آخر تحديث للموقع :

الثلاثاء 6 رمضان 1444هـ الموافق:28 مارس 2023م 12:03:36 بتوقيت مكة

جديد الموقع

عاشوراء حب وانتماء أم طائفية وعداء؟ - تركمان أوغلو ..
الكاتب : تركمان أوغلو ..

عاشوراء حب وانتماء أم طائفية وعداء؟
بقلم إبن التركماني
( تركمان أوغلو)
 
رمضان/ 1432هـ /  آب 2011م

 
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة

ألحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه الميامين.
أما بعد:
لعل التاريخ الإسلامي لم يشهد فاجعة أليمة مثل فاجعة الحسين بن علي وأهل بيته رضي الله عنهم، في الوحشية التي تعامل قاتلوه معه ومع أهل بيته([1])، ومع عظم هذه المصيبة وأثرها العميق في نفس كل مسلم، إلا أنه لا ينبغي أن تكون هذه المصيبة عامل هدم لوحدة المسلمين بعد مرور هذه السنين الطويلة عليها، ولا يجب أن يُحمّل أحدٌ من المسلمين وزرها وعارها بعد أن مضى الحسين وقاتليه إلى رب لا يُظلم عنده أحد.
نعم؛ يجب أن نستمد منها الدروس والعبر في البطولة والفداء والتضحية؛ وأن نستذكر الحسين وما لحقه في أرض المعركة، وما لحقه من الغادرين الذين تخلوا عنه وأسلموه إلى أعدائه، وليس في عاشوراء فقط، وأن نتذكر عاقبة الظلم والظالمين الوخيمة، وأن نتحلى بالصبر والثبات أمام المحن والنائبات إقتداءً بالحسين، خاصة إننا نعتقد ونؤمن أن هذه الحياة الدنيا ليست هي نهاية المطاف، بل هنالك حياة أخرى فيها للظالمين حساب عسير وعقاب أليم لا مجال للإفلات منه، وللمؤمنين ثواب وجنات النعيم.
أما ما يفعله الشيعة اليوم من طقوس التطبير وما يرفعونه من شعارات مثل شعار ( يا لثأرات الحسين ) أو شعار ( يا أحباب المصطفى إنصروا فاطمة الزهراء وابنها المظلوم ) أو( فلنشيع فاطمة جهاراً نهاراً علناً ) فليست إلا شعارات طائفية الغرض منها إذكاء نار الفتنة بين السنة والشيعة وتحميل أهل السنة وزر مقتل الحسين وأهل بيته رضي الله عنهم؛ في حين أن شيعة أهل الكوفة هم الذين كانوا السبب الرئيسي في هذه الفاجعة حين إستقدموا الحسين من المدينة وقبل أن يصل إليها جبنوا عن نصرته، بل أن الجيش الذي قتل الحسين هم أنفسهم الذين دعوا الحسين ليبايعوه.
وإلاّ فإن قاتلي الحسين قد مضوا هم وأحفاد أحفادهم إلى ما هم صائرون إليه، وليس على وجه الأرض اليوم مسلم واحد يرضى بما فعله الظالمون في الحسين وأهل بيته.
فمِمّن يثأرون للحسين ؟!
وإذا كان لابد من أخذ ثأر الحسين بعد هذه الفترة، فمن أحفاد أهل الكوفة؛ إذ لم يشترك في قتل الحسين شامي ولا مصري ـ كما يعترف المؤرخون بذلك ـ بل ولقد عرف الحسين وأهل بيته ذلك  ـ كما سنذكره فيما بعد.
نعود ونقول ونؤكد أن ما يفعله الشيعة اليوم لا يصب في صالح الإسلام والمسلمين، وأن حب الحسين والإنتماء له لا يكون في التطبير والشعارات الفارغة التي لا معنى لها؛ بل إن حب الحسين يكمن في الإقتداء به في منع الظلم والوقوف بحزم أمام كل القوى التي تريد الشر بالإسلام والمسلمين، لاسيما أن بلدنا العراق إحتلته قوى الكفر والضلال، فحب الحسين يقتضي منّا أن نحرر بلدنا ونعز الإسلام والمسلمين وإن كان الثمن حياتنا؛ فما قُتِل الحسين إلا في دفع الظلم عن أمة الإسلام وطلبا للإصلاح في أمة جده r كما تذكر عنه كتب التاريخ رضي الله عنه.
 
فصل
ولادته ونشأته:
الحسين بن علي: هو أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثاني السبطين وسيدي شباب أهل الجنة وريحانتي المصطفى وسيد الشهداء وأمه فاطمة بنت رسول الله r.
مولده الشريف:
ولد بالمدينة في الثالث من شعبان وقيل لخمس خلون منه سنة ثلاث أو أربع من الهجرة وروى الحاكم في المستدرك من طريق محمد بن إسحاق الثقفي بسنده عن قتادة أن ولادته لست سنين وخمسة أشهر ونصف من التاريخ الهجري وقيل ولد في أواخر ربيع الأول وقيل لثلاث أو خمس خلون من جمادى الأولى والمشهور المعروف أنه ولد في شعبان وكانت مدة حمله ستة أشهر.
ولما ولد جي‏ء به إلى رسول الله r فاستبشر به وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى فلما كان اليوم السابع سماه حسينا وعق عنه بكبش وأمر أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن فامتثلت ما أمرها به.
 وعن الزبير بن بكار في كتاب أنساب قريش أن رسول الله r سمى حسناً وحسيناً يوم سابعهما واشتق اسم حسين من اسم حسن. أهـ.
كنيته ولقبه :
كنيته: أبو عبدالله، ولقبه: الرشيد والوفي والطيب والسيد الزكي والمبارك والتابع لمرضاة الله والدليل على ذات الله والسبط وأعلاها رتبة ما لقبه به جده r في قوله عنه وعن أخيه الحسن أنهما سيدا شباب أهل الجنة وكذلك السبط لقوله r حسين سبط من الأسباط.
نقش خاتمه:
في الفصول المهمة : »لكل أجل كتاب« وفي الوافي وغيره عن الصادق رضي الله عنه »حسبي الله« وعن الرضا رضي الله عنه »أن الله بالغ أمره« ولعله كان له عدة خواتيم هذه نقوشها.
كرمه وسخاؤه عليه‏السلام:
دخل الحسين رضي الله عنه على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول واغماه فقال وما غمك قال ديني وهو ستون ألف درهم فقال هو عليّ قال إني أخشى أن أموت قبل أن يقضى قال لن تموت حتى أقضيها عنك فقضاها قبل موته. ولما أخرج مروان الفرزدق من المدينة أتى الفرزدق الحسين رضي الله عنه فأعطاه الحسين أربعمائة دينار فقيل له إنه شاعر فاسق فقال إن خير مالك ما وقيت به عرضك وقد أثاب رسول الله r كعب بن زهير وقال في العباس ابن مرداس اقطعوا لسانه عني.
وفي تحف العقول: جاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة فقال يا أخا الأنصار صن وجهك عن بذلة المسألة وارفع حاجتك في رقعة فإني آت فيها ما هو سارك إن شاء الله فكتب يا أبا عبدالله إن لفلان علي خمسمائة دينار وقد ألح بي فكلمه أن ينظرني إلى ميسرة فلما قرأ الحسين رضي الله عنه الرقعة دخل إلى منزله فأخرج صرة فيها ألف دينار وقال له: أما خمسمائة فاقض بها دينك وأما خمسمائة فاستعن بها على دهرك، ولا ترفع حاجتك إلا إلى ثلاثة إلى ذي دين أو مروءة أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه، وأما ذو المروءة فإنه يستحيي لمروءته، وأما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك.
رأفته بالفقراء والمساكين وإحسانه إليهم:
وجد على ظهره رضي الله عنه يوم الطف أثر فسئل زين العابدين رضي الله عنه عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين.
تواضعه:
مر رضي الله عنه بمساكين وهم يأكلون كسرا على كساء فسلم عليهم فدعوه إلى طعامهم فجلس معهم وقال: لولا أنه صدقة لأكلت معكم ثم قال قوموا إلى منزلي فأطعمهم وكساهم وأمر لهم بدراهم.
وروى ابن عساكر في تاريخ دمشق أنه رضي الله عنه مر بمساكين يأكلون في الصفة فقالوا الغداء فنزل وقال إن الله لا يحب المتكبرين فتغدى ثم قال لهم قد أجبتكم فأجيبوني قالوا نعم فمضى بهم إلى منزله وقال للرباب خادمته اخرجي ما كنت تدخرين (أهـ).
حلمه:
جنى غلام له جناية توجب العقاب فأمر بضربه فقال يا مولاي والكاظمين الغيظ قال خلوا عنه، فقال يا مولاي والعافين عن الناس قال قد عفوت عنك، قال يا مولاي والله يحب المحسنين قال أنت حر لوجه الله ولك ضعف ما كنت أعطيك.
فصاحته وبلاغته رضي الله عنه:
ربي الحسين رضي الله عنه بين رسول الله r أفصح من نطق بالضاد وأمير المؤمنين عليه‏السلام وفاطمة الزهراء التي تفرغ عن لسان أبيها r فلا غرو إن كان أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء وهو الذي كان يخطب يوم عاشوراء وقد اشتد الخطب وعظم البلاء وضاق الأمر وترادفت الأهوال فلم يزعزعه ذلك ولا اضطرب ولا تغير وخطب في جموع أهل الكوفة بجنان قوي وقلب ثابت ولسان طلق ينحدر منه الكلام كالسيل فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه وهو الذي قال فيه عدوه وخصمه في ذلك اليوم: ويلكم كلموه فإنه ابن أبيه والله لو وقف فيكم هكذا يوما جديدا لما انقطع ولما حصر.
إباؤه للضيم:
أما إباؤه للضيم ومقاومته للظلم واستهانته القتل في سبيل الحق والعز فقد ضربت به الأمثال وسارت به الركبان وملئت به المؤلفات وخطبت به الخطباء ونظمته الشعراء وكان قدوة لكل أبي ومثالا يحتذيه كل ذي نفس عالية وهمة سامية ومنوالا ينسج عليه أهل الإباء في كل عصر وزمان وطريقا يسلكه كل من أبت نفسه الرضا بالدنية وتحمل الذل والخنوع للظلم، وقد أتى الحسين رضي الله عنه في ذلك بما حير العقول وأذهل الألباب وأدهش النفوس وملأ القلوب وأعيا الأمم عن أن يشاركه مشارك فيه وأعجز العالم أن يشابهه أحد في ذلك أو يضاهيه وأعجب به أهل كل عصر وبقي ذكره خالدا ما بقي الدهر، أبى أن يبايع يزيد بن معاوية، قائلا لمروان وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد، ولأخيه محمد بن الحنفية: والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية، في حين أنه لو بايعه لنال من الدنيا الحظ الأوفر والنصيب الأوفى ولكان معظما محترما عنده مرعي الجانب محفوظ المقام لا يرد له طلب ولا تخالف له إرادة لما كان يعلمه يزيد من مكانته بين المسلمين وما كان يتخوفه من مخالفته له وما سبق من تحذير أبيه معاوية له من الحسين فكان يبذل في إرضائه كل رخيص وغال، ولكنه أبى الانقياد له قائلا: إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة ومثلي لا يبايع مثله، فخرج من المدينة بأهل بيته وعياله وأولاده، ملازما للطريق الأعظم لا يحيد عنه، فقال له أهل بيته: لو تنكبته كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب، فأبت نفسه أن يظهر خوفا أو عجزا ([2]) وقال: والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، ولما قال له الحر: أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن، أجابه الحسين رضي الله عنه مظهرا له استهانة الموت في سبيل الحق ونيل العز، فقال له: أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني، وسأقول كما قال أخو الأوس وهو يريد نصرة رسول الله r فخوفه ابن عمه وقال: أين تذهب فإنك مقتول: فقال:
سأمضي وما بالموت عار على الفتى         إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
أقدم نفسي لا أريد بقاءها                    لتلقي خميسا في الوغى وعرمرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم            كفى بك ذلا أن تعيش فترغما
يقول الحسين رضي الله عنه: ليس شأني شأن من يخاف الموت ما أهون الموت علي في سبيل نيل العز وإحياء الحق ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة، وليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه، أفبالموت تخوفني هيهات طاش سهمك وخاب ظنك لست أخاف الموت إن نفسي لأكبر من ذلك وهمتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت وهل تقدرون على أكثر من قتلي مرحبا بالقتل في سبيل الله ولكنكم لا تقدرون على هدم مجدي ومحو عزي وشرفي فإذا لا أبالي بالقتل.
وهو القائل: موت في عز خير من حياة ذل، وكان يحمل يوم الطف وهو يقول:
الموت خير من ركوب العار    والعار أولى من دخول النار
                 والله من هذا وهذا جاري
ولما أحيط به بكربلاء وقيل له: أنزل على حكم بني عمك، قال:
لا والله!لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، فاختار المنية على الدنية وميتة العز على عيش الذل، وقال: إلا أن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام.
أقدم الحسين رضي الله عنه على الموت مقدما نفسه وأولاده وأطفاله وأهل بيته للقتل قربانا وفاء لدين جده r بكل سخاء وطيبة نفس وعدم تردد وتوقف قائلا بلسان حاله:
إن كان دين محمد لم يستقم  إلا بنفسي يا سيوف خذيني
شجاعته:
أما شجاعته فقد أنست شجاعة الشجعان وبطولة الأبطال وفروسية الفرسان من مضى ومن سيأتي إلى يوم القيامة، فهو الذي دعا الناس إلى المبارزة فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة، وهو الذي قال فيه بعض الرواة: والله ما رأيت مكثورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشا ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وإن كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب، ولقد كان يحمل فيهم فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر، وهو الذي حين سقط عن فرسه إلى الأرض وقد أثخن بالجراح، قاتل راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة. ويشد على الشجعان وهو يقول: أعلي تجتمعون، وهو الذي جبن الشجعان وأخافهم وهو بين الموت والحياة حين بدر خولي ليحتز رأسه فضعف وأرعد. وفي ذلك يقول السيد حيدر الحلي:
عفيرا متى عاينته الكماة        يختطف الرعب ألوانها
فما أجلت الحرب عن مثله      قتيلا يجبن شجعانها
وهو الذي صبر على طعن الرماح وضرب السيوف ورمي السهام حتى صارت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ وحتى وجد في ثيابه مائة وعشرون رمية بسهم وفي جسده ثلاث وثلاثون طعنة برمح وأربع وثلاثون ضربة بسيف.
 
فصل
قصة إستشهاده
 
بما أن القضية في نظر الشيعة هي قضية تخصهم قبل غيرهم،  لذا سأكتفي بسرد قصة خروج وإستشهاد الحسين وأهل بيته وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين من كتب الشيعة فقط، حتى لا أُتهم بأني ناصبي أبغض أهل بيت النبي r. وإن كان حب أهل السنة والجماعة أعظم وأشمل من حب الشيعة لأهل البيت الذي ما برحوا ينتقصونهم بحجة الدفاع عنهم.
قال العلامة المجلسي في بحار الأنوار([3]):
باب ما جرى عليه بعد بيعة الناس ليزيد بن معاوية إلى شهادته صلوات الله عليه ولعنة الله على ظالميه وقاتليه والراضين بقتله والمؤازرين عليه([4]):
 أقول بدأت أولا في إيراد تلك القصص الهائلة بإيراد رواية أوردها الصدوق رحمه الله ثم جمعت في إيراد تمام القصة بين رواية المفيد رحمه الله في الإرشاد ورواية السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب الملهوف ورواية الشيخ جعفر بن محمد بن نما في كتاب مثير الأحزان ورواية أبي الفرج الأصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين ورواية السيد العالم محمد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني الحائري من كتاب كبير جمعه في مقتله رضي الله عنه ورواية صاحب كتاب المناقب الذي ألفه بعض القدماء من الكتب المعتبرة وذكر أسانيده إليها ومؤلفه إما من الإمامية أو من الزيدية وعندي منه نسخه قديمة مصححة ورواية المسعودي في كتاب مروج الذهب وهو من علمائنا الإمامية ورواية ابن شهر آشوب في المناقب ورواية صاحب كشف الغمة وغير ذلك مما قد نصرح باسم من ننقل عنه ثم نختم الباب بإيراد الأخبار المتفرقة:
الأمالي للصدوق[ محمد بن عمر البغدادي الحافظ عن الحسن بن عثمان بن زياد التستري من كتابه عن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ قال حدثتني مريسة بنت موسى بن يونس بن أبي إسحاق وكانت عمتي قالت حدثتني صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية وكانت عمتي قالت حدثتني بهجة بنت الحارث بن عبد الله التغلبي عن خالها عبد الله بن منصور وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي قال سألت جعفر بن محمد بن علي بن الحسين فقلت حدثني عن مقتل ابن رسول الله r فقال:
 حدثني أبي عن أبيه رضي الله عنه قال لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه فقال له يا بني إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب ووطدت لك البلاد وجعلت الملك وما فيه لك طعمة وإني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم وهم عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير والحسين بن علي فأما عبد الله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه وأما عبد الله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا فإنه يجثو لك كما يجثو الأسد لفريسته ويؤاربك مؤاربة الثعلب للكلب وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله وهو من لحم رسول الله ودمه وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه فإن ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله ولا تؤاخذه بفعله ومع ذلك فإن لنا به خلطة ورحما وإياك أن تناله بسوء أو يرى منك مكروها([5]) قال فلما هلك معاوية وتولى الأمر بعده يزيد لعنه الله بعث عامله على مدينة رسول الله r وهو عمه عتبة بن أبي سفيان فقدم المدينة وعليها مروان بن الحكم وكان عامل معاوية فأقامه عتبة من مكانه وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد فهرب مروان فلم يقدر عليه وبعث عتبة إلى الحسين بن علي رضي الله عنه فقال إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له فقال الحسين رضي الله عنه يا عتبة قد علمت أنا أهل بيت الكرامة ومعدن الرسالة وأعلام الحق الذين أودعه الله عز وجل قلوبنا وأنطق به ألسنتنا فنطقت بإذن الله عز وجل ولقد سمعت جدي رسول الله يقول إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا فلما سمع عتبة ذلك دعا الكاتب وكتب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى عبد الله يزيد أمير المؤمنين من عتبة بن أبي سفيان أما بعد فإن الحسين بن علي ليس يرى لك خلافة ولا بيعة فرأيك في أمره والسلام فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى عتبة أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجل علي بجوابه وبين لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي.
فبلغ ذلك الحسين فخرج من أرض الحجاز إلى أرض العراق ومعه واحد وعشرون رجلا من أصحابه وأهل بيته([6]).
وسمع عبد الله بن عمر بخروجه فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعا فأدركه في بعض المنازل فقال أين تريد يا ابن رسول الله قال العراق قال مهلا ارجع إلى حرم جدك فأبى الحسين عليه فلما رأى ابن عمر إباءه قال يا أبا عبدالله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله r يقبله منك فكشف الحسين رضي الله عنه عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثا وبكى وقال أستودعك الله يا أبا عبدالله فإنك مقتول في وجهك هذا([7]).
فسار الحسين رضي الله عنه وأصحابه حتى نزل الرهيمة وبلغ عبيد الله بن زياد لعنه الله الخبر وإن الحسين رضي الله عنه قد نزل الرهيمة فأسري إليه حر بن يزيد في ألف فارس قال الحر: فلما خرجت من منزلي متوجها نحو الحسين رضي الله عنه نوديت ثلاثا يا حر أبشر بالجنة فالتفت فلم أر أحدا فقلت ثكلت الحر أمه يخرج إلى قتال ابن رسول الله r ويبشر بالجنة فرهقه عند صلاة الظهر فأمر الحسين رضي الله عنه ابنه فأذن وأقام وقام الحسين رضي الله عنه فصلى بالفريقين فلما سلم وثب الحر بن يزيد فقال السلام عليك يا ابن رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال الحسين وعليك السلام من أنت يا عبدالله فقال أنا الحر بن يزيد فقال يا حر أعلينا أم لنا فقال الحر والله يا ابن رسول الله لقد بعثت لقتالك وأعوذ بالله أن أحشر من قبري وناصيتي مشدودة إلي يدي مغلولة إلى عنقي وأكب على حر وجهي في النار يا ابن رسول الله أين تذهب ارجع إلى حرم جدك فإنك مقتول فقال الحسين رضي الله عنه :
سأمضي فما بالموت عار على الفتى        إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين بنفسه              وفارق مثبورا وخالف مجرما
فإن مت لم أندم وإن عشت لم ألم           كفى بك ذلا أن تموت وترغما
ثم سار الحسين حتى نزل بكربلاء فقال أي موضع هذا فقيل هذا كربلاء يا ابن رسول الله r فقال رضي الله عنه هذا والله يوم كرب وبلاء وهذا الموضع الذي يهراق فيه دماؤنا ويباح فيه حريمنا فأقبل عبيد الله بن زياد بعسكره حتى عسكر بالنخيلة وبعث إلى الحسين رجلا يقال له عمر بن سعد قائده في أربعة آلاف فارس وأقبل عبد الله بن الحصين التميمي في ألف فارس يتبعه شبث بن ربعي في ألف فارس ومحمد بن الأشعث بن قيس الكندي أيضا في ألف فارس وكتب لعمر بن سعد على الناس وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوه فبلغ عبيد الله بن زياد أن عمر بن سعد يسامر الحسين رضي الله عنه ويحدثه ويكره قتاله فوجه إليه شمر بن ذي الجوشن في أربعة آلاف فارس وكتب إلى عمر بن سعد إذا أتاك كتابي هذا فلا تمهلن الحسين بن علي وخذ بكظمه وحل بين الماء وبينه كما حيل بين عثمان وبين الماء يوم الدار فلما وصل الكتاب إلى عمر بن سعد لعنه الله أمر مناديه فنادى أنا قد أجلنا حسينا وأصحابه يومهم وليلتهم فشق ذلك على الحسين وعلى أصحابه فقام الحسين في أصحابه خطيبا فقال: اللهم إني لا أعرف أهل بيت أبر ولا أزكى ولا أطهر من أهل بيتي ولا أصحابا هم خير من أصحابي وقد نزل بي ما قد ترون وأنتم في حل من بيعتي ليست لي في أعناقكم بيعة ولا لي عليكم ذمة وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وتفرقوا في سواده فإن القوم إنما يطلبوني ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري.
غير أن أصحابه إمتنعوا عن مفارقته وخذلانه وهو في أشد الحاجة إليهم، فقام عليه عبدالله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: يا ابن رسول الله ماذا يقول لنا الناس إن نحن خذلنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وابن سيد الأعمام وابن نبينا سيد الأنبياء لم نضرب معه بسيف ولم نقاتل معه برمح لا والله أو نرد موردك ونجعل أنفسنا دون نفسك ودماءنا دون دمك فإذا نحن فعلنا ذلك فقد قضينا ما علينا وخرجنا مما لزمنا وقام إليه رجل يقال له زهير بن القين البجلي فقال يا ابن رسول الله وددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت ثم نشرت ثم قتلت ثم نشرت فيك وفي الذين معك مائة قتلة وإن الله دفع بي عنكم أهل البيت فقال له ولأصحابه جزيتم خيرا ثم إن الحسين رضي الله عنه أمر بحفيرة فحفرت حول عسكره شبه الخندق وأمر فحشيت حطبا وأرسل عليا ابنه رضي الله عنه في ثلاثين فارسا وعشرين راجلا ليستقوا الماء وهم على وجل شديد وأنشأ الحسين يقول:
يا دهر أف لك من خليل                   كم لك في الإشراق والأصيل
‏من طالب وصاحب قتيل                    والدهر لا يقنع بالبديل‏
وإنما الأمر إلى الجليل                       وكل حي سالك سبيلي
ثم قال لأصحابه قوموا فاشربوا من الماء يكن آخر زادكم وتوضئوا واغتسلوا واغسلوا ثيابكم لتكون أكفانكم ثم صلى بهم الفجر وعبأهم تعبئة الحرب وأمر بحفيرته التي حول عسكره فأضرمت بالنار ليقاتل القوم من وجه واحد وأقبل رجل من عسكر عمر بن سعد على فرس له يقال له ابن أبي جويرية المزني فلما نظر إلى النار تتقد صفق بيده ونادى يا حسين وأصحاب حسين أبشروا بالنار فقد تعجلتموها في الدنيا فقال الحسين رضي الله عنه من الرجل فقيل ابن أبي جويرية المزني فقال الحسين رضي الله عنه اللهم أذقه عذاب النار في الدنيا فنفر به فرسه وألقاه في تلك النار فاحترق ثم برز من عسكر عمر بن سعد رجل آخر يقال له تميم بن حصين الفزاري فنادى يا حسين ويا أصحاب حسين أما ترون إلى ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جزعا فقال الحسين رضي الله عنه من الرجل فقيل تميم بن حصين فقال الحسين هذا وأبوه من أهل النار اللهم اقتل هذا عطشا في هذا اليوم قال فخنقه العطش حتى سقط عن فرسه فوطئته الخيل بسنابكها فمات ثم أقبل آخر من عسكر عمر بن سعد يقال له محمد بن أشعث بن قيس الكندي فقال يا حسين بن فاطمة أية حرمة لك من رسول الله ليست لغيرك فتلا الحسين هذه الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ ذُرِّيَّةً . . الآية﴾ ثم قال والله إن محمدا لمن آل إبراهيم وإن العترة الهادية لمن آل محمد من الرجل فقيل محمد بن أشعث بن قيس الكندي فرفع الحسين رضي الله عنه رأسه إلى السماء فقال اللهم أرِ محمد بن الأشعث ذلاً في هذا اليوم لا تعزه بعد هذا اليوم أبدا فعرض له عارض فخرج من العسكر يتبرز فسلط الله عليه عقربا فلدغته فمات بادي العورة فبلغ العطش من الحسين رضي الله عنه وأصحابه فدخل عليه رجل من شيعته يقال له ( يزيد بن الحصين الهمداني ) قال إبراهيم بن عبدالله راوي الحديث هو خال أبي إسحاق الهمداني فقال يا ابن رسول الله تأذن لي فأخرج إليهم فأكلمهم فأذن له فخرج إليهم فقال يا معشر الناس إن الله عز وجل بعث محمدا بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً وهذا ماء الفرات تقع فيه خنازير السواد وكلابها وقد حيل بينه وبين ابنه فقالوا يا يزيد فقد أكثرت الكلام فاكفف فوالله ليعطشن الحسين كما عطش من كان قبله فقال الحسين رضي الله عنه اقعد يا يزيد.
ولما رأى الحر بن يزيد ذلك ضرب فرسه وجاز عسكر عمر بن سعد إلى عسكر الحسين رضي الله عنه واضعا يده على رأسه وهو يقول:
 اللهم إليك أنيب فتب علي فقد أرعبت قلوب أوليائك وأولاد نبيك يا ابن رسول الله: هل لي من توبة؟ قال: نعم تاب الله عليك، قال يا ابن رسول الله: ائذن لي فأقاتل عنك فأذن له فبرز وهو يقول:
أضرب في أعناقكم بالسيف                     عن خير من حل بلاد الخيف
فقتل منهم ثمانية عشر رجلا ثم قتل فأتاه الحسين رضي الله عنه ودمه يشخب فقال بخ بخ يا حر أنت حر كما سميت في الدنيا والآخرة ثم أنشأ الحسين يقول:
لنعم الحر حر بني رياح                     ونعم الحر مختلف الرماح‏
ونعم الحر إذ نادى حسينا                    فجاد بنفسه عند الصباح
وبعد أن  اشتدت المعركة واستشهد أصحاب الحسين وأهل بيته، نظر الحسين رضي الله عنه يمينا وشمالا فلم يرَ أحدا فرفع رأسه إلى السماء فقال: اللهم إنك ترى ما يصنع بولد نبيك وحال بنو كلاب بينه وبين الماء ورمي بسهم فوقع في نحره وخر عن فرسه فأخذ السهم فرمى به فجعل يتلقى الدم بكفه فلما امتلأت لطخ بها رأسه ولحيته ويقول ألقى الله عز وجل وأنا مظلوم متلطخ بدمي ثم خر على خده الأيسر صريعا وأقبل عدو الله سنان الإيادي وشمر بن ذي الجوشن العامري لعنهما الله في رجال من أهل الشام([8]) حتى وقفوا على رأس الحسين رضي الله عنه فقال بعضهم لبعض ما تنتظرون أريحوا الرجل فنزل سنان بن الأنس الإيادي وأخذ بلحية الحسين وجعل يضرب بالسيف في حلقه وهو يقول والله إني لأجتز رأسك وأنا أعلم أنك ابن رسول الله وخير الناس أبا وأما وأقبل فرس الحسين حتى لطخ عرفه وناصيته بدم الحسين وجعل يركض ويصهل فسمعت بنات النبي صهيله فخرجن فإذا الفرس بلا راكب فعرفن أن حسينا قد قتل وخرجت أم كلثوم بنت الحسين واضعا يدها على رأسها تندب وتقول وامحمداه هذا الحسين بالعراء قد سلب العمامة والرداء وأقبل سنان حتى أدخل رأس حسين بن علي رضي الله عنه على عبيدالله بن زياد وهو يقول:
املأ ركابي فضة وذهبا                      أنا قتلت الملك المحجبا
قتلت خير الناس أما وأبا                     وخيرهم إذ ينسبون نسبا
فقال له عبيدالله بن زياد: ويحك فإن علمت أنه خير الناس أبا وأما لم قتلته إذاً؟ فأمر به فضربت عنقه وعجل الله بروحه إلى النار.
 وأرسل ابن زياد قاصدا إلى أم كلثوم بنت الحسين رضي الله عنه فقال لها:
الحمد لله الذي قتل رجالكم فكيف ترون ما فعل بكم فقالت:
 يا ابن زياد لئن قرت عينك بقتل الحسين فطالما قرت عين جده r به وكان يقبله ويلثم شفتيه ويضعه على عاتقه يا ابن زياد أعد لجده جوابا فإنه خصمك غدا.] إنتهى.
وهذه فيها إختصار، ثم أورد المجلسي عن المفيد في الارشاد وعن إبن نما وإبن طاوس ومحمد بن أبي طالب القصة بتفاصيل أكثر فقال:  
لما مات الحسن رضي الله عنه تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين رضي الله عنه في خلع معاوية والبيعة له فامتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإذا مات معاوية نظر في ذلك.
 
 
[ الحسين يمتنع عن بيعة يزيد ]([9]):
فلما مات معاوية وذلك للنصف من شهر رجب سنة ستين من الهجرة كتب يزيد إلى الوليد بن عتبة بن أبي  سفيان وكان على المدينة من قبل معاوية أن يأخذ الحسين رضي الله عنه بالبيعة له ولا يرخص له في التأخير عن ذلك فأنفذ الوليد إلى الحسين في الليل فاستدعاه فعرف الحسين رضي الله عنه الذي أراد فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح وقال لهم إن الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمن أن يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه وهو غير مأمون فكونوا معي فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني. فصار الحسين رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى إليه الوليد معاوية فاسترجع الحسين ثم قرأ عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له فقال الحسين رضي الله عنه:
إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس.
 فقال له الوليد: أجل، فقال الحسين فتصبح وترى رأيك في ذلك فقال له الوليد: انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة الناس. فقال له مروان: والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أوتضرب عنقه.
 فوثب الحسين رضي الله عنه عند ذلك وقال أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو كذبت والله وأثمت وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله.
فقال مروان للوليد عصيتني لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا فقال الوليد: ويح غيرك يا مروان إنك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ودنياي والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها وإني قتلت حسينا سبحان الله أقتل حسينا أن قال لا أبايع والله إني لأظن أن  امرأ يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة([10]).
فقال له مروان: فإذا كان هذا رأيك فقد أصبت فيما صنعت يقول هذا وهو غير الحامد له على رأيه.
ولما بلغ يزيد ما صنع الوليد عزله عن المدينة وولاها عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق فقدمها في رمضان.
وأقام الحسين رضي الله عنه في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين فلما أصبح خرج من منزله يستمع الأخبار، فلقيه مروان فقال له: يا أبا عبدالله إني لك ناصح فأطعني ترشد، فقال الحسين رضي الله عنه: وما ذاك، قل حتى أسمع، فقال مروان: إني آمرك ببيعة يزيد بن معاوية فإنه خير لك في دينك ودنياك، فقال الحسين عليه‏السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد.
فقام الحسين في منزله تلك الليلة وهي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين من الهجرة واشتغل الوليد بن عتبة بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد وامتناعه عليهم وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها إلى مكة فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال فبعث راكبا من موالي بني أمية في ثمانين راكبا فطلبوه فلم يدركوه فرجعوا.
[ الحسين يغادر المدينة إلى مكة ]:
فلما كان آخر نهار السبت بعث الرجال إلى الحسين رضي الله عنه ليحضر فيبايع الوليد ليزيد بن معاوية فقال لهم الحسين أصبحوا ثم ترون ونرى فكفوا تلك الليلة عنه ولم يلحوا عليه فخرج رضي الله عنه من تحت ليلة وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية رحمه الله فإنه لما علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدر أين يتوجه فقال له: يا أخي أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك وأنت أحق بها تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس ثم ادعهم إلى نفسك فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك، إني أخاف عليك أن تدخل مصرا من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فمنهم طائفة معك وأخرى عليك فيقتتلون فتكون إذا لأول الأسنة غرضا فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا.
فقال له الحسين رضي الله عنه: فأين أنزل يا أخي قال انزل مكة فإن اطمأنت بك الدار بها فستنل ذلك وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا. فقال رضي الله عنه: يا أخي قد نصحت وأشفقت وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا، وأنا عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي وأمرهم أمري ورأيهم رأيي، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عينا لا تخفي عني شيئا من أمورهم.
ثم دعا الحسين بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد:( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق وأن الجنة والنار حق وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي r أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ وهذه وصيتي يا أخي إليك وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.)
قال ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه إلى أخيه محمد ثم ودعه.
 
 
[ عبدالله ابن مطيع ينصح الحسين بعدم الذهاب إلى الكوفة ]:
وخرج رضي الله عنه من المدينة في جوف الليل وهو يقرأ ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾[القصص/21]. ولزم الطريق الأعظم فقال له أهل بيته لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب فقال لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، فلقيه عبدالله ابن مطيع فقال له: جعلت فداك أين تريد؟
قال: أما الآن فمكة، وأما بعد فإني استخير الله قال خار الله لك وجعلنا فداك فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشئومة بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ألزم الحرم فأنت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا ويتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي، فو الله لئن هلكت لنسترقن بعدك([11]).
وأقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة لما بلغهن أن الحسين رضي الله عنه يريد الشخوص من المدينة، حتى مشى فيهن الحسين رضي الله عنه فقال: أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر، معصية لله ولرسوله، قالت له نساء بني عبد المطلب: فلن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا كيوم مات فيه رسول الله r وعلي وفاطمة والحسن ورقية وزينب وأم كلثوم جعلنا الله فداك من الموت يا حبيب الأبرار من أهل القبور.
[ أهل الكوفة يكتبون إلى الحسين t ]:
وبلغ أهل الكوفة هلاك معاوية فأرجفوا بيزيد وعرفوا خبر الحسين وامتناعه من بيعته وما كان من أمر ابن الزبير في ذلك وخروجهما إلى مكة فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا هلاك معاوية فحمدوا الله وأثنوا عليه  فقام سليمان فيهم خطيبا وقال في آخر خطبته: إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه ابنه يزيد وهذا الحسين بن علي قد خالفه وصار إلى مكة هاربا من طواغيت آل سفيان وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا عدوه فاكتبوا إليه وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قالوا: بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه، فأرسلوا وفدا من قبلهم وعليهم أبو عبد الله الجدلي وكتبوا إليه معهم:
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ للحسين بن علي من سليمان بن صرد([12]) والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد البجلي وحبيب بن مظاهر وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة سلام عليك فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد: فالحمد الله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضى منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها فبعدا له كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والنعمان بن بشير في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا نخرج معه إلى عيد ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله ).
وقيل أنهم سرحوا بالكتاب مع عبدالله بن مسمع الهمداني وعبدالله بن وأل وأمروهما بالنجا فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين بمكة لعشر مضين من شهر رمضان. ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبدالله وعبدالرحمن ابني عبدالله بن زياد الأرحبي وعمارة بن عبدالله السلولي إلى الحسين رضي الله عنه ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة.
 وقال السيد: وهو مع ذلك يتأبى ولا يجيبهم فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب.
وقال المفيد:
ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكتبوا إليه: ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إلى الحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين أما بعد: فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل والسلام.)
ثم كتب شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن رويم وعروة بن قيس وعمر بن حجاج الزبيدي ومحمد بن عمرو التيمي أما بعد:
 فقد أخضر الجنات وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك.
[ الحسين يكتب إلى أهل الكوفة ]:
وتلاقت الرسل كلها عنده فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس ثم كتب مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله وكانا آخر الرسل:
( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى الملإ من المؤمنين والمسلمين أما بعد: فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل فإن كتب إلي بأنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحابس نفسه على ذلك لله والسلام.)
[ الحسين يبعث مسلم بن عقيل ليتأكد من صدق أهل الكوفة ]:
ودعا الحسين رضي الله عنه مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبدالله السلولي وعبدالرحمن بن عبدالله الأزدي وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف فإن رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك.
فأقبل مسلم رحمه الله حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله r وودع من أحب من أهله واستأجر دليلين من قيس فأقبلا به يتنكبان الطريق فضلا عن الطريق وأصابهما عطش شديد فعجزا عن السير فأومأ له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهم ذلك فسلك مسلم ذلك السنن ومات الدليلان عطشا فكتب مسلم بن عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهر أما بعد: ( فإني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فحازا عن الطريق فضلا واشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيرت من توجهي هذا فإن رأيت أعفيتني عنه وبعثت غيري والسلام.)
فكتب إليه الحسين رضي الله عنه أما بعد: فقد حسبت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك فيه والسلام.
 فلما قرأ مسلم الكتاب قال: أما هذا فلست أتخوفه على نفسي فأقبل حتى مر بماء لطيئ فنزل به ثم ارتحل عنه فإذا رجل يرمي الصيد فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه فقال مسلم بن عقيل نقتل عدونا إن شاء الله.
[ مسلم بن عقيل يدخل الكوفة ]:
ثم أقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار بن أبي عبيدة وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب وأقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين رضي الله عنه وهم يبكون وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا فكتب مسلم إلى الحسين رضي الله عنه يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا ويأمره بالقدوم وجعلت الشيعة تختلف إلى مسلم بن عقيل رحمه الله حتى علم بمكانه.
[ النعمان بن البشير والي الكوفة يحذر من الفتنة والفرقة]:
فبلغ النعمان بن بشير ذلك وكان واليا على الكوفة من قبل معاوية فأقره يزيد عليها فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فاتقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة فإن فيها تهلك الرجال وتسفك الدماء وتغصب الأموال إني لا أقاتل من لا يقاتلني ولا آتي على من لم يأت علي ولا أنبه نائمكم ولا أتحرش بكم ولا آخذ بالقرف ولا الظنة ولا التهمة ولكنكم إن أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم فو الله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ولو لم يكن لي منكم ناصر أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل.
فقام إليه عبدالله بن مسلم بن ربيعة الحضرمي حليف بني أمية فقال له إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم وهذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك رأي المستضعفين فقال له النعمان: إن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله ثم نزل.
[ الرسائل تصل إلى يزيد بن معاوية تخبره بوصول مسلم إلى الكوفة ]:
وخرج عبدالله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية كتابا أما بعد: فإن مسلم بن عقيل قد قدم الكوفة وبايعه الشيعة للحسين بن علي بن أبي طالب فإن يكن لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلا قويا ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك فإن النعمان بن بشير رجل ضعيف أو هو يتضعف.
ثم كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ثم كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص مثل ذلك.
[ يزيد يعزل النعمان بن البشير ويعين عبيدالله بن زياد والياً على الكوفة]:
 فلما وصلت الكتب إلى يزيد دعا سرحون مولى([13])معاوية فقال: ما رأيك أن الحسين قد نفذ إلى الكوفة مسلم بن عقيل يبايع له وقد بلغني عن النعمان ضعف وقول سيئ فمن ترى أن أستعمل على الكوفة وكان يزيد عاتبا على عبيدالله بن زياد فقال له سرحون: أرأيت لو نشر لك معاوية حيا ما كنت آخذا برأيه قال بلى قال فأخرج سرحون عهد عبيدالله على الكوفة وقال: هذا رأي معاوية مات وقد أمر بهذا الكتاب فضم المصرين إلى عبيدالله فقال له يزيد: أفعل؟ ابعث بعهد عبيدالله بن زياد إليه. ثم دعا مسلم بن عمرو الباهلي وكتب إلى عبيدالله معه أما بعد: فإنه كتب إلي شيعتي من أهل الكوفة ويخبرونني أن ابن عقيل فيها يجمع الجموع ليشق عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتى تأتي الكوفة فتطلب ابن عقيل طلب الخرزة حتى تثقفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام. وسلم إليه عهده على الكوفة فخرج مسلم بن عمرو حتى قدم على عبيدالله البصرة وأوصل إليه العهد والكتاب فأمر عبيدالله بالجهاز من وقته والمسير والتهيؤ إلى الكوفة من الغد ثم خرج من البصرة فاستخلف أخاه عثمان.
[ عبيدالله بن زياد يدخل الكوفة ]:
وقال المفيد: وأقبل ابن زياد إلى الكوفة ومعه مسلم بن عمرو الباهلي وشريك بن الأعور الحارثي وحشمه وأهل بيته حتى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم والناس قد بلغهم إقبال الحسين رضي الله عنه إليهم فهم ينتظرون قدومه فظنوا حين رأوا عبيدالله أنه الحسين رضي الله عنه فأخذ لا يمر على جماعة من الناس إلا سلموا عليه وقالوا مرحبا بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين ما ساءه فقال مسلم بن عمرو لما أكثروا: تأخروا هذا الأمير عبيدالله بن زياد([14]).
 وسار حتى وافى القصر بالليل ومعه جماعة قد التفوا به لا يشكون أنه الحسين رضي الله عنه فأغلق النعمان بن بشير عليه وعلى خاصته فناداه بعض من كان معه ليفتح لهم الباب فاطلع عليه النعمان وهو يظنه الحسين فقال أنشدك الله إلا تنحيت والله ما أنا بمسلم إليك أمانتي وما لي في قتالك من إرب فجعل لا يكلمه ثم إنه دنا وتدلى النعمان من شرف القصر فجعل يكلمه فقال افتح لا فتحت فقد طال ليلك وسمعها إنسان خلفه فنكص إلى القوم الذين اتبعوه من أهل الكوفة على أنه الحسين رضي الله عنه فقال يا قوم ابن مرجانة والذي لا إله غيره، ففتح له النعمان فدخل وضربوا الباب في وجوه الناس وانفضوا.
 وأصبح فنادى في الناس: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فخرج إليهم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن أمير المؤمنين يزيد ولاّني مصركم وثغركم وفيئكم وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم والإحسان إلى سامعكم ومطيعكم كالوالد البر وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي فليتق امرؤ على نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد ثم نزل.
وأخذ العرفاء بالناس أخذا شديدا فقال اكتبوا إلى العرفاء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومن فيكم من أهل الحرورية وأهل الريب الذين شأنهم الخلاف والنفاق والشقاق فمن يجي‏ء لنا بهم فبرئ ومن لم يكتب لنا أحدا فليضمن لنا من في عرافته أن لا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا باغ فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلال لنا دمه وماله وأيّما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء.
[ عبيدالله بن زياد يبعث عيناً له على مسلم ]:
ولما سمع مسلم بن عقيل رحمه الله مجي‏ء عبيدالله إلى الكوفة ومقالته التي قالها وما أخذ به العرفاء والناس خرج من دار المختار حتى انتهى إلى دار هانئ ([15]) بن عروة فدخلها فأخذت الشيعة تختلف إليه في دار هانئ على تستر واستخفاء من عبيدالله وتواصوا بالكتمان فدعا ابن زياد مولى له يقال له ( معقل ) فقال خذ ثلاثة آلاف درهم واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم وقل لهم استعينوا بها على حرب عدوكم وأعلمهم أنك منهم فإنك لو قد أعطيتهم إياها لقد اطمأنوا إليك ووثقوا بك ولم يكتموك شيئا من أمورهم وأخبارهم ثم اغد عليهم ورح حتى تعرف مستقر مسلم بن عقيل وتدخل عليه.
ففعل ذلك وجاء حتى جلس إلى مسلم بن عوسجة الأسدي في المسجد الأعظم وهو يصلي فسمع قوما يقولون هذا يبايع للحسين فجاء وجلس إلى جنبه حتى فرغ من صلاته ثم قال: يا عبدالله إني امرؤ من أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل البيت وحب من أحبهم وتباكى له وقال: معي ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله r فكنت أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه ولا أعرف مكانه فإني لجالس في المسجد الآن إذ سمعت نفرا من المؤمنين يقولون هذا رجل له علم بأهل هذا البيت وإني أتيتك لتقبض مني هذا المال وتدخلني على صاحبك فإني أخ من إخوانك وثقة عليك وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.
فقال له ابن عوسجة: أحمد الله على لقائك إياي فقد سرني ذلك لتنال الذي تحب ولينصرن الله بك أهل بيت نبيه عليه وعليهم السلام ولقد ساءني معرفة الناس إياي بهذا الأمر قبل أن يتم مخافة هذه الطاغية وسطوته فقال له معقل: لا يكون إلا خيرا خذ البيعة علي فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن وليكتمن فأعطاه من ذلك ما رضي به ثم قال له: اختلف إلي أياما في منزلي فإني طالب لك الإذن على صاحبك وأخذ يختلف مع الناس فطلب له الإذن فأذن له وأخذ مسلم بن عقيل بيعته وأمر أبا ثمامة الصائدي بقبض المال منه وهو الذي كان يقبض أموالهم وما يعين به بعضهم بعضا ويشتري لهم به السلاح وكان بصيرا ([16]) وفارسا من فرسان العرب ووجوه الشيعة وأقبل ذلك الرجل يختلف إليهم فهو أول داخل وآخر خارج حتى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم فكان يخبره به وقتا فوقتا.
[ خطة لقتل عبيدالله بن زياد في دار هانئ بن عروة ]:
قال ابن شهر آشوب:
 لما دخل مسلم الكوفة سكن في دار سالم بن المسيب فبايعه اثنا عشر ألف رجل فلما دخل ابن زياد انتقل من دار سالم إلى دار هانئ في جوف الليل ودخل في أمانه وكان يبايعه الناس حتى بايعه خمسة وعشرون ألف رجل فعزم على الخروج فقال هانئ: لا تعجل وكان شريك بن الأعور الهمداني جاء من البصرة مع عبيدالله بن زياد فمرض فنزل دار هانئ أياما ثم قال لمسلم: إن عبيدالله يعودني وإني مطاولة الحديث فاخرج إليه بسيفك فاقتله وعلامتك أن أقول اسقوني ماء ونهاه هانئ عن ذلك فلما دخل عبيدالله على شريك وسأله عن وجعه وطال سؤاله ورأى أن أحدا لا يخرج فخشي أن يفوته فأخذ يقول. شعر:
ما الانتظار بسلمى أن تحييها                   كأس المنية بالتعجيل اسقوها
فتوهم ابن زياد وخرج فلما دخل القصر أتاه مالك بن يربوع التميمي بكتاب أخذه من يدي عبدالله بن يقطر فإذا فيه للحسين بن علي رضي الله عنه أما بعد: فإني أخبرك أنه قد بايعك من أهل الكوفة كذا فإذا أتاك كتابي هذا فالعجل العجل فإن الناس كلهم معك وليس لهم في يزيد رأي ولا هوى فأمر ابن زياد بقتله.
[ أسباب عدم قتل مسلم بن عقيل لعبيدالله بن زياد ]:
وقال أبو الفرج في المقاتل:
 قال هانئ لمسلم: إني لا أحب أن يقتل في داري. قال: فلما خرج مسلم قال له شريك: ما منعك من قتله قال خصلتان:
 أما إحداهما فكراهية هانئ أن يقتل في داره.
 وأما الأخرى فحديث حدثنيه الناس عن النبي r : ( أن الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن.)([17])
 فقال له هانئ : أما والله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا.
[ عبيدالله يطلب هانئ بن عروة ]:
 ثم قال المفيد:
وخاف هانئ بن عروة عبيدالله على نفسه فانقطع عن حضور مجلسه وتمارض فقال ابن زياد لجلسائه ما لي لا أرى هانئا فقالوا هو شاك فقال لو علمت بمرضه لعدته ودعا محمد بن الأشعث وأسماء بن خارجة وعمرو بن الحجاج الزبيدي وكانت رويحة بنت عمرو تحت هانئ بن عروة وهي أم يحيى بن هانئ فقال لهم ما يمنع هانئ بن عروة من إتياننا فقالوا ما ندري وقد قيل إنه يشتكي قال: قد بلغني أنه قد برئ وهو يجلس على باب داره فألقوه ومروه أن لا يدع ما عليه من حقنا فإني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.
فأتوه حتى وقفوا عليه عشية وهو جالس على بابه وقالوا له: ما يمنعك من لقاء الأمير فإنه قد ذكرك وقال: لو أعلم أنه شاك لعدته، فقال لهم: الشكوى تمنعني فقالوا: قد بلغه أنك تجلس كل عشية على باب دارك وقد استبطأك والإبطاء والجفاء لا يحتمل السلطان أقسمنا عليك لما ركبت معنا.
[ هانئ بن عروة يحضر عند عبيدالله بن زياد ]:
فدعا بثيابه فلبسها ثم دعا ببغلته فركبها حتى إذا دنا من القصر كأن نفسه أحست ببعض ([18]) الذي كان فقال لحسان بن أسماء بن خارجة: يا ابن الأخ إني والله لهذا الرجل لخائف فما ترى فقال: يا عم والله ما أتخوف عليك شيئا ولم تجعل على نفسك سبيلا ولم يكن حسان يعلم في أي شي‏ء بعث إليه عبيدالله.
فجاء هانئ حتى دخل على عبيدالله بن زياد وعنده القوم فلما طلع قال عبيدالله: أتتك بخائن رجلاه.
فلما دنا من ابن زياد وعنده شريح القاضي التفت نحوه فقال:
أريد حباءه ويريد قتلي           عذيرك من خليلك من مراد
وقد كان أول ما قدم مكرما له ملطفا فقال له هانئ وما ذاك أيها الأمير قال إيه يا هانئ بن عروة ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين وعامة المسلمين جئت بمسلم بن عقيل فأدخلته دارك وجمعت له الجموع والسلاح والرجال في الدور حولك وظننت أن ذلك يخفى علي؟ قال: ما فعلت ذلك وما مسلم عندي.
 قال: بلى قد فعلت فلما كثر بينهما وأبى هانئ إلا مجاحدته ومناكرته دعا ابن زياد معقلا ذلك العين فجاء حتى وقف بين يديه وقال: أتعرف هذا؟
قال: نعم، وعلم هانئ عند ذلك أنه كان عينا عليهم وأنه قد أتاه بأخبارهم فأسقط في ([19]) يده ساعة.
[ هانئ بن عروة يمتنع من تسليم مسلم بن عقيل إلى عبيدالله ]:
ثم راجعته نفسه فقال: اسمع مني وصدق مقالتي، فوالله ما كذبت والله ما دعوته إلى منزلي ولا علمت بشي‏ء من أمره حتى جاءني يسألني النزول فاستحييت من رده وداخلني من ذلك ذمام فضيفته وآويته وقد كان من أمره ما بلغك فإن شئت أن أعطيك الآن موثقا مغلظا أن لا أبغيك سوءا ولا غائلة ولآتينك حتى أضع يدي في يدك؛ وإن شئت أعطيتك رهينة تكون في يدك حتى آتيك وأنطلق إليه فآمره أن يخرج من داري إلى حيث شاء من الأرض فأخرج من ذمامه وجواره.
فقال له ابن زياد: والله لا تفارقني أبدا حتى تأتيني به.
 قال: لا والله لا أجيئك به أبدا، أجيئك بضيفي تقتله!
 قال: والله لتأتيني به.
 قال: والله لا آتيك به.
فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي وليس بالكوفة شامي ولا بصري غيره فقال: أصلح الله الأمير خلني وإياه حتى أكلمه فقام فخلا به ناحية من ابن زياد وهما منه بحيث يراهما فإذا رفعا أصواتهما سمع ما يقولان.
فقال له مسلم: يا هانئ أنشدك الله أن تقتل نفسك وأن تدخل البلاء في عشيرتك فو الله إني لأنفس بك عن القتل إن هذا ابن عم القوم وليسوا قاتليه ولا ضائريه فادفعه إليهم فإنه ليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان. فقال هانئ: والله إن علي في ذلك الخزي والعار أن أدفع جاري وضيفي وأنا حي صحيح أسمع وأرى شديد الساعد كثير الأعوان، والله لو لم يكن لي إلا واحد ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه.
 فأخذ يناشده وهو يقول: والله لا أدفعه إليه أبدا.
فسمع ابن زياد لعنه الله ذلك فقال: أدنوه مني، فأدنوه منه فقال: والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك.
 فقال هانئ: إذا والله تكثر البارقة حول دارك فقال ابن زياد: والهفاه عليك أبالبارقة تخوفني، وهو يظن أن عشيرته سيمنعونه ([20]) ثم قال:
 أدنوه مني، فأدني منه، فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسال الدماء على وجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على لحيته حتى كسر القضيب وضرب هانئ يده على قائم سيف شرطي وجاذبه الرجل ومنعه.
فقال عبيدالله: أحروري سائرا اليوم! قد حل دمك.
 جروه فجروه فألقوه في بيت من بيوت الدار وأغلقوا عليه بابه فقال اجعلوا عليه حرسا ففعل ذلك به فقام إليه حسان بن أسماء فقال: أرسل غدر سائر اليوم، أمرتنا أن نجيئك بالرجل حتى إذا جئناك به هشمت أنفه ووجهه وسيلت دماءه على لحيته وزعمت أنك تقتله!
 فقال له عبيدالله: وإنك لهاهنا فأمر به فلهز وتعتع وأجلس ناحية فقال محمد بن الأشعث قد رضينا بما رأى الأمير لنا كان أم علينا إنما الأمير مؤدب.
[ مذحج يثور لهانئ ولكن ]:
وبلغ عمرو بن الحجاج أن هانئا قد قتل فأقبل في مذحج حتى أحاط بالقصر ومعه جمع عظيم وقال: أنا عمرو بن الحجاج وهذه فرسان مذحج ووجوهها لم نخلع ولم نفارق جماعة وقد بلغهم أن صاحبهم قد قتل فأعظموا ذلك فقيل لعبيدالله بن زياد وهذه فرسان مذحج بالباب.
 فقال لشريح القاضي: ادخل على([21]) صاحبهم فانظر إليه ثم أخرج فأعلمهم أنه حي لم يقتل.
 فدخل شريح فنظر إليه فقال هانئ: لما رأى شريحا يا لله يا للمسلمين أهلكت عشيرتي أين أهل الدين أين أهل المصر والدماء تسيل على لحيته إذ سمع الضجة على باب القصر.
 فقال: إني لأظنها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين إنه إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني.
فلما سمع كلامه شريح، خرج إليهم فقال: لهم إن الأمير لما بلغه كلامكم ومقالتكم في صاحبكم أمرني بالدخول إليه فأتيته فنظرت إليه فأمرني أن ألقاكم وأعرفكم أنه حي وأن الذي بلغكم من قتله باطل فقال له عمرو بن الحجاج وأصحابه أما إذ لم يقتل فالحمد لله ثم انصرفوا.
فخرج عبيدالله بن زياد فصعد المنبر ومعه أشراف الناس وشرطه وحشمه فقال أما بعد أيها الناس فاعتصموا بطاعة الله وطاعة أئمتكم ولا تفرقوا فتهلكوا وتذلوا وتقتلوا وتجفوا وتحرموا إن أخاك من صدقك وقد أعذر من أنذر والسلام.
ثم ذهب لينزل فما نزل عن المنبر حتى دخلت النظارة المسجد من قبل باب التمارين يشتدون ويقولون قد جاء ابن عقيل فدخل عبيدالله القصر مسرعا وأغلق أبوابه.
 [ أهل الكوفة يجتمعون على مسلم بن عقيل ]:
فقال عبدالله بن حازم: أنا والله رسول ابن عقيل إلى القصر لأنظر ما فعل هانئ فلما ضرب وحبس ركبت فرسي فكنت أول داخل الدار على مسلم بن عقيل بالخبر وإذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين يا عبرتاه يا ثكلاه فدخلت على مسلم فأخبرته الخبر فأمرني أن أنادي في أصحابه وقد ملأ بهم الدور حوله كانوا فيها أربعة آلاف رجل فقال: ناد ( يا منصور أمت ) فناديت فتنادى أهل الكوفة واجتمعوا عليه.
فعقد مسلم رحمه الله لرءوس الأرباع كندة ومذحج وتميم وأسد ومضر وهمدان وتداعى الناس واجتمعوا فما لبثنا إلا قليلا حتى امتلأ المسجد من الناس والسوق وما زالوا يتوثبون حتى المساء فضاق بعبيدالله أمره وكان أكثر عمله أن يمسك باب القصر وليس معه إلا ثلاثون رجلا من الشرط وعشرون رجلا من أشراف الناس([22])وأهل بيته وخاصته وأقبل من نأى عنه من أشراف الناس يأتونه من قبل الباب الذي يلي الدار الروميين وجعل من في القصر مع ابن زياد يشرفون عليهم فينظرون إليهم وهم يرمونهم بالحجارة ويشتمونهم ويفترون على عبيدالله وعلى أمه.
[ أشراف أهل الكوفة يخذلون الناس عن مسلم بن عقيل ]:
فدعا ابن زياد كثير بن شهاب وأمره أن يخرج فيمن أطاعه في مذحج فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم الحرب ويحذرهم عقوبة السلطان وأمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس وقال مثل ذلك للقعقاع الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجار بن أبجر السلمي وشمر بن ذي الجوشن العامري وحبس باقي وجوه الناس عنده استيحاشا إليهم لقلة عدد من معه من الناس.
فخرج كثير بن شهاب يخذل الناس عن مسلم وخرج محمد بن الأشعث حتى وقف عند دور بني عمارة فبعث ابن عقيل إلى محمد بن الأشعث عبد الرحمن بن شريح الشيباني فلما رأى ابن الأشعث كثرة من أتاه تأخر عن مكانه وجعل محمد بن الأشعث وكثير بن شهاب والقعقاع بن ثور الذهلي وشبث بن ربعي يردون الناس عن اللحوق بمسلم ويخوفونهم السلطان حتى اجتمع إليهم عدد كثير من قومهم وغيرهم فصاروا إلى ابن زياد من قبل دار الروميين ودخل القوم معهم.
فقال كثير بن شهاب: أصلح الله الأمير معك في القصر ناس كثير من أشراف الناس ومن شرطك وأهل بيتك ومواليك فأخرج بنا إليهم فأبى عبيدالله وعقد لشبث بن ربعي لواء وأخرجه وأقام الناس مع ابن عقيل يكثرون حتى المساء وأمرهم شديد فبعث عبيدالله إلى الأشراف فجمعهم ثم أشرفوا على الناس فمنوا أهل الطاعة الزيادة والكرامة وخوفوا أهل المعصية الحرمان والعقوبة وأعلموهم وصول الجند من الشام إليهم.
وتكلم كثير بن شهاب حتى كادت الشمس أن تجب فقال: أيها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعرضوا أنفسكم للقتل فإن هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت وقد أعطى الله الأمير عهدا لئن تممتم على حربه ولم تنصرفوا ([23]) من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتليكم في مفازي الشام وأن يأخذ البري‏ء منكم بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له بقية من أهل المعصية إلا أذاقها وبال ما جنت أيديها وتكلم الأشراف بنحو من ذلك.
[ إنصراف الناس عن مسلم بن عقيل ]:
فلما سمع الناس مقالتهم أخذوا يتفرقون وكانت المرأة تأتي ابنها أو أخاها فتقول: انصرف، الناس يكفونك؛ ويجي‏ء الرجل إلى ابنه أو أخيه ويقول: غدا تأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر انصرف فيذهب به فينصرف فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل وصلى المغرب وما معه إلا ثلاثون نفسا في المسجد.
فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه إلا أولئك النفر خرج متوجها إلى أبواب كندة فلم يبلغ الأبواب إلا ومعه منهم عشرة ثم خرج من الباب وإذا ليس معه إنسان يدله فالتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو فمضى على وجهه متلددا في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب حتى خرج إلى دور بني جبلة من كندة فمضى حتى أتى إلى باب امرأة يقال لها طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس وأعتقها وتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا وكان بلال قد خرج مع الناس وأمه قائمة تنتظره. فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه، فقال لها: يا أمة الله اسقيني ماء فسقته وجلس ودخلت ثم خرجت فقالت: يا عبدالله، ألم تشرب؟
 قال: بلى
قالت: فاذهب إلى أهلك.
 فسكت ثم أعادت مثل ذلك، فسكت ثم قالت في الثالثة: سبحان الله يا عبدالله قم عافاك الله إلى أهلك فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك.
 فقام وقال: يا أمة الله ما لي في هذا المصر أهل ولا عشيرة فهل لك في أجر ومعروف ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم.
 قالت يا عبدالله: وما ذاك؟
 قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني.
 قالت: أنت مسلم؟
 قال: نعم
 قالت: ادخل، فدخل إلى بيت دارها غير البيت الذي تكون فيه وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش ولم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول في ([24]) البيت والخروج منه فقال لها: والله إنه ليريبني كثرة دخولك إلى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة، إن لك لشأنا!
قالت له: يا بني إلْه عن هذا.
 قال: والله لتخبريني.
 قالت له: أقبل على شأنك ولا تسألني عن شي‏ء، فألح عليها فقالت: يا بني لا تخبرن أحدا من الناس بشي‏ء مما أخبرك به.
 قال: نعم، فأخذت عليه الأيمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت.
ولما تفرق الناس عن مسلم بن عقيل رحمه الله طال على ابن زياد وجعل لا يسمع لأصحاب ابن عقيل صوتا كما كان يسمع قبل ذلك فقال لأصحابه: أشرفوا فانظروا هل ترون منهم أحدا؟
فأشرفوا فلم يجدوا أحدا.
 قال: فانظروهم لعلهم تحت الظلال قد كمنوا لكم فنزعوا تخاتج المسجد وجعلوا يخفضون بشعل النار في أيديهم وينظرون وكانت أحيانا تضي‏ء لهم وتارة لا تضي‏ء لهم كما يريدون فدلوا القناديل وأطنان القصب تشد بالحبال ثم يجعل فيها النيران ثم تدلى حتى ينتهي إلى الأرض ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتى فعل ذلك بالظلة التي فيها المنبر فلما لم يروا شيئا أعلموا ابن زياد بتفرق القوم.
ففتح باب السدة التي في المسجد ثم خرج فصعد المنبر وخرج أصحابه معه وأمرهم فجلسوا قبيل العتمة وأمر عمر بن نافع فنادى: ألا برئت الذمة من رجل من الشرط أو العرفاء والمناكب أو المقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد فلم يكن إلا ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس؛ ثم أمر مناديه فأقام الصلاة وأقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل إليه من يغتاله وصلى بالناس.
ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد، فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ومن جاء به فله ديته اتقوا الله عباد الله والزموا الطاعة وبيعتكم ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا.
يا حصين بن نمير ثكلتك أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة وخرج هذا الرجل ولم تأتني به وقد سلطتك على دور أهل الكوفة فابعث مراصد على ([25]) أهل الكوفة ودورهم وأصبح غدا واستبرئ الدور وجس خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل وكان الحصين بن نمير على شرطه وهو من بني تميم ثم دخل ابن زياد القصر وقد عقد لعمرو بن حريث راية وأمره على الناس.
[ إبن الأشعث يخبر بن زياد بمكان مسلم بن عقيل ]:
فلما أصبح جلس مجلسه وأذن للناس فدخلوا عليه وأقبل محمد بن الأشعث فقال: مرحبا بمن لا يستغش ولا يتهم ثم أقعده إلى جنبه وأصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان مسلم بن عقيل عند أمه فأقبل عبدالرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فساره فعرف ابن زياد سراره فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه: قم فأتني به الساعة.
 فقام وبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم بن عقيل. فبعث معه عبيدالله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل رحمه الله فلما سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنه قد أتى فخرج إليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ثم عادوا إليه فشد عليهم كذلك فاختلف هو وبكر بن حمران الأحمري ضربتين فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى وفصلت له ثنيتاه وضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع إلى جوفه.
فلما رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت وأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتا بسيفه في السكة فقال محمد بن الأشعث لك الأمان لا تقتل نفسك وهو يقاتلهم ويقول:
أقسمت لا أقتل إلا حرا               وإن رأيت الموت شيئا نكرا
ويخلط البارد سخنا مرا               رد شعاع الشمس فاستقرا
كل امرئ يوما ملاق شرا             أخاف أن أكذب أو أغرا ([26])
فقال له محمد بن الأشعث إنك لا تكذب ولا تغر ولا تخدع إن القوم بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضائريك وكان قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال فانتهز واستند ظهره إلى جنب تلك الدار فأعاد ابن الأشعث عليه القول: لك الأمان.
 فقال: آمن أنا؟
 قال: نعم
فقال للقوم الذين معه: ألي الأمان؟
قال القوم له: نعم إلا عبيدالله بن العباس السلمي فإنه قال: لا ناقة لي في هذا ولا جمل ثم تنحى.
فقال مسلم: أما لو لم تأمنوني ما وضعت يدي في أيديكم فأتي ببغلة فحمل عليها واجتمعوا حوله ونزعوا سيفه وكأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه ثم قال: هذا أول الغدر فقال له محمد بن الأشعث أرجو أن لا يكون عليك بأس قال وما هو إلا الرجاء أين أمانكم إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وبكى فقال له عبيدالله بن العباس: إن من يطلب مثل الذي طلبت إذا ينزل به مثل ما نزل بك لم يبك قال: والله إني ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل أرثي وإن كنت لم أحب لها طرفة عين تلفا، ولكني أبكي لأهلي المقبلين إني أبكي للحسين وآل الحسين رضي الله عنه.
[ بن عقيل يرسل إلى الحسين: إرجع فإن أهل الكوفة قد كذبوك]:
ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال يا عبدالله إني أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا وقد خرج اليوم أو خارج غدا وأهل بيته ويقول له: إن ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في يد القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل وهو يقول لك:([27]).
ارجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك ولا يغررك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي فقال ابن الأشعث والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد أني قد أمنتك.
وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى([28]) باب القصر واستأذن فأذن له فدخل على عبيدالله بن زياد فأخبره خبر ابن عقيل وضرب بكر إياه وما كان من أمانه له فقال له عبيدالله: وما أنت والأمان! كأنا أرسلناك لتؤمنه، إنما أرسلناك لتأتينا به فسكت ابن الأشعث.
 
 [ عبيدالله بن زياد يأمر بقتل عقيل بن مسلم ]:
وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر وقد اشتد به العطش وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الإذن فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط وعمرو بن حريث ومسلم بن عمرو وكثير بن شهاب وإذا قلة باردة موضوعة على الباب.
فقال مسلم: اسقوني من هذا الماء.
 فقال له مسلم بن عمرو: أتراها ما أبردها لا والله لا تذوق منها قطرة أبدا حتى تذوق الحميم في نار جهنم.
فقال له ابن عقيل: ويحك، من أنت؟
فقال: أنا الذي عرف الحق إذ أنكرته ونصح لإمامه إذ غششته وأطاعه إذ خالفته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي.
 فقال له ابن عقيل: لأمك الثكل، ما أجفاك وأقطعك وأقسى قلبك أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني.
ثم جلس فتساند إلى حائط وبعث غلاما له فأتاه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء فقال له اشرب فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دما من فمه ولا يقدر أن يشرب ففعل ذلك مرتين فلما ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح فقال: الحمد لله لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته وخرج رسول ابن زياد فأمر بإدخاله إليه.
فلما دخل لم يسلم عليه بالإمرة، فقال له الحرسي: ألا تسلم على الأمير؟
 فقال: إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه! وإن كان لا يريد قتلي فليكثرن سلامي عليه.
 فقال له ابن زياد: لعمري لتقتلن.
قال: كذلك؟
قال: نعم
قال: فدعني أوصي إلى بعض قومي.
قال: افعل، فنظر مسلم إلى جلساء عبيدالله بن زياد وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص فقال: يا عمر إن بيني وبينك قرابة ولي إليك حاجة وقد يجب لي عليك نجح حاجتي وهي سر.
فامتنع عمر أن يسمع منه، فقال له عبيدالله بن زياد: لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمك فقام معه فجلس حيث([29]) ينظر إليهما ابن زياد فقال له: إن علي بالكوفة دينا إستدنته منذ قدمت الكوفة سبعمائة درهم فبع سيفي ودرعي فاقضها عني، وإذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين رضي الله عنه من يرده فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه ولا أراه إلا مقبلا.
فقال عمر لابن زياد: أتدري أيها الأمير ما قال لي، إنه ذكر كذا وكذا فقال ابن زياد إنه لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن أما ماله فهو له ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحب وأما جثته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صنع بها وأما حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده.
ثم قال ابن زياد: إيه ابن عقيل أتيت الناس وهم جمع فشتت بينهم وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم على بعض.
 قال: كلا لست لذلك أتيت ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعو إلى الكتاب.
 فقال له ابن زياد: وما أنت وذاك يا فاسق؟ لمَ لمْ تعمل فيهم بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟
قال مسلم: أنا أشرب الخمر! أما والله إن الله ليعلم أنك غير صادق وأنك قد قلت بغير علم وإني لست كما ذكرت وإنك أحق بشرب الخمر مني وأولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها ويسفك الدم الذي حرم الله على الغصب والعداوة وسوء الظن وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئا.
فقال له ابن زياد: يا فاسق إن نفسك منتك ما حال الله دونه ولم يرك الله له أهلا فقال مسلم: فمن أهله إذا لم نكن نحن أهله!
فقال ابن زياد: أمير المؤمنين يزيد.
فقال مسلم: الحمد لله على كل حال، رضينا بالله حكما بيننا وبينكم.
 فقال له ابن زياد: قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام من الناس فقال له مسلم: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن وإنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولؤم الغلبة لا أحد أولى بها منك فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعليا وعقيلا وأخذ مسلم لا يكلمه([30]).
 ثم قال ابن زياد: اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده.
فقال مسلم رحمه الله: والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني.
فقال ابن زياد: أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف؟
فدعا بكر بن حمران الأحمري فقال له: اصعد فليكن أنت الذي تضرب عنقه فصعد به وهو يكبر ويستغفر الله ويصلي على رسول الله r ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا([31]). وأشرفوا به على موضع الحذاءين اليوم فضرب عنقه وأتبع رأسه جثته.
[ عبيدالله يأمر بقتل هانئ بن عروة ]:
قال المفيد:
 فقام محمد بن الأشعث إلى عبيدالله بن زياد فكلمه في هانئ بن عروة فقال: إنك قد عرفت موضع هانئ من المصر وبيته في العشيرة وقد علم قومه إني وصاحبي سقناه إليك وأنشدك الله لما وهبته لي فإني أكره عداوة المصر وأهله فوعده أن يفعل ثم بدا له وأمر بهانئ في الحال فقال: أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه فأخرج هانئ حتى أتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف فجعل يقول: وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم يا مذحجاه يا مذحجاه أين مذحج؟
فلما رأى أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثم قال أما من عصا أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه ووثبوا إليه فشدوه وثاقا ثم قيل له: امدد عنقك فقال ما أنا بها بسخي، وما أنا بمعينكم على نفسي فضربه مولى لعبيدالله بن زياد تركي يقال له رشيد بالسيف فلم يصنع شيئا فقال له هانئ إلى الله المعاد اللهم إلى رحمتك ورضوانك ثم ضربه أخرى فقتله.
[ الحسين يتوجه من مكة إلى الكوفة ]:
قال المفيد:
وكان خروج مسلم بن عقيل رحمه الله بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين وقتله رحمه الله يوم الأربعاء لتسع خلون منه يوم عرفة وكان توجه الحسين رضي الله عنه من مكة إلى العراق في يوم خروج مسلم بالكوفة وهو يوم التروية بعد مقامه بمكة بقية شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة وثمان ليال خلون من ذي الحجة سنة ستين وكان قد اجتمع إلى الحسين رضي الله عنه مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه.
ولما أراد الحسين التوجه إلى العراق طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل من إحرامه وجعلها عمرة لأنه لم يتمكن من تمام الحج مخافة أن يقبض عليه بمكة فينفذ إلى يزيد بن معاوية فخرج رضي الله عنه مبادرا بأهله وولده ومن انضم إليه من شيعته ولم يكن خبر مسلم بلغه بخروجه يوم خروجه على ما ذكرناه([32]).
[ الفرزدق الشاعر يلتقي بالحسين ]:
ثم قال المفيد:
وروي عن الفرزدق أنه قال: حججت بأمي في سنة ستين فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين رضي الله عنه خارجا من مكة معه أسيافه وتراسه فقلت: لمن هذا القطار فقيل: للحسين بن علي رضي الله عنه فأتيته وسلمت عليه وقلت له: أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج؟
 قال: لو لم أعجل لأخذت.
 ثم قال لي: من أنت؟
قلت رجل من العرب ولا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك.
ثم قال لي أخبرني عن الناس خلفك فقلت: الخبير سألت: قلوب الناس معك وأسيافهم عليك([33])  والقضاء ينزل من السماء واللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ .
قال: صدقت لله الأمر من قبل ومن بعد وكل يوم ربنا هُوَ فِي شَأْنٍ إن نزل القضاء بما نحب فنحمد الله على نعمائه وهو المستعان على أداء الشكر وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحق نيته والتقوى سيرته فقلت له: أجل بلغك الله ما تحب وكفاك ما تحذر وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها وحرك راحلته وقال السلام عليك ثم افترقنا.
[ ماذا فعل عبيدالله بن زياد حين علم بخروج الحسين ]:
وقال المفيد:
 ولما بلغ عبيدالله بن زياد إقبال الحسين رضي الله عنه من مكة إلى الكوفة بعث الحصين بن نمير صاحب شرطه حتى نزل القادسية ونظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان وما بين القادسية إلى القطقطانة وقال للناس: هذا الحسين يريد العراق ولما بلغ الحسين الحاجز من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي ويقال: إنه بعث أخاه من الرضاعة عبد الله بن يقطر إلى أهل الكوفة ولم يكن رضي الله عنه علم بخبر مسلم بن عقيل رحمه الله وكتب معه إليهم: ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من الحسين بن علي إلى إخوانه المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله أن يحسن لنا الصنيع وأن يثيبكم على ذلك أعظم الأجر وقد شخصت إليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فإذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في ([34]) أيامي هذه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.) وكان مسلم كتب إليه قبل أن يقتل بسبع وعشرين ليلة وكتب إليه أهل الكوفة أن لك هاهنا مائة ألف سيف ولا تتأخر.
[ رسول الحسين يُقتل ]:
فأقبل قيس بن مسهر بكتاب الحسين رضي الله عنه حتى إذا انتهى القادسية أخذه الحصين بن نمير فبعث به إلى عبيدالله بن زياد إلى الكوفة فقال له عبيدالله بن زياد اصعد فسب الكذاب الحسين بن علي.
وقال السيد :
فلما قارب دخول الكوفة اعترضه الحصين بن نمير ليفتشه فأخرج قيس الكتاب ومزقه فحمله الحصين إلى ابن زياد.
فلما مثل بين يديه، قال له: من أنت؟
قال: أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه رضي الله عنه.
قال: فلماذا خرقت الكتاب؟
قال: لئلا تعلم ما فيه.
قال: وممن الكتاب وإلى من؟
قال: من الحسين بن علي إلى جماعة من أهل الكوفة لا أعرف أسماءهم فغضب ابن زياد فقال: والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر وتلعن الحسين بن علي وأباه وأخاه وإلا قطعتك إربا إربا.
فقال: قيس أما القوم فلا أخبرك بأسمائهم وأما لعنة الحسين وأبيه وأخيه فأفعل فصعد المنبر وحمد الله وصلى على النبي وأكثر من الترحم على علي وولده صلوات الله عليهم ثم لعن عبيدالله بن زياد وأباه ولعن عتاة بني أمية عن آخرهم ثم قال أنا رسول الحسين إليكم وقد خلفته بموضع كذا فأجيبوه.
ثم قال المفيد رحمه الله:
فأمر به عبيدالله بن زياد أن يرمى من فوق القصر فرمي به فتقطع وروي أنه وقع إلى الأرض مكتوفا فتكسرت عظامه وبقي به رمق فأتاه رجل يقال له عبدالملك بن عمير اللخمي فذبحه فقيل له في ذلك وعيب عليه فقال أردت أن أريحه.
[ ماذا فعل الحسين حين علم بمقتل مسلم وهانئ ]:
ثم أقبل الحسين من الحاجز يسير نحو العراق حتى إنتهى الى زبالة فأتاه خبر عبدالله بن يقطر، فاستعبر باكيا فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم فإذا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبدالله بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا([35]) فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه وإنما فعل ذلك لأنه رضي الله عنه علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون([36]).
[ عمر بن لوذان ينصح الحسين بالرجوع ]:
فلما كان السحر أمر أصحابه فاستقوا ماء وأكثروا ثم سار حتى مر ببطن العقبة فنزل عليها فلقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمر بن لوذان قال له أين تريد قال له الحسين الكوفة فقال له الشيخ أنشدك الله لما انصرفت فوالله ما تقدم إلا على الأسنة وحد السيوف وإن هؤلاء الذين بعثوا إليك لو كانوا كفوك مئونة القتال ووطئوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فأما على هذه الحال التي تذكر فإني لا أرى لك أن تفعل فقال له يا عبدالله ليس يخفى علي الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب على أمره. ثم قال رضي الله عنه والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فإذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم ثم سار رضي الله عنه من بطن العقبة حتى نزل شراف.
[ الحر يلتقي الحسين ]:
 فلما كان السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء وأكثروا ثم سار حتى انتصف النهار فبينما هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه فقال له الحسين رضي الله عنهالله أكبر لم كبرت فقال رأيت النخل قال جماعة ممن صحبه والله إن هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قط فقال الحسينرضي الله عنه فما ترونه قالوا والله نراه أسنة الرماح وآذان الخيل فقال وأنا والله أرى ذلك. ثم قال رضي الله عنه ما لنا ملجأ نلجأ إليه ونجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد فقلنا له بلى هذا ذو جشم إلى جنبك فمل إليه عن يسارك فإن سبقت إليه فهو كما تريد فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيناها وعدلنا فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب وكأن راياتهم أجنحة الطير فاستبقنا إلى ذي جشم فسبقناهم إليه وأمر الحسين رضي الله عنه بأبنيته فضربت وجاء القوم زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة والحسين وأصحابه معتمون متقلدون أسيافهم([37]).
فقال الحسين رضي الله عنه لفتيانه اسقوا القوم وارووهم من الماء ورشفوا الخيل ترشيفا ففعلوا وأقبلوا يملئون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقى آخر حتى سقوها عن آخرها. فقال علي بن الطعان المحاربي كنت مع الحر يومئذ فجئت في آخر من جاء من أصحابه فلما رأى الحسين رضي الله عنه ما بي وبفرسي من العطش قال أنخ الراوية والراوية عندي السقاء ثم قال يا ابن الأخ أنخ الجمل فأنخته فقال اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين اخنث السقاء أي اعطفه فلم أدر كيف أفعل فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي. وكان مجي‏ء الحر بن يزيد من القادسية وكان عبيدالله بن زياد بعث الحصين بن نمير وأمره أن ينزل القادسية وتقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين رضي الله عنه فلم يزل الحر موافقا للحسين رضي الله عنه حتى حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين رضي الله عنه الحجاج بن مسروق أن يؤذن.
[ الحسين يصلي بالفريقين ]:
فلما حضرت الإقامة خرج الحسين رضي الله عنه في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا وإياكم على الهدى والحق([38]) فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم وإن لم تفعلوا كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم. فسكتوا عنه ولم يتكلموا كلمة فقال للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال للحر أتريد أن تصلي بأصحابك فقال الحر لا بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين رضي الله عنه ([39])ثم دخل فاجتمع عليه أصحابه وانصرف الحر إلى مكانه الذي كان فيه فدخل خيمة قد ضربت له فاجتمع إليه خمسمائة من أصحابه وعاد([40])الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه ثم أخذ كل رجل منهم بعنان فرسه وجلس في ظلها.
[ الحسين يصلي العصر ولم يجمع بينها وبين الظهر ]:
فلما كان وقت العصر أمر الحسين رضي الله عنه أن يتهيئوا للرحيل ففعلوا ثم أمر مناديه فنادى بالعصر([41]) وأقام فاستقدم الحسين وقام فصلى بالقوم ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه وقال:
أما بعد أيها الناس فإنكم إن تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله عنكم ونحن أهل بيت محمد أولى([42]) بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان فإن أبيتم إلا الكراهة لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت علي به رسلكم انصرفت عنكم.
الحسين يرغب بالإنصراف ولكن:
فقال له الحر:
 أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر فقال الحسين رضي الله عنه لبعض أصحابه يا عقبة بن سمعان أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي فأخرج خرجين مملوءين صحفا فنثرت بين يديه فقال له الحر لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمرنا أنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيدالله بن زياد.
فقال الحسين رضي الله عنه :
الموت أدنى إليك من ذلك ثم قال لأصحابه فقوموا فاركبوا فركبوا وانتظر حتى ركبت نساؤه فقال لأصحابه انصرفوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف فقال الحسين رضي الله عنه للحر ثكلتك أمك ما تريد فقال له الحر أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان ولكن والله ما لي من ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه.
فقال له الحسين رضي الله عنه:  فما تريد؟
 قال: أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيدالله بن زياد فقال إذا والله لا أتبعك فقال إذا والله لا أدعك فتردا القول ثلاث مرات فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر إني لم أومر بقتالك إنما([43])أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذ أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة يكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير عبيدالله بن زياد فلعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلي بشي‏ء من أمرك فخذ هاهنا. فتياسر عن طريق العذيب والقادسية وسار الحسين رضي الله عنه وسار الحر في أصحابه يسايره وهو يقول له يا حسين إني أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال له الحسين رضي الله عنه أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب أن تقتلوني وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله r فخوفه ابن عمه وقال أين تذهب فإنك مقتول فقال.
سأمضي وما بالموت عار على الفتى           إذ ما نوى حقا وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه                    وفارق مثبورا وودع مجرما
فإن عشت لم أندم وإن مت لم ألم              كفى بك ذلا أن تعيش وترغما
 ثم قال ثم أقبل الحسين رضي الله عنه على أصحابه وقال هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادة فقال الطرماح نعم يا ابن رسول الله أنا أخبر الطريق فقال الحسين رضي الله عنه سر بين أيدينا فسار الطرماح واتبعه الحسين رضي الله عنه وأصحابه وجعل الطرماح يرتجز ويقول:
يا ناقتي لا تذعري من زجري            وامضي بنا قبل طلوع الفجر
بخير فتيان وخير سفر                   آل رسول الله آل الفخر
السادة البيض الوجوه الزهر               الطاعنين بالرماح السمر
الضاربين بالسيوف البتر                 حتى تحلي بكريم الفخر
الماجد الجد رحيب الصدر أثابه الله        لخير أمرعمره الله بقاء الدهر.
يا مالك النفع معا والنصر                 أيد حسينا سيدي بالنصر
على الطغاة من باقيا الكفر               على اللعينين سليلي صخر
يزيد لا زال حليف الخمر                 وابن زياد عهر بن العهر
وقال المفيد رحمه الله:
 فلما سمع الحر ذلك تنحى عنه وكان يسير بأصحابه ناحية والحسين رضي الله عنه في ناحية حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات ثم مضى الحسين رضي الله عنه حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به وإذا هو بفسطاط مضروب فقال لمن هذا فقيل لعبيدالله بن الحر الجعفي قال ادعوه إلي فلما أتاه الرسول قال له هذا الحسين بن علي رضي الله عنه يدعوك فقال عبيدالله إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا فيها والله ما أريد أن أراه ولا يراني. فأتاه الرسول فأخبره فقام إليه الحسين فجاء حتى دخل عليه وسلم وجلس ثم دعاه إلى الخروج معه فأعاد عليه عبيدالله بن الحر تلك المقالة واستقاله مما دعاه إليه فقال له الحسين رضي الله عنه فإن لم تكن تنصرنا فاتق الله أن لا تكون ممن يقاتلنا فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك فقال له أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله. ثم قام الحسين رضي الله عنه من عنده حتى دخل رحله ولما كان في آخر الليلة أمر فتيانه بالاستقاء من الماء ثم أمر بالرحيل فارتحل من قصر بني مقاتل. فقال عقبة بن سمعان فسرنا معه ساعة فخفق رضي الله عنه وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال مم حمدت الله واسترجعت قال يا بني إني خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسير إليهم فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا فقال له يا أبت لا أراك الله سوءا ألسنا على الحق قال بلى والله الذي مرجع العباد إليه فقال فإننا إذا ما نبالي أن نموت محقين فقال له الحسين رضي الله عنه جزاك الله من ولد([44])خير ما جزى ولدا عن والده. فلما أصبح نزل وصلى بهم الغداة ثم عجل الركوب وأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيرده وأصحابه فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى بالمكان الذي نزل به الحسين رضي الله عنه فإذا راكب على نجيب له عليه سلاح متنكبا قوسا مقبلا من الكوفة فوقفوا جميعا ينتظرونه فلما انتهى إليهم سلم على الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسين وأصحابه ودفع إلى الحر كتابا من عبيدالله بن زياد لعنه الله فإذا فيه أما بعد فجعجع بالحسين حين بلغك كتابي هذا ويقدم عليك رسولي ولا تنزله إلا بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام.
فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير عبيدالله يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذه أمره فيكم فنظر يزيد بن المهاجر الكندي وكان مع الحسين رضي الله عنه إلى رسول ابن زياد فعرفه فقال له ثكلتك أمك ماذا جئت فيه قال أطعت إمامي ووفيت ببيعتي فقال له ابن المهاجر بل عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك وكسيت العار والنار وبئس الإمام إمامك قال الله عز وجل :﴿ وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ﴾ فإمامك منهم وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية فقال له الحسين رضي الله عنه دعنا ويحك ننزل هذه القرية أو هذه يعني نينوى والغاضرية أو هذه يعني شفية قال لا والله ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلي عينا عليّ فقال له زهير بن القين إني والله لا أرى أن يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسين رضي الله عنه ما كنت لأبدأهم بالقتال ثم نزل وذلك([45]) اليوم يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى وستين.
 
 
[ الحسين يوطن أصحابه على الشهادة في سبيل الله ]:
وقال السيد رحمه الله:
 فقام الحسين خطيبا في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون وإن الدنيا تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه حقا حقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما.
 فقام زهير بن القين فقال قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الإقامة فيها. قال ووثب هلال بن نافع البجلي فقال والله ما كرهنا لقاء ربنا وإنا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك. قال وقام برير بن خضير فقال والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك فيقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة.
قال ثم إن الحسين رضي الله عنه ركب وسار كلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه أخرى حتى بلغ كربلاء وكان ذلك في اليوم الثامن من المحرم سنة إحدى وستين.
 ثم أقبل على أصحابه فقال الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون. ثم قال أهذه كربلاء فقالوا نعم يا ابن رسول الله فقال هذا موضع كرب وبلاء هاهنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا قال فنزل القوم وأقبل الحر حتى نزل حذاء الحسين رضي الله عنه في ألف فارس ثم كتب إلى ابن زياد يخبره بنزول الحسين بكربلاء. وكتب ابن زياد لعنه الله إلى الحسين صلوات الله عليه أما بعد يا حسين فقد بلغني نزولك بكربلاء وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخمير أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام. فلما ورد كتابه على الحسين رضي الله عنه وقرأه رماه من يده ثم قال لا أفلح قوم اشتروا مرضاة المخلوق بسخط الخالق فقال له الرسول جواب الكتاب أبا عبدالله فقال ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب فرجع الرسول([46]) إليه فخبره بذلك فغضب عدو الله من ذلك أشد الغضب والتفت إلى عمر بن سعد وأمره بقتال الحسين وقد كان ولاه الري قبل ذلك فاستعفى عمر من ذلك فقال ابن زياد فاردد إلينا عهدنا فاستمهله ثم قبل بعد يوم خوفا عن أن يعزل عن ولاية الري.
[ عبيدالله يرسل تعزيزات لجيشه ]:
وقال المفيد رحمه الله:
 فلما كان من الغد قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف فارس فنزل بنينوى فبعث إلى الحسين رضي الله عنه عروة بن قيس الأحمسي فقال له ائته فسله ما الذي جاء بك وما تريد وكان عروة ممن كتب إلى الحسين فاستحيا منه أن يأتيه فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه([47]) وكلهم أبى ذلك وكرهه. فقام إليه كثير بن عبد الله الشعبي وكان فارسا شجاعا لا يرد وجهه شي‏ء فقال له أنا أذهب إليه ووالله لئن شئت لأفتكن به فقال له عمر بن سعد ما أريد أن تفتك به ولكن ائته فسله ما الذي جاء به فأقبل كثير إليه فلما رآه أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين رضي الله عنه أصلحك الله يا أبا عبدالله قد جاءك شر أهل الأرض وأجرؤه على دم وأفتكهم وقام إليه فقال له ضع سيفك قال لا والله ولا كرامة إنما أنا رسول إن سمعتم كلامي بلغتكم ما أرسلت إليكم وإن أبيتم انصرفت عنكم قال فإني آخذ بقائم سيفك ثم تكلم بحاجتك قال لا والله لا تمسه فقال له أخبرني بما جئت به وأنا أبلغه عنك ولا أدعك تدنو منه فإنك فاجر فاستبا وانصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر. فدعا عمر بن سعد قرة بن قيس الحنظلي فقال له ويحك الق حسينا فسله ما جاء به وما ذا يريد فأتاه قرة فلما رآه الحسين مقبلا قال أتعرفون هذا فقال حبيب بن مظاهر هذا رجل من حنظلة تميم وهو ابن أختنا وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد فجاء حتى سلم على الحسين وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه فقال له الحسين رضي الله عنه كتب إلي أهل مصركم هذا أن أقدم فأما إذا كرهتموني فأنا أنصرف عنكم فقال حبيب بن مظاهر ويحك([48]) يا قرة أين تذهب إلى القوم الظالمين انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة فقال له قرة أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي فانصرف إلى عمر بن سعد وأخبره الخبر فقال عمر بن سعد أرجو أن يعافيني الله من حربه وقتاله.
[ عمر بن سعد يكتب إلى بن زياد أن الحسين يريد الإنصراف ]:
 وكتب إلى عبيدالله بن زياد بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فإني حيث نزلت بالحسين بعثت إليه رسولي فسألته عما أقدمه وماذا يطلب فقال كتب إلي أهل هذه البلاد وأتتني رسلهم يسألوني القدوم إليهم ففعلت فأما إذا كرهتموني وبدا لهم غير ما أتتني به رسلهم فأنا منصرف عنهم. قال حسان بن قائد العبسي وكنت عند عبيدالله بن زياد حين أتاه هذا الكتاب فلما قرأه قال.
الآن إذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة وَلاتَ حِينَ مَناصٍ.
وكتب إلى عمر بن سعد أما بعد فقد بلغني كتابك وفهمت ما ذكرت فأعرض على الحسين أن يبايع ليزيد هو جميع أصحابه فإذا فعل ذلك رأينا رأينا والسلام فلما ورد الجواب على عمر بن سعد قال قد خشيت أن لا يقبل ابن زياد العافية.
وأقبل خيل ابن سعد حتى نزلوا على شاطئ الفرات فحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء وأضر العطش بالحسين وأصحابه، وذلك قبل قتل الحسين بثلاثة أيام.
ثم أرسل الحسين إلى عمر بن سعد لعنه الله إني أريد أن أكلمك فألقني الليلة بين عسكري وعسكرك فخرج إليه ابن سعد في عشرين وخرج إليه الحسين في مثل ذلك فلما التقيا أمر الحسين رضي الله عنه أصحابه فتنحوا عنه وبقي معه أخوه العباس وابنه علي الأكبر وأمر عمر بن سعد وأصحابه فتنحوا عنه وبقي معه ابنه حفص وغلام له.
 فقال له الحسين رضي الله عنه :
ويلك يا ابن سعد أما تتقي الله الذي إليه معادك أتقاتلني وأنا ابن من علمت ذر هؤلاء القوم وكن معي فإنه أقرب لك إلى الله تعالى.
 فقال عمر بن سعد:
 أخاف أن يهدم داري فقال الحسين رضي الله عنه أنا أبنيها لك فقال أخاف أن تؤخذ ضيعتي فقال الحسين رضي الله عنه أنا أخلف عليك خيرا منها من مالي بالحجاز فقال لي عيال وأخاف عليهم ثم سكت ولم يجبه إلى شي‏ء([49]) فانصرف عنه الحسين رضي الله عنه وهو يقول ما لك ذبحك الله على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيرا فقال ابن سعد في الشعير كفاية عن البر مستهزئا بذلك القول.
 رجعنا إلى سياقة حديث المفيد قال:
وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى عمر بن سعد أن حل بين الحسين وأصحابه وبين الماء ولا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان بن عفان([50]) فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء ومنعوهم أن يسقوا منه قطرة وذلك قبل قتل الحسين رضي الله عنه بثلاثة أيام. ونادى عبدالله بن حصين الأزدي وكان عداده في بجيلة قال بأعلى صوته يا حسين ألا تنظرون إلى الماء كأنه كبد السماء والله لا تذوقون منه قطرة واحدة حتى تموتوا عطشا فقال الحسين رضي الله عنه اللهم اقتله عطشا ولا تغفر له أبدا.
 قال حميد بن مسلم:
 والله لعدته في مرضه بعد ذلك فوالله الذي لا إله غيره لقد رأيته يشرب الماء حتى يبغر ثم يقيئه ويصيح العطش العطش ثم يعود ويشرب حتى يبغر ثم يقيئه ويتلظى عطشا فما زال ذلك دأبه حتى لفظ نفسه.
[ شمر بن ذي الجوشن يحث على عدم قبول الصلح ]:
ولما رأى الحسين رضي الله عنه نزول العساكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله أنفذ إلى عمر بن سعد أنني أريد أن ألقاك فاجتمعا ليلا فتناجيا طويلا ثم رجع عمر إلى مكانه وكتب إلى عبيدالله بن زياد أما بعد:
فإن الله قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الأمة هذا حسين قد أعطاني أن يرجع إلى المكان الذي منه أتى أو أن يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم أو أن يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده([51]) فيرى فيما بينه وبينه رأيه وفي هذا لك رضى وللأمة صلاح.
فلما قرأ عبيدالله الكتاب قال هذا كتاب ناصح مشفق على قومه.
 فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وأتى جنبك والله لئن رحل بلادك ولم يضع يده في يدك ليكونن أولى بالقوة ولتكونن أولى بالضعف والعجز فلا تعطه هذه المنزلة فإنها من الوهن ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه فإن عاقبت فأنت أولى بالعقوبة وإن عفوت كان ذلك لك([52]).
 فقال ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رأيك اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النزول على حكمي فإن فعلوا فليبعث بهم إلي سلما وإن هم أبوا فليقاتلهم فإن فعل فاسمع له وأطع وإن أبى أن يقاتلهم فأنت أمير الجيش فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه. وكتب إلى عمر بن سعد لم أبعثك إلى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لتكون له عندي شفيعا انظر فإن نزل حسين وأصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم إلي سلما وإن أبوا فازحف إليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فإنهم لذلك مستحقون فإن قتلت حسينا فأوطئ الخيل صدره وظهره فإنه عات ظلوم ولست أرى أن هذا يضر بعد الموت شيئا ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلته هذا به فإن أنت مضيت لأمرنا فيه جزيناك جزاء السامع المطيع وإن أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فإنا قد أمرناه بأمرنا والسلام.
[ عبيدالله يأمر بعزل عمر بن سعد إن لم يقاتل الحسين ]:
فأقبل شمر بن ذي الجوشن بكتاب عبيدالله بن زياد إلى عمر بن سعد فلما قدم عليه وقرأه قال له عمر ما لك ويلك لا قرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي والله إني لأظنك نهيته عما كتبت به إليه وأفسدت علينا أمرا قد كنا رجونا أن يصلح لا يستسلم والله حسين إن نفس أبيه لبين جنبيه فقال له شمر([53]) أخبرني ما أنت صانع أتمضي لأمر أميرك وتقاتل عدوه وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر قال لا ولا كرامة لك ولكن أنا أتولى ذلك فدونك فكن أنت على الرجالة. ونهض عمر بن سعد إلى الحسين رضي الله عنه عشية الخميس لتسع مضين من المحرم وجاء شمر حتى وقف على أصحاب الحسين وقال أين بنو أختنا فخرج إليه جعفر والعباس وعبدالله وعثمان بنو علي رضي الله عنه فقالوا ما تريد فقال أنتم يا بني أختي آمنون فقال له الفئة لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له. ثم نادى عمر يا خيل الله اركبي وبالجنة أبشري فركب الناس ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسين رضي الله عنه جالس أمام بيته محتبئ بسيفه إذ خفق برأسه على ركبتيه وسمعت أخته الصيحة فدنت من أخيها وقالت يا أخي أما تسمع هذه الأصوات قد اقتربت فرفع الحسين رضي الله عنه رأسه فقال إني رأيت رسول الله الساعة في المنام وهو يقول لي إنك تروح إلينا فلطمت أخته وجهها ونادت بالويل فقال لها الحسين ليس لك الويل يا أخته اسكتي رحمك الله.
 وفي رواية السيد قال: يا أختاه إني رأيت الساعة جدي محمدا وأبي عليا وأمي فاطمة وأخي الحسن وهم يقولون يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب.
 وفي بعض الروايات غدا قال. فلطمت زينب عليها السلام على وجهها وصاحت فقال لها الحسين رضي الله عنه مهلا لا تشمتي القوم بنا.
قال المفيد:
 فقال له العباس بن علي رضي الله عنه يا أخي أتاك القوم فنهض ثم قال اركب أنت يا أخي حتى تلقاهم وتقول لهم ما لكم وما بدا لكم وتسألهم عما([54]) جاء بهم فأتاهم العباس في نحو من عشرين فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فقال لهم العباس ما بدا لكم وما تريدون قالوا قد جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم قال فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبدالله فأعرض عليه ما ذكرتم فوقفوا فقالوا القه وأعلمه ثم القنا بما يقول لك فانصرف العباس راجعا يركض إلى الحسين رضي الله عنه يخبره الخبر ووقف أصحابه يخاطبون القوم ويعظونهم ويكفونهم عن قتال الحسين. فجاء العباس إلى الحسين رضي الله عنه وأخبره بما قال القوم فقال ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غد وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني كنت قد أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار. فمضى العباس إلى القوم ورجع من عندهم ومعه رسول من قبل عمر بن سعد يقول إنا قد أجلناكم إلى غد فإن استسلمتم سرحنا بكم إلى عبيدالله بن زياد وإن أبيتم فلسنا بتاركيكم فانصرف وجمع الحسين رضي الله عنه أصحابه عند قرب المساء.
 قال علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وأنا إذ ذاك مريض فسمعت أبي يقول لأصحابه أثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السراء والضراء اللهم إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا أسماعا وأبصارا وأفئدة فاجعلنا من الشاكرين أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبر([55]) وأوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيرا ألا وإني لأظن يوما لنا من هؤلاء ألا وإني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ليس عليكم حرج مني ولا ذمام هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا.
فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبدالله بن جعفر لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا بدأهم بهذا القول العباس بن علي وأتبعته الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه فقال الحسين رضي الله عنه يا بني عقيل حسبكم من القتل بمسلم بن عقيل فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم فقالوا سبحان الله ما يقول الناس نقول إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله ما نفعل ذلك ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلنا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك. وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال أنحن نخلي عنك وبما نعتذر إلى الله في أداء حقك لا والله حتى أطعن في صدورهم برمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة في يدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك أما والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق ثم أحيا ثم أذرى يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقى حمامي دونك فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا. وقام زهير بن القين فقال والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ثم قتلت حتى أقتل هكذا ألف مرة وإن الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك.([56]) وتكلم جماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا في وجه واحد فجزاهم الحسين خيرا وانصرف إلى مضربه.
وقال السيد:
 وقيل لمحمد بن بشر الحضرمي في تلك الحال قد أسر ابنك بثغر الري فقال عند الله أحتسبه ونفسي ما أحب أن يؤسر وأنا أبقى بعده فسمع الحسين رضي الله عنه قوله فقال رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال أكلتني السباع حيا إن فارقتك قال فأعط ابنك هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار. قال وبات الحسين وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر عمر بن سعد اثنان وثلاثون رجلا.
قال المفيد: قال علي بن الحسين رضي الله عنه إني جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني إذا اعتزل أبي في خباء له وعنده فلان مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه ([57]) وأبي يقول:
يا دهر أف لك من خليل              كم لك بالإشراق والأصيل
‏من صاحب وطالب قتيل              والدهر لا يقنع بالبديل
‏وإنما الأمر إلى الجليل                وكل حي سالك سبيلي
فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعلمت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل وأما عمتي فلما سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شأن النساء الرق والجزع([58])  فلم تملك نفسها أن وثبت تجر ثوبها وهي حاسرة حتى انتهت إليه وقالت واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن يا خليفة الماضي وثمال الباقي فنظر إليها الحسين رضي الله عنه وقال لها يا أخته لا يذهبن حلمك الشيطان وترقرقت عيناه بالدموع وقال لو ترك القطا ليلا لنام فقالت يا ويلتاه أفتغتصب نفسك اغتصابا فذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي ثم لطمت وجهها وهوت إلى جيبها وشقته وخرت مغشية عليها فقام إليها الحسين رضي الله عنه فصب على وجهها الماء وقال لها يا أختاه اتقي الله وتعزي بعزاء الله واعلمي أن أهل الأرض يموتون وأهل السماء لا يبقون وأن ([59]) كل شي‏ء هالك إلا وجه الله تعالى الذي خلق الخلق بقدرته ويبعث الخلق ويعودون وهو فرد وحده وأبي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني ولي ولكل مسلم برسول الله أسوة فعزاها بهذا ونحوه وقال لها يا أختاه إني أقسمت عليك فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت ثم جاء بها حتى أجلسها عندي ثم خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرن بعضهم بيوتهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض وأن يكونوا بين البيوت فيقبلوا القوم في وجه واحد والبيوت من ورائهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم قد حفت بهم إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم ورجع رضي الله عنه إلى مكانه فقام ليلته كلها يصلي ويستغفر ويدعو ويتضرع وقام أصحابه كذلك يصلون ويدعون ويستغفرون وأصبح الحسين فعبأ أصحابه بعد صلاة الغداة وكان معه اثنان وثلاثون فارسا وأربعون راجلا فجعل زهير بن القين في ميمنة أصحابه وحبيب بن مظاهر في ميسرة أصحابه وأعطى رايته العباس أخاه وجعلوا البيوت في ظهورهم وأمر بحطب وقصب كان من وراء البيوت أن يترك في خندق كان قد حفر هناك وأن يحرق بالنار مخافة أن يأتوهم من ورائهم.
[ بداية معركة الطف ]:
وأصبح عمر بن سعد في ذلك اليوم وهو يوم الجمعة وقيل يوم السبت فعبأ أصحابه وخرج فيمن معه من الناس نحو الحسين وكان على ميمنته عمرو بن الحجاج وعلى ميسرته شمر بن ذي الجوشن وعلى الخيل عروة بن قيس ولى الرجالة شبث بن ربعي وأعطى الراية دريدا مولاه وقال محمد بن أبي طالب وكانوا نيفا على اثنين وعشرين ألفا وفي رواية عن الصادق رضي الله عنه ثلاثين ألفا.
 قال المفيد:
 وروي عن علي بن الحسين أنه قال لما أصبحت الخيل تقبل على الحسين رضي الله عنه رفع يديه وقال اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من كرب يضعف عنه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمن سواك ففرجته وكشفته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة قال فأقبل القوم يجولون حول بيت الحسين فيرون الخندق في ظهورهم([60]) والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان ألقي فيه فنادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته يا حسين أتعجلت بالنار قبل يوم القيامة فقال الحسين رضي الله عنه من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن فقالوا نعم فقال له يا ابن راعية المعزى أنت أَوْلى بِها صِلِيًّا ورام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين رضي الله عنه من ذلك فقال له دعني حتى أرميه فإن الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين وقد أمكن الله منه فقال له الحسين رضي الله عنه لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم بقتال.
وقال محمد بن أبي طالب:
 وركب أصحاب عمر بن سعد فقرب إلى الحسين فرسه فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من أصحابه وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين رضي الله عنه كلم القوم فتقدم برير فقال يا قوم اتقوا الله فإن ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم فقالوا نريد أن نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم فقال لهم برير أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا إلى المكان الذي جاءوا منه ويلكم يا أهل الكوفة([61])  أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى إذا أتوكم أسلمتموهم إلى ابن زياد وحلأتموهم عن ماء الفرات بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم أنتم.
[ الحر بن يزيد يلحق بالحسين ]:
ثم قال المفيد رحمه الله:
 فلما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين رضي الله عنه قال لعمر بن سعد أي عمر أمقاتل أنت هذا الرجل قال إي والله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي قال أفما لكم فيما عرضه عليكم رضي قال عمر أما لو كان الأمر إلي لفعلت ولكن أميرك قد أبى فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له يا قرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال فما تريد أن تسقيه قال قرة فظننت والله أنه يريد أن يتنحى ولا يشهد القتال فكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه فو الله لو أنه ([62]) أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين. فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا فقال له مهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أتريد أن تحمل فلم يجبه فأخذه مثل الأفكل ـ وهي الرعدة ـ فقال له المهاجر إن أمرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أرى منك فقال له الحر:
 إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار فوالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وأحرقت.
ثم ضرب فرسه فلحق الحسين رضي الله عنه فقال له جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان وما ظننت أن القوم يردّون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما ركبت مثل الذي ركبت وأنا تائب إلى الله مما صنعت فترى لي من ذلك توبة فقال له الحسين رضي الله عنه نعم يتوب الله عليك فانزل فقال أنا لك فارسا خير مني راجلا أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري فقال له الحسين رضي الله عنه فاصنع يرحمك الله ما بدا لك. فاستقدم أمام الحسين رضي الله عنه فقال يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكلكله وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه إلى بلاد الله العريضة فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابهم وها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ([63]).
 فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فأقبل حتى وقف أمام الحسين رضي الله عنه ونادى عمر بن سعد يا دريد أدن رايتك فأدناها ثم وضع سهما في كبد قوسه ثم رمى وقال اشهدوا أني أول من رمى الناس.
 وقال محمد بن أبي طالب :
فرمى أصحابه كلهم فما بقي من أصحاب الحسين رضي الله عنه إلا أصابه من سهامهم قيل فلما رموهم هذه الرمية قل أصحاب الحسين رضي الله عنه وقتل في هذه الحملة خمسون رجلا.
وقال السيد:
فقال رضي الله عنه لأصحابه قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بد منه فإن هذه السهام رسل القوم إليكم فاقتتلوا ساعة من النهار حمله وحمله حتى قتل من أصحاب الحسين رضي الله عنه جماعة قال فعندها ضرب الحسين رضي الله عنه يده على لحيته وجعل يقول اشتد غضب الله على اليهود إذ جعلوا له ولدا واشتد غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة واشتد غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه واشتد غضبه على قوم اتفقت كلمتهم على قتل ابن بنت نبيهم أما والله لا أجيبهم إلى شي‏ء مما يريدون حتى ألقى الله تعالى وأنا مخضب بدمي.
وروي أن الحر لما لحق بالحسين رضي الله عنه لم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله فاحتمله أصحاب الحسين رضي الله عنه حتى وضعوه بين يدي الحسين رضي الله عنه وبه رمق فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول أنت الحر كما سمتك أمك وأنت الحر في الدنيا وأنت الحر في الآخرة([64]) ورثاه رجل من أصحاب الحسين رضي الله عنه وقيل بل رثاه علي بن الحسين رضي الله عنه :
لنعم الحر حر بني رياح        صبور عند مختلف الرماح‏
ونعم الحر إذ نادى حسينا         فجاد بنفسه عند الصياح
‏فيا ربي أضفه في جنان          وزوجه مع الحور الملاح
ثم برز أصحاب الحسين وحملوا واحدا بعد واحد على جيش عمر بن سعد قاتلوا حتى قتلوا واحدا تلو الآخر.
ثم تقدمت إخوة الحسين عازمين على أن يموتوا دونه.
[ أسماء من قُتل من أهل البيت مع الحسين ]:
قال هشام: قال أبو مخنف: ولما قتل الحسين بن علي رضي الله عنه جيء برءوس من قتل معه من أهل بيته وشيعته وأنصاره إلى عبيد الله بن زياد، فجاءت كندة بثلاثة عشر رأساً، وصاحبهم قيس بن الأشعث، وجاءت هوازن بعشرين رأساً وصاحبهم شمر بن ذي الجوشن، وجاءت تميم بسبعة عشر رأساً، وجاءت بنو أسد بستة أرؤس، وجاءت مذحج بسبعة أرؤس، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس، فذلك سبعون رأساً.
قال:
1.      وقتل الحسين - وأمه فاطمة بنت رسول الله r- قتله سنان بن أنس النخعي ثم الأصبحي وجاء برأسه خولي بن يزيد.
2.   وقتل العباس بن علي بن أبي طالب - وأمه أم البنين حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد، قتله زيد بن رقاد الجنبي - وحكيم بن الطفيل السنبسي.
3.      وقتل جعفر بن علي بن أبي طالب - وأمه أم البنين أيضاً .
4.      وقتل عبد الله بن علي ابن أبي طالب - وأمه أم البنين أيضاً .
5.      وقتل عثمان بن علي بن أبي طالب - وأمه أم البنين أيضاً - رماه خولي بن يزيد بسهم فقتله.
6.      وقتل محمد بن علي بن أبي طالب - وأمه أم ولد - قتله رجل من بني أبان بن دارم.
7.   وقتل أبو بكر بن علي بن أبي طالب - وأمه ليلى ابنة مسعود بن خالد بن مالك بن ربعي بن سلمى بن جندل بن نهشل بن دارم، وقد شك في قتله.
8.   وقتل علي ابن الحسين بن علي - وأمه ليلى ابنة أبي مرة بن عروة بن مسعود بن معتب الثقفي، وأمها ميمونة ابنة أبي سفيان بن حرب - قتله مرة بن منقذ بن النعمان العبدي.
9.   وقتل عبد الله بن الحسين بن علي - وأمه الرباب ابنة امرىء القيس ابن عدي بن أوس بن جابر بن كعب بن عليم من كلب - قتله هانىء ابن ثبيت الحضرمي، واستصغر علي بن الحسين بن علي فلم يقتل.
10.وقتل أبو بكر بن الحسن بن علي بن أبي طالب - وأمه أم ولد - قتله عبد الله بن عقبة الغنوي.
11.وقتل عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب - وأمه أم ولد - قتله حرملة بن الكاهن، رماه بسهم.
12.وقتل القاسم بن الحسن بن علي - وأمه أم ولد - قتله سعد بن عمرو بن نفيل الأزدي.
13.وقتل عون بن عبد الله ابن جعفر بن أبي طالب - وأمه جمانة ابنة المسيب بن نجبة بن ربيعة بن رياح من بني فزارة - قتله عبد الله بن قطبة الطائي ثم النبهاني.
14.وقتل محمد ابن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب - وأمه الخوصاء ابنة خصفة بن ثقيف بن ربيعة بن عائذ بن الحارث بن تيم الله بن ثعلبة من بكر بن وائل - قتله عامر ابن نهشل التيمي.
15.وقتل جعفر بن عقيل بن أبي طالب - وأمه أم البنين ابنة الشقر بن الهضاب - قتله بشر بن حوط الهمداني.
16.وقتل عبد الرحمن ابن عقيل - وأمه أم ولد - قتله عثمان بن خالد بن أسير الجهني.
17.وقتل عبد الله بن عقيل بن أبي طالب - وأمه أم ولد - رماه عمرو بن صبيح الصدائي فقتله.
18.وقتل مسلم بن عقيل بن أبي طالب - وأمه أم ولد، ولد بالكوفة.
19.وقتل عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب - وأمه رقية ابنة علي بن أبي طالب وأمها أم ولد - قتله عمرو بن صبيح الصدائي؛ وقيل: قتله أسيد بن مالك الحضرمي.
20.وقتل محمد بن أبي سعيد بن عقيل - وأمه أم ولد - قتله لقيط بن ياسر الجهني، واستصغر الحسن بن الحسن بن علي، وأمه خولة ابنة منظور بن زبان بن سيار الفزاري، واستصغر عمر بن الحسن بن علي فترك فلم يقتل - وأمه أم ولد.
21.وقتل من الموالي سليمان مولى الحسين بن علي، قتله سليمان بن عوف الحضرمي.
22.وقتل منجح مولى الحسين بن علي.
23.وقتل عبد الله بن يقطر رضيع الحسين بن علي.
ومجموع الذين قتلوا من أولاد أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:
1.      الحسين بن علي
2.     أبو بكر بن علي
3.     عمر بن علي
4.     محمد الأصغر بن علي
5.     عبد الله بن علي
6.     العباس بن علي
7.     محمد بن العباس بن علي
8.     عبد الله بن العباس بن علي
9.     عبد الله الأصغر
10.                       جعفر بن علي
11.                       عثمان بن علي وفي بعضهم خلاف.
ومن أولاد الحسن رضي الله عنه:
1.     القاسم بن الحسن
2.     أبو بكر بن الحسن
3.     عبد الله بن الحسن
4.     بشر بن الحسن.
 ومن أولاد الحسين رضي الله عنه:
1.     علي بن الحسين الأكبر
2.     عبد الله الرضيع
3.     إبراهيم بن الحسين ذكره ابن شهر آشوب وذكر زيادة عن ذلك.
[ أهل الكوفة هم الذين قتلوا الحسين ]:
وقال المسعودي في كتاب مروج الذهب:
فعدل الحسين إلى كربلاء وهو في مقدار ألف فارس من أهل بيته وأصحابه ونحو مائة راجل فلم يزل يقاتل حتى قتل صلوات الله عليه وكان الذي تولى قتله رجلا من مذحج وقتل وهو ابن خمس وخمسين سنة وقيل ابن تسع وخمسين سنة وقيل غير ذلك ووجد به رضي الله عنه يوم قتل ثلاث وثلاثون طعنة وأربع وثلاثون ضربة وضرب زرعة بن شريك التميمي لعنه الله كفه اليسرى وطعنه سنان بن أنس النخعي لعنه الله ثم نزل واجتز رأسه وتولى قتله من أهل الكوفة خاصة لم يحضرهم شامي([65]) وكان جميع من قتل معه سبعا وثمانين وكان عدة من قتل من أصحاب عمر بن سعد في حرب الحسين رضي الله عنه ثمانية وثمانين رجلا.
[ لم ينج من أحفاد علي بن أبي طالب رضي الله عنه غير علي بن الحسين ]:
قال المفيد رحمه الله:
 قال حميد بن مسلم فانتهينا إلى علي بن الحسين وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض ومع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له ألا نقتل هذا العليل فقلت سبحان الله أتقتل الصبيان إنما هذا صبي وإنه لما به فلم أزل حتى دفعتهم عنه وجاء عمر بن سعد فصاحت النساء في وجهه وبكين فقال لأصحابه لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء النساء ولا تعرضوا لهذا الغلام المريض فسألته النسوة أن يسترجع ما أخذ منهن ليستترن به فقال من أخذ من متاعهم شيئا فليرده فوالله ما رد أحد منهم شيئا فوكل بالفسطاط وبيوت النساء وعلي بن الحسين جماعة ممن كان معه وقال أحفظوهم لئلا يخرج منهم أحد ولا يساء إليهم([66]).
  وقال محمد بن أبي طالب:
 ثم إن عمر بن سعد سرح برأس الحسين رضي الله عنه يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم إلى ابن زياد ثم أمر برءوس الباقين من أهل بيته وأصحابه فقطعت وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن إلى الكوفة وأقام ابن سعد يومه ذلك وغده إلى الزوال فجمع قتلاه فصلى عليهم ودفنهم وترك الحسين وأصحابه منبوذين بالعراء فلما ارتحلوا إلى الكوفة عمد أهل الغاضرية من بني أسد فصلوا عليهم ودفنوهم.
 وقال ابن شهر آشوب:
وكانوا يجدون لأكثرهم قبورا ويرون طيورا بيضا.
وقال محمد بن أبي طالب: وروي أن رءوس أصحاب الحسين وأهل بيته كانت ثمانية وسبعين رأسا واقتسمتها القبائل ليتقربوا بذلك إلى عبيدالله وإلى يزيد.
قال المجلسي:
قال السيد بن طاوس رحمه الله في كتاب الملهوف على أهل الطفوف والشيخ ابن نما رحمه الله في مثير الأحزان واللفظ للسيد:
 إن عمر بن سعد بعث برأس الحسين عليه الصلاة والسلام في ذلك اليوم وهو يوم عاشوراء مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي إلى عبيدالله بن زياد وأمر برءوس الباقين من أصحابه وأهل بيته فنظفت وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج فأقبلوا بها حتى قدموا الكوفة وأقام بقية يومه واليوم الثاني إلى زوال الشمس ثم رحل بمن تخلف من عيال الحسين رضي الله عنه وحمل نساءه على أحلاس أقتاب بغير وطاء مكشفات الوجوه بين الأعداء وهن ودائع خير الأنبياء وساقوهن كما يساق سبي الترك والروم في أسر المصائب والهموم ولله در القائل:
يصلى على المبعوث من آل هاشم             ويغزى بنوه إن ذا لعجيب
قال: ولما انفصل ابن سعد عن كربلاء خرج قوم من بني أسد فصلوا على تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء ودفنوها على ما هي الآن عليه.
 
 [ رأس الحسين بين يدي إبن زياد ][67]:
ثم قال السيد:
ثم إن ابن زياد جلس في القصر للناس وأذن إذنا عاما وجي‏ء برأس الحسين رضي الله عنه فوضع بين يديه وأدخل نساء الحسين و صبيانه إليه فجلست زينب بنت علي رضي الله عنه متنكرة فسأله عنها فقيل هذه زينب بنت علي فأقبل عليها فقالت الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم فقالت إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا.
وقال المفيد رحمه الله:
فوضع الرأس بين يديه ينظر إليه ويتبسم وبيده قضيب يضرب به ثناياه وكان إلى جانبه زيد بن أرقم صاحب رسول الله r وهو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله r عليهما ما لا أحصيه يقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد أبكى الله عينيك أتبكي لفتح الله والله لولا أنك شيخ كبير قد خرقت وذهب عقلك لضربت عنقك فنهض زيد بن أرقم من بين يديه وصار إلى منزله.
قال ابن نما:
ولما اجتمع عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد بعد قتل الحسين رضي الله عنه قال عبيدالله لعمر ائتني بالكتاب الذي كتبته إليك في معنى قتل الحسين ومناجزته فقال ضاع فقال لتجيئنني به أتراك معتذرا في عجائز قريش قال عمر والله لقد نصحتك في الحسين نصيحة لو استشارني بها أبي سعد كنت قد أديت حقه فقال عثمان بن زياد أخو عبيدالله صدق والله لوددت أنه ليس من بني زياد رجل إلا وفي أنفه خزامة إلى يوم القيامة وأن حسينا لم يقتل قال عمر بن سعد والله ما رجع أحد بشر مما رجعت أطعت عبيدالله وعصيت الله وقطعت الرحم.
[ يزيد بن معاوية لا يرضى بقتل الحسين ويلعن عبيدالله ]:
وقال المفيد وابن نما:
روى عبد الله بن ربيعة الحميري قال إني لعند يزيد بن معاوية بدمشق إذ أقبل زحر بن قيس حتى دخل عليه فقال له يزيد ويلك ما وراءك وما عندك قال أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم أن([68]) يستسلموا أو ينزلوا على حكم الأمير عبيدالله أو القتال فاختاروا القتال على الاستسلام فعدونا عليهم مع شروق الشمس فأحطنا بهم من كل ناحية حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من هام القوم جعلوا يهربون إلى غير وزر ويلوذون منا بالآكام والحفر لواذا كما لاذ الحمام من الصقر فو الله يا أمير المؤمنين ما كان إلا جزر جزور أو نومة قائل حتى أتينا على آخرهم فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مرملة وخدودهم معفرة تصهرهم الشمس وتسفي عليهم الريح زوارهم الرخم والعقبان فأطرق يزيد هنيئة ثم رفع رأسه وقال: قد كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين أما لو كنت صاحبه لعفوت عنه.
قال في المناقب: وكان عبد الرحمن بن الحكم قاعدا في مجلس يزيد فقال:
لهام بجنب الطف أدنى قرابة            من ابن زياد العبد ذي النسب الوغل
‏سمية أمسى نسلها عدد الحصا             وبنت رسول الله ليست بذي نسل ([69])
قال يزيد: نعم فلعن الله ابن مرجانة إذ أقدم على مثل الحسين بن فاطمة لو كنت صاحبه لما سألني خصلة إلا أعطيته إياها ولدفعت عنه الحتف بكل ما استطعت ولو بهلاك بعض ولدي ولكن قضى الله أمرا فلم يكن له مرد([70]).
وقال المفيد:
ولما وضعت الرءوس بين يدي يزيد وفيها رأس الحسين رضي الله عنه قال يزيد:  
نفلق هاما من أناس أعزة علينا                   وهم كانوا أعق وأظلما
قال المفيد:
 ثم دعا بالنساء والصبيان فأجلسوا بين يديه فرأى هيئة قبيحة فقال:
قبح الله ابن مرجانة لو كانت بينكم وبينه قرابة ورحم ما فعل هذا بكم ولا بعث بكم على هذا.
 فقالت فاطمة بنت الحسين:
ولما جلسنا بين يدي يزيد رق لنا فقام إليه رجل من أهل الشام أحمر فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية يعينني وكنت جارية وضيئة فأرعدت وظننت أن ذلك جائز لهم فأخذت بثياب عمتي زينب وكانت تعلم أن ذلك لا يكون.
 وفي رواية السيد:
 قلت: أوتمت وأستخدم فقالت عمتي للشامي: كذبت والله ولو مت والله ما ذلك لك ولا له فغضب يزيد وقال كذبت والله إن ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت.
 قالت: كلا والله ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها فاستطار يزيد غضبا وقال إياي تستقبلين بهذا إنما خرج من الدين أبوك وأخوك قالت زينب: بدين الله ودين أبي ودين أخي اهتديت أنت وأبوك وجدك إن كنت مسلما؟
 قال: كذبت يا عدوة الله
 قالت له: أنت أمير تشتم ظالما وتقهر لسلطانك فكأنه استحيا وسكت وعاد الشامي فقال هب لي هذه الجارية فقال له يزيد: اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا.
قال صاحب المناقب:
 وذكر أبو مخنف وغيره أن يزيد لعنه الله أمر بأن يصلب الرأس على باب داره وأمر بأهل بيت الحسين رضي الله عنه أن يدخلوا داره فلما دخلت النسوة دار يزيد لم يبق من آل معاوية ولا أبي سفيان أحد إلا استقبلهن بالبكاء([71]) والصراخ والنياحة على الحسين رضي الله عنه وألقين ما عليهن من الثياب والحلي وأقمن المأتم عليه ثلاثة أيام وخرجت هند بنت عبد الله بن عامر بن كريز امرأة يزيد وكانت قبل ذلك تحت الحسين رضي الله عنه حتى شقت الستر وهي حاسرة فوثبت إلى يزيد وهو في مجلس عام فقالت: يا يزيد أرأس ابن فاطمة بنت رسول الله مصلوب على فناء بابي؟
 فوثب إليها يزيد فغطاها وقال: نعم فاعولي عليه يا هند وأبكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش عجل عليه ابن زياد لعنه الله فقتله قتله الله.
 ثم إن يزيد لعنه الله أنزلهم في داره الخاصة فما كان يتغدى ولا يتعشى حتى يحضر علي بن الحسين.
[ يزيد بن معاوية يأمر برد نساء الحسين إلى مدينة الرسول ]:
ثم قال المفيد وصاحب المناقب واللفظ لصاحب المناقب:
وروي أن يزيد عرض عليهم المقام بدمشق فأبوا ذلك وقالوا بل ردنا إلى المدينة فإنه مهاجر([72]) جدنا r.
 فقال للنعمان بن بشير صاحب رسول الله r: جهز هؤلاء بما يصلحهم وابعث معهم رجلا من أهل الشام أمينا صالحا وابعث معهم خيلا وأعوانا ثم كساهم وحباهم وفرض لهم الأرزاق والأنزال ثم دعا بعلي بن الحسين رضي الله عنه فقال له: لعن الله ابن مرجانة أما والله لو كنت صاحبه ما سألني خلة إلا أعطيتها إياه ولدفعت عنه الحتف بكل ما قدرت عليه ولو بهلاك بعض ولدي ولكن قضى الله ما رأيت كاتبني بكل حاجة تكون لك ثم أوصى بهم الرسول فخرج بهم الرسول يسايرهم فيكون أمامهم فإذا نزلوا تنحى عنهم وتفرق هو وأصحابه كهيئة الحرس ثم ينزل بهم حيث أراد أحدهم الوضوء ويعرض عليهم حوائجهم ويلطفهم حتى دخلوا المدينة.
 قال الحارث بن كعب قالت لي فاطمة بنت علي عليها السلام: قلت لأختي زينب قد وجب علينا حق هذا لحسن صحبته لنا فهل لك أن تصله قالت فقالت: والله ما لنا ما نصله به إلا أن نعطيه حلينا فأخذت سواري ودملجي أو سوار أختي ودملجها فبعثنا بها إليه واعتذرنا من قتلتها وقلنا هذا بعض جزائك لحسن صحبتك إيانا فقال لو كان الذي صنعته للدنيا كان في دون هذا رضاي ولكن والله ما فعلته إلا لله وقرابتكم من رسول الله r .
قلت:
هذه هي نهاية مأساة الحسين وأهل بيته عليهم السلام، قد نقلت القصة بكاملها من كتب الشيعة، ولعل فيها ما فيها من بعض الوقائع غير الثابتة.
وإن كنّا نستنكر أشد الإستنكار ولا نرضى ما فعله ذلك الجيش بالحسين وأهل بيته وأصحابه رضي الله عن الجميع وأسكنهم فسيح جناته، وعامل قاتليهم بما يستحقونه من عذاب؛ إلاّ أن هذا لا يعني أن نجعل من هذه القصة حجة في تفريق صف المسلمين وتشتيت كلمتهم، إذ أن هذه الجريمة ليست هي الأولى في التاريخ، ولن تكون الأخيرة، فلقد ذبح الأنبياء على يد اليهود منهم زكريا ويحيى؛ فإن حب الدنيا ومتاعها أغرى ويغري الكثير من الناس حتى يتخلوا أمامها عن دينهم ومبادئهم وقيمهم، ولقد رأينا في العراق بعد الإحتلال الأمريكي كيف يتقاتل أبناء العراق سنة وشيعة وعرباً وأكراداً على ذلك الكرسي اللعين؛ بل تقاتل الشيعة فيما بينهم من أجل المناصب والمكاسب الدنيوية، وسفكوا دماءً كثيرة من أجل حفنة من الدولارات، أو من أجل أن يتربع فلان أو علان على كرسي الحكم.
وحذاري أن يقول قائل أن القتال بينهم كان لأجل الدين ومن أجل تطبيق شريعة الإسلام، فقد مضى أكثر من ثماني سنوات وحكام العراق لا يقبلون إصدار قرار بخروج المحتل من العراق، وهم يتقاتلون بينهم من أجل المصالح والوزارات والمناصب.
 
فصل
مسألة
قال الشريف المرتضى:
( مسألة: فإن قيل: ما العذر في خروجه عليه السلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة والمستولى عليها أعداؤه، والمتأمر فيها من قبل يزيد منبسط الأمر والنهي، وقد رأى عليه السلام صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيه، وأنهم غدارون خوانون، وكيف خالف ظنه ظن جميع أصحابه في الخروج وابن عباس يشير بالعدول عن الخروج ويقطع على العطب فيه، وابن عمر لما ودعه يقول استودعك الله من قتيل، إلى غير ما ذكرناه ممن تكلم في هذا الباب. ثم لما علم بقتل مسلم بن عقيل t وقد أنفذه رائدا له، كيف لم يرجع لما علم الغرور من القوم وتفطن بالحيلة والمكيدة، ثم كيف استجاز أن يحارب بنفر قليل لجموع عظيمة خلفها، لها مواد كثيرة. ثم لما عرض عليه ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد، كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه. ولم ألقى بيده إلى التهلكة وبدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن رضي الله عنه الأمر إلى معاوية، فكيف يجمع بين فعليهما بالصحة ؟ (الجواب): قلنا قد علمنا أن الإمام متى غلب في ظنه يصل إلى حقه والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل، وجب عليه ذلك وان كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها تحملها، وسيدنا أبو عبد الله عليه السلام لم يسر طالبا للكوفة إلا بعد توثق من القوم وعهود وعقود، وبعد أن كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ومبتدئين غير مجيبين. وقد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة وأشرافها وقرائها، تقدمت إليه في أيام معاوية وبعد الصلح الواقع بينه وبين الحسن رضي الله عنه فدفعهم وقال في الجواب ما وجب. ثم كاتبوه بعد وفاة الحسن رضي الله عنه ومعاوية باق فوعدهم ومناهم، وكانت أياما صعبة لا يطمع في مثلها. فلما مضى معاوية وأعادوا المكاتبة بذلوا الطاعة وكرروا الطلب والرغبة ورأى رضي الله عنه من قوتهم على من كان يليهم في الحال من قبل يزيد، وتشحنهم عليه وضعفه عنهم، ما قوى في ظنه أن المسير هو الواجب، تعين عليه ما فعله من الاجتهاد والتسبب، ولم يكن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم، ويضعف أهل الحق عن نصرته ويتفق بما اتفق من الأمور الغريبة. فإن مسلم بن عقيل رحمة الله عليه لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها. ولما وردها عبيد الله بن زياد وقد سمع بخبر مسلم ودخوله الكوفة وحصوله في دار هاني بن عروة المرادي رحمة الله عليه على ما شرح في السير، وحصل شريك بن الأعور بها جاءه ابن زياد عايدا وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة شريك، وأمكنه ذلك وتيسر له، فما فعل واعتذر بعد فوت الأمر إلى شريك بأن ذلك فتك، وأن النبي r قال أن الإيمان قيد الفتك. ولو كان فعل مسلم بن عقيل من قتل ابن زياد ما تمكن منه، ووافقه شريك عليه لبطل الأمر. ودخل الحسين رضي الله عنه الكوفة غير مدافع عنها، وحسر كل أحد قناعه في نصرته، واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه. وقد كان مسلم بن عقيل أيضا لما حبس ابن زياد هانياً سار إليه في جماعة من أهل الكوفة، حتى حصره في قصره وأخذ بكظمه، وأغلق ابن زياد الأبواب دونه خوفا وجبنا حتى بث الناس في كل وجه يرغبون الناس ويرهبونهم ويخذلونهم عن ابن عقيل، فتقاعدوا عنه وتفرق أكثرهم، حتى أمسى في شر ذمة، ثم انصرف وكان من أمره ما كان. وإنما أردنا بذكر هذه الجملة أن أسباب الظفر بالأعداء كانت لايحة متوجهة، وان الاتفاق السيئ عكس الأمر وقلبه حتى تم فيه ما تم. وقد هم سيدنا أبو عبدالله رضي الله عنه لما عرف بقتل مسلم بن عقيل، وأشير عليه بالعود فوثب إليه بنو عقيل وقالوا والله لا ننصرف حتى ندرك ثأرنا أو نذوق ما ذاق أبونا. فقال رضي الله عنه: لا خير في العيش بعد هؤلاء. ثم لحقه الحر بن يزيد ومن معه من الرجال الذين أنفذهم ابن زياد، ومنعه من الانصراف، وسامه أن يقدمه على ابن زياد نازلا على حكمه، فامتنع. ولما رأى أن لا سبيل له إلى العود ولا إلى دخول الكوفة، سلك طريق الشام سائرا نحو يزيد بن معاوية لعلمه رضي الله عنه بأنه على ما به أرق من ابن زياد وأصحابه، فسار رضي الله عنه حتى قدم عليه عمر بن سعد في العسكر العظيم، وكان من أمره ما قد ذكر وسطر، فكيف يقال انه ألقى بيده إلى التهلكة ؟ وقد روى أنه صلوات الله وسلامه عليه وآله قال لعمر بن سعد: اختاروا منى إما الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو أن أضع يدي في يد يزيد ابن عمى ليرى في رأيه، وإما أن تسيروني إلى ثغر من ثغور المسلمين، فأكون رجلا من أهله لي ماله وعلي ما عليه. وان عمر كتب إلى عبيدالله بن زياد بما سئل فأبى عليه وكاتبه بالمناجزة وتمثل بالبيت المعروف وهو:
الآن علقت مخالبنا به * يرجو النجاة ولات حين مناص
فلما رأى رضي الله عنه إقدام القوم عليه وان الدين منبوذ وراء ظهورهم وعلم أنه إن دخل تحت حكم ابن زياد تعجل الذل وآل أمره من بعد إلى القتل، التجأ إلى المحاربة والمدافعة بنفسه وأهله ومن صبر من شيعته، ووهب دمه ووقاه بنفسه. وكان بين إحدى الحسنيين: إما الظفر فربما ظفر الضعيف القليل، أو الشهادة والميتة الكريمة. وأما مخالفة ظنه رضي الله عنه لظن جميع من أشار عليه من النصحاء كابن عباس وغيره، فالظنون إنما تغلب بحسب الإمارات. وقد تقوى عند واحد وتضعف عند آخر، لعل ابن عباس لم يقف على ما كوتب به من الكوفة، وما تردد في ذلك من المكاتبات والمراسلات والعهود والمواثيق. وهذه أمور تختلف أحوال الناس فيها ولا يمكن الإشارة إلا إلى جملتها دون تفصيلها. فأما السبب في أنه رضي الله عنه لم يعد بعد قتل مسلم بن عقيل، فقد بينا وذكرنا أن الرواية وردت بأنه رضي الله عنه هم بذلك، فمنع منه وحيل بينه وبينه. فأما محاربة الكثير بالنفر القليل، فقد بينا أن الضرورة دعت إليها وان الدين والحزم ما اقتضى في تلك الحال إلا ما فعله، ولم يبذل ابن زياد من الأمان ما يوثق بمثله. وإنما أراد إذلاله والغض من قدره بالنزول تحت حكمه، ثم يفضي الأمر بعد الذل إلى ما جرى من إتلاف النفس. ولو أراد به رضي الله عنه الخير على وجه لا يلحقه فيه تبعة من الطاغية يزيد، لكان قد مكنه من التوجه نحوه استظهر عليه بمن ينفذه معه. لكن التراث البدوية والأحقاد الوثنية ظهرت في هذه الأحوال.
وليس يمتنع أن يكون رضي الله عنه من تلك الأحوال مجوزا أن يفئ إليه قوم ممن بايعه وعاهده وقعد عنه، ويحملهم ما يكون من صبره واستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية، فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه شهداء. ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة. فأما الجمع بين فعله رضي الله عنه وفعل أخيه الحسن فواضح صحيح، لان أخاه سلم كفا للفتنة وخوفا على نفسه وأهله وشيعته، وإحساساً بالغدر من أصحابه. وهذا لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه وتوثق له، ورأى من أسباب قوة أنصار الحق وضعف أنصار الباطل ما وجب عليه الطلب والخروج. فلما انعكس ذلك وظهرت إمارات الغدر فيه وسوء الاتفاق رام الرجوع والمكافة والتسليم كما فعل أخوه، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه، فالحالان متفقان. إلا أن التسليم والمكافة عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه، ولم يجب إلا إلى الموادعة، وطلب نفسه رضي الله عنه فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه. وهذا واضح لمن تأمله، وإذا كنا قد بينا عذر أمير المؤمنين رضي الله عنه في الكف عن نزاع من استولى على ما هو مردود إليه من أمر الأمة، وأن الحزم والصواب فيما فعله، فذلك بعينه عذر لكل إمام من أبنائه عليهم السلام في الكف عن طلب حقوقهم من الإمامة، فلا وجه لتكرار ذلك في كل إمام من الأئمة رضي الله عنه والوجه أن نتكلم على ما لم يمض الكلام على مثله)([73]).
 
فصل
أين عقيدة الإمامة الإثنا عشرية في قصة خروج الحسين على يزيد؟
ليس بين السنة والشيعة خلاف في أن الحسين بن علي t كان أولى بالخلافة من يزيد بن معاوية، بل كثير من الصحابة وأبناء الصحابة كانوا أولى من يزيد بالخلافة؛ ولهذا إمتنع مَنْ إمتنع منهم بالبيعة ليزيد.
بل الخلاف قائم بينهما في إعتقاد الشيعة أن إمامة الحسين وتسعة من بنيه من بعده وإمامة أبيه وأخيه من قبله كانت بأمر من الله تعالى ورسوله r وأن أبا بكر وعمر وعثمان إغتصبوا الخلافة منهم وهم كفار عند البعض من الشيعة وضلال عند آخرين منهم.
ونحن هنا لسنا في معرض الرد على إستدلالاتهم في هذا الأمر؛ وإنما نريد أن نقرأ ما بين سطور قصة خروج الحسين ومقتله رضي الله عنه، وهل فيها ما يستدل من أن الحسين إنما خرج طلباً لهذا الحق الإلهي الممنوح له، أو أنه خرج لئلا تقع بيعة يزيد في عنقه لأنه ليس أهلاً للخلافة، ثم لما كتب إليه أهل العراق لينصروه قدم إليهم، ثم وقع ما وقع.
فكما أسلفنا لم يكن خروج الحسين بإختيار منه؛ إذ لو تركوه بعد أن لم يبايع لما خرج من المدينة.
( وخرج رضي الله عنه من المدينة في جوف الليل وهو يقرأ ﴿ فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ ولزم الطريق الأعظم فقال له أهل بيته لو تنكبت الطريق الأعظم كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب فقال لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض، فلقيه عبدالله ابن مطيع فقال له جعلت فداك أين تريد؟ قال أما الآن فمكة وأما بعد فإني استخير الله قال خار الله لك وجعلنا فداك فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشئومة بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ألزم الحرم فأنت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا ويتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي، فوالله لئن هلكت لنسترقن بعدك).
إذن لم يكن خروجه بداية لطلب الخلافة، ولم يخرج ليذهب إلى الكوفة؛ وإنما خرج إليها بعد أن أتته رسائل كثيرة منهم يدعونه فيها ليبايعوه.
يقول الشيخ محمد حسين فضل الله:
( كانت واقعية حركته تنطلق من أنَّ الحجّة قد قامت عليه. لأنَّهم كتبوا إليه :"فقد اخضر الجنات وأينعت الثمار وأعشبت الأرض وأورقت الأشجار. فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة، ولم يستطع أن يرفض لأنَّ صاحب الرسالة لا يملك حقّ الرفض عندما تقوم عليه الحجّة، ولو في الشكل، في مرحلة من المراحل؛ بحيث تكون الوقائع المحيطة بالتحرّك تمّثل مسألة واقعية في الوصول إلى الهدف. وهكذا رأينا أنَّ الحسين  رضي الله عنه سار في اتجاه أنَّ هناك مواجهة، وأنَّ هناك وسائل واقعية للمواجهة. حتى إذا عرف خذلان النّاس في الكوفة، وعرف أنَّ المسألة قد اختلفت عمّا بدأت به، كان لا يزال يعيش هاجس المطالبة للنّاس الذين كتبوا إليه ليقيم عليهم الحجّة ولذلك رأيناه عندما التقى بالحر بن يزيد الرياحي في الطريق، أخرج إليه الكتب، وبيّن له سبب قدومه، فقال: "قدمت لأنَّ كتبكم جاءت إلي"  ولم يكن الحر، وربَّما لم يكن النّاس الذين معه ممن أرسلوا إليه هذه الرسائل، ولذلك لم يتحمّل مسؤولية ذلك)([74]).
ثم أنه رضي الله عنه أرسل إبن عمه مسلم بن عقيل ليستوثق له أمر أهل الكوفة ويتأكد من صدقهم فـ( أقبلت الشيعة تختلف إليه فكلما اجتمع إليه منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين رضي الله عنه وهم يبكون وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا فكتب مسلم إلى الحسين رضي الله عنه يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفا ويأمره بالقدوم).
ولما خذلوا مسلم بن عقيل طلب منهم قبل أن يقتل رحمه الله تعالى مَن يبلغ الحسين ليرجع بأهله وأصحابه ويعلمه بغدر أهل الكوفة ( ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال يا عبد الله إني أراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسينا فإني لا أراه إلا وقد خرج اليوم أو خارج غدا وأهل بيته ويقول له إن ابن عقيل بعثني إليك وهو أسير في يد القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل وهو يقول لك:
ارجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك ولا يغررك أهل الكوفة فإنهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي).
هذا في سبب خروجه رضي الله عنه، أما الأحداث التي وقعت في طريق خروجه من مكة إلى الكوفة فليس فيها أيضاً ما يوحي من أن الحسين كان يؤمن بعقيدة الإمامة التي مَن لم يؤمن بها كان كافراً أو ضالاًّ كما هي الحال عند شيعة زماننا.
فهذا الحر وهو في ألف فارس صلى بهم الحسين صلاة الظهر وهو ما يوحي أنه لم تكن عقيدة الإمامة فارقاً بينهم أو فاصلاً بين الكفر والإيمان وعاملاً مفرقاً بينهم بحيث لا يصلي أحدهم خلف الآخر.
( فلم يزل الحر موافقا للحسين رضي الله عنه حتى حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين رضي الله عنه الحجاج بن مسروق أن يؤذن. فلما حضرت الإقامة خرج الحسين رضي الله عنه في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا وإياكم على الهدى والحق فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم وإن لم تفعلوا كنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم. فسكتوا عنه ولم يتكلموا كلمة فقال للمؤذن أقم فأقام الصلاة فقال للحر أتريد أن تصلي بأصحابك فقال الحر لا بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين رضي الله عنه ).
ثم أن الحر كان يعمل بأمرة إبن زياد وكان قد خرج ليقاتل الحسين، أو يمنعه من دخول الكوفة؛ ولما رأى أن جيش عمر بن سعد قاتليه لا محالة عندئذ إلتحق بالحسين رضي الله عنه وقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى.
قال المفيد:
  (فلما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين رضي الله عنه قال لعمر بن سعد أي عمر أمقاتل أنت هذا الرجل قال إي والله قتالا شديدا أيسره أن تسقط الرءوس وتطيح الأيدي قال: أفما لكم فيما عرضه عليكم رضي قال عمر: أما لو كان الأمر إلي لفعلت ولكن أميرك قد أبى. فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفا ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له: يا قرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا قال فما تريد أن تسقيه قال قرة: فظننت والله أنه يريد أن يتنحى ولا يشهد القتال فكره أن أراه حين يصنع ذلك فقلت له لم أسقه وأنا منطلق فأسقيه فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه فوالله لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين. فأخذ يدنو من الحسين قليلا قليلا فقال له مهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أ تريد أن تحمل فلم يجبه فأخذه مثل الأفكل ـ وهي الرعدة ـ فقال له المهاجر إن أمرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتك فما هذا الذي أرى منك فقال له الحر:
 إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار فوالله لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وأحرقت.
ثم ضرب فرسه فلحق الحسين رضي الله عنه فقال له جعلت فداك يا ابن رسول الله أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان وما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة والله لو علمت أنهم ينتهون بك إلى ما ركبت مثل الذي ركبت وأنا تائب إلى الله مما صنعت فترى لي من ذلك توبة فقال له الحسين رضي الله عنه نعم يتوب الله عليك فانزل فقال أنا لك فارسا خير مني راجلا أقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول ما يصير آخر أمري فقال له الحسين رضي الله عنه فاصنع يرحمك الله ما بدا لك. فاستقدم أمام الحسين رضي الله عنه فقال يا أهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا أتاكم أسلمتموه وزعمتم أنكم قاتلوا أنفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه أمسكتم بنفسه وأخذتم بكلكله وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه إلى بلاد الله العريضة فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعا ولا يدفع عنها ضرا وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري تشربه اليهود والنصارى والمجوس وتمرغ فيه خنازير السواد وكلابهم وها هم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمدا في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ).
 وروي أن الحر لما لحق بالحسين رضي الله عنه لم يزل يقاتل حتى قتل رحمه الله فاحتمله أصحاب الحسين رضي الله عنه حتى وضعوه بين يدي الحسين رضي الله عنه وبه رمق فجعل الحسين يمسح وجهه ويقول أنت الحر كما سمتك أمك وأنت الحر في الدنيا وأنت الحر في الآخرة.
وهنا نتساءل هل عرف الحر في تلك الساعة عقيدة الإمامة وعلم أن مَنْ لم يؤمن بها مات كافراً أم أنه إستهجن فعلتهم بإبن بنت رسول الله r؟
والجواب واضح في سياق كلام الحر، ولا يحتاج إلى مجادلة أو نقاش.
وأخيراً فإن القصة بكاملها لم تحتوِ لا من خلال الأفعال ولا من خلال الأقوال أن أحداً تطرق إلى مسألة عقيدة الإمامة وأن الحسين كان قد خرج لطلب الإمامة الإلهية الممنوحة لهم من الله تعالى ورسوله r ، ولا ذكر شيئاً من ذلك أحد لا من جيش الحسين ولا أهل الكوفة.
 
فصل
من قتل الحسين ؟
مهما قيل ويقال في مقتل الحسين رضي الله عنه، فإنه لا يمكن أن يقال أن يزيد بن معاوية لم يكن له دخل في قتله، إذ كان بإستطاعته أن يكف عنه ولا يجبره على بيعته من أول الأمر، لاسيما أن أباه معاوية أوصاه قبل وفاته فقال له: ( يا بني إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب ووطدت لك البلاد وجعلت الملك وما فيه لك طعمة وإني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم وهم عبدالله بن عمر بن الخطاب وعبدالله بن الزبير والحسين بن علي فأما عبدالله بن عمر فهو معك فالزمه ولا تدعه وأما عبدالله بن الزبير فقطعه إن ظفرت به إربا إربا فإنه يجثو لك كما يجثو الأسد لفريسته ويؤاربك مؤاربة الثعلب للكلب وأما الحسين فقد عرفت حظه من رسول الله وهو من لحم رسول الله ودمه وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه فإن ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله ولا تؤاخذه بفعله ومع ذلك فإن لنا به خلطة ورحما وإياك أن تناله بسوء أو يرى منك مكروها ).
ولكن الذي يقرأ سطور الروايات الواردة في قصة خروجه ومقتله رضي الله عنه يرى أن السبب الرئيسي في خروجه ومقتله يكمن في تخاذل أهل الكوفة عن نصرته بعد أن إستقدموه لينصروه.
فهؤلاء هم أهل الكوفة كتبوا إليه في عهد معاوية ولكنه أبى عليهم:
 ( لما مات الحسن رضي الله عنه تحركت الشيعة بالعراق وكتبوا إلى الحسين رضي الله عنه في خلع معاوية والبيعة له فامتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإذا مات معاوية نظر في ذلك).
وبعد وفاة معاوية كتبوا إليه أيضاً أن أقدم إلينا ننصرك وهو يتأبى ولا يجيبهم فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب.
والقصة مشهورة بعد ذلك في تخليهم عن نصرة مسلم بن عقيل وكيف أنه لم يجد حتى مَنْ يأويه في بيته.
 ولا أريد أن أكتب من عند نفسي شيئاً ولكني سأنقل ما قيل في ذلك سواء من نفس كلام أهل البيت عليهم السلام أو من كلام غيرهم، وسأجعله على شكل نقاط، مستخرجاً الأدلة من سياق القصة:
أولاً: فهذا عبدالله ابن مطيع أول من لقي الحسين رضي الله عنه فقال له جعلت فداك أين تريد؟
قال أما الآن فمكة وأما بعد فإني استخير الله قال خار الله لك وجعلنا فداك فإذا أتيت مكة فإياك أن تقرب الكوفة فإنها بلدة مشئومة بها قتل أبوك وخذل أخوك واغتيل بطعنة كادت تأتي على نفسه ألزم الحرم فأنت سيد العرب لا يعدل بك أهل الحجاز أحدا ويتداعى إليك الناس من كل جانب لا تفارق الحرم فداك عمي وخالي، فو الله لئن هلكت لنسترقن بعدك.
ثانياً: وهذا الصحابي الجليل سليمان بن الصرد حذر أهل الكوفة من مغبة الكتابة إلى الحسين ثم التخلي عنه فقال:
(وقال في آخر خطبته: إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه ابنه يزيد وهذا الحسين بن علي قد خالفه وصار إلى مكة هاربا من طواغيت آل سفيان وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قالوا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه وقال في آخر خطبته: إنكم قد علمتم بأن معاوية قد هلك وصار إلى ربه وقدم على عمله وقد قعد في موضعه ابنه يزيد وهذا الحسين بن علي قد خالفه وصار إلى مكة هاربا من طواغيت آل سفيان وأنتم شيعته وشيعة أبيه من قبله وقد احتاج إلى نصرتكم اليوم فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدو عدوه فاكتبوا إليه وإن خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه قالوا بل نقاتل عدوه ونقتل أنفسنا دونه ).
ثالثاً: وهذا الفرزدق الشاعر حذر الحسين من أهل الكوفة عندما لقيه في الطريق:
( وروي عن الفرزدق أنه قال حججت بأمي في سنة ستين فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين رضي الله عنه خارجا من مكة معه أسيافه وتراسه فقلت لمن هذا القطار فقيل للحسين بن علي رضي الله عنه فأتيته وسلمت عليه وقلت له أعطاك الله سؤلك وأملك فيما تحب بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما أعجلك عن الحج قال لو لم أعجل لأخذت ثم قال لي من أنت قلت رجل من العرب ولا والله ما فتشني عن أكثر من ذلك. ثم قال لي أخبرني عن الناس خلفك فقلت: الخبير سألت قلوب الناس معك وأسيافهم عليك([75]) والقضاء ينزل من السماء واللَّهُ يَفْعَلُ ما يَشاءُ ).
رابعاً: وهذا المؤرخ الشيعي المسعودي يعترف بأن قتلة الحسين هم أهل الكوفة الذين كاتبوه لينصروه، وليس فيهم شامي ولا بصري( وتولى قتله من أهل الكوفة خاصة لم يحضرهم شامي).
خامساً: وهذا الحسين رضي الله عنه قد صرّح بخذلان أهل الكوفة:
( ثم أقبل الحسين من الحاجز يسير نحو العراق حتى إنتهى الى زبالة فأتاه خبر عبدالله بن يقطر، فاستعبر باكيا فأخرج للناس كتابا فقرأ عليهم فإذا فيه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا([76]) فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام فتفرق الناس عنه وأخذوا يمينا وشمالا حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا إليه وإنما فعل ذلك لأنه رضي الله عنه علم أن الأعراب الذين اتبعوه إنما اتبعوه وهم يظنون أنه يأتي بلدا قد استقامت له طاعة أهلها فكره أن يسيروا معه إلا وهم يعلمون على ما يقدمون).
ونقل الشيخ إحسان إلهي ظهير من كتب الشيعة ما يبين أن قتلة الحسين وأهل بيته رضي الله عنهم هم شيعته من أهل الكوفة قائلاً:
( وأما الحسين رضي الله عنه فأمره وخذلان الشيعة إياه، ورفضهم نصرته لأمر مشهور غني عن الذكر، كما خذلوا ابن عمه وسفيره إليهم، مسلم بن عقيل، ونذكر ههنا عبارة صغيرة ذكرها محسن الأمين الشيعي المشهور في موسوعته، "ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم، وقتلوه" [أعيان الشيعة القسم الأول ص34].
وخطبة الحسين مشهورة معروفة ومنقولة في كتب القوم حينما خاطبهم بقوله:
"تباً لكم أيتها الجماعة! وترحاً وبؤساً لكم وتعساً، حين استصرختمونا ولهين فأصرخناكم موجفين، فشحذتم علينا سيفاً كان في أيدينا، وحششتم علينا ناراً أضرمناها على عدوكم وعدونا، فأصبحتم ألباً على أوليائكم ويداً على أعدائكم من غير عدل أفشوه فيكم، ولا أمل أصبح لكم فيهم، ولا ذنب كان منا فيكم، فهلا لكم الويلات، إذا كرهتمونا والسيف مشيم، والجأش طامن، والرأي لم تستخصف، ولكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدبا، وتهافتم كتهافت الفراش؛ ثم نقضتموها، سفهاً بعداً وسحقاً لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونبذة الكتاب، ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلوننا، ألا لعنة الله على الظالمين" [كشف الغمة للأربل الشيعي ج2 ص18، 19، الاحتجاج للطبرسي الشيعي ص145].
ودعاؤه عليهم أيضاً مشهور معروف ذكره المفيد والطبرسي وغيرهما أنه قبل استشهاده رفع يديه ودعا، وقال:
"اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً، واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا" [الإرشاد ص241، أيضاً إعلام الورى للطبرسي ص949]([77]).
ونقل شيوخ الشيعة أبو منصور الطبرسي وابن طاووس والأمين وغيرهم عن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب المعروف بزين العابدين رضي الله عنه وعن آبائه أنه قال موبخاً شيعته الذين خذلوا أباه وقتلوه قائلا:
... "أيها الناس نشدتكم بالله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه، فتباً لما قدمتم لأنفسكم، وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله r إذ يقول لكم: "قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي".
... فارتفعت أصوات النساء بالبكاء من كل ناحية، وقال بعضهم لبعض: هلكتم وما تعلمون. فقال رضي الله عنه: رحم الله امرءاً قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله ورسوله وأهل بيته فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة. فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا سامعون مطيعون حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فإنا حرب لحربك، وسلم لسلمك، لنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا، فقال عليه السلام: هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة حيل بينكم ويبن شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إليَّ كما أتيتم آبائي من قبل؟ كلا ورب الراقصات فإن الجرح لما يندمل، قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه، ولم ينسني ثكل رسول الله r وثكل أبي وبني أبي ووجده بين لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقي وغصته تجري في فراش صدري)([78]).
وروى زيد بن موسى قال حدثني أبي عن جدي رضي الله عنه قال خطبت فاطمة الصغرى بعد أن ردت من كربلاء وبعد أن حمدت الله تعالى وصلت على نبيه عليه وعلى آله السلام قالت:
( أما بعد يا أهل الكوفة يا أهل المكر والغدر والخيلاء فإنا أهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا فنحن عيبة علمه ووعاء فهمه وحكمته وحجته في الأرض لبلاد ولعباده أكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمد r على كثير ممن خلق تفضيلا بينا فكذبتمونا وكفرتمونا ورأيتم قتالنا حلالا وأموالنا نهبا كأنا أولاد ترك أو كابل كما قتلتم جدنا بالأمس وسيوفكم تقطر من دمائنا أهل البيت لحقد متقدم قرت بذلك عيونكم وفرحت قلوبكم افتراء منكم على الله ومكرا مكرتم وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ فلا تدعونكم أنفسكم إلى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت أيديكم من أموالنا فإن ما أصابنا من المصائب الجليلة والرزايا العظيمة فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ تبا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب وكان قد حل بكم وتواترت من السماء نقمات فَيُسْحِتَكُمْ بما كسبتم وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ويلكم أتدرون أية يد طاعنتنا منكم وأية نفس نزعت إلى قتالنا أم بأية رجل مشيتم إلينا تبغون محاربتنا قست قلوبكم وغلظت أكبادكم وطبع على أفئدتكم وختم على سمعكم وبصركم وسول لكم الشيطان وأملى لكم وجعل على بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون تبا لكم يا أهل الكوفة أي ترات لرسول الله قبلكم وذحول له لديكم بما عندتم بأخيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه جدي وبنية عترة النبي الطاهرين الأخيار. . )([79]).
 
فصل
شعارات عاشوراء بين الأمس واليوم
 
إن الشعارات التي ترفعها الشيعة اليوم تتنافى تماماً مع الشعارات والأهداف التي من أجلها خرج الحسين t وضحى بحياته وحياة أهل بيته.
يذكر محمد حسين فضل الله الشعارات التي طرحها الحسين في خروجه فيقول:
( ماذا طرح الإمام الحسينرضي الله عنه  من شعارات في كربلاء:
1.     إنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمّة جدّي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.
2.     لا والّله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد.
3.     ألا وإنَّ الدعي ابن الدعي قد تركني بين اثنتين: بين السِّلة والذِّلة وهيهات له ذلك هيهات منا الذِّلة، أبى الّله ورسوله والمؤمنون.
4.     وإنّي لا أرى الموت إلاَّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاَّ برما)([80]).
أما الشعارات التي ترفعها الشيعة بعد الحسين t فمن أهمها:
( يا لثأرات الحسين ) وأخرى تتعلق بمظلومية فاطمة رضي الله عنها كقولهم: ( أنصروا فاطمة واجبروا كسر ضلعها) و( يا أحباب المصطفى لنشيع فاطمة علناً وجهارا ). وغيرها من مثل هذه الشعارات.
تقول المصادر التاريخية أن المختار بن يوسف الثقفي الذي قاد حركة التوابين، هو الذي رفع شعار "يا لثأرات الحسين" بإعتبار أن قتلة الحسين كانوا على قيد الحياة، وتقول تلك المصادر أنه فعلاً تتبعهم واحداً واحداً فقتلهم.
فإن المختار قد رفع هذا الشعار لأن قتلة الحسين كانوا على قيد الحياة، فنحن نتساءل اليوم: ما هي العلاقة بين هذه الشعارات التي ترفعها الشيعة اليوم والشعارات التي رفعها الحسين رضي الله عنه ؟!
أمازال قتلة الحسين موجودين إلى الآن بين المسلمين؟ أم أن المقصود بهم هم أهل السنة الذين تحسبهم الشيعة على بني أمية؟
إنها شعارات طائفية، الغرض منها إذكاء نار الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة على أساس أن أهل السنة هم الذين قتلوا الحسين t.
وقد علل شيخ الإسلام إبن تيمية بأن الغرض من إقامة المجالس الحسينية هو التوصل إلى سب السابقين الأولين من الصحابة والسلف، فقال:
( وصار الشيطان بسبب قتل الحسين يُحدث للناس بدعتين: بدعة الحزن والنوح يوم عاشوراء، من اللطم والصراخ والبكاء والعطش وإنشاد المراثي، وما يُفضى إليه ذلك من سبّ السلف ولعنتهم، وإدخال من لا ذنب له مع ذوي الذنوب، حتى يسب السابقون الأولون، وتقرأ أخبار مصرعه التي كثير منها كذب. وكان قصد من سنّ ذلك فتح باب الفتنة والفرقة بين الأمة؛ فإن هذا ليس واجبا ولا مستحبا باتفاق المسلمين، بل إحداث الجزع والنياحة للمصائب القديمة من أعظم ما حرّمه الله ورسوله. وكذلك بدعة السرور والفرح )([81]).
( فباسم مأتم الحسين..
يلعن المخالفين، ويلعن الصحابة، وتلعن أمهات المؤمنين..
ويكفر الصحابة، ويكفر من خالف الشيعة..
ويلعن ويشتم أفاضل الأمة سلفاً وخلفاً..
فدائما تسمع ..
اللهم ألعن الأول والثاني..
اللهم ألعن أول ظالمي آل محمد..
اللهم ألعن من كسر الضلع.. وخلع الباب .. وأجهض الجنين .. إلخ!!
أطفال أعمارهم السنة والثلاث والخمس.. يلطمون على صدورهم.. ويتعلمون اللعن والشتم والسب والتكفير والقذف!!
إنها - يا سادة - مصانع للثأر والأحقاد والبغضاء، يغذون الصغار على حب الانتقام والكراهية، بواسطة القصص الخيالية الموضوع أكثرها، والأصوات المؤثرة، والمشاهد والصور المعبرة، ثم الخطب التي تضع على نار الكراهية المزيد من الحطب!!
يدعون المهدي المنتظر .. وينادونه : يا أبا صالح وينك، وفيك من الأعداء، متى تجي تبرد الكبد تذبحهم !!!
من هم هؤلاء الأعداء؟
هل هم قتلة الحسين ؟
ألم يموتوا قبل أكثر من ثلاثة عشر قرناً!!)([82]).
إن الشيعة وبحكم شعورهم بالمظلومية طوال تاريخهم، لمّا آل الأمر إليهم في العراق بعد الإحتلال الأميركي، أرادوا أن ينتقموا من أهل السنة بإعتبارهم هم الذين إغتصبوا الخلافة من علي t إبتداءً بالخلفاء الراشدين الثلاثة، ومروراً بخلافة الأمويين، والعباسيين، ثم العثمانيين، وإنتهاءً بحكم صدام حسين، وهم الذين قتلوا الحسين t.
يقول الدكتور طه الدليمي: وتحت عنوان: (من قتل الحسين: مختار لماني([83]) ؟ أم محمد سعيد ؟): ( قصة عجيبة رواها الأستاذ مختار لماني لأحد أصدقائي، الذي رواها لي بدوره قبل بضعة أشهر:
يقول الأستاذ لماني: ذهبت إلى المرجع الشيعي محمد سعيد الحكيم في إطار محاولة عقد صلح وطني بين الأطراف العراقية. وبعد أن كلمته في الموضوع الذي أتيت من أجله فوجئت به يصرخ في وجهي ويلطم بيده مقدمة صدره ويقول: "إذن لماذا قتلتم الحسين"؟ لم أكن قادراً لحظتها أن أتبين المقصود بكلامه؟ ظننت أنني أخطأت التوقيت؛ فالظاهر أن الرجل في مصيبة كبيرة، ولعل المصاب (حسين) ولده؟ بل لعل أحداً ممن كان معي دهسه بسيارته؟! لا أدري؟! كل الذي فهمته إلى الآن أن الرجل في حال من غير المناسب أن نكلمه في موضوع غير مصيبته. والتفتُّ إلى أصحابي أسألهم: من حسين هذا؟! هل هو أحد أولاد السيد الحكيم؟ هل أحد منكم أصابه بسوء؟ أو لكم علاقة بالحادث؟ هذا كل ما دار في بالي في تلك اللحظة!
وصدمت حين علمت من أحد الجالسين أن الرجل يتكلم عن مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما! ويحملنا المسئولية؟!!!
وبهتُّ فلا أدري ماذا أقول أمام هذه العقلية المغلقة لهذا الشخص التاريخي الجامد؟!!! لكنني ختمت المشهد بأن قلت له: لعلك تعلم أنني رجل من المغرب؛ فليس لي علاقة بمقتل رجل قتل عندكم في العراق.
يقول صديقي: ورجع مختار لماني محبطاً وهو يقول: هؤلاء أمام مشكلة مر عليها قرابة ألف وأربعمائة عام لم يتمكنوا من حلها لحد الآن! فمتى وكيف يتوصلون إلى حل بقية المشاكل؟!!!)([84]).
 
فصل
[ لا أبكي على الحسين، وإنما أبكي على الهريسة ]:
 
ليس للشيعة مشكلة مع اليهود والنصارى، إنما مشكلتهم مع أهل السنة، لأنهم هم الذين قتلوا الحسين في نظرهم.
وإذا أردت الحقيقة فليس الحسين إلاّ ورقة رابحة بيد المعممين والسياسيين في إستغلال عواطف الناس البسطاء ليصلوا من ورائها لتحقيق مكاسب دنيوية ومناصب سلطوية.
ولتوضيح ذلك أكثر أقول:
يقول المثل العامي: ( لا أبكي على الحسين، وإنما أبكي على الهريسة ).
هذا المثل ينطبق تماماً على السياسيين الشيعة الذي يريدون أن يحكموا بإسم أهل بيت النبي r ، وبإسم ولاية الفقيه بإعتبار أن الفقيه هو نائب عن الإمام الثاني عشر الغائب الذي قد لا يظهر لآلاف السنين كما يقول الخميني: ( هل يجب أن تبقى الأحكام الإسلامية طيلة فترة ما بعد الغيبة الصغرى إلى اليوم حيث مضى أكثر من ألف عام، ومن الممكن أن تمر مائة ألف عام أخرى دون أن تقتضي المصلحة ظهور صاحب الأمر)([85]).  فبإسم الحسين وبإسم عاشوراء ظلت الشيعة تحافظ على كيانها.
إنها أفضل وسيلة عاطفية لجمع الناس على فكرةٍ الغرض منها سياسية محضة، بل الغرض منها كيد الإسلام ومحاربته بإسم ( الوهابية، السلفية، النواصب ).
يقول الخميني: ( وفي هذا العصر  الذي هو عصر مظلومية العالم الإسلامي على يد أمريكا وروسيا وسائر عملائها ومن جملتهم آل سعود خونة الحرم الإلهي العظيم  "لعنة الله وملائكته ورسله عليهم" ينبغي التذكير بقوة وحزم بهذه المظالم وصب اللعنات عليهم)([86]).
إن مَنْ يقرأ كتب الشيعة، أو يستمع إلى خطبائهم، يرى أن شغلهم الشاغل هو لعن أعداء أهل البيت، وهم بطبيعة الحال أهل السنة والجماعة. أما المشركون والكفار فلا شأن لهم بهم، ولهذا فإن جميع الشعارات المرفوعة اليوم في عاشوراء هي في إظهار العداوة لأهل السنة والجماعة.
يقول الشيخ محمد جاد الزغبي: ( وتمثل اللطميات عصباً رئيسياً في عقيدة الشيعة الاثناعشرية ويتم انجازها لممارسة دور إعلامي على العامة من الشيعة وتحفيزهم للانتماء للمذهب الاثنا عشري وضرورياته المتمثلة في استشهاد الإمام الحسين.
ولكي ندرك مدى خطورتها وتأثيرها على العامة  يكفي أن نعرف أن أبيات الشعر الشعبي المغناة تحمل في طياتها السم الزعاف الذي تمتلئ به العقائد الإثنا عشرية وأوله التحريض على أهل السنة جميعا وتكريس ضروريات المذهب من سب ولعن الصحابة وأمهات المؤمنين في قلوب عوام الناس الذين لا يدرسون أو يعرفون شيئا، لكنهم يعوضون جهلهم بعقيدتهم عن طريق التشبع بتلك المعارف من الأغاني التي توصل للآذان بيسر وسهولة كل ضروريات المذهب وتربط الشيعي العامي به وهي طريقة مذهلة في نشر الأفكار الشاذة التي يحملها هذا المذهب.
ويضيف قائلاً: إن الشيعة لجأوا إلى اللطميات والحفلات الجماعية التي يقوم عليها متخصصون يستمعون فيها إلى قصة استشهاد الحسين ويمارسون اللطم والتطبير وهو ضرب الرءوس بالجنازير والأمواس والشفرات الحادة وهذه الممارسات عمقت من ناحية انتماء العوام للمذهب ومن ناحية أخرى دربتهم عمليا على الذبح والقتل وتعود رؤية الدماء على نحو جعل من ممارسي هذه الشعائر كتائب وحشية جاهزة للانطلاق في أية لحظة تغتنم فيها الفرصة.
وهذا هو ما اتضح لأعين الجميع بعد احتلال العراق وتمكن النفوذ الإيراني منها، حيث برزت جرائم الشيعة ضد السنة في العراق والقتل على الهوية أي القتل لمجرد معرفة أنك سني ولو عن طريق الاسم كأن يكون اسمك عمر أو أبو بكر أو عثمان أو خالد، لأن الشيعة لا تسمى بهذه الأسماء قط.
وسنتعرض بالتحليل والمطابقة لواحدة من أشهر اللطميات صاحبها هو الرادود الملا باسم الكربلائي، والقصيدة خطاب للمهدي المنتظر الغائب منذ اثني عشر قرنا ونصف :
تقول بدايتها :
ياللي ما تنسى ثارك
ملينا انتظارك
يتأملك .. يالمنتظر
ضلع الوديعة
ومعنى الأبيات كما يلي :
يخاطبون المهدي الغائب فيقولون له، يا من لا تنسى ثأرك، وثأره معروف كما هو مسجل في كتبهم كما سنوضح _ ينقسم إلى ثأر من جميع أهل السنة وثأر من الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر ويقولون ( ملينا انتظارك ) بمعنى شعرنا بالملل من طول غيابك، ولهم مطلق الحق طبعا فهو غائب عنهم منذ ألف ومائتي عام لكنهم لا يعرفون أن انتظارهم سيستمر للأبد فلا وجود للمهدي أصلا.
ويقولون( يتأملك أيها المنتظر ضلع الوديعة) أي ضلع فاطمة الزهراء الذي كسره بزعمهم عمر بن الخطاب.
يقول الكربلائي :
يا بن الغوالى .. ما تبقي غايب
لابد تصيح ساعة فرج تعلن قدومك
شفت العجايب .. من ها النواصب
لو تذبح اللى بالمهد ما حد يلومك
ومعنى الأبيات واضح، فهم يخاطبونه قائلين أيها الغالي لا تغب أكثر من هذا، فلابد أن تصيح يوما بصيحة الفرج، وصيحة الفرج هي التي يعبر عنها دعاؤهم كلما ذكروا اسم المهدي فيقولون ( عجل الله فرجه ) ويقولون له لقد أرينا العجائب من النواصب.
وتقول الأغنية أو اللطمية في أخطر مقاطعها ( لو تذبح اللي في المهد ما حد يلومك ) وهم هنا أهل السنة من العرب، واختصاصه بذبح العرب سينال حتى الرضع كما بينت اللطمية
وتواصل اللطمية قائلة :
سيفك ترفعه .. صوتك نسمعه
قبل الوقايع .. تجرى المدامع
وتواسي بن العسكري والزهراء ودمعها
بين الكتائب .. تقف تحاسب
كل من هضم بنت النبي لحظة وفجعها
وبسيفك تساءل عن ظلم الأوائل
وتصف الأبيات لحظة الخروج عندما يأتي المهدي المنتظر رافعا سيفه وصوته مدوي في أذن شيعته الفرس لتبدأ مراسم الانتقام من العرب السنة بعد انتهائه من هدم المسجدين الشريفين وحرق أبي بكر وعمر والعياذ بالله !)([87]).
وهكذا حرفوا ثورة الحسين من مضامينها الجهادية، وتضحيته بالغالي والنفيس من أجل العدالة ورفض الظلم أيّاً كان مصدره، وحولوها إلى أداة لظلم غيرهم من المسلمين إذا قدروا وتمكنوا جعلوا من الشعائر الحسينية أداة لظلم المسلمين الآخرين الذين يعيشون معهم بلا ذنب سوى أن لهم عقائد تخالف عقائدهم، أو أن لهم نظرة إلى بعض القضايا التاريخية تختلف عن نظرتهم هم.
 يقول شيخ الشيعة محمد حسين فضل الله:
( إنَّ الماضي هو مسؤولية الذين عاشوه وصنعوه، في الدوائر السلبية والإيجابية، وذلك قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾[البقرة/134].
فليس المجد التاريخي مجدًا لنا بالمعنى الحركي للمجد، بل هو مجد الأبطال الذين صنعوه. فنحن لم نصنعه، ولا علاقة لنا به، حتى لو كنّا أبناء هؤلاء، ولن نحصل على أيّ ثواب عليه؛ ﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ﴾ [النجم/39، 40] بعض النّاس لا يكّلفهم الحسين رضي الله عنه شيئًا، لأنَّهم يكتفون من الحسين أن يبكوا عليه، ولكنَّهم يقتلون في كل يوم ألف حسين في العالم الإسلامي من خلال خضوعهم للكفر والكافرين)([88]).
فليس مجرد الإنتساب إلى الحسين فضيلة، إنما الخير كل الخير في إتباعه وجعله قدوة حسنة والسير على نهجه في رفض الظلم.
فصل
ماذا وراء دعوى مظلومية أهل البيت؟
 
كما أن مناسبة عاشوراء أستغلت من قبل مراجع الشيعة في إذكاء نار الفتنة ضد أهل السنة، وجواز الإنتقام منهم بصورة مباشرة، أو بصورة غير مباشرة؛ فكذلك شعارات دعوى مظلومية أهل البيت، فإنها أتخذت وسيلة لكيد أهل السنة والجماعة وقتلهم وتشريدهم إنتقاماً لأهل البيت بزعمهم.
لكن الذي يقرأ تاريخ أهل البيت رضي الله عنهم لا يرى أنهم تعرضوا للظلم أكثر من غيرهم.
فهذا علي t عاش معززاً مكرماً مع من سبقه من الخلفاء، بل كان مستشاراً لهم في كل صغيرة وكبيرة.
وأما الحسن t فهو الآخر عاش كريما حرا أبياً، ولو كان هناك من ظلم وقع عليه، فهو الظلم الذي لحقه من أتباعه وأنصاره وشيعته الذين خذلوه، في وقت هو بأمس الحاجة إليهم. ولقد عاش هو وأخوه الحسين طيلة فترة حكم معاوية بن أبي سفيان t أحسن عيشة، وكانت أعطياتهم تصل إليهم أكثر من غيرهم.
أما الحسين t فقد عاش عيشة الأمراء، لم يتنازل عن كرامته  من أجل مالٍ ولا جاه. ولو أراد ذلك لسكت عن يزيد الذي كان يغرقه بالمال والأعطيات.
يقول الدكتور طه الدليمي، وتحت عنوان (أسطورة اضطهاد (الأئمة):
( وبسبب هذه العقدة يعتقد الرافضي أن (أئمته) جميعا عاشوا مضطهدين، وماتوا جميعا ميتة ليست طبيعية ما بين مسموم ومقتول ومخنوق وهارب من وجه العدالة مختف في الكهوف والسراديب! مع أن الحقيقة الواقعة والمسيرة التاريخية غير ذلك!
لقد عاش علي t حياته وزيرا ومات خليفة وأميراً. وكذلك سيدنا الحسن t . ولطالما ذهب هو وأخوه سيدنا الحسين إلى دمشق معززين مكرمين ورجعا إلى المدينة بالهدايا والهبات. أما أن الحسين قتل فقد قتل – كما قلت - بسبب خروجه على خليفة المسلمين في معركة سعى إليها بنفسه. وتلك نهاية طبيعية لكل خارج لم يُعِدَّ للأمر عدته. وكل سلطان لا يرضى من أحد منازعته مهما كانت منزلته. وليس في ذلك اضطهاد، فما كل قتيل مضطهد.
وأما السبي فأسطورة مختلقة. وليس بين المسلمين سبي، إنما ذلك للكافرين.
وعاش علي بن الحسين في المدينة بحرية تامة، وكان أحد فقهائها الذين يتحلق حولهم طلبة العلم دون تضييق. وكذلك كان ابنه محمد وحفيده جعفر الذي لقبه الخليفة أبو جعفر المنصور بـ(الصادق) حين وشي به إليه فاستقدمه فأنكر فقال له: أنت (الصادق) وهم الكاذبون. ثم أكرمه ورده معززا مكرما.
وما يحصل من المتابعة والمساءلة والاستقدام فأمر طبيعي لا ينكر وقوعه؛ لأنه يحصل بأسباب موضوعية ليست خاصة ولا مقصودة. إذ الزمان زمان فتنة وخروج متكرر بسبب العجم الذين يبحثون لهم عن رموز علوية أو هاشمية للتمرد والثورة وكثيراً ما يفلحون في إستزلال هذه الرموز كما حصل مع زيد بن علي وابنه يحيى وعبد الله بن الحسن وأبنائه الأربعة، وغيرهم كثير. ومن الطبيعي أن يثير هذا توجساً دائمياً لدى الخليفة لاسيما من الرموز العلوية التي كثر الخروج من أوساطها.
ويحدث أحيانا أن يرسل إلى من تحوم حوله الشبهة منهم وتكتب عنه التقارير ليحقق معه ثم يفرج عنه بعد أن تثبت براءته، أو يأخذ العهد عليه بعدم الخروج وإثارة الفتنة. وقد تكون التقارير مزورة أو مضخمة أو صحيحة. كما حصل لموسى بن جعفر وقد كاد له البرامكة منذ زمن المهدي والد الرشيد فلم يفلحوا، وأكثروا من الوشاية به حتى إنهم استطاعوا أن يستعملوا ابن أخيه محمد بن إسماعيل – حسب رواية الأصفهاني - في التجسس عليه فكتب عنه تقريراً مفصلاً مفاده أن لموسى أتباعا يكاتبهم ويكاتبونه ويجبون إليه الأموال من الآفاق فاعتقله الرشيد تحوطا وأوصى به إلى الفضل بن يحيى البرمكي وأوصاه بالإحسان إليه لكنه استغل غياب الرشيد وسفره إلى الشام فدس إليه الفارسي السندي بن شاهك فاغتاله([89]).
وليس في الأمر - كما ترى - اضطهاد. وما حدث لموسى يحدث لغيره كثيراً. هذا هو الاستثناء الوحيد وهذه ملابساته! وأما البقية فلم يحدث لهم ما يسوءهم، أو ينغص عليهم رغد عيشهم. لقد كان علي بن موسى – كما يحدثنا التاريخ - وأحفاده من بعده على وفاق تام مع البيت العباسي الحاكم. فلقد اسند إليه المأمون ولاية العهد، وزوجه ابنته، وعاش معه عيشه الوزراء حتى مات بقدر الله على فراشه فقال المعقدون: مات مسموما بيد المأمون!
وتزوج ابنه محمد ابنة المأمون الأخرى؛ فهو صهر الخليفة! هل هناك أنعم وأهدأ بالاً من صهر الخليفة؟! فأين هو الاضطهاد! قوم يعيشون في قصور الخلفاء وينكحون بناتهم ويتقلبون في نعمتهم ظهرا لبطن، وبطناً لظهر قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم!
اللهم نسألك (اضطهاداً) كهذا (الاضطهاد)!
واستمرت العلاقة حسنة بين البيتين حتى مات الحسن العسكري الذي عاش في سامراء مترفا تحوطه الجواري، وتطوف عليه السراري وتجبى إليه الأموال في أحسن حال وأنعم بال وأوفر نوال. ولما كان الحسن عقيما فلم يخلف عقبا وورثه أمه وأخوه اخترع له المعقدون ولداً وللولد اسماً وقصة! تقول العصفورة: إن (محمد) بن الحسن الطفل الصغير اختفى في سرداب في سامراء خوفا على نفسه من الخليفة! ولا بد لك من أن تصدق أن الخليفة قد خاف طفلا؛ فهو يسعى في طلبه وقتله. بينما هو يترك أباه الرجل القوي الغني الرمز يسرح ويمرح لم يتعرض له بسوء قط! وإلا فإنك من (أعداء أهل البيت وظالميهم).
ويضيف الدكتور طه قائلاً:
لو أجرينا مقارنة سريعة بين (الأئمة الأحد عشر)، والأئمة الأربعة لوجدنا الفارق كبيرا بينهما من حيث التعرض للأذى والمضايقات، أو ما يمكن أن يطلق عليه اسم (الاضطهاد).
لقد تعرض الأئمة الأربعة لمضايقات كثيرة وحبس بعضهم وضرب واختفى وضربت عليه الإقامة  الجبرية.  كل  ذلك  لأسباب  موضوعية  لا  علاقة  لها  كثيراً بالاضطهاد: فالإمام أبو حنيفة حبس مرات حتى قيل: إنه مات في الحبس! والإمام مالك ضرب حتى قيل: سقطت أو خلعت يداه! والإمام الشافعي جيء به مكبلاً من اليمن إلى بغداد. وأما الإمام ابن حنبل فمحنته أشهر من أن تذكر! ولقد ضيق عليه وحرم من الاتصال بالناس قرابة ثلاثين عاماً! هذا عدا ما تعرض له غير الأئمة الأربعة من حيف واضطهاد. كالإمام البخاري. والتفتازاني. وشيخ الإسلام ابن تيمية الذي طورد وشرد ونفي وأوذي وسجن مرات حتى مات أخيراً في السجن! ناهيك عن المتأخرين منهم كسيد قطب وغيره من قوافل المعتقلين وشهداء الدعوة الإسلامية وأبطالها الذين عذبوا وأُوذوا في سبيل الله وقتلوا وهم على ذلك.
فإذا كان الرافضة و(أئمتهم) مضطهدين، فماذا نقول نحن؟!
لا نقول شيئاً! لأننا – ولله الحمد - رزقنا السلامة من أمراض الفرس وعقدهم)([90]).
ولو قال قائل أن أهل البيت لم يظلموا، وإنما أتخذ بعض الشعوبية والزنادقة هذا الشعار دثاراً لهم لكيد الإسلام والمسلمين وتشويه تاريخهم الناصع، إنبرى لك المئات: لماذا أنت تكره أهل البيت؟
وكأن القول بمظلومية أهل البيت هو الحب لهم، مع أنهم جميعاً هم ومن يُعتقد فيهم الظالمون لهم قد ذهبوا إلى رب لا يظلم عنده أحد.
وإذا أردت الحقيقة الناصعة فإن القول بمظلومية أهل البيت من قبل الصحابة هو لب التشيع وأساسه، ومتى ما إقتنع شخص بعدم مظلوميتهم فهو ليس بشيعي حسب مقاييس التشيع المعاصر الذي إفتعل هذه المظلومية والعداء بين أهل بيت النبي وصحابته الذين كانوا يكنون كل الحب والتقدير لأهل البيت إكراماً للنبي محمد r الذين آمنوا به وفارقوا الأموال والأوطان وهجروا الأهل والخلان من أجل أن ينصروه وينصروا دينه.
 
فصل
عاشوراء بين الحدث التاريخي والواقع
 
إن من يراقب المواكب الحسينية في عاشوراء، بل وفي غيرها من مواكب الزيارت وما أكثرها لدى الشيعة، يرى أن جل ما يُفعل ويُقال فيها هو السب واللعن للسابقين الأولين من المسلمين، بل ويلعنون الأمة الإسلامية بقولهم: لعن الله أمة فعلت كذا وكذا؛ ولا يسلم من هذا اللعن والسب لا الخلفاء الراشدين ولا الدولة الأموية ولا العباسية ولا العثمانية.
أما أن تسمع منهم ما يذكرك بالقيم البطولية للتضحية والفداء، أو أن تسمع منهم ما يمس واقعهم الأليم الذي يعيشونه مع الإستكبار العالمي الذي أصبح يذل الإسلام والمسلمين كل يوم ولحظة, فهذا أبعد لك من السماء؛ ذلك أن الذين ينظمون ويقومون على تسيير هذه المواكب والتجمعات ليس غرضهم إلاّ إذكاء عقدة التعصب والطائفية التي تتيح لهم إستمرارهم وبقاءهم في مواقعهم التي فيها جاههم ومراكزهم السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
يقول الشيخ محمد حسين فضل الله: وتحت عنوان: (بين التاريخ والواقع):
( عندما نريد أن ننفتح على الحسين  رضي الله عنه  في عاشوراء، فإنَّ هذا الانفتاح لا يجب أن يكون استغراقًا في التاريخ لننسى الواقع كما يفعل كثير من النّاس، فيلعنون يزيد ألف مرّة وهم يحتضنون ألف يزيد في كل يوم ألف مرة، يلعنون الذين قتلوا الإمام الحسين رضي الله عنه فلعن الّله أمّة قتلتك ولعن الّله أمّة ظلمتك ولعن الّله أمّة استحلت منك المحارم وانتهكت حرمة الإسلام ألا نقول ذلك ونحن نؤيّد وندعم ونحتضن كثيرًا من النّاس الذين يظلمون، ويقتلون، ويستبيحون كثيرًا من المحرمات التي هي في مستوى ما استباحوه من الحرمات في عاشوراء؟!
إنَّ رفض ذلك الواقع في التاريخ يستلزم رفض الواقع المماثل الذي نعيشه، أو الواقع الأكثر خطورًة الذي نواجهه. إنَّنا نواجه اليوم مشاكل كثيرة أكثر خطورة من المشاكل التي واجهها الإمام الحسينرضي الله عنه  في عصره، ونشهد حالة ظلم أكثر من الظلم الذي واجهه الإمام الحسين في عصره؛ ولكنَّنا لا نتحرّك خطوة واحدة في هذا الاتجاه)([91]).
إن القيمة الحقيقية لعاشوراء تكمن في مواجهة الظلم وتحقيق العدالة بين الناس.
الحسين t لم يخرج لأنه وقع ظلم عليه. إذ كان بإمكان الحسين أن يعيش أهنأ عيشة لو أنه بايع يزيد وسكت.
لم يكن ليفعل هذا الحسين ومن سار على درب الشهادة والعزة والكرامة، فالحسين كان يحمل في روحه وضميره قضية أمة.
إنه رأى في تولية يزيد قتلاً لمعاني الخلافة النبوية وإمرة المسلمين( وعلى الإسلام السلام إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد).
لقد بايع الحسين معاوية وأبى أن يخرج إليه حين كاتبه بعض أهل الكوفة قائلاَ لهم:
( أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة فإذا مات معاوية نظر في ذلك ).
ومن المعلوم أن الحسين t لو رأى في معاوية t ما رآه في يزيد لما سكت، لاسيما حينما كاتبه أهل الكوفة بالخروج معه. وهذا دليل على أن سيرة معاوية كانت مرضية عند الحسين.
أما حكام اليوم في العراق من الشيعة، فهم يدّعون حب الحسين ويصرفون مليارات الدنانير لإقامة الشعائر الحسينية في عاشوراء، وهم في الوقت ذاته من أبعد الناس عن الحسين وعن روح ثورته ومعانيها السامية.
نتساءل: ما هي الغاية التي كنتم تسعون إليها من وراء رفع شعارات المظلومية لأهل البيت؟
إننا نعلم أن جميع مظلومية أهل البيت التي تدعونها يمكن إختزالها في كلمة أو كلمتين، وهي إقصاؤهم عن الحكم. ها أنتم الآن وقد تسلمتم مقاليد الحكم في العراق؛ ماذا فعلتم ؟ وماذا ستفعلون؟
هل حكمتم بحكم الله ورسوله بين المسلمين؟
هل عرضتم القوانين التي تحكمون بموجبها على كتاب الله تعالى وسيرة أئمة أهل البيت؟
أم أنكم إتخذتم عباد اللَّه خَوَلاً، ومالَ اللَّه دُوَلاً، ودينَه دَغَلاً.
إنكم تطعنون في عمر بن الخطاب t وتقولون إنه لم يساوِ في العطاء بين المسلمين، فهل أنتم ساويتم بينهم في العطاء والرواتب؟
أم أنكم أصبحتم تملكون المليارات وشعبكم في الجنوب يفتش عن لقمة عيشه في القمامات؟
أهذا هو السير على نهج الحسين أم هذه هي الدروس والعبر التي إستخلصتموها من قصة إستشهاد الحسين t؟
والله إن الحسين سيتبرأ منكم ومن أخلاقكم وأفعالكم هذه في عباد الله التي ما سارها لا يزيد ولا أظلم أهل الأرض؟
نعم أنا أشهد أنكم سلطتم المليشيات التي تقودونها بإسم أهل البيت على متديني أهل السنة والجماعة، فأعملتم فيهم القتل والتشريد، وفي مساجدهم التخريب والدمار.
أهذه هي القيم والمعاني التي إستفدتموها من ثورة الحسين؟
 
فصل
عاشوراء حب وإقتداء
 
ليس حب الحسين مجرد شعارات ترفع، أو كلمات تقال، بل حب الحسين يتجلى بالإقتداء به في جهاده وتضحياته.
حب الحسين يتجلى في رفض الظلم أيّاً كان مصدره.
أما أن يتحول حب الحسين إلى مصدر ظلم للآخرين، فهذا قتل للحسين وقتل لشعاراته التي من أجلها دفع حياته ثمنا لها.
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾[آل عمران/31].
لماذا نحب الحسين؟
ألِأنه إبن بنت رسول الله r؟!
 كلا فهذا إبن نوح عندما رفض الإيمان برسالة أبيه، لم تنفعه قرابته من نوح رضي الله عنه. وهذا أبو إبراهيم لم تنفعه قرابته من إبراهيم رضي الله عنه.
إذن نحب الحسين لأنه أحب الله تعالى.
نحب الحسين لأنه ضحى بحياته من أجل المباديء التي جاء بها الإسلام.
نحب الحسين لأنه رفض الظلم ولم يذعن له.
أما أن نحب الحسين، وفي الوقت نفسه نضع أيدينا بأيدي الظلمة، ونكون ذيلاً للإستكبار العالمي من أجل حفنة من الدولارات، أو من أجل منصب نجعله أداة لظلم الآخرين وإبتزازهم، فهذا ما لا يقبله الحسين، وسوف يتبرأ منهم يوم القيامة.
يقول الشيخ محمد حسين فضل الله:
( إذا كان الحسين يقول:" يأبى الّله أن نصافح يزيد وابن زياد"  فهل يرضى الّله لنا أن نقبّل اليد الأميركية، أو نقبّل اليد التي تعمل على أساس أن تقبّل اليد الأميركية؟
إنَّ من يرفض خضوع الحسين رضي الله عنه ليزيد وابن زياد، لا بدَّ أن يرفض خضوع أبناء الحسين وأتباعه وجنده لأمريكا ولعملاء أمريكا. وربَّما لا نجد في الواقع الإسلامي مناسبة أخذت تأثيرها وحجمها في العقل وفي القلب وفي التقاليد وفي حركة الواقع وفي الشعارات... التي تتّسع في مسيرة الواقع منذ الماضي وحتى الحاضر وانطلاقًا بالمستقبل كما هي قضية الإمام الحسين  رضي الله عنه.
إذا كان الإمام الحسين رضي الله عنه يثور ضدّ يزيد الذي كان يصّلي ويصوم ويحجّ في الشكل، فكيف يمكننا أن نرضى ونسكت ونؤيّد من لا يؤمن بالإسلام كّله ومن يريد أن يفرض على المسلمين شريعة الكافرين، ويضغط عليهم ليبتعدوا عن طاعة الّله؟
إذا كان الحسين يرفض أن يضع يده في يد يزيد، فهل يقبل منا أن نضع أيدينا في أيدي اليهود أو في أيدي الاستكبار العالمي؟)([92]).
إن من يقرأ تاريخ الشيعة يرى أنهم من أبعد الناس عن روح وأهداف ثورة الحسين. إذ ليس لهم قدم صدق في محاربة الكفار والمشركين، بل الطامة الكبرى أنهم دائماً أداة بيد الكفار في محاربة المسلمين، بدءاً من إبن العلقمي وإنتهاءً بتعاونهم مع المحتل الأميركي في إحتلال العراق.
إن من يحب الحسين ويقتدي به يجب أن يكون من أول المتصدين للغزو الصليبي لبلده المسلم. إلاّ أن مراجع الشيعة الذين يفتون بإقامة الشعائر الحسينية، ويفتون بجواز الضرب بالسلاسل والتطبير، أفتوا بعدم جواز جهاد المحتل.
وهذا نص فتوى السيستاني الذي أفتى به بعد الإحتلال الأميركي للعراق.
 
على أنني لا أجد غرابة في هذا الموقف، ذلاك لأن أعداء الشيعة ليسوا الأميركان ولا اليهود ولا الصليبية، بل أعدى أعداؤهم هم أهل السنة الذين يريدون إسقاط بعض الأسماء عليهم ليبرروا قتلهم وظلمهم( كالوهابية، والنواصب ) وهذا ما حدث بأهل السنة إبان تسلم الشيعة لمقاليد الحكم تحت الإحتلال الأميركي.
 
 فصل
لماذا اللطم والتطبير في عاشوراء؟
 
لقد تحولت تقاليد الشيعة في عاشوراء إلى وصمة عار في جبين الإسلام، على أساس أن الشيعة جزء من المسلمين. فالذي يرى مناظر الدماء التي تسيل من رؤوس الأطفال والشباب، تشمئز منها نفوس غير المسلمين، وينظرون إلى الإسلام على أنه دين التخلف والهمجية. ولا أريد أن أطيل كثيراً فإن النتائج السلبية التي تجلبها هذه المناظر على الإسلام والمسلمين واضحة للعيان ولا يحتاج المرء إلى كثير عناء فيها.
إلاّ أن هناك رأياً آخر ترى بأن هذه الدماء وتلك المناظر مقصودة لغايات بعيدة قد لا يتفطن لها إلاّ أصحابها الذين يعلمون في أي إتجاه يسيرون.
يقول الشيخ محمد جاد الزغبي:
( أما الوحشية فهي أمر طبيعي لأنك إن سألت أي متخصص نفسي ما هي النتيجة الطبيعية لشخص يسيل الدماء من نفسه وجسده بطريقة وحشية كالتي تجرى في التطبير وتعوده على منظر الدماء.
سيكون الجواب أن هيبة الدماء والرحمة على الخلق تغادر القلب إلى غير رجعة بل يتعدى الأمر ذلك إلى الإصابة بمرض نفسي شهير وهو عقدة السادية وتعنى التمتع بمنظر الدماء والأشلاء، واكتشف الأطباء هذه العقدة في القرن السابع عشر عندما أصيب بها أحد النبلاء الأوربيين واسمه ( دي ساد ) فسميت باسمه، أما الحقد المتجذر فهذا سببه طبيعة تلك الأغنيات التي تثير حمية الحقد والرغبة العارمة في الانتقام  وتأثيرها خرافي .
فالمرء يتأثر بالإعلانات العادية عن السلع والمنتجات إذا تم تكرارها أمام عينيه ويتشبع بالرغبة في تصديقها واقتناء تلك المنتجات، فما بالنا بالتكرار المريع الذي يعيشه عامة الشيعة ليل نهار طيلة العام في مواكب العزاء المتكررة لأئمتهم وتلك الأغنيات ليست مجرد إعلانات دعائية بل هي مخاطبات وجدانية بلحن حزين يملك الشعور رغما عن أنف الإنسان نفسه، لاسيما إن اقترنت تلك الأمور بغلاف ديني يجعل الرغبة في الانتقام والذبح فضيلة مثل فضائل الجهاد ونصرة الإسلام .
حيث أن الواقفين خلف تلك المذابح قديما وحديثا يجدون الذكر المستمر والإشادة من كبراء حاخامات التشيع الفارسي، مثل الخومينى والخونساري عندما صرحا في أكثر من موضع بتمجيد فعل الطوسي وبن العلقمي وعلى بن يقطين على ما فعلوه بالمسلمين السنة من قتل وترويع وسموها خدمات جليلة للإسلام والمسلمين)([93]).
نعم هناك من أئمة الشيعة من ينتقد التطبير وضرب الرؤوس بالسلاسل والقامات، إلاّ إنها دعوات سطحية لا ترقى إلى مستوى الفتوى بحرمته.
يقول إمام الشيعة الخوميني:
( ينبغي أن أتحدث هنا بخصوص المآتم والمجالس الحسينية التي تقام باسم الحسين بن عليرضي الله عنه  فلا نحن ولا أي متدين نقول أن كل ما يفعله أي شخص باسم الحسين عمل صحيح وجيد. فكثيراً ما عند بعض العلماء الكبار بعض هذه الأعمال أعمالاً منحرفة وسيئة ومنعوا مزاولتها والقيام بها.
وكلنا يعلم أنه خلال العشرين وبضع سنين الماضية منع العالم العامل الجليل المرحوم الحاج الشيخ عبدالكريم الذي كان من أبرز علماء الشيعة، منع الشيعة  تمثيل وقائع وشخوص يوم عاشوراء وأبدل أحد أكبر المواكب التي كانت تقام له إلى مجلس للتعزية والمراثي، وهكذا فعل باقي العلماء بالأعمال والممارسات التي تتعارض مع الأوامر الدينية والضوابط الشرعية، وما زالوا يمنعون مزاولتها.
ينبغي أن تعلموا أنكم إذا أردتم الحفاظ على نهضتكم، فيجب أن تحافظوا على هذه الشعائر والسنن، وطبعاً فإنه إذا كانت هناك أعمال وممارسات منحرفة وخاطئة يرتكبها أشخاص غير مطلعين على المسائل الإسلامية فيجب أن تتم تصفيتها، لكن المواكب والمآتم ينبغي أن تبقى على قوتها) ([94]).
وهنالك دعوات مماثلة من قبل مراجع شيعة آخرين كأمثال الخوئي ومحمد حسين فضل الله، ومحمد جواد مغنية[95]. إلاّ أن هذه الدعوات هي على إستحياء، وتبقى بين الحيطان والأبواب الموصدة؛ لأن هذه التقاليد قد أصبحت لدى عامة الشيعة من الدين، بل أصبحت هي الدين لوحدها، وأمر كهذا شبّ عليه الصغير وشاب وهرم عليه الكبير يصعب علاجه؛ مع أن مراجع الشيعة لو عملوا بجد على منع هذه التقاليد لقدروا على ذلك لأن المتسالم بين عوام الشيعة طاعتهم العمياء لعلمائهم ومراجعهم.
فصل
موقف أهل السنة من قتلة الحسين
قال شيخ الإسلام إبن تيمية:
( وأما مقتل الحسين رضي الله عنه فلا ريب أنه قتل مظلوما شهيدا كما قتل أشباهه من المظلومين الشهداء وقتل الحسين معصية لله ورسوله ممن قتله أو أعان على قتله أو رضى بذلك وهو مصيبة أصيب بها المسلمون من أهله وغير أهله وهو في حقه شهادة له ورفع حجة وعلو منزلة فإنه وأخاه سبقت لهما من الله السعادة التي لا تنال إلا بنوع من البلاء)([96]).
وقال أيضاً:
( وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله، أو رضي بذلك فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلا ً)([97]).
وقال اليافعي:
( وأما حكم قاتل الحسين والأمر بقتله، فمن استحل منها قتله فهو كافر، وإن لم يستحل ففاسق فاجر)([98]).
 
فصل
موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية
 
لاشك أن ليزيد دخل في مقتل الحسين t لأن الأمور التي تجري في عهد الملوك والأمراء تنسب إليهم، وإن لم يباشروها بأنفسهم.
ومع هذا فإن كان قد أمر بقتل الحسين أو رضي بذلك، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وإن كان قد تاب فقد أفضى إلى ما قدم، وذهب إلى رب يقول: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾[الزلزلة/7، 8] والله تعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين الحسين بالعدل والحق.
ومع أنه لم يقتل قتلته ولم يعزلهم عن الولاية، إلاّ أن الناظر بعين الإنصاف يرى أن يزيد وإن علم بخروج الحسين t إلاّ أنه لم يثبت أنه أمر بقتله على كل حال.
لاسيما إذا علمنا أن وصول الحسين إلى كربلاء هو يوم الخميس الموافق الثالث من المحرم واستمرت المفاوضات بين ابن زياد وبين الحسين بعد وصوله إلى كربلاء حتى قتل رضي في العاشر من المحرم. أي أن المفاوضات استمرت أسبوعاً واحداً تقريباً، ومن المعلوم أن المسافة التي تفصل بين دمشق والكوفة تحتاج إلى وقت قد يصل إلى أسبوعين، أي أن ابن زياد اتخذ قراره والذي يقضي بقتل الحسين دون الرجوع إلى يزيد، أو أخذ مشورته في هذا العمل الذي أقدم عليه، وبذلك يكون قرار ابن زياد قراراً فردياً خاصاً به لم يشاور يزيد فيه، وهذا الذي يجعل يزيد يؤكد لعلي بن الحسين بأنه لم يكن يعلم بقتل الحسين ولم يبلغه خبره إلا بعد ما قتل.
يقول شيخ الإسلام إبن تيمية:
( والذي نقله غير واحد أن يزيد لم يأمر بقتل الحسين ولا كان له غرض في ذلك بل كان يختار أن يكرمه ويعظمه كما أمره بذلك معاوية رضي الله عنه ولكن كان يختار أن يمتنع من الولاية والخروج عليه فلما قدم الحسين وعلم أن أهل العراق يخذلونه ويسلمونه طلب أن يرجع إلى يزيد أو يرجع إلى وطنه أو يذهب إلى الثغر فمنعوه من ذلك حتى يستأسر فقاتلوه حتى قتل مظلوما شهيدا رضي الله عنه وأن خبر قتله لما بلغ يزيد وأهله ساءهم ذلك وبكوا على قتله وقال يزيد: لعن الله ابن مرجانة يعني عبيدالله بن زياد أما والله لو كان بينه وبين الحسين رحم لما قتله وقال: قد كنت أرضى من طاعة أهل العراق بدون قتل الحسين وأنه جهز أهله بأحسن الجهاز وأرسلهم إلى المدينة لكنه مع ذلك ما انتصر للحسين ولا أمر بقتل قاتله ولا أخذ بثأره وأما ما ذكره من سبي نسائه والذراري والدوران بهم في البلاد وحملهم على الجمال بغير أقتاب فهذا كذب وباطل ما سبى المسلمون ولله الحمد هاشمية قط ولا استحلت أمة محمد صلى الله عليه وسلم سبى بني هاشم قط ولكن أهل الهوى والجهل يكذبون كثيرا )([99]).
وقال ابن كثير - رحمه الله - : ( وليس كل ذلك الجيش كان راضياً بما وقع من قتله - أي قتل الحسين - بل ولا يزيد بن معاوية رضي بذلك والله أعلم ولا كرهه، والذي يكاد يغلب على الظن أن يزيد لو قدر عليه قبل أن يقتل لعفا عنه، كما أوصاه أبوه، وكما صرح هو به مخبراً عن نفسه بذلك، وقد لعن ابن زياد على فعله ذلك وشتمه فيما يظهر ويبدو)([100]).
وقال ابن الصلاح - رحمه الله - : ( لم يصح عندنا أنه أمر بقتله - أي الحسين t - ، والمحفوظ أن الآمر بقتاله المفضي إلى قتله - كرمه الله - إنما هو عبيدالله بن زياد والي العراق إذ ذاك)([101]).
 
فصل
صيام يوم عاشوراء في كتب الشيعة
 
لقد إستوقفني فعل الشيعة وتصرفاتهم يوم العاشر من المحرم الحرام كثيرا، وقلت في نفسي: لماذا توزع الشيعة في يوم مقتل الحسين الشرابت وأنواع الأكلات ويتوسعون في الأطعمة والمشروبات إلى الحد الذي يخيل لغيرهم أن هذا اليوم هو يوم عيد وفرح وسرور لدى الشيعة؛ وإلاّ فالإنسان الحزين والمهموم لا يكاد يذكر الطعام أو يشتهي شيئا من الأكل والشراب لشدة هو ما فيه من حزن وأسى، وفي الحديث عن النبي r أنه قال لما جاءه نعي جعفر بن أبي طال: ( إصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد جاءهم ما يشغلهم )([102]) وفي الكافي عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: ( لَمَّا قُتِلَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ r فَاطِمَةَ رضي الله عنه أَنْ تَتَّخِذَ طَعَاماً لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَتَأْتِيَهَا وَنِسَاءَهَا فَتُقِيمَ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَجَرَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ أَنْ يُصْنَعَ لِأَهْلِ الْمُصِيبَةِ طَعَامٌ ثَلَاثاً) وبالتالي فصاحب المصيبة مذهول عن الأكل والشراب، وهو أقرب إلى الصائم الذي ترك الأكل والشرب منه إلى المفطر الذي يتلذذ بالأكل والشرب، وهذا هو ما يفعله أهل السنة والجماعة من صيام يوم عرفة ( وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين )، وإن كان صومه بأمر من رسول الله r قبل مقتل الحسين بأربعين سنة تقريباً؛ وذلك أنه كان يصومه في مكة قبل فرضية رمضان؛ ولما هاجر إلى المدينة المنورة رأى اليهود يصومونه فسألهم عن سبب صيامه، فأخبروه بأنه اليوم الذي نجّى الله فيه موسى من فرعون فقال r : نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصوم يوم قبله أو بعده مخالفة لليهود.
وقد وردت في كتب الشيعة روايات كثيرة في صوم يوم العاشر من محرم إلاّ أن علماء الشيعة أخفوها عن العوام، ولم يعملوا بها مخالفة لأهل السنة ( العامة ) بحجة إنها قيلت تقية([103])، ويشنعون على أهل السنة صومهم ليوم العاشر من محرم، وهم يصومون التسعة أيام الأولى من محرم ويفطرون يوم العاشر منه وهو اليوم الذي قتل فيه الحسين وأهله وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين وأسكنهم فسيح جناته وقبح الله قاتليهم وخاذليهم والراضين بذلك وأخزاهم في الدنيا والآخرة.
وفيما يلي بعض الروايات التي وردت في كتبهم([104])نقلتها من وسائل الشيعة:
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه قَالَ وَأَمَّا الصَّوْمُ الَّذِي يَكُونُ صَاحِبُهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ فَصَوْمُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْخَمِيسِ وَالْإِثْنَيْنِ وَصَوْمُ الْبِيضِ وَصَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَوْمِ عَاشُورَاءَ فَكُلُّ ذَلِكَ صَاحِبُهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ
مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ فَضَّالٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي هَمَّامٍ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ رضي الله عنه قَالَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ r يَوْمَ عَاشُورَاءَ
وَعَنْهُ عَنْ هَارُونَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْعَدَةَ بْنِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيّاً رضي الله عنه قَالَ صُومُوا الْعَاشُورَاءَ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ فَإِنَّهُ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ سَنَةٍ
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحِ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ الْبَرْقِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ هَاشِمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ رضي الله عنه  قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r كَثِيراً مَا يَتْفُلُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي أَفْوَاهِ الْأَطْفَالِ الْمَرَاضِعِ مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ رضي الله عنه مِنْ رِيقِهِ فَيَقُولُ مَا نُطْعِمُهُمْ شَيْئاً إِلَى اللَّيْلِ وَكَانُوا يَرْوَوْنَ مِنْ رِيقِ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ وَكَانَتِ الْوَحْشُ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَلَى عَهْدِ دَاوُدَ رضي الله عنه
وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ عَنْ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ الْأَحْمَرِ عَنْ كَثِيرٍ النَّوَّاءِ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ رضي الله عنه قَالَ لَزِقَتِ السَّفِينَةُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ عَلَى الْجُودِيِّ فَأَمَرَ نُوحٌ رضي الله عنه مَنْ مَعَهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَنْ يَصُومُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رضي الله عنه أَتَدْرُونَ مَا هَذَا الْيَوْمُ هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ عَلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي فَلَقَ اللَّهُ فِيهِ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَمَنْ مَعَهُ وهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي غَلَبَ فِيهِ مُوسَى رضي الله عنه فِرْعَوْنَ وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ إِبْرَاهِيمُ رضي الله عنه وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَابَ اللَّهُ فِيهِ عَلَى قَوْمِ يُونُسَ وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رضي الله عنه وَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي يَقُومُ فِيهِ الْقَائِمُ رضي الله عنه
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنه أَنَّ فِي الصَّوْمِ الَّذِي صَاحِبُهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ صَوْمَ عَاشُورَاءَ .
 
 الخاتمة
·   إن من يعرف منزلة الحسين من رسول الله r وهو القائل فيه: ( حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط )([105])لا يستحل منه ولا من أهله أن يؤذيه بأقل أذى فضلاً من أن يقتلهم بمثل هذه القتلة الشنيعة التي يأباها كل مسلم في قلبه ذرة من إيمان.
·   أما وقد قتل t فإن الله تعالى أراد أن يرفع من درجته في جنات عدنٍ عند مليك مقتدر، فأكرمه بالشهادة في سبيله ليدخل في عداد الذين قال فيهم: ﴿ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ﴾[النساء/69]. وأعلم أن الشهادة في سبيل الله منزلة لا تعطى لمن لا يستحقها لكرامة الشهيد عند الله ومنزلته العالية, فأبى الله للحسين إلاّ أن يموت شهيداً لكرامته على الله تعالى.
·   إن للحسين رب لا يُظلم عنده أحد وإن يك مثقال ذرة من حسنة أو سيئة، وقد أفضى هو وقاتلوه إلى ما قدموا، وسيجزي الله تعالى كلاً منهم بما هو أهله؛ وذلك ظننا برب العالمين، ونحن لا نملك أن نُرجع التاريخ إلى الوراء، لنقيم محكمة لأولئك القتلة الفجرة، ولكن حسبنا أن نقول: ﴿ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [البقرة/134].
·   إن من عدل الله تعالى وحكمته أنه يحاسب الإنسان على كسبه هو، لا يحاسبه على عمل غيره وإن كان والده أو ولده:﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾[النجم/39]﴿ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾ [الأنعام/164]﴿ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾[فاطر/18]. ومن سوء الظن بالله تعالى أن نحمِّل وزر قتل الحسين من جاء من بعد الحسين بمئات السنين، ليس إلاّ لأسباب طائفية أو سياسية، وغرضنا إن كان دينياً ـ أي لحب الحسين ـ فهذا ليس من أخلاق الحسين ولا من دينه، ولم يأمر هو بذلك. وأما إن كان الغرض دنيوياً فما أبعد هذا من دين الحسين ودين جده، وهل هذا وأمثاله إلاّ من الذين يشترون بدينهم وإيمانهم ثمناً قليلاً، ويشترون الدنيا بالآخرة، ويوم القيامة يحملون أوزارهم ومن أوزار الذين يضلونهم بحب الحسين بغير علم.
·   لا شك أن الحزن لآلام المسلمين والفرح لفرحهم واجب شرعي، وكيف لا يكون واجباً شرعياًّ وقد قال نبينا الأكرم r : (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)([106]). ولكن هذا الواجب الشرعي له قيود وضوابط، ويجب على المسلم أن لا تخرجه مصيبته عن الحق والعدل، والصبر على المصيبة ليس له جزاء إلاّ الجنة وقد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾[الزمر/10]. فاللطم وضرب السلاسل والقامات من المحرمات، لأن هذه الأفعال ليس مأمور بها، ثم إنها من أذية النفس وظلمها بغير حق. قال سيدنا علي t في نهج البلاغة: ( من ضرب يده على فخذه في مصيبته فقد حبط عمله). فما بالك بهذه الأفعال الوحشية التي جلبت العار على الإسلام والمسلمين. ومن أعظم المصائب أن تغلف هذه الأفعال الوحشية بأنها أفعال شرعية، وأن من يسكب دمه في عاشوراء له من الأجر كذا وكذا، وأن الجنة أقرب إليه تنتظره بشوق ولهفة.
لست أدري كيف تصدق هذه الروايات والشرع المحمدي قد كمل قبل وفاة النبي r : ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾[المائدة/3]. والحسين إنما أستشهد بعد وفاة النبي r بعشرات السنين، فمن الذي رتب هذا الأجر لعاشوراء؟
ليس بعد النبي شرع جديد، ولا يجوز أن تضاف إلى الشريعة أحكاماً جديدة إلاّ بالوحي، وقد إنقطع بموت النبي r .
وعلى هذا فإن هذه الروايات وأمثالها كثيرة في كتب الشيعة كلها من البدع والإضافات إلى دين الله تعالى بغير سلطان. وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
·   إن على المسلمين أن يستفيدوا من أحداث التاريخ بما يخدم دينهم، ويجمع شملهم، لا أن يجعلوا من أحداثها مناسبة لتفريق كلمة المسلمين وتشتيت صفوفهم، ليرجعوا شيعاً وأحزاباً كل حزب بما لديهم فرحون، والأمم عازمة على سحقهم ونهب خيراتهم؛ وهم يتجادلون فيما بينهم في أحداث مرت عليها القرون تلو القرون دون أيما حاجة، ولا يجنون منها سوى المزيد من الفرقة والهوان.
·   إن من العار في الدنيا والعذاب الأليم يوم القيامة أن ينتسب المسلم إلى الحسينt وهو في الوقت نفسه قد ركن إلى الظالمين. بل الأدهى والأمر من هذا أن يضع يده بأيدي الكفار والمشركين في محاربة وقتل بني جلدته لأن شرذمة ممن يسمون أنفسهم بأهل العلم والسياسة قد أفتوهم بأن هؤلاء المحسوبين على الإسلام هم أحفاد قتلة الحسين وهم شر من اليهود والنصارى. فتراهم يتصرفون مع غيرهم ممن ليسوا من طائفتهم بالمكر والخداع، يقولون بألسنتهم نحن إخوة، وإذا خلوا إلى معمميهم قالوا اقتلوهم حتى الرضيع منهم، واستحيوا نساءهم ولا تدعوهم يعيشون بينكم.  
لقد رفعوا شعارات طائفية لا تنتمي إلى الحسين، لأنا لم نجد الحسين قد ذكر في خروجه على يزيد أن عمر بن الخطاب قد ظلم فاطمة وكسر ضلعها وأنه يثأر لها من أحفاد عمر كما هي شعارات الشيعة اليوم.
إن من وراء رفع هذه الشعارات  الطائفية أيادٍ خفية كيدي عبدالله بن سبأ الذي ما أشهر إسلامه إلاّ ليكيد أهله، ويوقع الفتنة بينهم.
أي فائدة سيجنيها الشيعة من وراء هذه الشعارات وهم أقلية بين أكثر من مليار ونصف المليار من المسلمين الذين لا يوافقونهم على هذه الشعارات، ويرون أن مروجيها إنما هم أعداء الله وأعداء الحسين، لأن الحسين لم يكن طائفياً في يوم من الأيام، ولا ذكر أحداً ممن سبقه من المسلمين بسوء.
·   إن من الأساطير التي روجها على مر التاريخ أصحاب النوايا السيئة والأغراض الدنيئة وأصحاب المصالح الخاصة الذين تتوافق مصالحهم مع هذه الأسطورة أسطورة ( مظلومية أهل البيت) وهي في حقيقتها عارية عن الصحة لأن من يتصفح أحداث التاريخ الصحيح لا يجد أهل البيت إلاّ أنهم عاشوا في عز وكرامة، وأنهم كانوا سادة في زمانهم، وقد مر بك أن سيدنا علياً t عاش وزيراً ومات أميراً، وأن الحسين لم يثُر لأنه وقع عليه ظلم شخصي، بل ثار لأنه رأى أن الخليفة على المسلمين ليس بأهل لهذا المنصب، ولو سكت وبايع لأتاه من المال والجاه من عند يزيد بغير حساب.
أما علي الرضا رحمه الله فقد تنازل له المأمون ليكون خليفة للمسلمين، ولكنه رضي بولاية العهد وتزوج هو وإبنه من بنات الخليفة، فأين الظلم والإضطهاد؟!
لم يقع على أهل البيت ظلم أكثر مما وقع لغيرهم من العلماء من أمثالهم كأبي حنيفة والإمام أحمد.
إن وراء هذه الأسطورة أهداف وغايات لا يعلم مداها إلاّ الله وعبدالله بن سبأ الذي كان زنديقاً وعلم أن إيقاع الفتنة بين المسلمين لا يكون إلاّ من أهله، فدخل الإسلام وادعى أمثال هذه الدعاوى التي راج على عوام المسلمين من الذين ليس لهم علم ولا بصيرة بأحداث التاريخ، فراحوا يروجون لها بإسم حب أهل البيت.
وأخيراً فليتقوا الله أولئك الذين لا يحملون حب الحسين في قلوبهم، ولكنهم ينتحلون الحسين لغايات دنيوية ومصالح شخصية تذهب مع الأيام والليالي، ويقتلون غيرهم بإسم الحسين والإنتصار له وهم في الوقت نفسه من أبعد الناس عن مباديء الحسين وأهدافه، وليوطنوا أنفسهم ليحملوا أوزارهم وأوزار الذين يضلونهم بغير علم من العوام الذين يظنون أنهم بأفعالهم هذه يتقربون إلى الله تعالى بحب الحسين وأهل بيته عليهم السلام.
اللهم اجعلنا ممن يحبون الحسين وآل بيته، ويقتدون بهم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله النبي الكريم وعلى آله الأطهار وصحبه الأبرار.
 
 الفهرس

ت

الموضوع

رقم الصفحة

1

المقدمة

1-2

2

ولادة الحسين t ونشأته

3-6

3

قصة إستشهاد الحسين t

7-11

4

الحسين يمتنع عن بيعة يزيد

12

5

الحسين يغادر المدينة إلى مكة

13

6

عبدالله بن المطيع ينصح الحسين بعدم الذهاب إلى الكوفة

14

7

أهل الكوفة يكتبون إلى الحسين

14

8

الحسين يكتب إلى أهل الكوفة

15

9

الحسين يبعث مسلم إلى الكوفة

16

10

مسلم بن عقيل يدخل الكوفة

16

11

النعمان بن البشير والي الكوفة يحذر من الفتنة

16

12

الرسائل تصل إلى يزيد بن معاوية بوصول مسلم بن عقيل ودخوله الكوفة

17

13

يزيد يعزل النعمان بن البشير ويعين عبيدالله بن زياد واليا على الكوفة

17

14

عبيدالله بن زياد يدخل الكوفة

17

15

عبيدالله يبعث عينا له على مسلم

18

16

خطة لقتل عبيدالله في دار هانئ بن عروة

19

17

أسباب عدم قتل مسلم لبيدالله بن زياد

19

18

عبيدالله يطلب هانئ بن عروة

20

19

هانئ يحضر عند بن زياد

20

20

هانئ بن عروة يمتنع من تسليم مسلم إلى عبيدالله

21

21

مذحج يثور لهانئ ولكن

22

22

أهل الكوفة يجتمعون على مسلم بن عقيل

22

23

أشراف أهل الكوفة يخذلون مسلم بن عقيل

23

24

إنصراف الناس عن مسلم

23

25

إبن الأشعث يخبر بمكان مسلم بن عقيل

25

26

مسلم بن عقيل يرسل إلى الحسين: إرجع فإن أهل الكوفة قد كذبوك

26

27

عبيدالله بن زياد يأمر بقتل مسلم

27

28

عبيدالله يأمر بقتل هانئ بن عروة

28

29

الحسين يتوجه من مكة إلى الكوفة

29

30

الفرزدق الشاعر يلتقي بالحسين

29

31

ماذا فعل عبيدالله حين علم بخروج الحسين

30

32

رسول الحسين يقتل

30

33

ماذا فعل الحسين حين علم بمقتل مسلم وهانئ

31

34

عمر بن لوذان ينصح الحسين بالرجوع

31

35

الحر بن يزيد يلتقي الحسين

32

36

الحسين يصلي الظهر بالفريقين

32

37

الحسين يصلي العصر ولم يجمع بين الظهر والعصر

33

38

الحسين يرغب بالإنصراف ولكن

33

39

الحسين يوطن أصحابه على الشهادة

36

40

عبيدالله يرسل تعزيزات لجيشه

36

41

عمر بن سعد يبعث إلى بن زياد أن الحسين يريد الإنصراف

37

42

شمر بن ذي الجوشن يحث على عدم قبول الصلح

38

43

بن زياد يأمر بعزل عمر بن سعد إن لم يقاتل الحسين

39

44

بداية معركة الطف

42

45

الحر بن يزيد يلتحق بالحسين

43

46

أسماء من قتل مع الحسين

45

47

أهل الكوفة هم الذين قتلوا الحسين

47

48

لم ينج من أحفاد علي بن أبي طالب غير علي بن الحسين

47

49

رأس الحسين بين يدي عبيدالله بن زياد

49

50

يزيد بن معاوية لا يرضى بقتل الحسين

49

51

يزيد يأمر برد نساء الحسين إلى المدينة المنورة

51

52

مسألة

52

53

أين عقيدة الإمامة الإثنا عشرية في خروج الحسين

55

54

من قتل الحسين؟

58

55

شعارات عاشوراء بين الأمس واليوم

61

56

لا أبكي على الحسين وإنما أبكي على الهريسة

64

57

ماذا وراء دعوى مظلومية أهل البيت

67

58

عاشوراء بين الحدث التاريخي والواقع

69

59

عاشوراء حب واقتداء

71

60

نص فتوى السيستاني بعدم الجهاد ضد الإحتلال الأميركي

73

61

لماذا اللطم والتطبير في عاشوراء

74

62

موقف أهل السنة من قتلة الحسين

76

63

موقف أهل السنة من يزيد بن معاوية

76

64

صيام يوم عاشوراء في كتب الشيعة

77

65

الخاتمة

80

66

الفهرس

83-85


[1] - إن أول من سنّ القتل هو قابيل حين قتل أخاه هابيل من أجل أن يتزوج بأخته. وقتل قباذ بن كسرى الملقب بـ( شيرويه ) أباه كسرى من أجل الحكم وقتل معه سبعة عشر أخاً له ذوي أدب وشجاعة. ( المنتظم - (ج 1 / ص 375) والمنتصر بن المتوكل قتل أباه. والمأمون قتل أخاه الأمين.
لذلك قيل: من العجائب أن أعرق الأكاسرة في الملك وهو شيرويه قتل أباه فلم يعش بعده إلا ستة أشهر وأعرق الخلفاء في الخلافة وهو المنتصر قتل أباه فلم يمتع بعده سوى ستة أشهر. ( تاريخ الخلفاء - (ج 1 / ص 148)

[2] - قلت : وهذا يعني أنه لم يكن يعمل بالتقية وهي تسعة أعشار الدين كما تقول روايات الشيعة

[3] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 310 وما بعدها

[4]  -  قلت: اللهم آمين، وسيأتي حكم أهل السنة فيمن قتل أو شارك أو رضي بمقتل الحسين رضي الله عنه.

[5] -  قال السيد المرتضى في كتابه تنزيه الأنبياء : (فأما معاوية فإنه مع شدة عداوته وبغضه لأهل البيت عليهم السلام كان ذا دهاء ونكراء حزم وكان يعلم أن قتلهم علانية يوجب رجوع الناس عنه وذهاب ملكه وخروج الناس عليه فكان يداريهم ظاهرا على أي حال ولذا صالحه الحسن رضي الله عنه ولم يتعرض له الحسين ولذلك كان يوصي ولده اللعين بعدم التعرض للحسين رضي الله عنه لأنه كان يعلم أن ذلك يصير سببا لذهاب دولته.)

[6] - نقل المجلسي عن كامل الزيارات بسنده: (عن محمد بن علي رضي الله عنه قال لما هم الحسين بالشخوص إلى المدينة أقبلت نساء بني عبد المطلب فاجتمعن للنياحة حتى مشى فيهن الحسين رضي الله عنه فقال أنشدكن الله أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله قالت له نساء بني عبد المطلب فلمن نستبقي النياحة والبكاء فهو عندنا كيوم مات رسول الله r وعلي وفاطمة ورقية وزينب وأم كلثوم فننشدك الله جعلنا الله فداك من الموت فيا حبيب الأبرار من أهل القبور).

[7] - هذا الفعل من عبدالله بن عمر مع الحسين بن علي يدل على العلاقة الطيبة والحميمة بينهما، علماً أن خروج الحسين قد وقع بعد خلافة علي بأكثر من عشرين سنة.

[8] - لم يكن في قتلة الحسين شامي واحد بإعتراف أرباب التاريخ وأهل السير.

[9] - ما بين القوسين إضافة من عندي كعناوين للمضمون

[10] - قال المؤرخون: وكان الوليد يحب العافية. والحقيقة أنه كان متورعا عن أن ينال الحسين رضي الله عنه منه سوء لمعرفته بمكانته لا مجرد حب العافية ( نقلا عن حياة الأئمة في CD نور2).      

[11] - قلت هنا أمران :
     أما الأول : فخروج الحسين رضي الله عنه إلى مكة لم يكن لإحداث ثورة ضد يزيد في بادئ الأمر، وإنما للخلاص من بيعة يزيد مكرها.
     وأما ثانيا: فهو لم يخرج إلى الكوفة إلاّ بعد أن كتبوا إليه، رغم تحذير الأصحاب له من مكائد وخيانة أهل الكوفة. وهذا يدل دلالة قاطعة أنه لم يخرج على يزيد بإعتبار أنه كان يرى نفسه إماماً منصوصاً عليه من الله أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وإنما خرج لفسق يزيد، أو لأنه كان يرى أن يزيد لا يصلح لقيادة الأمة. ثم إنه صرح في أكثر من مناسبة أنه خرج طلباً للإصلاح في أمة جده r.

[12] - قال إبن الأثير في أسد الغابة - (ج 1 / ص 476): ( وكان فيمن كتب إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما بعد موت معاوية، يسأله القدوم إلى الكوفة، فلما قدمها ترك القتال معه، فلما قتل الحسين ندم هو والمسيب بن نجبة الفزاري، وجميع من خذله ولم يقاتل معه، وقالوا: ما لنا توبة إلا أن نطلب بدمه، فخرجوا من الكوفة مستهل ربيع الآخر من سنة خمس وستين، وولوا أمرهم سليمان بن صرد، وسموه أمير التوابين، وساروا إلى عبيد الله بن زياد، وكان قد سار من الشام في جيش كبير، يريد العراق، فالتقوا بعين الوردة، من أرض الجزيرة، وهي رأس عين، فقتل سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وكثير ممن معهما، وحمل رأس سليمان والمسيب إلى مروان بن الحكم بالشام، وكان عمر سليمان حين قتل ثلاثاً وتسعين سنة).

[13] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 337

[14] -  بحار الأنوار ج : 44 ص : 341

[15] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 342

[16] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 343

[17] - قلت: أما أولاً : فهذه هي أخلاق أهل بيت النبوة، فهل المسلمون اليوم كذلك ؟!
وأما ثانياً: فالملاحظ على مسلم بن عقيل أنه لم يقل حدثني الإمام المعصوم بأن النبي قال كذا، وإنما قال: حدثنيه الناس وهذه دلالة على أن علم هذا الدين لم يكن حكراً على الأئمة الإثني عشر، كما هو معمول الآن عند الشيعة.

[18] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 345

[19] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 346

[20] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 347

[21] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 348

[22] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 349

[23] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 350

[24] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 351

[25] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 352

[26] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 353

[27] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 354

[28] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 355

[29] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 356

[30] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 357

[31] - قلت : أنظر رحمك الله كيف أن مسلم بن عقيل رحمه الله ألقى اللوم في مقتله على أهل الكوفة الذين أغروهم وخذلوهم.

[32] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 364

[33] - قلت: وهذا هو الذي خافه الصحابة الذين نصحوا الحسين بعدم الخروج إلى الكوفة. فتأمل.

[34] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 370

[35] - إذا كان خذلان الحسين ينجبر بالبكاء فحق على أهل الكوفة أن يبكوا دماً ماداموا على قيد الحياة، فبكاؤهم للحسين ليس لأنه قُتل؛ وإنما لأنهم خانوا العهد وأخلفوا الوعد، وأسلموه إلى أعدائه بعد أن إستقدموه لينصروه، فتباًّ لهم وترحاً.

[36] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 375

[37] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 376

[38] - إذن فهو عليه السلام لم يخرج طلباً للخلافة الإلهية التي توارثها من أبيه وأخيه ـ كما تزعم الشيعة اليوم، بل خرج ملبياً لطلب أهل الكوفة من خلال رسائلهم الكثيرة التي بعثوا بها إليه، ولولا تلك الرسائل لما خرج الحسين طلباً للخلافة لعدم وجود الناصرين له.

[39] - قلت: صلاتهم معاً دلالة على عدم وجود فرق عقائدي بين الطرفين يمنع من إجتماعهم في الصلاة وإن كانوا متقاتلين مع بعضهم.

[40] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 377

[41] - وهذا يعني أن الحسين رضي الله عنه ما كان يجمع بين صلاتي الظهر والعصر ـ كما تفعله شيعة زماننا ـ مع أنه في سفر ويجوز له الجمع، فلماذا لا يقتدون بالحسين. وهل الحب إلاّ في الإقتداء والإتباع؟

[42] - نعم هو أولى من يزيد بن معاوية بهذا الأمر، ولكن ليس أولى من أبي بكر وعمر. وهو عليه السلام لم يذكر أنه أولى بالخلافة لوجود النص عليه.

[43] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 378. وهذا يعني أن يزيد لم يأمر عبيدالله بن زياد بقتل الحسين بداية؛ وإنما أن يستقدمه إليه ، أو يحول دونه ودون دخول الكوفة.

[44] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 380

[45] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 381

[46] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 384

[47] -  والله إن جريمة هؤلاء أكبر عند الله من جرم يزيد بن معاوية وسعد بن عمر، لأنهم هم كتبوا إلى الحسين أن أخرج إلينا، ثم لم يكتفوا بأن يعتزلوا القتال، بل خرجوا لقتاله رضي الله عنه ، فحق لهم أن يبكوا إلى يوم القيامة ؛ وما البكاء بمذهب لعار فعلتهم.

[48] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 385

[49] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 389

[50] - هذا كذب وادعاء من إبن زياد، لأن الحسين لم يشارك في قتل عثمان؛ بل جاءت الروايات الصحيحة فيه أنه والحسن رضي الله عنهما كانا من المدافعين عنه وكانا يحرسانه في باب داره، إلاّ أن الذين قتلوه تسوروا عليه الحائط.

[51] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 390

[52] - قال الزركلي في الأعلام - (ج 3 / ص 175): ( شمر بن ذي الجوشن (واسمه شرحبيل) ابن قرط الضبابي الكلابي، أبو السابغة: من كبار قتلة الحسين الشهيد (رضي الله عنه) كان في أول أمره من ذوي الرياسة في (هوازن) موصوفا بالشجاعة، وشهد يوم (صفين) مع علي. ثم أقام في الكوفة، يروى الحديث، إلى أن كانت الفاجعة بمقتل الحسين، فكان من قتلته).
 قلت: لعنك الله ياشمر ولعنتك الملائكة والناس أجمعين على قولتك القبيحة هذه التي مازالت الأمة الإسلامية تعاني من آثارها السلبية بحيث إستغلت قوى الشر والظلام هذه الفاجعة فشقت وحدة الأمة وأوهنت قوتها وفرقت كلمتها رغم مرور مئات السنين عليها.

[53] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 391

[54] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 392

[55] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 393

[56] - بحار الأنوار ج : 44 ص : 394

[57] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 2

[58] - قلت : ليس من شأن  أهل البيت ـ رجالهم ونساؤهم ـ الجزع، بل الصبر والتوكل على الله؛ والدليل قوله عليه السلام: (لا يذهبن حلمك الشيطان) وأقسم عليها: (لها يا أختاه إني أقسمت عليك فأبري قسمي لا تشقي علي جيبا ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور إذا أنا هلكت ) ولكن الظالمين يفترون.

[59] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 3

[60] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 5

[61] - قلت: فلينظر القارئ اللبيب هذا الكلام الذي لا يخفى على العاقل أن فاجعة أهل البيت كان سببه غدر أهل الكوفة ونقضهم العهد الذي أعطوه للحسين عليه السلام.

[62] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 11

[63] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 12ـ قلت: وهذا الحر أيضاً يرى أن ما أصاب أهل البيت من الفاجعة سببه أهل الكوفة، ولذلك فهو يخاطبهم ويلومهم لأنه على معرفة تامة أن هذا الجيش الذي يقاتل الحسين ليس فيهم شامي ولا بصري ولا مصري.

[64] - قلت: أين مكان عقيدة الإمامة التي مَنْ لم يؤمن بها فهو كافر في قصة الحر بن يزيد الذي خرج لمنع الحسين من دخول الكوفة في بداية أمره، ثم أنه لما رأى أن جيش إبن زياد ـ وهم قاطبة من أهل الكوفة ـ ليس في قلوبهم رحمة ورأفة تجاه الحسين وأهل بيته؛ وأنهم قاتلوه لا محالة، خرج من جيش إبن زياد وإلتحق بجيش الحسين وقتل شهيدا ودعا له الحسين عليه السلام  بالجنة. فهل لعاقل يقول: أنه في تلك الساعة عرف أن الحسين منصوب من قبل الله تعالى ورسوله r فآمن بهذه العقيدة! وإلاّ فدفاعه عن الحسين وقتاله بين يديه لا ينفعه بشيء ما دام كان ناكراً لخلافة إثني عشر إماماًـ كما تقول الشيعة اليوم.

[65] - قلت : وهذا المسعودي المؤرخ الشيعي يعترف بأن الجيش الذي شارك في قتل الحسين وأهل بيته كانوا كلهم من أهل الكوفة وليس فيهم شامي واحد.

[66] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 62

[67] - لما خرج المختار طالباً بثأر الحسين t قتل عبيدالله بن زياد وأرسل برأسه إلى مصعب بن الزبير، وذكر اليافعي في مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان - (ج 1 / ص 105) عن القاضي عبدالملك بن عمير أنه قال: ( كنت عند عبد الملك بن مروان بقصر الكوفة حين جيء برأس مصعب بن الزبير فوضع بين يديه، فرأني قد ارتعت لذلك، فقال لي: ما لك؟ فقلت:أعيذك بالله يا أمير المؤمنين، كنت بهذا القصر مع عبيدالله بن زياد، فرأيت رأس الحسين بن علي أبي طالب بين يديه في هذا المكان، ثم كنت فيه مع المختار بن أبي عبيد الثقفي، فرأيت رأس عبيدالله بن زياد بين يديه، ثم كنت فيه مع مصعب بن الزبير هذا، فرأيت رأس المختار فيه بين يديه، ثم هذا رأس مصعب بين يديك، قال: فقام عبد الملك من موضعه، وأمر بهدم ذلك الطاق).

[68] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 130

[69] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 131

[70] - قال الحافظ الذهبي: روي عن أبي عبيدة، أن يونس بن حبيب حدثه قال: لما قتل الحسين وبنو أبيه، وبعث ابن زياد برءوسهم إلى يزيد، سر بقتلهم أولاً، ثم ندم ثانياً، فكان يقول: وما علي لو احتملت الأذى، وأنزلت الحسين مني، وحكمته فيما يريد، وإن كان في ذلك وهن في سلطاني؛ حفظاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورعاية لحقه وقرابته، لعن اللّه ابن مرجانة - يريد عبيد اللّه بن زياد - فإنه أخرجه واضطره، وقد كان سأله أن يخلي سبيله ويرجع من حيث أقبل، أو يأْتيني فيضع يده في يدي أو يلحق بثغر من الثغور، فأبى ذلك، ورده عليه، فأبغضني بقتله المسلمون.) ( سمط النجوم العوالي والتوالي) 

[71] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 143

[72] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 146

[73] - تنزيه الأنبياء: ص 227ـ 231

[74] - من وحي عاشوراء

[75] - قلت: وهذا هو الذي خافه الصحابة الذين نصحوا الحسين بعدم الخروج إلى الكوفة. فتأمل.

[76] - إذا كان خذلان الحسين ينجبر بالبكاء فحق على أهل الكوفة أن يبكوا دماً ماداموا على قيد الحياة، فبكاؤهم للحسين ليس لأنه قُتل؛ وإنما لأنهم  خانوا العهد وأخلفوا الوعد، وأسلموه إلى أعدائه بعد أن إستقدموه لينصروه، فتباًّ لهم وترحاً.

[77] - مجموع مؤلفات الشيخ إحسان إلهي ظهير: (ج 6 / ص 39) 

[78] - من كتاب من قتل الحسين t لمؤلفه  عبدالله بن عبدالعزيز

[79] - بحار الأنوار ج : 45 ص : 112

[80] - من وحي عاشوراء

[81] - منهاج السنة النبوية

[82] - مقالات في التشيع/ آلام المسيح أم آلام الحسين

[83] - مبعوث جامعة الدول العربية لدى العراق الأستاذ المغربي (مختار لماني)

[84] - الموسوعة الشاملة لمقالات الدكتور طه الدليمي

[85] - الحكومة الإسلامية

[86] - نهضة عاشوراء. أقول ليس دفاعاً عن حكومة آل سعود، ولكن لله ثم للتاريخ: إن تهجم الخميني لآل سعود ليس لأنهم عملاء لأميركا؛ بل لأنهم هم الوحيدون الذين يحكمون بإسم أهل السنة والجماعة، وإلاّ فهذا النظام البعثي السوري أسوء منهم بكثير، ومع ذلك فإيران ترتبط معه بعلاقات حميمة. ثم إن تسميتهم لأميركا بالشيطان الأكبر ما هي إلاّ لخداع السدج من المسلمين. فإيران لها علاقات سرية قوية  مع أميركا، بل حتى مع إسرائيل.

[87] - يا لثأرات الحسين

[88] - من وحي عاشوراء 

([89]) مقاتل الطالبين ، ص232-236 ، أبو الفرج الأصفهاني. وهو شيعي شعوبي محترق.

[90] - التشيع عقدة أم عقيدة

[91] - من وحي عاشوراء 

[92] - من وحي عاشوراء  

[93] - يا لثأرات الحسين

[94] - نهضة عاشوراء

[95] - قال الشيخ محمد جواد مغنية في كتابه( الشيعة والتشيع): ( فإذا أردنا أن نعرف ما تدين وتعتقد به طائفة من الطوائف الدينية، ونتحدث عن عقيدتها فعلينا أن نسند الحديث إلى أقوالها بالذات، إلى كتب العقائد المعتبرة عندها، ولا يسوغ بحال الاعتماد على قول كاتب أو مؤلف بعيد عنها ديناً وعقيدة، لأن هذا البعيد قد يكون جاهلاً متطفلاً، فيحرف الواقع عن غير قصد، أو حاقداً متحاملاً، فيفتري بقصد التنكيل والتشهير، أو خائناً مستأجراً فيكذب ويدس بقصد التفرقة وإيقاظ الفتنة... بل لا يجوز الاعتماد على أقوال راوٍ أو كاتب من أبناء الطائفة نفسها إذا لم تجتمع كلمتها على الثقة بمعرفته وعلمه، فان الكثيرين ممن كتبوا عن طائفتهم وعقائدها قد تجافوا عن الواقع، وخبطوا خبط عشواء، ورفض الكبار من علماء الطائفة أقوالهم، وصرحوا بضعفها وعدم الاعتماد عليها.
وكذا لا يصح الاعتماد على العادات والتقاليد المتبعة عند العوام، لان الكثير منها لا يقره الدين الذي ينتمون إليه، حتى ولو أيدها وساندها شيوخ يتسمون بسمة الدين، وأوضح مثال على ذلك ما يفعله بعض عوام الشيعة في بعض مدن العراق، وإيران وفي بلدة النبطية في جنوب لبنان من لبس الأكفان، وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في اليوم العاشر من محرم. فان هذه البدعة المشينة حدثت في عصر متأخر من عصر الأئمة، وعصر كبار العلماء من الشيعة، وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون أن يأذن بها إِمام أو عالم كبير، وأيدها شيوخ السوء، لغاية الربح والتجارة... وسكت عنها من سكت خوف الإهانة والضرر أو فوات المنفعة والمصلحة، ولم يجرؤ على مجابهتها ومحاربتها احد في أيامنا إلا قليل من العلماء، وفي طليعتهم المرحوم السيد محسن الأمين العاملي الذي ألف رسالة خاصة في تحريمها وبدعتها، وأسمى الرسالة «التنزيه لأعمال الشبيه»، وقاومه من أجلها أهل الخداع والأطماع).

[96] - منهاج السنة النبوية

[97] - مجموع الفتاوى 4 / 487 - 488 .

[98] - مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان - (ج 1 / ص 62)

[99] - منهاج السنة النبوية

[100] - البداية والنهاية

[101] - فتاوى ومسائل ابن الصلاح 1/216-219.

[102] - رواه الترمذي وأحمد وأبو داود وأبن ماجة

[103] - رغم بحثي الكثير في كتب الشيعة عن موارد التقية؛ وهل هناك في كتبهم خبر صحيح عن الإمام المعصوم ما يميز بين ما قيل تقية وما ليس كذلك ومع تجويز التقيّة على الإمام فكيف السبيل إلى العلم بمذاهبه واعتقاده وكيف يتخلّص لنا ما يفتي به على سبيل التقيّة من غيره؛ فلم أجد سوى ما سطره علماؤهم من قواعد في معرفة التقية من غيرها وهي كلها غير مبررة ولا مقنعة وخالية من أي دليل شرعي أو عقلي منها:
مجرد مخالفة أهل السنة فإن في خلافهم الرشاد؛ فما هو جار العمل به عند أهل السنة ووردت أخبار في كتب الشيعة ما يؤيد ذلك فتحمل على أنها قد قيلت تقية، علما وردت في كتبهم روايات تأمرهم بالأخذ بجميع أقوال الإمام وإن كانت تقية منها:
ما في الكافي - (ج 1 / ص 44): ( عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ لَا يَسَعُ النَّاسَ حَتَّى يَسْأَلُوا وَيَتَفَقَّهُوا وَيَعْرِفُوا إِمَامَهُمْ وَيَسَعُهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا بِمَا يَقُولُ وَإِنْ كَانَ تَقِيَّةً).

[104] - وسائل‏ الشيعة ج : 10 ص : 458

[105] - أخرجه الترمذي وأحمد وإبن ماجة أنظر السلسلة الصحيحة - (ج 3 / ص 301)

[106] - رواه مسلم


عدد مرات القراءة:
6695
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :