_ إيران والبهلوية.
ايران والبهلوية
نزح رضا خان الى طهران وله ثماني عشرة سنة، وبقي في طهران بضع سنين وهويعمل في المطاعم والمقاهي للحصول على قوته حتى نصحه صديق له بالانضمام الى سلك الجندية.
وعندما قدم نفسه الى آمر المعسكر قبل على الفور لأن له طوله البالغ حوالي مترين كان خير شفيع له، فعين مشرفا على اسطبل المعسكر ومسؤولا عن الدواب فيه. وبعد عدة أشهر ترك عمله هذا ليلتحق بمعسكر لرستان كجندي عادي، وقد أبدى رضا خان استعدادا ونشاطا كبيرين في عمله فارتقى الى مرتبة عريف ورئيس العرفاء فيما بعد.
وهكذا بدأ رضا خان يرتقي سلم المناصب في الجيش واحدا بعد آخر حتى أصبح رئيسا لاحدى الثكنات العسكرية في طهران ثم رئيسا لمعسكر همدان"1".
وكانت لبريطانيا مصالح حيوية في ايران، وكانت تخشى من النظام الشيوعي الجديد في روسيا المجاورة لايران، وتعلم أن الملك أحمد شاه ضعيف ولا يستطيع مواجهة الأخطار المحدقة ببلاده. وانتدب الانكليز رضا خان لهذه المهمة، وجاء هذا الانتداب على مراحل، وتم ابعاد الملك أحمد شاه في عام 1921.
وفي عام 1925 نصب رضا خان نفسه ملكا، ولقب نفسه ب (بهلوي).
ايران في ربع قرن تأليف الدكتور موسى الموسري، ص172.
وفي عام 1926 ألغى رضا بهلوي الحجاب الشرعي، وكانت زوجته أول من كشفت عن رأسها في احتفال رسمي، ثم أمر الشرطة بمضايقة النساء اللواتي رفضن الاقتداء بملكتهن وخرجن محجبات، وما كانت امرأة تخرج من بيتها محجبة إلا وعادت إليه سافرة، فقد كانت الشرطة تستولي على عباءتها وتهين صاحبتها ما استطاعت الى الاهانة سبيلا، وعندما سئل الملك عن سبب ضغطه على النسوة مع أن عجلة التاريخ قد تضمن له تحقيق أهدافه اجاب:
((لقد نفذ صبري، الى متى أرى بلادي وقد ملئت بالغربان السود؟!)).
وفي عام 1927 ألغى رضا بهلوى أحكام الشريعة الاسلامية، ووضع قانونا مدنيا وآخر للعقوبات بنيا على الأساس الفرنسي.
وفي عام 1930 قلص مادة التعليم الديني في المدارس الحكومية ثم جعلها غير الزامية في المدارس الابتدائية والثانوية، وفرض اللغة الفارسية بدلا من اللغة العربية.
وكان رضا خان صديقا حميما لكمال أتاتورك، ويحرص دوما على تقليده واقتفاء خطاه، وتوجهت هذه الصداقة بزيارة قام بها رضا خان لأتاتورك عام 1934، ولهذا كان رضا بهلوى في حربه للاسلام صورة طبق الأصل عن أتاتورك.
وفي عام 1935 غير اسم الدولة فأصبحت (ايران) بعد أن كانت (فارس).
واستمر رضا بهلوى في تنفيذ سياسة الانكليز الرامية الى نشر الالحاد وحرب الاسلام
حتى أبعده أسياده الحلفاء عام 1941، واختاروا ابنه محمد رضا ملكا لايران.
وشاه ايران الجديد محمد رضا كان طالبا بمدرسة (روزه) قرب جنيف، وكان على صلة وثيقة مع عميل المخابرات البريطانية (مسيوبروان). وكان هذا هوأسلوب الانكليز في تربية الحكام واعدادهم.
وبعد انتهاء الشاه من دراسته الاعدادية عاد الى بلاده وقد اصطحب معه صديقه وأستاذه (بروان) وتتحدث زوجه ثريا في مذكراتها عن صلة الشاه بالمسيوبروان بعد أن أصبح ملكا فتقول:
((لم يحيرني ولم يدهشني في المدة التي قضيتها مع الشاه شيء أكثر من هذا الاتصال الوثيق الغامض بينه وبين مسيوبروان، لقد كان باستطاعتي أن أسأله عن أي شيء إلا عن شخصية بروان وعلاقاته به)).
وفي عام 1948 اعترف شاه ايران محمد رضا بهلوى باسرائيل، وأقام علاقات متينة معها، ولم تنقطع هذه العلاقات إلا في عهد (مصدق)، وعادت العلاقات الى سابق عهدها بعد رحيل وزارة مصدق، وعاد الشاه يخطب ود اسرائيل، ويقيم معها أوثق العلاقات. لقد قبل سفيرها (دوريل) في بلاطه، وفتح لها أوسع المجالات، ففي ايران جيش عرمرم من الخبراء اليهود يعملون في وزارة الزراعة وحدها أكثر من (200) مهندس زراعي، ولليهود شركات ومؤسسات واسعة الانتشار، وتشكل ثقلا اقتصاديا في العاصمة طهران.
وللبهائيين سلطان واسع في ايران، ومن أهم الشخصيات التي تنتمي لهذه الطائفة: الفريق ايادي طبيب الشاه الخاص، وعباس هويدا رئيس الوزراء السابق ولد في فلسطين من أب بهائي، وعباس آرام وزير الخارجية السابق، وكبار المسؤولين عن التلفزيون وعلى رأسهم (ثابت باسيال)، جمشيد اموزيجار رئيس الوزراء السابق، وزير الدفاع والصحة والماء.
وفي موسم الحج الى عكا البلد المقدسة عند البهائيين تنقل طائرات العال الاسرائيلية البهائيين من ايران وإليها. وتبدي الحكومة الايرانية تسهيلات كثيرة لهؤلاء البهائيين في كل المجالات وهم أحرار في أن يأخذوا معهم من الأموال ما يشاؤون"2".
جاء الانكليز بالشاه محمد رضا في الأربعينات، وفي الخمسينات تولى الأمريكان حمايته، فقدموا له السلاح والخبراء والجند، واعادوه الى الحكم بعد مغادرته ايران في عهد مصدق .. وبعد عودة محمد رضا أصبح أسيرا لوكالة المخابرات الأمريكية لا يعصي لها أمرا، وجعل الأمريكان من ايران مركزا لحماية مصالحهم في الجزيرة العربية.
وعندما قويت شوكة الشاه في ايران أخذ يتحدث عن أطماعه التوسعية في منطقة الخليج، وبعد انسحاب الانكليز من الخليج عام 1971 قام الشاه باحتلال الجزر العربية التالية:
(أبوموسى قرب الشارقة، وطنب الكبرى قرب رأس الخيمة، وطنب الصغرى التي تبعد 8 أميال عن طنب الكبرى).
ايران في ربع قرن ص 99.
وأعلن الشاه عن أهدافه صراحة فقال:
((ان ايران يجب أن تبني مستقبل خططها العسكرية على الخليج)).
وأضاف قائلا:
((نحن لا نرغب في أن تخرج قوات من الخليج الفارسي _ على زعمه _ لتحل محلها قوات أخرى ولا شك أن أمرا كهذا لن يحدث وسيكون ضمان حرية الملاحة في هذه المنطقة منوطا بنا، ونحن قادرون على انجاز التزاماتنا)) "3".
وفي الاطارين الديني والقومي عمل الشاه على احياء أمجاد الفرس، وكان يردد بكل مناسبة أن يكون شعبه ايرانيا قبل كل شيء. وكان يري أن مبادىء الدين المجوسي كافية لاسعاد البشرية وليست بأقل من المبادىء التي جاء بها الاسلام.
قال الدكتور موسى الموسرى:
وان من يزور الشاه في مكتبه الخاص لا بد وأن يرى تلك اللوحة الذهبية التي كتب عليها العبارات الثلاث _ أي مبادىء زرادشت المعروفة _: (الفكر الحسن، والعمل الحسن، والقول الحسن)، وقد وضعت على جانب من مكتبه ليسعد بقراءتها في كل صباح "4"
الأهمية الإستراتيجية للخليج العربي للدكتور الفيل صفحات: 46 _ 102.
ايران في ربع قرن: ص 204.
وحاول الشاه محمد رضا بعث عادات وتقاليد وأعراف الساسانيين من جديد، وفي الوقت نفسه حارب واضطهد الأقليات غير الفارسية في ايران كالعرب، والأكراد، والتركمان، والبلوش.
وأخيرا فالبلاط الشاهنشاهي يضج بمختلف أنواع الفساد والعبث:
فشقيقه الشاه الكبرى (شمس) ارتدت الى النصرانية على يد بولس الثاني عام 1955، وبنت كنيسة في قصرها، وتعتز بحمل الصليب ونشر النصرانية بين الناس.
والأميرة (خيرية) تزوجت من عازف كان يعمل في ملاهي طهران ثم ترك العزف بعد زواجه من الأميرة وصار وزيرا للفن.
والشقيقة التوأمة للشاه (أشرف) تدير أضخم مؤسسة لتهريب المخدرات في العالم، وتقيم في قصرها أسوأ الحفلات الساهرة، وقد وصفت زوجة الشاه السابقة (ثريا) هذه الحفلات فقالت:
(عندما تبلغ الحفلة ذروتها في الساعة الأولى من الصباح. فحينئذ تطفأ الأنوار .. وبين حين وحين يسمع الحاضرون كلابا تنبح بأصوات مسجلة وسرعان ما تكشف الحقيقة أن الشاه هوالذي كان يقلد أصوات الكلاب "5").
ولم يقتصر الفساد على البلاط الشاهنشاهى بل راجت المخدرات بين عامة الشباب
ايران في ربع قرن ص 192.
في ايران، وعم الانحلال، وتفشى الالحاد، وسيجد القارىء تفصيل ذلك في موضع آخر من هذا الكتاب "6".
وبعد
ها قد عرضنا موجزا لتاريخ ايران، وبينا موقف المجوس الفرس من الاسلام منذ بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا، وأثبتنا بالأدلة القطعية أن الفرس المجوس لم يتخلوا عن الكيد لهذا الدين يوما واحدا.
ونحن في هذا الموجز لم نأت على ذكر جميع الحركات الباطنية المجوسية، ولوفعلنا ذلك لكنا بحاجة الى تأليف عدد من الأسفار.
مثلا: نحن لم نتحدث عن التصوف وصلته بالتشيع، ولا عن دور رائد هذه الحركة المجوسي الملحد _ الحلاج _.
ولم نؤرخ حركة الحشاشين وتاريخ زعيمها المجوسي الفارسي (الحسن بن الصباح) وما لعبته وتلعبه اليوم في تاريخ سورية والهند وأفريقيا وايران وأوروبا، واذا كان الشيء بالشيء يذكر فإن عقيدة (البهرة) لا تختلف عن عقيدة الحشاشين.
وقد قفزنا عن تاريخ الموحدين والحمدانيين والأغالبة والأدارسة، وعن حركات مجوسية باطنية كثيرة .. قفزنا عن الحديث عن هذه الفرق والأقوام من الباطنيين
عند حديثنا عن تاريخ الأسرة البهلوية اعتمدنا على كتاب (الصراع بين الفكرة الاسلامية والفكرة الغربية) للندوى ص 138 نقلا عن كتاب (الشرق الأوسط في القضايا العالمية)، واعتمدنا كذلك على كتاب (تاريخ الشعوب الاسلامية) لبروكلمان ص796.
لأننا ما أردنا تقديم دراسة تاريخية مفصلة، وانما قصدنا تقديم موجز يشمل جميع مراحل التاريخ، وما أغفلنا ذكره لا يختلف من حيث الاعتقاد عما ذكرناه.
وبناء على هذه الدراسة التاريخية نستطيع أن نقول: ان جوهر الحركات الباطنية المجوسية واحد على مدار التاريخ.
فحركة (مزدا وزردشت والمانوية والمزدكية) لا تختلف في أصولها العامة عن (الكيسانية، والرواندية، والبرمكية، والزنادقة)، وهذه لا تختلف عن (البويهيين، والعبيديين، والقرامطة)، وهؤلاء لا يختلفون عن (الصفويين، والدروز، والنصيريين، والحشاشين، والبهائيين).
وهذه الحركات والفرق تأثرت باليهود والنصارى والبوذيين"7"، ومن هنا ندرك أسرار المؤامرات التي يتعاون في تخطيطها وتنفيذها: دول الغرب الصليبية، واليهود، والشيوعيون، وسائر الفرق الباطنية.
ومن هذا العرض التاريخي نعلم أن رفع الشيعة لشعار آل البيت وعصمة الأئمة هوفي أصله معتقد مجوسي، وجميع الحركات الباطنية كانت تعتقد بعائلة دينية مقدسة.
ولم نعد نستغرب بعد هذا العرض لماذا يلجأ الباطنيون _ اليوم _ الى استخدام أساليب العنف والبطش، ولماذا يصفون خصومهم عن طريق الاغتيالات، ويكبتون حريات المواطنين؟!.