الأدلة عند الشيعة ومصادر التشريع
اعلم أن الأدلة عندهم أربعة: كتاب، وخبر، وإجماع، وعقل.
أما (الكتاب) فهوالقرآن المنزل الذي لم يبق حقيقاً بأن يستدل به بزعمهم الفاسد، لأنه لا اعتماد على كونه قرآناً إلا إذا أُخذ بواسطة الإمام المعصوم، وليس القرآن المأخوذ من الأئمة موجوداً في أيديهم، والقرآن المعروف غير معتدّ به عند أئمتهم بزعمهم (1)
__________
(1) تزعم الشيعة أن علياً رضي الله عنه بعدما فرغ من جمع القرآن عرضه على الصحابة رضي الله عنهم جميعاً فرفضوا هذا الجمع، لأن فيه (على حد زعم الشيعة) فضائح المهاجرين والأنصار، وإنهم بعد ذلك طلبوا من علي رضي الله عنه أن يأتيهم بالقرآن فأبى خشية أن تمتد أيديهم إليه بالتحريف وأخبرهم أن القرآن سوف يخرجه كاملاً خرافة السرداب ليقرأه الشيعة كما أنزل، وفي ذلك يقول الطبرسي في كتاب "الاحتجاج" 1/ 225 - 228: لما توفي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار، وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلما فتحه أبوبكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر وقال: يا علي اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه عليه السلام وانصرف، ثم أحضروا زيد بن ثابت - وكان قارياً للقرآن - فقال له عمر: إن علياً جاء بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد رأينا أن نؤلف القرآن ونُسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار، فأجابه زيد إلى ذك. ثم قال: فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما عملتم؟ قال عمر: فما الحيلة؟ قال زيد: أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر: ما حيلته دون أن نقتله ونستريح منه، فدبّر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك، وقد مضى شرح ذلك.
فلما استخلف عمر سأل علياً عليه السلام أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال عليه السلام: هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أوتقولوا ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسّه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي. قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم؟. فقال عليه السلام: نعم، إذا قام القائم من ولدي، يُظهره ويحمل الناس عليه، فتجري ألسنة به صلوات الله عليه.
وقد ذكر هذه الرواية: الفيض الكاشاني في المقدمة السادسة من تفسيره الصافي 1/ 43 - 44، المجلسي في بحار الأنوار 8/ 463 و92/ 42، محمد باقر الأبطحي في جامع الأخبار والآثار 1/ 44 - 45، الأصفهاني في مكيال المكارم 1/ 59 - 60، الحويزي في تفسيره نور الثقلين 5/ 226، العاملي في مرآة الأنوار ومشكاة الأسرار 38، البحراني في الدرر النجفية 298، حبيب الله الخوئي في منهاج البراعة 2/ 208، عدنان البحراني في مشارق الشموس الدرية 138 وغيرهم من علماء الشيعة.
وأنه لا يليق بالاستدلال به لوجهين: الأول: لما روي جماعة من الإمامية عن أئمتهم أن القرآن المنزل وقع فيه تحريف في كلماته عن مواضعها، بل أسقط منه بعض السور (1) وترتيبه هذا أيضاً غير معتدّ لكونه متغيراً عن أصله، وما هوموجود الآن في أيدي المؤمنين هومصحف عثمان الذي كتبه (2)
__________
(1) مثل سورة الولاية.
(2) إن مسألة جمع القرآن من قبل عثمان رضي الله عنه من المآثر والمناقب التي يجب أن تُكتب بمداد من الذهب في سجل تاريخ هذا الصحابي رضي الله عنه، ولكنها في نظر أحفاد ابن سبأ مثلبة يتفوه بها ويسطرها الحاقدون في ثنايا بحثهم عن حياة عثمان رضي الله عنه ويروجون لها ويجعلونها من المطاعن.
وأما الباعث على إقدام عثمان رضي الله عنه على جمع القرآن، فيروي البخاري (الفتح 9/ 11): أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالمصحف لنسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرّهط من القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا. حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر سواه من القرآن في كل صحيفة أومصحف أن يُحرق.
وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق (عثمان بن عفان رضي الله عنه ص234 وما بعدها) رواية أخرى: عن محمد وطلحة قالا: وصرف حذيفة من غزوالرّي إلى غزوالباب مدداً لعبد الرحمن بن ربيعة، وخرج معه سعيد بن العاص فبلغ معه أذربيجان - وكذلك كانوا يصنعون يجعلون للناس ردءاً (العون والناصر) - فأقام حتى قفل حذيفة ثم رجعا، فقال له حذيفة: إني سمعت في سفرتي هذه أما لئن ترك الناس ليضلن القرآن ثم لا يقومون عليه أبداً. قال: وما ذاك؟ قال: رأيت أمداد أهل الشام حين قدموا علينا، فرأيت أناساً من أهل حمص يزعمون لأناس من أهل الكوفة أنهم أصوب قراءة منهم، وأن المقداد أخذها من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويقول الكوفيون مثل ذلك. ورأيت من أهل دمشق قوماً يقولون لهؤلاء: نحن أصوب منكم قراءة، وقرآنا، ويقول هؤلاء لهم مثل ذلك.
فلما رجع الكوفة دخل المسجد فتقوّض إليه الناس فحذّرهم ما سمع في غزاته تلك، وحذّرهم ما يخاف، فساعده على ذلك أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن أخذ عنهم وعامة التابعين.
وقال له أقوام ممن قرأ على عبد الله (ابن مسعود): وما تنكر؟ ألسنا نقرأ على قراءة ابن أم عبد، وأهل البصرة يقرؤون على قراءة أبي موسى ويسمونها لباب الفؤاد، وأهل حمص يقرؤون على قراءة المقداد وسالم؟.
فغضب حذيفة من ذلك وأصحابه وأولئك التابعون، وقالوا: إنما أنتم أعراب، وإنما بعث عبد الله إليكم ولم يبعث إلى من هوأعلم منه، فاسكتوا فإنكم على خطأ.
وقال حذيفة: والله لئن عشت حتى آتي أمير المؤمنين لأشكون إليه ذلك، ولأمرنه ولأشيرن عليه أن يحول بينهم وبني ذلك حتى ترجعوا إلى جماعة المسلمين والذي عليه أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة. وقال الناس مثل ذلك.
فقال عبد الله: والله إذاً ليصلينّ الله وجهك نار جهنم.
فقال سعيد بن العاص: أعلى الله تألّى (أي تحلف وتحكم) والصواب مع صاحبك.
فغضب سعيد فقام، وغضب ابن مسعود فقام، وغضب القوم فتفرقوا، وغضب حذيفة فرحل إلى عثمان حتى قدم عليه فأخبره بالذي حدث في نفسه من تكذيب بعضهم بعضاً بما يقرأ، ويقول أنا النذير العريان (مثل يُضرب في التحذير من خطر محدق بدلائل واضحة مكشوفة) فأدركوا.
فجمع عثمان الصحابة وأقام حذيفة فيهم بالذي رأى وسمع، وبالذي عليه حال الناس، فأعظموا ذلك ورأوا جميعاً مثل الذي رأى. وأبوا أن يتركوا ويمضي هذا القرن لا يعرب القرآن.
فسأل عثمان: ما لباب الفؤاد؟
فقيل: مصحف كتبه أبوموسى - وكان قرأ على رجال كثير ممن لم يكن جمع على النبي صلّى الله عليه وسلّم -.
وسأل عن مصحف ابن مسعود، فقيل له: قرأ على مجمع بن جارية. وخباب بن الأرت جمع القرآن بالكوفة فكتب مصحفاً.
وسأل عن المقداد، فقيل له: جمع القرآن بالشام، فلم يكونوا قرؤوا على النبي صلّى الله عليه وسلّم، إنما جمعوا القرآن في أمصارهم.
فاكتتبت المصاحف وهوفي المدينة - وفيها الذين قرؤوا القرآن على النبي صلّى الله عليه وسلّم - وبثّها في الأمصار، وأمر الناس أن يعمدوا إليها، وأن يدعوا ما تعلم في الأمصار، فكل الناس عرف فضل ذلك، أجمعوا عليه وتركوا ما سواه، إلا ما كان من أهل الكوفة فإن قرّاء قراءة عبد الله نزوا في ذلك حتى كادوا يتفضلون على أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، وعابوا الناس، فقام فيهم ابن مسعود فقال: ولا كل هذا، إنكم والله قد سبقتم سبقاً بيننا، فأربعوا على ظلعكم (أي أرفقوا على أنفسكم فيما تحاولونه).
ولما قدم المصحف الذي بعث به عثمان على سعيد واجتمع عليه الناس، وفرح به أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، بعث سعيد إلى ابن مسعود يأمره أن يدفع إليه مصحفه، فقال: هذا مصحفي، تستطيع أن تأخذ ما في قلبي؟
فقال له سعيد: يا عبد الله، والله ما أنا عليك بمسيطر، إن شئت تابعت أهل دار الهجرة وجماعة المسلمين، وإن شئت فارقتهم. وأنت أعلم. انتهى
ولقد عزّ على ابن مسعود رضي الله عنه أن لا يكون ضمن اللجنة التي كلفها عثمان رضي الله عنه، ولعثمان رضي الله عنه من الأعذار الشيء الكثير، ويقول الأستاذ الفاضل عبد الستار الشيخ في كتابه القيّم "عبد الله بن مسعود" ص122 وما بعدها: ولعثمان كان له العذر في ذلك لأمور عدة:
1 - تم الجمع بالمدينة المنورة، وابن مسعود بالكوفة، والأمر لا يحتمل التأخير ريثما يرسل إليه عثمان ليحضر الجمع.
2 - ثم إن عثمان إنما أراد نسخ الصحف التي كانت في عهد أبي بكر (رضي الله عنه)، وأن يجعلها مصحفاً واحداً، وكان الذي نسخ ذلك في عهد أبي بكر هوزيد بن ثابت (رضي الله عنه) لكونه كان كاتب الوحي، فكانت له في ذلك أولية ليست لغيره.
3 - وزيد شهد - بيقين - العرضة الأخيرة التي بيّن فيها ما نسخ وما بقي، وكتبها لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقرأها عليه، وكان يُقرئ الناس بها حتى مات.
4 - ثم إن ابن مسعود قد أخذ من فِيّ النبي صلّى الله عليه وسلّم بضعاً وسبعين سورة، واستكمل القرآن من الصحابة فيما بعد، بينما حفظ زيد القرآن كله والنبي صلّى الله عليه وسلّم حيّ، وهذا مما يضاف إلى مبررات عثمان (رضي الله عنه) بالاعتماد على زيد.
5 - ثم إن زيداً (رضي الله عنه) كان يكتب الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهوإمام في الرسم، وابن مسعود إمام في الأداء، وجمع عثمان كان يقتضي الميزة التي عند زيد. لذا أمر بالكتابة، وأمر سعيد بالإملاء عليه، وسعيد أشبه الناس لهجة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فتوفّرت للجمع العثماني كافة الشروط: الرسم والإملاء، وهذا يعني أن عدم حضور ابن مسعود لن يحدث خللاً في كفاءة وتكامل لجنة الجمع العثماني.
6 - ثم إن ابن مسعود رضي الله عنه يقرأ بلهجة هُذيل، والمصحف كُتب بلغة قريش عند الاختلاف، وليس لعبد الله (رضي الله عنه) أن يحمل الأمة على أن يقرؤوا بلهجته، بل لهجة النبي صلّى الله عليه وسلّم أولى بذلك، علماً بأن لعبد الله (رضي الله عنه) قراءات شاذة مثل (عتى حين) بدلاً من (حتى حين).
7 - وناحية هامة هي أن رضى الصحابة رضي الله عنهم جميعاً بصنيع عثمان (رضي الله عنه) في تحريق المصحف دليل خيرية ذلك الفعل وصوابه، فأمة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا تجتمع على ضلالة. ومما يؤكد هذه الناحية إجماع الخلفاء الراشدين على جمع المصحف، واتفاق آخر خليفتين منهم على تحريق ما سوى المصحف الإمام. وفعلهم هذا واجب الاقتداء به كما قال عليه السلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي".
8 - زد على ذلك أنه علم الصحابة بموقف عبد الله ذاك، وأنه أمر بغلّ المصاحف، كرهوا ذلك منه، وما رضوه فقد قال الزهري: "فبلغني أن ذلك كرهه من قول ابن مسعود رجال من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم". وينقل ابن كثير عن علقمة قال: "قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء، فقال: كنا نعدّ عبد الله حناناً، فما باله يواثب الأمراء".
ولكن لا يُفهم من ذلك كله أن زيداً مُقدّم على ابن مسعود، فليس رابط بين هذا وذاك، وعبد الله أفضل من زيد، وفي ذلك يقول أبوبكر الأنباري: ولم يكن اختيار زيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان (رضي الله عنهم) على عبد الله بن مسعود في جمع القرآن - وعبد الله أفضل من زيد وأقدم في الإسلام، وأكثر سوابق، وأعظم سوابق، وأعظم فضائل - إلا لأن زيد كان أحفظ للقرآن من عبد الله. إذ وعاه كلّه ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيّ، والذي حفظه عنه عبد الله في حياة الرسول صلّى الله عليه وسلّم نيّف وسبعون سورة، ثم تعلّم الباقي بعد وفاة الرسول صلّى الله عليه وسلّم. فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيّ أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار والاختيار. ولا ينبغي أن يظن جاهل أن في هذا طعناً على عبد الله بن مسعود، لأن زيداً إذا كان أحفظ للقرآن منه، فليس ذلك موجباً لتقدّمه عليه، لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كان زيد أحفظ منهما للقرآن، وليس هوخيراً منهما، ولا مساوياً لهما في الفضائل والمناقب.
وأما بالنسبة للمنهج الذي اتبعته اللجنة فيمكن تلخيصه على النحوالتالي (باختصار عن "الجمع الصوتي الأول للقرآن الكريم" للأستاذ لبيب السعيد ص71 وما بعدها).
1 - الاعتماد على عمل اللجنة الأولى التي تولّت الجمع على عهد أبي بكر، أي على ربعة حفصة والتي هي مستندة إلى الأصل المكتوب بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم.
2 - أن يتعاهد اللجنة خليفة المسلمين نفسه.
3 - أن يأتي كل من عنده شيء من القرآن سمعه من الرسول صلّى الله عليه وسلّم بما عنده، وأن يشترك الجميع في علم ما جُمع، فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف، ولا يشك في أنه جمع عن ملأ منهم.
4 - إذا اختلفوا في أية آية، قالوا: هذه أقرأها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلاناً، فيرسل إليه وهوعلى رأس ثلاث من المدينة، فيُقال له: كيف أقرأك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا وكذا ... فيكتبونها، وقد تركوا لذلك مكاناً.
5 - يُقتصر - عند الاختلاف - على لغة قريش.
6 - والمقصود من الجمع على لغة واحدة: الجمع على القراءة المتواترة المعلوم عند الجميع ثبوتها عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وإن اختلفت وجوهها، حتى لا تكون فرقة واختلاف، فإن ما يُعلم أنّه قراءة ثابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يختلفون فيها، ولا يُنكر أحد منهم ما يقرأه الآخر.
7 - وعند كتابة لفظ تواتر - عن النبي صلّى الله عليه وسلّم - النطق به، على أكثر من وجه، تُبقي اللجنة هذا اللفظ خالياً من أية علامة تقصر النطق به على وجه واحد، لتكون دلالة اللفظ الواحد على كلا اللفظين المنقولين المسوغين شبيهة بدلالة اللفظ الواحد على كلا المعنيين المنقولين المفهومين.
8 - وخشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد، يُمنع عن كتابة ما يأتي، فضلاً عن قراءته وسماعه:
* ما نسخت تلاوته.
* وما لم يكن في العرضة الأخيرة.
* وما لم يثبت من القراءات، وما كانت روايته آحاداً.
* وما لم تُعلم قرآنيته، أوما ليس بقرآن، كالذي كان يكتبه بعض الصحابة في مصاحفهم الخاصة، شرحاً لمعنى أوبياناً لناسخ أومنسوخ أونحوذلك.
9 - فيما خلا ما يختلف فيه أعضاء اللجنة، وما يختلف فيه أعضاء اللجنة، وما تصدر تعليمات الخليفة المُعبّرة عن رأي الصحابة صريحة الاقتصار على لغة قريش، يشتمل الجمع على الأحرف التي نزل عليها القرآن وذلك على النحوالتالي:
* الكلمات التي اشتملت على أكثر من قراءة تجعل خالية من أية علامات ضابطة تحدد طريقة واحدة للنطق بها، وبذلك تكون هذه الكلمات محتملة لما اشتملت عليه من القراءات، وتُكتب برسم واحد في جميع المصاحف.
* الكلمات التي تضمنت قراءتين أوأكثر، والتي لم تُنسخ في العرضة الأخيرة، والتي لا يجعلها تجريدها من العلامات الضابطة محتملة لما ورد فيها من القراءات لا تُكتب برسم واحد في جميع المصاحف، بل تُرسم في بعض المصاحف برسم يدلّ على قراءة، وفي بعضها برسم آخر يدلّ على القراءة الأخرى.
10 - في شأن ترتيب كل آيات يلتزم ما كان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد اتّبعه في العرضة الأخيرة، في السنة التي توفي فيها، ويعتبر هذا الترتيب توقيفاً من الله.
وكذلك تلتزم اللجنة في ترتيب السور ما كان في عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
ولما لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أفصح بأمر سورة براءة، ولم تكن مبدوءة بالبسملة، وهي علامة بدء كل سورة، فإن هذه السورة تُضاف إلى سورة الأنفال اجتهاداً من الخليفة.
11 - بعد الفراغ من كتابة المصحف الإمام، وقبل حمل الناس على كتابة المصحف على نمطه، يراجعه زيد بن ثابت رضي الله عنه ثلاث مرات، ثم يراجعه خليفة المسلمين بنفسه أماناً من النسيان والخطأ.
وقد حدث بعد المراجعة الأولى من زيد رضي الله عنه أنه لم يجد فيه آية (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً) قال زيد رضي الله عنه: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت، فكتبتها.
وبعد المراجعة الثانية، لم يجد زيد رضي الله عنه هاتين الآيتين: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم) إلى آخر السورة، قال زيد: فاستعرضت المهاجرين، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضاً، فأثبتها في آخر براءة.
أما المراجعة الثالثة فلم تكشف عن شيء.
وأرسل منه سبع نسخ إلى أطراف العالم وألجأ الناس على قبوله وقراءته على ما رتبه وآذى من خالف ذلك، فلا يصح التمسك به ولا يعتمد على نظمه من العام والخاص والظاهر والنص ونحوها، لأنه يجوز أن يكون هذا القرآن الذي بين أيدينا كله أوأكثره منسوخاً بالآيات أوالسور التي أسقطت منه أومخصوصاً بها.
الثاني: أن نقلة هذا القرآن مثل ناقلي التوراة والإنجيل، لأن بعضهم كانوا منافقين كالصحابة العظام والعياذ بالله تعالى، وبعضهم كانوا مداهنين في الدين كعوامّ الصحابة فإنهم تبعوا رؤساءهم أي بزعمهم طمعاً في زخارف الدنيا، فارتدوا عن الدين كلهم إلا أربعة أوستة (1)، فغيّروا خطاب الله تعالى، فجعلوا مثلاً مكان (من المرافق)، {إِلَى الْمَرَافِقِ} (2) ومكان (أئمة هي أزكى)، {أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ}.
فكما أن التوراة والإنجيل لا يُعمل بهما أصلاً فكذلك هذا القرآن، وكما أن التوراة والإنجيل نُسخاً بالقرآن المجيد فكذلك القرآن نُسخت أشياء كثيرة منه ولا يُعلم نواسخها إلا الأئمة الثلاثة.
__________
(1) رجال الكشي 8، الكافي ج2: 244، الاختصاص: 6، 10، تأويل الآيات ج1: 123، الرواشح السماوية: 71، 141، بحار الأنوار ج22: 333، 351، 352، 400، ج28، 236، ج64: 165، ج108: 306، 308، ج110: 6، كتاب الأربعين: 291.
(2) فصل الخطاب 256، تفسير البرهان 1/ 451.
وأما الخبر فقد مرّ بيانه مفصلاً فتذكر. ثم إن ناقل الخبر إما من الشيعة أوغيرهم، ولا اعتبار لغيرهم أصلاً، لأن الصدر الأول من غيرهم (1) الذي هومنتهى الأسانيد كانوا مرتدين ومحرفين كتاب الله تعالى ومعادين أهل بيت النبوة. فلابد أن يكون من الشيعة، وبين الشيعة اختلاف كثير في أصل الإمامة وتعيين الأئمة وعددهم، ولا يمكن إثبات قول من أقوالهم إلا بالخبر، لأن كتاب الله تعالى لا اعتماد عليه، ومع ذلك فهوساكت عن هذه الأمور، فلوتوقف ثبوت الخبر وحجّيته على ثبوت ذلك القول لزم الدور الصريح وهومحال.
وأما (الإجماع) فباطل أيضاً، لأن كونه حجة ليس بالأصالة بل لكون قول المعصوم في ضمنه، فمدار حُجّيته على قول المعصوم لا على نفس الإجماع، وثبوت عصمة الإمام وتعيينه إما بخبره أوبخبر معصوم آخر، فقد جاء الدور الصريح أيضاً.
وأيضاً إجماع الصدر الأول والثاني - يعني قبل حدوث الاختلاف في الأمة - غير معتبر، لأنهم أجمعوا على: خلافة أبي بكر وعمر، وحرمة المتعة (2)، وتحريف الكتاب، ومنع ميراث النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وغصب فَدَك من البتول (3). وبعد حدوث الاختلاف في الأمة وتفرّقهم بفرق مختلفة كيف يتصور الإجماع، ولا سيما في المسائل الخلافية المحتاجة إلى الاستدلال وإقامة الحجة القاطعة.
وأما (العقل) فهوباطل أيضاً لأن التمسك به إما في الشرعيات أوغيرها، فإن كان في الشرعيات فلا يصح التمسك به عند هذه الفرقة أصلاً، لأنهم منكرون أصل القياس ولا يقولون بحجّيته.
__________
(1) أي الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً.
(2) انظر كتابنا "الشيعة والمتعة".
(3) انظر كتابنا "شبهات حول الصحابة والرد عليها" (أبوبكر الصديق ص148 وما بعدها).
وأما في غير الشرعيات فيتوقف العقل على تجريده عن شوائب الوهم والإلف والعادة والاحتراز عن الخطأ في الترتيب والفكر في صورة الأشكال، وهذه الأمور لا تحصل إلا بإرشاد إمام، لأن كل فرقة من طوائف بني آدم يثبتون بعقولهم أشياء وينكرون أشياء أُخر، وهم متخالفون فيما بينهم بالأصول والفروع، ولا يمكن الترجيح بالعقل فقد، فالتمسك إذن بقول الإمام، ومع ذلك لا يمكن إثبات الأمور الدينية بالعقل الصرف لأنه عاجز عن معرفتها تفصيلاً بالإجماع. نعم يمكنه معرفتها إذا كان مستمداً من الشريعة.
وهاهنا فائدة جليلة لها مناسبة مع هذا المقام، وهي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: "إني تارك فيكم الثقلين، فإن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي" وهذا الحديث ثابت عند الفريقين أهل السنة والشيعة، وقد علم منه أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أمرنا في المقدمات الدينية والأحكام الشرعية بالتمسك بهذين العظيمي القدر والرجوع إليهما في كل أمر، فمن كان مذهبه مخالفاً في الأمور الشرعية اعتقاداً وعملاً فهوضال، مذهبه باطل وفاسد لا يُعبأ به. ومن جحد بهما فقد غوى، ووقع في مهاوي الردى.
وليس المتمسك بهذين الحبلين المتينين إلا أهل السنة، لأن كتاب الله ساقط عند الشيعة عن درجة الاعتبار (1)
__________
(1) ذهب أكثر علماء الشيعة أمثال الكليني صاحب الكافي، والقمي صاحب التفسير، والمفيد، والطبرسي صاحب الاحتجاج، والمجلسي، وغيرهم من علماء الشيعة إلى القول بتحريف القرآن، وأنه أُسقط من القرآن الكريم كلمات بل آيات، حتى إن بعض علمائهم المتأخرين ويلقبونه بخاتمة المحدّثين، النوري الطبرسي صنّف كتباً أسماه "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب"، أورد فيه كلام علماء الشيعة القائلين بالتحريف، غير أن بعض علماء الشيعة أمثال الطوسي صاحب التبيان، والمرتضى الذي هوثاني اثنتين شاركاً في تأليف "نهج البلاغة" المنسوب زوراً وبهتاناً إلى علي رضي الله عنه، والطبرسي صاحب مجمع البيان، والبعض منهم في العصر الحاضر أنكروا التحريف.
ربما يظن القارئ المسلم أن ذلك الإنكار صادر عن عقيدة، بل إن الواقع إنما صدر منهم ذلك لأجل التقية التي يحتمون بها لاسيما من المسلمين.
وفي ذلك نقل النوري عن الجزائري صاحب "الأنوار النعمانية" قوله: إن الأصحاب قد أطبقوا على صحة الأخبار المستفيضة بل المتواترة الدالة بصريحها على وقوع التحريف في القرآن.
وقال الجزائري أيضاً: إن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث وادّعى استفاضتها جماعة كالمفيد والمحقّق الدامادا والعلامة المجلسي وغيرهم، بل الشيخ (الطوسي) أيضاً صرّح في التبيان بكثرتها، بل ادّعى تواترها جماعة. (فصل الخطاب للنوري 227).
وأما إنكار المرتضى للتحريف فيرد عليه أحد علماء الشيعة الهنود في كتابه "ضربة حيدرية" 2/ 81 بقوله: فإن الحق أحق أن بالاتباع، ولم يكن السيد علم الهدى معصوماً حتى يجب أن يُطاع، فلوثبت أنه يقول بعدم النقيصة مطلقاً لم يلزمنا اتباعه ولا خير فيه".
ربما يقول بعض المخدوعين بأن الشيعة ليس لديهم إلا القرآن المتداول بين المسلمين وليس عندهم قرآن خاص، فيقرأونه كسائر الناس، والجواب نتركه لشيخهم المسمى "المفيد" الذي يقول في كتابه "المسائل السرورية" ص81 - 82:
إنهم (أي أئمة الشيعة) أمروا بقراءة ما بين الدفتين، وأن لا يتعداه إلى زيادة فيه ولا نقصان منه حتى يقوم القائم عليه السلام فيقرأ للناس القرآن على ما أنزله الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين عليه السلام. وإنما نهونا عليهم السلام عن قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنها لم تأت على التواتر، وإنما جاء بها الآحاد، وقد يغلط الواحد فيما ينقله. ولأنه متى قرأ الإنسان بما خالف ما بين الدفتين غرر بنفسه وعرض نفسه للهلاك. فنهونا عليهم السلام عن قراءة القرآن بخلاف ما ثبت بين الدفتين لما ذكرناه.
ويقول أيضاً نعمة الله الجزائري في "الأنوار النعمانية" 2/ 363: قد روي في الأخبار أنهم عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة هذا الموجود من القرآن في الصلاة وغيرها والعمل بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان فيرتفع هذا من القرآن من أيدي الناس إلى السماء ويُخرج القرآن الذي ألّفه أمير المؤمنين عليه السلام فيقرأ ويعمل بأحكامه.
ويقول المجلسي: ولأنه متى قرأ الإنسان بما يخالف ما بين الدفتين غرّر بنفسه مع أهل الخلاف (أي أهل السنة) وأغرى به الجبارين وعرّض نفسه للهلاك، فمنعونا عليهم السلام عن قراءة القرآن بخلاف ما ثبت بين الدفتين لما ذكرناه. (مرآة العقول 3/ 31، بحار الأنوار ج92 ص65).
ويقول حسن العصفور البحراني في كتابه "الفتاوي الحسينية في العلوم المحمدية" ص156: ويجب أن يقرأ بأحد القراءات المُدّعى تواترها المقبولة عندهم ولا يجوز أن يقرأ بغيرها وإن كان هي القراءة المُنزّلة الأصلية الثابتة عن أهل الذكر عليهم السلام لأن الزمان زمان هدنة وتقية ولهذا أتى الأمر منهم عليهم السلام بالقراءة كما يقرأ الناس حتى يأتيكم من يُعلّمكم.
وإن عند الشيعة مصحفاً آخر يُسمّى "مصحف فاطمة" ويمكن للقارئ الكريم مراجعة المصادر التالية، وهي كلها مراجع شيعية ليس بينها مرجعاً إسلامياً واحداً: بصائر الدرجات: 173، 174، 176، 177، 179، 180، 181، 190. الإمامة والتبصرة: 12. الكافي ج1: 239، 240، 241، ج8: 58. من لا يحضره الفقيه 4: 319. الخصال: 528. معاني الأخبار: 103. روضة الواعظين: 211. خاتمة المستدرك ج23: 315. الإيضاح: 461، 462. شرح الأخبار ج1: 241. الإرشاد ج2: 186. إعلام الورى بأعلام الهدى ج1: 536. الاحتجاج ج2: 134. الخرائج والجرائح ج2: 894. مناقب آل أبي طالب ج3: 374. كشف الغمة ج2: 384. الصراط المستقيم ج1: 105. تأويل الآيات ج1: 102، 374. ج2: 723، 724. المحتضر: 114. الفصول المهمة في أصول الأئمة ج1: 506، 509. مدينة المعاجز ج2: 267، ج5: 329، 330. ينابيع المعاجز: 127، 129، 130، 131، 132، 195. بحار الأنوار ج22: 546. ج26: 18، 38، 39، 40، 41، 43، 44، 45، 46، 47، 48، 156. ج35: 35. ج37: 176. ج43: 79، 80، 195. ج47: 32، 65، 271، 272. ج108: 360. ج109: 67. شرح زيارة الجامعة ج1: 82. مصباح الهداية: 225. معجم أحاديث الإمام المهدي ج3: 388.
وعند الشيعة قصة شهيرة تسمّى "الجزيرة الخضراء" وهي جزيرة خاصة بمهدي الشيعة وأبنائه، اخترعها أحد رواة الشيعة وهوعلي بن فاضل المازندراني، وهي قصة طويلة جداً سمجة ركيكة، وقد رأى هذا الراوي أحد أبناء مهدي الشيعة والمسمّى شمس الدين محمد، وقد ورد في هذه القصة أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين قد أجمعوا على تحريف القرآن وأسقطوا منه الآيات الدالة على فضل آل البيت رضوان الله عليهم، وحذفوا فضائح المهاجرين والأنصار.
ونذكر باختصار من ذكرها لكي يطمئن الذين في قلوبهم شك من ذلك: محمد باقر المجلسي في كتابه بحار الأنوار 52/ 159. محمد مكي الملقّب عند الشيعة بالشهيد الأول في الأمالي بإسناده عن علي بن فاضل. محمد كاظم الهزارجريبي في كتاب المناقب. النوري الطبرسي في كتابه جنّة المأوى ص181. الكركي والملقّب عند الشيعة بالمحقق الثاني في كتابه ترجمة الجزيرة الخضراء. شمس الدين محمد بن أمير أسد الله التستري في كتابه رسالة الغيبة وإثبات وجود صاحب الزمان. نور الله المرعشي في كتابه مجالس المؤمنين. مير لوحي في كتابه المهتدي في المهدي. ميرزا محمد رضا في كتابه تفسير الأئمة لهداية الأمة. الحر العاملي في كتابه إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات. هاشم البحراني في كتابه تبصرة الولي في من رأى القائم المهدي. نعمة الله الجزائري في رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار. محمد هاشم الهروي في كتابه إرشاد الجهلة المصرّين على إنكار الغيبة والرجعة. عبد الله بن الميرزا عيسى بيك في كتابه رياض العلماء وحياض الفضلاء. أبوالحسن الفتوني العاملي في كتابه ضياء العالمين. عبد الله بن نور الله البحراني في كتابه عوالم العلوم والمعارف. شبر بن محمد الحويزي في كتابه رسالة الجزيرة الخضراء. الوحيد البهبهاني في كتابه الحاشية على مدارك الأحكام، وقد استشهد بهذه القصة على أدلة وجوب صلاة الجمعة في زمن الغيبة. محمد عبد النبي (!!!) النيسابوري في كتابه الكتاب المبين والنهج المستبين. أسد الله الكاظمي في كتابه مقابيس الأنوار ونفائس الأسرار. عبد الله شبر في كتابه جلاء العيون. أسد الله الجيلاني الإصفهاني في كتابه الإمام الثاني عشر المهدي. مير محمد عباس الموسوي اللكهنوي في كتابه نسيم الصبا في قصة الجزيرة الخضراء. إسماعيل النوري الطبرستاني في كتابه كفاية الموحدين في عقائد الدين. علي بن زين العابدين في كتابه إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب. مصطفى الحيدري الكاظمي في كتابه بشارة الإسلام في ظهور صاحب الزمان. محمد تقي الموسوي الإصفهاني في كتابه مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم. علي أكبر النهاوندي في كتابه العبقري الحسان في تواريخ صاحب الزمان. بحر العلوم في كتابه تحفة العالم في شرح خطبة العالم. الفيض الكاشاني في كتابه النوادر في جمع الحديث. يوسف البحراني في كتابه أنيس المسافر وجليس الخواطر ويسمّى الكشكول أيضاً. هاشم البحراني في كتابه حلبة الأبرار في أحوال محمد صلّى الله عليه وسلّم وآله الأطهار. محسن العصفور في كتابه ظاهرة الغيبة ودعوى السفارة، وهومعاصر. محمد صالح البحراني في كتابه حصائل الفكر في أحوال الإمام المنتظر. الخوانساري في روضات الجنان في ترجمة المرتضى. محمد ميرزا التكابني في كتابه قصص العلماء في ترجمة وأحوال جعفر بن يحيى بن الحسن. محمد تقي المامقاني في كتابه صحيفة الأبرار. محمد هادي الطهراني في كتابه محجة العلماء 140. بحر العلوم في الفوائد الرجالية 3/ 136. محمد الغروي في كتابه المختار من كلمات المهدي 2/ 116 و447. عبد الله عبد الهادي في كتابه المهدي وأطباق النور 55، 56، 102. الأردبيلي في كتابه حديقة الشيعة 729. زين الدين النباطي في كتابه الصراط المستقيم لمستحقي التقديم 2/ 264 - 266. أسد الله التستري في كتابه كشف القناع 231. محمد رضا الحكيمي في كتابه حياة أُولي النهى الإمام المهدي 512. حسن الأبطحي في كتابه المصلح الغيبي وكتابه الكمالات الروحية. ياسين الموسوي في هامش النجم الثاقب للنوري الطبرسي 2/ 172.
ونتحف القراء الكرام ببعض أسماء علماء الشيعة وكتبهم الذين يقولون بالتحريف لئلا يطول بنا المقام، ومن أراد الاستزادة فعليه بمراجعة كتابنا "الشيعة وتحريف القرآن" حيث ذكرنا أقوالهم بالتفصيل.
الكليني في الكافي حيث ذكر الكثير من روايات التحريف والآيات المحرّفة على حد زعمه دون أن يعلّق عليها.
القمي في تفسيره 1/ 10.
أبوالقاسم الكوفي في كتابه "الاستغاثة في البدع الثلاثة" ص25.
المفيد في كتابه "أوائل المقالات" ص13، وكتابه المسائل السروية 81 - 82.
الأردبيلي في كتابه "حديقة الشيعة" 118 - 119.
علي أصغر في كتابه "عقائد الشيعة" ص27.
الطبرسي في كتابه "الاحتجاج" 1/ 222.
الكاشاني في "تفسير الصافي" 1/ 32 (الطبعة القديمة). وكتابه "هداية الطالبين" ص368.
المجلسي في "تذكرة الأئمة" ص49 و"حياة القلوب" 2/ 681، وفي كتابه "بحار الأنوار" العشرات بل المئات من روايات التحريف وذكر الآيات المحرّفة على حد زعم الشيعة.
نعمة الله الجزائري "الأنوار النعمانية" 2/ 257.
أبوالحسن العاملي في المقدمة الثانية لتفسير مرآة الأنوار 36، وطبعت كمقدمة لتفسير البرهان للبحراني.
الخراساني في كتابه "بيان السعادة في مقامات العبادة" 1/ 12.
علي اليزدي الحائري في كتابه "إلزام الناصب" 1/ 2، 477/ 259 و266.
حسين الدوردآبادي في كتابه "الشموس الساطعة" ص425.
محمد كاظم الخراساني في "كفاية الأصول" 284 - 285.
ميرزا حبيب الله الخوئي في كتابه "منهاج البراعة" 2/ 119 - 121.
عدنان البحراني في كتابه "مشارق الشموس الدرية" ص125 و135.
ميرزا محمد الإصفهاني في كتابه "مكيال المكارم في فوائد الدعاء للقائم" 1/ 58 - 62، 204، 218، 233.
المازندراني في كتابه "نور الأبصار" ص426، 428، 439، 442، وفي كتابه "الكوكب الدري" 2/ 56.
علي البهبهاني في كتابه "مصباح الهداية" ص246، 277.
أحمد المستنبط في كتابه "القطرة في مناقب النبي والعترة" 1/ 112 و234 - 235 و2/ 379.
ابن شاذان في "الفضائل" 151.
مرتضى الأنصاري في "فرائد الأصول" 1/ 66.
يوسف البحراني في "الدرر النجفية" 294 - 296.
الحر العاملي في "الفوائد الطوسية" 483.
حسين الدرازي في "الأنوار الوضية" 27.
ميرزا حسن الإحقافي في "الدين بين السائل والمجيب" 944.
عبد الحسين (!!!) دستغيب في "أجوبة الشبهات" 132.
محمد رضا الحكيمي في "القرآن خواصه وثوابه" 242.
علي الكوراني في "عصر الظهور" 88.
محمد باقر الأبطحي في "جامع الأخبار" 267 و280 - 281.
محمد حسين الأعلمي في "دائرة المعارف" ج14 ص313 - 315.
محمد الغروي في "المختار من كلمات الإمام المهدي" 2/ 342.
جواد الشاهرودي في "الإمام المهدي وظهوره" 191 - 192 و255.
وأيضاً في كتابه "المراقبات من دعاء المهدي" 175.
محمد تقي المدرسي في "النبي وأهل بيته" 1/ 161 - 162.
محمد علي دخيل في "الإمام المهدي" 205.
عز الدين بحر العلوم في "أنيس الداعي والزائر" 104.
أحمد الجزائري في "قلائد الدرر" 1/ 21.
داود المير صابري في "الآيات الباهرة" 124، 291، 374.
محمد علي أسبر في "الإمام علي في القرآن والسنة" 1/ 112، 141، 153، 154، 215، 365.
عز الله العطاردي في "مسند الإمام الرضا" 1/ 522، 586.
بشير المحمدي في "مسند زرارة بن أعين" 102.
أبوطالب التبريزي في "من هوالمهدي" 520.
وللوقوف على نماذج من الآيات المحرّفة عند الرافضة يرجى الرجوع إلى كتابنا "أيلتقي النقيضان".
كما سبق بيانه قريباً، وقد روى الكليني عن هشام بن سالم (1)
__________
(1) هوهشام بن سالم الجواليقي، والجواليقي نسبة إلى بيع الجواليق، جمع جولق وهووعاء معروف يُعمل من صوف لحمل الأمتعة، والنسبة إلى الجواليق باعتبار بيعها أوصنعها، والعلاّف بفتح العين وتشديد اللام: بائع علف الماشية.
اتفقت الشيعة على مدحه وتوثيقه، وقد نصّ على ذلك جمعٌ من الرافضة مثل: الكشي في رجاله ص238 ترجمة رقم 132، ابن داود الحلّي في القسم الأول من رجاله ص100 ترجمة رقم 1676، الأردبيلي في جامع الرواة ج2 ص315 ترجمة رقم 2243، القبائي في مجمع الرجال ج6 ص238، النجاشي في رجاله ص305، الطوسي في الفهرست ص207 ترجمة رقم 781، الحر العاملي في خاتمة الوسائل ج20 ص362 ترجمة رقم 1235، المامقاني في تنقيح المقال ج3 ص302 ترجمة رقم 13858، أبوطالب التبريزي في معجم الثقات ص128 ترجمة رقم 874، عباس القمي في سفينة البحار ج2 ص720، الخوئي في معجم رجال الحديث ج19 ص297 ترجمة رقم 13332، وإليه تُنسب الفرقة الهاشمية بالاشتراك مع هشام بن الحكم المتكلم الشيعي، وهوممن نسج على منواله في التجسيم والتشبيه، حيث وصف الله تبارك وتعالى بأنه على صورة إنسان أعلاه مجوّف وأسفله مصمت، وأنه لا يعلم بالأشياء إلا بعد حدوثها أوما يسمّى عند الرافضة بالبداء.
قال عنه الشيخ عبد القاهر البغدادي رحمه الله تعالى في "الفرق بين الفرق" ص51 - 52: هذا الجواليقي مع رفضه على مذهب الإمامية مُفرط في التجسيم والتشبيه، لأنه زعم أن معبوده على صورة الإنسان ولكنه ليس بلحم ولا دم، بل هونور ساطع بياضاً. وزعم أنه ذوحواس خمس كحواس الإنسان وله يد ورجل وعين وأُذن، وأنه يسمع بغير ما يُبصر به، وكذلك سائر حواسه متغايرة. وإن نصفه الأعلى مجوّف ونصف الأسفل مصمت. وحكى أبوعيسى الوراق: أنه زعم أن لمعبوده وفرة سوداء وأنه نور أسود وباقيه نور أبيض. وحكى شيخنا أبوالحسن الأشعري في مقالاته: أن هشام بن سالم قال في إرادة الله تعالى بمثل قول هشام بن الحكم وهي: أن إرادته حركة وهي معنى لا هي الله ولا غيره وأن الله تعالى إذا أراد شيئاً تحرك فكان ما أراد. ووافقهما أبومالك الحضرمي وعلي بن ميثم وهما من شيوخ الرافضة. وحكي أيضاً عن الجواليقي أنه قال في أفعال العباد: إنها أجسام. لأنه لا شيء في العالم إلا الأجسام وأجاز أن يغفل العباد الأجسام. اهـ.
وذكر قريباً من هذا: الشهرستاني في "الملل والنحل" ج1 ص185، والرازي في "اعتقاد فرق المسلمين والمشركين" ص98.
وقد أكّد الرافضة أنفسهم هذا الاعتقاد فيذكرون: عن عبد الملك بن هشام الحنّاط أنه قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: أسألك جعلني فداك؟.
قال: سل يا جبلي، عما ذا تسألني؟.
فقلت: جعلني الله فداك زعم هشام بن سالم أن الله عزَّ وجلَّ صورة وأن آدم خُلق على مثل الرب، فنصف هذا ونصف هذا، وأوميت إلى جانبي وشعر رأسي، وزعم أن يونس مولى آل يقطين وهشام بن الحكم أن الله شيء لا كالأشياء، وإن الأشياء بائنة منه، وإنه بائن من الأشياء، وزعما أن إثبات الشيء أن يُقال جسم فهولا كالأجسام، شيء كالأشياء، ثابت موجود غير مفقود ولا معدوم خارج من الحدّين: حد الإبطال وحدّ التشبيه، فبأي القولين أقول؟.
قال: فقال عليه السلام: أراد هذا الإثبات، وهذا أشبه ربه تعالى بمخلوق، تعالى الله الذي ليس له شبه ولا مثل ولا عدل ولا نظير، ولا هوبصفة المخلوقين، لا تقل بما قال مولى آل يقطين وصاحبه.
انظر: رجال الكشي ص242، مسند الإمام الرضا للعطاردي 2/ 465، معجم رجال الحديث للخوئي ج19 ص300.
عن أبي عبد الله أن القرآن الذي جاء به جبريل إلى محمد صلَّى الله عليه وسلَّم سبعة عشر ألف آية (1). وروى عن محمد نصر أنه قال في {لم يكن} اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم (2).
وروي عن سالم بن سلمة قال: قرأ رجل على أبي عبد الله وأنا أسمعه حروفاً من القرآن ليس مما يقرأه الناس. فقال أبوعبد الله: مه اكفف عن هذه القراءة واقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم، فإذا قام القائم اقرأ كتاب الله على حده (3).
وروى الكليني وغيره عن الحكم بن عتيبة قال قرأ علي بن الحسين {وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث} قال: وكان علي بن أبي طالب محدّثاً (4)
__________
(1) قال المجلسي في "مرآة العقول في شرح أخبار الرسول" 12/ 525: "موثق، وفي بعض النسخ عن هشام بن سالم موضع هارون بن سالم، فالخبر صحيح، ولا يخفى أن هذا الخبر وكثير من الأخبار الصحيحة صريحة في نقص القرآن وتغييره وعندي أن الأخبار في هذا الباب متواترة معنى، وطرح جميعها يُوجب رفع الاعتماد عن الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا يقصر عن أخبار الإمامة فكيف يثبتونها بالخبر؟ ". أي كيف يُثبتون الإمامة بالخبر إذا طرحوا أخبار التحريف؟.
(2) الكافي 2/ 631، بحار الأنوار 52/ 364، مشارق الشموس الدرية 126، مسند الرضا للعطاردي 1/ 385.
(3) الكافي 2/ 633، بصائر الدرجات 193، وسائل الشيعة 4/ 821، بحار الأنوار 89/ 88، معجم أحاديث المهدي 4/ 44، إثبات الهداة للحر العاملي 3/ 643، حلية الأبرار 2/ 643، تفسير نور الثقلين 3/ 170.
(4) قد وردت عن طريق الشيعة روايات عديدة فمن ذلك:
1 - عن حريز عن أبي عبد الله (ع): {وما أرسلنا قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}. (فصل الخطاب 286).
2 - عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل: {وكان رسولاً نبياً}. قلت: ما هوالرسول من النبي؟
قال: هوالذي يرى في منامه ويسمع الصوت ويعاين، ثم تلا: {وما أرسلنا من قبلك ولا نبي ولا محدّث}. (فصل الخطاب 286).
3 - عن الحارث البصري قال: أتانا الحكم بن عيينة قال: إن علي بن الحسين (ع) قال: إن علم عليّ (ع) كله في آية واحدة.
قال: فخرج حمران بن أعين فوجد علي بن الحسين (ع) قد قُبض. فقال لأبي جعفر (ع) إن الحكم بن عيينة حدثنا عن علي بن الحسين (ع) قال: إن علم علي (ع) كله في آية واحدة.
قال أبوجعفر (ع): وما تدري ما هو؟.
قال: قلت: لا.
قال: هوقول الله تبارك وتعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}. (فصل الخطاب 286).
4 - عن زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله تبارك وتعالى: {وكان رسولاً نبياً} إلى أن قال: ثم تلا (ع): {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}. (فصل الخطاب 286)
5 - عن بريد عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: {وما أرسلنا ولا نبي ولا محدّث}. (فصل الخطاب 287).
6 - عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}. (فصل الخطاب 287).
7 - عن سليم بن قيس الشامي أنه سمع علياً (ع) يقول: إني وأوصيائي من ولدي مهديون كلنا محدثون .. إلى أن قال سليم الشامي: سألت محمد بن أبي قلت: كان علي (ع) محدّثاً؟.
قال: نعم.
قلت: وهل يحدّث الملائكة إلا الأنبياء؟.
قال: أما تقرأ: {وما أرسلنا من رسول ولا نبي ولا محدّث}. (فصل الخطاب 287).
8 - عن إبراهيم بن محمد مثله. (فصل الخطاب 287).
9 - عن الحكم بن عيينة قال: دخلت على علي بن الحسين (ع) يوماً فقال لي: يا حكم هل تدري ما الآية التي كان علي بن أبي طالب (ع) يعرف بها صاحب قتله، ويعلم بها الأمور العظام التي كان يحدّث بها الناس؟.
قال الحكم: فقلت في نفسي قد وقفت على علم من علم علي بن الحسين (ع) أعلم بذلك تلك الأمور العظام.
قال: فقلت: لا، والله لا أعلم به، أخبرني بها يا ابن رسول الله؟.
قال: هووالله: {وما أرسلنا من قبلك ولا نبي ولا محدّث}.
فقلت: وكان علي (ع) محدّثاً؟.
قال: نعم، وكل إمام منا أهل البيت فهومحدّث. (فصل الخطاب 287).
10 - الكليني عن محمد بن يحيى العطار عن أحمد مثله وزاد بعد قوله ولا محدّث وكان علي بن أبي طالب (ع) محدّثاً فقال له رجل يقال له عبد الله بن زيد كان أخا علي بن الحسين (ع) لأمه: سبحان الله محدّثاً (كأنه ينكر) فأقبل علينا أبوجعفر (ع) فقال: أما والله إن ابن أمك بعد قد كان يعرف ذلك. قال: فلما قال ذلك سكت الرجل فقال: هي التي هلك فيها أبوالخطاب فلم يدر ما تأويل المحدّث والنبي. (فصل الخطاب 287).
11 - عن الحارث بن المغيرة قال: قال حمران بن أعين أن الحكم بن عيينة يروي عن علي بن الحسين (ع) في آية نسأله فلا يخبرنا.
قال حمران: سألت أبا جعفر (ع).
فقال: إن علياً (ع) كان بمنزلة صاحب سليمان وصاحب موسى ولم يكن نبياً ولا رسولاً. ثم قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}.
قال: فعجب أبوجعفر (ع). (فصل الخطاب 287).
12 - عن أبي عبد الله (ع) أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أصابته خصاصة، فجاء إلى رجل من الأنصار فقال له: هل عندكم طعام؟.
فقال: نعم يا رسول الله.
فذبح له عناقاً وشوّاها، فلما دنى منها تمنّى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يكون معه علي وفاطمة والحسن والحسين (ع)، فجاء أبوبكر وعمر ثم جاء علي فأنزل الله عليه: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدّث}.
ثم قال أبوعبد الله (ع): هكذا نزلت. (تأويل الآيات 348، تفسير نور الثقلين 3/ 615، تفسر البرهان 3/ 98، بحار الأنوار 17/ 85، تفسير العسكري 275).
.
وروي عن محمد بن الجهم وغيره عن أبي عبد الله أن {أمة هي أربى من أمة} ليس كلام الله، بل محرّف عن موضعه، والمُنزّل {أئمة هي أزكى من أئمتكم}.
وقد تقرّر عندهم أن سورة (الولاية) سقطت (1)
__________
(1) وإليك نصها منقولة من كتاب فصل الخطاب للنوري الطبرسي ص180 - 181:
بسم الله الرحمن الرحيم
"يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكما آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم، نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم. إن الذين يوفون بعهد الله ورسوله في آيات لهم جنات النعيم. والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم، ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي والرسول أولئك يسقون من حميم. إن الله الذي نور السماوات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه يفعل الله ما يشاء، لا إله إلا هوالرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذتهم بمكرهم. إن أخذي شديد أليم، إن الله قد أهلك عاداً وثموداً (كذا بالتنوين) بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون. وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين ليكون لكم آيته (كذا) وإن أكثركم فاسقون، إن الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يُسألون. إن الجحيم هي مأواهم، وإن الله عليم حكيم. يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون. قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون (كذا بالواووالنون) مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم إن الله لذومغفرة وأجر عظيم. وإن علياً من المتقين، وإنا لنوفيه حقه يوم الدين، ما نحن عن ظلمه بغافلين، وكرمناه على أهلك أجمعين، فإنه وذريته الصابرون، وإن عدوهم إمام (شكلت الميم بالنصب) المجرمين. قل للذين كفروا بعدما آمنوا أطلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله ورسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها. وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون. يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفاه مؤمناً ومن يتولاه من بعدك يُظهرون. فأعرض عنهم إنهم معرضون (ما معنى هذا الهراء؟) إنا لهم محضرون (شكلوه بفتح الضاد) في يوم لا يغني عنهم شيء ولا هم يرحمون. إن لهم في جهنم مقاماً عنه لا يعدلون. فسبح باسم ربك وكن من الساجدين. ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون (ما معنى هذا؟) فصبر جميل. فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم إلى يوم يبعثون. فاصبر فسوف يبصرون. ولقد آتينا بك الحكم (كذا) كالذين من قبلك من المرسلين وجعلنا لك منهم وصياً لعلهم يرجعون.
ومن يتولِ (وضعوا كسرة تحت اللام) عن أمري فإني مَرْجَعَهُ (كذا شكلوه). فليتمتعوا بكفرهم قليلاً فلا تسأل عن الناكثين. يا أيها الرسول قد جعلنا لك في أعناق الذين آمنوا عهداً فخذه وكن من الشاكرين. إن علياً قانتاً بالليل ساجداً (كذا) يحذر الآخرة ويرجوثواب ربه. قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون (يستوون هم ومن أيها العلماء) سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندِمون (كذا كسرت الدال) إنا بشرناك بذريته الصالحين وإنهم لأمرنا لا يَخْلِفُون (كذا ضبطوه) فعليهم مني صلوات ورحمة أحياءً وأمواتاً يوم يبعثون، وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي، إنهم قوم سوء خاسرين (كذا بالياء والنون) وعلى الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الغرفات آمنون. والحمد لله رب العالمين.
وكذا أكثر {سورة الأحزاب} (1)
__________
(1) نتحف القارئ الكريم ببعض النماذج التي تزعم الشيعة أنها أُسقطت من سورة الأحزاب:
1 - علي بن إبراهيم في قوله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} قال: نزلت {وهوأب لهم وأزواجه أمهاتهم} فجعل الله المؤمنين أولاد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وجعل رسول الله أباهم لمن لم يقدر أن صون نفسه وليس على نفسه ولاية فجعل الله تبارك وتعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم الولاية على المؤمنين من أنفسهم. (تفسير القمي 2/ 175)
2 - عن أبي الصامت عن أبي عبد الله (ع) قال: أكبر الكبائر سبع .. إلى أن قال: وأما عقوق الوالدين فإن الله عز وجل قال في كتابه: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهوأب لهم} فعقوه في ذريته. (فصل الخطاب 295، بحار الأنوار 36/ 14).
3 - عن الميداني عن أبي عبد الله (ع) في قوله عز وجل: {وأزواجه أمهاتهم وهوأب لهم}. (فصل الخطاب 295، بحار الأنوار 22/ 200 و431).
4 - الصفار عن علي بن إبراهيم بن هاشم عن القاسم بن الربيع عن محمد بن سنان عن صباح عن المفضل مثله. (فصل الخطاب 296).
5 - سعد بن عبد الله القمي في كتاب (ناسخ القرآن) قال: وقرأ الصادق (ع): {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهوأب لهم}. (فصل الخطاب 296، منهاج البراعة 2/ 216).
6 - علي بن إبراهيم في قوله تعالى: {ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب وكان الله قوياً عزيزاً}. (فصل الخطاب 296).
7 - السياري عن جعفر بن محمد عن المدائني عن أبي عبد الله (ع) في قوله تعالى: {وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب}. (فصل الخطاب 296).
8 - عن يونس عن أبي حمزة عن فيض المختار قال: سئل أبوعبد الله (ع) عن القرآن، فقال: فيه الأعاجيب من قوله عز وجل: {وكفى الله المؤمنين القتال بعلي بن أبي طالب}. (فصل الخطاب 296).
9 - عن فيض بن مختار عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قرأ: {إن علياً للهدى. وإن له الآخرة والأولى}. وذلك حين سئل عن القرآن.
قال: فيه الأعاجيب.
فيه: {وكفى الله المؤمنين القتال بعلي}.
وفيه: {إن علياً للهدى. وإن له الآخرة والأولى}. (بحار الأنوار 24/ 398).
10 - عن محمد بن مروان رفعه إليهم في قول الله عز وجل: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول في علي والأئمة كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا}. (الكافي 1/ 414، تفسير البرهان 3/ 337 و339، تأويل الآيات الطاهرة 468، بحار الأنوار 13/ 12، 23/ 302، فصل الخطاب 296، مناقب ابن شهر آشوب 3/ 13).
11 - عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: {ومن يطع لله ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً}. (تأويل الآيات الطاهرة 469، الكافي 1/ 414، تفسير البرهان 3/ 340، بحار الأنوار 23/ 301 و303).
12 - عن محمد بن مروان رفعه إليه (ع) (!!!) فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تؤذوا رسول الله في علي والأئمة كما آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا}. (تفسير القمي 2/ 197، الكافي 1/ 412، بحار الأنوار 23/ 302).
13 - عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) في قوله: {ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي والأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً} هكذا نزلت والله. (تفسير القمي 1/ 54 - 55 و2/ 198، فصل الخطاب 296، تفسير الصافي 4/ 206، تفسير نور الثقلين 4/ 309، بحار الأنوار 23/ 301).
فإنها كانت مثل {سورة الأنعام} فأسقط منها فضائل أهل البيت وأحكام إمامتهم. وأُسقط لفظ {ويلك} قبل قوله تعالى {لا تحزن إن الله معنا} (1)
__________
(1) لأبي الثناء الألوسي كلام نفيس في حول هذه الآية الكريمة رداً على الرافضة الذين حاولوا انتقاص الصديق رضوان الله عليه، حيث يقول رحمه الله تعالى في تفسيره "روح المعاني" ج10 ص100 وما بعدها:
وأنكر الرافضة دلالة الآية على شيء من الفضل في حق الصديق رضي الله عنه، قالوا: إن الدال على الفضل إن كان {ثاني اثنين} فليس فيه أكثر من كون أبي بكر متمماً لعدد، وإن كان {إذ هما في الغار} فلا يدل على أكثر من اجتماع شخصين في مكان، وكثيراً ما يجتمع فيه الصالح والطالح، وإن كان {لصاحبه} فالصحبة تكون بين المؤمن والكافر كما في قوله تعالى {قال له صاحبه وهويحاوره أكفرت بالذي خلقك} وقوله سبحانه {وما صاحبكم بمجنون} و {يا صاحبي السجن} بل تكون بين من يعقل وغيره كقوله:
إن الحمار مع الحمير مطية وإذا خلوت به فبئس الصاحب
وإن كان {لا تحزن} فيقال: لا يخلوإما أن يكون الحزن طاعة أومعصية. لا جائز أن يكون طاعة، وإلا لما نهي عنه صلَّى الله عليه وسلَّم، فتعين أن يكون معصية لمكان النهي، وذلك مثبت خلاف مقصودكم على أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه وإن كان {إن الله معنا} فيحتمل أن يكون المراد إثبات معية الله تعالى الخاصة له صلَّى الله عليه وسلَّم وحده لكن أتى - بنا - سد الباب الإيحاش. ونظير ذلك بالإتيان بأوفي قوله {وإنا وإياكم لعلى هدى أوفي ضلال مبين} وإن كان {فأنزل الله سكينته عليه} فالضمير فيه للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم. لئلا يلزم تفكيك الضمائر، وحينئذ يكون في تخصيصه عليه الصلاة والسلام لم يخرجه معه إلا حذراً من كيده لوبقي مع المشركين بمكة، وفي كون المجهز لهم بشراء الإبل علياً رضي الله عنه، إشارة لذلك، وإن كان شيئاً لنتكلم عليه، انتهى كلامهم.
ولعمري إنه أشبه شيء بهذيان المحموم، أوعربدة السكران، ولولا أن الله سبحانه وتعالى حكى في كتابه الجليل عن إخوانهم اليهود والنصارى ما هومثل ذلك ورده رحمة بضعفاء المؤمنين ما كنا نفتح في رده فماً أونجري في ميدان تزييفه قلماً، لكني لذلك أقول: لا يخفى أن {ثاني اثنين} وكذا {إذ هما في الغار} إنما يدلان بمعونة المقام على فضل الصّدّيق رضي الله تعالى عنه، ولا ندعي دلالتهما مطلقاً ومعونة المقام أظهر من نار على علم، ولا يكاد ينتطح كبشان في أن الرجل لا يكون ثانياً باختياره لآخر، ولا معه في مكان، إذا فرّ من عدوما لم يكن معوّلاً عليه متحققاً صدقه لديه، لاسيما وقد ترك الآخر لأجله أرضاً حلّت فيه قوابله، وحلّت عنه بها تمائمه، وفارق أحبابه، وجفا أترابه، وامتطى غارب سبسب يضل به القطا وتقصر فيه الخطا.
ومما يدل على فضل الاثنينية قوله صلَّى الله عليه وسلَّم مسكناً جأش أبي بكر: "ما ظنك باثنين الله تعالى ثالثهما"، والصحبة اللغوية وإن لم تدل بنفسها على المدعي لكنها تدل عليه بمعونة المقام أيضاً. فإضافة صاحب إلى الضمير للعهد، أي صاحبه الذي كان معه في وقت يجفوفي الخليل ورفيقه الذي فارق لمرافقته أهله وقبيلته، وأن {لا تحزن} ليس المقصود منه حقيقة النهي عن الحزن فإنه من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف، بل المقصود منه التسلية للصديق رضي الله تعالى عنه، أونحوها.
وما ذكروه من الترديد يجري مثله في قوله تعالى خطاباً لموسى وهارون عليهما السلام {لا تخافا إنني معكما} وكذا في قوله سبحانه للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم {ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعاً} إلى غير ذلك.
أفترى أن الله سبحانه نهى عن طاعته؟ أوأن أحداً من أولئك المعصومين عليهم الصلاة والسلام ارتكب معصية، سبحانك هذا بهتان عظيم.
ولا ينافي كون الحزن من الأمور التي لا تدخل تحت التكليف بالنظر إلى نفسه قد يكون مورداً للمدح والذم، كالحزن على فوات الطاعة فإنه ممدوح، والحزن على فوات المعصية فإنه مذموم، لأن ذلك باعتبار آخر كما لا يخفى، وما ذكر في حيز العلاوة من أن فيه من الدلالة على الجبن ما فيه من ارتكاب الباطل ما فيه، فإنا لا نُسلّم أن الخوف يدل على الجبن، وإلا لزم جبن موسى وأخيه عليهما السلام، فما ظنك بالحزن؟.
وليس حزن الصّدّيق رضي الله تعالى عنه بأعظم من الاختفاء بالغار، ولا يظن مسلم أنه كان عن جبن أويتصف بالجبن أشجع الخلق على الإطلاق صلَّى الله عليه وسلَّم، ومن أنصف رأى أن تسليته عليه الصلاة والسلام لأبي بكر بقوله {لا تحزن} كما سلاه ربه سبحانه بقوله {لا يحزنك قولهم} مشيرة إلى أن الصّدّيق رضي الله تعالى عنه عنده عليه الصلاة والسلام بمنزلته عند ربه جلّ شأنه، فهوحبيب حبيب الله تعالى، بل لوقطع النظر عن وقوع مثل هذه التسلية من الله تعالى لنبيه صلَّى الله عليه وسلَّم، كان نفس الخطاب بلا - تحزن - كافياً في الدلالة على أنه رضي الله تعالى عنه حبيب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإلا فكيف تكون محاورة الأحباء؟ وهذا ظاهر إلا عند الأعداء.
وما ذكر من أن المعية الخاصة لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وحده والإتيان - بنا - لسد باب الإيحاش من باب المكابرة الصرفة، كما يدل عليه الخبر المار آنفاً، على أنه إذا كان ذلك الحزن إشفاقاً على الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وعلى نفسه رضي الله تعالى عنه، لم يقع التعليل موقعه والجملة مسوقة له، ولوسلمنا الإيحاش على الأول ووقوع التعليل موقعه على الثاني يكون ذلك الحزن دليلاً واضحاً على مدح الصّدّيق، وإن كان على نفسه فقط كما يزعمه ذوالنفس الخبيثة لم يكن للتعليل معنى أصلاً، وأي معنى في لا تحزن على نفسك إن الله معي لا معك.
على أنه يقال للرافضي: هل فهم الصدّيق رضي الله تعالى عنه من الآية ما فهمت من التخصيص وأن التعبير {بنا} كان سداً لباب الإيحاش أم لا؟ فإن كان الأول يحصل الإيحاش ولابد فنكون قد وقعنا فيما فررنا منه، وإن كان الثاني فقد زعمت لنفسك رتبة لم تكن بالغها ولوزهقت روحك، ولوزعمت المساواة في فهم عبارات القرآن الجليل، وإشاراته لمصاقع أولئك العرب المشاهدين للوحي ما سلم لك أوتموت، فكيف يسلم لك الامتياز على الصّدّيق وهو- هو- وقد فهم من إشارته صلَّى الله عليه وسلَّم في حديث التخيير ما خفي على سائر الصحابة حتى علي رضي الله عنه، فاستغربوا بكاءه رضي الله تعالى عنه يومئذ، وما ذكر من التنظير في الآية مشيراً إلى التقية التي اتخذها الرافضة ديناً وحرّفوا لها الكلم عن مواضعها، وما ذكر في أمر السكينة فجوابه يعلم مما ذكرناه، وكون التخصيص مشيراً إلى إخراج الصدّيق رضي الله تعالى عنه عن زمرة المؤمنين كما رمز إليه الكلب عدوالله ورسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، لوكان ما خفي على أولئك المشاهدين للوحي الذين من جملتهم الأمير رضي الله عنه، فكيف مكّنوه من الخلافة التي أخذت النبوة عند الشيعة، وهم الذين لا تأخذهم لومة لائم، وكون الصحابة قد اجتمعوا في ذلك على ضلالة، والأمير كان مستضعفاً فيما بينهم، أومأموراً بالسكوت وغمد السيف، إذ ذاك كما زعمه المخالف قد طوى بساط رده وعاد شذر مذر، فلا حاجة إلى إتعاب القلم في تسويد وجه زاعمه، وما ذكر أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يُخرجه إلا حذراً من كيده فيه أن الآية ليس فيها شائبة دلالة على إخراجه أصلاً فضلاً عن كون ذلك حذراً من الكيد، على أن الحذر - لوكان - في معيته له صلَّى الله عليه وسلَّم، وأي فرصة تكون مثل هذه الفرصة التي حصلت حين جاء الطلب لباب الغار؟ فلوكان عند أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وحاشاه أدنى ما يُقال لقال: هلموا فهاهنا الغرض. ولا يُقال: أنه خاف على نفسه أيضاً، لأنه يمكن أن يخلصها منهم بأمور، ولا أقل من يقول لهم: خرجت لهذه المكيدة، وأيضاً لوكان الصّدّيق كما يزعم الزنديق فأي شيء منعه من أن يقول لابنه عبد الرحمن أوابنته أسماء أومولاه عامر بن فهيرة، فقد كانوا يترددون إليه في الغار كما أخرج ابن مردويه عن عائشة، فيخبر أحدهم الكفار بمكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وعلى أنه على هذا الزعم يجيء حديث التمكين وهوشاهد على وزنه هو- هو- وأيضاً إذا انفتح باب هذا الهذيان أمكن للناصبي أن يقول والعياذ بالله تعالى في علي رضي الله عنه: أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يأمره بالبيتوتة على فراشه الشريف ليلة هاجر إلا ليقتله المشركون، ظناً منه أنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فيستريح منه، وليس هذا القول بأعجب ولا أبطل من قول الشيعي: إن إخراج الصّدّيق إنما كان حذراً من شره، فليتق الله سبحانه من فتح هذا الباب المستهجن عند ذوي الألباب .. اهـ.
وكذا أُسقط لفظ {بعلي بن أبي طالب} بعد قوله تعالى {وكفى الله المؤمنين القتال} (1) وكذا لفظ {آل محمد} الواقع بعد {ظلموا} من قوله تعالى {وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون} (2) إلى غير ذلك من الأقوال والترهات.
وأما العترة الشريفة فهي بإجماع أهل اللغة تُقال لأقارب الرجل، والشيعة ينكرون نسبة بعض العترة كرقية وأم كلثوم ابنتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم (3)
__________
(1) بحار الأنوار 24/ 398، فصل الخطاب 321.
(2) تفسير القمي 2/ 125، فصل الخطاب للنوري 294، منهاج البراعة شرح نهج البلاغة للخوئي 2/ 215.
(3) من منطلق تحريم الرافضة نكاح أهل السنة، فإن بعض علماء الرافضة يُنكرون أن تكون رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما من بنات المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم وأنه عليه الصلاة والسلام زوّجهما عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي ذلك يقول الشقي نعمة الله الجزائري في كتابه "الأنوار النعمانية" ص80 - 81: وأما قوله: وأما عثمان فهووإن شاركه في كونه ختناً له. أقول: الأختان اللتان أخذهما عثمان هما: رقية تزوجها عتبة بن أبي لهب فطلقها قبل أن يدخل بها ولحقها منه أذى، فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم "اللهم سلّط على عتبة كلباً من كلابك، فتناوله السد من بين أصحابه، تزوجها بعده عثمان بن عفان فولدت له عبد الله ومات صغيراً، نقره ديك في عينيه فمرض ومات، وتوفيت بالمدينة زمن بدر فتخلّف عثمان على دفنها، ومنعه أن يشهد بدراً، وقد كان عثمان هاجر إلى الحبشة ومعه رقية، والأخرى أم كلثوم تزوجها أيضاً عثمان بعد أختها رقية وتوفيت عنده.
وقد اختلف العلماء لاختلاف الروايات في أنهما هل هما من بنات النبي صلَّى الله عليه وسلَّم من خديجة أوأنهما ربيبتاه من أحد زوجيها الأوليين؟.
فإنه أولاً قد تزوجها عتيق بن عائد المخزومي فولدت له جارية، ثم تزوجها أبوهالة الأسدي فولدت له هنداً بنت هالة، ثم تزوجها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.
وهذا الاختلاف لا أثر له لأن عثمان في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قد كان ممن أظهر الإسلام وأبطن النفاق، وهوصلَّى الله عليه وسلَّم قد كان مكلفاً بظواهر الأوامر كحالنا نحن أيضاً، وكان يميل إلى مواصلة المنافقين رجاء الإيمان الباطني منهم، مع أنه صلَّى الله عليه وسلَّم لوأراد الإيمان الواقعي لكان أقل قليل، فإن أغلب الصحابة كانوا على النفاق، لكن كانت نار نفاقهم كامنة في زمنه، ولذا قال عليه السلام: "ارتدّ الناس كلهم بعد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلا أربعة: سلمان، وأبوذر، والمقداد، وعمار. وهذا مما لا إشكال فيه. اهـ.
ويقول أبوالقاسم الكوفي في كتابه "الاستغاثة في بدع الثلاثة" 1/ 75 وما بعدها: أما ما روت العامة [يقصد أهل السنة] من تزويج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم عثمان بن عفان رقية وزينب [عثمان رضي الله عنه إنما تزوج رقية وأم كلثوم رضي الله عنهما، ويبدوأن معلومات هذا الرافضي في الأنساب والتاريخ ضعيفة للغاية، والعجيب أنه يُعيب على أهل السنة قلة معرفتهم بالأنساب كما قال] فإن التزويج صحيح غير متنازع فيه، إنما التنازع بيننا وقع في رقية وزينب هل هما ابنتا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أم ليستا ابنتيه؟ وليس لأحد من أهل النظر إذا وجد تنازعاً من خصمين، كلّ منهما يدّعي أن الحق معه، وفي يده الميل إلى أحد الخصمين دون الآخر بغير بيان وإيضاح، ويجب البحث عن صحة كل واحد منهما بالنظر والاختبار والتفحص والاعتبار. فإذا اتضح له الحق منهما وبان له الصدق من أحدهما اعتقد عند ذلك قول المحقّ من الخصمين، وأطرح الفاسد من المذهبين، ولم يدحضه كثرة مخالفيه وقلّة عدد موافقيه، فإن الحق لا يتضح عند أهل النظر والفهم والعلم والتميز والطلب لكثرة مُتّبعيه، ولا يبطل لقلّة قائليه، وإنما يتحقق ويتضح الصدق بتصحيح النظر والتميز والطلب للشواهد والإعلام التي تجاب .... إن رقية وزينب زوجتي عثمان لم يكونا ابنتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا ولد خديجة زوجة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وإنما دخلت الشبهة على العوام فيهما لقلة معرفتهم بالأنساب وفهمهم بالأسباب.
ويقول ص80: "وصح لنا فيهما ما رواه مشايخنا من أهل العلم عن الأئمة من أهل البيت، وذلك أن الرواية صحت عندنا عنهم أنه كانت لخديجة بنت خويلد من أمها أخت يُقال لها هالة قد تزوجها رجل من بني مخزوم، فولدت بنتاً اسمها هالة ثم خلف عليها بعد أبي هالة رجل من تميم يُقال له أبوهند، فأولدها ابناً كان يُسمى هنداً بن أبي هند وابنين، فكانتا هاتان منسوبتين إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم .. ".
وقد كفانا مؤنة الرد على هذا الهذيان المعلّق على الكتاب والمستتر تحت اسم "الكاتب" ولا أدروجه تستّره وعدم الإفصاح عن اسمه، حيث إن كتاب الكوفي كله طعن وتجريح ولعن للصحابة رضوان الله عليهم أجمعين وهذا من أساسيات الدين الشيعي، فيقول في تعليقه علىالكتاب 1/ 89 - 91: قد رأيت رأي صاحب الكتاب في زينب ورقية وأنهما ليستا ابنتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ولا خديجة، وأن تزوج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أباهما عثمان بن عفان بعد عتبة بن أبي لهب، وأبي العاص بن الربيع صحيح غير متنازع فيه، ولكن خالف صاحب الكتاب في هذا الرأي جماعة من أساطين العلماء من الفقهاء والنسابين ممن لا يستهان بهم، منهم المفيد فإنه في "أجوبة المسائل الحاجبية" في جواب المسألة المتممة للخمسين لما سئل عن ذلك، قال: إن زينب ورقية كانتا ابنتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم والمخالف لذلك شاذ بخلافه، فأما تزويجه صلَّى الله عليه وسلَّم بكافرين فإن ذلك قبل تحريم مناكحة الكفار، وكان له صلَّى الله عليه وسلَّم أن يزوّجهما ممن يراه، وقد كانت لأبي العاص وعتبة نسب برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان لهما محل عظيم إذ ذاك، ولم يمنع شرع من العقد لهما، فيمتنع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم من أجله ..
وقال في "أجوبة المسائل السروية" ما نصه: قد زوّج رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الأصنام أحدهما: عتبة بن أبي لهب، والآخر أبوالعاص بن الربيع، فلما بُعث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فرّق بينهما وبين ابنتيه، فمات عتبة على الكفر، وأسلم أبوالعاص بعد إبائه الإسلام فردّها عليه بالنكاح الأول، ولم يكن صلَّى الله عليه وسلَّم في حال من الأحوال كافراً ولا موالياً لأهل الكفر، وقد زوّج من تبرأ من دينه وهومعاد له في الله عزَّ وجلَّ. وهاتان البنتان هما اللتان تزوجهما عثمان بن عفان بعد هلاك عتبة وموت أبي العاص، وإنما زوّجه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على ظاهر الإسلام ثم إنه تغيّر بعد ذلك، ولم يكن على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تبعاً فيما يحدث في العاقبة، هذا على قول أصحابنا، وعلى فريق آخر أنه زوّجه على الظاهر، وكان باطنه مستوراً أنه ويمكن أن يستر الله عن نبيه عليه السلام نفاق كثير من المنافقين، وقد قال الله سبحانه {ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم} فيكن في أهل مكة كذلك، والنكاح على الظاهر دون الباطن على ما بيّنّاه (ثم قال) ويمكن أن يكون الله تعالى قد أباحه مناكحة من تظاهر بالإسلام وإن علم من باطنه النفاق وخصّه بذلك ورخّص له فيه كما خصّه في أن يجمع بين أكثر من أربع حرائر في النكاح، وأباحه أن ينكح بغير مهر ولم يحظر عليه المواصلة في الصيام ولا الصلاة بعد قيامه من النوم بغير وضوء وأشباه ذلك مما خصّ به وحظر على غيره من عامة الناس.
فهذه الأجوبة الثلاثة عن تزويج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عثمان، كل واحد منها كاف بنفسه مستغنى به عمار ورد.
.
ولا يعدون بعضهم داخلاً في العترة كالعباس (1)
__________
(1) العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عند الرافضة ضال وأعمى في هذه الدنيا وإنه غير مؤمن، وقد وردت عن طريق الرافضة عدة روايات تدل على هذا المعنى، نذكر واحدة فقط على سبيل المثال.
عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى رجل أبي عليه السلام فقال: إن فلاناً (يقصد ابن عباس رضي الله عنهما) يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن، في أي يوم نزلت، وفيم نزلت. قال: فسله في من نزلت {ومن كان في هذه أعمى فهوفي الآخرة أعمى وأضلّ سبيلا} وفي من نزلت {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا}؟.
فأتاه الرجل، وقال (ابن عباس رضي الله عنهما): وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فأسأله، ولكن سله ما العرش ومتى خلق وكيف هو؟.
فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال.
فقال: وهل أجابك في الآيات؟ قال: لا.
قال: ولكنّي أُجيبك فيها بنور وعلم غير المدّعي والمنتحل، أما الأوليان فنزلتا في أبيه (يقصد العباس رضي الله عنه)، وأما الأخيرة فنزلت في أبي وفينا، وذكر الرباط الذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط.
قال أبوعبد الرحمن: ونسي الراوي أن يسأل هذا الإمام ما هوالرباط؟ أهوفي سبيل الله تعالى؟ أم كما تُفسّره الرافضة بالمصابرة والمرابطة على النفاق أوما يسمونه بالتقية.
والرواية طويلة ولكننا ذكرنا القسم الخاص بالعباس وابنه رضي الله عنهما، وهذه الرواية بطولها مذكورة في: رجال الكشي ص52، مجمع الرجال للقهبائي ج4 ص10، معجم رجال الحديث للخوئي ج1 ص234 - 235.
عم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأولاده كالزبير بن صفية عمة الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بل يبغضون أكثر أولاد فاطمة رضي الله تعالى عنهم ويسبونهم كزيد بن علي بن الحسين الذي كان عالماً متقياً (1)
__________
(1) زيد بن علي رحمه الله تعالى لم يسلم من طعن الشيعة، ونضع بين القارئ الكريم رواية واحدة على سبيل الإيجاز توضح أن زيداً رحمه الله تعالى إنما خرج في خروجه معتقداً أنه الإمام الحق متجاوزاً في ذلك الإمام المنصوص عليه حسب زعمه الشيعة وحدثت مشادة كلامية بينه وبين أخيه محمد بن علي بن الحسين ونترك تفاصيل ذلك للرواية الشيعية: عن موسى بن بكر ابن داب، عمن حدثه (!!!)، عن أبي جعفر - عليه السلام - أن زيد بن علي بن الحسين - عليهما السلام - دخل على أبي جعفر محمد بن علي - عليه السلام - ومعه كتب من أهل الكوفة يدعونه فيها إلى أنفسهم ويخبرونه باجتماعهم، ويأمرونه بالخروج، فقال له أبوجعفر - عليه السلام -: هذه الكتب ابتداء منهم أوجواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه؟ فقال: بل ابتداء من القوم، لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله - صلَّى الله عليه وآله - ولما يجدون في كتاب الله عزَّ وجلَّ من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا، ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء، فقال له أبوجعفر - عليه السلام -: إن الطاعة مفروضة من الله عزَّ وجلَّ وسنة أمضاها في الأولين، وكذلك يحل بها في الآخرين، والطاعة لواحد منا والمودة للجميع، وأمر الله يجري لأوليائه بحكم موصول، وقضاء مفصول، وحتم مقضي، وقدر مقدور وأجل مسمى لوقت معلوم، (ولا يستخفنك الذين لا يوقنون) (إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً) فلا تعجل فإن الله لا يعجل لعجلة العباد، ولا تسبقن الله فتعجلك البلية فتصرعك. قال: فغضب زيد عن ذلك، ثم قال: ليس الإمام منا من جلس في بيته وأرخى ستره وثبط عن الجهاد، ولكن الإمام منا من منع حوزته، وجاهد في سبيل الله حق جهاده، ودفع عن رعيته، وذب عن حريمه. قال أبوجعفر - عليه السلام -: هل تعرف يا أخي من نفسك شيئاً مما نسبتها إليه، فتجيء عليه بشاهد من كتاب الله أوحجة من رسول الله - صلَّى الله عليه وآله - أوتضرب به مثلاً فإن الله عزَّ وجلَّ أحل حلالاً وحرم حراماً وفرض فرائض وضرب أمثالاً وسن سنناً، ولم يجعل الإمام القائم بأمره في شبهة فيما فرض له من الطاعة أن يسبقه بأمر قبل محله، أويجاهد فيه قبل حلوله. وقد قال الله عزَّ وجلَّ في الصيد: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم) أفقتل الصيد أعظم أم قتل النفس التي حرم الله؟ وجعل لكل شيء محلاً، وقال الله عزَّ وجلَّ: (وإذا حللتم فاصطادوا). وقال عزَّ وجلَّ: (لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام) فجعل الشهور عدة معلومة فجعل منها أربعة حرماً وقال: (فسيحوا في الأرض أربعة اشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله). ثم قال الله تبارك وتعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) فجعل لذلك محلاً وقال: (ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله) فجعل لكل شيء أجلاً ولكل أجل كتاباً. فإن كنت على بينة من ربك، ويقين من أمرك، وتبيان من شأنك فشأنك، وإلا فلا ترومن أمراً أنت منه في شك وشبهة، ولا تتعاط زوال ملك لم ينقص آكله ولم ينقطع مداه، ولم يبلغ الكتاب أجله، فلوقد بلغ مداه وانقطع أكله، وبلغ الكتاب أجله لانقطع الفصل وتتابع النظام، ولا عقب الله في التابع والمتبوع الذل والصغار، أعوذ بالله من إمام ضل عن وقته، فكان التابع فيه أعلم من المتبوع. أتريد يا أخي أن تحيي ملة قوم كفروا بآيات الله وعصوا رسوله واتبعوا أهوائهم بغير هدى من الله، وادعوا الخلافة بلا برهان من الله، ولا عهد من رسوله؟ أعذك بالله يا أخي أن تكون غداً المصلوب بالكناسة، ثم أرفضعت عيناه وسالت دموعه. ثم قال: بيننا وبين من هتك سترنا وجحد حقنا وأفشى سرنا ونسبنا إلى غير جدنا وقال فينا ما لم نقله في أنفسنا. (الكافي: 1/ 356، البحار: 46/ 203، العوالم: 18/ 238، مدينة المعاجز 5/ 86).
وكذا يحيى ابنه وكذا إبراهيم وجعفر ابني موسى الكاظم ولقبوا الثاني بالكذاب مع أنه من كبار أولياء الله تعالى.
ولقبوا أيضاً جعفر بن علي أخا الإمام العسكري بالكذاب، ويعتقدون أن الحسن بن الحسن المثنى وابنه عبد الله المحض وابنه محمداً الملقب بالنفس الزكية ارتدوا وحاشاهم من كل سوء.
وكذلك يعتقدون في إبراهيم بن عبد الله وزكريا بن محمد الباقر ومحمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن ومحمد بن القاسم بن الحسن ويحيى بن عمر الذي كان من أحفاد زيد بن علي بن الحسين، وكذلك يعتقدون في جماعة حسنيين وحسينيين كانوا قائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين، إلى غير ذلك من الأمور الشنيعة التي يعتقدونها في حق العترة الطاهرة، نعوذ بالله من جميع ذلك، ونبرأ إليه جلّ شأنه من سلوك هاتيك المسالك.
فقد بان لك أن الدين عند هذه الطائفة الشنيعة قد انهدم بجميع أركانه وانقضّ ما تشيّد من محكم بنيانه، حيث إن كتاب الله تعالى قد سبق لك اعتقادهم فيه وعدم اعتمادهم على ظاهره وخافيه، ولا يمكنهم أيضاً التمسك بالعترة المطهرة بناء على زعمهم الفاسد من أن بعضهم كانوا كفرة.
اعتماد قاعدة المخالفة في الترجيح بين الأحكام الفقهية المتعارضة ..
يقوم الفقه (الجعفري) في كثير من مسائله على قاعدة طائفية منسوبة زوراً إلى جعفر الصادق بقوله: (ما خالف العامة ففيه الرشاد) (2)!
(2) أصول الكافي - الكليني 1/ 68، تهذيب الأحكام - الطوسي 6/ 301.
وهي - بلا شك - قاعدة فاسدة، كانت - ولا زالت - من الأسباب الكبرى للتفرقة الطائفية، وفشل كل محاولات الالتقاء المخلص بين أبناء البلد الواحد.
وبطلانها واضح لا يحتاج إلى جهد كبير: فإنه ما من طائفة أوديانة مهما كانت إلا ولديها شيء من الحق فتكون مخالفتها على الإطلاق مخالفة لذلك الحق. حتى اليهود والنصارى عندهم بعض الحق. وقد أقرهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عليه، ووافقهم في بعض الأمور مثل صيام عاشوراء. وكتابنا جاء مصدقاً لما بين يديه من الحق الذي عندهم ومهيمناً عليه. وقد اتفق جمهور علماء الأصول على أن (شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد في شرعنا بخلافه).
أما الشيعة فقد اتخذ علماؤهم من هذه القاعدة أساساً لمعرفة الحق في موارد الإشكال: مثل تعارض الأحكام الفقهية، أوالروايات الصحيحة عندهم عن (الأئمة). من ذلك ما يرويه الطوسي في الاستبصار - باب تحليل المتعة بعد روايته عدة روايات في إباحتها فقال: فأما ما رواه محمد بن أحمد - وساق السند - عن زيد بن علي عن آبائه عن علي (ع) قال: (حرم رسول الله (ص) لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة) فالوجه في الرواية أن نحملها على التقية لأنها موافقة لمذاهب العامة (1).
ومثل هذا كثير! وهوباطل لأنه مبني على قاعدة باطلة، وما بني على باطل فهوباطل. فكيف ينسب إلى أئمة الحق.
حقيقة الإجماع عند الشيعة
الإجماع هو الأصل الثالث عند المسلمين بعد الكتاب والسنة .
يقول الله في محكم كتابه : {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً } . استدل بهذه الآية علماء الإسلام على أن المخالف لما أجمع عليه المسلمون، متبع لغير سبيل المؤمنين، وخارج عنهم، وبهذا استدل الشافعي وغيره على تحريم مخالفة الإجماع . مع الرويات الكثيرة عنه صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة : لا تجتمع على ضلالة . والحديث تكلم عليه كثير من نقاد الحديث . واستشهد به كثير من أصحاب الأصول إحتجاجاً به .
والشيعة هل تقول بهذا الأصل كأهل السنة والجماعة ؟
كعادتنا لن نسوق كلام أهل السنة في بيان ما ذهب إليه الشيعة في هذا الجانب، ولكن سوف نحاجهم بكتبهم وكلام علمائهم ومشايخهم .
يقول ابن المطهر الحلي : (الإجماع إنما هو حجة عندنا )، وليت هذا الأمر يقف عند هذا الحد فنسلم لهم بموافقة أهل السنة على ذلك؛ بل إن الشيعة تنحو منحىً آخر في تفسير معنى الإجماع .
فالاجماع عندهم لا ينعقد و لايصح إلا إذا كان موافقاً لقول المعصوم . فيقول المطهر بن الحلي : (الإجماع إنما هو حجة عندنا لا شتماله على قول المعصوم، فكل جماعة كثرت أو قلت كان قول الإمام في جملة أقوالها ، فإجماعها حجة لأجله، لا لأجل الإجماع ) [تهذيب الوصول إلى علم الأصول : ص 70] .
وعلى هذا لو اجتمع علماء المسلمين كلهم من السنة والشيعة لم ينعقد الإجماع إلا إذا وافق قول الإمام المعصوم ، ولو اجتمع اثنان من العلماء لكان اجماعاً معتبراً !! . وبهذا يتبين أن الأجماع عند الشيعة ليس من شرطه إجماع الأمة؛ بل بوجود نص المعصوم . ففي معالم الدين قالوا: (أما الإجماع فعندنا هو حجة بانضمام المعصوم ، فلو خلا المائة، من فقهائنا عن قوله لما كان حجة ، ولو كان في اثنين لكان قولهما حجة ، لا باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله ) [ص405] .
وقد أوضح محمد جواد مغنية –وهو من شيوخهم المعاصرين – عن مذهب الشيعة في الإجماع فقال : (أن ثمة تبايناً بين موقف متقدمي الشيعة وبين موقف متأخريهم من مسألة الإجماع، حيث اتفق المتقدمون (من الشيعة) على أن مصادر التشريع أربعة: الكتاب، والسنة، والإجمع، والعقل، وغالوا في الاعتماد على الإجماع حتى كادوا يجعلونه دليلاً على كل أصل وكل فرع، وعد المتأخرون لفظ الإجماع مع هذه المصادر ولكنهم أهملوه، بل لم يعتمدوا عليه إلا منضماً مع دليل آخر في أصل معتبر ) [أصول الفقه للشيعة الإمامية بين القديم والحديث/ بحث بمجلة رسالة الإسلام، السنة الثانية، العدد الثالث: ص 284-286] .
قلت : ولم يسلم بعض مشايخ الشيعة بما تضمنه كلامه عن المتأخرين ، فهذا الشعراني في تعاليق علمية على شرح جامع المازندراني[2/414] : يؤكد على أن الإجماع حجة مستقلة ثم ساق نصوصاً عن بعض مشايخهم و علمائهم . وهذا يوضح أن علماء ومشايخ الشيعة المعاصرين مختلفون في هذا الأصل . وأرجع الشيخ القفاري حفظه الله ، الخلاف في هذا بين الأصوليين والإخباريين من الشيعة ، فالأولون ذهبوا إلى حجية الإجماع . والأخباريون جعلوا وجود قول المعصوم شرطاً في قبوله .
وقبل أن نختم هذا المبحث لا بد أن نوضح حقيقة مهمة جداً وهي : أن الإجماع الذي يسوقه مشايخ الشيعة وعلمائهم يضاد بعضه بعضاً ، بل إن إجماعهم أصبح كروياتهم تضارب بعضها بعضاً !! . وقد اشتكى بعض مشايخ الشيعة من استفحال هذا الأمر .
فهذا الطريحي صاحب جامع المقال يقول عن ابن بابويه القمي الملقب عنده بالصدوق إنه : (... ليدعي الإجماع في مسألة ويدعي إجماعاً آخر على خلافها وهو كثير ) [جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال : ص 15] .
وهذا النوري الطبرسي يقول : ( ربما يدعي الشيخ والسيد إجماع الإمامية على أمر وإن لم يظهر به قائل !!!) [فصل الخطاب : ص34] . قلت : وهذه طامة كبرى . فإنه من الممكن أن يُدعى الإجماع على أمر قال به إثنان أو ثلاثة ونحو ذلك، أما أن يُدعى الإجماع على أمر لم يقل به أحد فهذه شنيعة كبرى !! .
عقيدتهم في الإجماع
الإجماع من أصول أهل السنة، وهو الأصل الثالث بعد الكتابة والسنة الذي يعتمد عليه في العلم والدين [انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 3/157، وراجع في هذا: الآمدي/ الإحكام في أصول الأحكام: 1/200، الغزالي/ المستصفى: 1/173 وما بعدها، وانظر: الرسالة للشافعي: ص403 رقم 1105، وص 471 وما بعدها، ابن عبد البر/ التمهيد: 4/267.]، ولذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة" [مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 3/346.].
وأهل السنة يَزِنُون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال.. مما تعلق بالدين [المصدر السابق: 3/157.]، وسموا أهل الجماعة، لأن الجماعة هي الاجتماع وضدها الفرقة [وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسماً لنفس القوم المجتمعين (انظر: المصدر السابق: 3/157).]. والإجماع الذي ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح، إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة [المصدر السابق: 3/157.].
والشيعة لا ترى إجماع الصحابة والسلف أو إجماع الأمة إجماعاً، ولها في هذا الباب عقائد مخالفة نذكرها فيما يلي:
أولاً: الحجة في قول الإمام لا في الإجماع:
نقلت كتب الأصول عند أهل السنة أن الشيعة تقول: "إن الإجماع حجة لا لكونه إجماعاً، بل لاشتماله على قول الإمام المعصوم، وقوله بانفراده عندهم حجة" [الإسنوي/ نهاية السول: 3/247.].
ونستطلع فيما يلي رأي الشيعة من مصادرها، يقول ابن المطهر الحلي: "الإجماع إنما هو حجة عندنا لاشتماله على قول المعصوم، فكل جماعة كثرت أو قلت كان قول الإمام في جملة أقوالها، فإجماعها حجة لأجله لا لأجل الإجماع" [ابن المطهر/ تهذيب الوصول إلى علم الأصول: ص 70، ط: طهران 1308هـ.]. وبمثل هذا قال عدد من شيوخهم [انظر: المفيد/ أوائل المقالات ص 99-100، قوامع الفضول ص 305، حسين معتوق/ المرجعية الدينية العليا ص 16، وراجع كتب الأصول عندهم عامة.].
إذن الإجماع ليس حجة عندهم بدون وجود الإمام الذي يعتقدون عصمته، فمدار حجية الإجماع هو على قوله لا على نفس الإجماع، فهم في الحقيقة لم يقولوا بحجة الإجماع، وإنما قالوا بحجية قول المعصوم، ودعواهم الاحتجاج بالإجماع تسمية لا مسمى لها، فقول ابن المطهر: "الإجماع حجة عندنا" من لغو القول؛ إذ الأصل أن يقول: الإجماع ليس بحجة عندنا، لأن الحجة في قول الإمام المعصوم.. لأن هذا هو مقتضى مذهبهم، فهم جعلوا الإمام بمثابة النبي أو أعظم؛ فهو عندهم ينكت في أذنه، ويأتيه الملك، بل يرى خلقاً أعظم من جبرائيل وميكائيل، إلى آخر ما فصلنا القول فيه عنهم في معتقدهم في السنة، فهم ليسوا بحاجة للإجماع والإمام حاضر بينهم، كما أن الصحابة ليسوا بحاجة للإجماع والرسول حاضر بينهم.
فعندهم في كل عصر نبي يسمى الإمام، والحجة في قوله لا في الإجماع، ولهذا قالوا: "ونحن لما ثبت عندنا بالأدلة العقلية والنقلية كما هو مستقصى في كتب أصحابنا الإمامية أن زمان التكليف لا يخلو من إمام معصوم حافظ للشرع يجب الرجوع إلى قوله فيه، فمتى اجتمعت الأمة على قول كان داخلاً في جملتها لأنه سيدها، والخطأ مأمون على قوله، فيكون ذلك الإجماع حجة. فحجية الإجماع عندنا إنما هو باعتبار كشفه عن الحجة التي هي قول المعصوم" [النحاريري/ معالم الدين: ص406.].
والأرض لا تخلو من إمام، لأنه - كما يزعمون - "لو خلت الأرض من إمام لساخت" [أصول الكافي: 1/179.]، ومعنى هذا استمرار تعطيل مبدأ الإجماع.
وأنت إذا تأملت أقوالهم في الإجماع لا تكاد تلمس فرقاً بين مفهوم السنة عندهم، والإجماع إلا باللفظ فقط؛ لأن السنة قول المعصوم، والإجماع المعتبر عندهم هو الكاشف عن قول المعصوم. ولك أن تعجب لماذا يعدون الإجماع أصلاً يقررونه في كتبهم الأصولية. وهو اسم بلا مسمى حتى قرروا بأنه لا عبرة بأقوال ففقهائهم ولو بلغوا المائة، قالوا: "أما الإجماع فعندنا هو حجة بانضمام المعصوم، فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله لما كان حجة، ولو كان في اثنين لكان قولهما حجة، لا باعتبار اتفاقهما بل باعتبار قوله" [معالم الدين: ص 405.].
فمعنى هذا أن الإجماع لغو لا فائدة في القول فيه أصلاً، وإنما نهاية أمرهم أنهم سموا السنة باسم الإجماع.
ويبدو أن هذا الاعتراض أثير على الشيعة في عصور متقدمة، فقد نقل بعض شيوخ الشيعة عن الشريف المرتضى أنه قال: "إننا لسنا بادئين بالحكم بحجية الإجماع حتى يرد كونه لغواً، وإنما بدأ بذلك المخالفون، وعرضوه علينا، فلم نجد بداً من موافقتهم عليه.. فوافقناهم في أصل الحكم لكونه حقاً في نفسه، وإن خالفناهم في علته ودليله" [قوامع الفضول: ص 305.]. أي: إنهم قلدوا لمجرد التقليد والمحاكاة.
وقال صاحب قوامع الفضول أيضاً: "تنعدم فائدة الإجماع لو علم حال شخص الإمام خروجاً أو دخولاً [يعني خروجاً من الإجماع أو دخولاً فيه.] أو حال قوله تقية أو نحوها، لكن الذي يسهل الخطب هو أن عقد باب الإجماع منهم دوننا كي يتجه علينا ذلك" [قوامع الفضول: ص 305.].
ومادام أهل السنة اعتبروا هذا أصلاً، فلماذا تجارونهم وعقيدتكم في الإمام تناقض القول به أصلاً؟!
ويقول محمد رضا المظفر: "إن الإجماع لا قيمة علمية له عند الإمامية ما لم يكشف عن قول المعصوم.. فإذا كشف على نحو القطع عن قوله فالحجة في الحقيقة هو المنكشف لا الكاشف، فيدخل حينئذ في السنة، ولا يكون دليلاً مستقلاً في مقابلها" [المظفر/ أصول الفقه 3/92.].
ويقول رضا الصدر: "وأما الإجماع عندنا - معاشر الإمامية - فليس بحجة مستقلة تجاه السنة، بل يعد حاكياً لها، إذ منه يستكشف رأي المعصومين عليهم السلام" [رضا الصدر/ الاجتهاد والتقليد: ص 17.].
ويذكر شيخهم محمد جواد مغنية (وهو من شيخهم المعاصرين): "أن ثمة تبايناً بين موقف متقدمي الشيعة وبين موقف متأخريهم في مسألة الإجماع، حيث اتفق المتقدمون (من الشيعة) على أن مصادر التشريع أربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، وغالوا في الاعتماد على الإجماع حتى كادوا يجعلونه دليلاً على كل أصل وكل فرع، وعد المتأخرون لفظ الإجماع مع هذه المصادر ولكنهم أهملوه، بل لم يعتمدوا عليه إلا منضماً مع دليل آخر في أصل معتبر" [مغنية/ أصول الفقه للشيعة الإمامية بين القديم والحديث/ بحث بمجلة رسالة الإسلام، السنة الثانية، العدد الثالث: ص 284-286.]. ولكن هذا الكلام ليس على إطلاقه، إذ من المتأخرين من يعد الإجماع دليلاً مستقلاً" [فقد ذهب شيخهم الشعراني والذي وصفوه بالعالم المتبحر إلى القول "بحجية الإجماع، وكونه دليلاً مستقلاً". (الشعراني/ تعاليق علمية "على شرح جامع للمازندراني": 2/414).
إذن ما يقول مغنية غير مسلم، لكن الخلاف - فيما ألاحظ - دائر في هذا الأصل بين الأصوليين والإخباريين، فنجد الحر العاملي – وهو من الإخباريين - يرى أن "كل ما هو مذكور في هذا البحث في كتب الأصول فهو من العامة (يعني أهل السنة) لا دليل عليه، ولا وجه له أصلاً" (الفصول المهمة: ص 214).
وبإزاء ذلك فإن الأصوليين من الشيعة قد بحثوا هذا "الأصل" وقرروا القول به في كتب أصول الفقه عندهم، وإن كان مذهبهم في الإمام لا يستجيب للقول به.
يقول شيخهم المعاصر - الشعراني - في التأكيد على القول بهذا الأصل: "روى الطبرسي في الاحتجاج عن أبي الحسن علي بن محمد العسكري في حديث طويل قال: "اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك على أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها، فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون، وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تجتمع أمتي على الضلالة..". قال الشعراني: وهو يدل على حجية الإجماع، وكونه دليلاً مستقلاً، وإمكان العلم به، وتصديق لصحة الحديث المشهور "لا تجتمع أمتي على ضلالة". (الشعراني/ تعاليق علمية: 2/414).].
هذا وإمامهم انقطع ظهوره منذ القرن الثالث، فكيف الطريق للوصول لرأيه الكاشف عن حجية الإجماع؟
يرى شيخهم الحر العاملي ومن سلك سبيله من الإخباريين أن يتعذر الوصول لرأيه بعد غيبته، وبالتالي لا يثبت الإجماع، لأنه لا يمكن تحصيل العلم بدخوله فيهم ولا يظن به بعد غيبته، فلا يدرى في البر أم في البحر، في المغرب أم في المشرق [عن مقتبس الأثر للحائري: ص 63.]. بينما يذهب الأصوليون إلى ثبوت الإجماع، وإمكانية معرفة رأي الإمام.
يقول شيخهم الهمداني في مصباح الفقيه: "إن المدار على حجية الإجماع على ما استقر عليه رأي المتأخرين ليس على اتفاق الكل، بل ولا على اتفاقهم في عصر واحد، بل على استكشاف رأي المعصوم بطريق الحدس [الحدس في اللغة: الظن والتخمين (مختار الصحاح مادة: حدس) وقد يراد بالحدس المصطلح الفلسفي وهو الإدراك المباشر لموضوع التفكير..
وهو أشبه عندهم بالرؤية المباشرة والإلهام. (المعجم الفلسفي: ص 69-70).]. من فتوى علماء الشيعة الحافظين للشريعة، وهذا مما يختلف باختلاف الموارد، فرب مسألة لا يحصل فيها الجزم بموافقة الإمام، وإن اتفقت فيها آراء جميع الأعلام.. ورب مسألة يحصل فيها الجزم بالموافقة ولو من الشهرة" [مصباح الفقيه: ص 436، الاجتهاد والتقليد: ص 17.].
فمن هنا يتبين أن الطريق - عندهم - لاكتشاف قول الإمام هو الحدس، فانظر كيف يجعلون اكتشاف قول المعصوم بطريق الحدس والظن هو العمدة، وإجماع السلف ليس بعمدة، إنها مفارقات في غاية الغرابة، واتفاق جميع أعلامهم لا يحصل به الجزم بموافقة الإمام، ومجرد الشهرة يحصل بها الجزم ولو لم يحصل اتفاق. إنها مقاييس مقلوبة، كما أنه اعتراف منهم بأن شيوخهم قد يتفقون على ضلالة.
ومع إنكارهم حجية الإجماع في الحقيقة، فقد أثبتوا العمل بقول طائفة مجهولة وترك ما تقوله الطائفة المعروفة، وهذه من ثمار الشذوذ، وقد عللوا لهذا المسلك الشاذ بأن الإمام مع الطائفة المجهولة.
يقول صاحب معالم الدين: "إذا اختلفت الإمامية على قولين، فإن كانت إحدى الطائفتين معلومة النسب ولم يكن الإمام أحدهم كان الحق مع الطائفة الأخرى، وإن لم تكن معلومة النسب.." [معالم الدين: ص 406.]. حتى اعتبروا وجود هذه الطائفة المجهولة شرطاً لتحقق الإجماع في عصور الغيبة. قالوا: "الحق امتناع الاطلاع عادة على حصول الإجماع في زماننا هذا وما ضاهاه من غير جهة النقل، إذ لا سبيل إلى العلم بقول الإمام، كيف وهو موقوف على وجود المجتهدين المجهولين ليدخل في جملتهم ويكون قوله رضي الله عنه مستوراً بين أقوالهم، وهذا مقطوع بانتفائه، فكل إجماع يدعى في كلام الأصحاب مما يقرب من عصر الشيخ إلى زماننا، وليس مستنداً إلى نقل متواتر وآحاد حيث يعتبر أو مع القرائن المفيدة للعلم، فلابد أن يراد به ما ذكره الشهيد من الشهرة" [معالم الدين: ص 406.]. العمدة عندهم قول الطائفة المجهولة، وهذا عزيز الوجود، فمنذ ما يقارب عصر شيخ طائفة الطوسي لم يطلع على مثل هذا، والإجماع الموجود هو الإجماع المنقول [الإجماع في اصطلاح الاثني عشرية ينقسم إلى قسمين:
1- الإجماع المحصل: والمقصود به الإجماع الذي يحصله الفقيه بتتبع أقوال أهل الفتوى.
2- الإجماع المنقول: والمقصود به الإجماع الذي لم يحصله الفقيه بنفسه وإنما ينقله له من حصله من الفقهاء سواء أكان النقل به بواسطة أم بوسائط، ثم النقل تارة يقع على نحو التواتر، وهذا حكمه حكم المحصل من جهة الحجية، وأخرى يقع على نحو خبر الواحد، وإذا أطلق قول الإجماع المنقول في لسان الأصوليين فالمراد منه الأخير، وقد وقع الخلاف بينهم في حجيته (المظفر/ أصول الفقه: 3/101). وقال الأعملي في مقتبس الأثر: للإجماع في اصطلاحات الفقهاء (يعني فقهاء الجعفرية) إطلاقات منها يقولون: الإجماع: هو القطع برأي الإمام رضي الله عنه.
ومنها الإجماع المحصل، وعلق عليه بقوله: وهو غير حاصل، ومنها الإجماع المنقول بخبر الواحد وعقب عليه بقوله: وهو مقبول. (مقتبس الأثر: 3/62).]. وكأنه قبل عصر الشيخ قد وجد مثل هذا الإجماع.
وهؤلاء الذين يرفضون إجماع الصحابة، يبحثون عن قول طائفة مجهولة ليأخذوا به. ثم هم قد أصابوا في عدم الاعتداد بأقوال شيخهم وإن اتفقت كلمتهم، ولكنهم ضلوا في إعراضهم عما أجمع عليه الصحابة والسلف.
وهم في وصولهم إلى ما يسمى "بالإجماع" عندهم، يتخبطون أيما تخطب حتى صارت إجماعاتهم المتعارضة كرواياتهم المتضاربة التي تلاحظها أثناء مراجعتك لكتاب الاستبصار أو البحار أو غيرهما، بل إن العالم الواحد تتضارب أقواله في دعوى الإجماع، انظر - مثلاً - ابن بابويه القمي صاحب "من لا يحضره الفقيه" أحد الكتب الأربعة التي عليها مدار العمل عندهم، قالوا إنه: ".. ليدعي الإجماع في مسألة ويدعي إجماعاً آخر على خلافها وهو كثير" [جامع المقال فيما يتعلق بأحوال الحديث والرجال/ الطريحي: ص15.]. حتى قال صاحب جامع المقال: "ومن هذه طريقته في دعوى الإجماع كيف يتم الاعتماد عليه والوثوق بنقله" [الموضع نفسه من المصدر السابق.].
بل إنهم يدعون الإجماع في أمر لا قائل به، يقول شيخهم النوري الطبرسي: "ربما يدعي الشيخ والسيد إجماع الإمامية على أمر وإن لم يظهر له قائل" [فصل الخطاب: ص 34.]. كما ذكر شيخهم الطبرسي وأكد على وجود "الإجماعات المتعارضة من شخص واحد ومن معاصرين أو متقاربي العصر، ورجوع المدعي عن الفتوى التي ادعى الإجماع فيها ودعوى الإجماع في مسائل غير معنونة (كذا) في كلام من تقدم على المدعي، وفي مسائل قد اشتهر خلافها بعد المدعي، بل في زمانه، بل ما قبله" [الموضع نفسه من المصدر السابق.].
هذا قول الطبرسي وهو الخبير المتتبع لكتبهم، واضطر ليكشف هذا لنصرة مذهبه الذي ألف فصل الخطاب من أجله، ويرد دعوى الإجماع على خلافه فاستفدنا من هذا الاعتراف غير المقصود لذاته لنبين اضطرابهم في هذا الأصل، واضطرابهم في تحديده وفي تطبيقه.
ثم إنهم - وهم يقولون بأن الإجماع وهو ما يكشف عن قول المعصوم - لا يطبقون هذا، بل يتتبعون اتفاق أصحابهم لا قول معصومهم. ولهذا قال صاحب معالم الدين حينما ذكر ما قاله أحد كبار شيوخهم من أن العمدة هو كلام المعصوم لا اتفاق الفقهاء بدونه، فقال: "والعجب من غفلة الأصحاب عن هذا الأصل وتساهلهم في دعوى الإجماع عند احتجاجهم به للمسائل الفقهية، حتى جعلوه عبارة عن مجرد اتفاق الجماعة من الأصحاب فعدلوا به عن معناه الذي جرى عليه الاصطلاح من غير قرينة جلية، ولا دليل على الحجية معتداً – كذا - به" [معالم الدين: ص 405-406.].
فهم لا يقولون بالإجماع على الحقيقية، ومع ذلك يجعلونه من أصول أدلتهم، ويتناقضون في دعواه وتطبيقه أيما تناقض. والتناقض في القول دليل بطلانه.
وحتى يتجلى لك الفرق جلياً بين مذهب أهل السنة في القول بحجية الإجماع، وبين مذهب الشيعة في ذلك، فلك أن تتصور أنه لو صدر من إمامهم محمد الجواد، والذي قالوا بإمامته وهو ابن خمس سنين [انظر: بحار الأنوار: 25/103.]، لو صدر منه وهو في هذا العمر قول أو رأي، أو نسب إليه عن طريق جماعة من الروافض أنه يقول في أمر شرعي بحكم، أو قول، وخالفته في ذلك الأمة الإسلامية جمعياً، فإن الحاجة في رأيه لا في إجماع الأمة" [وقد جاء في أصول الكافي القول بإمامة الإمام، ولو كان عمره ثلاث سنين.
انظر (أصول الكافي، كتاب الحجة، باب الإشارة والنص على أبي جعفر الثاني: 1/321)، وانظر: (المفيد/ الإرشاد ص 298، الطبرسي/ أعلام الورى: ص 331. وفيهما "ولو كان ابن أقل من ثلاث سنين"، وبحار الأنوار: 25/102-103).].
ولو أثر عن منتظرهم الذي قال التاريخ بأنه لا وجود له - كما سيأتي - قول، ولو عن طريق حكايات الرقاع، وخالفه في هذا القول أو ذلك الحكم المسلمون جميعاً، فإن القول هذا المعدوم الذي لم يوجد، ولا عبرة بقول المسلمين جميعاً. قال مفيدهم في تقرير هذا: "فلو قال (يعني الإمام) قولاً لم يوافقه عليه أحد من الأنام لكان كافيًا في الحجة والبرهان" [أوائل المقالات : ص 100.].
وهذا مذهب في غاية البطلان لا يحتاج إلى مناقشة.
ولهذا قرر المفيد أن هذا مما شذت به طائفته، فقال: "وهذا مذهب أهل الإمامة خاصة، ويخالفهم فيه المعتزلة والمرجئة والخوارج وأصحاب الحديث.." [المصدر السابق ونفس الصفحة.].
ثناياً: ما خالف العامة ففيه الرشاد:
الإجماع عند جمهور المسلمين ينظر فيه إلى إجماع الأمة، لأن الأمة لا يمكن أن تجتمع على ضلالة. قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء، آية: 115، فمن خرج من إجماع الأمة فقد اتبع غير سبيل المؤمنين (انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 19/194). ولذلك عوّل الإمام الشافعي - رحمه الله - في الاحتجاج على كون الإجماع حجة تحرم مخالفته بهذه الآية الكريمة، وذلك بعد التروي والفكر الطويل، وهو من أحسن الاستنباطات وأقواها، وإن كان بعضهم قد استشكل ذلك فاستبعد الدلالة منها (تفسير ابن كثير: 1/590). ولشيخ الإسلام تحقيق بديع حول هذه الآية والإجماع (انظر: مجموع فتاوى شيخ الإسلام: 19/178، 179، 192 وما بعدها، وانظر: تفسير القاسمي: 5/459 وما بعدها).
قال الإمام ابن كثير: "قوله {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} هذا ملازم للصفة الأولى، ولكن قد تكون المخالفة لنص الشارع، وقد تكون لما اجتمعت عليه الأمة المحمدية فيما علم اتفاقهم عليه تحقيقاً، فإنه قد ضمنت لهم العصمة في اجتماعهم من الخطأ تشريفاً لهم وتعظيماً لنبيهم.
وقد وردت أحاديث صحيحة كثيرة في ذلك.. ومن العلماء من ادعى تواتر معناها".
(تفسير ابن كثير: 1/590).]. وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهو ظاهرون على الناس" [رواه مسلم في كتاب الجهاد، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم" 2/1524.
والحديث بهذا المعنى أخرجه - أيضاً - البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" 8/149.].
وروي عنه صلى الله عليه وسلم عدة روايات في أن هذه الأمة "لا تجتمع على ضلالة" [قال السخاوي: "حديث مشهور المتن ذو أسانيد كثيرة وشواهد متعددة في المرفوع وغيره (المقاصد الحسنة ص460) فروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله أجاركم من ثلاث خلال (ومنها) وأن لا يجتمعوا على ضلالة" رواه أبو داود في سننه: 4/452 (رقم 4253). قال الحافظ في التلخيص: في إسناده انقطاع، وقال في موضع آخر: سنده حسن (عون المعبود: 11/326).
وروى الإمام أحمد عن أبي بصرة الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سألت الله عز وجل أن لا يجمع أمتي على ضلالة فأعطانيها" (المسند 6/396) قال الحافظ في التلخيص: ".. رجاله ثقات لكن فيه راو لم يسم" (عون المعبود:11/326). وروى الترمذي عن ابن عمر "أن الله تعالى لا يجمع أمتي - أو قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم - على ضلالة، ويد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ إلى النار". قال أبو عيسى: حديث غريب من هذا الوجه (سنن الترمذي 4/466) ( رقم 2167). وقال ابن حجر في تخريج المختصر: حديث غريب خرجه أبو نعيم في الحلية، واللالكائي في السنة ورجاله رجال الصحيح لكنه معلوم، فقد قال الحاكم: لو كان محفوظاً حكمت بصحته على شرط الصحيح، لكن اختلف فيه على معتمر بن سليمان على سبعة فذكرها، وذلك مقتضي للاضطراب والمضطرب من أقسام الضعيف (عن فيض القدير 2/271). ورواه ابن ماجه بلفظ: "إن أمتي لا تجتمع على ضلالة" (سنن ابن ماجه - كتاب الفتن - باب السواد الأعظم 2/1303) (رقم 3950).
وأورده السيوطي في الجامع ورمز له بالصحة (فيض القدير: 2/431). لكن قال السندي: "وفي الزوائد في إسناده أبو خلف الأعمى، واسمه حازم بن عطاء وهو ضعيف" (حاشية السندي على سنن ابن ماجه: 2/464)، وقال العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي: "جاء الحديث بطرق في كلها نظر" (المصدر السابق). وقال ابن حجر: "له طرق لا يخلو واحد منها من مقال" (عن فيض القدير: 2/200) وقد أورده أصحاب الأصول محتجين به. (انظر: المستصفى: 1/175، والإحكام للآمدي: 1/219).].
هذا بالنسبة لجمهور المسلمين، أما طائفة الشيعة فالنظر عندهم في الإجماع إلى الإمام لا إلى الأمة، والاعتبار بمن دان بإمامة الاثني عشر بشرط أن يكون من ضمنهم الإمام، أو يكون إجماعهم كاشفا عن قول الإمام - كما قدمنا - ولا يلتفت إلى اتفاق العلماء المجتهدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
بل الأمر أعظم من عدم اعتبار إجماعهم، حيث تعدى ذلك إلى القول بأن مخالفة إجماع المسلمين فيه الرشاد، وصار مبدأ المخالفة أصلاً من أصول الترجيح عندهم، وأساساً من أسس مذهبهم، وجاءت عندهم نصوص كثيرة تؤكد هذا المبدأ وتدعو إليه.
ففي أصول الكافي سؤال أحد أئمتهم يقول: إذا ".. وجدنا أحد الخبرين موافقاً للعامة (يعني أهل السنة) والآخر مخالفاً لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ فقال: ما خالف العامة ففيه الرشاد، فقلت (القائل هو الراوي): جعلت فداك، فإن وافقها الخبران جميعاً؟ قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل حكامهم وقضاتها فيترك ويؤخذ بالآخر، قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعاً؟ قال: إذا كان ذلك فارجئه حتى تلقى إمامك، فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات" [الكليني/ أصول الكافي: 1/67-68، ابن باوبيه القمي/ من لا يحضره الفقيه: 3/5، الطوسي/ التهذيب: 6/301، الطبرسي/ الاحتجاج ص 194، الحر العاملي/ وسائل الشيعة: 18/75-76.].
وذكر ثقتهم الكليني أن من وجوه التمييز عند اختلاف رواياتهم قول إمامهم: "دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم" [أصول الكافي/ خطبة الكتاب ص 8، وانظر: وسائل الشيعة: 18/80.].
وقال أبو عبد الله - كما يفترون -: "إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فخذوا بما يخالف القوم" [وسائل الشيعة: 18/85.].
وعن الحسن بن الجهم قال: قلت للعبد الصالح [هذا اللقب المراد به الإمام.]- رضي الله عنه -: "هل يسعنا فيما ورد علينا منكم إلا التسليم لكم؟ فقال: لا والله لا يسعكم إلا التسليم لنا، فقلت: فيروى عن أبي عبد الله شيء، ويروى عنه خلافه فأيهما نأخذ؟ فقال: خذ بما خالف القوم (إشارة لأهل السنة) وما وافق القوم فاجتنبه" [وسائل الشيعة: 18/85.].
ويعللون الأخذ بهذا المبدأ بما يرويه أبو بصير عن أبي عبد الله قال: "ما أنتم والله على شيء مما هم فيه، ولا هم على شيء مما أنتم فيه، فخالفوهم فما هم من الحنيفية على شيء" [الموضع نفسه من المصدر السابق.].
ويغرر هؤلاء الزنادقة الذين يبغون في الأمة الفرقة والخلاف، بأولئك الأتباع الجهال الذين تعطلت ملكة التفكير عندهم بعدما شحنت نفوسهم بما يسمى "محن آل البيت" و"خدرت" عقولهم بما يقال لهم من ثواب كبير ينتظرهم بمجرد حب آل البيت، غرر هؤلاء الزنادقة بأولئك الأتباع فقالوا: إن الأصل في هذا المبدأ "أن علياً - رضي الله عنه - لم يكن يدين الله بدين إلا خالف – كذا - عليه الأمة إلى غيره إرادة لإبطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عن الشيء الذي لا يعلمونه، فإذا أفتاهم جعلوا له - كذا - من عندهم ليلتبسوا - كذا - على الناس" [ابن بابويه/ علل الشرائع: ص 531، وسائل الشيعة: 18/83.].
مع أنهم يقولون بأن عمر كان يستشيره في كل صغيرة وكبيرة، ويأخذ بقوله ويعمل بفتواه، وأن الصحابة كانت ترجع إليه في مشكلاتهم [انظر: منهاج السنة حيث نقل كلام ابن المطهر في ذلك: 4/160.]، وأن عمر قال: لا عشت في أمة لست لها يا أبا الحسن [مناقب آل أبي طالب: 1/492-493، الصادقي/ علي والحاكمون: ص120.]. لا عشت لمعضلة لا يكون لها أبا الحسن [الإرشاد للمفيد ص 97-98، مناقب آل أبي طالب: 1/494.].
فأي القولين نأخذ به ونصدقه؟ ولكن هذا هو دأب هؤلاء الوضّاع التناقض، وهذه ثمار الكذب.
كما يوصون أتباعهم بالوصية التالية والتي تعمق الخلاف وتضمن استمراره، وتكفل لهذه الفئة العزلة عن جماعة المسلمين وإجماعهم: عن علي ابن أسباط قال: قلت للرضا - رضي الله عنه -: يحدث الأمر لا أجد بدّاً من معرفته، وليس في البلد الذي أنا فيه أحد أستفتيه من مواليك، قال: ائت فقيه البلد، فاستفته عن أمرك، فإذا أفتاك بشيء فخذ بخلافه، فإن الحق فيه" [ابن بابويه/ علل الشرائع: ص 531، الطوسي/ التهذيب: 6/295، وسائل الشيعة: 18/82-83، وبحار الأنوار: 2/233.].
وعلق على هذا النص أحد شيوخهم، فقال: "من جملة نعماء الله على هذه الطائفة المحقة أنه خلى بين الشيطان وبين علماء العامة، فأضلهم في جميع المسائل النظرية حتى يكون الأخذ بخلافهم ضابطة لنا، ونظيره ما ورد في حق النساء شاوروهن وخالفوهن" [الحر العاملي: الإيقاظ من الهجعة ص 70-71.].
هذه النصوص في منتهى الخطورة، وهي من وضع زنديق ملحد أراد الكيد للأمة ودينها، وأراد أن يفتح للقوم باباً واسعاً للخروج من الإسلام، حيث يتجهون إلى مخالفة كل أمر من الدين عليه أمة الإسلام. وكيف يدعو قوم هذه عقائدهم إلى التقريب؟! وكيف يزعمون إمكانية اللقاء مع أهل السنة الذين يكون الرشد في خلافهم؟!
الجانب النقدي لهذه المقالة:
بالإضافة إلى ما ألمحنا إليه في أثناء العرض نوضح هذه المسألة أكثر، فأقول: أما ثبوت حجية الإجماع، فقد تكفلت كتب الأصول ببيانه، والاستدلال عليه بما يغني ويكفي.
والشيعة تقر بالإجماع اسماً، وتخالفه في الحقيقة - كما سلف -.
وقد نقل شخيهم المعاصر مغنية اتفاق شيعته القدماء على القول بالإجماع، وأن المتأخرين عدوه من أصول أدلتهم، ولكن لم يعتمدوا عليه [انظر: ص ( 406).]، وهذا يعني أنهم خالفوا الإجماع الذي عدوه من أصول أدلتهم، أو أن قدماء الشيعة قد أجمعوا على ضلالة، أو أن متأخريهم خالفوا الحق الذي أجمع عليه متقدموهم.. والحقيقة أن مآل الجميع إلى الإنكار، وإن كثر ادعاء بعضهم في هذا الباب لاسيما في كتب الأصول عندهم، ذلك أن دعوى الإجماع عند التمحيص مجرد لغو لا حقيقة له.
ولكن بالإضافة إلى ذلك، فإن حيرتهم في الوصول إلى هذا الإجماع الذي يدعونه برهان جلي يدل على أنهم ليسوا على شيء، ومن أوضح الأمثلة على ذلك اشتراطهم وجود عالم مجهول النسب لتحقق الإجماع على اعتبار أن يكون هو الإمام الغائب، وقد اعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك من أعظم الجهل، حيث قال: "رأيت في كتب شيوخهم أنهم إذا اختلفوا في مسألة على قولين، وكان أحد القولين يعرف قائله، والآخر لا يعرف قائله، فالصواب عندهم القول الذي لا يعرف قائله. قالوا: لأن قائله إذا لم يعرف كان من أقوال المعصوم، فهل هذا إلا من أعظم الجهل".
وتعجب كيف يجعلون عدم العلم بالقول وصحته، دليلاً على صحته، وقال: "من أين يعرف أن القول الآخر الذي لم يعرف قائله إنما قاله المعصوم؟ ولم لا يجوز أن يكون المعصوم قد وافق القول الذي يعرف قائله، وأن القول الآخر قد قاله من لا يدري ما يقول، بل قاله شيطان من شياطين الجن والإنس؟ فهم أثبتوا الجهل بالجهل، حيث جعلوا عدم العلم بالقائل دليلاً على أنه قول المعصوم. وهذه حال من أعرض عن نور السنة التي بعث الله بها رسوله، فإنه يقع في ظلمات البدع، ظلمات بعضها فوق بعض" [منهاج السنة: 3/265-266.].
وقد انتقدهم شيخهم الحر العالي "صاحب الوسائل" على هذا المسلك [لأنه من الإخباريين الذين لا يقولون بدليل الإجماع.]، فقال: "وقولهم باشتراط دخول مجهول النسب فيهم أعجب وأغرب، وأي دليل دل عليه؟ وكيف يحصل مع ذلك العلم بكونه هو المعصوم أو الظن به" [عن مقتبس الأثر: 3/63.].
وأمر آخر لا يقل عن هذا، وهو كيف يجعل قول طفل عمره خمس سنين لم يخرج عن طور الحضانة بمنزلة إجماع الأمة بأسرها، بل يرفض إجماع الأمة ويؤخذ بقول صبي أو معدوم؟! هذا في غاية الفساد.
وإذا بحثت عن إجماعهم (الاسمي) الذي يكشف عن رأي المعصوم - كما يزعمون - لم تجد إلا روايات يعارض بعضها بعضاً، كما ترى ذلك في روايات التهذيب والاستبصار. وقد صرح به شيخ الطائفة في مقدمة التهذيب، وذكر أن هذا من أسباب خروج الكثير من التشيع - كما مر – [انظر: ص (361).].
ثم يلحظ أن أهم مسألة عند الشيعة وهي مسألة الإمام قد تضاربت في تعيينه فرق الشيعة، واختلفت مذاهبهم، واضطربت اتجاهاتهم حوله بشكل كبير، كما حفلت ببيانه وتفصيله كتب المقالات عند الفريقين، فأين تحقق الإجماع وأصل المذهب تنخر فيه الاختلافات، وتدور في شانه المنازعات؟
وترى كذلك أن دعوى الإجماع عندهم متعارضة متضاربة. وما انفردت به الشيعة عن الجماعة وادعت الإجماع عليه هي أقوال في غاية الفساد سواء في الأصول أو الفروع، كإيمانهم بذلك المنتظر الذي لم يولد، ومبالغاتهم في أوصاف الإمام ومعجزاته، وإلى آخر ما شذوا به مما سيأتي بسطه وبيانه. بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "الشيعة ليس لهم قول واحد يتفقون عليه" [منهاج السنة: 2/129.].
وهذا حق اعترفت به الشيعة نفسها، حيث جاء في أصول الكافي: "عن زرارة بن أعين عن أبي جعفر - رضي الله عنه - قال: سألته عن مسألة فأجابني، ثم جاءه رجل فسأله عنها، فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاءه رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال: يا زرارة، إن هذا خير لنا ولكم، ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا، ولكان أقلّ لبقائنا وبقائكم" [أصول الكافي: 1/65.].
فهذا يؤكد أن من أصول مذهبهم بحكم عقيدة التقية اختلاف أقوالهم وتباين آرائهم، حتى لا يقف - بزعمهم - الأعداء على حقيقة مذهبهم، فكان من أثر ذلك أن ضاع المذهب، ولم يعرف حقيقة رأي الأئمة، فكيف يمكن تحقق الإجماع على قول أو حكم في ظل هذا الاختلاف والاضطراب؟!
والإمام أبو جعفر بريء من هذا، لكن هذا من اختراع الزنادقة حتى لا يعرف الشيعة رأي أبي جعفر وغيره من علماء آل البيت ليتسنى لهم نشر كفرهم وغلوهم، وكلما كذب هذا الغلو أئمة أهل البيت قالوا: هذا تقية.
قال علامة الهند صاحب التحفة الاثني عشرية: وأما الإجماع فدعواهم أنه من أدلتهم باطل، لأنه كونه حجة ليس بالأصالة، بل لكون قول المعصوم في ضمنه، فمدار حجيته على قول المعصوم لا على نفس الإجماع.
وهم ينازعون في ثبوت عصمة الإمام، كما ينازعون في تعيينه. وأيضاً إجماع الصدر الأول - يعني قبل حدوث الاختلاف في الأمة - غير معتبر عندهم، لأنهم أجمعوا على خلافة أبي بكر وعمر.. ومنع ميراث النبي صلى الله عليه وسلم وحرمة المتعة، وهذا باطل في نظرهم، فإذا كان هذا الإجماع غير معتبر عندهم فبعد حدوث الاختلاف في الأمة وتفرقهم بفرق مختلفة كيف يتصور الإجماع، ولاسيما في المسائل الخلافية المحتاجة إلى الاستدلال وإقامة الحجة القاطعة.
ثم أشار صاحب التحفة إلى صور من التناقض عندهم، حيث إن بعضهم نقل إجماع فرقتهم على أمر وكذبهم وأنكر عليهم بذلك الآخرون منهم. وأن شيخهم (الشهيد الثاني) وهو من أجلة علمائهم قد أفرد فصلاً مستقلا ًفي أن شيخ الطائفة قد ادعى في مواضع إجماع الفرقة مع أنه قال هو بخلافه في مواضع أخر [جمع شيخهم زين الدين العاملي، الملقب عندهم بالشهيد الثاني أربعين مسألة ادعى فيها شيخ الطائفة الطوسي الإجماع، وقد خالف أكثرها في موارد أخرى، كما أن بعض شيوخهم يدعي الإجماع فيما يتفرد به، وعلل شيوخهم المجلسي لهذه الظاهرة عندهم بقوله: إنهم لما رجعوا إلى الفروع ونسوا ما أسسوه في الأصول، فادعوا الإجماع في أكثر المسائل سواء أهر فيها الخلاف أم لا، وافق الروايات المنقولة أم لا.
(انظر: الشيعة في الميزان: ص323).
وقد لا يكون مرد ذلك النسيان كما يقول المجلسي، بل سبب ذلك أن كتب الفروع عندهم منقولة في الغالب من كتب أهل السنة، فانفصلت عن آرائهم في مسائل الإمامة.]. ثم نقل صاحب التحفة نص كلامه [انظر: التحفة الاثني عشرية - الورقة 118 (مخطوط)، ومختصر التحفة ص51.].
وأقول: إن مذهبهم بأن الإجماع حجة من جهة كشفه عن رأي المعصوم فقط لا من جهة أن الأمة لا تجتمع على ضلالة، كما عليه أهل السنة، فوق أن هذا إنكار للإجماع على الحقيقة، فإن في ذلك مخالفة للحديث الثابت عندهم وهو: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" [انظر: الشعراني/ تعاليق علمية (على شرح الكافي للمازندراني): 2/414.]. كما أن هذا الحديث أيضاً ورد من طرق أهل السنة كما سبق تخريجه" [انظر: ص (412) من هذه الرسالة.].
فلماذا لا يؤخذ بهذا النص الذي يستدل به كل الفريقين، وليس ذلك فحسب بل قد ورد أيضاً في الاحتجاج - وهو من كتبهم المعتمدة كما قرر ذلك المجلسي وغيره - رواية عن أبي الحسن علي بن محمد العسكري - رضي الله عنه - في حديث طويل قال: "واجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم في ذلك على أن القرآن حق لا ريب فيه عند جميع فرقها، فهم في حالة الاجتماع عليه مصيبون وعلى تصديق ما أنزل الله مهتدون لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على الضلالة" فأخبر أن ما أجمعت عليه الأمة، ولم يخالف بعضها بعضاً هو الحق، فهذا معنى الحديث، لا ما تأوله الجاهلون، ولا ما قاله المعاندون من إبطال حكم الكتاب، واتباع حكم الأحاديث المزورة، والروايات المزخرفة، واتباع الأهواء المردية المهلكة التي تخالف نص الكتاب، وتحقيق الآيات الواضحات النيرات.." [بحار الأنوار: 2/225.].
فأنت ترى في هذا النص إمامهم لم يقل: انظروا إلى ما اتفق عليه الجماعة التي فيها المعصوم، ودعوا رأي الجماعة الأخرى، ولم يقل: ابحثوا عن الجماعة أو الشخص المجهول النسب، فقد يكون المنتظر من ضمن تلك الجماعة، أو يكون هو نفسا المجهول النسب، بل قال: بأن ما أجتمعت عليه الأمة ولم يخالف بعضها بعضاً هو الحق، وبين أن أساس إصابة الحق هو الاعتماد على الكتاب والسنة، وأن إصابة الحق في حالة الإجماع محققة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تجتمع أمتي على ضلالة" وهذا الحديث هو أحد حجج جمهور المسلمين في إثبات حجية الإجماع.
وحذر من اتباع غير ذلك من الروايات المكذوبة.
فلماذا تشذ هذه الطائفة، وتأخذ بتلك الروايات المكذوبة، وتدع قول إمامهم، وتفارق الأمة، وتنبذ إجماعها، وتأخذ برأي طفل صغير أو معدوم، وتدع ما أجمع عليه أمة الإسلام، كل ذلك لأن زنديقاً وضع لها أصلاً يقول بأن ما خالف العامة فيه الرشاد "فجمعوا مخالفة أهل السنة والجماعة الذين هم على ما كان عليه الرسول وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين أصلاً للنجاة، فصار كلما فعل أهل السنة شيئاً تركوه، وإن تركوا شيئاً فعلوه، فخرجوا بذلك عن الدين رأساً، وذلك هو الضلال المبين باليقين" [الألوسي/ كشف غياهب الجاهلات/ الورقة (6).].
والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء، آية : 115.].
ولو كان هذا الأصل؛ أعني قولهم: ما خالف العامة - أي أهل السنة - فيه الرشاد، لو كان هذا من عند الأئمة كما تزعم هذه الزمة لكان الأئمة أسبق الناس إلى تطبيقه على أنفسهم، والواقع الذي يوافقنا شيوخ الشيعة عليه أن علياً - رضي الله عنه - لم يشذ عن الصحابة، بل إنه كما يقول شيخهم الشريف المرتضى: "دخل في آرائهم، وصلى مقتدياً بهم، وأخذ عطيتهم، ونكح سبيهم، وأنكحهم، ودخل في الشورى" [المرتضى/ تنزيه الأنبياء: ص 132.]. وغير ذلك. ولم يذهب إلى مخالفتهم في شيء مما أجمعوا عليه، وكان رضي الله عنه يكره الاختلاف، كما روى البخاري عن علي - رضي الله عنه - قال: "اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف حتى يكون الناس جماعة" [صحيح البخاري (مع فتح الباري): 7/71.].
قال ابن حجر: قوله: "فإني أكره الاختلاف" أي: الذي يؤدي إلى النزاع. قال ابن التين: يعني مخالفة أبي بكر وعمر، وقال غيره: المراد المخالفة التي تؤدي إلى النزاع والفتنة، ويؤيده قوله بعد ذلك "حتى يكون الناس جماعة" [فتح الباري: 7/73.].
وكل ما ينفرد به الشيعة وتشذ به ليس من "هدي" علي - رضي الله عنه - وكان علي - رضي الله عنه - مع الأمة في إجماعها، لأن فيه الرشاد، لا في مخالفتهم كما تدعيه هذه الزمرة الحاقدة على الأمة، والتي تبغي فيها الفرقة والشتات، ولهذا لم نجد إجابة عن موافقة علي - رضي الله عنه - للأمة إلا بدعوى التقية، أي نفاق عليّ للصحابة - برأه الله مما يفترون - وهي دعوى تتناقض مع العقل والتاريخ، فضلاً عن الشرع والدين.
فلم يستطع شيوخ الشيعة - كما ترى - أن يثبتوا على علي تطبيقه لهذا الأصل المفترى، بل أقروا بموافقته للأمة على لسان شيخهم الشريف المترضى، وحتى إبّان خلافته، وامتلاكه لزمام الأمور والتي تنتفي معها "التقية" لم يقدروا على إنكار موافقته للأمة.
يقول شيخهم نعمة الله الجزائري: "ولما جلس أمير المؤمنين - عليه السلام - على سرير الخلافة لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن وإخفاء هذا؛ لما فيه من إظهار الشنعة على من سبقه، كما لم يقدر على النهي عن صلاة الضحى، وكما لم يقدر على إجراء المتعتين متعة الحج ومتعة النساء.. وكما لم يقدر على عزل شريح عن القضاء، ومعاوية عن الإمارة" [الأنوار النعمانية: 2/362.].
فثبت بنقل الفريقين أن أمير المؤمنين لم يفارق إجماع الأمة، وأن الإمامية قد خالفت سريته حينما وضعت لنفسها مبدأ مخالفة الأمة، فليست له بشيعة، وليس لها بإمام.