بالاعدام عندما يقتاد إلى خارج المحكمة ان ساحته برئت فلذلك يقدم شكره الجزيل إلى القاضي وعدالته ورأفته، وعندما يصل إلى الفناء الخارجي ينهال عليه رصاص حراس الثورة بغزارة ولم يسق حتى جرعة من الماء.
بسم الله الرحمن الرحيم
مسيرة ركب الشيطان عبر تاريخ الإسلام
الزيدية
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه ..
وبعد:-
فإن من أكبر الفرق على الإطلاق وأكثرها انتشاراً، هي فرقة الشيعة على تعدد طوائفها واختلاف نحلها، بدءاً بالسبئية أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي الذي كان رأساً في إذكاء نار الفتنة والدس بين صفوف المسلمين، إلى الرافضة الاثنا عشرية في يومنا هذا، حيث كانت ولا تزال هذه الفرق، وبالاً وشراً على المسلمين على طول تاريخهم، وفي جميع مراحل حياتهم، وقد تأثر الشيعة في كثير من عقائدهم الباطلة بالعقائد اليهودية والفارسية وغيرها.
وقد أخذ كثير من فرق الشيعة بالتمويه على الناس للدخول في فرقتهم، مستغلين في ذلك حب الناس لآل البيت، ومع مرور الزمن استطاع الشيطان أن يضل هذه الفرقة ضلالاً بعيداً، ويغويهم عن الصراط المستقيم إغواءً عظيماً، وصاروا أخطر على المسلمين من الخوارج.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (2/ 477 - 482):وهؤلاء الرافضة الشيعة إن لم يكونوا شراً من الخوارج المنصوصين، فليس دونهم ... ، فإن أولئك إنما كفّروا عثمان وعلياً وأتباع عثمان وعلي فقط، دون من قعد عن القتال أومات قبل ذلك، والرافضة كفرت أبابكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكفروا جماهير أمة محمد صلى الله عليه وسلم من المتقدمين والمتأخرين ... ، ولهذا يكفرون أعلام الملة .. ويستحلون دماء من خرج عنهم ويسمون مذهبهم مذهب الجمهور .. ويرون أن كفرهم أغلظ من كفر اليهود والنصارى؛ لأن أولئك عندهم كفار أصليوّن وهؤلاء مرتدون، وكفر الردة أغلظ بالإجماع من الكفر الأصلي؛ ولهذا السبب يعاونون الكفار على الجمهور من المسلمين كما عاونوا التتار على المسلمين، وكانوا من أعظم الأسباب في خروج جنكيز خان ملك الكفار إلى بلاد الإسلام، وفي قدوم هولاكوإلى بلاد العراق، وهم مع هذا يعطلون المساجد التي أمر الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فلا يقيمون فيها جمعة ولا جماعة، ويبنون على القبور المكذوبة مساجد يتخذونها مشاهد، حتى إن مشائخهم من يفضلها على حج البيت الذي أمر الله به ورسوله، ووصف حالهم يطول.
ومازال أمر هؤلاء الشيعة في زيادة حتى بلغ بطائفة القرامطة وهم من غلاتهم أن يروّعوا الآمنين من المسلمين في أنحاء عديدة من الدولة الإسلامية ويعيثوا في الأرض فساداً حتى آل بهم الحال إلى اجتياح البلد الحرام، وهتكوا الحرمات، وسفكوا دماء الحجيج، ودفنوا القتلى في بئر زمزم، وقلعوا باب الكعبة وأخذوا الحجر الأسود معهم، حيث مكث عندهم اثنين وعشرين سنة من عام 317 - 339 هـ -، وألحدوا في الحرم إلحاداً بالغاً عظيماً، وقتلوا من العلماء والحفاظ خلقاً كثراً، ومن الناس من لا يحصيهم إلا الله، وهابت الدولة جانبهم وكسروا جيوشها في عدة مواقع، وإنما حمل هؤلاء على هذا الصنع أنهم كفار زنادقة، وقد كانوا ممالئين للفاطميين الذين نبغوا في هذه السنة ببلاد إفريقية من أرض المغرب.
ثم ابتلي المسلمون حين ضعف أمر الخلافة بطائفة من الشيعة وهم البويهيون حيث استطاعوا أن يسيطروا على مقاليد الحكم في بغداد، وأن يهينوا الخلفاء العباسيين الذي ليس بيدهم من الأمور شيء، وقد أراد البيهويون نزع الخلافة من العباسيين وإعطائها لإخوانهم العبيديين بزعمهم أنهم من آل البيت، ثم عدلوا عن ذلك. وقد لاقى أهل السنة في عهد بني بويه، الكثير من المآسي والنكبات، فكانت لا تمر سنة واحدة إلا ويحدث بين الرافضة وأهل السنة كثير من المصادمات والفتن، حيث كان الرافضة في يوم عاشوراء من كل عام يفعلون بدعتهم الشنعاء ويغلقون الأسواق، وتخرج نساؤهم حاسرات سافرات نائحات على الحسين ويلطمن وجوههن، ويكتبون على أبواب المساجد لعن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، كما يلعنون أبابكر وعمر وعثمان، وكان الحكام البويهيون يأمرون بذلك، ويذودون عن إخوانهم الرافضة، وكان هؤلاء البويهيون على صلة بالقرامطة والعبيديون في مصر.
واستطاع بنوحمدان وهم من الشيعة أيضاً أن يقيموا لهم دولة في حلب والموصل وما جاورهما، وإن كان لنبي حمدان في صد غارات الروم وجيوشهم، فإن لهم من التشيع والتواطؤ مع القرامطة شيء عظيم. راجع البداية والنهاية (11/ 27.).
كما نجح العبيديون ينسبون زوراً وبهتاناً إلى فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً في بسط سلطتهم على بلاد المغرب ومصر والشام، وقد امتلأت البلاد رفضاً وسبأ للصحابة من بني بويه وبني حمدان والعبيديين، وكل ملوك البلاد مصراً وعراقاً ووشاماً وخراسان وغير ذلك من البلاد كانوا رفضاً، وكذلك الحجاز وغيره، وغالب بلاد المغرب، فكثر السب والتكفير منهم للصحابة. البداية والنهاية (11/ 247).
وقد كان هؤلاء العبيديون أشر حالاً وأكثر وبالاً، وقد حكم العلماء بكفرهم وفسوقهم وفجورهم وأنهم ملحدون، زنادقة معطلون، وللإسلام جاحدون، قد عطلوا الحدود وأباحوا الفروج، وأحلوا الخمر وسفكوا الدماء، وسبّوا الأنبياء ولعنوا السلف وادعوا الربوبية. انظر: الوثيقة التي أصدرها العلماء في بغداد عام (4.2 هـ) بشأن العبيديين، في الكامل لابن الأثير (9/ 236) والبداية والنهاية (11/ 369).
وقد استمرت هذه النبتة الرافضية الباطنية الخبيثة قريباً من ثلاثمائة سنة، حتى زالت على يد الملك العادل الصالح السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، وفي عهد هذه الدولة الأسود استحوذ الفرنج على سواحل الشام وبلاد الشام كلها، حتى بيت المقدس، ولم يبق مع المسلمين سوى حلب وحمص وحماة ودمشق وبعض أعمالها، وجميع السواحل مع الفرنج، والنواقيس النصرانية والطقوس الإنجليزية تضرب في شواهق الحصون والقلاع. البداية والنهاية (11/ 256) و (13/ 219).
وقد استطاع الصليحيون أيضاً وهم من غلاة الشيعة أن يقيموا لهم دولة في اليمن استمرت قرابة القرن من الزمن، حاولوا خلالها ضم الحجاز لهم وكانوا دعاة للعبيديين في مصر، وكانوا أيضاً من غلاة الشيعة الذين يسعون إلى هدم العقيدة وتقويض شرائع الإسلام، شأنهم في ذلك شأن القرامطة والعبيديين وغيرهم من طوائف الباطنية الأشرار.
والجدير بالذكر وهومما يؤسف له حقاً؛ أن هذه الدول أوأكثرها قام على أكتاف السنة، ولوأن هؤلاء لم يساعدوا على قيامها، أولوأنهم قاوموها لانهارت بأقرب فرصة، ولكن غفلة عوام السنة تجعلهم ألعوبة بيد أعدائهم، يضربون بهم، ويقيمون العروش على أكتافهم، فقبائل كتامة لم تكن شيعية أوإسماعيلية قبل أن يتلاعب بهم أبوعبد الله الشيعي أحد المؤسسين للدولة العبيدية -، وهم الذين أقاموا الدولة العبيدية، والبيهيون حكموا بغداد عاصمة الخلافة، وكان من العلماء والوزراء السنة من يعمل معهم ويساعدهم. انظر: أيعيد التاريخ نفسه (ص 61).
وفي أثناء حكم هؤلاء الشيعة الروافض اشرأبت أعناق اليهود والنصارى وقويت شوكتهم وصاروا أكابر بعد أن كانوا صاغرين، ووصل بعضهم إلى كراسي الوزارة، وألحقوا بالمسلمين من المظالم ما الله به عليم واستطاع الصليبيون في عهدهم الأسود أن يستولوا على بيت المقدس دون أن يبذل واليها من قبل العبيديين أدنى مقاومة، ولكن الله عز وجل أبطل مكر الشيعة وأوهن كيدهم، وحل الخلل والضعف في دولهم ومكن لدينه وأظهره على دين الشيعة ومذهبهم، وذلك بظهور دولتين سنيتين قويتين، وهم الغزنويون والسلاجقة.
فأما الغزنويون فقد أعادوا للجهاد قيمته ورفعوا رايته ووصلت فتوحاتهم إلى الهند وأحرقوا كتب العبيديين ورفضوا دعوتهم حين دعوهم وقتلوا داعيتهم، وقتلوا من الباطنية خلقاً كثيراً. البداية والنهاية (12/ 3. - 32).
وأما السلاجقة فقد استطاعوا أن ينقضوا على البويهيين الرافضة في بغداد، ويحرروا الخلافة العباسية من رقبتهم، بعد أن وصل بهم الحال في آخر الأمر أن دعوا على المنابر لخليفة العبيديين، وأرادوا أن يكون للشيعة كامل السلطان وعظيم الهيمنة على ديار الإسلام كلها، ولكن الله فضحهم وسلبهم ملكهم ورد كيدهم في نحرهم، وجعل تدميرهم في تدبيرهم، بأن قيض الله لهذه الأمة من أظهر دينه وأعلى كلمته وهم السلاجقة الذين ردوا للخلافة اعتبارها ومكانتها، وأبطلوا ما كان يفعله الروافض من السب للصحابة ومن البدع الشنيعة الأخرى، وخرج التوقيع من ديوانهم بكفر من سب الصحابة وأظهر البدع. البداية والنهاية (12/ 86، 99).
ونتيجة لغفلة المسلمين وتهاون خلفائهم، تمكن الرافضي الخبيث ابن العلقمي من الوصول إلى وزارة الخلفية العباسي المستعصم بالله، فكانت النتيجة لتلك الغفلة والثقة بأمثال ابن العلقمي من الروافض أن حل بالدولة الإسلامية والخلافة العباسية من الاجتياح الهمجي والاحتلال البربري من قبل هولاكووجيشه من التتار المجرمين، حيث قتل الخليفة وقتل من أهل بغداد ما يقدر في بعض الروايات بمليون وثمانمائة ألف قتيل، فيهم من العلماء والحفاظ والفقهاء والأمراء والأعيان الجم الغفير، وكل ذلك كان بسبب ممالأة هذا الوزير الرافضي ومصانعته لهولاكووقطعان التتار الهمج. البداية والنهاية (13/ 215).
وبعد ردح من الزمن تمكن الشيعة الصفويون من أن يقيموا لهم دولة قوية في فارس، قامت بينها وبين الدولة العثمانية كثير من المصادمات العنيفة والحروب الضارية، وقد عملت هذه الدولة الشيعية على نشر المذهب الشيعي في الأناضول، وهي الموطن الأصلي للدولة العثمانية، ولقي المذهب الشيعي استجابة واسعة بين رعايا الدولة وبخاصة في شرق الأناضول، ولكن السلطان سليم الأول أحس بالخطر الشيعي القادم، فجيش الجيوش وجند الأجناد واستطاع أن ينزل الهزيمة بالشاه إسماعيل ملك الصفويين، ودخل عاصمتهم تبريز، واستولى على كثير من الأقاليم التي كانت تحت يدهم، ولكنه لم يقض عليهم تماماً بسبب انشغاله بالحروب والفتوحات في الشرق العربي الإسلامي. الدولة العثمانية دولة مفترى عليها (1/ 18 - 19). ولا تزال طوائف الرافضة إلى يومنا هذا تسيطر على فارس وتعمل على نشر مذهبها في أنحاء العالم.
وهكذا كان هؤلاء الروافض الباطنية على تباين نحلهم واختلاف طوائفهم العدوالأكبر والخطر الأعظم على المسلمين، وكانوا ومازاوا خنجراً مسموماً استعمله أعداء الإسلام من تتار وصليبيين ويهود من أجل هدم هذا الدين، وقد رأيناهم حينما وصلوا إلى الحكم سرعان ما ألقوا بأقنعتهم المزيفة وكشفوا عن وجوههم الخبيثة، وظهر ما كان مختفياً من الحقد والكراهية ضد المسلمين، فاضطهدوهم وقتلوهم وعذبوهم، ولولا أن الدين محفوظ من عند الله، وأن الله يبعث له من يجدده ويظهره لاستطاع هؤلاء الأشرار القضاء على الإسلام، وإبادة المسلمين نهائياً، فالشيعة هي الفرقة الكبرى والشوكة المسمومة التي تولت كبر شق عصا المسلمين وتفريق كلمتهم، وإضعاف أمرهم، وكما قال شيخ الإسلام: فبهذا تبين أنهم شر من عامة أهل الأهواء وأحق بالقتال من الخوارج. مجموع الفتاوى (28/ 482). بتصرف من كتاب: الانحرافات العقدية والعلمية (1/ 51 - 64).
وبعد هذا العرض السريع لأهم دول الشيعة وعن كيفية تكونها والأحداث التي مرت بها الأمة الإسلامية في عهدهم، منذ أن ظهرت فرقة السبئية إلى اليوم، نصل من خلال ذلك إلى الحديث عن موضوع بحثنا وهوالحديث عن طائفة الزيدية.
يتكون البحث من مقدمة وخمسة مباحث وخاتمة:-
المقدمة: وهي عبارة عن تمهيد للموضوع، أذكر فيه بشكل مختصر بداية ظهور التشيع وانتشاره في العالم الإسلامي، ثم ذكر مباحث الموضع.
المبحث الأول: سيكون الحديث فيه عن تعريف التشيع وعن بدايته ومراحل تطوره، مع ذكر أشهر الأسماء والفرق التي عرف بها.
المبحث الثاني: ترجمة للإمام زيد بن علي رضي الله عنه، مع الحديث عن سبب خروجه حتى مقتله وآرائه رضي الله عنه.
المبحث الثالث: التحقيق في صحة نسبة كتاب (المجموع)، الموجود الآن عند الزيدية إلى زيد بن علي رضي الله عنه.
المبحث الرابع: الحديث عن طائفة الزيدية، بداية ظهورها، ومناطق نفوذها وانتشارها، والفرق التي تشعبت منها.
المبحث الخامس: الزيدية في التاريخ المعاصر، موقفها من أهل السنة، وموقف أهل السنة منها، والحكم عليها ..
الخاتمة: وفيها نتائج البحث.
ولا أعد هذا البحث في عداد البحوث، ولا أذكره مصنفاً بين المصنفات، فلم أرِدْ به وضعاً بين هذا، أوذلك، وما هوإلا ما تيسر من التقدير، وتقدر من التيسير، وحفظ لما نذكر، وذكر لما نحفظ، والله أسأل صدق النية وحسن القصد.
وبالله التوفيق وهوالهادي إلى سواء السبيل.
المبحث الأول: تعريف التشيع وبداية ظهوره ومراحل تطوره مع ذكر أشهر الأسماء والفرق التي عرف بها.
أولاً: تعريف التشيع:-
التعريف اللغوي: الشيعة هي الفرقة من الناس، كقوله تعالى {إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء} [الأنعام/159]. أوفرقاً وأحزاباً كقوله تعالى {إن فرعون على في الأرض وجعل أهلا شيعاً} [القصص/4]، والشيعة أيضاً: قوم يرون رأي غيرهم، وبمعنى الأتباع والأنصار، وتشايع القوم: أي صاروا شيعاً، والتشيع بمعنى: الأهواء المختلفة، كقوله تعالى {أويلبسكم شيعاً} [الأنعام/65]، والتشيع بمعنى الإشاعة، كقوله تعالى {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم} [النور/19]، أي تفشوا الفاحشة. انظر: لسان الرب لابن منظور (8/ 189) والقاموس المحيط للفيروز آبادي (ص 949) وقاموس القرآن للدامغي (ص 271).
قال الأزهري في تهذيب اللغة (3/ 61): والشيعة أنصار الرجل وأتباعه، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة.
وقال الزبيدي في تاج العروس (5/ 4.5): كل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، وكل من عاون إنساناً وتحزب له فهوشيعة له، وأصله من المشايعة وهي المطاوعة والمتابعة.
التعريف الاصطلاحي: اختلفت وجهات نظر العلماء في التعريف بحقيقة الشيعة، ونوجز هنا أقولهم:-
قال ابن حزم: بأنهم من قال بأفضلية علي رضي الله عنه على سائر الصحابة رضوان الله عليهم، وأحقيته بالإمامة، ومن ثَمّ ولده من بعده. الفصل في الملل والأهواء والنحل (2/ 113).
وقال ابن منظور: تطلق الشيعة في الأصل على من تولى علياً وبنيه وأقر بإمامتهم. وقال أيضاً: فالشيعة قوم يهوون هوى عترة النبي صلى الله عليه وسلم ويوالونهم. لسان العرب (8/ 189).
وقال الشهرستاني: وهم الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية إما جلياً وإما خفياً، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاده، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أوبتقية من عنده. الملل والنحل، هامش الفصل في الملل والنحل لابن حزم (1/ 195).
وقال الفيروز آبادي في القاموس المحيط (3/ 49): وقد غلب هذا الاسم على كل من يتولى علياً وأهل بيته، حتى صار اسماً لهم خاصة.
والتعريف الراجح والجامع إن شاء الله من كل ما تقدم هو: اسم لكل من فضل علياً على الخلفاء الراشدين قبله رضي الله عنهم، ورأى أن أهل البيت أحق بالخلافة، وأن خلافة غيرهم باطلة.
ثانياً: بداية التشيع:-
اختلف مؤرخوالفرق في تحديد بداية التشيع اختلافاً كثيراً بالنسبة لظهور الفرق الأخرى، لأن عقائد الفرق وثيقة الاتصال بالأحداث التاريخية، كعقيدة الخوارج ظهرت وقت التحكيم، ولا يختلف فيه مؤرخ وباحث، أما التشيع فقد كانت عدة حوادث تاريخية لها أثر بالغ في المذهب الشيعي.
فهناك أحداث تاريخية رُبط بينها وبين ظهور التشيع، أما الشيعة فيرون أن التشيع بدأ من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر هذا الرأي كل من: محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها (ص 118)، ومحمد حسين الزين في كتابه الشيعة في التاريخ (ص 29 - 31)، وهوما ذكره النوبختي أيضاً في فرقه (ص 39) وهوما أكده الخميني في عصرنا الحاضر في كتابه الحكومة الإسلامية (ص 136)، بل ذهب حسن الشيرازي إلى القول: بأن الإسلام ليس سوى التشيع والتشيع ليس سوى الإسلام، والإسلام والتشيع اسمان مترادفان لحقيقة واحدة أنزلها الله، وبشر بها الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر: الشعائر الحسينية (ص 11).
وقولهم هذا ما هوإلا محاولة منهم لفك ارتباط عقيدتهم بأصول يهودية وفارسية. راجع: دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين لأحمد الجلي (ص 153)، وفرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام لغالب بن علي عواجي (1/ 172).
ويرى آخرون أنه ظهر في آخر أيام عثمان رضي الله عنه وقوي في عهد علي. انظر: رسالة في الرد على الرافضة (ص 42).
في حين يرى بعضهم أنه ظهر في معركة الجمل حين تواجه علي وطلحة والزبير، وقد تزعم هذا القول ابن النديم حيث ادعى أن الذين ساروا مع علي واتبعوه سموا شيعة من ذلك الوقت. الفهرست (ص 249).
ويرى آخرون أنه ظهر يوم معركة صفين، وهوقول لبعض علماء الشيعة كأبوحمزة وأبوحاتم. انظر: الشيعة والتشيع (ص 25).
ويرى آخرون أنه بعد مقتل الحسين رضي الله عنه، وهوقول كامل مصطفى الشيبي وهوشيعي؛ حيث زعم أن التشيع بعد مقتل الحسين أصبح له طابع خاص. الصلة بين التصوف والتشيع (ص 23).
والذي يترجح أن التشيع قد ظهر في زمن عثمان رضي الله عنه، لكنه لم يتخذ صورة عامة أوحزباً مستقلاً إلا بعد موقعة صفين وانقسام جيش علي رضي الله عنه إلى أتباع وخارجين، بمعنى أن التشيع كحزب ظهر في صفين، حين انشقت الخوارج وتحزبوا في النهروان، فظهر في مقابلهم أتباع وأنصار علي. راجع: مقدمة رسالة في الرد على الرافضة للمقدسي (ص 41 - 42).
ولما كانت كلمة الرفض مرادفة للتشيع في بعض الأحيان، فلابد من أن أذكر بداية ظهور كلمة الرفض.
ومعنى الرافضة:-
الرفض في اللغة: يأتي بمعنى الترك، يقال رفض يرفض رفضاً، أي ترك، وعرفهم أهل اللغة بقولهم: والروافض كل جند تركوا قائدهم. الصحاح للجوهري (3/ 1.78) والقاموس المحيط (ص 344)، وهذا هومعنى الرفض في اللغة.
وأما تعريف الرفض في الاصطلاح: فإنه يطلق على تلك الطائفة ذات الأفكار والآراء الاعتقادية، والذين رفضوا خلافة الشيخين وأكثر الصحابة، وزعموا أن الخلافة في علي وذريته من بعده بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، وأن خلافة غيرهم باطلة.
سبب تسميتهم بالرافضة:-
أطلقت هذه التسمية على الرافضة لأسباب كثيرة:
1 - قيل: إنهم سموا رافضة لرفضهم إمامة زيد بن علي، وتفرقهم عنه. البداية والنهاية (9/ 33.)، كما سيأتي.
2 - وقيل: سموا رافضة لرفضهم أكثر الصحابة، ورفضهم لإمامة الشيخين. مقالات الأشعري (1/ 89).
3 - وقيل: لرفضهم الدين. نفس المصدر.
ولعل الراجح هوالثاني، ولا منافاة بينه وبين الأول، لأنهم كانوا رافضة يرفضون الشيخين وقد رفضوا زيداً كذلك إذ لم يرض مذهبهم كما سيأتي
اتفق جمهور المحققين والباحثين أن إطلاق هذه التسمية يعود تاريخها إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، حينما خرج على هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم (ت 125 هـ) الخليفة الأموي في سنة (121 هـ). انظر: منهاج السنة لابن تيمية (1/ 34 - 35)، ورسالة في الرد على الرافضة (ص 66).
لكن لا يعني هذا أنهم لم يكونوا موجودين قبل هذه الحادثة، والذي يدل على أنهم وجدوا قبل انفصالهم عن زيد بن علي هوطلبهم الذي طلبوه من زيد بإعلان البراءة من الشيخين، وأن يوافقهم على أهوائهم، لكن زيداً خيّب آمالهم، فانفضوا عنه .. وسبب ذلك يعود إلى تشبعهم بأفكار اليهودي الخبيث عبد الله بن سبأ، وانحرافهم التام عن التشيع لأهل البيت الذي كان عبارة عن الحب والمناصرة.
ثالثاً: مراحل تطوره:-
وبمعرفتنا لبداية التشيع والرفض لابد أن نعلم أنه لم يكن المتشيعون بنفس الدرجة في كل عصر، وبالتالي يختلفون في مدى الغلو، بمعنى أن تشيعهم لا يتجاوز تقديمهم علياً على عثمان رضي الله عنهما، أما خلافة الشيخين رضي الله عنهما فإنهما مفضلين على غيرهما، وهذا كان أول عهد التشيع، فقد قيل لشريك بن عبد الله القاضي من أهل الكوفة ولي القضاء بها، وكان عدلاً فاضلاً عابداً شديداً على أهل البدع (ت 177 أو178) التقريب لابن حجر (ترجمة 2787): أنت من شيعة علي وأنت تفضل أبا بكر وعمر، فقال: كل شيعة علي على هذا، هويقول أي علي رضي الله عنه على أعواد هذا المنبر: خير الأمة بعد نبيها أبوبكر، ثم عمر، أفكنا نكذبه والله ما كان كذاباً. راجع: منهاج السنة (1/ 13).
لذلك كان يكثر هذا في التابعين وتابعيهم من الدين والورع والصدق، ولورد حديث هؤلاء لذهب جملة من الآثار النبوية، وهذه مفسدة بينة، أما الغالي في زمانهم فكان هومن تكلم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب علياً رضي الله عنهم أجمعين، وتعرض لسبهم. راجع: ميزان الاعتدال للذهبي (1/ 6).
ولكن هذا الذي كان غال في زمانهم هوأمر هين في زمان من بعدهم، فهناك غلوأعظم منه يتمثل في تقديم علي على الشيخين رضي الله عنهما، ومع ذلك فإنهم يعتبرون خلافتهما، وهؤلاء هم أتابع زيد بن علي كما سيأتي - إذا لم يتجاوزوا هذا القول.
ثم جاء غلوأعظم وبدعة أكبر وهوالمتمثل في الرفض الكامل، وهم الذين يحطون من قدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والدعاء إلى ذلك، فهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة. ميزان الاعتدال للذهبي (1/ 6)
حيث بدأ التشيع بعد ذلك يأخذ جانب التطرف والخروج عن الحق، وبدأ الرفض يظهر وبدأت أفكار ابن سبأ تؤتي ثمارها الشريرة، فأخذ هؤلاء يظهرون الشر، فيسبون الصحابة ويكفرونهم ويتبرؤون منهم، ولم يستثنوا منهم إلا القليل كسلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد وعمار بن ياسر وحذيفة، وحكموا على كل من حضر (غدير خم) بالكفر والردة؛ لعدم وفائهم بزعمهم ببيعة علي وتنفيذ وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي في ذلك الحدث.
وأخيراً بلغ التشيع عند الغلاة إلى الخروج عن الإسلام، حيث نادى هؤلاء بألوهية علي، وقد تزعم هذه الطبقة ابن سبأ، ووجد له آذاناً صاغية عند كثير من الجهال ومن الحاقدين على الإسلام.
رابعاً: أشهر الأسماء التي عرف بها:-
1 - الشيعة: وهوأشهر اسم من أسمائهم، ويشمل جميع فرقهم، ولا خلاف بين العلماء في إطلاقه عليهم كاسم علم.
2 - الرافضة: وقد أطلقه عليهم بعض العلماء فجعله اسماً لجميع الشيعة.
3 - الزيدية: وهي تسمية لبعض الناس من أتباع زيد بن علي، يطلقونها على جميع الشيعة. انظر: الأديان والفرق والمذاهب المعاصرة (ص 146).
وكل هذه الأسماء الثلاثة وردت من خلال كتابات بعض العلماء عن طائفة الشيعة، واختيار كل منهم للاسم الذي يطلقه عليهم لا أن هذه التسميات بالاتفاق أوبهذا الترتيب.
والواقع أن إطلاق اسم الرافضة على عموم الشيعة بمن فيهم بعض فرقهم كالزيدية التي نشأت في نهاية القرن الأول للهجرة غير سديد، لأن التسمية رافضة إنما أخذت من قول زيد بن علي لبعض الشيعة: رفضتموني، فسموا رافضة، وليس معنى هذا أنهم لم يكونوا على عقيدة الرفض بل هم رافضة، ولهذا طلبوا من زيد أن يكون رافضياً مثلهم فامتنع. لكن لم تجر هذه التسمية عليهم قبل ذلك، ومعنى هذا أن الشيعة كان لهم وجود قبل زيد تحت أسماء أخرى كما سيأتي بيانه.
وكذا إطلاق اسم الزيدية على جميع فرق الشيعة يرد عليه اعتراض، فقد كانت الشيعة لهم وجود قبل زيد الذي تنسب إليه الزيدية متمثلاً في فرق السبئية والكيسانية، ثم إن الزيدية لا تقول بكل مقالات الشيعة الغلاة، بل بينهما خلافات حادة في كثير من الآراء، وهوواضح من موقف زيد نفسه، فلم يرفض زيد خلافة الشيخين ولم يسبهما.
ويتضح من هذا أن إطلاق اسم الشيعة على كل طوائف التشيع لا يرد عليه اعتراض إذا أريد به اسم علم، بغض النظر عن صدق هذا الاسم عليهم أوعدم صدقه، فقد يكون الاسم من المسلمين وصاحبه من الملحدين، وقد يكون العكس، فلا تأثير للأسماء في الحقيقة والواقع وهذا ينطبق على الزيدية في الوقت الحاضر كما سيأتي -. راجع: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام (1/ 178 - 179).
خامساً: أشهر فرق الشيعة:-
انقسمت الشيعة إلى فرق عديدة، أوصلها بعض العلماء إلى ما يقارب سبعين فرقة. راجع مختصر التحفة الاثنى عشرية.
وبدارسة تلك الفرق يتضح أن منهم الغلاة الذين خرجوا عن الإسلام وهم يدّعون التشيع، ومنهم دون ذلك، ويمكن أن نقتصر على ذكر أشهر فرق الشيعة والتي كان لها دور بارز في العالم الإسلام وهي:
1 - السبئية. 2 - الكيسانية. 3 المختارية. 4 - الرافضة. 5 - الزيدية.
وسأعرف بهذه الفرق بصورة سريعة حتى نصل إلى موضوع البحث وهوالحديث عن فرقة الزيدية.
1 السبئية: وهم أبتاع عبدالله بن سبأ اليهودي، وهوأول من أسس التشيع على الغلوفي أهل البيت، وقد بدأ ينشر آراءه متظاهراً بالغيرة على الإسلام ومطالباً بإسقاط الخليفة إثر إسلامه المزعوم، ثم دعا إلى التشيع لأهل البيت وإلى إثبات الوصية لعلي إذ أنه كما يزعم ما من نبي إلا وله وصي، ثم زعم بعد ذلك أن علياً خير الأوصياء بحكم أنه وصي خير الأنبياء، ثم دعا إلى القول بالرجعة، ثم إلى القول بألوهية علي، وأنه لم يقتل بل صعد إلى السماء، إلى غير ذلك من أباطيله الكثيرة، ورغم تفاهة هذه الدعاوى إلا أنها وجدت مؤيدين ومناصرين.
2 - الكيسانية: بدأ ظهور هذه الفرقة بعد مقتل علي رضي الله عنه وعرفوا بهذه التسمية واشتهروا بموالاتهم لمحمد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفية، وظهر تكونهم بعد تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنهما. مقالات القمي (ص 26).
وقالوا بأن من خالف ابن الحنفية فهومشرك كافر، وقد اختلف في كيسان زعيم الكيسانية، فقيل: إن كيسان رجل كان مولى لعلي بن أبي طالب، وقيل: بل كان تلميذاً لمحمد بن الحنفية، وقيل: بل هوالمختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب، وقد كان يلقب بكيسان. وهذا غير صحيح؛ لأن قيام الكيسانية كان قبل ظهور أمر المختار. راجع: الملل والنحل للشهرستاني (1/ 147) ومقالات القمي (ص 21).
3 - المختارية: تنسب إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي الكذاب، والواقع أن هذه الفرقة كانت في الأصل جزء من فرقة الكيسانية، وحينما جاء المختار انضم إليه هؤلاء وكونوا بعد ذلك فرقة المختارية.
4 - الرافضة: وهم الذين رفضوا زيد بن علي وتفرقوا عنه، ورفضوا أيضاً أكثر الصحابة وإمامة الشيخين. راجع: مقالات الأشعري (1/ 89).
وهم الواجهة البارزة في عصرنا الحاضر للتشيع، وقد تعددت فرق الروافض منها:-
1 - المحمدية: وخلاصة أمر هذه الطائفة أنهم يعتقدون أن الإمام والمهدي المنتظر هومحمد بن عبد الله بن الحسن بن علي المعروف بالنفس الزكية. انظر أخبار هذه الفرقة في الفرق بين الفرق (ص 24. - 242).
2 - الاثنا عشرية: وهم القائمون اليوم في أكثر بقاع الأرض، وسبب تسميتهم بهذا الاسم هواعتقادهم بإمامة اثني عشر رجلاً من آل البيت ثبتت إمامتهم حسب زعمهم بنص النبي صلى الله عليه وسلم.
5 - الزيدية: وهم موضوع البحث وسيأتي الحديث عنهم بشيء من التفصيل.
المبحث الثاني: ترجمة زيد بن علي، وسبب خروجه ومقتله رضي الله عنه وآرائه ..
تمهيد:-
بعد قتل الحسين بن علي رضي الله عنه، ظهرت معظم الفرق التي تزعم التشيع، بل وأخذت دعوى التشيع تتصاعد في الغلو، وفي أيام علي بن الحسين بن علي الملقب بزين العابدين، طمع الشيعة في استجلابه إليهم، غير أنه كان على ولاء تام ووفاء كامل لحكام بني أمية متجنباً لمن نازعهم، بل إن يزيد بن معاوية وهوالخليفة كان يكرمه ويجلسه معه. راجع التشيع والشيعة (ص 2.4).
وقد أنجب علي بن الحسين عدداً من الأولاد منهم:-
زيد بن علي بن الحسين، ومحمد بن علي بن الحسين المكنى بأبي جعفر الباقر، وعمر بن علي بن الحسين وتسمية علي بن الحسين ابنه باسم عمر إفحام لكذب الشيعة فيما يدعون من كراهية علي لأبي بكر ولعمر؛ حيث إنهم يجنبون أولادهم التسمية باسم خيار الصحابة -.
وقد اختلف الشيعة في أمر زيد بن علي ومحمد بن علي أيهما أولى بالإمامة بعد أبيهما؟
فذهبت طائفة إلى أن الإمامة لزيد فسموا زيدية، وهؤلاء يرتبون الأئمة ابتداءً بعلي بن أبي طالب، ثم ابنه الحسن ثم الحسين، ثم هي شورى بعد ذلك بين أولادهما كما ترى الجارودية، وهي فرقة من غلاة الزيدية، راجع المقالات والفرق (ص 18)، ثم ابنه علي بن الحسين زين العابدين، ثم ابنه زيد وهوصاحب هذا المذهب ثم ابنه يحيى بن زيد، ثم ابنه عيسى بن زيد كما ترى الحصينية منهم، كما قال القمي في المقالات والفرق (ص 74) -، وبعد ذلك يشترطون في الإمام أن يخرج بسيفه سواء كان من أولاد الحسن أومن أولاد الحسين، وذهبت طائفة أخرى إلى أن الإمامة لمحمد بن علي بن الحسين المكنى بأبي جعفر الباقر، انظر التشيع والشيعة (ص 2.4).
أولاً: ترجمة زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه:-
هوزيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ولد سنة (8. هـ) تقريباً، وتوفي سنة (122 هـ)، أمه أم ولد، كانت أمة أهداها المختار إلى علي زين العابدين، فأنجبت له زيداً.
كان زيد كما تذكر كتب التراجم: شخصية فذة، صاحب علم وفقه وتقوى، اتصل بواصل بن عطاء وأخذ عنه، واتصل بأبي حنيفة وأخذ عنه، وكان أبوحنيفة يميل إلى زيد ويتعصب له.
وبعض العلماء كالشهرستاني يصرح بتلمذة زيد لواصل بن عطاء ولأبي حنيفة، لكن الأستاذ أبوزهرة يرى أنها ليست تلمذة بمعنى الكلمة، وإنما كان اتصاله بزيد على سبيل المذاكرة لتساويهما في العمر؛ إذ إن واصل بن عطاء وزيد بن علي ولدا في سنة (8. هـ)؛ ولكن هذا لا يمنع أن يتتلمذ ويتأثر زيد بواصل بن عطاء، وأن يتتلمذ كذلك على أبي حنيفة، فإن تأثر زيد بهما وتأثر الزيدية بعد ذلك بالمعتزلة والحنفية ظاهر على سبيل التلمذة لا المذاكرة التي يذهب إليها أبوزهرة، ولهذا قيل: (الزيدية معتزلة في الأصول، حنفية في الفروع). راجع: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام (1/ 199).
روى عن أبيه زين العابدين وأخيه الباقر وعروة بن الزبير وأبان بن عثمان بن عفان، وعنه ابن أخيه جعفر بن محمد وشعبة والأعمش وسعيد بن خثيم وابن أبي الزناد، وغيرهم. راجع ترجمته في كل من الكتب التالية: سير أعلام النبلاء للذهبي (5/ 389 - 391) وتهذيب الكمال للمزي (1./ 95 - 98) وطبقات ابن سعد (5/ 325) وطبقات خليفة (ص 258) والتاريخ الكبير للبخاري (3/ 4.3) وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (1/ 158 - 159) وفي غيرها من كتب التاريخ كأنساب الأشراف للبلاذري والمنتظم لابن الجوزي ومرآة الزمان لسبط ابن الجوزي ونحوها من الكتب المستوعبة لتراجم الرجال.
ثانياً: سبب خروجه ومقتله رضي الله عنه:-
خرج زيد على الخليفة الأموي وأشهر السلاح في وجهه، فما هوالدافع لزيد بن علي لهذا الخروج؟
حسب ما تذكر كتب المصادر: أن زيداً خرج على بني أمية منكراً للظلم والجور، وبعضها يذكر أنه لم يكن يريد الخروج، ولا طلب الخلافة، ولكن حدث في تصرف هشام بن عبد الملك وعماله إهانات وإساءة لزيد لم يطق أن يعيش معها مسالماً لهشام بن عبد الملك، وذلك أن زيداً أحس أن والي المدينة من قبل هشام وهوخالد بن عبد الملك بن الحارث، ووالي هشام على العراق يوسف بن عمر الثقفي يتعمدان الإساءة له، وربما تصور أن ذلك بإيعاز من الخليفة نفسه، فقرر أن يذهب للشام ويشرح أمره لهشام ليزيل ما فيه نفسه من تخوف أن يثور عليه زيد، لكن حدث ما لم يكن في حسبانه، فقد قابله الخليفة مقابلة غير لائقة به، حاصلها: أن زيد وقف بباب هشام فلم يؤذن له بالدخول مدة، فكتب له كتاباً يشرح أمره ويطلب الإذن فكتب هشام في أسفل الكتاب: ارجع إلى أميرك بالمدينة، فعزم زيد على مقابلته وقال: والله لا أرجع إلى خالد أبداً، ودار بينهما نقاش كان في نهايته أن خرج زيد متوجهاً إلى الكوفة. فجاءه أهلها وعاهدوه على نصرته، ثم نكسوا على أعقابهم حين تراءى الجمعان، جيش الخلافة وهؤلاء الأوباش، وفي هذا الموقف الحرج قام هؤلاء وسألوه ليأخذوا حجة في الهرب ولرداءة معتقدهم قالوا: له: إنا لننصرك على أعدائك بعد أن تخبرنا برأيك في أبي بكر وعمر اللذين ظلما جدك علي بن أبي طالب، فقال زيد دون نفاق -: إني لا أقول فيهما إلا خيراً، وما سمعت أبي يقول فيهما إلا خيراً، وقد كانا وزيري جدي، فلما سمعوا هذا الجواب تفرقوا عنه ورفضوه، فقال لهم: رفضتموني؟ - فسموا رافضة وبقي في شرذمة قليلة سرعان ما قضي عليهم، وقتل زيد. انظر: الكامل لابن الأثير (5/ 229 - 235 و242 - 247) والبداية والنهاية لابن كثير (9/ 329 - 33.) ومروج الذهب للمسعودي (3/ 217 - 22.) ومقاتل الطالبين للأصفهاني (ص 86 - 1.2). ويجب أن تدرك المبالغات التي ذكرها المسعودي
والأصفهاني بناء على تشيعهما.
ثالثاً: آراء زيد بن علي رضي الله عنه:-
للشيعة عموماً آراء متضاربة متناقضة وأفكار تأثرت بجهات شتى من وثنية ومجوسية ويهودية ونصرانية إلا القليل منهم.
أما بالنسبة لزيد فإن آراءه كما ذكر علماء الفرق والمؤرخون نوجزها فيما يلي:
1 في السياسة: يرى زيد جواز ولاية المفضول، أي إن الإمامة عنده ليست وراثة، فإذا اقتضت المصلحة تقديم المفضول فلا بأس بذلك، وكان مع تفضيله لعلي على أبي بكر يرى أن خلافة الشيخين خلافة صحيحة، حيث يقول: (كان علي بن أبي طالب أفضل الصحابة إلا أن الخلافة فوضت إلى أبي بكر لمصلحة رأوها، وقاعدة دينية راعوها، من تسكين ثائرة الفتنة، وتطييب قلوب العامة، فإن عهد الحرب التي جرت في أيام النبوة كان قريباً، وسيف أمير المؤمنين من دماء المشركين من قريش لم يجف بعد، والضغائن في صدور القوم من طلب الثأر كما هي، فما كانت القلوب تميل إليه كل الميل ولا تنقاد له الرقاب كل الانقياد، وكانت المصلحة أن يكون القيام بهذا الشان لمن عرفوا باللين والتودد والتقدم بالسن والسبق في الإسلام، والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ). راجع كلامه في هذا الشأن في الملل والنحل للشهرستاني (1/ 155).
وفي كلامه هذا بعض الأمور التي فيها نظر، فإن الصحابة ما كانوا ليحقدوا عليه أي على علي رضي الله عنه - قتل أقربائهم من المشركين، وأما الشدة فإن عمر كان أشهر منه فيها، وقد ولاه الصحابة أمرهم.
2 - القول بعدم عصمة الأئمة أووصايتهم من النبي صلى الله عليه وسلم، كما تقول الإمامية وبعض فرق الزيدية، فإن زعمهم عصمة الأئمة أووصايتهم كان أساسه الاعتقاد الخاطئ أن تولي الأئمة كان من النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يتصرف إلى بوحي، ومن غير المعقول أن يختار الله ورسوله الأئمة ثم يجري عليهم الخطأ في أحكامهم وهم المرجع للدين بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ولكن زيداً لم يلتفت إلى هذا القول الخاطئ والاعتقاد الباطل فيما قيل عنه. انظر: الإمام زيد لأبوزهرة (ص 191)، ولكن الزيدية في عصرنا الحاضر يقولون بعصمتهم، انظر: نصيحة الإخوان (ص 4).
3 - لم يقل بالمهدي المنتظر ولا بالغائب المكتوم، في حين زعمت الجارودية من الزيدية أن محمد بن عبد الله بن الحسن لم يمت، وأنه يخرج ويغلب، وفرقة أخرى زعمت أن محمد بن القاسم حي لم يمت، وأنه يخرج ويغلب، وفرقة قالت مثل ذلك في يحيى بن محمد صاحب الكوفة. انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (1/ 141).
4 - حكم في مرتكب الكبيرة بأنه في منزلة بين المنزلتين تبعاً لرأي المعتزلة، وقيل: إنه خالفهم في تخليده في النار، وقال: لا يخلد في النار إلا غير المسلم. الإمام زيد لأبوزهرة (ص 2.4).
ولكن الشعري في المقالات (1/ 149) ينقل عن فرق الزيدية القول بتخليد مرتكب الكبيرة في النار، كما تقول الخوارج والمعتزلة، وأنهم مجمعون على ذلك.
5 - قال بالإيمان بالقضاء والقدر من الله تعالى، وأن العبد فاعل لفعله حقيقة، وله قدرة واختيار بتمكين الله له، وبها يحاسب فيثاب أويعاقب كما يذكره عنه أبوزهرة في كتابه الإمام زيد (ص 2.8). رغم أن الزيدية معتزلة في الأصول بسبب تلمذة زيد على واصل بن عطاء زعيم المعتزلة.
6 - لم يقل بالبداء على الله، وهوالقول بحدوث حوادث جديدة متغيرة في علم الله على حسب ما يحدث -، وهذا القول تزعمته الكيسانية وكثير من الروافض، واعتقاده كفر، ومذهب زيد أن علم الله تعالى أزلي قديم، وأن كل شيء بتقديره سبحانه، وأن من النقص في علم الله أن يغير إرادته لتغير علمه، ولم يتأثر بعقائد الإمامية في هذا. الإمام زيد (ص 211) ومواقف الرافضة منه في مقالات الإسلاميين (1/ 113).
7 - لم يقل بالرجعة المزعومة عند الشيعة، وهي بدعة غريبة، وهي أن كثير من العصاة سيرجعون إلى الدنيا ويجازون فيها قبل يوم القيامة، وينتصف أهل البيت ممن ظلموهم، كما أنه يرجع أقوام آخرون لا عقاب عليهم لينظروا ما يحل بمن ظلم أهل البيت. مقالات الأشعري (1/ 144 - 145).
لكن هل استمر الزيدية على هذه المبادئ التي قيلت عن زيد؟
الجواب: قطعاً لا، فقد جاءت طوائف حرفت مذهب زيد، ورفضوا خلافة الشيخين، كما هومذهب الجارودية والسليمانية، والبترية أوالصالحية، والنعيمية، واليعقوبية سيأتي الحديث عن هذه الفرق ومعتقداتها -، كما وأنهم قالوا بالرجعة، وعصمة الأئمة وغير ذلك من الأقوال.
توقفنا في الحلقة الماضية عند الحديث عن زيد بن علي وعن أسباب خروجه وعن أهم آرائه، واليوم إن شاء الله سوف يكون الحديث حول تحقيق نسبة بعض الكتب إلى زيد بن علي رحمه الله ..
المبحث الثالث: التحقيق في نسبة كتاب (المجموع) لزيد بن علي رضي الله عنه ..
طبع هذا المسند والذي يعرف أيضاً بالمجموع الفقهي مرتين في ميلانوبإيطاليا سنة (1919 م) باعتناء غريفيني، وصور بالأوفست مرات في بيروت وغيرها، وطبع في مصر سنة (134. هـ) في (399) صفحة، وكتب على غلافه: (وهوما رواه عن أبيه عن جده، ويسمى بالمجموع الفقهي، لذكره بعض المسائل الفقهية، نفع الله به آمين، جمعه عبد العزيز بن إسحاق البغدادي رحمه الله).
وقام على طبعه عبد الواسع بن يحيى الواسعي، وقدم له مقدمة تعوزها الدقة، وفيها أشياء باطلة، وقرظ له بعض علماء الأزهر، وهم: محمد بخيت المطيعي، وعبد القادر بن أحمد بدران الدمشقي، وعبد المعطي السقا، ووضع طابعه في المقدمة سؤال وجوابه في الزيدية لبكر بن محمد عاشور الصدفي مفتي الديار المصرية آنذاك -، والشيخ سليم البشري شيخ الجامع الأزهر آنذاك -.
وقد لام هؤلاء الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى؛ فقال بصدد كلامه على هذا الكتاب: ومما يؤسف له أن يقرظه بعض أفاضل العلماء من شيوخنا علماء الأزهر، غير متحرين معرفة ما فيه من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ناظرين إلى عاقبة وثوق العامة ممن لا يعرف الصحيح من السقيم بوجود توقيعاتهم على مدائح لهذه الأكاذيب، ولله الأمر من قبل ومن بعد. التعليق على المحلي (2/ 75).
وتكلم هذا الكلام بصد تعليقه على قول ابن حزم: فإن قيل: فإنه قد روي من طريق زيد عن أبيه عن جده عن علي؛ قلت: يا رسول الله! أمسح على الجبائر؟ قال: نعم، امسح عليها. انظر نحوه في مطبوع مسند زيد (ص 74 - 75). قلنا أي الشيخ أحمد شاكر -: هذا خبر لا تحل روايته؛ إلا على بيان سقوطه لأنه انفرد به أبوخالد عمروبن خالد الواسطي، وهومذكور بالكذب. أ هـ. المحلي (2/ 75).
قال الشيخ أحمد شاكر معلقاً على كلام ابن حزم وقبل ما ذكرناه عنه آنفاً: أبوخالد هذا وضاع، قال وكيع: كان في جوارنا يضع الحديث، فلما فطن له؛ تحول إلى واسط. وقال أحمد: يروي عن زيد عن آبائه أحاديث موضوعة؛ يكذب. وقال ابن معين: كذاب غير ثقة ولا مأمون، وأحاديثه التي يرويها هي التي عرفت باسم مسند زيد، أوالمجموع الفقهي. التعليق على الحلى (2/ 75).
فالعجب من قول ناشر هذا الكتاب (ص 1) عن هذا الكذاب: إن الأئمة من أهل البيت متفقون على الاحتجاج به والرواية عنه والاعتراف بفضله!! والأعجب منه أن السيد يحيى بن الحسين بن المؤيد بالله جمع رسالة في توثيق أبي خالد هذا، كما قال الشوكاني في ترجمته في البدر الطالع (2/ 33.).
ولست هنا بصدد تفصيل كلام جهابذة الجرح والتعديل على أبي خالد هذا، وإنما همي هنا الإشارة إلى أن هذا الكتاب مكذوب على الإمام زيد رحمه الله، ولذا؛ قال أحمد شاكر أيضاً في تقديمه لعمل محمد فؤاد عبد الباقي في القيام بمراجعة ترجمة مفتاح كنوز السنة (ص: ع) في معرض حديثه عن الأصول التي فهرسها د. أ. ي. فنسنك ما نصه: ( .. والكتاب الرابع عشر: المسند المنسوب لإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، المتوفى شهيداً سنة (122 هـ)، وهذا الكتاب عمدة في الفقه عند علماء الزيدية من الشيعة، لوصحت نسبته إلى الإمام زيد عليه السلام؛ لكان أقدم كتاب موجود من كتب الأئمة المتقدمين؛ إلا أن الراوي له عن زيد رجل لا يوثق بشيء من روايته عند أئمة الحديث، وهوأبوخالد عمروبن خالد الواسطي، رماه العلماء بالكذب في الرواية، قال الإمام أحمد بن حنبل في شأنه: كذاب يروي عن زيد بن علي عن آبائه أحاديث موضوعة). أ هـ.
ولا يفوتني في الختام أن أنبه على ما يلي:
أولاً: جامع هذا المسند كما على غلافه عبد العزيز بن إسحاق البغدادي، قال عنه الناشر (ص 13): (كان ثقة عالماً فاضلاً، عارفاً بالفقه)، وقبل ذلك: (وروى عنه .. ومحمد بن أبي الفوارس).
قلت: أسند الخطيب في تاريخه (1./ 458 - 459) عن أبن أبي الفوارس هذا قوله في جامع هذا المسند ما نصه: (كان البقال هذا أحد المتكلمين من الشيعة، وله كتب مصنفه على مذهب الزيدية، يجمع حديثاً كثيراً)، قال: (وكان له مذهب خبيث، ولم يكن في الرواية بذاك، سمعت منه أجزاء فيها أحاديث رديّة، ولذا ترجمه الذهبي في الميزان (2/ 623) وتاريخ الإسلام (وفيات 351 - 38.)، وابن حجر في اللسان (4/ 25) وترجمته مظلمة في هذه الكتب وغيرها.
ثانياً: الراوي لهذا المسند عن أبي خالد الواسطي الكذاب، هوإبراهيم بن الزِّبرقان، قال عنه ناشر هذا المسند (ص 13): (وثقه ابن معين، وروى عنه الحافظ أبونعيم).
قلت: ولم يسلم من غمز .. قال عنه أبوحاتم في الجرح والتعديل (1/ 1 .. ): (يكتب حديثه ولا يحتج به).
ثالثاً: أما الراوي عن ابن الزبرقان؛ فهونصر بن مزاحم، وهورافضي جلد، واتهمه أبوخيثمة بالكذب، ورماه جميع من الجهابذة كما تراه في ترجمته في الميزان (4/ 253) وغيره.
رابعاً: ذكر الشوكاني في البدر الطالع (2/ 33.) في ترجمة السيد يحيى بن الحسين بن الإمام المؤيد بالله محمد بن الإمام القاسم بن محمد الشهاري الزيدي، أنه قد تصرف في هذا الكتاب؛ فقال: (ورأيت بخط السيد يحيى بن الحسين وهوابن الإمام القاسم بن محمد أن صاحب الترجمة تواطأ هووتلامذته على حذف أبواب من مجموع زيد بن علي، وهوما فيه ذكر الرفع والضم والتأمين ونحوذلك، ثم جعلوا نسخاً وبثوها في الناس، وهذا أمر عظيم وجناية كبيرة، وفي ذلك دلالة على مزيد الجهل وفرط التعصب، وهذه النسخ التي بثوها في الناس موجودة الآن؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله). أ هـ.
خامساً: قد سلك الشيخ محمد أبوزهرة في كتابه الإمام زيد (ص 233 - 275) مسلكاً غريباً في إثبات نسبة هذا الكتاب لإمام زيد ضارباً أقوال أئمة الجرح والتعديل عرض الحائط، مع أن فيه نقولاً في عدم صحة هذا الكتاب عن علماء لم نذكرهم، فاقتضى التنبيه والتنويه، والله الموفق.
والخلاصة .. هذا الكتاب مكذوب ومنحول على الإمام زيد والإسناد إليه مظلم، ورجاله غير ثقاة ابتداءً من جامعه إلى الراوي له عنه. راجع: كتب حذر منها العلماء مشهر حسن سلمان (2/ 271 - 275)، حيث أجاد في نقد هذا الكتاب وأفاد. وانظر أيضاً كتاب: المخرج من الفتنة للشخ مقبل بن هادي الوادعي (ص 76).
وإتماماً للفائدة أعرج على ذكر بعض الكتب والرسائل التي نسبت إلى زيد بن علي رضي الله عنه، فمن هذه الكتب:-
كتاب: (الوصية) وفي سنده من لا يعرف إلا الحافظ أحمد بن محمد بن سيعد بن عقدة، وهوضعيف.
كتاب: (النير الجلي في قراءة زيد بن علي) وهوكتاب في القراءة، ألفه أبوحيان التوحيدي، وأبوحيان هذا من زنادقة القرن الرابع، واسمه علي بن محمد بن العباس البغدادي، له ترجمة في سير أعلام النبلاء (17/ 119)، قال عنه الذهبي: (إنه ضال ملحد، وذكر عن بعضهم أنه كان كذاباً قدح في الشريعة وقال بالتعطيل)، وذكر الذهبي عن أبي الفرج بن الجوزي أنه قال: (زنادقة الإسلام ثلاثة: ابن الراوندي وأبوحيان التوحيدي، وأبوالعلاء المعري، وأشدهم على الإسلام أبوحيان؛ لأنهما صرحا وهومجمج ولم يصرح.
كتاب: (الرد على القدرية) وكتاب: (الرد على المرجئة) وليس لهما أسانيد.
كتاب: (التفسير) وهومن طريق عمروبن خالد الواسطي، وقد تقدم الحديث عن عمروبن خالد هذا.
وعلى كل فلم يثبت إلى زيد بن علي رحمه الله نسبة كتاب، والذي ظهر لي أن الزيدية سرّق، سرقوا الكلام على العقيدة من كتب المعتزلة، أخرجها لهم من العراق القاضي جعفر بن أحمد بن عبدالسلام في القرن السادس، وسرقوا الغلوفي أهل البيت من الرافضة من العراق، وسرقوا الفقه من كتب الحنفية.
أما في علم الحديث فقد قال علامة اليمن محمد بن إبراهيم بن الوزير في كتابه (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم): (أنه لا يجوز الرجوع إلى شيء من كتب الزيدية في علم الحديث؛ لأن علم الحديث مبني على أصلين: أحدهما علم الرجال، والآخر علم العلل، وليس للزيدية كتاب في هذين الفنين. راجع كتاب: المخرج من الفتنة للشيخ مقبل (ص 76 77).
المبحث الرابع: بداية ظهور الطائفة الزيدية ومناطق انتشارها ونفوذها والفرق التي تشعبت منها ..
بعد أن خرج زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنه على الدولة الأموية، التف حوله أوباش الكوفة وأعلنوا له الولاء، بل ألحوا عليه في الخروج ووعدوه بالنصرة والمؤازرة كما ذكرنا في المبحث الثاني -.
وبعد أن دارت الحرب بين الذين خرجوا مع زيد ومع جيش الخلافة، وتخاذل الكثير من أهل الكوفة عن نصرته وطلبهم منه أن يعطيهم رأيه في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في تلك الظروف الحالكة، وقوله تلك المقولة التي كان سبباً في اتخذ أهل الكوفة إياها ذريعة للهرب وخذلان زيد أنه لم يعلن البراءة من الشيخين بل ترحم عليهما وأثنى عليهما، فلم ينل هذا الرد استحسان الشيعة جميعاً ففارقوه، وحدث ما حدث وقتل زيد في تلك المعركة الغير متكافئة، وكان ذلك في سنة (122 هـ). انظر: الطبري (7/ 18. - 181) والكامل في التاريخ (5/ 242 - 243).
وكان مع زيد في تلك المعركة ابنه يحيى الذي استطاع الفرار إلى خراسان ولكن الجيوش الأموية طاردته حتى قتل بعد ثلاث سنوات من مقتل أبيه عام (125 هـ). الطبري (7/ 227 - 23.).
ورغم هذه النهاية المريرة لزيد وابنه يحيى، فقد استمر الزيدية من وافق زيد في مقولته في الشيخين في الخروج، فخرج محمد بن عبد الله بن الحسن بن علي المعروف (بالنفس الزكية) بالمدينة ضد بني العباس وقتل في (14 / رمضان من عام (145 هـ). الكامل (5/ 529 - 55.).
كما خرج من بعده أي من بعد محمد النفس الزكية أخوه إبراهيم بالبصرة وقتل بها في (25 / ذي القعدة من نفس العام). المرجع نفسه (5/ 56. - 57.).
وخرج أيضاً الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن علي في خلافة الهادي وقتل عام (169 هـ). الكامل (6/ 9. - 94)، وخرج يحيى بن عبد الله أخومحمد النفس الزكية أيام الهادي والرشيد. الكامل (6/ 125 - 126).
واستطاع أحد أئمة الزيدية ويسمى الحسن بن زيد، ويلقب بالحسن الأطروش، أن يؤسس دولة زيدية في أرض الديلم جنوب بحر الخزر عام (25. هـ). انظر: تاريخ الفرق الزيدية (229 - 26.).
كما استطاع الزيدية أيضاً من إقامة دولة لهم في أرض اليمن، وأقامها الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين من ولد القاسم الرسي حفيد إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وذلك أن الهادي ذهب إلى اليمن عام (28. هـ) ودعا إلى مذهبه هناك ولكن لم يجد عوناً من اليمنيين، ثم عاد إلى اليمن ثانية عام (284 هـ) وذهب إلى صعدة وكان التوفيق حليفه، فبويع بالإمامة وسعى إلى إقامة حكم إسلامي، وعمل على جمع شمل الناس على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، واستطاع إقامة العدل وإصلاح أمر الناس وإقامة حدود الله، ودخل في حروب شديدة ضد القرامطة الإسماعيلية أكثر من سبع وعشرين سنة وتوفي بصعدة عام (325 هـ). انظر: تاريخ اليمن السياسي (ص 174 - 177). وبعدها استطاع الإسماعيلية من التغلب على اليمن وانتهت بذلك دولة الزيود في اليمن.
وبعد حوالي ألف عام من هذا التاريخ استطاع الزيدية استرداد اليمن مرة ثانية إذ قاد الإمام يحيى بن منصور بن حميد الدين ثورة ضد الأتراك عام (1322 هـ)، واستطاع أن يؤسس دولة زيدية استمرت حتى سبتمبر عام (1962 م) حيث قامت الثورة اليمنية، وانتهى بذلك حكم الزيود، ولكن لا زالت اليمن معقل الزيود ومركز ثقلهم. انظر: بيان مذهب الباطنية وبطلانه، مقدمة الناشر (ص: و، ز).
فرق الزيدية:-
قد خلف من بعد زيد جماعات متعددة التزم بعضها بالآراء التي نادى بها زيد، وانحرف بعضها ومال عن تلك الآراء، ويُذكر من هذه الجماعات أوالفرق: الجارودية، والسليمانية، والصالحية.
أما الجارودية: فهم أتباع أبي الجارود زياد بن المنذر الكوفي (ت 15. أو16. هـ)، وقد وصف المحدثون أبا الجارود بأنه كذاب ليس بثقة وأنه كان رافضياً يضع الحديث في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويروي في فضائل أهل البيت أشياء مالها أصول. انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر (3/ 386 - 387). قال عنه ابن حجر في التقريب (1/ 27.): رافضي، كذبه يحيى بن معين.
ويبدوأن أبا الجارود قد وقع تحت تأثير الرافضة ومن ثم جاءت آراؤه فيها كثير من التطرف والانحراف، فرغم قوله بأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على علي رضي الله عنه بالوصف دون التسمية، ذهب إلى أن الناس قد قصّروا، حيث لم يتعرفوا الوصف ولم يطلبوا الموصوف، ونصبوا أبا بكر باختيارهم، فكفروا بذلك. الملل والنحل للشهرستاني (1/ 157 - 158).
وتطرفت جماعات من الجارودية أكثر من ذلك فقالت بغيبة الأئمة ونادت برجعتهم وذهبوا إلى أن محمد بن عبد الله الإمام لم يتقل وهوبعد (حي) وسيخرج ويملأ الأرض عدلاً، وزعمت طائفة أخرى من الجارودية أن علم ولد الحسن والحسين رضي الله عنهم كعلم النبي صلى الله عليه وسلم، فيحصل لهم العلم قبل التعلم فطرة وضرورة. الملل والنحل (1/ 159).
بل ردد بعضهم عبارات شبيهة بعبارات الرافضة في هذا الصدد فقالوا مثلاً: الحلال حلال آل محمد صلى الله عليه وسلم، والحرام حرامهم والأحكام أحكامهم، وعندهم جميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، كله كاملاً عند صغيرهم وكبيرهم، الصغير منهم والكبير في العلم سواء، لا يفضل الكبير منهم الصغير. المقالات للقمي (ص 72).
أما السليمانية أوالجريرية: فهم أتباع سلميان بن جرير، وقد ذهبوا إلى أن الإمامة شورى وأنها تصلح بعقد رجلين من خيار المسلمين، وأنها قد تصلح في المفضول وإن كان الفاضل أفضل في كل حال، كما يثبتون إمامة الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. المقلات للأشعري (ص 68).
لكن ذهبوا إلى أن الصحابة رضوان الله عليهم تركوا الأصلح بتركهم مبايعة علي لأنه أولاهم بذلك وذلك خطأ، ولكنه لا يوجب كفراً ولا فسقاً، إذ أنه خطأ اجتهادي، غير أن سليمان بن جرير ذهب إلى تكفير عثمان رضي الله عنه للأحداث التي أحدثها بزعمهم -، كما أكفر عائشة والزبير وطلحة رضي الله عنهم، بإقدامهم على قتال علي رضي الله عنه، هذا في الوقت الذي رفض فيه آراء الرافضة في التقية والبداء. الملل والنحل للشهرستاني (1/ 159 - 16.) والحور العين لنشوان الحميري (ص 155).
أما الصالحية: فهم أتباع الحسن بن صالح بن حي، وهوكوفي ولد عام (1 .. هـ) وتوفي عام (16. هـ) وخرّج له البخاري ومسلم في باب الأدب ووثقه الجمهور وقيل إنه ثقة فقيه عابد، ولكنه رمي بالتشيع المعتدل -. التقريب (1/ 167).
وقد ذهب الصالحية إلى مذهب السليمانية في الإمامة، ولكنهم توقفوا في أمر عثمان والحكم عليه بالإيمان أوالكفر، وقالوا إن الأخبار الواردة في حقه وكونه من المبشرين بالجنة توجب الحكم بصحة إسلامه وإيمانه وكونه من أهل الجنة، بينما الأحداث التي أحدثها من استهتاره بتربية بني أمية ونبي مروان واستبداده بأمور لم توافق سيرة الصحابة توجب الحكم بكفره، فقالوا إنا تحيرنا في أمره وتوقفنا في حاله ووكلناه إلى أحكم الحاكمين. الملل والنحل (1/ 161).
وهناك فرق أخرى مثل: المخترعة ولم يذكر إلى من تنتسب، وفرقة المطرفية أصحاب مطرف الشهابي، وهي فرقة غالية ترى أن سب السلف ثوابه عظيم، وهم أكثر أهل الزيدية غلواً في السب والأذى، وهناك فرقة اليعقوبية أصحاب يعقوب. راجع هذه الفرق في كتاب: عقائد الثلاث والسبعين فرقة لأبي محمد اليمني (1/ 452 - 458).
وقد وصف أبوزهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية (1/ 47) الزيدية بأنهم: (أقرب فرق الشيعة إلى الجماعة الإسلامية، وأكثر اعتدالاً، وتشيعهم نحوالأئمة لم يتسم بالغلو؛ بل اعتبروهم أفضل الناس بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، واعتدلوا في مواقفهم تجاه الصحابة، فلم يكفروهم وخصوصاً من بايعهم علي رضي الله عنه واعترف بإمامتهم).
هكذا قال عنهم، والذي يظهر لي أن هذا الحكم غير صحيح على جميع الزيدية كما يظهر من آراء كل طائفة التي ذكرت -، فإن بعض طوائفهم رافضة خلّص، وهم الذي خرجوا عن مبادئ زيد وآرائه، سواء كانوا متقدمين أومتأخرين.
فقد قسم أبوزهرة في كتابه تاريخ المذاهب الإسلامية (1/ 52) الزيدية من حيث الاعتقاد إلى قسمين:-
1 المتقدمون منهم، المتبعون لأقوال زيد، وهؤلاء لا يعدون من الرافضة، ويعترفون بإمامة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
2 - وقسم من المتأخرين منهم، وهؤلاء يعدون من الرافضة، وهم يرفضون إمامة الشيخين ويسبونهما ويكفرون من يرى خلافتهما.
وكلامه هذا فيه نظر، كما سبق وأن بينا معتقدات كل طائفة من طوائف الزيدية المتقدمين.
المبحث الخامس: الزيدية في التاريخ المعاصر، موقفها من أهل السنة، وموقف أهل السنة منها ..
أولاً: الزيدية في التاريخ المعاصر، وموقفها من أهل السنة ..
لقد انقرضت فرق الزيدية المختلفة التي أشرنا إليها، أوذابت في فرق الشيعة الأخرى، وما بقي من الزيود الآن فهم متمسكون بآراء تلتقي بجملتها مع آراء المعتزلة وأصولهم، والرافضة في معتقداتهم.
أما بالنسبة لموقفها من أهل السنة فإنه يمكننا أن نحكم عليهم من خلال الحديث عما لاقاه أهل السنة في اليمن خلال هذه الفترة، وربطه مع عصر مؤلف كتاب عقائد الثلاث والسبعين فرقة: أبومحمد اليمني، فهذا المؤلف كان موجوداً سنة (54. هـ) ولم يعرف عن هذا المؤلف أكثر من هذا، حيث بقي تاريخ ولادته ووفاته أوأي شيء يخص أويتعلق به أوما يشير إلى شخصه مجهولاً، بل إن الذي يظهر من خلال ما عرف من عصره الذي عاش فيه في اليمن وهوعصر سيطرة الإسماعيلية على بلاد اليمن، أنه تعمد إخفاء شخصيته، حيث إن المؤلف كتب هذا الكتاب وفضح وكشف أباطيل الباطنية التي كانت تملأ كبتهم، وكانوا يلبسون به على العوام وأشباه العوام، وبما أنه كان يعيش تحت دولتهم ويصطلي بنار فتنتهم، ويسمع ويرى ما يدعون إليه من الباطل والضلال، فكشف من أمرهم ما لم يصل إليه غيره ولم يتمكن منه سواه، ومرد ذلك كما قال: (وذلك أني خبير بهم جداً لقرب الدار من الدار، ولكثرة ما قرأت من كتبهم الشنيعة وعرفت معناها ورموزاتها المؤدية إلى تعطيل الشريعة والمؤلفة في الأمور الوضعية .. ) ثم ذكر عدداً من كتبهم. (عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 512 - 513)، هذا ومثله كثير وسبب مقنع تمام الإقناع بضرورة إخفاء المصنف رحمه الله تعالى لشخصه والاكتفاء بكنيته التي من المؤكد أنه كذلك غير مشتهر بها، بل إنه يحترس عند عزوبعض الأقوال لمعاصريه فلا يذكر أسماءهم، ومن أمثله ذلك قوله: (وأخبرني من أعرفه بنسبه وباسمه في وقتنا هذا) ثم ذكر قوله. عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 424)، وقد كشف عن الإسماعيلية من الضلال والفساد ما لم يكشفه من سبقه بمثل عمله، مع
دقة في توخي الصواب والبعد عن الهوى، قال رحمه الله تعالى: (ولم أقل ذلك كذباً بسبب البغضة بيني وبينهم، وإن كنت وإياهم كما قال الأول:
ولن يراجع قلبي حبهم أبداً وكنت من بغضهم مثل الذي ركنوا
وإنما الصدق أولى بالرجل من سواه) عقائد الثلاث والسبعين فرقة (1/ 512).
فلوعلم طواغيت الإسماعيلية عن شخص هذا الكاتب لركبوا الصعب والذلول في القضاء عليه، كما هي سجيتهم، وقد تحدث المؤلف رحمه الله عن الزيدية وأسهب في الحديث عن فرقهم وطوائفهم ومعتقداتهم وكان مع كل طائفة يختم حديثه بقوله فالحذر منهم، وكان في حديثه عن هذه الفرقة الزيدية ضمن حديثه عن الفرق التي يقال لهام الرافضية.
والآن نأتي للحديث عن الزيدية في العصر الحاضر، ففي عام (1337 هـ) عندما قرر الترك الجلاء على بلاد اليمن خشي الشوافع أهل السنة من سيطرة الزيدية على بلادهم.
يقول العبدلي مؤرخ حضرموت في كتابه هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن (ص 263): (ولما تحقق اليمانيون الشافعية جلاء الأتراك عن البلاد اليمانية ذعروا، وجاء كثير من أعيان اليمن الأسفل من مشايخهم وساداتهم وزعمائهم إلى عدن يستفهمون عن مصيرهم فلم يوافق طلبهم هوى الباعة، وأعرض عنهم الوكيل السياسي في عدن، وعادوا خائبين، ولم ينفعهم إخلاصهم للأتراك وجهادهم بالنفس والنفيس مع (علي سعيد باشا) نفعاً، فلم يعنهم الأتراك على نبيل أمانيهم بل أعانوا الإمام عليهم. وحاول بعض الشافعية المقاومة فلم تتحد كلمتهم وساق الإمام جيشاً من قبائل الزيدية وضباط الأتراك على حبيش؛ فنشبت معارك دموية استدامت ستة أشهر ثم هزمت جموع الشافعية وأذعن جميعهم لحكم الإمام والسيطرة الزيدية على كره منهم).
وفي بلاد الضالع استمرت المعارك بين الزيدية والشوافع عامين كاملين كانت الحرب فيها سجالاً. نفس المصدر السابق (ص 276).
وعندما قام الصلح بين الشيخ (محمد صالح الأخرم) من مشايخ الشافعية ومندوب الإمام (يحيى) لم يعد الشيخ محمد صالح إلى بلاده حتى وضع أعز أقاربه رهينة، ولم تمض أشهر حتى ملأ السيد يحيى أمير جيش قعطبة السجون من أبناء الأشراف الردفانيين وغيرهم، يسوقهم العريفة بالحبل والسوط مكبلين بالحديد كالمجرمين وأذاقوهم من سوء المعاملة والغطرسة مالا يتحمله الأحرار، بل ما دونه حريق النار، ولم ينج من سوء المعاملة حتى الشيخ محمد صالح الأخرم نفسه؛ اعتقلوه في قعطبة سبعة أشهر ولم يرحموا ضعفه ولا شيخوخته ولم يتخلص إلا بعد أن افتدي نفسه وأتباعه بوافر المال ورهن خيرة الرجال. هدية الزمن (ص 277).
وفي شهر ربيع الثاني من تلك السنة (1346 هـ) ألقت الطيارات البريطانية على مدن اليمن منشوراً أنذرت فيه الزيود بأنه عند حدوث أي تعد جديد من العساكر الزيدية سيقابل بإلقاء القنابل، وفي شهر شعبان دخل جماعة من الزيدية إلى بلاد آل قطيب واختطفوا الشيخ (مقبل عبد الله) عم الشيخ آل قطيب والشيخ (عبد النبي العلوي) لا يجوز التمسي بهذا الاسم لأنه من باب التعبيد لغير الله عز وجل شيخ آل علي، فأنذرت الطيارات أمير جيش قعطبة أن يرفع النساء والأطفال في ظرف (24) ساعة، وابتدأ إلقاء القنابل بعد انتهاء تلك المدة فعلاً واستمرت ثلاثة أيام، وفي (25) رمضان أذاعت الطيارات المنشور الآتي، ونصه: (إلى أهل المذهب الشافعي في اليمن وفي المحمية البريطانية، بعد السلام، لقد علمتم أنه بناء على انتهاك حرمة المحمية البريطانية من الأمام والزيود وتعديهم عليها، أجبرنا على إلقاء القنابل على حامية الزيود، وبما أن هذه الحاميات أقامت نفسها بينكم فلعلكم قاسيتم من تأثير هذه القذائف ما قاسيتم، فذلكم ذنب الزيود لا ذنبنا). هدية الزمن (ص 283). ولم يتمكن أمراء الشوافع من طرد الزيود من بعض المدن إلا بمساعدة الطائرات الإنجليزية. المصدر السابق (ص 286).
وهكذا وقع الشوافع (السنة) بين فكي كماشة، حيث كان الزيود واضطهاداتهم من جانب، والنيران الحامية التي كانت تمطر بها قراهم من قبل الطائرات الإنجليزية بسبب ملاحقة الزيود من جانب آخر. وما من شك في أن الإنجليز قد افلحوا إلى حد كبير في استغلال العداء بين الشوافع (السنة) والزيود في إضعاف الطائفتين؛ لمزيد من تثبيت أقدامهم في المنطقة، على أن ذلك لا يعفي الزيود الحانقين من تبعة قتالهم ومحاولتهم إخضاع الشوافع (السنة) واضطهادهم، ولا غرابة من وقوف الشوافع (السنة) مع الدولة العثمانية السنية في وجه القوات الزيدية، وعلى كل حال فمهما بلغت مظالم الأتراك فلا تعد شيئاً في مقابل الزيدية الشيعية.
وما وقع من الزيود من ظلم وقتال وإخضاع للشوافع السنة منسجم تماماً مع ما آل إليه المذهب الزيدي عند المتأخرين من رفض وسب للصحابة رضوان الله عليهم، وقد عانى علماء اليمن المتحررون من أغلال المذهب الزيدي كـ (الصنعاني والشوكاني) وغيرهما من غلوهؤلاء الزيدية في الرفض وحنقهم على الصحابة وكتب السنة. راجع كتاب: الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وآثارهما في حياة الأمة، علي بن بخيت الزهراني (1/ 584 - 588).
يقول الشيخ محمد أبوزهرة: (ومن بعد ذلك ضعف المذهب الزيدي؛ والمذاهب الشيعية الأخرى قد غالبته، أوطوته، أولقحته ببعض مبادئها، ولذلك كان الذين حملوا اسم هذا المذهب من بعده لا يجوزون إمامة المفضول، فأصبحوا يعدون من الرافضة، وهم الذين يرفضون إمامة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وبذلك ذهب من الزيدية الأولى ابرز خصائصها). تاريخ المذاهب الإسلامية (1/ 51).
وعلى كل فلا نطيل الكلام، فحالهم في العقيدة معتزلة، وناهيك بعقيدة تنبذ كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعتمد على الفلسفة. وفي الفقه على أبي حنيفة، وقد قال بعضهم: إذا أردت أن توافق الحق فخالف أبا حنيفة. وفي التشيع ينتهي بهم الحال إلى الرفض، حتى قال بعضهم: ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبيراً.
وقد سُؤل الشيخ مقبل بن هادي - حفظه الله - عنهم فقال: هم بعيدون عن السنة، ثم ذكر مقولة: ائتني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبير. راجعها في: بغية الطالب الألمعي لفتاوى المحدث العلامة مقبل بن هادي الوادعي (ص 1).
ومما ينبغي أن يعلم أنهم أصبحوا ليسوا بزيدية كما يدّعون، ولقد أحسن والد محمد بن إسماعيل الأمير إذ يقول:
يدعون أنهم زيدية وهم عن نهجه بمعزل.
ويقول إسحاق بن المتوكل مورداً إشكالاً على المذاهب الزيدية لا يستطاع حله:
أيها الأعلام من سادتنا ومصابيح دياجي المشكل
خبرونا هل لنا من مذهب يقتدى في القول أوفي العمل
أم تركنا هملاً نرعى بلا سائم نقفوه نهج السبل
فإذا قلنا ليحيى قيل لا ههنا النص لزيد بن علي
وإذا قنا لزيد حكموا أن يحيى قوله النص الجلي
قرروا المذهب قولاً خارجاً عن نصوص الآل فالبحث وسل
ثم من ناظر أوجادل أورام كشفاً لقذى لم ينجل
قدحوا في دينه واتخذوا عرضه مرمى سهام المنصل.
راجع كتاب: المخرج من الفتنة للشيخ مقبل بن هادي الوادعي (ص 77 - 78).
وكم سمعنا وشاهدنا كيف كانوا أي الزيدية - يرحبون بالشيوعية خاصة بعد رحيل الاستعمار رحيل اسمي فقط ينضمون إلى صفوفه من أجل ضرب أهل السنة، فخيبهم الله، فلا سَلِمَ لهم دينهم ولم يستطع الشيوعيون أن يحققوا لهم ما وعدوهم به من ضرب أهل السنة، ولقد صدق أبومحمد ابن حزم رحمه الله حيث يقول: ما نصر الله الإسلام بمبتدع. فلورأيت المخذولين من أهل صعدة يوزعون نسيخة الضليل المبتدع أحمد بن زيني دحلان (فتنة الوهابية)، بل لقد جمعوا كتب الطاعنين في السنة حتى ولوكان المؤلف نصرانياً أوعلمانياً، المهم أن يكون فيها طعن على السنة وأهلها، فخيبهم الله.
وما يلاقيه شيخنا أبوعبد الرحمن مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله وباقي طلبة العلم في اليمن في الوقت الحالي من التضييق ومحاولا القتل المستمرة، من قبلهم ومن إخوانهم الصوفية، لعرفت مدى الحقد الذي يحمله هؤلاء الرافضة، عليهم من الله ما يستحقون، وصدق والله ابن حزم رحمه الله حين يقول: إن الله ابتلى الإسلام بالصوفية والشيعة. والأمر كما قال ابن حزم، فإن هاتين الطائفتين باب فتنة، وآلة لكل مناوئ للإسلام.
ثانياً: موقف أهل السنة من الشيعة عموماً والزيدية خصوصاً والحكم عليهم ..
يسأل كثير من الدارسين عن حكم الشيعة .. هل هم كفار خارجون عن الملة، أم هم في عداد الفرق الإسلامية؟
وبغض النظر عن اختلاف وجهات نظر العلماء في الحكم عليهم، وبغض النظر أيضاً عما يورده كل فريق من أدلة على ما يذهب إليه، فإن الواقع يدل على أن الحكم على الشيعة أوغيرهم من الفرق بحكم واحد يحتاج إلى تفصيل ..
فأما بالنسبة للشيعة بخصوصهم فالذي اتضح لي:-
1 - أن الشيعة ليسوا جميعاً على مبدأ واحد في غير دعوى التشيع، فمنهم الغلاة الخارجون عن الملة بدون شك وهم أغلب الشيعة الموجودة اليوم في مختلف أنحاء العالم -، ومنهم من يصدق عليهم أنهم مبتدعون متفاوتون في ابتداعهم، فبعضهم أقرب من البعض الآخر.
2 - أن التثبت من تكفير المعين أمر لابد منه، إذ ليس كل من انتسب إلى طائفة خارجة عن مذهب السلف في بعض القضايا يحق تكفيره.
3 - ليس معنى التثبت في تكفير المعين أننا لا نطلق على الطائفة الخارجة عن الحق ألفاظ التبديع والتضليل والخروج عن الجماعة؛ لأن ذلك الحكم خاص بتعيين الأفراد لا الجماعة عموماً، خصوصاً من وجدنا نصاً فيهم، كالخميني في وقتنا الحاضر.
وعلى هذا فالحكم العام على الشيعة أنهم ضلال فساق خارجون عن الحق، هالكون مع الفرق التي أخبرت عنها الأحاديث، حكم لا غبار عليه.
4 - اتضح أن الشيعة عندهم مبادئ ثابتة في كتبهم المعتمدة، قررها رجالاتهم المعتبرون قدوة في مذاهبهم، ومن قال ولوببعض تلك المبادئ فلا شك في خروجه عن الملة الإسلامية، ومنها:-
أ - قولهم بتحريف القرآن، وأنه وقع فيه الزيادة والنقص حين جمعه أفاضل الصحابة رضوان الله عليهم، كما صرح بذلك الطبرسي في كتاب: (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب) وفي غيره من كتب الشيعة، وانتظارهم أيضاً مصحف فاطمة كما يزعمون.
ب - غلوهم فيأئمتهم وتفضيلهم على سائر الأنبياء، كما ملئت بذلك كتبهم القديمة؛ مثل الكافي، وما كتبه الخميني في العصر الحديث.
جـ - غلوهم في بُغض الصحابة ممن شهد الله لهم بالفوز والنجاة، كأبي بكر وعمر وعثمان وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وحفصة وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين، وردهم شهادة أم المؤمنين رضي الله عنها، وبقاؤهم على عداوتها وإفكهم عليها، واعتبارها عدوة وليست بأم، وهذا حق؛ فإنها ليست لمثل هؤلاء بأم، فهي أم للمؤمنين فقط.
د - قولهم بالبداء على الله تعالى، وتنزه سبحانه وتعالى عن ذلك.
ومواقف أخرى يصل خلافهم فيها إلى سلب العقيدة الإسلامية من جذورها في كل قلب تشبع بها.
وأما من لم يقل بتلك المبادئ، وكان له اعتقادات أخرى لا تخرجه عن الدين، فإنه تقام عليه الحجة ثم يحكم عليه بعد ذلك حسب قبوله الحق أورده له. راجع كتاب: فرق معصرة تنتسب إلى الإسلام وبيان موقف الإسلام منها، للدكتور غالب بن علي عواجي (1/ 324 - 325).
والله أعلم بالصواب والحمد لله رب العالمين.
الخاتمة ..
وفي ختام هذا البحث أحمد الله أن وفقني إلى إتمامه وبيان ما فيه، وقد تبين لنا من خلال ذلك كيف أن الانحراف عن الإسلام وعن المذهب الصحيح بدأ منذ وقت مبكر في تاريخ أمتنا الإسلامية.
كما وأننا قد عرفنا الحكم الشرعي في فرقة الزيدية وأبطلنا المقولة التي تنادي بأن الزيدية أقرب فرق الشيعة إلى أهل السنة على إطلاقه، وبيننا تفصيل ذلك.
وقد أشرنا إلى خطأ بعض المؤرخين الذين تناولوا الحديث عن حياة زيد بن علي رحمه الله من نسبة بعض الكتب المزيفة والمزورة إليه، وقد أشرنا إلى عدم صحة نسبة أي كتاب له رحمه الله.
وأخيراً وإن حاولت الكتابة وفق منهج المحدثين، لا أدَّعي أنني متقن لهذا المنهج عالم بكوامنه، بل أنا قليل البضاعة في هذا المجال، فرحم الله امرءاً عرف قدر نفسه.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفع بهذا البحث من اجتالته الشياطين عن الطريق الصحيح، ويهدي الحيارى من دياجير التشيع والرفض ويعيدهم إلى الطريق المستقيم.
وعلى كل حال فهي محاولة مبتدئة مني تحتاج إلى تشجيع ونقد هادف بنّاء، يوجهها نحوالأفضل مستقبلاً إن شاء الله تعالى، فإن أصبت فمن الله وحده، وله الشكر على ذلك، وإن تكن الأخرى فمن نفسي وشيطاني، وحسبي أن للمجتهد أجراً إذا أخطأ، فأرجوأن لا يفوتني الأجر في كلتا الحالتين بإذن الله تعالى، ولست بمستغنٍ عن أي ملاحظة تسد نقصاً هومن طبيعة عمل البشر، ولنا لقاء آخر في حلقات أخرى ومع فرقة أخرى ومع مسيرة ركب الشيطان عبر تاريخ الإسلام.
أصلح الله أحوال المسلمين ووقاهم الشرور والفتن، وأسأله أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم.
اللهم لا تعذب لساناً يخبر عنك، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك، ولا قدماً تمشي إلى خدمة دينك،
ولا يداً تكتب في سبيلك. اللهم آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد.
وتقبلوا تحيات أخوكم: أبوعبد الله الذهبي ..