مع استعداد الإيرانيين للذكرى الرابعة والثلاثين لصعود آية الله الخميني إلى السلطة، بات نمط جديد من الجلد المعنوي للذات هو الاتجاه الشائع في الأوساط الثورية.
ويتجلى هذا في المقالات والقصائد والخطب والمقابلات التي يتم تناقلها في وسائل الإعلام والمدونات. ويتزعم اتجاه جلد الذات مثقفون إسلاميون ويساريون لعبوا دورا في «الثورة الإسلامية». يشير ثائر تخالجه مشاعر الندم إلى أنه لو لم تخُض إيران تجربة الثورة لصارت الآن قوة اقتصادية رئيسية تنعم بمستويات معيشة مرتفعة وحريات اجتماعية وثقافية واسعة النطاق. أما ثائر نادم آخر، وهو شاعر، فقد نظم قصيدة يرثي فيها قيام الجمهورية الإسلامية، ناعتا ذلك بـ«الكارثة القومية». قد يتفق المواطن العادي مع هذا الرأي، ففي المقام الأول تقدم قيادة طهران مشهدا محبطا. في الشهر الماضي، حذر «المرشد الأعلى» علي خامنئي نبلاء النظام من أنهم إذا ما أشعلوا توترا بمهاجمة بعضهم بعضا، لاعتبرهم خونة. غير أن هذا تحديدا ما فعله الرئيس أحمدي نجاد ورئيس مجلس الشورى، علي لاريجاني، الأسبوع الماضي أثناء جلسة علنية لمجلس الشورى الإسلامي، الذي يعد بديل البرلمان في إيران. قام أحمدي نجاد بتشغيل الشريط الذي تم تسجيله سرا لاجتماع وعد خلاله أحد إخوة لاريجاني رجل أعمال بأن يأتي له بعقود حكومية مقابل رشوة قيمتها 20 مليون دولار (ومنذ ذلك الحين، تم عرض فيديو مسجل سرا لواقعة الرشوة على موقع «يوتيوب»، وهو العمل الذي يفترض أنه قد تم من قبل أحمدي نجاد). وانتقم لاريجاني بالإطاحة بأحمدي نجاد من المجلس. وجاء انتقام صادق، الأخ الأكبر للاريجاني، الذي يرأس النظام القضائي، ممثلا في اعتقال سعيد مرتضوي، وهو شخصية ظل مقربة من أحمدي نجاد، بتهم غير محددة (تم إطلاق سراحه بعد 48 ساعة). وذهب علي مطهري، صهر لاريجاني وعضو مجلس الشورى الإسلامي، إلى أبعد من ذلك وأشار إلى أحمدي نجاد بوصف «الخائن». وسارت صحيفة «كيهان» اليومية، التي تنقل آراء «المرشد الأعلى»، على النهج نفسه باتهام أحمدي نجاد بـ«الخيانة العظمى». ونظرا لأن سلفي أحمدي نجاد، رافسنجاني وخاتمي، كانا قد اتهما بالخيانة العظمى أيضا، فإن هذا يعني أنه على مدى ربع قرن سيطر على مقاليد الحكم في الجمهورية الإسلامية زمرة من الخونة. يسير صراع السلطة في طهران على نمط عصابات المافيا، من خلال قيام الرئيس بتسجيل شرائط لمعارضيه من دون إحالة جرائمهم للسلطات القضائية. وعلى غرار أسلوب عصابات المافيا أيضا، يقوم معارضو الرئيس باختطاف، وفي بعض الأحيان اغتيال، الأشخاص المقربين منه كوسيلة لضمان انسحابه أو التزامه الصمت. ويزعم أحمدي نجاد أن أسرة لاريجاني تعمل كتشكيل إجرامي، موظفة بعض أجهزة الدولة. وجاء رد فعل أسرة لاريجاني في صورة اتهام لأحمدي نجاد بإدارة تنظيم سري متورط في «سرقة» الخزانة الوطنية. ومن المؤكد أنه من الصعب التحقق من صحة مزاعم كلا الجانبين. وعلى الرغم من ذلك فإن هناك أمرا مؤكدا، ألا وهو أنه بينما دخلت الفصائل المتناحرة في صراع محموم على السلطة، تبدو الدولة على نحو متزايد أشبه بسفينة بلا ربان تسير في بحر هائج. وبوضع جميع الحقائق المذكورة في الاعتبار، نجد أنه ليست القضية الجوهرية هي تحديد ما إذا كان يجب أن يضطلع بمسؤولية إدارة الجمهورية الإسلامية «التشكيل الإجرامي» لأسرة لاريجاني أم «دائرة الخيانة» التي يتزعمها أحمدي. القضية المحورية هي ما إذا كان بمقدور الجمهورية الإسلامية، التي تعتبر عملاقا هجينا أنشأه ملا شبه أمي، أن تعكس آمال وطموحات إيران في القرن الحادي والعشرين على الوجه الأمثل. لن تفاجئك معرفة أن إجابتي هي «النفي» القاطع. أثق بقوة في أن الثورة الخمينية كانت خطأ كارثيا. وعلى الرغم من ذلك فإنه في ظل كونها حقيقة واقعة الآن تعتبر جزءا من التاريخ، ومن ثم فإن موجة جلد الذات الحالية لن تجدي نفعا. قد يجعل الندم الثوار يشعرون بالارتياح تماما كما يشعر الآثمون بالتطهر حينما يعترفون بذنوبهم. ومع ذلك فإن هذا لن يخاطب المبادرات السياسية الإيرانية الحالية والمستقبلية. بعد ثلاثة عقود من الاحتكاك المباشر بالنظام الخميني، توصل الإيرانيون إلى حكم مؤكد عليه. وعلى الرغم من ذلك فإن الحكم النهائي سيصدره التاريخ. ما يهم الآن هو الوضع الحالي للأمة، في ظل قيادة مزقتها مشاحنات على نمط حرب المافيا وكيان سياسي معد للدفع بالدولة إلى طريق مسدود. يبدو الاقتصاد في وضع حرج، كما أن قيمة العملة الوطنية آخذة في التراجع. يغادر كثيرون، من بينهم مسؤولون كبار سابقون، الدولة حاملين معهم حقائب سفر مليئة بالعملات الأجنبية. ويوميا يفقد أكثر من 1000 شخص وظيفته. في الوقت نفسه يتم استغلال أشخاص لا ناقة لهم ولا جمل في إدارة انتخابات رئاسية أخرى مزعومة. إن سياسة خارجية متقلبة تزج بالدولة إلى نزاعات وربما إلى حرب. يتم تبديد الموارد التي يحتاج إليها الوطن أمسّ الحاجة على دعم الطاغية السوري المحكوم عليه بالسقوط وتجنيد مغامرين أمثال حسن نصر الله في لبنان ونظرائه من الجهاديين الإسلاميين في غزة. إن السؤال المثير للاهتمام ليس هو ما إذا كان القيام بثورة بمثابة خطأ، على غرار ثورات أخرى في التاريخ، حدثت ثورة إيران في عام 1979 نظرا لأنه لم يكن بمقدور نظام الشاه توفير آلية فعالة للإصلاح لتفعيل التغييرات الضرورية. على نحو صائب أو خاطئ، وفي رأيي خاطئ، شعر كثير من الإيرانيين بأنهم مثل رجل يقف في شرفة بمبنى تشتعل فيه النيران ويلقي بنفسه منها بدافع اليأس، ربما ليلقى موتا محققا، فرارا من ألسنة اللهب. إنما يتمثل السؤال المثير للاهتمام في ما إذا كان النظام الخميني قد دفع بنفسه إلى دائرة مغلقة أيضا أم لا. إن رفضه التام قبول أي معارضة، بما فيها المعارضة الموالية من قبل أشخاص على شاكلة موسوي وكروبي، وعجزه عن وضع استراتيجية قومية موثوق فيها، مع تماديه في العجرفة، عوامل من شأنها أن تضخم من حجم التبعات الكارثية لفقدانه الأهلية. اليوم، يتمثل السؤال الذي ينبغي أن يفكر فيه الثوار النادمون وآخرون في قدرة إيران على الخروج من عنق الزجاجة الحالي من دون تغيير آخر في النظام من عدمها.
أمير طاهري كاتب وصحافي ومحلل سياسي ايراني
الجمعة 8 فبراير 2013
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video