آخر تحديث للموقع :

الأثنين 7 ربيع الأول 1446هـ الموافق:9 سبتمبر 2024م 10:09:23 بتوقيت مكة
   مشاهدات من زيارة الأربعين 2024م ..   تم بحمد الله إصلاح خاصية البحث في الموقع ..   افتتاح مرقد الرئيس الإيراني الراحل ابراهيم رئيسي ..   ضريح أبو عريانة ..   شكوى نساء الشيعة من فرض ممارسة المتعة عليهن ..   باعتراف الشيعة أقذر خلق الله في شهوة البطن والفرج هم أصحاب العمائم ..   قصة الجاسوسة الإسرائيلية في إيران ..   طقوس جديدة تحت التجربة ..   تحريض مقتدى الصدر على أهل السنة ..   فنادق جديدة في بغداد وكربلاء لممارسة اللواط ..   يا وهابية: أسوار الصادق نلغيها ..   حتى بيت الله نحرقة، المهم نوصل للحكم ..   كيف تتم برمجة عقول الشيعة؟ ..   لماذا تم تغيير إسم صاحب الضريح؟ ..   عاشوريات 2024م ..   اكذوبة محاربة الشيعة لأميركا ..   عند الشيعة: القبلة غرفة فارغة، والقرآن كلام فارغ، وحبر على ورق وكتاب ظلال ..   الأطفال و الشعائر الحسينية .. جذور الإنحراف ..   من يُفتي لسرقات وصفقات القرن في العراق؟ ..   براءة الآل من هذه الأفعال ..   باعترف الشيعة أقذر خلق الله في شهوة البطن والفرج هم أصحاب العمائم ..   الشمر زعلان ..   معمم يبحث عن المهدي في الغابات ..   من كرامات مقتدى الصدر ..   من صور مقاطعة الشيعة للبضائع الأميركية - تكسير البيبسي الأميركي أثناء قيادة سيارة جيب الأميركية ..   من خان العراق ومن قاوم المحتل؟   ركضة طويريج النسخة النصرانية ..   هيهات منا الذلة في دولة العدل الإلهي ..   آيات جديدة ..   من وسائل الشيعة في ترسيخ الأحقاد بين المسلمين ..   سجود الشيعة لمحمد الصدر ..   عراق ما بعد صدام ..   جهاز الاستخبارات الاسرائيلي يرفع السرية عن مقطع عقد فيه لقاء بين قاسم سليماني والموساد ..   محاكاة مقتل محمد الصدر ..   كرامات سيد ضروط ..   إتصال الشيعة بموتاهم عن طريق الموبايل ..   أهل السنة في العراق لا بواكي لهم ..   شهادات شيعية : المرجع الأفغاني إسحاق الفياض يغتصب أراضي العراقيين ..   محمد صادق الصدر يحيي الموتى ..   إفتتاح مقامات جديدة في العراق ..   كمال الحيدري: روايات لعن الصحابة مكذوبة ..   كثير من الأمور التي مارسها الحسين رضي الله عنه في كربلاء كانت من باب التمثيل المسرحي ..   موقف الخوئي من انتفاضة 1991م ..   ماذا يقول السيستاني في من لا يعتقد بإمامة الأئمة رحمهم الله؟ ..   موقف الشيعة من مقتدى الصدر ..   ماذا بعد حكومة أنفاس الزهراء ودولة العدل الإلهي في العراق - شهادات شيعية؟ ..

" جديد الموقع "

تهافت الإمامة "مختصر كتاب الإمامة والنص" ..
الكاتب : فيصل نور ..


أهم مواضيع الكتاب

المقدمة
متى كان النص
منزلة الإمامة والأئمة عند الشيعة
الكلام في النص وإمكانية خفائه ومتى كان النص
روايات من طرق الشيعة عن النبي تتعارض مع مسألة النص
روايات من طرق الشيعة عن علي بن أبي طالب تتعارض مع مسألة النص
روايات من طرق الشيعة عن الحسن رضي الله عنه تنفي وجود النص
روايات من طرق تدل على عدم علم الحسين رضي الله عنه بالنص على افتراضه وأخرى على جهله بكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخر الأنبياء 
فاطمة رضي الله عنها والنص
الصحابة رضي الله عنهم والنص 
الإمام زين العابدين وأصحابه والنص
خلاف أهل البيت مع زين العابدين رحمه الله
ادعاء محمد بن علي بن أبي طالب [ابن الحنفية] رحمه الله للإمامة
موقف الإمام محمد الباقر رحمه الله وأصحابه من النص
افتراق الشيعة بعد وفاة الباقر 
موقف الإمام جعفر الصادق رحمه الله وأصحابه من النص 
النزاع بين بني الحسن وبني الحسين رضي الله عنهما
خلاف بعض بني هاشم مع الصادق رحمهم الله أجمعين
قصة خروج زيد رحمه الله وذكر منزلته ورواية تفيد معرفة بدء القول بالنص
ذم الباقر والصادق لمدعي الإمامة من أهل البيت
اعتقاد بعض الشيعة بإمامة عبدالله بن جعفر الصادق 
الصادق يسأل الله أن يجعل الإمامة في ابنه إسماعيل وذكر اختلاف الشيعة فيه
افتراق الشيعة بعد وفاة الصادق
موقف موسى الكاظم رحمه الله وأصحابه وأهل بيته من النص
افتراق الشيعة بعد وفاة الكاظم
وقوف كثير من الشيعة على الكاظم واعتقادهم بأنه المهدي وأسباب ذلك
موقف علي الرضا رحمه الله وأهل بيته وأصحابه من النص
افتراق الشيعة بعد وفاة الرضا 
موقف محمد الجواد رحمه الله وأهل بيته وأصحابه من النص
موقف علي الهادي رحمه الله وأصحابه من النص
افتراق الشيعة بعد الهادي رحمه الله
موقف الحسن العسكري رحمه الله وأهل بيته وأصحابه من النص
افتراق الشيعة بعد وفاة العسكري
المهدي المنتظر واختلاف الشيعة في جميع شؤونه
الكلام في اللطف

الإمامة والقرآن 
نماذج من الآيات التـي ادعوا حذف ما يتعلق بآل البيت وبالإمامة منها

الإمامة والسنة 
نبذة عن الوضع والوضاعين في الحديث
الاستدلال بحديث بدء العشيرة
الاستدلال بروايات: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) 
حديث تصدق علي بن أبي طالب بالخاتم 
الاستدلال بآية التطهير
بيان معنى الرجس 
الاستدلال بخبر الطائر 
الاستدلال بحديث الثقلين 
الاستدلال بحديث غدير خم 

الإمامة والصحابة 
خاتمة الكتاب 



بسم الله الرحمن الرحيم

 
     إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
     أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
     وبعد: فلعل أول خلاف ظهر بين المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو اختلافهم في موته، فقد زعم بعضهم أنه لم يمت بل رُفع إلى السماء كما رُفع المسيح ×، حتى أزال الصديق رضي الله عنه ذلك بقولـه: «من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت. وتلا عليهم قول الله عزوجل: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رُسُول قَد خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ۝١٤٤﴾ [آل عمران] وقولـه تعالى: ﴿إِنَّكَ مَيِت وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ۝٣٠﴾ [الزمر].
     ثم اختلفوا في موضع دفنه صلى الله عليه وآله وسلم، حيث أراد المهاجرون رضي الله عنهم رده إلى مكة حيث ولد، وأراد الأنصار رضي الله عنهم دفنه في المدينة حيث دار هجرته وأنصاره، واختلفوا في جعل ذلك في البقيع أو صحن الدار، ورأى آخرون نقله إلى بيت المقدس حيث موضع دفن الأنبياء ومعراجه إلى السماء.
     ثم زال ذلك بما روي عن الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «ما قبض الله نبيًا إلا دفن في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه» أو ما رواه القوم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «إن الله لم يقبض نبيه إلا في أطهر بقاع الأرض»، فينبغي أن يدفن في البقعة التي قبض فيها.
     وفي رواية: «إن الله لم يقبض نبيًا في مكان إلا ارتضاه لرمسه فيه، وإني دافنه في حجرته التي قبض فيها» فرضي المسلمون بذلك([1]).
     ثم اختلفوا بعد ذلك في الإمامة، فاجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة، ووقعوا في شبهة جواز استخلاف خليفة منهم، وتوسط بعضهم وقال: منا أمير ومنكم أمير، ورشحوا رئيسهم سعد بن عبادة الأنصاري، ثم عادوا عن دعواهم لما أدركهم الصديق  رضي الله عنه وأخبرهم بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «الأئمة من قريش»، فبايع من كان في السقيفة أبا بكر الصديق  رضي الله عنه، ثم كانت البيعة العامة في المسجد، وتأخر عن بيعته جماعة فيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم بايعوا جميعًا، وفي ذلك كان يقول علي رضي الله عنه: «إن الله سبحانه بعث محمدًا فأنقذ به من الضلالة، ونعش به من الهلكة، وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدَّى ما عليه، فاستخلف الناس أبا بكر، ثم استخلف أبو بكر عمر، فأحسنا السيرة وعَدَلا في الأمة، وقد وجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا ونحن آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأحق بالأمر، فغفرنا ذلك لهما».
     وفي موطن آخر قال: «ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أميرَين منهم صالِحَين أحييا السيرة ولم يعْدُوَا السنة، فتولى أبو بكر تلك الأمور وسدد وقارب واقتصد، وتولى عمر الأمر فكان مرضيّ السيرة ميمون النقيبة».
     وكان رضي الله عنه يؤكد شرعية بيعتهم بهذا الاستخلاف القائم على الشورى والبيعة، ويرى أن ذلك كان لله رضًا، وبها كان يستمد شرعية خلافته ويؤكدها عندما اضطربت عليه الأمور، لا باعتبار نصوص مزعومة ادعاها له بعض من انتسب إليه، ففي أحد كتبه إلى معاوية -مثلًا- قال: «إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد؛ فإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضًا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، ويصليه جهنم وساءت مصيرًا»([2]).
     وهكذا كان الأمر، وبقي الناس على ذلك حتى من رواد الشيعة الأوائل، فرغم تفضيلهم له على الشيخين ب؛ إلا أنهم لم ينكروا فضلهما، ولم ينتقصوا من شأنهما([3]).
     إلى أن وقعت الفتنة التي أعقبت مقتل ذي النورين ا؛ فبدأ الانحراف في عقيدة التشيع لعلي رضي الله عنه يتبلور ويأخذ مناحيَ عدة، فمن القول بأحقيته بالإمارة دون معاوية، ثم إلى القول بتقديمه على عثمان رضي الله عنه وتفضيله عليه، ثم القول بتقديمه على من سبقه من الخلفاء، إلى القول بالنص عليه من الله ورسوله، وأن من سبقه إنما كان مغتصبًا للخلافة، ثم أفضى بهم هذا القول إلى الاعتقاد بردة الصحابة رضوان الله عليهم وكفر من تولاهم، والقول بتحريف القرآن وصرفه وتأويله، ورد كل ما خالف هذا المعتقد من آيات وأحاديث وآثار.
     وهذا -كما ترى وتلاحظ- يدل على أن الأمر تطور كثيرًا عما كان عليه في البداية، وخرج عن الاعتدال إلى الغلو والانحراف على مراحل تستدعي كثيرًا من التأمل لمعرفة دوافع ذلك ومن كان وراءه.
وساعد القوم في ترسيخ معتقد النص على علي بن أبي طالب رضي الله عنه أمورٌ، منها: كثرةُ الرواياتِ في مناقبه وفضائِله، وهي التي أظهرها الصحابة رضي الله عنهم في زمن الفتنة التي عاشها علي ا، والتي كثر فيها أعداؤه والخارجون عليه والطاعنون فيه، فأظهر الصحابة رضي الله عنهم ما كان عندهم من أحاديث تبين فضله وترد كيد أعدائه، ولم يكن الأمر كذلك في حق من سبقه من الخلفاء ي؛ لعدم وقوع ما يستلزم بيان فضلهم وإخراج مناقبهم.
     إلا أن فساد الاستدلال بهذه المرويات لإثبات إمامته دفع القوم إلى وضع مئات الروايات في تأييد ما ذهبوا إليه من عقائد، فكان أن تسرب كثير من هذه الروايات وانتشر في مصادر المسلمين لأسباب سنأتي على ذكرها في الكتاب، واستأثروا هم بألوف أخرى أصبحت مع مرور الزمن من ضروريات مذهب التشيع، وهذه الروايات حوتها بطون مصادرهم التي تداولوها بمنأى عن سائر المسلمين، مع أن فيها من بذور هدم عقائدهم الكثير.
     وكانت هذه الحقيقة -أي: تعذر الوقوف على مصادر القوم الأصلية- سببًا في تيسير أرضية خصبة للقوم، وذلك بإلزام خصومهم ومخالفيهم بما ألزموا أنفسهم به بزعمهم، وذلك بإيراد ما ظنوا أنها حجج وبراهين من بطون كتب مخالفيهم، دون بيان أسباب وجود أمثال هذه المرويات في مصنفاتهم أو حقيقتها، مما جعل الأمر على يلتبس أتباعهم فضلًا عن سائر من لم يتسن لهم معرفة هذه الحقائق من المسلمين.
     ولم يكن بوسع علماء أهل السنة والجماعة أن يردوا عليهم إلا بما حوته كتبهم -أي: كتب أهل السنة- من دلائل تخالف معتقدات القوم، فتجد -مثلًا- مصنفاتهم كـ(منهاج السنة) لشيخ الإسلام ابن تيمية / ، وهو من أعظم الردود عليهم، يكاد يخلو من إيراد ما يلزم القوم من مصنفاتهم، لا أقل من رواية واحدة من عمدة القوم في إثبات عقائدهم، ألا وهو كتاب (الكافي) للكليني، مما يبين لك ما كان عليه الأمر من خفاء تلك الكتب، فكان أن أبى القوم هذه الردود عبر التاريخ متذرعين بقواعد علمية، مثل قولهم: إن المذاهب لا تُؤخذ إلا من كتبها، ويجب إلزام الخصوم بما ألزموا أنفسهم به، وغيرها.
     ونحن نزلنا عند رغبة القوم، ووضعنا كتابنا الموجز هذا عن مسألة (الإمامة والنص) من كتبهم وطرقهم، وكما هو واضح من عنوانه، فلن نتعرض فيه إلى الجوانب العقلية، ولن نضطر إلى إيراد أي رواية -ولو واحدة- من طرق مخالفيهم في المذهب ولله الحمد.
وسنلتزم بالإيجاز الشديد في جميع أبوابه الأربعة، والتي جعلنا الأول منها في ذكر عقيدة القوم في الإمامة وبيان منزلتها، ثم ذكر النصوص الدالة على هذا المعتقد، وبيان الاضطراب الشديد فيها؛ من جهة كونها دالة على انتفاء النص لا إثباته، دون الالتزام بصحتها أو ضعفها، أو قبول دلالتها أو عدم قبولها، حسب المعايير المعتبرة في التوثيق عند الفريقين.
     ثم نتطرق في الباب الذي يليه إلى ذكر عقيدة الإمامة من القرآن، وبيان أنه لم يرد فيه ذكر لهذا المعتقد، وموقف القوم من هذه الحقيقة.
     ثم نتكلم في الباب الثالث -وهو أهم أبواب الكتاب- عن الروايات التي يستدل بها الشيعة على إثبات النص على إمامة علي ا، وسنورد فيه جميع الروايات التي وقفنا عليها من طرق القوم، وندرس أسانيدها، ونرى هل يثبت منها شيء؟
وكل ذلك بمقاييسهم في علم الحديث والجرح والتعديل من كتبهم الرجالية، ثم نتكلم في هذه الاستدلالات.
     ونختم الأبواب بذكر الصحابة رضوان الله عليهم، وبيان فضائلهم ومنزلتهم من القرآن والسنة وأقوال أئمة الشيعة، وموقف القوم من هذه الدلائل، وبيان استحالة التوفيق بين هذا وبين القول بمخالفتهم للنصوص المزعومة في إمامة علي رضي الله عنه وتصرفهم في الأرض دونه.
     ثم أعلم أن بيان فساد القول بالنص على الإمامة سيفضي لا محالة إلى سقوط القول بولاية الفقيه، الذي هو فرع عن هذا الأصل، وهذا يغنينا عن مصنف مستقل في هذا، فضلاً عن أن هناك مصنفات ودراسات شتى متوفرة في هذه المسألة، مما لا داعي معه لتكراره.
     وإذا نضع بين يدي القارئ هذه المختصر، ندعوه أيضاً إلى الرجوع للأصل للإستفادة من التفاصيل المذكورة هناك، هذا إن رغب في الإستزادة.

                                                                                                     ونسأل الله عزوجل أن يوفقنا لما فيه الخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

          
فيصل نور
1434 هـ

 

متى كان النص

يعتقد الشيعة أن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص وأنها -مثلها- لطفٌ من الله عزوجل، ولا يجوز أن يخلو عصر من إمام مفروض الطاعة، وليس للبشر حق اختيار الإمام وتعيينه. وقد وضعوا على لسان أئمتهم عشرات الروايات في ذلك، منها ما نسبوه إلى الإمام محمد الباقر / أنه قال: «أترون أن هذا الأمر إلينا نجعله حيث نشاء؟ لا والله، ما هو إلا عهد من رسول الله، رجل فرجل مسمى حتى تنتهي إلى صاحبها».
وفي أخرى نسبوها إلى ابنه جعفر الصادق / أنه قال: «إن الإمامة عهد من الله عزوجل معهود لرجلٍ مُسمى، ليس للإمام أن يزويها عمن يكون من بعده»([4]).
ويعتقد الشيعة الاثنا عشرية أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد نصَّ على الأئمة من بعده، وعينهم بأسمائهم، وهم اثنا عشر إمامًا لا ينقصون ولا يزيدون، وهم:
1- علي بن أبي طالب [المرتضى - أمير المؤمنين] (23 قبل الهجرة - 40 هـ).
2- الحسن بن علي [الزكي - المجتبى] (2-50 هـ).
3- الحسين بن علي [سيد الشهداء] (3-61هـ).
4- علي بن الحسين [زين العابدين - السجاد] (38-95هـ).
5- محمد بن علي [الباقر - أبو جعفر] (57-114هـ).
6- جعفر بن محمد [الصادق - أبو عبد الله] (83-148هـ).
7- موسى بن جعفر [الكاظم - أبو الحسن - أبو الحسن الأول - أبو الحسن الماضي - أبو إبراهيم] (128-183هـ).
8- علي بن موسى [الرضا - أبو الحسن الثاني] (148-203هـ).
9- محمد بن علي [الجواد - أبو جعفر الثاني] (195-220 هـ).
10- علي بن محمد [الهادي - العسكري] (212-254 هـ).
11- الحسن بن علي [العسكري - أبو محمد] (232-260هـ).
12- محمد بن الحسن [المهدي - الحجة - القائم - الغائب - المنتظر] (256-؟).

منزلة الإمامة والأئمة عند الشيعة 

ويرى الشيعة أن الإيمان بولاية الأئمة أصل من أصول الدين، ولا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، شأنها في ذلك شأن باقي الأركان، وقد وضعوا على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة أنهم قالوا: «بني الإسلام على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم شهر رمضان، والحج إلى البيت، وولاية علي بن أبي طالب»([5]).
بل إنهم جعلوها أعظم هذه الأركان، فزعموا أن الله عزوجل قد أوصى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة أكثر من أي شيء آخر. فعن الصادق قال: «عرج بالنبي إلى السماء مائة وعشرين مرة، ما من مرة إلا وقد أوصى الله عزوجل فيها النبي بالولاية لعلي والأئمة أكثر مما أوصاه بالفرائض»([6]).
ووضعوا روايات ترخص في جميع الأركان ما عداها، كقولـهم عن الباقر: «بني الإسلام على خمس: إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان، والولاية لنا أهل البيت، فجعل في أربع منها رخصة ولم يجعل في الولاية رخصة»([7]).
وعليها جعلوا مدار قبول الأعمال من العباد، فنسبوا إلى الصادق قولـه: «إن أول ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جل جلاله عن الصلوات المفروضات، وعن الزكاة المفروضة، وعن الصيام المفروض، وعن الحج المفروض، وعن ولايتنا أهل البيت، فإن أقر بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجه، وإن لم يقر بولايتنا بين يدي الله جل جلاله لم يقبل الله منه شيئًا من أعماله»([8]).
ونسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «التاركون ولاية علي خارجون عن الإسلام»([9]).
وإلى الصادق قولـه: «الجاحد لولاية علي كعابد وثن»([10]).
لذا حكى المفيد إجماع الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال، مستحق للخلود في النار([11]).
والروايات في الباب تطول، حتى عقد بعضهم أبوابًا خاصة في بيان هذه المسألة، كباب: أنه لا تقبل الأعمال إلا بالولاية([12])، وباب: كفر المخالفين والنُّصّاب([13]).

الكلام في النص وإمكانية خفائه ومتى كان النص

إذا علمت كل هذا، مِنْ أن الله عزوجل قد نصَّ على خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه والأئمة من بعده، وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بلَّغ هذا وأظهر فرض طاعتهم كما مرَّ بك، استحال أن يكون النص مخفيًا عليه صلى الله عليه وآله وسلم وعلى الأئمة، وعلى أصحابهم وأهل زمانهم، كما لا يجوز أن يظهر النبي شيئًا في زمانه فيخفى عمن ينشأ بعد زمانه حتى لا يعلمه إلا بنظر ثاقب، واستدلال عليه، كشأننا الآن. ولكن الحال أن الأمر يختلف تمامًا عن هذه الفرضية التي يجب أن نسلم بها مع القوم باعتبار كل ما مر بك، فقد اضطرب القوم واضطربت رواياتهم بعد ذلك بشكل لا يكاد يضبط ولا بد؛ لقولـه تعالى: ﴿... وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ۝٨٢﴾ [النساء].

روايات من طرق الشيعة عن النبي  تتعارض مع مسألة النص


أول ذلك حديث يوم الدار أو بدء الدعوة، لما نزل قولـه تعالى: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ۝٢١٤﴾ [الشعراء] حيث روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا بني عبد المطلب وهم يومئذٍ أربعون رجلًا، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب، وكان قد أولَم لهم، وبعد أن أكلوا وشربوا، قال: «يا بني عبد المطلب، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني يكن أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي. فأحجم القوم جميعًا إلا عليًا قال: أنا يا نبي الله، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم برقبته، وقال: هذا أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا».
وهذا يعني أنه لم يكن وزيره ولا وصيه قبل ذلك. فكيف خفي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى علي رضي الله عنه وعلى كل من حضر الوليمة مسألة النص بعد كل ما مر، حتى إننا لم نجد أحدًا منهم قد استدرك ذلك، لا أقلَّ من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو يجد أن إمامته توشك أن تذهب إلى غيره بعرضها عليهم، أو أبيه الذي انتظر سبتًا ليرى وصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وقد ولد؟!!
ولما أخذت الدعوة منحىً عامًا أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعرض نفسه على القبائل، فجاء إلى بني كلاب، فقالوا: «نبايعك على أن يكون لنا الأمر بعدك، فقال: الأمر لله، فإن شاء كان فيكم أو في غيركم، فمضوا ولم يبايعوه، وقالوا: لا نضرب لحربك بأسيافنا ثم تحكم علينا غيرنا»([14]).
فما الذي اضطره صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذا القول مع ما تقدم؟ ألم يكن عليه أن يبين أن هذا الأمر قد تم قبل أشهر في يوم الدار الذي مر بك!؟
ويستمر مسلسل خفاء النص عليه صلى الله عليه وآله وسلم، حتى أواخر أيامه بمكة قبل الهجرة، وذلك في ليلة الإسراء والمعراج حيث تقول رواية القوم: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إني لما بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء وجدت على صخرتها: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بوزيره ونصرته به، فقلت: يا جبرئيل، ومن وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب»([15]).
والطريف -أيضًا- ذكرهم على لسانه صلى الله عليه وآله وسلم عشرات الروايات، يقول له فيها: إنه وزيره، ولعل أقربها إليك ما أوردناه آنفًا عند حديثنا عن بدء الدعوة.
وفي نفس السماء صلَّى بالأنبياء وكانوا مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، وسألهم جبريل: بم بعثتم؟ ولم نشرتم الآن يا أنبياء الله؟ فقالوا بلسان واحد: بعثنا ونشرنا لنقر لك يا محمد بالنبوة، ولعلي بن أبي طالب بالإمامة([16]).
ولكن هل وقف الأمر على هذا؟ انظر إلى القوم -وبعد كل هذه التأكيدات والمواثيق وفي طريق العودة إلى الأرض وفي السماء الرابعة يروون أنه ناداه ربه: «يا محمد، قال: لبيك ربي، قال: من اخترت من أمتك يكون من بعدك لك خليفة؟ قال: اختر لي ذلك، فتكون أنت المختار لي، فقال: اخترت لك خيرتك علي بن أبي طالب»([17]).
نعود إلى الأرض، وتحديدًا إلى مكة؛ حيث ما زلنا مع القوم ورواياتهم قبل الهجرة.
روى القوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي رضي الله عنه ليلة الهجرة: «أرضيت أن أُطلب فلا أُوجد وتوجد فلعله أن يبادر إليك الجهال فيقتلوك؟ قال: بلى يا رسول الله، رضيت أن تكون روحي لروحك فداء، ونفسي لنفسك فداء»([18]).
لا شك أن وجه الدلالة غير خافٍ في الرواية، فافتراض القتل هنا - وفي روايات عدة سنأتي على ذكر بعضها- لا يمكن توجيهه باعتبار أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلي الخلافة بعده صلى الله عليه وآله وسلم، فكيف يمكن أن يقع افتراض أن يقتل أو يموت قبله؟! الأمر واضح، ولا أعتقد أنه يحتاج إلى زيادة تعليق.
فهذا يدل على خفاء النص على النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يزعمون أنه نص على إمامة علي رضي الله عنه وهو في مكة قبل الهجرة للمدينة.
أما بعد الهجرة، فقد رووا عن ابن عباس ب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله تبارك وتعالى أوحى إليَّ أنه جاعل لي من أمتي أخًا ووارثًا وخليفةً ووصيًا، فقلت: يا رب، من هو؟ فأوحى إليَّ عزوجل: يا محمد، إنه إمام أمتك، وحجتي عليها بعدك، فقلت: يا رب، من هو؟ فأوحى إلي عزوجل: يا محمد، ذاك من أحبه ويحبني، ذاك المجاهد في سبيلي، والمقاتل لناكثي عهدي، والقاسطين في حكمي، والمارقين من ديني، ذاك وليي حقًا، زوج ابنتك، وأبو ولدك علي بن أبي طالب»([19]).
ولا أقل في تاريخ هذه الرواية من أنه بعد السنة الثالثة للهجرة، بدليل قول الله عزوجل: «زوج ابنتك وأبو ولدك»، ولا شك -وباعتبار كل ما مرَّ بك في هذا الباب- أنه سيتبادر إلى ذهنك عند قراءتك لبداية الرواية أن المقصود هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
فواعجبًا! هل غاب ذلك عمن كان سببًا في النص على إمامة علي ا، بل إنه يستفصل ويسأل حتى يبين الله أوصافه، ثم يذكر له اسمه!!
وفي يوم الخندق ذكر القوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لما انتدب عمروٌ للمبارزة، وجعل يقول: هل من مبارز؟ والمسلمون يتجاوزون عنه، فركز رمحه على خيمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: ابرز يا محمد، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من يقوم إلى مبارزته فله الإمامة بعدي؟ ([20])
فانظر معي إلى هذه الرواية، فإنه بالرغم من أن أحداثها وقعت في السنة الخامسة للهجرة حيث غزوة الخندق، لكن ما زال أعظم أركان الدين عند القوم غير مبيّن.
 نعود إلى مسألة الخوف من موت اللاحق قبل السابق، ففي الغزوة نفسها وبعد أن خرج علي بن أبي طالب رضي الله عنه لمبارزة عمرو، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهم إنك أخذت مني عبيدة بن الحارث يوم بدر، وحمزة بن عبد المطلب يوم أحد، وهذا أخي علي بن أبي طالب، رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين»([21]).
ثم نراه في غدير خم وقد هبط عليه جبرئيل u بأمر الله عزوجل بنصب علي رضي الله عنه وليًا بزعمهم، متسائلًا عن هذا الولي الذي سيكون من بعده، حيث قالوا: إن جبرئيل u نزل يوم غدير خم، فقال: «يا محمد، إن الله يأمرك أن تعلم أمتك ولاية من فرضت طاعته ومن يقوم بأمرهم من بعدك، فقال: إي ربي، ومن ولي أمرهم بعدي؟ »([22]).

روايات من طرق الشيعة عن علي بن أبي طالب تتعارض مع مسألة النص


هذا ما كان من شأن صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله وسلم والنص، أما شأن صاحب الشأن وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإليك بيانًا موجزًا بذلك إضافة لمامر:
يروي القوم أنه رضي الله عنه لما بات في فراش النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعًا له مسرورًا لنفسي بأن أقتل دونه»([23]).
وفي رواية: «فلما نامت العيون جاء أبو طالب ومعه أمير المؤمنين، فأقام رسولَ الله واضطجع أمير المؤمنين مكانه، فقال أمير المؤمنين: يا أبتاه، إني مقتول»([24]).
ولا شك أنك أدركت وجه الاستدلال هنا، فافتراض القتل يتعارض مع إرادة الله عزوجل في أن تكون الإمامة فيه بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزعم القوم.
ورروا عنه رضي الله عنه ان قال: «قلت لرسول الله: أوليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من استشهد من المسلمين وحِيزت عني الشهادة فشق ذلك عليَّ، فقلت: أبشر، فإن الشهادة من ورائك...» الرواية([25]).
وفي رواية: «بأبي أنت وأمي كيف حرمت الشهادة([26])؟».
وفي غزوة وادي الرمل أو ذات السلسلة لما أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يكون فيها بكت الزهراء ل، فدخل النبي وهي على تلك الحال، فقال لها: «مالك تبكين؟ أتخافين أن يقتل بعلك، كلا إن شاء الله، فقال علي: لا تنفَسْ علي بالجنة يا رسول الله، ثم خرج»([27]).
ثم يروي لنا القوم بشارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم له رضي الله عنه لما كان مع أخيه جعفر وعمه العباس رضي الله عنهم في البقيع، حيث قال: «ألا أبشرك، ألا أخبرك يا علي؟ قال: بلى يا رسول الله، فقال: كان جبرائيل عندي آنفًا، وخبرني أن القائم الذي يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا من ذريتك من ولد الحسين، فقال علي ا: يا رسول الله، ما أصبنا قط خيرًا من الله إلا على يدك»([28]).
ولا شك أن تاريخ هذه الرواية قريب من السنة الثامنة من الهجرة حيث معركة مؤتة التي استشهد فيها جعفر ا، ويقينًا حصولها بعد الهجرة بدلالة إسلام العباس وعودة جعفر من الحبشة أثناء غزوة خيبر، وذكر البقيع، رغم ذلك فدلالات عدم علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأمير بالأئمة واضحة، هذا برواية القوم أنفسهم!
وفي موطن آخر وبعد أن قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «قد استجاب الله لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك، قال: يا رسول الله، ومن شركائي من بعدي؟ قال: الذين قرنهم الله عزوجل بنفسه وبي، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59] فقلت: يا رسول الله، من هم؟ فقال: الأوصياء مني، فقلت: يا رسول الله، سمّهم لي؟ فقال: ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسن، ثم ابني هذا، ووضع يده على رأس الحسين، ثم ابن لـه يقال لـه: علي، سيولد في حياتك، فأقرئه مني السلام، ثم يكمله اثنا عشر إمامًا»([29]).

وما زال صلى الله عليه وآله وسلم يبين ذلك وما زال هو رضي الله عنه يَسأل ويَسأل، ففي رواية قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا رسول الله، أمِنَّا الهداةُ أم من غيرنا([30])؟».
وفي أخرى: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أولو الأمر؟ قال: أنت يا علي أولهم»([31]).
وأخرى: قال: «يا رسول الله، فكم يكون بعدي من الأئمة»([32]).
وأخرى: قلت لرسول الله: «أخبرني بعدد الأئمة بعدك؟»([33]) وأخرى.. وأخرى.
نعود إلى مسألة افتراض الموت.
فقد روى القوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنفذ عليًا في خيلٍ عند محاصرته أهل الطائف، وأمره أن يكسر كل صنم وجده، فلقيه جمعٌ كثير من خثعم، فبرز لـه رجل من القوم، وقال: «هل من مبارز؟ فلم يقم أحد، فقام علي، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت النبي، فقال: تكفاه أيها الأمير؟ فقال: لا، ولكن إن قتلت فأنت على الناس»([34]).
ثم ها هو الحسن بن علي بن أبي طالب ب، يروي القوم أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي: «أنت وارث علمي، ومعدن حكمي، والإمام بعدي، فإذا استشهدت فابنك الحسن، فإذا استشهد الحسن فابنك الحسين، فإذا استشهد الحسين فابنه علي، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمة أطهار، فقلت: يا رسول الله، فما أسماؤهم؟ قال: علي، ومحمد، وجعفر، وموسى، وعلي، ومحمد، والحسن، والمهدي، من صلب الحسين، يملأ الله تعالى به الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت جورًا وظلمًا»([35]).
فالحسن رضي الله عنه ولد في السنة الثالثة من الهجرة، ووفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كانت في السنة الحادية عشرة من الهجرة، فتأمل كم كان عمر الحسن رضي الله عنه عندما سمع هذا الحديث ووعاه، فلا أقل من أن ذلك كان في أواخر حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، رغم ذلك نرى عدم علم الأمير رضي الله عنه بالأئمة ما زال آخذًا مأخذه، وحتى لو كان السائل هو الحسن، فالأمر سيان.
وكذا رواية الحسين ا، حيث ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له: «يا حسين، أنت الإمام، ابن الإمام، أبو الأئمة، تسعة من ولدك أئمة أبرار، ووضع يده على كتف الحسين، وقال: يخرج من صلبه رجل مبارك سميّ جده علي، ويخرج الله من صلب علي ولدًا سميّي وأشبه الناس بي، يبقر العلم بقرًا، ويخرج الله من صلبه كلمة الحق يقال له: جعفر، صادق في قولـه وفعله -وذكر بقية الأئمة- فقال لـه علي: من هؤلاء؟ قال: يا علي، أسامي الأوصياء من بعدك»([36]).

روايات من طرق الشيعة عن الحسن رضي الله عنه تنفي وجود النص على افتراضه
أما شأن الحسن رضي الله عنه -إضافة إلى ما سبق- فنراه وهو إمام منصوب ومنصوص عليه من الله عزوجل يبايع معاوية بن أبي سفيان([37]) الذي هو إمام ليس من الله، وهو يعلم -كما يروي القوم عن أبي جعفر- قوله: «قال الله تبارك وتعالى: لأعذبن كل رعية في الإسلام أطاعت كل إمام ليس من الله، وإن كانت الرعية بارة تقية»([38]).
وعن أبي عبدالله في قوله تعالى: (الطَّاغُوتُ) إنما عني بذلك أنهم كانوا على نور الإسلام، فلما تولوا كل إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم إياه من نور الإسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب الله لهم النار مع الكفار([39]).
لذا ملأ القوم كتبهم من عتاب ولوم أصحابه لـه رضي الله عنه على ذلك، فهذا سليمان بن صرد الخزاعي يقول له: «ما ينقضي تعجبنا من بيعتك معاويةَ ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة كلهم يأخذ العطاء، وهم على أبواب منازلهم، ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم سوى شيعتك من أهل البصرة والحجاز»([40]).
وذاك يسمي الحسن رضي الله عنه بمذل المؤمنين، وآخر يقول له: يا مسود وجه المؤمنين.
وآخر: سودت وجوه المؤمنين.
وآخر وهو سفيان بن ليلى قال له: يا مذل المؤمنين.
وفي رواية: ومسود وجوه المؤمنين([41]).
وهذا حجر بن عدي رضي الله عنه يقول لـه: «أما والله لوددت أنك مت في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم»([42]).
والحسن رضي الله عنه رغم كل هذا كان يقول: «أرى والله معاوية خيرًا لي من هؤلاء»([43]).
ومن كلامه إلى معاوية بعد وفاة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وقد بايعه الناس بعد وفاة أبيه، قال: «فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لما نزل به الموت ولاَّني هذا الأمر من بعده»([44]).
ومن كلامه رضي الله عنه -أيضًا- ما كتبه في كتاب الصلح لمعاوية: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان، صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحدٍ من بعده عهدًا، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين...» إلى آخر ما جاء في كتابه ا([45]).
فأنت ترى أن هذا الأمر للحسن ا، فسلمه لمعاوية، ثم أمره بأن يسير بسيرة الخلفاء الذين هم الراشدون عند الحسن ا، ولكنهم الغاصبون للخلافة عند من يزعم أنه من شيعته، ويأمره أن يجعل الأمر شورى من بعده، ليسقط كل ما ذكرناه من أول الكتاب. وكون الأمر إليه ليس بنص من الله أو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، يؤكده قولـه رضي الله عنه عن نفسه حيث يقول لأصحابه: «إن هذا الأمر الذي أختلف فيه أنا ومعاوية إما أن يكون حق امرئ فهو أحق به مني، وإما أن يكون حقًا هو لي فقد تركته»([46]).
كان مما وقع للحسن رضي الله عنه أن رجع جماعة من أصحابه عن القول بإمامته، ودخلوا في مقالة جمهور الناس([47]).
وكذلك تتكرر مسألة افتراض موت أو قتل اللاحق هنا أيضًا، فها هو أبوه رضي الله عنه يقول في معركة صفين: «فوالله ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان -وأومأ بيده إلى الحسن والحسين- فينقطع نسل رسول الله وذريته من أمته»([48]).
وتكررت المسألة في وصيته رضي الله عنه حيث يقول: «وإن حدث بحسن حدث وحسين حي فإنه إلى -وفي لفظ: من قام بالأمر بعده- الحسين بن علي»([49]).
وعلى ذكر الوصية، فقد روى القوم عن الباقر، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه جمع بنيه وهم اثنا عشر ذكرًا، فقال لهم: «إن الله أحب أن يجعل فِيَّ سنة من يعقوب؛ إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر ذكرًا، فقال لهم: إني أوصي إلى يوسف فاسمعوا لـه وأطيعوا، وأنا أوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا، فقال لـه عبد الله ابنه: دون محمد بن علي؟ يعني: ابن الحنفية، فقال له: أجرأة عليّ في حياتي؟»([50]).
فها هو ابن الخليفة والوزير في يوم الدار والغدير يعترض عليه حتى استوجب غضبه، ذاهلًا عن أن هؤلاء قد نص الله على إمامتهم قبل ملايين السنين، وقديمًا قالوا: أهل البيت أدرى بما فيه، ولعلنا نلتمس له العذر في هذا الالتباس ما دام أبوه رضي الله عنه قد أوصى في أمرٍ هو تحصيل حاصل، وذلك للفراغ منه بكل ما أوردناه من قبل، وكذا صمت الأحد عشر الآخرين، وعلى رأسهم: السبطان ب ؛ بل كيف لا نعذره ونحن نجد القوم يقولون: إن الحسن رضي الله عنه - الذي احتج عبدالله على أبيه بسببه وأخيه دون ابن الحنفية - سأل جده صلى الله عليه وآله وسلم عن الأئمة بعده([51]).
وعلى أي حال، فتأخر تاريخ هذه الرواية واضح فتدبّر.

روايات من طرق تدل على عدم علم الحسين رضي الله عنه بالنص على افتراضه وأخرى على جهله بكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخر الأنبياء
أما شأن الحسين رضي الله عنه فأَعْجَب! فقد روى القوم عنه أنه لما أنزل الله تبارك وتعالى:
(وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)[الأنفال:75] قال: «سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تأويلها. فقال: والله ما عنى بها غيركم وأنتم أولو الأرحام، فإذا مت فأبوك علي أولى بي وبمكاني، فإذا مضى أبوك فأخوك الحسن أولى به، فإذا مضى الحسن فأنت أولى به، قلت: يا رسول الله، فمن بعدي أولى بي؟

وفي رواية: يا رسول الله، من بعدي؟»([52]).
وروى القوم عنه -أيضًا- أنه رضي الله عنه قال: «دخلت على رسول الله وهو متفكر مغموم، فقلت: يا رسول الله ما لي أراك متفكرًا؟ فقال: يا بني، إن الروح الأمين قد أتاني، فقال: يا رسول الله؛ العلي الأعلى يقرئك السلام، ويقول لك: إنك قد قضيت نبوتك، واستكملت أيامك، فاجعل الاسم الأكبر، وميراث العلم، وآثار علم النبوة عند علي بن أبي طالب؛ فإني لا أترك الأرض إلا وفيها عالم تعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي؛ فإني لم أقطع علم النبوة من الغيب من ذريتك كما لم أقطعها من ذريات الأنبياء الذين كانوا بينك وبين أبيك آدم، قلت: يا رسول الله، فمن يملك هذا الأمر بعدك؟ قال: أبوك علي بن أبي طالب أخي وخليفتي»([53]).
ولن أجدني مضطرًا إلى بيان تأخر هذه الرواية وقربها من وفاته صلى الله عليه وآله وسلم، أو بيان كيف خفي النص حتى هذا الوقت، فهو أمر قد اصطحبته معك من أول الكتاب وعبر كل الروايات السابقة، ولكن لا يفوتني أن أبدي حيرتي وتعجبي من سؤاله رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم عمن يملك هذا الأمر بعده، رغم ذكر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لقول جبرئيل: «فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند علي بن أبي طالب»، وكأن واضع الرواية يريد أن يقول: إن الحسين رضي الله عنه لم يفهم أن من جعل عنده كل هذا فإنه أولى بالإمامة، وأعجب من سؤاله هذا سؤاله للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «يا رسول الله، هل يكون بعدك نبي؟»([54]).
فمن جهل بكون محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتم الأنبياء والرسل، فجهله بالإمام من بعده أولى، ولكن أن يخبرنا القوم أن ذلك صدر منه رضي الله عنه وهو من الأئمة المنصوص عليهم من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بزعمهم، فهو أمر لا يمكن توجيهه بحال.
أما الطامة الكبرى، فهي هذه الألوف المؤلفة من الرسائل التي بعث بها شيعة أبيه وأخيه ي، يسألونه المجيء إلى العراق للبيعة، وأنهم ليس عليهم إمام بعد الحسن رضي الله عنه ([55]).
ألم يعلم هؤلاء أن بيعتهم لـه لازمة في أعناقهم بعد الحسن ا، بنص الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، سواء أتى الكوفة أو لم يأتها؟

الزهراء رضي الله عنها والنص
ولم يكن شأن أمهما الزهراء ل أيضًا بأحسن حالًا منهما أو من بعلها وأبيها صلوات الله عليهم أجمعين، كما يتبين ذلك من روايات القوم، فقد ذكر القوم أنها بكت لما عادت أباها صلى الله عليه وآله وسلم في مرض موته، حتى أرضاها بالبشرى بجعل بعلها وصيًا له، فذكروا أنها أتته في مرضه تعوده، فلما رأت ما برسول الله من المرض والجهد استعبرت وبكت حتى سالت دموعها على خديها، فقال لها النبي: «يا فاطمة، إني لكرامة الله إياك، زوّجتك أقدمهم سلمًا، وأكثرهم علمًا، وأعظمهم حلمًا، إن الله تعالى اطلع إلى أهل الأرض اطلاعة فاختارني منها فبعثني نبيًا، واطلع ثانية فاختار بعلك فجعله وصيًا، فسرّت فاطمة ل واستبشرت»([56]).
فما الذي استوجب سرورها واستبشارها -وهي في هذا الموقف- سرورًا طغى على ألم مصيبة فقدها أباها صلى الله عليه وآله وسلم ؟ هل أن أباها صلى الله عليه وآله وسلم قد أتى بأمرٍ جديد كانت تجهله؟ أو أمر كانت تعلم أن مدار قبول الأعمال على الإيمان به، وأن الله قد افترضه قبل خلق الخلق بكذا وكذا سنة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يزال ينادي به منذ بدء الدعوة؟ ومن ثم لا نجد في ذكره أمرًا ذا بالٍ يستوجب سرورها واستبشارها.

الصحابة رضي الله عنهم والنص
 
وقبل الشروع في ذكر أحوال بقية الأئمة وأصحابهم، أجد لزامًا أن أذكر نتفًا قليلة من شأن صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع النص على أمير المؤمنين رضي الله عنهم أجمعين، وسنتقتصر على اهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم.
فها هن أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهن أجمعين، أقرب الناس إليه ملازمة، يروي القوم عنهن ما يدل على المقصود، ألا وهو غياب النص، هذا إن وجد النص أصلًا، فقد ذكر القوم أن جبرئيل u قال لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: «قد دنا يا محمد مصيرك إلى ربك وجنته، وهو يأمرك أن تنصب لأمتك من بعدك علي بن أبي طالب وتعهد إليه، فهو الخليفة القائم برعيتك وأمتك، وإن الله يأمرك أن تعلمه جميع ما علمك، وتستحفظه جميع ما حفظك واستودعك؛ فإنه الأمين المؤتمن. يا محمد، إني اخترتك من عبادي نبيًا، واخترته لك وصيًا. فدعا عليًا يومًا فخلا به يومه ذلك وليلته واستودعه العلم والحكمة التي آتاه إياها، وعرفه ما قال جبرئيل، وكان ذلك يوم عائشة، فقالت: يا رسول الله، لقد طال استخلاؤك بعلي منذ اليوم. فأعرض عنها، فقالت: لم تعرض عني يا رسول الله بأمر لعله يكون لي صلاحًا؟ فقال: صدقت وأيم الله، إنه لأمر صلاح لمن أسعده الله بقبوله والإيمان به، وقد أمرني بدعاء الناس جميعًا إليه، وستعلمين ذلك إذا أنا قمت به في الناس، قالت: يا رسول الله، ولم لا تخبرني به الآن لأتقدم بالعمل به والأخذ بما فيه الصلاح؟ قال: سأخبرك به فاحفظيه إلى أن أؤمر بالقيام به في الناس جميعًا، فإنك إن حفظتيه حفظك الله في العاجلة والآجلة جميعًا، وكانت لك الفضيلة للأسبقية والمسارعة إلى الإيمان بالله ورسوله...إلى أن قال: إن الله أخبرني أن عمري قد انقضى، وأمرني أن أنصب عليًا للناس، وأجعله فيهم إمامًا، وأستخلفه كما استخلف الأنبياء من قبلي أوصياءهم»([57]).
ويستشعر القارئ من الرواية تأخرها إلى أيامه الأخيرة صلى الله عليه وآله وسلم، ورغم ذلك ترى كل هذا التضارب في النص، وتجد فيها بطلان ما ورد من نصوص قبل ذلك، وهو أمر غدا لك واضحًا مع كل رواية جديدة، مما يغنينا عن التعليق عليها جميعًا.
وكذا شأن أم سلمة ل، حيث قالوا: إن النبي دفع إليها كتابًا، فقال: من طلب هذا الكتاب منك ممن يقوم بعدي فادفعيه إليه، ثم ذكرت قيام أبي بكر وعمر وعثمان وأنهم ما طلبوه، ثم قالت: «فلما بويع علي نزل عن المنبر ومرّ، وقال لي: يا أم سلمة، هاتي الكتاب الذي دفعه إليك رسول الله، فقالت: أنت صاحبه؟ فقال: نعم، فدفعته إليه، قيل: ما كان في الكتاب؟ قالت: كل شيء دون قيام الساعة»([58]).
وفي رواية: قالت: «أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابًا، قال: أمسكي هذا، فإذا رأيت أمير المؤمنين صعد المنبر فجاء يطلب هذا الكتاب فادفعيه إليه، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صعد أبو بكر المنبر فانتظرته فلم يسألها، فلما مات صعد عمر المنبر فانتظرته فلم يسألها، فلما مات عمر صعد عثمان فانتظرته فلم يسألها.. الرواية»([59])، وغيرها([60]).
وهذا ابن عمه عبدالله بن عباس ب، فقد روى القوم أنه دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والحسن على عاتقه والحسين على فخذه يلثمهما ويقبلهما، ويقول: «اللهم وال من والاهما وعاد من عاداهما، ثم قال: يا ابن عباس، كأني به وقد خضبت شيبته من دمه، يدعو فلا يجاب، ويستنصر فلا ينصر، قلت: فمن يفعل ذلك يا رسول الله؟ قال: شرار أمتي، لا أنالهم الله شفاعتي، ثم قال: يا ابن عباس، من زاره عارفًا بحقه كتب له ثواب ألف حجة وألف عمرة، ألا ومن زاره فكأنما قد زارني، ومن زارني فكأنما زار الله، وحق الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار، وإن الإجابة تحت قبته، والشفاء في تربته، والأئمة من ولده. قلت: يا رسول الله، فكم الأئمة بعدك؟ قال: بعدد حواريي عيسى، وأسباط موسى، ونقباء بني إسرائيل، قلت: يا رسول الله، فكم كانوا؟ قال: كانوا اثني عشر، والأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم: علي بن أبي طالب، وبعده سبطاي: الحسن والحسين، فإذا انقضى الحسين فابنه علي، فإذا مضى علي فابنه محمد، فإذا انقضى محمد فابنه جعفر، فإذا انقضى جعفر فابنه موسى، فإذا انقضى موسى فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه محمد، فإذا انقضى محمد فابنه علي، فإذا انقضى علي فابنه الحسن، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجة، قال ابن عباس: قلت: يا رسول الله، أسامي ما أسمع بهم قط، قال لي: يا ابن عباس، هم الأئمة بعدي»([61]).
فابن عباس ب كان مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين، وانتقل إلى دار الهجرة بعد فتح مكة الذي كان في رمضان من السنة الثامنة للهجرة، وهذا يعني أنه صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوًا من ثلاثين شهرًا، فلا شك إذًا في أن هذه الرواية يفترض حصولها في أحد أيام هذه الشهور الأخيرة.
رغم ذلك تأمل عدم علم ابن عباس ب بمسألة الإمامة والأئمة، واستغرابه هذه الأسماء التي لم يسمع بها قط، وهو من هو من قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
بل ونراه يسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مرض موته بزعم القوم: «إذا كان ما نعوذ بالله منه فإلى من؟ فأشار إلى علي ا، فقال: إلى هذا؛ فإنه مع الحق والحق معه، ثم يكون من بعده أحد عشر إمامًا مفترضة طاعتهم كطاعتي»([62]).
وعن علي بن أبي طالب -أيضًا- حيث يقول لطلحة: «يا طلحة، أليس قد شهدت رسول الله حين دعا بالكتف ليكتب فيها ما لا تضل الأمة بعده ولا تختلف، فقال صاحبك ما قال: إن رسول الله يهجر، فغضب رسول الله وتركها؟ قال: بلى شهدته، قال: فإنكم لما خرجتم أخبرني رسول الله بالذي أراد أن يكتب فيها ويشهد عليه العامة، وإن جبرائيل أخبره بأن الله يعلم أن الأمة ستختلف وتفترق، ثم دعا بصحيفة فأملى عليَّ ما أراد أن يكتب بالكتف، وأشهد على ذلك ثلاثة رهط: سلمان الفارسي، وأبا ذر، والمقداد، وسمَّى من يكون من أئمة الهدى الذين أمر المؤمنين بطاعتهم إلى يوم القيامة، فسماني أولهم، ثم ابني هذا الحسن، ثم ابني هذا الحسين، ثم تسعة من ابني هذا الحسين»([63]).
ففي الرواية دلالة على أن الأئمة لم يكونوا مسمَّيْن حتى ربيع الأول من سنة إحدى عشرة من الهجرة، حيث انتقل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرفيق الأعلى.
وعن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، قال: «لما مرض النبي مرضه الذي قبضه الله فيه اجتمع عليه أهل بيته وأصحابه، وقالوا: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فلم يجبهم جوابًا وسكت عنهم، فلمَّا كان اليوم الثاني أعادوا عليه القول، فلم يجبهم عن شيء مما سألوه، فلما كان اليوم الثالث قالوا له: يا رسول الله، إن حدث بك حدثٌ فمن لنا من بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فقال لهم: إذا كان غدًا هبط نجم من السماء في دار رجلٍ من أصحابي فانظروا من هو؟ فهو خليفتي عليكم من بعدي، والقائم فيكم بأمري، ولم يكن فيهم أحد إلا وهو يطمع أن يقول له: أنت القائم من بعدي، فلمَّا كان اليوم الرابع جلس كل رجل منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم، إذ انقض نجم من السماء قد غلب نوره على ضوء الدنيا حتى وقع في حجرة علي»([64]).
فهذه الرواية لا تحتاج إلى بيان، وأوجه الدلالة فيها واضحة، فهي تسقط كل ما أورده القوم قبل هذه القصة، وقد علمت تاريخها.
ولا يفوتني هنا أن أذكرك بقولـه: «اجتمع عليه أهل بيته وأصحابه»، وأنت خبير بأن أهل بيته عند القوم، هم: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين دون غيرهم، وهذه الرواية لم يروها من لا يرى هذا الحصر في أهل البيت، بل رواها الصادق عن الباقر عن آبائه ي، وبهذا لا يخلو من أن يكون علي بن أبي طالب والزهراء والسبطان فيمن سأل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في أواخر أيامه عن الخليفة بعده، أو أن أهل البيت أعم من حصرهم في هؤلاء الأربعة.

الإمام زين العابدين وأصحابه والنص
روى القوم عن أحمد بن إبراهيم، قال: دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا أخت أبي الحسن صاحب العسكر، فقلت: «إلى من تفزع الشيعة؟ فقالت: إلى الجدة أم أبي محمد، فقلت: أقتدي بمن وصيته إلى امرأة؟ فقالت: اقتدِ بالحسين بن علي، والحسين بن علي أوصى إلى أخته زينب بنت علي في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين من علم ينسب إلى زينب سترًا على علي بن الحسين».
وفي رواية عن الباقر: «إن الحسين لما حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبرى، فدفع إليها كتابًا ملفوفًا ووصية ظاهرة، وكان علي بن الحسين مريضًا لا يرون أنه يبقى بعده، فلما قتل الحسين ورجع أهل بيته إلى المدينة، دفعت فاطمة الكتاب إلى علي بن الحسين، ثم صار ذلك الكتاب والله إلينا»([65]).
أقول: إذًا أين تلك النصوص كلها التي تقول: إن الإمامة بعد الحسين تكون في زين العابدين؟ وتلك القائلة: إن معرفة ذلك ركن من أركان الدين ولا يتم إيمان المؤمن إلا بها؟ وأين هو محل هذه الوصية -ظاهرة كانت أم باطنة- من أمر قد عُلِمَ مسبقًا فيمن تكون؟ ولِم لَمْ ينكر أحد من الشيعة جعل الوصاية إلى امرأة، حتى لو كانت زينب ل، أم فاطمة الكبرى على الخلاف الذي مرَّ بك في الروايتين، وهم يعلمون سلفًا بأن الأئمة مسمَّون بأسمائهم، وبوصية نزلت من السماء، وعهدٍ من رسول الله رجل فرجل مسمَّى حتى تنتهي إلى صاحبها، وليس للإمام أن يزويها عمن يكون من بعده، كما مرَّ بك؟
وعلى ذكر ما جاء في الرواية بأنهم لا يرون أن زين العابدين يبقى بعده، فقد كان للحسين موقف شبيه بموقف جده من وصييه، وأبيه منه ومن أخيه صلوات الله عليهم أجمعين، هذا الموقف هو افتراض موت اللاحق قبل السابق.
ففي فاجعة كربلاء خرج زين العابدين وكان مريضًا لا يقدر أن يقل سيفه وأم كلثوم تنادي خلفه: «يا بني، ارجع، فقال: يا عمتاه، ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله، فقال الحسين ا: يا أم كلثوم، خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »([66]).
فهل غاب عنه رضي الله عنه أن زين العابدين سيكون الإمام من بعده نصًا من الله ورسوله، وأن الأرض لا تخلو من حجة من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإلا لساخت؟!

خلاف أهل البيت مع زين العابدين رحمه الله
ونقترب إلى حال أهل بيته وهم من لا يفترض أن يغيب عنهم أو يخفى عليهم أمر النص. فذكرهم أبلغ في المقصود.
فها هو ابنه عمر بن علي زين العابدين يسأل أباه -كما يزعم القوم- عن علة تسمية أخيه الباقر بهذا الاسم. فيرد عليه أبوه: «يا بني، إن الإمامة في ولده إلى أن يقوم قائمنا، فيملأها قسطًا وعدلًا، وإنه الإمام، وأبو الأئمة، ومعدن الحلم، وموضع العلم، يبقره بقرًا، والله لهو أشبه الناس برسول الله، فقال: فكم الأئمة بعده..» الرواية([67]).
كيف رضي أن يبقى ابنه جاهلًا بأعظم أركان الدين دون أن يبين لـه حتى كان هو الذي سأله، أوكان تاركه يموت على ضلالة لو لم يكن قد سأله؟! وعمر هذا قال عنه المفيد: «وكان عمر بن علي بن الحسين فاضلًا جليلًا، وولي صدقات النبي صلى الله عليه وآله وصدقات أمير المؤمنين u، وكان ورعًا سخيًا، وقد روى داود بن القاسم، قال: حدثنا الحسين بن زيد، قال: رأيت عمي عمر بن علي بن الحسين يشترط على من ابتاع صدقات علي u أن يثلم في الحايط كذا وكذا ثلمة، ولا يمنع من دخله أن يأكل منه»([68]).
وعن جرير القطان قال: سمعت عمر بن علي بن الحسين يقول: «المفرط في حبنا كالمفرط في بغضنا، لنا حق بقرابتنا من جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحق جعله الله لنا، فمن تركه ترك عظيمًا، أنزلونا بالمنزل الذي أنزلنا الله به، ولا تقولوا فينا ما ليس فينا، إن يعذبنا الله فبذنوبنا، وإن يرحمنا الله فبرحمته وفضله»([69]).
ولعل في قولـه: «أنزلونا بالمنزل الذي أنزلنا الله به، ولا تقولوا فينا ما ليس فينا»، ما يزيل شبهة عدم علمه بالأئمة، واللبيب بالإشارة يفهم.
وعلى أي حال، فقبل أن أنتقل إلى حديث آخر أود ألا يفوتك اسم صاحبنا هذا -أي: عمر بن علي- فتدبر وجه الدلالة، ولنا مع مثل هذا وقفات في كتابنا هذا ستجدها في حينها إن شاء الله.
وهذا عمر آخر، وهو عمه، سترى أنه لم ينكر إمامته فحسب، بل ورأى منازعته في الصدقات، فقد روى القوم أن عمر بن علي خاصم علي بن الحسين إلى عبد الملك في صدقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين، فقال: يا أمير المؤمنين، أنا ابن المصدق وهذا ابن ابن، فأنا أولى بها منه، فتمثل عبد الملك بقول ابن أبي الحقيق:
لا تجعل الباطل حقّا ولا  ***  تلطّ دون الحقّ بالباطل

ادعاء محمد بن علي بن أبي طالب [ابن الحنفية] رحمه الله للإمامة
تقول رواية القوم: «إنه لما قتل الحسين بن علي أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين فخلا به، وقال له: قد قتل أبوك ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي في سني وقدمتي، وأنا أحق بها منك في حداثتك، لا تنازعني في الوصية والإمامة ولا تجانبني، فقال له علي بن الحسين: يا عم، اتق الله ولا تدّع ما ليس لك بحق، إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي -يا عم- قد أوصى إليَّ في ذلك قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إليَّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله عندي، فلا تتعرض لهذا؛ فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسن مع معاوية ما صنع أبى أن يجعل الوصية والإمامة إلا في عقب الحسين، فإن رأيت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك، قال أبو جعفر: وكان الكلام بينهما بمكة، فانطلقا حتى أتيا الحجر، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: ائته يا عم وابتهل إلى الله تعالى أن ينطق لك الحجر، ثم سله عما ادعيت، فابتهل في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر، فلم يجبه، فقال علي بن الحسين: أما إنك يا عم لو كنت وصيًا وإمامًا لأجابك، فقال له محمد: فادع أنت يا ابن أخي فاسأله، فدعا الله علي بن الحسين بما أراده، ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الأنبياء والأوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا مَن الإمام والوصي بعد الحسين؟ فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله بلسان عربي مبين، فقال: اللهم إن الوصية والإمامة بعد الحسين بن علي إلى علي بن الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله».
وفي رواية: عن أبي بجير -عالم الأهواز- وكان يقول بإمامة ابن الحنفية، قال: «حججت فلقيت إمامي، وكنت يومًا عنده، فمرَّ به غلام شاب فسلم عليه، فقام فتلقاه وقبَّل ما بين عينيه وخاطبه بالسيادة، ومضى الغلام وعاد محمد إلى مكانه، فقلت له: عند الله أحتسب عنائي، فقال: وكيف ذاك؟ قلت: لأنا نعتقد أنك الإمام المفترض الطاعة تقوم تتلقى هذا الغلام وتقول له: يا سيدي؟ فقال: نعم، هو والله إمامي، فقلت: ومن هذا؟ قال: علي ابن أخي الحسين، اعلم أني نازعته الإمامة ونازعني، فقال لي: أترضى بالحجر الأسود حكمًا بيني وبينك؟ فقلت: وكيف نحتكم إلى حجر جماد؟ فقال: إن إمامًا لا يكلمه الجماد فليس بإمام، فاستحييت من ذلك، وقلت: بيني وبينك الحجر الأسود، فقصدنا الحجر...» فذكر القصة([70]).
وفي أخرى: عن أبي خالد الكابلي، قال: «دعاني محمد بن الحنفية بعد قتل الحسين ورجوع علي بن الحسين إلى المدينة وكنا بمكة، فقال: صر إلى علي بن الحسين، وقل له: إني أكبر ولد أمير المؤمنين بعد أخويَّ الحسن والحسين، وأنا أحق بهذا الأمر منك، فينبغي أن تسلمه إلي، وإن شئت فاختر حكمًا نتحاكم إليه، فصرت إليه وأديت رسالته، فقال: ارجع إليه، وقل له: يا عم، اتق الله ولا تدّع ما لم يجعله الله لك، فإن أبيت فبيني وبينك الحجر الأسود، فمن أجابه الحجر فهو الإمام...» إلى آخر القصة([71]).
هذا غير منازعته له في الصدقات، فعن سفيان بن عيينة، قال: قيل للزهري: «من أزهد الناس؟
قال: علي بن الحسين حيث كان، وقد قيل له فيما بينه وبين محمد بن الحنفية من المنازعة في صدقات علي بن أبي طالب: لو ركبت إلى الوليد بن عبد الملك ركبة لكشف عنك من غرر شره وميله عليك بمحمد، فإن بينه وبينه خلة، قال: وكان هو بمكة والوليد بها، فقال: ويحك! أفي حرم الله أسأل غير الله عزوجل؟ إني آنف أن أسأل الدنيا خالقها، فكيف أسألها مخلوقًا مثلي؟
وقال الزهري: لا جرم أن الله عزوجل ألقى هيبته في قلب الوليد حتى حكم له على محمد بن الحنفية»([72]).
وفي رواية: عن ابن غندر قال: «جاء مال من خراسان إلى مكة، فقال محمد بن الحنفية: هذا المال لي وأنا أحق به، فقال علي بن الحسين: بيني وبينك الصخرة، فأتيا الصخرة، فكلمها ابن الحنفية فلم تنطق، فكلمها علي بن الحسين فنطقت، وقالت: المال مالك وأنت الوصي ابن الوصي، والإمام ابن الإمام، فبكى محمد، وقال: يا ابن أخي ظلمتك»([73]).

موقف الإمام محمد الباقر رحمه الله وأصحابه من النص
نبدأ برواية مالك بن أعين الجهني قال: «أوصى علي بن الحسين ابنه محمد بن علي، فقال: بني، إني جعلتك خليفتي من بعدي، لا يدَّعي فيما بيني وبينك أحد إلا قلَّده الله يوم القيامة طوقًا من نار، فاحمد الله على ذلك واشكره»([74]).
ولا أدري هل كان الأمر له يضعه حيث يشاء، أم إنه الإمام من بعده من الله عزوجل. ولو لم يوص إليه أكان سيخلفه من بعده؟!
لا شك أنك ترى مما مرَّ بك من أول الباب أن قولـه: «إني جعلتك خليفتي من بعدي»، مثل قوله: إني جعلت الصوم في شهر رمضان، فإما أن يكون هذان الأمران مفروضين من الله عزوجل، وليس لبشرٍ فيهما شأن، وإما الآخر، وهذا لا يقول به مسلم.
إذًا.. لا يبقى إلا أن ينتفي الآخر، أي: بطلان النص، وسيأتيك ما يدعمه.
ثم لا يفوتك أن قولـه: «لا يدعي فيما بيني وبينك أحد إلا قلَّده الله يوم القيامة طوقًا من نار»، يستشعر منه انتفاء النص، ذلك أن من نوى خلاف الله عزوجل فيمن نصَّ عليه لن يثنيه وصية بشر، ولا أظن أن هذا يفوت الإمام، أما شكره لهذه النعمة فلا شك أنها حاصلة قبل آلاف السنين من بدء الخليقة كما مرَّ بك، لا في السنة الخامسة والتسعين من الهجرة حيث توفي زين العابدين / .
والغريب أنه قد نسي الأمرين على افتراضهما، أي: سواء النص من الله عزوجل، أو وصية السجاد، فعندما سأله أبو حنيفة / : «أنت الإمام؟ قال: لا، قال: فإن قومًا بالكوفة يزعمون أنك إمام، قال: فما أصنع بهم؟ قال: تكتب إليهم تخبرهم، قال: لا يطيعوني»([75]).
فلا أعرف وجهًا لهذا الإنكار، فأبو حنيفة / لم يكن أبدًا من رجال السلاطين حتى يتقيه، فقد كان هواه مع آل البيت، وموقفه المؤيد لخروج زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه على هشام بن عبد الملك، وخروج عبد الله بن الحسن وولديه: محمد المعروف بالنفس الزكية وإبراهيم على المنصور، ورفضه تولي القضاء وتعذيبه حتى موته في الحبس -كما في بعض الروايات- أمور لا تخفى على من له أدنى قراءة لتاريخ الرجل.
لم يقتصر الجهل بالأئمة الاثني عشر على الأصحاب فحسب، بل طال أهلَ البيت، فهذا يحيى بن زيد بن علي زين العابدين -رحمهم الله- يقول: «سألت أبي عن الأئمة؟ فقال: الأئمة اثنا عشر: أربعة من الماضين وثمانية من الباقين، قلت: فسمهم يا أبه؟ قال: أما الماضون: فعلي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومن الباقين: أخي الباقر، وبعده جعفر الصادق ابنه، وبعده موسى ابنه -ثم ذكر بقية الأئمة-.
قال: فقلت له: يا أبه، ألست منهم؟ قال: لا ولكني من العترة، قلت: فمن أين عرفت أساميهم؟ قال: عهد معهود عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »([76]).
فتدبر في الروايات السابقة وقارن بينها وبين ما يدعيه القوم من النص، وانظر هل يمكن التوفيق بينها، وهل يستقيم خفاء تلك النصوص على المقربين؟ وهل يستقيم القول باللطف ووجوب معرفة إمام الزمان مع تعسر معرفته إلا بسؤال أو تنبيه من إمام؟ فما مصير صلاة وصيام وزكاة وحج وسائر أعمالِ مَن جهل بهم حتى يسأل أو يعلم؟
ولا شك أنهم لم يسألوا عن شهر الصيام أو الحج أو نصاب الزكاة وعدد ركعات العصر، ولعلَّ ما يخرجك من الحيرة أو يزيدها مزيد من روايات القوم.
عن عبد الأعلى مولى آل سام، عن الصادق، قال: «إن أبي استودعني ما هناك، فلمَّا حضرته الوفاة قال: ادع لي شهودًا، فدعوت أربعة من قريش، فيهم: نافع مولى عبد الله بن عمر، فقال: اكتب: هذا ما أوصى به يعقوب بنيه: (َا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [سورة البقرة: 132]، وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد، وأمره أن يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه يوم الجمعة، وأن يعممه بعمامته، وأن يرفع قبره، ويرفعه أربع أصابع، وأن يحل عنه أطماره عند دفنه، ثم قال للشهود: انصرفوا رحمكم الله، فقلت لـه: يا أبت، ما كان في هذا أن يشهد عليه، فقال: يا بني، كرهت أن تغلب، وأن يقال: لم يوصِ إليه، وأردت أن تكون لك الحجة»([77]).

أقول: لم أقف على علة الوصية هذه والتي فيها أمور لم يأخذ بها القوم حتى يومنا هذا، ولا الإشهاد عليها، ألم يعلم الناس وهؤلاء الأربعة من قريش أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نصَّ على الصادق بعد أبيه، حتى اضطر الباقر إلى ذلك خشية أن يغلب أو يقال: لم يوصِ إليه وتكون الحجة له؟ وإن لم تكن حجة الله ورسوله مجزئة فماذا تكون حجة الباقر؟ ثم اسأل نفسك: ما هي هذه الحجة التي كانت للباقر أصلًا وأرادها لابنه؟
والباقر لم يسلم من خروج إخوته وأهله وخلافهم عليه، شأنه في ذلك شأن بقية الأئمة، وسأورد عليك بعضًا من تلك الروايات، ولن أحتاج معها إلى تعليق، وحسبك أن تستحضر عنوان كتابنا هذا، ثم انظر كيف توفق بينها، أو إن كنت تستطيع أن تخرج منها بالقول بالنص أو عدمه.
روى القوم عن الصادق أنه قال: «لما حضر علي بن الحسين الموت، قبل ذلك أَخْرَج السفط أو الصندوق عنده، فقال: يا محمد، احمل هذا الصندوق، قال: فحمل بين أربعة رجال، فلما توفي جاء إخوته يدعون في الصندوق؟ فقالوا: أعطنا نصيبنا من الصندوق، فقال: والله ما لكم فيه شيء، ولو كان لكم فيه شيء ما دفعه إليَّ، وكان في الصندوق سلاح رسول الله وكتبه»([78]).
وعن الباقر قال: «كان فيما أوصى أبي إلي: إذا أنا مت فلا يلي غسلي أحد غيرك؛ فإن الإمام لا يغسله إلا إمام، واعلم أن عبدالله أخاك سيدعو إلى نفسه فدعه؛ فإن عمره قصير»([79]).
ونختم ذلك بطامة شبيهة بطامة زين العابدين وابن الحنفية، حيث يروي القوم عن الصادق أنه قال: «كان زيد بن الحسن يخاصم أبي في ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول: أنا من ولد الحسن وأولى بذلك منك؛ لأني من ولد الأكبر، فقاسمني ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وادفعه إلي، فأبى أبي، فخاصمه إلى القاضي، فكان زيد معه إلى القاضي، فبينما هم كذلك ذات يوم في خصومتهم، إذ قال زيد بن الحسن لزيد بن علي: اسكت يا ابن السندية، فقال زيد بن علي: أف لخصومة تذكر فيها الأمهات، والله لا كلمتك بالفصيح من رأسي أبدًا حتى أموت، وانصرف إلى أبي، فقال: يا أخي، إني حلفت بيمين ثقة بك وعلمت أنك لا تكرهني ولا تخيبني، حلفت أن لا أكلم زيد بن الحسن ولا أخاصمه، وذكر ما كان بينهما، فأعفاه أبي واغتنمها زيد بن الحسن، فقال: يلي خصومتي محمد بن علي فأعتبه وأؤذيه فيعتدي علي، فعدا على أبي، فقال: بيني وبينك القاضي، فقال: انطلق بنا، فلما أخرجه قال أبي: يا زيد، إن معك سكينة قد أخفيتها، أرأيتك إن نطقت هذه السكينة التي تسترها مني فشهدت أني أولى بالحق منك، أفتكف عني؟ قال: نعم، وحلف له بذلك، فقال أبي: أيتها السكينة، انطقي بإذن الله، فوثبت السكينة من يد زيد بن الحسن على الأرض، ثم قالت: يا زيد، أنت ظالم، ومحمد أحق منك وأولى، ولئن لم تكف لألين قتلك، فخر زيد مغشيًا عليه، فأخذ أبي بيده فأقامه، ثم قال: يا زيد، إن نطقت الصخرة التي نحن عليها أتقبل؟ قال: نعم، فرجفت الصخرة التي مما يلي زيدًا، حتى كادت تفلق، ولم ترجف مما يلي أبي، ثم قالت: يا زيد، أنت ظالم، ومحمد أولى بالأمر منك، فكف عنه وإلا وليت قتلك، فخر زيد مغشيًا عليه، فأخذ أبي بيده وأقامه، ثم قال: يا زيد، أرأيت إن نطقت هذه الشجرة وتسير إليَّ أتكف؟ قال: نعم، فدعا أبي الشجرة فأقبلت تخد الأرض حتى أظلتهم، ثم قالت: يا زيد، أنت ظالم، ومحمد أحق بالأمر منك، فكف عنه وإلا قتلتك، فغشي على زيد، فأخذ أبي بيده، وانصرفت الشجرة إلى موضعها، فحلف زيد أن لا يعرض لأبي ولا يخاصمه، فانصرف وخرج زيد من يومه إلى عبد الملك بن مروان، فدخل عليه، وقال: أتيتك من عند ساحر كذاب لا يحل لك تركه، وقص عليه ما رأى، وكتب عبد الملك إلى عامل المدينة، أن ابعث إليَّ محمد بن علي مقيدًا، وقال لزيد: أرأيتك إن وليتك قتله قتلته؟ قال: نعم»([80]).

افتراق الشيعة بعد وفاة الباقر
قبل أن أنتقل إلى الإمام التالي، أذكر هنا موقف الشيعة بعد الباقر كما ذكر ذلك القوم أنفسهم:
يقول النوبختي: «فلما توفي أبو جعفر افترقت أصحابه فرقتين: فرقة منها قالت بإمامة محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الخارج بالمدينة المقتول بها، وزعموا أنه القائم، وأنه الإمام المهدي، وأنه لم يقتل، وقالوا: إنه حي لم يمت، مقيم بجبل يقال له: العلمية، وهو الجبل الذي في طريق مكة ونجد الحاجز عن يسار الطريق وأنت ذاهب إلى مكة، وهو الجبل الكبير، وهو عنده مقيم فيه حتى يخرج؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: القائم المهدي اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، وكان أخوه إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، خرج بالبصرة ودعا إلى إمامة أخيه محمد بن عبدالله، واشتدت شوكته، فبعث إليه المنصور بالخيل، فقُتل بعد حروب كانت بينهم، وكان المغيرة بن سعيد قال بهذا القول لما توفي أبو جعفر محمد بن علي وأظهر المقالة بذلك، فبرئت منه الشيعة أصحاب أبي عبدالله جعفر بن محمد رضي الله عنه ورفضوه، فزعم أنهم رافضة، وأنه هو الذي سمَّاهم بهذا الاسم، ونصب بعض أصحاب المغيرة إمامًا، وزعم أن الحسين بن علي أوصى إليه، ثم أوصى إليه علي بن الحسين، ثم زعم أن أبا جعفر محمد بن علي أوصى إليه، فهو الإمام إلى أن يخرج المهدي، وأنكروا إمامة أبي عبدالله جعفر بن محمد، وقالوا: لا إمامة في بني علي بن أبي طالب بعد أبي جعفر محمد بن علي، وأن الإمامة في المغيرة بن سعيد إلى خروج المهدي، وهو عندهم محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن وهو حي لم يمت ولم يقتل، فسموا هؤلاء المغيرية باسم المغيرة بن سعيد مولى خالد بن عبدالله القسري، ثم تراقى الأمر بالمغيرة إلى أن زعم أنه رسول نبي، وأن جبرائيل يأتيه بالوحي من عند الله، فأخذه خالد بن عبدالله القسري فسأله عن ذلك فأقر به ودعا خالدًا إليه، فاستتابه خالد فأبى أن يرجع عن قولـه فقتله وصلبه، وكان يدَّعي أنه يحيي الموتى، وكان يقول بالتناسخ، وكذلك قول أصحابه إلى اليوم.
وأما الفرقة الأخرى من أصحاب أبي جعفر محمد بن علي فنزلت إلى القول بإمامة أبي عبدالله جعفر بن محمد، فلم تزل ثابتة على إمامته أيام حياته غير نفر يسير منهم، فإنهم لما أشار جعفر بن محمد إلى إمامة ابنه إسماعيل، ثم مات إسماعيل في حياة أبيه، رجعوا عن إمامة جعفر، وقالوا: كَذبنا ولم يكن إمامًا؛ لأن الإمام لا يكذب ولا يقول ما لا يكون، وحكموا على جعفر أنه قال: إن الله عزوجل بدا له في إمامة إسماعيل، فأنكروا البداء والمشيئة من الله، وقالوا: هذا باطل لا يجوز. »([81]).

موقف الإمام جعفر الصادق رحمه الله وأصحابه من النص
لم يكن أصحاب الصادق بأفضل حالًا من أصحاب أبيه أو جده في جهلهم بالإمام والأئمة، مما يستوجب من ذلك أن من مات على ذلك مات ميتة جاهلية، أو مُنِي برد أعماله وعدم قبولها حتى لحظة سؤاله، ويبدو أن أمر الجهل بالنص هذا لم يغادر أحدًا من أصحابه، بل حتى وأهل بيته.
فهذا عيسى بن عبدالله بن عمر بن علي بن أبي طالب يقول للصادق كما يروي القوم: «إن كان كون ولا أراني الله يومك فبمن أأتم؟ فأومأ إلى موسى، فقلت لـه: فإن مضى فإلى من؟ قال: فإلى ولده، قلت: فإن مضى ولده وترك أخًا كبيرًا وابنًا صغيرًا فبمن أأتم؟ قال: بولده، ثم هكذا أبدًا، فقلت: فإن أنا لم أعرفه ولم أعرف موضعه فما أصنع؟ قال: تقول: اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي، فإن ذلك يجزيك»([82]).
وهنا أتساءل: أليسوا مسمَّيْن كما سبق؟
وآخر هو علي بن عمر بن علي سأله: «جعلت فداك، إلى من نفزع ويفزع الناس بعدك؟»([83]).
ولم يقتصر الأمر على ما مرَّ بك، بل اقرأ هذا: عن الصادق: «العجب لعبدالله بن الحسن ابن الحسن يقول: ليس فينا إمام صدق وما هو بإمام ولا كان أبوه إمامًا، يزعم أن علي بن أبي طالب لم يكن إمامًا ويردد ذلك»([84]).
النزاع بين بني الحسن وبني الحسين رضي الله عنهما
يبدو أن أمر الخلاف والمنازعة بين بني الحسن وبني الحسين كان مستفحلًا، وقد تكلمنا قليلًا عن أبعاد ذلك عند ذكرنا: (علة جعل الإمامة في ولد الحسين دون الحسن) وإليك المزيد مما يؤيد ذلك:
عن علي بن سعيد قال: «كنت جالسًا عند أبي عبدالله، فقال رجل: جعلت فداك، إن عبدالله بن الحسن يقول: ما لنا في هذا الأمر ما ليس لغيرنا، فقال أبو عبدالله -بعد كلام-: أما تعجبون من عبدالله، يزعم أن أباه عليًا لم يكن إمامًا، ويقول: إنه ليس عندنا علم، وصدق والله ما عنده علم، ولكن والله -وأهوى بيده إلى صدره- إن عندنا سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيفه ودرعه، وعندنا والله مصحف فاطمة ما فيه آية من كتاب الله، وإنه من إملاء رسول الله وخطه علي بيده، والجفر وما يدرون ما هو، مسك من شاة، أو مسك من بعير»([85]).
وعن علي بن جعفر قال: «بعث عبدالله بن الحسن إلى أبي: يقول لك أبو محمد: أنا أشجع منك، وأنا أسخى منك، وأنا أعلم منك، فقال لرسوله: أما الشجاعة فوالله ما كان لك موقف يعرف به جبنك من شجاعتك، وأما السخيّ فهو الذي يأخذ الشيء فيضعه في حقه، وأما العلم فقد أعتق أبوك علي بن أبي طالب ألف مملوك، فسم لنا خمسة منهم، وأنت عالم، فعاد إليه فأعلمه، ثم عاد إليه، فقال: يقول: إنك رجل صحفي، فقال له أبو عبدالله: قل: إي والله، صحف إبراهيم وموسى وعيسى ورثتها عن آبائي»([86]).
وكان بنو الحسن يرشدون ويدلون الناس إليهم، فعن عبدالرحمن بن كثير أن رجلًا دخل يسأل عن الإمام بالمدينة، فاستقبله رجل من ولد الحسن، فدله على محمد بن عبد الله، فصار إليه وساءله هنيهة، فلم يجد عنده طائل. فاستقبله فتىً من ولد الحسين، فقال له: «يا هذا، إني أراك تسأل عن الإمام، قال: نعم، قال: فأصبته؟ قال: لا، قال: فإن أحببت أن تلقى جعفر بن محمد فافعل، فاستدله فأرشده إليه، فلما دخل عليه قال له: إنك دخلت مدينتنا هذه تسأل عن الإمام، فاستقبلك فتىً من ولد الحسن فأرشدك إلى محمد بن عبدالله، فسألته وخرجت، فإن شئت أخبرتك بما سألته عنه وما رده عليك، ثم استقبلك فتى من ولد الحسين، وقال لك: إن أحببت أن تلقى جعفر بن محمد فافعل، قال: صدقت، كان كل ما ذكرت ووصفت»([87]).
وكذلك شأن محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب مع الصادق، فكما فعل أبوه من قبل، فعل هو مع الصادق، حيث قال له: «والله إني لأعلم منك وأسخى وأشجع»([88]).
ولما بويع -أي: محمد بن عبدالله بن الحسن- على أنه مهدي هذه الأمة، جاء أبوه عبدالله إلى الصادق وقد كان ينهاه، وزعم أنه يحسده، فضرب الصادق يده على كتف عبدالله، وقال: «إيهًا والله، ما هي إليك ولا إلى ابنك، وإنما هي لهذا -يعني: السفاح- ثم لهذا -يعني: المنصور- يقتله على أحجار الزيت»([89]).
رغم هذا كان يبارك خروج ابنه ويؤيده، فلما بلغ أبا مسلم موت إبراهيم الإمام وجه بكتبه إلى الحجاز، إلى جعفر بن محمد، وعبدالله بن الحسن، ومحمد بن علي بن الحسين يدعو كلَّ واحد منهم إلى الخلافة، فبدأ بجعفر، فلما قرأ الكتاب أحرقه، وقال: هذا الجواب، فأتى عبدالله بن الحسن، فلما قرأ الكتاب قال: أنا شيخ ولكن ابني محمد مهدي هذه الأمة، فركب وأتى جعفرًا فخرج إليه ووضع يده على عنق حماره، وقال: يا أبا محمد، ما جاء بك في هذه الساعة؟ فأخبره، فقال: لا تفعلوا؛ فإن الأمر لم يأتِ بعد، فغضب عبدالله بن الحسن، وقال: لقد علمت خلاف ما تقول، ولكنه يحملك على ذلك الحسد لابني([90]).
وكان الناس يرون إمامته دون الصادق، فعن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، قال: «كنت عند أبي عبدالله بمكة، إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فيهم: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وحفص بن سالم، وأناس من رؤسائهم، وذلك حين قتل الوليد واختلف أهل الشام بينهم، فتكلموا وأكثروا وخطبوا فأطالوا، فقال لهم أبو عبدالله جعفر بن محمد: إنكم قد أكثرتم عليَّ وأطلتم، فأسندوا أمركم إلى رجل منكم فليتكلم بحجتكم وليوجز، فأسندوا أمرهم إلى عمرو بن عبيد فأبلغ وأطال، فكان فيما قال أن قال: قتل أهل الشام خليفتهم، وضرب الله بعضهم ببعض، وتشتت أمرهم، فنظرنا فوجدنا رجلًا له دين وعقل ومروءة ومعدن للخلافة وهو محمد بن عبدالله بن الحسن، فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه، ثم نظهر أمرنا معه وندعو الناس إليه»([91]).
وقد خرج أخوه إبراهيم أيضًا، فعن عبيد بن زرارة قال: «لقيت أبا عبدالله في السنة التي خرج فيها إبراهيم بن عبدالله بن الحسن، فقلت له: جعلت فداك، إن هذا قد ألف الكلام وسارع الناس إليه، فما الذي تأمر به؟ قال: فقال: اتقوا الله واسكنوا ما سكنت السموات والأرض»([92]).
ويبدو أن الصادق قد ضاق ذرعًا بهذا الأمر، فما زال يفتش ويبحث في كتبه عمن يملك من بني الحسن، وما زال يقول بـحسدهم، فلما سُئِلَ عنهم وعما إذا كانوا يعرفون لمن الحق؟ قال: «بلى. ولكن يمنعهم الحسد»([93]).
وفي أخرى: فقال له بعضنا: «يعرف هذا ولد الحسن؟ قال: نعم، كما يعرفون أن هذا ليل، ولكن يحملهم الحسد، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيرًا لهم، ولكنهم يطلبون الدنيا»([94]).
وعن أبي يعفور قال: «لقيت أنا ومعلى بن خنيس الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فقال: يا يهودي، فَأَخْبَرْنَا بما قال جعفر بن محمد، فقال: هو والله أولى باليهودية منكما، إن اليهودي من شرب الخمر»([95]).
وعنه أيضًا قال: سمعت أبا عبدالله يقول: «لو توفي الحسن بن الحسن بالزنا وشرب الخمر كان خيرًا مما توفي عليه»([96]).
ويبدو أن المودة كانت متبادلة بينهما، فعن سلمان بن خالد قال: «لقيت الحسن بن الحسن، فقال: أما لنا حق؟ أما لنا حرمة؟ إذا اخترتم منا رجلًا واحدًا كفاكم، فلم يكن له عندي جواب، فلقيت أبا عبدالله فأخبرني بما كان من قولـه، فقال لي: القه، فقل له: أتيناكم فقلنا: هل عندكم ما ليس عند غيركم؟ فقلتم: لا، فصدقناكم وكنتم أهل ذلك، وأتينا بني عمكم فقلنا: هل عندكم ما ليس عند الناس؟ فقالوا: نعم، فصدقناهم وكانوا أهل ذلك، قال: فلقيته فقلت له ما قال لي، فقال لي الحسن: فإن عندنا ما ليس عند الناس، فلم يكن عندي شيء، فأتيت أبا عبدالله فأخبرته، فقال لي:القه، وقل: إن الله عزوجل يقول في كتابه: )ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [سورة الأحقاف: 4] فاقعدوا لنا حتى نسألكم، قال: فلقيته فحاججته بذلك، فقال: أفما عندكم شيء إلا تعيبونا إن كان فلان تفرغ وشغلنا فذاك الذي يذهب بحقنا»([97]).

أما شأن كتاب الملوك الذين يملكون الأرض، ونظر الصادق فيه، فإليك بعض هذه الروايات:
عن خنيس قال: «كنت عند أبي عبدالله إذ أقبل محمد بن عبدالله بن الحسن فسلم عليه ثم ذهب، ورق له أبو عبدالله ودمعت عينه، فقلت له: لقد رأيتك صنعت به ما لم تكن تصنع؟ قال: رققت له؛ لأنه ينسب في أمرٍ ليس له، لم أجده في كتاب علي من خلفاء هذه الأمة ولا ملوكها»([98]).
وفي رواية: «عن الصادق أنه سئل عن محمد؟ فقال: إن عندي لكتابين فيهما كل نبي وكل ملك يملك، لا والله ما محمد بن عبدالله في أحدهما»([99]).
وأخرى: عن سليمان بن خالد قال: سمعت أبا عبدالله يقول: «إن عندي لصحيفة فيها أسماء الملوك، ما لولد الحسن فيها شيء»([100]).
وذكر النزاع بين بني الحسن والحسين ب يطول.
والغريب أن بني الحسن قد ملكوا عبر التاريخ، وأسسوا الممالك والدول، كدولة الأدارسة في المغرب، والتي أنشأها إدريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ي، وملوك المغرب في أيامنا هذه، ولا أدري لماذا أغفلهم كتاب الملوك هذا!!

خلاف بعض بني هاشم مع الصادق رحمهم الله أجمعين
ولم يقتصر الأمر عليهم، بل امتد إلى سائر بني هاشم بما فيهم بنو الحسين ي، فها هو محمد الباقر يحذر جعفر الصادق من أخيه، حيث يروي القوم عن الصادق أنه قال: «قال لي أبي: اعلم أن عبدالله أخاك سيدعو الناس إلى نفسه، فدعه؛ فإن عمره قصير، فكان كما قال أبي، وما لبث عبدالله إلا يسيرًا حتى مات»([101]).
وهذا عمه عبدالله، يروي القوم عن الوليد بن صبيح قال: «كنا عند الصادق في ليلة، إذ يطرق الباب طارق، فقال للجارية: انظري من هذا؟ فخرجت ثم دخلت، فقالت: هذا عمك عبدالله بن علي، فقال: أدخليه، وقال لنا: ادخلوا البيت، فدخلنا بيتًا، فسمعنا منه حسًا ظننا أن الداخل بعض نسائه، فلصق بعضنا ببعض، فلما دخل أقبل على أبي عبدالله، فلم يدع شيئًا من القبيح إلا قاله في أبي عبدالله، ثم خرج وخرجنا، فأقبل يحدثنا من الموضع الذي قطع كلامه، فقال بعضنا: لقد استقبلك هذا بشيء ما ظننا أن أحدًا يستقبل به أحدًا، حتى لقد همَّ بعضنا أن يخرج إليه فيوقع به، فقال: مه، لا تدخلوا فيما بيننا»([102]).
ولابن عبدالله هذا محمدٍ الملقب بالأرقط شأن مع الصادق، وهو سبب تسميته بهذا اللقب، فقد جرى بينه وبين الصادق أمر، فبصق في وجه الصادق، فدعا عليه الصادق فصار أرقط الوجه، به نمش([103])، كريه المنظر([104]).
وها هو ابن عمه الملقب بالأفطس، يقول القوم: إن سالمة مولاة الصادق قالت: «كنت عند أبي عبدالله حين حضرته الوفاة، وأغمي عليه، فلما أفاق قال: أعطوا الحسن بن علي بن علي بن الحسين -وهو الأفطس- سبعين دينارًا، وأعط فلانًا كذا وفلانًا كذا، فقلت: أتعطي رجلًا حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك؟ قال: تريدين أن لا أكون من الذين قال الله عزوجل فيـهم: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ) [سورة الرعد: 21]»([105]).

وعن عمر بن علي قال: «إن جماعة من بني هاشم اجتمعوا بالأبواء، وفيهم: إبراهيم بن محمد بن علي بن عبدالله بن عباس، وأبو جعفر المنصور، وصالح بن علي، وعبدالله بن الحسن، وابناه: محمد وإبراهيم، ومحمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان، فقال صالح بن علي: قد علمتم أنكم الذين تمد الناس إليهم أعينهم، وقد جمعكم الله في هذا الموضع، فاعقدوا بيعةً لرجلٍ منكم تعطونه إياها من أنفسكم، وتواثقوا على ذلك حتى يفتح الله وهو خير الفاتحين، فحمد الله عبدالله بن الحسن وأثنى عليه، ثم قال: قد علمتم أن ابني هذا هو المهدي فهلم لنبايعه، وقال أبو جعفر: لأي شيء تخدعون أنفسكم، والله لقد علمتم ما الناس إلى أحدٍ أصور أعناقًا ولا أسرع إجابة منهم إلى هذا الفتى -يريد به محمد بن عبدالله- قالوا: قد والله صدقت، إن هذا الذي نعلم، فبايعوا محمدًا جميعًا، ومسحوا على يده، قال عيسى: وجاء رسول عبدالله بن الحسن إلى أبي: أن ائتنا فإنا مجتمعون لأمر، وأرسل بذلك إلى جعفر بن محمد، وقال غير عيسى: إن عبدالله بن الحسن قال لمن حضر: لا تريدوا جعفرًا؛ فإنا نخاف أن يفسد عليكم أمركم، قال عيسى بن عبدالله بن محمد: فأرسلني أبي أنظر ما اجتمعوا له. فجئتهم ومحمد بن عبدالله يصلي على طنفسة رحل مثنية، فقلت لهم: أرسلني أبي إليكم أسألكم لأي شيء اجتمعتم؟ فقال عبدالله: اجتمعنا لنبايع المهدي محمد بن عبدالله، قال: وجاء جعفر بن محمد، فأوسع له عبدالله بن الحسن إلى جنبه، فتكلم بمثل كلامه، فقال جعفر: لا تفعلوا؛ فإن هذا الأمر لم يأتِ بعد، إن كنت ترى -يعني: عبدالله- أن ابنك هذا هو المهدي فليس به، ولا هذا أوانه، وإن كنت إنما تريد أن تخرجه غضبًا لله وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإنا والله لا ندعك وأنت شيخنا ونبايع ابنك في هذا الأمر، فغضب عبدالله بن الحسن، وقال: لقد علمت خلاف ما تقول، والله ما أطلعك على غيبه، ولكن يحملك على هذا الحسد لابني»([106]).
فانظر -أيها القارئ- كيف توفق بين هذه الرواية والقول بالنص على الاثني عشر. 

قصة خروج زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله وذكر منزلته ورواية تفيد معرفة بدء القول بالنص على الأئمة
نختم حديثنا عن مدعي الإمامة من أهل البيت أيام الصادق بذكرنا قصة زيد بن علي بن الحسين بن أبي طالب ي.
 يروي القوم أن الباقر عند الوفاة دعا بابنه الصادق ليعهد إليه عهدًا، فقال له أخوه زيد بن علي: «لو امتثلت في تمثال الحسن والحسين رجوت أن لا تكون أتيت منكرًا، فقال له: يا أبا الحسين، إن الأمانات ليست بالتمثال، ولا العهود بالرسوم، وإنما هي أمور سابقة عن حجج الله عزوجل »([107]).
فواضح لمن تدبر في رواية القوم هذه أنه يهيئ لأمرٍ ما، أما مسألة انتفاء النص فلن نكرره عليك.
نعود إلى روايتنا، حيث يبدو أن الباقر قد فطن إلى ذلك، فقد روى القوم عنه أنه قال: «سيخرج زيد أخي بعد موتي، ويدعو الناس إلى نفسه، ويخلع جعفرًا ابني، ولا يلبث إلا ثلاثًا حتى يقتل ويصلب، ثم يحرق بالنار، ويذرى في الريح، ويمثل به مثلة ما مثل بها أحد قبله»([108]).
وفي رواية: «إن زيدًا سيدعو بعدي إلى نفسه، فدعه ولا تنازعه؛ فإن عمره قصير»([109]).
ولا شك أن الباقر يذكر يوم أن دخل عليه زيد ومعه كتب أهل الكوفة يدعونه فيها إلى أنفسهم ويخبرونه باجتماعهم ويأمرونه بالخروج، فقال له: «هذه الكتب ابتداء منهم، أو جواب ما كتبت به إليهم ودعوتهم إليه؟ فقال: بل ابتداء من القوم لمعرفتهم بحقنا وبقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولما يجدون في كتاب الله عزوجل من وجوب مودتنا وفرض طاعتنا، ولما نحن فيه من الضيق والضنك والبلاء، فقال الباقر: فلا تعجل؛ فإن الله لا يعجل لعجلة العباد، ولا تسبقن الله فتعجزك البلية فتصرعك، فغضب زيد عند ذلك، ثم قال: ليس الإمام منا من جلس في بيته، وأرخى ستره، وثبط عن الجهاد، ولكن الإمام منا من منع حوزته، وجاهد في سبيل الله حق جهاده، ودفع عن رعيته، وذب عن حريمه»([110]).
ثم ها هو يجس نبض الأصحاب، فيقول لزرارة كما يروي القوم: «ما تقول يا فتى في رجل من آل محمد استنصرك؟ فقلت: إن كان مفروض الطاعة نصرته، وإن كان غير مفروض الطاعة فلي أن أفعل ولي ألا أفعل، فلما خرج قال الصادق: أخذته والله من بين يديه ومن خلفه وما تركت له مخرجًا»([111]).
وعن مؤمن الطاق عند القوم، أن زيدًا قال له: «ما تقول إن طرقك طارق منا أتخرج معه؟ قال: قلت له: إن كان أباك وأخاك خرجت معه، قال: فقال لي: فأنا أريد أن أخرج أجاهد هؤلاء القوم فاخرج معي، قال: قلت: لا أفعل جعلت فداك، قال: فقال لي: أترغب بنفسك عني؟ قال: فقلت له: إنما هي نفس واحدة، فإن كان لله عزوجل في الأرض معك حجة فالمتخلف عنك ناج، والخارج معك هالك، وإن لم يكن لله معك حجة فالمتخلف عنك والخارج معك سواء، قال: فقال لي: يا أبا جعفر، كنت أجلس مع أبي على الخِوان، فيلقمني اللقمة السمينة، ويبرد لي اللقمة الحارة حتى تبرد من شفقته عليَّ، ولم يشفق عليَّ من حر النار إذ أخبرك بالدين ولم يخبرني به؟ قال: فقلت له: من شفقته عليك من حر النار لم يخبرك؛ خاف عليك ألا تقبله فتدخل النار... إلى أن قال: فحججت، فحدثت أبا عبدالله بمقالة زيد وما قلت له: فقال لي: أخذته من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن يساره، ومن فوق رأسه ومن تحت قدميه، ولم تترك له مسلكًا يسلكه»([112]).
وكان قبل ذلك يقول بأن الأئمة أربعة، ثلاثة مضوا والرابع هو القائم([113]). ففي الرواية دليل على معتقده في أن من لم يخرج بالسيف ليس بإمام، لذا فهو لم يعد أباه زين العابدين إمامًا.
وكان يقول: «من أراد الجهاد فإليّ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي جعفر»([114]).
ويقول: «جعفر إمامنا في الحلال والحرام»([115]).
ولم يكن يرى / من قولـه: «إمامنا» بأنه إمام بمفهوم القوم المستوجب للخلافة العامة، بل كان يبين شرائط الإمامة العامة في قولـه: «ليس الإمام منا من أرخى عليه ستره، إنما الإمام من شهر سيفه»([116]).
ثم شرع فيما عقد العزم عليه، فكانت هذه الحادثة التي يرويها معتب، حيث يقول بزعم القوم: «قُرِع باب مولاي الصادق فخرجت، فإذا بزيد بن علي، فقال الصادق لجلسائه: ادخلوا هذا البيت وردوا الباب، ولا يتكلم منكم أحد، فلما دخل قام إليه فاعتنقا وجلسا طويلًا يتشاوران، ثم علا الكلام بينهما، فقال زيد: دع ذا عنك يا جعفر، فوالله لئن لم تمد يدك حتى أبايعك أو هذه يدي فبايعني لأتعبنك ولأكلفنك ما لا تطيق، فقد تركت الجهاد، وأخلدت إلى الخفض، وأرخيت الستر، واحتويت على مال الشرق والغرب، فقال الصادق: يرحمك الله يا عم، يغفر الله لك يا عم»([117]).
ولم يكن يأبه بتحذير الصادق له: «يا عم، أعيذك بالله أن تكون المصلوب بالكناسة، وكانت أم زيد ترد: والله ما يحملك على هذا القول غير الحسد لابني، ويرد: يا ليته حسدًا، يا ليته حسدًا، ثلاثًا..»([118]).
إلى أن جاءت الأخبار بخروجه وادعائه الإمامة، فعن داود الرقي قال: «دخلت على جعفر بن محمد، فقال: ما الذي أبطأ بك عنا يا داود؟ فقلت: حاجة عرضت لي بالكوفة هي التي أبطأت بي عنك، جعلت فداك، فقال لي: ماذا رأيت بها؟ قلت: رأيت عمك زيدًا على فرس ذنوب، قد تقلد مصحفًا، وقد حف به فقهاء الكوفة، وهو يقول: يا أهل الكوفة، إني العلم بينكم وبين الله تعالى، قد عرفت ما في كتاب الله من ناسخه ومنسوخه، فقال أبو عبد الله: يا سماعة بن مهران، ائتني بتلك الصحيفة، فأتاه بصحيفة بيضاء، فدفعها إليَّ، وقال لي: اقرأ هذه بما أخرج إلينا أهل البيت، يرثه كابر عن كابر من لدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقرأتها فإذا فيها سطران:
السطر الأول: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
والسطر الثاني: أسماء الأئمة مكتوبة من قبل أن يخلق آدم بألفي عام، فقال أبو عبدالله: فأين يتاه بزيد ويذهب به؟ إن أشد الناس لنا عداوة وحسدًا الأقرب إلينا فالأقرب»([119]).
وعن أبي الصباح قال: «دخلت على أبي عبد الله، فقال: ما وراءك؟ فقلت: شر ورائي من عمك زيد، خرج يزعم أنه ابن ستة، وأنه قائم هذه الأمة، وأنه ابن خيرة الإماء، فقال: كذب، ليس هو كما قال، إن خرج قتل»([120]).
وقبل أن نختم حديثنا عن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، لابد من بيان حاله وذكر منزلته حتى تستقيم المسألة.
فعن الحسين بن علي ب قال: «وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده على صلبي، فقال: يا حسين، يخرج من صلبك رجل يقال لـه: زيد، يقتل شهيدًا، فإذا كان يوم القيامة يتخطى هو وأصحابه رقاب الناس ويدخل الجنة»([121]).
وعن حذيفة بن اليمان قال: «نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زيد بن حارثة، فقال: المقتول في الله المصلوب في أمتي والمظلوم من أهل بيتي سمي هذا -وأشار بيده إلى زيد بن حارثة- فقال: ادن مني يا زيد، زادك اسمك عندي حبًا، فأنت سمي الحبيب من أهل بيتي»([122]).
وعن محمد بن الحنفية قال: «ليقتلن من ولد الحسين رجل، يقال لـه: زيد بن علي، وليصلبن بالعراق، من نظر إلى عورته فلم ينصره أكبه الله على وجهه في النار»([123]).
وعن زين العابدين قال: «يخرج من ولدي رجل يقال له: زيد، يقتل بالكوفة، ويصلب بالكناسة، يُخرج من قبره نبشًا، تفتح لروحه أبواب السماء، يبتهج به أهل السموات، يجعل روحه في حويصلة طير خضر يسرح في الجنة حيث يشاء»([124]).
وعن أبي الجارود -وكان رأس الزيدية- قال: «كنت عند أبي جعفر جالسًا، إذ أقبل زيد ابن علي، فلما نظر إليه أبو جعفر قال: هذا سيد أهل بيتي، والطالب بأوتارهم»([125]).
أما الصادق فقد جاء عنه في زيد / الكثير، منها: أنه لما جاءه خبر استشهاده بكى، وقال: «مضى والله زيد عمي وأصحابه شهداء مثلما مضى عليه علي بن أبي طالب وأصحابه»([126]).
وقال فيه أيضًا: «إنا لله وإنا إليه راجعون! عند الله أحتسب عمي، إنه كان نِعم العم، إن عمي كان رجلًا لدنيانا وآخرتنا، مضى والله عمي شهيدًا كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعلي والحسن والحسين»([127]).
وفرَّق من ماله في عيال من أصيب معه من أصحابه ألف دينار([128]).
وقال في هشام الذي قتله: «إن الله نزع منه الملك»([129]).
وسأل أبا ولاد الكاهلي: «رأيت عمي زيدًا؟ قال: نعم، رأيته مصلوبًا، ورأيت الناس بين شامت حنق، وبين محزون محترق، قال: أما الباكي فمعه في الجنة، وأما الشامت فشريك في دمه»([130]).
وما زال يبكيه كلما تذكره أو ذكروه به، فعن حمزة بن حمران قال: «دخلت إلى الصادق، فقال لي: يا حمزة، من أين أقبلت؟ قلت: من الكوفة، قال: فبكى حتى بلَّت دموعه لحيته، فقلت له: يا ابن رسول الله، ما لك أكثرت البكاء؟ فقال: ذكرت عمي زيدًا وما صنع به فبكيت»([131]).
ويترحم عليه ويقول: «رحمه الله، أما إنه كان مؤمنًا، وكان عارفًا، وكان عالمًا، وكان صدوقًا، أما إنه لو ظفر لوفى، أما إنه لو ملك لعرف كيف يضعها»([132]).
ويكفيك من قولـه: «وكان صدوقًا»، من أنه لم يكن كاذبًا في خروجه وادعائه / .
وكان الرضا لا يرضى أن يقاس به أحد حتى لو كان أخاه.
فعن ابن عبدون قال: «لما حمل زيد بن موسى بن جعفر إلى المأمون وقد كان خرج بالبصرة وأحرق دور ولد العباس، وهب المأمون جرمه لأخيه علي بن موسى الرضا، وقال له: يا أبا الحسن، لئن خرج أخوك وفعل ما فعل، لقد خرج قبله زيد بن علي فقتل، ولولا مكانتك مني لقتلته، فليس ما أتاه بصغير، فقال الرضا: يا أمير المؤمنين، لا تقس أخي زيدًا إلى زيد بن علي؛ فإنه كان من علماء آل محمد، غضب لله عزوجل، فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله»([133]).
وعن أبي هاشم الجعفري قال: «سألت الرضا عن المصلوب؟ فقال: أما علمت أن جدي صلَّى على عمه»([134])، إشارة إلى قول الصادق فيه: «صلى الله عليه ولعن قاتله»([135]).
ونجتزئ بهذه الأمثلة من الروايات الدالة على منزلته / ([136]).
ونختم حديثنا عنه بهذا التساؤل الذي لا شك أنه -عزيزي القارئ- قد أخذ منك مأخذًا، وهو: كيف لرجل مثل زيد بن علي / وهو بهذه المنزلة العظيمة أن يدعي الإمامة وهو من أهل البيت، وابن إمام من الأئمة الاثني عشر الذين نصَّ الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم بأسمائهم بزعم القوم؟
وقبل أن نسترسل في هذا التساؤل -بل التساؤلات وهي لا شك كثيرة- نورد هذه الرواية؛ فسنجد فيها جواب كل ذلك؛ بل الجواب لكل ما مرَّ بك في الكتاب وما سيمر.
تقول رواية القوم هذه: قيل لمؤمن الطاق: «ما الذي جرى بينك وبين زيد بن علي في محضر أبي عبدالله؟ قال: قال زيد بن علي: يا محمد بن علي، بلغني أنك تزعم أن في آل محمد إمامًا مفترض الطاعة؟ قال: قلت: نعم، وكان أبوك علي بن الحسين أحدهم، فقال: وكيف وقد كان يؤتى بلقمة وهي حارة فيبردها بيده ثم يلقمنيها، أفترى أنه كان يشفق عليَّ من حرِّ اللقمة ولا يشفق علي من حر النار؟!».
وفي رواية: قال زيد: «ويحك! فما كان يمنعه من أن يقول لي، فوالله لقد كان يؤتى بالطعام الحار فيقعدني على فخذه ويتناول البضعة فيبردها ثم يلقمنيها، أفتراه كان يشفق عليِّ من حرِّ الطعام ولا يشفق عليَّ من حرِّ النار؟!»([137]).
فأمعن النظر في الروايتين ثم استشف منهما متى وضعت عقيدة القول بالنص على الأئمة، هذه العقيدة التي لم يعرفها آل البيت أنفسهم كما واضح من الرواية، حيث إن زيد بن علي / قتل سنة (121) للهجرة، وحسب كتابنا هذا هذه الرواية في الدلالة على بطلان القول بالنص على الاثني عشر.
وتنسجم هذه الرواية مع رواية سعيد السمان قال: «كنت عند أبي عبدالله؛ إذ دخل عليه رجلان من الزيدية، فقالا له: أفيكم إمام مفترض طاعته؟ قال: فقال: لا، فقالا له: وقد أخبرنا عنك الثقات أنك تقول به، وسموا قومًا، وقالوا: هم أصحاب ورع وتشمير، وهم ممن لا يكذب، فغضب أبو عبدالله، وقال: ما أمرتهم بهذا، فلما رأيا الغضب بوجهه خرجا»([138]).
وفي رواية سليمان بن خالد قال: «بينا نحن مع أبي عبد الله في سقيفة، إذ استأذن عليه أناس من أهل الكوفة فأذن لهم، فدخلوا عليه، فقالوا: يا أبا عبد الله، إن أناسًا يأتونا يزعمون أن فيكم أهل البيت إمامًا مفترض الطاعة، فقال: ما أعرف ذلك في أهل بيتي، فقالوا: يا أبا عبد الله، يزعمون أنك أنت هو، قال: ما قلت لهم ذلك، قالوا: يا أبا عبد الله، إنهم أصحاب تشمير، وأصحاب خلوة، وأصحاب ورع، وهم يزعمون أنك أنت هو، قال: هم أعلم وما قالوا. فلما رأوا أنهم قد أغضبوه قاموا فخرجوا»([139]).
وهنا سؤال يطرح نفسه: لماذا يحصل كل هذا التهرب؟ ولِمَ يترك الناس في متاهة في أعظم أمور الدين عندهم؟
والجدير بالذكر هنا أن نورد هذه الرواية، يقول القوم: إن الصادق كان يسير مع أبي جعفر المنصور، فقال له: «يا أبا عبدالله، قد كان ينبغي لك أن تفرح بما أعطانا الله من القوة وفتح لنا من العز، ولا تخبر الناس أنك أحق بهذا الأمر منا وأهل بيتك فتغرينا بك وبهم، قال: ومن رفع إليك هذا عني فقد كذب، فقال: أتحلف على ما تقول؟ قال: إن الناس سحرة -يعني: يحبون أن يفسدوا قلبك علي- فلا تمكنهم من سمعك؛ فإنا إليك أحوج منك إلينا»([140]).
فأين القائلون بالنص؟ ولاشك أن أول ما سيحتج به القوم هو القول بالتقية، ولن نناقش القوم في هذا، ولكن من أولى بالتقية؟ أهو زيد / الذي لا يملك اختيار موته، وليس مأمورًا بما أمر الله عزوجل الصادق به -كما يزعم القوم- أم الصادق؟ والذي نذكرك. وعلى أي حال، فاليوم هناك الملايين من الشيعة يعتقدون إمامة زيد / .

ذم الباقر والصادق لمدعي الإمامة من أهل البيت
من كل ما مرَّ بك من ادعاء بعض أهل البيت الإمامة؛ اضطر الصادق إلى القول ردًا على من قال له: «ما يزال يخرج رجل منكم أهل البيت فيقتل ويقتل معه بشر كثير، فأطرق طويلًا، ثم قال: إن فيهم الكذابين»([141]). وكان ينهى أن يخرج أحد مع من يخرج من أهل البيت قبل المهدي([142]). وقبله كان أبوه يتهكم بالخارجين من أهل البيت، فيقول: «مثل من خرج منا أهل البيت قبل قيام القائم مثل فرخ طار ووقع في كوة فتلاعبت به الصبيان»([143]).
ثم أكَّد ذلك بقولـه -كما في رواية المفضل بن عمر عند القوم- قال: «سألت أبا عبدالله عن قول الله: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)[النساء:159]. فقال: هذه نزلت فينا خاصة، أنه ليس رجل من ولد فاطمة يموت ولا يخرج من الدنيا حتى يقر للإمام وبإمامته كما أقر ولد يعقوب ليوسف حين قالوا: تالله لقد آثرك الله علينا»([144]).


اعتقاد بعض الشيعة بإمامة عبدالله بن جعفر الصادق
عاد بنا الحديث إلى الصادق وأصحابه، ولكن نتحدث هذه المرة عن مسارٍ آخر، وهو: اعتقاد أصحابه في الإمامة في أبنائه.
فعن هشام بن سالم قال: «كنا بالمدينة بعد وفاة أبي عبدالله أنا ومؤمن الطاق وأبو جعفر، والناس مجتمعون على أن عبدالله صاحب الأمر بعد أبيه، فدخلنا عليه أنا وصاحب الطاق والناس مجتمعون عند عبدالله، وذلك أنهم رووا عن عبدالله أن الأمر في الكبير ما لم تكن به عاهة، فدخلنا نسأله عما كنا نسأل أباه، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ قال: في مائتين خمسة، قلنا: ففي مائة؟ قال: درهمان ونصف، قلنا له: والله ما تقول المرجئة هذا. فرفع يده إلى السماء، فقال: لا والله ما أدري ما تقول المرجئة، قال: فخرجنا من عنده ضُلالًا، لا ندري إلى أين نتوجه، أنا وأبو جعفر الأحول، فقعدنا في بعض أزقة المدينة باكين حيارى لا ندري إلى من نقصد وإلى من نتوجه، نقول: إلى المرجئة، إلى القدرية، إلى الزيدية، إلى المعتزلة، إلى الخوارج، قال: فنحن كذلك إذ رأيت رجلًا شيخًا لا أعرفه يومئ إليَّ بيده، فخفت أن يكون عينًا من عيون أبي جعفر، وذلك أنه كان لـه بالمدينة جواسيس ينظرون على من اتفق شيعة جعفر فيضربون عنقه، فخفت أن يكون منهم، فما زلت أتبعه حتى ورد بي على باب أبي الحسن موسى، ثم خلَّاني ومضى، فإذا خادم بالباب، فقال لي: ادخل رحمك الله، قال: فدخلت، فإذا أبو الحسن، فقال لي ابتداء: لا إلى المرجئة، ولا إلى القدرية، ولا إلى الزيدية، ولا إلى المعتزلة، ولا إلى الخوارج، إليَّ، إليَّ، إليَّ، قال: فقلت له: جعلت فداك، مضى أبوك؟ قال: نعم، قلت: جعلت فداك، من لنا بعده؟ فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قلت: جعلت فداك، إن عبدالله يزعم أنه من بعد أبيه، قال: يريد عبدالله أن لا يعبد الله، قال: قلت لـه: جعلت فداك، فمن لنا بعده؟
فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك أيضًا، قلت: جعلت فداك، أنت هو؟ قال لي: ما أقول ذلك، قلت في نفسي: لم أصب طريق المسألة، قال: قلت: جعلت فداك، عليك إمام؟ قال: لا، فدخلني شيء لا يعلمه إلا الله، إعظامًا له وهيبة، أكثر مما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه، قلت: جعلت فداك، أسألك عما يسأل أبوك؟
فقال: سل تخبر ولا تذع، فإن أذعت فهو الذبح، فسألته فإذا هو بَحْر، قال: قلت: جعلت فداك، شيعتك وشيعة أبيك ضُلال، فألقي إليهم وأدعوهم إليك، فقد أخذت علي بالكتمان؟ قال: من آنست منهم رشدًا فألق عليهم، وخذ عليهم بالكتمان، فإن أذاعوا فهو الذبح -وأشار بيده إلى حلقه- ثم ذكر أنه لقي الناس وأخبرهم بذلك ودخلوا عليه وقطعوا عليه إلا طائفة، مثل: عمار وأصحابه، فبقى عبدالله لا يدخل عليه أحد إلا قليلًا من الناس، قال: فلما رأى ذلك وسأل عن حال الناس، قال: فأخبر أن هشام بن سالم صدَّ عنه الناس، فقال هشام: فأقعد لي بالمدينة غير واحد ليضربوني»([145]).
وعبدالله هذا قد ادعى الإمامة بعد أبيه كما سيأتي.

الصادق يسأل الله أن يجعل الإمامة في ابنه إسماعيل وذكر اختلاف الشيعة فيه
أما ابنه الآخر وهو إسماعيل فقضيته أطم وبليته أعم، ولعلَّ أغرب ما في قصة إسماعيل هذا، أن أباه الصادق كان يجله ويقدمه أكثر من غيره من إخوته، بل وتذكر لنا روايات القوم أنه استمات دعاء الله عزوجل لأجل أن تكون الإمامة فيه، وهو اضطراب كبير، وتشويش خطير، لا أظن أن أحدًا ممن يدعي النص يستطيع أن يوجهه، ولا بأس من ذكر مثال على ذلك.
يروي القوم أن الصادق قال: «إني ناجيت الله ونازلته في إسماعيل ابني أن يكون من بعدي، فأبى ربي إلا أن يكون موسى ابني»([146]).
وفي رواية قال: «سألته وطلبت وقضيت إليه أن يجعل هذا الأمر إلى إسماعيل، فأبى الله إلا أن يجعله لأبي الحسن موسى»([147]).
وسيأتيك مثال آخر قريبًا، بل يبدو أن الأمر كان له من بعده فعلًا، لولا أنه توفي في عهد أبيه.
يروي القوم عن الصادق قولـه: «ما بدا لله بداء أعظم من بداء بدا له في إسماعيل ابني»([148]).
فهذه النصوص من أعظم الدلائل التي يحتج بها الإسماعيلية، وهم يعدون بالملايين، ومنتشرون في أنحاء العالم، وقد أدت هذه التلبيسات إلى اعتقاد الكثير من أصحاب الصادق الإمامة فيه، وأن أباه قد أوصى إليه، كما ذكر ذلك الوليد بن صبيح، حيث قال: «كان بيني وبين رجل يقال له: عبد الجليل صداقة في قدم، فقال لي: إن أبا عبدالله أوصى إلى إسماعيل في حياته قبل موته بثلاث سنين»([149]).
ولشدة ما كان من اعتقاد الأصحاب في إمامته وكون هذا الأمر مسلمًا به بينهم، كان الشيعة الذين يخالفونهم في تسلسل الإمامة يعيرونهم بوفاته وتركهم بلا إمام، فهذا هارون بن خارجة قال: قال لي هارون بن سعد العجلي: «قد مات إسماعيل الذي كنتم تمدون إليه أعناقكم، وجعفر شيخ كبير يموت غدًا أو بعد غد، فتبقون بلا إمام، فلم أدرِ ما أقول»([150]).
ولم يقتصر استغلال موته على شياطين الإنس فحسب، بل يبدو أن ذلك قد طال شياطين الجن أيضًا.
فقد زعم القوم أن الصادق قال: «إن شيطانًا قد ولع بابني إسماعيل يتصور في صورته ليفتن به الناس، وإنه لا يتصور في صورة نبي ولا وصي نبي، فمن قال لك من الناس: إن إسماعيل ابني حي لم يمت، فإنما ذلك الشيطان تمثل له في صورة إسماعيل، ما زلت أبتهل إلى الله عزوجل في إسماعيل ابني أن يحييه لي ويكون القيم من بعدي فأبى ربي ذلك»([151]).

افتراق الشيعة بعد وفاة الصادق
ذكر القوم أنه لما توفي افترقت شيعته بعده عدة فرق:
ففرقة قالت: إن جعفر بن محمد حي لا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس، وإنه المهدي، وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال: «إن رأيتم رأسي قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدقوه؛ فإني أنا صاحبكم»، وإنه قال لهم: «إن جاءكم من يخبركم عني أنه مرضني وغسلني وكفنني فلا تصدقوه؛ فإني صاحبكم صاحب السيف». وهذه الفرقة تسمى الناووسية.
وفرقة زعمت أن الإمام بعد جعفر بن محمد ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه، وقالوا: كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه؛ لأنه خاف فغيَّبه عنهم، وزعموا أن إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض ويقوم بأمر الناس، وأنه هو القائم؛ لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده، وقلَّدهم ذلك له، وأخبرهم أنه صاحبهم، والإمام لايقول إلا الحق، فلما ظهر موته علمنا أنه صدق، وأنه القائم، وأنه لم يمت، وهذه الفرقة هي الإسماعيلية.
وفرقة زعمت أن الإمام بعد الصادق محمد بن إسماعيل، وقالوا: إن الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه، فلما توفي قبل أبيه جعل الصادق الأمر لمحمد بن إسماعيل، وكان الحق له، ولا يجوز غير ذلك؛ لأنها لا تنتقل من أخٍ إلى أخ بعد الحسن والحسين، ولا تكون إلا في الأعقاب، ولم يكن لأخوي إسماعيل عبدالله وموسى في الإمامة حق، كما لم يكن لمحمد بن الحنفية حق مع علي بن الحسين، وهذه الفرقة تسمى المباركية.
وفرقة قالت: إن الإمام بعد الصادق محمد بن جعفر، وهي السمطية.
وفرقة قالت: إن الإمامة بعد جعفر في ابنه عبدالله بن جعفر الأفطح، وذلك أنه كان عند مضي الصادق أكبر ولده سنًا، وجلس مجلس أبيه، وادعى الإمامة ووصية أبيه، وهذه الفرقة تسمى الفطحية.
وقد مال إلى هذه الفرقة جُلَّ مشايخ الشيعة وفقهائها، ولم يشكوا في كون الإمامة في عبدالله بن جعفر وفي ولده من بعده، فمات عبدالله ولم يخلف ذكرًا، فرجع عامة الفطحية عن القول بإمامته.
وفرقة قالت بإمامة موسى بن جعفر بعد أبيه، وأنكروا إمامة عبدالله وخطئُوه في فعله وجلوسه مجلس أبيه وادعائه الإمامة. وغيرها من الفرق، وقد انبثقت من هذه الفرق فرق أخرى يطول ذكرها([152]). 

موقف موسى الكاظم رحمه الله وأصحابه وأهل بيته من النص
جاء دور الحديث عن الإمام موسى الكاظم / ، الإمام السابع وأصحابه وأهل بيته. وسنقتصر على ذكر من نازعه وخرج عليه من أهل البيت كما عودناك، فإليك أمثلة على ذلك:
عن محمد بن الحسن العلوي قال: «كان السبب في أخذ موسى بن جعفر أن الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث، فحسده يحيى بن خالد البرمكي، وقال: إن أفضت الخلافة إليه زالت دولتي ودولة ولدي، فاحتال على جعفر بن محمد -وكان يقول بالإمامة- حتى داخله وآنس إليه وكثر غشيانه في منزلـه، فيقف على أمره فيرفعه إلى الرشيد ويزيد عليه بما يقدح في قلبه، ثم قال يومًا لبعض ثقاته: أتعرفون لي رجلًا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال يعرّفني ما أحتاج إليه؟ فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد، فحمل إليه يحيى بن خالد مالًا، وكان موسى يأنس إليه ويصله، وربما أفضى إليه بأسراره كلها، فكتب ليشخص به، فأحس موسى بذلك، فدعاه فقال: إلى أين يا ابن أخي؟ قال: إلى بغداد، قال: وما تصنع؟ قال: عليّ دين وأنا مملق، قال: فأنا أقضي دينك، وأفعل بك وأصنع، فلم يلتفت إلى ذلك، فقال له: انظر يا ابن أخي لا تؤتم أولادي، وأمر له بثلاثمائة دينار وأربعة آلاف درهم، فلما قام من بين يديه قال أبو الحسن موسى لمن حضره: والله ليسعين في دمي ويؤتمن أولادي»([153]).
وكذا شأن أخيه محمد، فعن علي بن جعفر بن محمد قال: «جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر يسألني أن أسأل أبا الحسن موسى أن يأذن له في الخروج إلى العراق وأن يرضى عنه ويوصيه.. إلى أن قال: فقال محمد بن إسماعيل: يا عم، أحب أن توصيني؟ فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي، فقال: لعن الله من يسعى في دمك، ثم قال: يا عم، أوصني؟ فقال: أوصيك أن تتقي الله في دمي، ثم ذكر خروج محمد بن إسماعيل إلى العراق وملاقاته لهارون الرشيد، وقولـه له: يا أمير المؤمنين، خليفتان في الأرض: موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له بالخراج، وأنت في العراق يجبى لك الخراج، فقال: والله؟ فقال: والله»([154]).
أما من خرج في أيامه ودعا الناس إلى بيعته من أهل البيت فإليك بيانه:
عن عبدالله بن المفضل مولى عبدالله بن جعفر بن أبي طالب قال: «لما خرج الحسين بن علي المقتول بفخ([155]) واحتوى على المدينة دعا موسى بن جعفر إلى البيعة، فأتاه فقال له: يا ابن عم، لا تكلفني ما كلف ابن عمك عمك أبا عبدالله فيخرج مني ما لا أريد كما خرج من أبي عبدالله ما لم يكن يريد، فقال له الحسين: إنما عرضت عليك أمرًا، فإن أردته دخلت فيه، وإن كرهته لم أحملك عليه، والله المستعان، ثم ودعه»([156]).
وللحسين بن علي صاحب الفخ هذا / منزلة عظيمة، حيث أورد فيه القوم عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه مرَّ بفخ فنزل فصلَّى ركعة، فلما صلَّى الثانية بكى وهو في الصلاة، فلما رأى الناس النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبكي بكوا، فلما انصرف قال: «نزل عليّ جبرئيل لما صليت الركعة الأولى، فقال لي: يا محمد، إن رجلًا من ولدك يقتل في هذا المكان، وأجر الشهيد معه أجر شهيدين»([157]).
كما رووا عن الصادق أنه قال لنضر بن قرواش وهو في طريقه إلى المدينة: «يا نضر، إذا انتهيت إلى فخ فأعلمني. فلما وصل وأبلغه بذلك قال: ناولني الإداوة والركوة، فتوضأ وصلى ثم ركب، فقلت له: جعلت فداك، رأيتك قد صنعت شيئًا، أفهو من مناسك الحج؟ قال: لا، ولكن يقتل ههنا رجل من أهل بيتي في عصابة تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة»([158]).
وذكروا أن الكاظم جاء إلى الحسين صاحب الفخ فانكب عليه شبه الركوع، وقال: «أحب أن تجعلني في سعة وحل مِنْ تخلفي عنك، فأطرق الحسين طويلًا لا يجيبه، ثم رفع رأسه إليه، فقال: أنت في سعة»([159]).
ولعل في إطراقه الطويل هذا تساؤلًا عن سر رفضه الأول ثم ندمه، وهو إمام معصوم لا يصدر عنه فعلان متضادان، ولما عرضت عليه رأسه / قال: «إنا لله وإنا إليه راجعون! مضى والله مسلمًا صالحًا صوامًا آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، ما كان في أهل بيته مثله»([160]).
وقال فيه الجواد: «لم يكن لنا بعد اللطف مصرع أعظم من فخ»([161]).
ومنهم: أخوه عبدالله المعروف بالأفطح، وقد ذكرنا نبذة عنه عند كلامنا عن موقف الشيعة بعد الإمام الصادق، ونزيد هنا رواية المفضل بن عمر، قال: «لما مضى الصادق كانت وصيته في الإمامة لموسى، فادعى أخوه عبدالله الإمامة، وكان أكبر ولد جعفر في ذلك الوقت، فأمر موسى بجمع حطب كثير في وسط داره، فأرسل إلى عبدالله يسأله المصير إليه، فلما صار عنده مع جماعة من وجوه الإمامية، فلما جلس إليه أخوه عبدالله أمر موسى أن تضرم النار في ذلك الحطب فأضرمت، ولا يعلم الناس ما سبب ذلك حتى صار كله جمرًا، ثم قام موسى وجلس بثيابه في وسط النار وأقبل يحدث الناس ساعة، ثم قام فنفض ثيابه ورجع إلى المجلس، فقال لأخيه عبدالله: إن كنت تزعم أنك الإمام بعد أبيك فاجلس في ذلك المجلس؟ قالوا: فرأينا عبدالله تغير لونه، ثم قام يجر رداءه حتى خرج من دار موسى»([162]).

افتراق الشيعة بعد وفاة الكاظم
رجع بنا الحديث إلى موقف الشيعة بعد وفاة الكاظم، فقد ذكر القوم أن الشيعة افترقت بعد وفاته إلى عدة فرق:
فرقة منهم: قالوا بوفاته في حبس السندي بن شاهك، وأن يحيى بن خالد البرمكي سمَّهُ في رطب وعنب بعثهما إليه، وأن الإمام بعده هو علي الرضا. وهذه الفرقة سميت بالقطعية؛ لأنها قطعت على وفاته وعلى إمامة الرضا.
وفرقة قالت: إن الكاظم لم يمت وإنه حي ولا يموت حتى يملك شرق الأرض وغربها، ويملأها كلها عدلًا كما ملئت جورًا، وإنه القائم المهدي، وزعموا أنه خرج من الحبس ولم يره أحد نهارًا ولم يعلموا به، وأن السلطان وأصحابه ادعوا موته وموهوا على الناس وكذبوا، وأنه غاب عن الناس واختفى، ورووا في ذلك روايات عن أبيه الصادق أنه قال: «هو القائم المهدي، فإن هدهد رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا؛ فإنه القائم».
وقال بعضهم: إنه القائم، وقد مات، ولا تكون الإمامة لغيره حتى يرجع، وزعموا أنه قد رجع بعد موته، إلا أنه مختفٍ في موضع من المواضع، حيٌ يأمر وينهى، وأن أصحابه يلقونه ويرونه، واعتلوا في ذلك بروايات عن أبيه أنه قال: «سمي القائم قائمًا؛ لأنه يقوم بعدما يموت».
وقال بعضهم: إنه قد مات، وإنه القائم، وإن فيه شبهًا من نبي الله عيسى ابن مريم ×، وإنه لم يرجع ولكنه يرجع في وقت قيامه فيملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا، وإن الله قال: إن فيه شبهًا من عيسى ابن مريم، وإنه يقتل على يدي ولد العباس، فقد قتل، وأنكر بعضهم قتله، وقالوا: مات ورفعه الله إليه، وإنه يرده عند قيامه، فسموا هؤلاء جميعًا الواقفة؛ لوقوفهم على موسى بن جعفر أنه القائم، ولم يَأتَمُّوا بعده بإمام، ولم يتجاوزوه إلى غيره، وقد قال بعضهم ممن ذكر أنه حي: إن الرضا ومن قام بعده ليسوا بأئمة ولكنهم خلفاء، واحدًا بعد واحد إلى أوان خروجه.
وفرقة قالت: لا ندري أهو حي أم ميت؛ لأنا قد روينا أخبارًا كثيرة تدل على أنه القائم المهديَ، فلا يجوز تكذيبها، وقد ورد علينا من خبر وفاة أبيه وجده والماضين من آبائه في معنى صحة الخبر، فهذا أيضًا مما لا يجوز رده وإنكاره لوضوحه وشهرته وتواتره من حيث لا يكذب مثله ولا يجوز التواطؤ عليه، والموت حق، والله عزوجل يفعل ما يشاء، فوقفنا عند ذلك على إطلاق موته وعلى الإقرار بحياته، وقالوا: ونحن مقيمون على إمامته لا نتجاوزها حتى يصح لنا أمره، وأمر هذا الذي نصب نفسه مكانه، وادعى الإمامة -يعنون علي بن موسى الرضا- فإن صحت لنا إمامته كإمامة أبيه من قبله بالدلالات والعلامات الموجبة للإمامة بالإقرار منه على نفسه بإمامته وموت أبيه لا بأخبار أصحابه سلمنا له ذلك وصدقناه.
وفرقة قالت: إن موسى بن جعفر لم يمت ولم يحبس، وإنه حي غائب، وإنه المهدي، وإنه في وقت غيبته استخلف على الأمر محمد بن بشير وجعله وصيه وأعطاه خاتمه وعلمه جميع ما تحتاج إليه رعيته، ولما توفي أوصى إلى ابنه سميع بن محمد بن بشير، ومن أوصى إليه سميع فهو الإمام المفترض الطاعة، وهكذا.. إلى وقت خروج الكاظم([163]).
وفرقة قالت بإمامة أحمد بن موسى الكاظم، وأن الكاظم أوصى إليه وإلى الرضا وأجازوها في أخوين، وجعله أبوه الوصي بعد علي بن موسى([164]).
وكذا إبراهيم بن الكاظم الذي خرج باليمن ودعا الناس إلى بيعة محمد بن إبراهيم طباطبا، ثم دعا الناس إلى بيعة نفسه([165]).
وإبراهيم هذا من الذين أنكروا موت أبيه، حيث يروي القوم عن بكر بن صالح قال: قلت لإبراهيم بن أبي الحسن موسى بن جعفر: «ما قولك في أبيك؟ قال: هو حي، قلت: فما قولك في أخيك أبي الحسن؟ قال: ثقة صدوق، قلت: فإنه يقول: إن أباك قد مضى؟ قال: هو أعلم وما يقول، فأعدت عليه فأعاد علي، قلت: فأوصى أبوك؟ قال: نعم، قلت: إلى من أوصى؟ قال: إلى خمسة منا، وجعل عليًا علينا»([166]).
أما هذه الوصية التي أشار إليها فقد رواها القوم عن يزيد بن سليط الزيدي، أنه قال: لقيت موسى بن جعفر، فقلت: «أخبرني عن الإمام بعدك بمثل ما أخبر به أبوك، قال: فقال: كان أبي في زمن ليس هذا مثله. قال يزيد: فقلت: من يرضى منك بهذا فعليه لعنة الله، قال: فضحك، ثم قال: أخبرك يا أبا عمارة أني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى ابني، وأشركتهم مع علي ابني، وأفردته بوصيتي في الباطن، ولو كان الأمر إليّ لجعلته في القاسم ابني لحبي إياه ورأفتي عليه، ولكن ذلك إلى الله عزوجل يجعله حيث يشاء، وقد جاءني بخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجدي علي حيث قال لي: الأمر قد خرج منك إلى غيرك، فقلت: يا رسول الله، أرنيه أيهم هو؟ فقال رسول الله: ما رأيت من الأئمة أحدًا أجزع على فراق هذا الأمر منك، ولو كانت الإمامة بالمحبة لكان إسماعيل أحب إلى أبيك منك، ولكن من الله»([167]).
فأين القول بالنص مع كل هذا التمويه؟ ولعل أمثال هذه الوصايا هي التي جرأت أبناء الأئمة للخروج وادعاء الإمامة كما مرَّ بك، وكما هو شأن صاحبينا إبراهيم وأخيه زيد ابني موسى الذي خرج بالبصرة ودعا إلى نفسه، وحرق دورًا وعبث، ثم ظُفِرَ به وحُمِلَ إلى المأمون، وقد ذكرنا نبذة من ذلك عند كلامنا عن زيد بن علي. 
وقوف كثير من الشيعة على الكاظم واعتقادهم بأنه المهدي
كان لشأن هذه التلبيسات أن وقف فريق كبير من الشيعة على الكاظم وهم الواقفة، وهؤلاء قد أتعبوا من جاء بعده، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
فعن ابن أبي نجران وصفوان قالا: حدثنا الحسين بن قياما وكان من رؤساء الواقفة، فسألنا أن نستأذن له على الرضا ففعلنا، فلما صار بين يديه، قال له: «أنت إمام؟ قال: نعم، قال: فإني أشهد الله أنك لست بإمام، وكان الحسين بن قيامًا هذا واقفًا في الطواف، فنظر إليه أبو الحسن الأول، فقال له: ما لك حيرك الله تعالى؟ فوقف عليه بعد الدعوة»([168]).
وفي رواية: قال: «دخلت على علي بن موسى الرضا، فقلت له: يكون إمامان؟ قال: لا إلا وأحدهما صامت، فقلت له:هو ذا أنت ليس لك صامت، ولم يكن ولد له أبو جعفر بعد، فقال: والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله ويمحق به الباطل وأهله، فولد له بعد سنة أبو جعفر، فقيل لابن قياما: ألا تقنعك هذه الآية؟ فقال: أما والله إنها آية عظيمة، ولكن كيف أصنع بما قال أبو عبدالله في ابنه؟»([169]).
وفي رواية: أنه كتب إلى الرضا كتابًا يقول فيه: «كيف تكون إمامًا وليس لك ولد؟ فأجابه أبو الحسن شبه المغضب: وما علمك أنه لا يكون لي ولد؟ والله لا تمضي الأيام والليالي حتى يرزقني ولدًا ذكرًا»([170]).
وعن عبدالله بن المغيرة قال: «كنت واقفيًا وحججت على ذلك، فلما صرت بمكة اختلج في صدري شيء، فتعلقت بالملتزم، ثم قلت: اللهم قد علمت طلبتي وإرادتي فأرشدني إلى خير الأديان، فوقع في نفسي أن آتي الرضا، فأتيت المدينة، فوقفت ببابه، فقلت للغلام: قل لمولاك: رجل من أهل العراق بالباب، فسمعت نداءه وهو يقول: ادخل يا عبدالله بن المغيرة، فدخلت، فلما نظر إليَّ قال: قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينه، فقلت: أشهد أنك حجة الله وأمين الله على خلقه»([171]).
والغريب أن ابن المغيرة هذا له منزلة عظيمة عند القوم، وكل من ترجم له قال فيه: شيخ جليل ثقة، من أصحاب الكاظم، لا يعدل به أحد في جلالته ودينه وورعه، صنَّف ثلاثين كتابًا، وهو ممن اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه([172]).
أقول: لا أدري لم وقف على الكاظم وهو من هو في الورع والدين وجلالة القدر، دون أن يقف على كفر من أنكر واحدًا من الأئمة الاثني عشر بزعم القوم!
وعلى أي حال، فإن كلتا الوقفتين عجيبة!

أسباب وقوف هؤلاء على الكاظم رحمه الله
على أي حال، لسنا بصدد حصر كل أمثال هذه الروايات، ونكتفي بهذا القدر الضئيل، ولكن لنتساءل عن العلة التي من أجلها وقف هؤلاء والتبس الأمر عليهم، حتى قال من قال منهم كابن قياما الواسطي: «ولكن كيف أصنع بما قال أبو عبدالله في ابنه؟» كما مرَّ بك قولـه آنفًا، بل وقول الكاظم: «أما إنهم يفتنون بعد موتي، فيقولون: هو القائم، وما القائم إلا بعدي بسنين»([173]).
ترى ماذا قال الصادق / -أو بالأحرى ماذا نسب إليه- حتى وقف هؤلاء على ابنه، وقالوا بأنه المهدي؟
اقرأ معي هذه الروايات لتقف على حقيقة هذا الأمر:
عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبدالله يقول: «لا ينسجني والقائم أب».
وعن يزيد الصايغ قال: «لما ولد لأبي عبدالله أبو الحسن رضي الله عنه عملت له أوضاحًا وأهديتها إليه، فلما أتيت أبا عبدالله بها قال لي:يا يزيد، أهديتها والله لقائم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ».
وعن أبي سعيد المدايني قال: سمعت أبا جعفر يقول: «إن الله استنقذ بني إسرائيل من فرعونها بموسى بن عمران، وإن الله مستنقذ هذه الأمة من فرعونها بسميه».
وعن أبي جعفر قال: «إن الله تعالى عرض سيرة قائم آل محمد على موسى بن عمران، فقال: اللهم اجعله من بني إسرائيل، فقال له: ليس إلى ذلك سبيل، فقال: اللهم اجعلني من أنصاره، فقيل له: ليس إلى ذلك سبيل، فقال: اللهم اجعله سميي، فقيل له: أعطيت ذلك».
وعن أبي جعفر قال: قال رجل: «جعلت فداك، إنهم يروون أن أمير المؤمنين قال بالكوفة على المنبر: لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلًا مني يملؤها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، فقال أبو جعفر: نعم، قال: فأنت هو؟ فقال: لا، ذاك سمي فالق البحر. أي: موسى بن عمران على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم».
وعن علي بن الحسين قال: «إن قارون كان يلبس الثياب الحمر، وإن فرعون كان يلبس السودَ ويرخي الشعور، فبعث الله عليهم موسى، وإن بني فلان لبسوا السواد وأرخوا الشعور، وإن الله تعالى مهلكهم بسميه».
وعن علي بن الحسين قال: «إن اسم القائم اسم لحديدة الحلاق».
وعن أبي عبدالله قال: «ابني هذا -يعني: أبا الحسن- هو القائم، وهو من المحتوم، وهو الذي يملؤها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا»([174]).
وعنه أيضًا قال: «من المحتوم أن ابني هذا قائم هذه الأمة وصاحب السيف، وأشار بيده إلى أبي الحسن».
وعن أبي الوليد الطرائقي قال: «كنت ليلة عند أبي عبدالله، إذ نادى غلامه، فقال: انطلق فادع لي سيد ولدي، فقال له الغلام: من هو؟ فقال: فلان -يعني: أبا الحسن- فلم يلبث حتى جاء بقميص بغير رداء.. إلى أن قال: ثم ضرب بيده على عضدي، وقال: يا أبا الوليد، كأني بالراية السوداء صاحبة الرقعة الخضراء تخفق فوق رأس هذا الجالس، ومعه أصحابه يهدون جبال الحديد هدًا، لا يأتون على شيء إلا هدوه، قلت: جعلت فداك، هذا؟ قال: نعم، هذا يا أبا الوليد، يملؤها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وعدوانًا، يسير في أهل القبلة بسيرة علي بن أبي طالب، يقتل أعداء الله حتى يرضي الله، قلت: جعلت فداك، هذا؟ قال: هذا، ثم قال: فاتبعه وأطعه وصدقه وأعطه الرضا من نفسك؛ فإنك ستدركه إن شاء الله».
وعن عبدالله بن غالب قال: «أنشدت أبا عبدالله هذه القصيدة:
فإن تك أنت المرتجى للذي نرى ***  لك التي من ذي العلى فيك نطلب
فقال: ليس أنا صاحب هذه الصفة، ولكن هذا صاحبها، وأشار بيده إلى أبي الحسن».
وعن إسماعيل البزار قال: قال أبو عبدالله: «إن صاحب هذا الأمر يلي الوصية وهو ابن عشرين سنة، فقال إسماعيل: فوالله ما وليها أحد قط كان أحدث منه، وإنه لفي السن الذي قال أبو عبدالله».
وعن إسماعيل بن منصور الزبالي قال: «سمعت شيخًا بأذرعات قد أتت عليه عشرون ومائة سنة، قال: سمعت عليًا يقول على منبر الكوفة: كأني بابن حميدة قد ملأها عدلًا وقسطًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، فقام إليه رجل، فقال: أهو منك أو من غيرك؟ فقال: لا، بل هو رجل مني».
وعن أبي عبدالله قال: «كأني بابن حميدة على أعوادها قد دان له شرق الأرض وغربها»([175]).
وحميدة هي أم الكاظم([176]).
وعن يحيى بن إسحاق العلوي، عن أبيه، قال: «دخلت على أبي عبدالله فسألته عن صاحب هذا الأمر من بعده؟
قال: صاحب البهمة، وأبو الحسن في ناحية الدار ومعه عناق مكية، ويقول لها: اسجدي لله الذي خلقك، ثم قال: أما إنه الذي يملؤها قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا».
وعن عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله وذكر البداء لله، فقال: «فما أخرج الله إلى الملائكة وأخرجه الملائكة إلى الرسل، فأخرجه الرسل إلى الآدميين، فليس فيه بداء، وإن من المحتوم أن ابني هذا هو القائم».
وعن الصادق قال: «على رأس السابع منا الفرج».
وعن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو عبدالله: «من جاءك فقال لك: إنه مرّض ابني هذا وأغمضه وغسله ووضعه في لحده ونفض يده من تراب قبره فلا تصدقه».
وفي رواية: عن الكاظم نفسه قال: «يا علي، من أخبرك أنه مرضني وغمضني وغسلني ووضعني في لحدي ونفض يده من تراب قبري فلا تصدقه».
وعن أبي عبدالله قال: «أما إنه -أي: الكاظم- صاحبكم، مع أن بني العباس يأخذونه فيلقى منهم عنتًا، ثم يفلته الله من أيديهم بضرب من الضروب، ثم يُعمَّى على الناس أمره حتى تفيض عليه العيون، وتضطرب فيه القلوب، كما تضطرب السفينة في لجة البحر وعواصف الريح، ثم يأتي الله على يديه بفرج لهذه الأمة للدين والدنيا».
وعن الباقر قال: «صاحب الأمر يسجن حينًا ويموت ويهرب حينًا».
وعنه أيضًا قال: «في صاحب هذا الأمر أربع سنن من أربعة أنبياء: سنة من موسى، وسنة من عيسى، وسنة من يوسف، وسنة من محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أما موسى فخائف يترقب، وأما يوسف فالسجن، وأما عيسى فيقال: مات ولم يمت، وأما محمد فالسيف»([177]).
ومعلوم أن مهدي القوم لم يسجن، أما الكاظم فقد سجن، بل ويبدو أن ذلك كان من المسلمات لولا أن بدا لله فيه كما يزعم القوم، فمن أدعية زيارته كما يُروى عن أبي الحسن: «السلام عليك يا من بدا لله في شأنه»([178]).
وعلى أي حال، نجتزئ بما أوردناه حتى لا نمل القارئ، ولعل بما ذكرنا التماسًا للعذر لابن قياما الواسطي في قولـه: «ولكن كيف أصنع بما قال أبو عبدالله في ابنه؟» وكذا سائر الواقفة.

موقف علي الرضا رحمه الله وأهل بيته وأصحابه من النص
لنشرع الآن في التكلم عن ابنه الإمام علي الرضا المتوفى سنة (203) للهجرة.
أقول: لم يشذ شيعة الرضا عن شيعة أبيه وأجداده بخفاء النص على الأئمة الاثني عشر عليهم مما يستوجب بطلان هذا الاعتقاد أصلًا كما سترى باعتبار روايات القوم أنفسهم. وسنتقتصر في هذا المختصر على ذكر ما يتعلق بأهل بيته.
فعن علي بن إبراهيم، عن أبيه قال: «لما مات أبو الحسن حججنا، فدخلنا على أبي جعفر وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفر، فدخل عمه عبدالله بن موسى وكان شيخًا كبيرًا نبيلًا، عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة، فجلس، وخرج أبو جعفر من الحجرة وعليه قميص قصب، ورداء قصب، ونعل جدد بيضاء، فانتدب رجل من القوم، فقال لعمه: أصلحك الله، ما تقول في رجل أتى بهيمة؟ فقال: تقطع يمينه ويضرب الحد، فغضب أبو جعفر، ثم نظر إليه، فقال: يا عم، اتق الله.. اتق الله، إنه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عزوجل، فيقول لك: لم أفتيت الناس بما لا تعلم؟ فقال له عمه: أليس قال هذا أبوك؟ فقال أبو جعفر: إنما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها، فقال أبي: تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزنا، فإن حرمة الميتة كحرمة الحية، فقال: صدقت يا سيدي وأنا أستغفر الله، فتعجب الناس، فقالوا: يا سيدنا، أتأذن لنا أن نسألك؟ فقال: نعم، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة فأجابهم فيها، وله تسع سنين»([179]).
أقول: يبدو أن مجالسهم كانت طويلة؛ إذ لو افترضنا أن سؤال وجواب كل مسألة يستغرق نصف دقيقة، لكان مدة المجلس أكثر من عشرة أيام.
وعلى أي حال، أنت ترى أن عمه رغم نبله وورعه يفتي بلا علم في حضرة إمام منصوص من الله في مثل هذه المسائل لرجل لم يوجه سؤاله أصلًا إلى من كان أولى بتوجيه السؤال إليه، وأحداث هذه القصة تذكرني بمواقف كثيرة للفاروق عمر مع علي بن أبي طالب ب أوردها القوم في مصنفاتهم، ونذكر منها:
أن رجلًا من شباب اليهود سأل عمر ا: «دلني على أعلمكم بالله وبرسوله وبكتابه وبنبيه؟ فأومأ بيده إلى علي، فقال: هذا».
وفي رواية: «دونك هذا الشاب، فقال: ومن هذا الشاب؟ قال: علي بن أبي طالب»([180]).
ومنها: أن رجلًا سأل عمر رضي الله عنه عن تفسير سبحان الله؟ فقال: «إن في هذا الحائط رجلًا كان إذا سئل أنبأ، وإذا سكت ابتدأ، فدخل الرجل فإذا هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه»([181])، فتأمل الفرق!
وننهي كلامنا عن الرضا بذكر منازعة أخيه العباس لـه، فعن الجعفري قال: قال العباس ابن موسى لابن عمران القاضي الطلحي: «إن أسفل هذا الكتاب -أي: وصية الكاظم- كنز لنا وجوهر يريد -أي: الرضا- أن يحتجزه دوننا، ولم يدع أبونا شيئًا إلا جعله لـه وتركنا عالة، فوثب عليه إبراهيم بن محمد الجعفري فأسمعه، ووثب إليه إسحاق بن جعفر ففعل به مثل ذلك، فقال العباس للقاضي: أصلحك الله، فض الخاتم واقرأ ما تحته، فقال: لا أفضه لا يلعنني أبوك، فقال العباس: أنا أفضه، قال: ذلك إليك، ففض العباس الخاتم -رغم قول أبيه الكاظم: وليس لأحدٍ أن يكشف وصيتي ولا ينشرها وهو على ما ذكرت وسميت، فمن أساء فعليه، ومن أحسن فلنفسه، وما ربك بظلام للعبيد، وليس ذلك لأحد من سلطان ولا غيره أن يفض كتابي الذي ختمت عليه أسفل، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله وغضبه والملائكة بعد ذلك ظهير وجماعة المسلمين والمؤمنين- ففض العباس الخاتم، فإذا فيه إخراجهم من الوصية، وإقرار علي وحده وإدخاله إياهم في ولاية علي إن أحبوا أو كرهوا أو صاروا كالأيتام في حِجره وأخرجهم من حد الصدقة وذكرها، ثم التفت علي بن موسى إلى العباس، فقال: يا أخي، أعلم أنه إنما حملكم على هذا الغرام والديون التي عليكم، فانطلق يا سعد فتعين لي ما عليهم واقضه عنهم، واقبض ذكر حقوقهم، وخذ لهم البراءة، فلا والله لا أدع مواساتكم وبركم ما أصبحت أمشي على ظهر الأرض، فقولوا ما شئتم، فقال العباس: ما تعطينا إلا من فضول أموالنا ومالنا عندك أكثر، فقال: قولوا ما شئتم، فالعرض عرضكم، اللهم أصلحهم وأصلح بهم، وأخسئ عنا وعنهم الشيطان، وأعنهم على طاعتك، والله على ما نقول وكيل، فقال العباس: ما أعرفني بلسانك وليس لمسحاتك عندي طين، ثم إن القوم افترقوا»([182]).
لذا لم يذكره بخير كل من ترجم له([183])، ورغم هذا يقول المفيد في إرشاده: (إن لكل واحد من أولاد الكاظم فضلًا ومنقبة)([184]).

افتراق الشيعة بعد وفاة الرضا
أما عن موقف الشيعة بعد وفاة الرضا، فإليك البيان:
فرقة منهم كانت قد قطعت عليه وعلى موت أبيه، ولما توفي الرضا رجعوا إلى الوقف بعد موسى بن جعفر، وهذه الفرقة تسمى المؤلفة.
وثانية تسمى: المحدثة، كانوا من أهل الإرجاء من أصحاب الحديث، فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر، وبعده بإمامة علي بن موسى، وصاروا شيعة رغبة في الدنيا وتصنعًا، فلما توفي علي بن موسى الرضا رجعوا إلى ما كانوا عليه.
وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء منهم والبصراء، فدخلوا في إمامة الرضا عندما أظهر المأمون فضله وعقد بيعته تصنعًا للدنيا واستكانوا الناس بذلك دهرًا، فلما توفي الرضا رجعوا إلى قومهم من الزيدية. وفرقة ائتمت بأحمد بن موسى.. وهكذا([185]).

موقف محمد الجواد رحمه الله وأهل بيته وأصحابه من النص
وسنتقصر على ذكر افتراق الشيعة بعد وفاته رحمه الله. فقد نزل أصحابه الذين ثبتوا على إمامته إلى القول بإمامة ابنه ووصيه علي بن محمد، فلم يزالوا على ذلك سوى نفر يسير منهم عدلوا عنه إلى القول بإمامة أخيه موسى بن محمد، ثم لم يلبثوا على ذلك إلا قليلًا حتى رجعوا إلى إمامة علي بن محمد ورفضوا إمامة موسى بن محمد، فلم يزالوا كذلك حتى توفي علي بن محمد([186]).

موقف علي الهادي رحمه الله وأصحابه من النص
وهذا الإمام علي الهادي / المتوفى سنة (254) للهجرة وأصحابه لا نراهم يختلفون عمن سبق. وسنتقصر في هذا المختصركشأن البقية على ذكر ما يتعلق بأهل بيته. فقد طال آل أبي طالب وبني العباس، بل وطال الهادي وابنه كما سترى:
فعن علي بن عبدالله بن مروان الأنباري قال: «كنت حاضرًا عند مضي أبي جعفر بن أبي الحسن، فجاء أبو الحسن فوضع له كرسيًا فجلس عليه، وأبو محمد قائم في ناحية، فلما فرغ من أبي جعفر التفت أبو الحسن إلى أبي محمد، فقال: يا بني، أحدث لله شكرًا، فقد أحدث فيك أمرًا»([187]).
وفي رواية: قال: «إن الله قد جعل فيك خلفًا منه فاحمد الله»([188]).
وعن سعيد بن عبدالله، عن جماعة من بني هاشم، منهم الحسن بن الحسين الأفطس، أنهم حضروا يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسن وقد بسط له في صحن داره والناس جلوس حوله، فقالوا: «قَدَّرْنَا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني العباس وقريش مائة وخمسين رجلًا سوى مواليه وسائر الناس، إذ نظر إلى الحسن بن علي وقد جاء مشقوق الجيب حتى جاء عن يمينه ونحن لا نعرفه، فنظر إليه أبو الحسن بعد ساعة من قيامه، ثم قال: يا بني، أحدث لله شكرًا فقد أحدث فيك أمرًا، فبكى الحسن واسترجع، وقال: الحمد لله رب العالمين، وإياه أشكر تمام نعمته علينا، وإنا لله وإنا إليه راجعون، فسألنا عنه؟ فقيل لنا: هذا الحسن ابنه، وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة ونحوها، فيومئذٍ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه»([189]).
كم أود أن أعرف رأي القائلين بالنص على الاثني عشر نصًا من الله ورسوله عليهم واحدًا بعد واحد بأسمائهم لا يزيدون ولا ينقصون، وليس للإمام الماضي فيه صنع، حتى يزويها عمن يكون من بعده - كم أود أن أعرف تعليقهم على هذه الروايات مع كل هذا، وكل ما مر بك في المقدمة.
وقد عرفت تعليق المجلسي كما في الحاشية على الرواية، وقد استدرك عليه آخر قائلًا: الأصح أن يقال: أحدث فيك أمرًا، أي: لطفًا ونعمة؛ وذلك لأن المعروف بين شيعتنا بنص الباقر أن الإمامة في الولد الأكبر، ولو لم يمض أبو جعفر أخوك الأكبر لاختلف فيك الشيعة.
أقول: ما كان أغناهم عن كل ذلك! ألم يكن حسبهم من كان حوله من آل أبي طالب وبني العباس وقريش المائة والخمسين رجلًا حيث قالوا: «وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة وأقامه مقامه؟!».
ولقد أحدثت روايات الهادي في إمامة ابنه محمد دون العسكري اضطرابًا كبيرًا عند شيعته بعد موته، نذكر لك طرفًا منها:
فعن سعد بن أبي هاشم الجعفري قال: «كنت عند أبي الحسن العسكري وقت وفاة ابنه أبي جعفر وقد كان أشار إليه ودل عليه([190]).
وإني لأفكر في نفسي، وأقول: هذه قصة أبي إبراهيم وقصة إسماعيل، فأقبل علي أبو الحسن، وقال: نعم يا أبا هاشم، بدا لله في أبي جعفر وصيَّر مكانه أبا محمد، كما بدا له في إسماعيل بعد ما دلَّ عليه أبو عبدالله ونصبه، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره المبطلون، أبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده ما تحتاجون إليه، ومعه آلة الإمامة والحمد لله»([191]).
وقد تحدثنا عن قصة إسماعيل بن جعفر الصادق في موضعه.
وعن شاهويه بن عبدالله الجلاب قال: «كنت رويت عن أبي الحسن العسكري في أبي جعفر ابنه روايات تدل عليه، فلما مضى أبو جعفر قَلِقْتُ لذلك وبقيت متحيرًا لا أتقدم ولا أتأخر، وخفت أن أكتب إليه في ذلك، فلا أدري ما يكون، فكتبت إليه أسأله الدعاء أن يفرج الله عنا في أسباب من قبل السلطان كنا نغتم بها في غلماننا، فرجع بالدعاء، ورد الغلمان علينا، وكتب في آخر الكتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد مضي أبي جعفر، وقلقت لذلك، فلا تغتم؛ فإن الله لا يضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون، صاحبكم بعدي أبو محمد ابني وعنده ما تحتاجون إليه، يقدم الله ما يشاء ويؤخر ما يشاء: (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) [البقرة:106] قد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل يقظان»([192]).


افتراق الشيعة بعد الهادي رحمه الله
وكشأن بقية الأئمة افترقوا الشيعة بعد وفاة الهادي / ، فقالت فرقة من أصحابه بإمامة ابنه محمد، وقد كان توفي في حياة أبيه بسر من رأى، وزعموا أنه حي لم يمت، واعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه وأعلمهم أنه الإمام من بعده -كما مرَّ بك- والإمام لا يجوز عليه الكذب ولا يجوز البداء فيه، فهو وإن كانت ظهرت وفاته لم يمت في الحقيقة، ولكن أباه خاف عليه فغيبه وهو القائم المهدي، وقالوا فيه بمثل مقالة إسماعيل بن جعفر، وقال سائر أصحاب علي بن محمد بإمامة الحسن بن علي وأثبتوا له الإمامة بوصية أبيه، وكان يكنى بأبي محمد، سوى نفر يسير قليل، فإنهم مالوا إلى أخيه جعفر بن علي، وقالوا: أوصى إليه أبوه بعد مضي محمد وأوجب إمامته وأظهر أمره، وأنكروا إمامة محمد أخيه، وقالوا: إنما فعل ذلك أبوه اتقاء عليه ودفاعًا عنه، وكان الإمام في الحقيقة جعفر بن علي([193]). 

موقف الحسن العسكري رحمه الله وأهل بيته وأصحابه من النص
رجع بنا الحديث إلى الإمام العسكري الحسن بن علي / المتوفى سنة (260) للهجرة، وموقف أصحابه وأهل بيته.
لقد أدى الارتياب والشك عند شيعة الهادي في الإمام بعده إلى التطلع بلهفة إلى أي شخص كان لبيان الحق لهم، وكأن تلك النصوص التي مرَّت بك منذ أول الكتاب لم تكن.
فعن أحمد بن إسحاق قال: دخلت على أبي محمد، فقال لي: «يا أحمد، ما كان حالكم فيما كان الناس فيه من الشك والارتياب؟ قلت: لما ورد الكتاب بخبر مولد سيدنا، لم يبق منا رجل ولا امرأة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال بالحق، قال: أما علمتم أن الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى»([194]).
رغم ذلك فقد كان الحسن نفسه خائفًا -بزعم القوم- من أن يخرج من الدنيا دون أن يرى الخلف من بعده([195]).
وآخر لا يدري إن كان له ولد أصلًا أو لا، فعن أبي هاشم الجعفري قال: قلت لأبي محمد: «جلالتك تمنعني عن مسألتك فتأذن لي أن أسألك؟ قال: سل، قلت: يا سيدي، هل لك ولد؟ قال: نعم، قلت: فإن حدث حدث فأين أسأل عنه؟ فقال: بالمدينة»([196]).
بل طال ذلك خَدَمَه الذين لا يفترض ذلك منهم، فعن أبي الأديان قال: «كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأحمل كتبه إلى الأمصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها، فكتب معي كتبًا، وقال: تمضي بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يومًا فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الناعية في داري، وتجدني على المغتسل، قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي، فإذا كان ذلك فمن؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم بعدي، قلت: زدني، فقال: من يصلي علي فهو القائم بعدي، فقلت: زدني، فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي، ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في الهميان؟ وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما قال لي، فإذا أنا بالناعية في داره، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار والشيعة حوله يعزونه ويهنئونه، فقلت في نفسي: إن يكن هذا الإمام فقد حالت الإمامة؛ لأني كنت أعرفه بشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور، فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شيء، ثم خرج عقيد، فقال: يا سيدي، قد كفن أخوك فقم للصلاة عليه، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله..» الخبر([197]).
وجعفر هذا ادعى الإمامة([198]) بعد أخيه العسكري، وأنكر أن يكون لأخيه عقب وقد حاز على ميراثه، ولا غرابة في هذا لما مر بك من ادعاء الكثير من أهل بيت النبوة للإمامة، حتى رووا عن الصادق: «لا يخرج القائم حتى يخرج اثنا عشر من بني هاشم كلهم يدعو إلى نفسه»([199]).
وفي رواية: «خروج اثني عشر من آل أبي طالب كلهم يدَّعي الإمامة لنفسه»([200]).
وقد عرفت منزلةَ بعض هؤلاء الذين خرجوا عند حديثنا عنهم، ويسمى جعفر هذا بالكذاب تمييزًا له عن الصادق، وروى القوم في ذلك أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، منها قولـه: «إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فسموه الصادق؛ فإنه يكون في ولده سمي له يدعي الإمامة بغير حقها ويسمى كذابًا».
وفي رواية: «فإن الخامس من ولده الذي اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على الله وكذبًا عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله»([201]).
وقد ورد في قدحه عن الأئمة من الروايات الكثير، إلا أن هناك رواية تفسد كل هذا، فقد روى القوم عن إسحاق بن يعقوب: أنه سأل القائم عن مسائل أشكلت عليه، فورد التوقيع بخط القائم: «أما ما سألت عنه -أرشدك الله وثبتك- من أمر المنكرين من أهل بيتنا وبني عمنا فاعلم أنه ليس بين الله عزوجل وبين أحدٍ قرابة، ومن أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح، وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل إخوة يوسف ×»([202]).
ووجه الدلالة غير خافية في الرواية، فالكتاب العزيز قد دلَّ على توبة إخوة يوسف ×، وواضع هذه الرواية فاته الحديث السابق الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «جعفر الكذاب المفتري على الله». بزعمهم.

افتراق الشيعة بعد وفاة العسكري
أما موقف الشيعة بعد وفاة العسكري المتوفى سنة (260) للهجرة، فإليك بيانه بإيجاز:
افترق أصحابه إلى فرق كثيرة جاوزت العشر، منها:
فرقة قالت: إن الحسن بن علي حي لم يمت وإنما غاب، وهو القائم، ولا يجوز أن يموت، ولا ولد له ظاهرًا؛ لأن الأرض لا تخلو من إمام.
وفرقة قالت: إن العسكري مات وعاش بعد موته وهو القائم المهدي؛ لأنا روينا أن معنى القائم هو أن يقوم من بعد الموت ويقوم ولا ولد له، ولو كان له ولد لصح موته ولا رجوع؛ لأن الإمامة كانت تثبت لخلفه، ولا أوصى إلى أحدٍ فلا شك أنه القائم، والحسن بن علي قد مات لا شك في موته ولا ولد له ولا خلف ولا أوصى؛ إذ لا وصية له ولا وصي، وأنه قد عاش بعد الموت.
وفرقة قالت: إن الحسن بن علي توفي، والإمام بعده أخوه جعفر، وإليه أوصى الحسن، ومنه قبل الإمامة وعنه صارت إليه.
وفرقة قالت: إن الإمام بعد الحسن جعفر، وإن الإمامة صارت إليه من قبل أبيه لا من قبل أخيه محمد ولا من قبل الحسن ولم يكن إمامًا ولا الحسن أيضًا؛ لأن محمدًا توفي في حياة أبيه، وتوفي الحسن ولا عقب له، وإنه كان مدعيًا مبطلًا، والدليل على ذلك: أن الإمام لا يموت حتى يوصي ويكون له خلف، والحسن قد توفي ولا وصي له ولا ولد، فادعاؤه الإمامة باطل، والإمام لا يكون من لا خلف له ظاهرًا معروفًا مشارًا إليه، ولا يجوز أيضًا أن تكون الإمامة في الحسن وجعفر؛ لقول أبي عبدالله وغيره من آبائه: «إن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين»، فدلنا ذلك على أن الإمامة لجعفر، وأنها صارت إليه من قبل أبيه لا من قبل أخويه.
وفرقة قالت: إن الإمامة في محمد بن علي المتوفى في حياة أبيه، وزعمت أن الحسن وجعفر ادعيا ما لم يكن لهما، وأن أباهما لم يشر إليهما بشيء من الوصية والإمامة، ولا روي عنه في ذلك شيء أصلًا، ولا نص عليهما بشيء يوجب إمامتهما ولا هما في موضع ذلك، وخاصة جعفر؛ فإن فيه خصالًا مذمومة وهو بها مشهور، ولا يجوز أن يكون مثلها في إمام عدل، وأما الحسن فقد توفي ولا عقب له، فعلمنا أن محمدًا كان الإمام، وقد صحت الإشارة من أبيه إليه، والحسن قد توفي ولا عقب له، ولا يجوز أن يموت إمام بلا خلف.
وفرقة قالت: إنه ولد للحسن ولد بعده بثمانية أشهر، وإن الذين ادعوا له ولدًا في حياته كاذبون في حياته مبطلون في دعواهم؛ لأن ذلك لو كان لم يخف كما لم يخف غيره ولكنه مضى ولم يعرف له ولد، ولا يجوز أن يكابر في مثل ذلك ويدفع العيان والمعقول والمتعارف، وقد كان الحبل فيما مضى قائمًا ظاهرًا ثابتًا عند السلطان وعند سائر الناس، وامتنع من قسمة ميراثه من أجل ذلك حتى بطل بعد ذلك عند السلطان وخفي أمره، فقد ولد له ابنٌ بعد وفاته بثمانية أشهر، وقد كان أمر أن يسمى محمدًا وأوصى بذلك وهو مستور لا يُرى، واعتلوا في تجويز ذلك وتصحيحه بخبرٍ يُروى عن أبي الحسن الرضا أنه قال: «ستبلون بالجنين في بطن أمه والرضيع».
وفرقة قالت: إنه لا ولد للحسن أصلًا؛ لأنا قد امتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه فلم نجده، ولو جاز لنا أن نقول في مثل الحسن وقد توفي ولا ولد له: إن له ولدًا خفيًا لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت عن غير خلف، ولجاز مثل ذلك في النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقال: خلف ابنًا نبيًا رسولًا، وكذلك عبدالله بن جعفر بن محمد أنه خلف ابنًا، وأن أبا الحسن الرضا خلَّف ثلاثة بنين غير أبي جعفر، أحدهم: الإمام؛ لأن مجيء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجيء الخبر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخلف ذكرًا من صلبه ولا خلف عبدالله بن جعفر ابنًا ولا كان للرضا أربعة بنين، فالولد قد بطل لا محالة.
وفرقة قالت:إن الحسن بن علي قد صحت وفاة أبيه وجده وسائر آبائه، فكما صحت وفاته بالخبر الذي لا يكذب مثله، فكذلك صح أنه لا إمام بعد الحسن، وذلك جائز في العقول والتعارف كما جاز أن تنقطع الإمامة، وقد روي عن الصادقين أن الأرض لا تخلو من حجة إلا أن يغضب الله على أهل الأرض بمعاصيهم، فيرفع عنهم الحجة إلى وقت، والله عزوجل يفعل ما يشاء، وليس في قولنا هذا بطلان الإمامة، وهذا جائز أيضًا من وجه آخر، كما جاز ألا يكون قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما بينه وبين عيسى u نبي ولا وصي، ولما روينا من الأخبار أنه كانت بين الأنبياء فترات، ورووا ثلاثمائة سنة، وروي مائتا سنة ليس فيها نبي ووصي، وقد قال الصادق: إن الفترة هي الزمان الذي لا يكون فيه رسول ولا إمام، والأرض اليوم بلا حجة إلا أن يشاء الله فيبعث القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
وفرقة قالت: إن أبا جعفر محمد بن علي الميت في حياة أبيه كان الإمام بوصية من أبيه إليه وإشارته ودلالته ونصه على اسمه وَعَيْنِه.
وفرقة قالت: لما سئلوا: هل الإمام جعفر أم غيره؟ لا ندري ما نقول في ذلك أهو من ولد الحسن أم من إخوته، فقد اشتبه علينا الأمر، إنا نقول: إن الحسن بن علي كان إمامًا وقد توفي، وإن الأرض لا تخلو من حجة ونتوقف، ولا نقدم على شيء حتى يصح لنا الأمر ويتبين.
وفرقة قالت: إن الحسن بن علي توفي وإنه كان الإمام بعد أبيه، وإن جعفر بن علي الإمام بعده كما كان موسى بن جعفر إمامًا بعد عبد الله بن جعفر؛ للخبر الذي روي أن الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا مضى، وإن الخبر الذي روي عن الصادق أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين صحيح لا يجوز غيره، وإنما ذلك إذا كان للماضي خلف من صلبه فإنها لا تخرج منه إلى أخيه بل تثبت في خلفه، وإذا توفي ولا خلف له رجعت إلى أخيه ضرورة؛ لأن هذا معنى الحديث عندهم، وكذلك قالوا في الحديث الذي روي أن الإمام لا يغسله إلا إمام، وأن هذا عندهم صحيح لا يجوز غيره، وأقروا أن جعفر بن محمد غسله موسى، وادعوا أن عبدالله أمره بذلك؛ لأنه كان الإمام من بعده وإن جاز أن من يغسله موسى؛ لأنه إمام صامت في حضرة عبدالله، وهؤلاء الفطحية الخلص الذين يجيزون الإمامة في أخوين إذا لم يكن الأكبر منهما خلّف ولدًا، والإمام عندهم جعفر بن علي على هذا التأويل.
وفرقة قالت: إن الإمام بعد الحسن ابنه محمد وهو المنتظر غير أنه مات وسيحيا ويقوم بالسيف، فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا.
وفرقة قالت: ليس القول كما قال هؤلاء كلهم؛ بل لله عزوجل في الأرض حجة، وإن للحسن ابن علي ابنًا سماه محمدًا ودلَّ عليه، وليس الأمر كما زعم من ادعى أنه توفي ولا خلف له، ومحمد هذا هو القائم، وإن له غيبتين: الصغرى منهما يوم توفي أبوه العسكري، والكبرى بدأت من وفاة أبي الحسين علي بن محمد السمري آخر السفراء الأربعة، ولا يعلم انتهاءها إلا الله عزوجل ([203]).
وهذه الفرقة الأخيرة هي التي تهمنا، وهي الإمامية الاثنا عشرية، وهي موضوع كتابنا هذا، ويبلغ تعداد الإمامية الاثني عشرية من الشيعة اليوم ما يزيد على المائة مليون نسمة حسب المصادر الشيعية([204])، من مجموع تعداد المسلمين والذي فاق المليار والنصف، ويختلف الآخرون مع الإمامية في صحة تعدادهم أنه قد بلغ المائة مليون، ويعدون ذلك من مبالغاتهم باعتبار أن العدد المذكور يشمل جميع فرق ومذاهب الشيعة السائدة في يومنا هذا كالزيدية والإسماعيلية والعلوية، فضلًا عن الفرق الباطنية في شبه القارة الهندية وغيرها.
وعلى أي حال، لسنا الآن بصدد مناقشة مسألة العدد.

المهدي المنتظر واختلاف الشيعة في: مولده، تاريخ ميلاده، اسم أمه، جواز تسميته
      اضطربت الإمامية في شأن المهدي اضطرابًا شديدًا لا يكاد ينضبط بحالٍ من الأحوال، حتى إنه لم يغادر من شئونه وأحواله شيء، ويصعب علينا إيراد ذلك كله في هذه العجالة.
 أول اختلاف يفاجأ به الباحث في مسألة مهدي القوم، هو الاختلاف الشديد عندهم في مولده، فراجع الأصل للوقوف عليه.
أما متى ولد؟ ففي رواية: سنة (254) للهجرة، وفي ثانية: (255) للهجرة، وفي ثالثة: (256) للهجرة، وفي رابعة: (257) للهجرة، وفي خامسة: (258) للهجرة([205]).
أما اسم أمه: ففي رواية: نرجس، وفي ثانية: صقيل، وفي ثالثة: ريحانة، وفي رابعة: سوسن، وفي خامسة: حكيمة، وفي سادسة: خمط، وفي سابعة: مليكة، وفي ثامنة: مريم بنت زيد العلوية([206]).
ومن أطرف ما قرأت في تفسير هذا التعدد، قول البعض: إن لها كل يوم اسمًا([207])!
كذلك اختلفوا في جواز تسميته ورؤية شخصه، ووضعوا في ذلك روايات عن معظم الأئمة، منها:
ما روي عن الباقر قال: «سأل عمر أمير المؤمنين عن المهدي قال: يا ابن أبي طالب، أخبرني عن المهدي ما اسمه؟ قال: أما اسمه فلا، إن حبيبي وخليلي عهد إليَّ ألا أحدث باسمه حتى يبعثه الله عزوجل، وهو مما استودع الله عزوجل رسوله علمه».
وعن أبي خالد الكابلي قال: دخلت على محمد بن علي الباقر، فقلت: «جعلت فداك، قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به ووحشتي من الناس، قال: صدقت يا أبا خالد، تريد ماذا؟ قلت: جعلت فداك، قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفته لو رأيته في بعض الطرقات لأخذت بيده، قال: فتريد ماذا يا أبا خالد؟ قال: أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه، فقال: سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد، ولقد سألتني عن أمرٍ ما لو كنت محدثًا به أحدًا لحدثتك، ولقد سألتني عن أمرٍ لو أن بني فاطمة عرفوه حرصوا على أن يقطعوه بضعة بضعة».
وعن المفضل بن عمر قال: «كنت عند أبي عبدالله في مجلسه ومعي غيري، فقال لي: يا أبا عبدالله، إياكم والتنويه، يعني: باسم القائم».
وعنه قال: «المهدي من ولدي الخامس من ولد السابع، يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته».
وعنه أيضًا قال: «صاحب هذا الأمر رجل لا يسميه باسمه إلا كافر».
وعن الرضا قال: «لا يرى جسمه، ولا يسمى باسمه».
ومسألة النهي عن تسميته من أغرب المسائل وأطرفها بعد كل هذه المئات من الروايات التي ملأ القوم كتبهم منها، والتي ذكرنا بعض مصادرها في مقدمة الباب عند ذكر سلسلة الأئمة، وأن الإمام بعد الحسن العسكري ابنه محمد، بنص الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وكذا الأئمة.
ولعلماء القوم في هذه المسألة تأويلات وأقوال وردود، منها: أن الصدوق لما أورد روايات فيها ذكر اسمه، قال تعليقًا على إحداها: (جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم، والذي أذهب إليه النهي عن تسميته)([208]).
وقال الإربلي: (من العجيب أن الشيخ الطبرسي والشيخ المفيد رحمهما الله تعالى قالا: إنه لا يجوز ذكر اسمه ولا كنيته، ثم يقولان: اسمه اسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكنيته كنيته عليهما الصلاة والسلام، وهما يظنان أنهما لم يذكرا اسمه ولا كنيته، وهذا عجيب! والذي أراه أن المنع من ذلك إنما كان للتقية في وقت الخوف عليه والطلب له والسؤال عنه، فأما الآن فلا، والله أعلم)([209]).
أقول: وأعجب منه تعليل الإربلي نفسه -بما لا أعرف وجه الحاجة إليه- وهو القول بالتقية في هذه المسألة في أمرٍ قد فرغ منه بزعم القوم بنص الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم على إمامته بعد أبيه العسكري كما مرَّ بك. 
اضطراب الشيعة في تأويل حديث: (اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي)
وعلى ذكر قولـه: اسمه اسم النبي وكنيته كنيته، فقد وردت من طرق عدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المهدي قولـه: «يواطيء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي»([210]).
وهذه الأحاديث تعني ببساطة: أن المهدي الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم اسمه محمد بن عبدالله، أما مهدينا هذا فاسمه محمد بن الحسن، إذًا ماذا كان موقف القوم من هذا؟
منهم من قال: إنه سائغ وشائع في لسان العرب إطلاق لفظة الأب على الجد، أو أن لفظة الاسم تطلق على الكنية وعلى الصفة.
ومنهم من قال: إن المهدي من ولد أبي عبدالله وكانت كنية الحسين أبا عبدالله، فأطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الكنية لفظة الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه، وأطلق على الجد لفظة الأب، فكأنه u قال: يواطئ اسمه اسمي، فأنا محمد وهو محمد، وكنية جده اسم أبي إذ هو أبو عبدالله([211]).
ومنهم من قال: إن كنية الحسن العسكري أبو محمد، وعبدالله أبو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبو محمد، فتتوافق الكنيتان والكنية داخلة تحت الاسم([212]).
ومنهم من قال: لما كان المهدي يخرج بعد دهر طويل من ولادته، لا يمكنه في بدء دعوته أن يعرف نفسه ويحقق نسبه بأنه محمد بن الحسن بن علي لعدم الجدوى بذلك، ولأن أهل مكة -حيث يظهر- غير معترفين بغيبته دهرًا طويلًا ولا بإمامة آبائه، فهو إنما يعرف نفسه بأنه محمد بن عبدالله، يعني: أن اسمه الشريف محمد، وأن أباه عبد من عباد الله الصالحين([213]).
ومنهم من قال: إن كلمة [أبي] مصحفة، وإنما هي [ابني]([214]).
ومنهم من قال: إنما هي [نبي]([215]).
ومنهم من قال: إن كلمة [أبي] قد زيدت في هذه الأحاديث([216]).
نبقى مع القوم في مسألة النهي عن التسمية، ونقول: إن هذا النهي شمل كتابة اسمه أيضًا، فإذا أراد أحد ممن يرى هذا النهي كتابة اسمه نراه يكتبه على هذا النحو: (م ح م د) هكذا بحروف مقطعة، ولذا تجد هذه الطريقة في كتابة اسمه مألوفة وكثيرة في كتب القوم([217]).
 طريقة نشأته، مدة غيبته الصغرى، علة غيبته، تاريخ خروجه، مكان خروجه، عمره عند خروجه، مدة ملكه بعد خروجه
أما طريقة نشأته، فقد علمت من تواريخ ميلاده التي ذكرناها أنه بعد وفاة أبيه العسكري لم يكن قد تجاوز السنتين إلى الست سنوات من عمره، بحسب الاختلاف الذي أوردناه هناك في تاريخ ميلاده.
إذا: لابد للقوم من حل لهذا الإشكال، ولهذا وضعوا هذه الروايات:
عن حكيمة -التي مرَّت بك روايتها لمولد المهدي- قالت: «بعد أن كان أربعون يومًا دخلت عليه فإذا أنا بصبي متحرك يمشي بين يديه، فقلت: سيدي، هذا ابن سنتين؟ فتبسم ثم قال: إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشأ غيرهم، وإن الصبي منا إذا أتى عليه شهر كان كمن يأتي عليه سنة، وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمه ويقرأ القرآن ويعبد ربه عزوجل، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه كل صباح ومساء، فلم أزل أرى ذلك الصبي كل أربعين يومًا إلى أن رأيته رجلًا قبل مضي أبي محمد بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لأبي محمد: من هذا الذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال: ابن نرجس، وهو خليفتي من بعدي»([218]).
وفي رواية يبدو فيها أن واضعها قد استبطأ الطريقة السابقة، فروى عن العسكري أنه قال لحكيمة: «أما علمت أنا معشر الأوصياء ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في الجمعة، وننشأ في الجمعة ما ينشأ غيرنا في السنة»([219]).
وجاء آخر يبدو أنه في عجلة من أمره، فجعل أمر اليوم كسنة، فروى أن العسكري قال: «يا عمتي، أما علمتِ أنا معاشر الأئمة ننشأ في اليوم ما ينشأ غيرنا في السنة»([220]).
وهكذا حل الإشكال.
وكذلك الاختلاف حصل في مدة غيبته الصغرى بين (69) سنة و(74) سنة([221])، بين من جعل ابتداء ذلك من تاريخ مولده -وقد عرفت الاختلاف في ذلك- وبين من جعل ذلك من وفاة أبيه العسكري (260) للهجرة، وحصل بذلك عندك خمسة تواريخ لبدء غيبته.
أما علة الغيبة فإليك الاختلاف:
عن حنان بن سدير عن أبيه قال: عن أبي عبدالله قال: «إن للقائم منا غيبة يطول أمدها، فقلت له: ولم ذاك يا ابن رسول الله؟ قال: إن الله عزوجل أبى إلا أن يجري فيه سنن الأنبياء ‡ في غيباتهم، وإنه لابد له يا سدير من استيفاء مدد غيباتهم»([222]).
ومنهم من جعل علة الغيبة الخوف من القتل، فرووا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا بد للغلام من غيبة، فقيل له: ولم يا رسول الله؟ قال: يخاف القتل»([223]).
وعن زرارة قال: سمعت أبا جعفر يقول: «إن للغلام غيبة قبل ظهوره، قلت: ولم؟ قال: يخاف، وأومأ بيده إلى بطنه، قال زرارة: يعني القتل»([224]).
ومنهم من جعل علة الغيبة لئلا يكون في عنقه لأحدٍ بيعة إذا خرج، فعن إسحاق بن يعقوب قال: «إنه ورد عليه من الناحية المقدسة على يد محمد بن عثمان: وأما علة ما وقع من الغيبة فإن الله عزوجل يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) [المائدة:101] إنه لم يكن أحد من آبائي إلا وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه، وإني أخرج حين أخرج ولا بيعة لأحدٍ من الطواغيت في عنقي»([225]).

وعن أبي عبدالله قال: «صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على الخلق؛ لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج»([226]).
أقول: وفي هذه الروايات دليل على بيعة كل إمام لخليفة زمانه، وفي هذا إشكال لا يخفى على القارئ البصير.
ومنهم من جعل علة ذلك سُوءَ أعمال العباد وكراهية الله لجوار الأئمة لهم، كما في الرواية: «ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم»([227]).
وعن مروان الأنباري قال: خرج من أبي جعفر: «إن الله إذا كره لنا جوار قوم نزعنا من بين أظهرهم»([228]).
أقول: يبدو أن هذه الكراهية ما زالت قائمة، نسأل الله العافية.
ومنهم من لم ير كل ما ذكرناه، فأبهم العلة وجعلها خافية، فرووا أن مهديهم قال: «أغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج»([229]).
أما متى يخرج؟
فهذه هي الطامة الكبرى والبلية العظمى، فما زالت الشيعة تربى بالأماني إلى يومنا هذا، أما الاختلاف في ذلك فإليك بيانًا موجزًا عنه:
فعن محمد بن الفضيل، عن أبي جعفر قال: «ستبقون ستة من دهركم لا تعرفون إمامكم، قلت: وكم الستة جعلت فداك؟ قال: ستة أيام، أو ستة أشهر، أو ست سنين، أو ستون سنة»([230]).
ثم جاءت الروايات أكثر تحديدًا، فعن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله قال: «في القائم سنة من موسى بن عمران، فقلت: وما سنته من موسى بن عمران؟ قال: خفاء مولده وغيبته عن قومه، فقلت: وكم غاب موسى عن أهله وقومه؟ قال: ثمانيًا وعشرين سنة»([231]).
وعن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله قال: «إذا فقد الناس الإمام مكثوا سبتًا لا يدرون من أي، ثم يظهر الله عزوجل لهم صاحبهم»([232]).
وفي رواية: عن الباقر: «ثم يقيم سبتًا من دهركم لا تدرون أيًا من أي، فبينما أنتم كذلك إذ أطلع الله نجمكم فاحمدوه واقبلوه»([233]). والسبت ثلاثون سنة([234]).
وعن الأودي قال: إن المهدي سأله: «أتعرفني؟ فقلت: اللهم لا، قال: أنا المهدي، أنا قائم الزمان، أنا الذي أملؤها عدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، إن الأرض لا تخلو من حجة، ولا يبقى الناس في فترة أكثر من تيه بني إسرائيل، وقد ظهر أيام خروجي، فهذه أمانة في رقبتك فحدِّث بها إخوانك من أهل الحق»([235]).
أقول: مضى على هذه الرواية حوالي (14) قرنًا، وتيه بني إسرائيل كما في سورة المائدة: آية: (26) إنما كان أربعين سنة.
وعن الثمالي قال: قلت لأبي جعفر: «إن عليًا كان يقول: إلى السبعين بلاء، وكان يقول: بعد البلاء رخاء، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء؟
فقال أبو جعفر: يا ثابت، إن الله تعالى كان وقت هذا الأمر في السبعين، فلما قتل الحسين اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة سنة، فحدثناكم فأذعتم الحديث، وكشفتم قناع الستر فأخره الله»([236]).
أقول: سواء كان الأمر حسب التوقيت الأول (أي: أيام الحسين ا) أو الآخر (أي: أيام الصادق / ) فهما لا يستقيمان إذا علمنا أن المهدي هو ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر، فكيف يخرج من لم يولد بعد؟ وأين القول بالاثني عشر؟ ففي الرواية إسقاط ثمانية أئمة باعتبار التوقيت الأول، وخمسة باعتبار التوقيت الآخر، وهذا إشكال متروك حله إلى القوم، والغريب قول الصادق: «كان هذا الأمر فيَّ فأخره الله، ويفعل بعدُ في ذريتي ما يشاء»([237])!
وعن علي بن الحسين قال: «يقوم قائمنا لموافاة الناس سنة، قال: يقوم القائم بلا سفياني، إن أمر القائم حتم من الله، وأمر السفياني حتم من الله، ولا يكون قائم إلا بسفياني، قلت: جعلت فداك، فيكون في هذه السنة؟ قال: ما شاء الله، قلت: يكون في التي يليها؟ قال: يفعل الله ما يشاء»([238]).
وهذه الرواية كسابقتها، فيها مع افتراض التوقيت المذكور إسقاط بقية الأئمة، أما مسألة حتمية السفياني فهي موضع نظر عند القوم؛ لاحتمال البداء فيه، كما يروي القوم عن داود بن أبي القاسم قال: «كنا عند أبي جعفر محمد بن علي الرضا، فجرى ذكر السفياني وما جاء في الرواية أن أمره من المحتوم، فقلت لأبي جعفر: هل يبدو لله في المحتوم؟ قال: نعم»([239]).
وعن البزنطي قال: سمعت الرضا يقول: «يزعم ابن أبي حمزة أن جعفرًا زعم أن أبي القائم وما علم جعفر بما يحدث من أمر الله، فوالله لقد قال الله تبارك وتعالى يحكي لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) [الأحقاف:9] وكان أبو جعفر يقول: أربعة أحداث تكون قبل قيام القائم تدل على خروجه، منها أحداث قد مضى منها ثلاثة وبقي واحد.

قلنا: جعلنا فداك، وما مضى منها؟ قال: رجب خلع فيه صاحب خراسان، ورجب وثب فيه علي بن زبيدة، ورجب يخرج فيه محمد بن إبراهيم بالكوفة، قلنا له: فالرجب الرابع متصل به؟ قال: هكذا قال أبو جعفر»([240]).
قال المجلسي في بيان الحديث: «خلع صاحب خراسان كأنه إشارة إلى خلع الأمين المأمون عن الخلافة، وأمره بمحو اسمه عن الدراهم والخطب.
والثاني: إشارة إلى خلع محمد الأمين.
والثالث: إشارة إلى ظهور محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا بالكوفة لعشر خلون من جمادى الآخرة في قريب من مائتين من الهجرة، ويحتمل أن يكون المراد بقولـه: هكذا قال أبو جعفر، تصديق اتصال الرابع بالثالث، فيكون الرابع إشارة إلى دخوله خراسان؛ فإنه كان بعد خروج محمد بن إبراهيم بسنة تقريبًا، ولا يبعد أن يكون دخوله خراسان في رجب»([241]).
أقول: مضى على هذه الحوادث الأربعة التي تكون قبل قيام القائم وتدل على خروجه كما في الرواية اثنا عشر قرنًا.
وعن الباقر أنه سئل عن قول الله عزوجل: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ)[سورة المعارج]؟ فقال: «نار تخرج من المغرب، وملك يسوقها من خلفها حتى يأتي من جهة دار بني سعد بن همام عند مسجدهم، فلا تدع دارًا لبني أمية إلا أحرقتها وأهلها، ولا تدع دارًا فيها وتر لآل محمد إلا أحرقتها وذلك المهدي»([242]).

أقول: لعل بني أمية هؤلاء الذين جاءتهم النار من جهة دار بني سعد بن همام غير بني أمية الذين نعرف والذين ذهبت دولتهم، وكذا من جاء بعدهم من عباسيين وعثمانيين.
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: «أتيت أمير المؤمنين خاليًا، فقلت: يا أمير المؤمنين، متى القائم من ولدك؟ فتنفس الصعداء، وقال: إذا قتلت ملوك بني العباس، أولي العمى والالتباس، أصحاب الرمي عن الأقواس بوجوه كالتراس، وخربت البصرة، هناك يقوم القائم من ولدي الحسين»([243]).
أقول: انظر كم مضى على زوال الدولة العباسية ولم يخرج صاحبنا؟!
وقال يقطين لابنه علي: ما لنا قيل لنا فكان، وقيل لكم فلم يكن؟ فقال له علي: إن الذي قيل لكم ولنا من مخرج واحد، غير أن أمركم حضركم فأعطيتم محضة، وكان كما قيل لكم، وإن أمرنا لم يحضر فعللنا بالأماني، ولو قيل لنا: إن هذا الأمر لا يكون إلى مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة لقست القلوب، ولرجعت عامة الناس عن الإسلام؛ ولكن قالوا: ما أسرعه! وما أقربه! تألفًا لقلوب الناس، وتقريبًا للفرج»([244]).
ويقطين هذا كان من أتباع بني العباس، فقال لابنه علي الذي كان من خواص الكاظم: ما بالنا وعدنا دولة بني العباس على لسان الرسول والأئمة صلوات الله عليهم، فظهر ما قالوا، ووعدوا وأخبروا بظهور دولة أئمتكم فلم يحصل.
والرواية تتكلم عن قسوة القلوب والخوف من رجوع عامة الناس عن الإسلام لمئتي سنة أو ثلاثمائة سنة، لا أربعة عشر قرنًا، ولعل في الروايات الآتية بيانًا لكل ما مرَّ بك:
فعن أبي بصير قال: قلت له: «ألهذا الأمر أمد نريح إليه أبداننا وننتهي إليه؟
قال: بلى، ولكنكم أذعتم فزاد الله فيه»([245]).
ولكن يبدو أن الموعد الجديد الذي أخر إليه قد أخر هو الآخر أيضًا، فعن إسحاق بن عمار قال: «يا إسحاق، إن هذا الأمر قد أخر مرتين»([246]).
ولكن ماذا حصل للموعد الجديد، فقد مرَّت بك الرواية في قول الباقر: بأن الله تعالى قد وقَّت هذا الأمر في السبعين، فلما قتل الحسين اشتد غضب الله على أهل الأرض فأخره إلى أربعين ومائة سنة، فحدثناكم فأذعتم الحديث وكشفتم قناع الستر فأخره الله.
ثم حسمت المسألة بتكذيب التوقيت مطلقًا، فعن الفضيل قال: سألت أبا جعفر: «هل لهذا الأمر وقت؟ فقال: كذب الوقاتون، كذب الوقاتون، كذب الوقاتون».
وعن منذر الجوار، عن أبي عبدالله قال: «كذب الموقتون، ما وقتنا فيما مضى، ولا نوقت فيما يستقبل».
وعن مهزم الأسدي قال: سألت أبا عبدالله: «أخبرني -جعلت فداك- متى يكون هذا الأمر الذي تنتظرونه فقد طال؟ فقال: يا مهزم، كذب الوقاتون، وهلك المستعجلون».
وعن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله قال: «من وقت لك من الناس شيئًا فلا تهابن أن تكذبه؛ فلسنا نوقت لأحدٍ وقتًا».
وعن أبي عبدالله قال: «كذب الوقاتون، إنا أهل بيت لا نوقت، ثم قال: أبى الله إلا أن يخالف وقت الموقتين».
وعلى أي حال، فالروايات في الباب كثيرة، ولكن من الذي وقت لنا؟
ونختم حديثنا عن الاختلاف في تاريخ خروجه بهذه الروايات، ففيها فرج ورفع حرج لحيرة المنتظرين:
فعن محمد بن مسلم وأبي بصير قالا: سمعنا أبا عبدالله يقول: «لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس، فقلنا: إذا ذهب ثلثا الناس فمن يبقى؟ فقال: أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي»([247]).
وعن جابر الجعفي قال: قلت لأبي جعفر: «متى يكون فرجكم؟ فقال: هيهات هيهات! لا يكون فرجنا حتى تغربلوا، ثم تغربلوا، ثم تغربلوا -يقولها ثلاثًا- حتى يذهب الكدر، ويبقى الصفو»([248]).
وعن إبراهيم بن هليل قال: قلت لأبي الحسن: «جعلت فداك، مات أبي على هذا الأمر وقد بلغت من السنين ما قد ترى، أموت ولا تخبرني بشيء؟ فقال: يا أبا إسحاق، أنت تعجل، فقلت: إي والله أعجل، وما لي لا أعجل وقد بلغت من السن ما ترى؟ فقال: أما والله يا أبا إسحاق ما يكون ذلك حتى تميزوا وتمحصوا، وحتى لا يبقى منكم إلا الأقل، ثم صعَّر كفه»([249]).
فتأمل في عدد سكان العالم الآن، وانظر كيف يذهب أكثر من [66%] ولعل في ذلك دلالة على نشوب حرب عالمية أخرى تأتي على الأخضر واليابس، ويفنى فيها أكثر الناس حتى يعود من بقي منهم إلى ما كان عليه الناس من عصر السيوف والنبال.
ويؤيد ما ذهبنا إليه من أن صاحبنا سيخرج بالسيف، كما في روايات القوم، ومنها: عن الصادق قال: «لا يظهر إلا بالسيف»([250]).
وعن أبي جعفر الثاني قال: «وله سيف مغمد، فإذا حان وقت خروجه اقتلع ذلك السيف من غمده وأنطقه الله عزوجل، فناداه السيف: اخرج يا ولي الله، فلا يحل لك أن تقعد عن أعداء الله»([251]).. وحددت بعض الروايات سيفه بأنه سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([252])، وفي بعضها بأنه ذو الفقار([253]).
عاد بنا الحديث إلى الاختلاف في شئونه، ومنها: في أي يوم سيكون خروجه وأين؟ عن الصادق قال: «يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت، وما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج؛ لأنه من أيامنا حفظته الفرس وضيعتموه »([254]).
لا يفوتك أن تتدبر في مسألة انتظار الإمام السادس للثاني عشر في حياته، كما لا يفوتك مغزى الولاء لهذه الأعياد.
وفي قول: يوم عاشوراء يوم السبت([255]).
وفي آخر: يوم الجمعة([256]).
أما أين؟
ففي رواية: من قرية في اليمن تسمى كرعة([257]). وفي أخرى: مكة([258]).
وكذلك الاختلاف في عمره عند خروجه، ففي بعض الروايات أنه ابن ثلاثين سنة.
وفي أخرى: اثنتين وثلاثين سنة. وفي أخرى: ابن أربعين سنة. وأخرى: ابن ثمانين سنة. وأخرى: إن ذلك إلى الله عزوجل.
وكذا اختلف القوم في كم يملك عند خروجه، بين (7) سنوات، و(19) سنة، و(19) سنة وأشهر، و(40) سنة، و(70) سنة، و(120) سنة، و(309) سنوات([259]).
 
تكذيبه لمن سيدعي مشاهدته في غيبته الكبرى
وقد اورد القول في ذلك روايات، منها عن المهدي نفسه حيث قال في التوقيع الذي خرج إلى السمري: «يا علي بن محمد السمري، اسمع أعظم الله أجر إخوانك فيك، فأنت ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك ولا توص إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورًا، وسيأتي من شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»([260]).
فما رأي القوم أن نقول لهؤلاء الذين ادعوا مشاهدته والفوز بلقائه ممن مضى وممن سيأتي، كما ملأ القوم كتبهم بقصصهم بأنهم كذابون ومفترون بضمانة هذه الرواية.
وعن الصادق قال: «يفقد الناس إمامهم فيشهدهم الموسم فيراهم ولا يرونه»([261]
وفي رواية: «إن للقائم غيبتين: يرجع في إحداهما والأخرى لا يدرى أين هو؟ يشهد المواسم، يرى الناس ولا يرونه»([262]). وفي رواية: «إن صاحب هذا الأمر يحضر الموسم كل سنة، فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه»([263]).
الكلام في اللطف
تقودنا هذه الروايات الصريحة بافتتان الخلق بغيبته، والصريحة باستحالة رؤيته، والمكذبة لمدعي رؤيته أو الفوز بلقائه إلى مسألة اللطف.
وقد مرَّ بك تعريف موجز عن مفهوم اللطف في أول الكتاب، حيث ذكرنا هناك أن الشيعة يعتقدون أن الإمامة كالنبوة لطف من الله تعالى.
وهكذا نجد أن القوم قد عادوا بنا إلى أصل الدعوى، وأصل الخلاف بإسقاط القول باللطف ووجوب العصمة، إقرارًا منهم بعدم جدوى الحلول المتمثلة عند القوم بوجوب النص من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم على نصب الإمام بالتأويلات التي ذكرناها، إذ إن ذلك اللطف انتهى بوفاة العسكري، حيث عدنا إلى إلزامهم بالقول بالاضطرار إلى الحجة تمامًا كحال المسلمين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك بإسقاط أحد الأمرين للآخر.
ومعنى ذلك أن وجوب اللطف من الله، والمتمثل في نصب إمام بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قائم تمامًا بذات الأسباب بعد العسكري، وقد عرفت الحال بعده إلى يومنا هذا.
واقرأ معي هذه الروايات أيضًا: عن المغيرة قال: قلت لأبي عبدالله: «يكون فترة لا يعرف المسلمون إمامهم فيها؟ قال: يقال ذلك، قلت: فكيف نصنع؟ قال: إذا كان ذلك فتمسكوا بالأمر الأول حتى يتبين لكم الآخر».
وفي رواية: «إذا أصبحت وأمسيت يومًا لا ترى فيه إمامًا من آل محمد، فأحب من كنت تحب، وأبغض من كنت تبغض، ووال من كنت توالي، وانتظر الفرج صباحًا ومساءً».
فالدلالة واضحة في هذه الروايات وأمثالها بانتفاء استمرارية اللطف الذي ألزمنا القوم به.
وكذلك لا تغتر بالقائل بالتمسك بأقوال الأئمة الماضين، فإن ذلك إن كان حاصلًا فكذلك في شأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسنته سواء بسواء.
وفيه فساد القول بالعصمة؛ لاحتمال تطرق الخطأ والزلل والنسيان والسهو من الناقلين لعلم الأئمة دون الإمام المعصوم عند القوم، وهذا ظاهر في اختلاف المراجع في العصر الواحد.
وعن الصادق قال: «يأتي على الناس زمان يصيبهم فيها سبطة، يأرز العلم فيها كما تأرز الحية في حجرها، فبينا هم كذلك إذ طلع عليهم نجم، قلت: فما السبطة؟ قال: الفترة، قلت: فكيف نصنع فيما بين ذلك؟ قال: كونوا على ما أنتم عليه، حتى يطلع الله عليكم نجمكم».
وعنه أيضًا قال: «ستصيبكم شبهة فتبقون بلا علم يرى ولا إمام هدى»([264]).
فهذه الروايات -وهي غيض من فيض- واضحة الدلالة على فساد التأويلات التي خلصت إلى القول بوجوب اللطف، والتي أدت إلى وجوب القول بإمامة علي بن أبي طالب والأئمة من بعده وكفر من خالف ذلك، وقد رأيت انقطاع هذا اللطف بعد سنة (260) للهجرة، كما هو الحال الآن، فكيف ألزمونا بوجوب الأول دون الآخر، وإذا قالوا بالآخر فكيف ألزمونا بالأول، وهذا لا يخفى على من تدبر.
سيرته عند خروجه
يروي القوم عن المفضل، عن الصادق في قصة طويلة فيها أحوال المهدي عند خروجه، قال: «ثم يسير إلى مدينة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا وردها كان فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين وخزي الكافرين، قال المفضل: يا سيدي، ما هو ذاك؟ قال: يرد إلى قبر جدي صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول: يا معاشر الخلائق، هذا قبر جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد، فيقول: ومن معه في القبر؟ فيقولون: صاحباه وضجيعاه صلى الله عليه وآله وسلم، فيقول:وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعسى المدفون غيرهما؟ فيقول الناس: يا مهدي آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ما ههنا غيرهما، إنهما دفنا معه لأنهما خليفتا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبوا زوجتيه، فيقول للخلق بعد ثلاث: أخرجوهما من قبريهما، فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما ولم يشحب لونهما، فيقول: هل فيكم من يعرفهما؟ فيقولون: نعرفهما بالصفة وليس ضجيعا جدك غيرهما، فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما؟ فيقولون: لا، فيؤخر إخراجهما ثلاثة أيام، ثم ينشر الخبر في الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القبرين، ويقول للنقباء: ابحثوا عنهما وانبشوهما، فيبحثون بأيديهم حتى يصلون إليهما، فيخرجان غضين طريين كصورتهما، فيكشف عنهما أكفانهما، ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها، فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها، فيقول المرتابون من أهل ولايتهما: هذا -والله- الشرف حقًا، ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما، ويخبر من أخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبتهما وولايتهما، فيحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما، وينادي منادي المهدي: كل من أحب صاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وضجيعيه، فلينفرد جانبًا، فيتجزأ الخلق جزأين: أحدهما: موالٍ، والآخر: متبرئ منهما، فيعرض المهدي على أوليائهما البراءة منهما، فيقولون: يا مهدي آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، نحن لم نتبرأ منهما، ولسنا نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة، وهذا الذي بدا لنا من فضلهما، أنتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت من نضارتهما وغضاضتهما وحياة الشجرة بهما؟ بل والله نتبرأ منك وممن آمن بك ومن لا يؤمن بهما، ومن صلبهما، وأخرجهما، وفعل بهما ما فعل، فيأمر المهدي ريحًا سوداء، فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخلٍ خاوية، ثم يأمر بإنزالهما، فينزلان إليه فيحييهما بإذن الله تعالى، ويأمر الخلائق بالاجتماع، ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم ×، وجمع النار لإبراهيم ×، وطرح يوسف × في الجب، وحبس يونس × في الحوت، وقتل يحيى ×، وصلب عيسى ×، وعذاب جرجيس ودانيال إ، وضرب سلمان الفارسي، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين لإحراقهم بها، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسوط، ورفس بطنها وإسقاطها محسنًا، وسم الحسن، وقتل الحسين، وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره، وسبي ذراري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإراقة دماء آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكل دم سفك، وكل فرج نكح حرامًا، وكل رين وخبث وفاحشة وإثم وظلم وجور وغشم منذ عهد آدم × إلى وقت قيام قائمنا، كل ذلك يعدده عليهما، ويلزمهما إياه، فيعترفان به، ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر، ثم يصلبهما على الشجرة، ويأمر نارًا تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة، ثم يأمر ريحًا فتنسفهما في اليم نسفًا، قال المفضل: يا سيدي، ذلك آخر عذابهما؟ قال: هيهات يا مفضل، والله ليردن وليحضرن السيد الأكبر محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والصديق الأكبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة، وكل من محَّض الإيمان محضًا، أو محض الكفر محضًا، وليقتصن منهما جميعًا، حتى إنهما ليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة ويردان إلى ما شاء ربهما»([265]).
ولعلَّ عمله الثاني هو ما سيفعله بعائشة أم المؤمنين ل.
فعن عبدالرحيم القصير، عن أبي جعفر قال: «أما لو قام قائمنا لقد ردت إليه الحميراء حتى يجلدها الحد، وحتى ينتقم لابنة محمد فاطمة منها، قلت: جعلت فداك، ولم يجلدها الحد؟ قال: لفريتها على أم إبراهيم u، قلت: فكيف أخره الله للقائم؟ فقال له: إن الله تبارك وتعالى بعث محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رحمة، وبعث القائم نقمة»([266]).
وحيث إن صاحبنا سيكون نقمة، لذا فليس من المستبعد أن يضع القوم ما يناسب نقمته وينسون اللطف والعدل، أو إن شئت الدقة فقل: نقمة القوم.
عن الصادق قال: «إذا قام القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم، ثم أقام خمسمائة فضرب أعناقهم، ثم خمسمائة أخرى، حتى يفعل ذلك ست مرات، قيل: ويبلغ عدد هؤلاء هذا؟ قال: نعم منهم ومن مواليهم»([267]).
وفي رواية: تقول قريش: «اخرجوا بنا إلى هذا الطاغية، فوالله أن لو كان محمديًا ما فعل، ولو كان علويًا ما فعل، ولو كان فاطميًا ما فعل»([268]).
وهذا مصداق لروايتهم عن الصادق: «إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف، وما يأخذ منها إلا السيف»([269]).
وللقوم في تفسير مثل هذه الروايات قول طريف يسمى بالرجعة، وهو أن الله تعالى يعيد قومًا من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعز فريقًا ويذل فريقًا آخر، وذلك عند قيام المهدي([270]).
ولكن قبل أن أنهي حديثي عن المهدي، أورد هنا بعض روايات القوم المتصلة بموضوعه، وهي روايات أجزم بأن أكثر قراء هذا الكتاب لم يسمع بها من قبل ولم يقف عليها.
عن أبي بصير قال: قلت للصادق: «يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سمعت من أبيك أنه قال: يكون بعد القائم اثنا عشر مهديًا، فقال: إنما قال: اثني عشر مهديًا ولم يقل: اثني عشر إمامًا، ولكنهم قوم من شيعتنا، يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا»([271]).
وفي رواية: «إن منا بعد القائم اثني عشر مهديًا من ولد الحسين»([272]).
وعن أمير المؤمنين رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا علي، إنه سيكون بعدي اثنا عشر إمامًا، ومن بعدهم اثنا عشر مهديًا، فأنت يا علي أول الاثني عشر الإمام»([273]).
وعن الباقر: «والله ليملكن رجل منا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاثمائة سنة، ويزداد تسعة، قال: قلت: فمتى ذلك؟ قال: بعد موت القائم»([274]).
وقد اضطرب القوم في رد هذا الإشكال أو المأزق إن شئت أن تسميه، وأوردوا في ذلك وجوهًا لا تستحق الذكر([275]).
والغريب أن مهدينا لن يمضي إلا قبل القيامة بأربعين يومًا([276]).
وكل ما مرَّ بك من روايات الاثني عشر الذين يكونون بعد القائم، والرجل من أهل البيت الذي سيحكم ثلاثمائة سنة ويزداد تسعًا، يجب أن يكون في هذه الأربعين يومًا المتبقية من عمر الدنيا!
والأغرب أن هذا المضي قبل القيامة بأربعين يومًا يخالف ما أورده القوم من عدم خلو الأرض من حجة، كقولـهم عن الصادق: «ما تبقى الأرض يومًا واحدًا بغير إمام منا تفزع إليه الأمة»([277]).
بل ولا ساعة؛ لقولـهم عن الباقر: «لو أن الإمام رفع من الأرض ساعة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله»([278]).
ورووا أن الصادق سئل: «تبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام ساعة لساخت»([279]).
وعن الصادق قال: «لو كان الناس رجلين لكان أحدهما الإمام، وإن آخر من يموت الإمام؛ لئلا يحتج أحدهم على الله عزوجل أنه تركه بغير حجة»([280]).
بل ويبدو أن ذلك كان مثار خلاف بين الأئمة، ففي رواية محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الرضا، قال: قلت له: «أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لا، قال: قلت: فإنا نروي عن أبي عبدالله أنها لا تبقى بغير إمام إلا أن يسخط الله على أهل الأرض أو على العباد، قال: لا، لا تبقى، إذًا لساخت».
ولا يسعف القوم القول بأن روايات الاثني عشر الذين يكونون بعد القائم وكذا الرجل من أهل البيت الذي يحكم ثلاثمائة سنة ويزداد تسعًا، إنما يكون في هذه الأربعين يومًا، ففساد هذا القول بيِّن، وذلك أن روايات عدم خلو الأرض إنما هي من إمامٍ وليس من مهدي، ولعل في قول الصادق كما في رواية أبي بصير الأولى، حيث قال: «إنما قال اثني عشر مهديًا، ولم يقل: اثني عشر إمامًا»، أو رواية الرضا: «إن الأرض لا تخلو من أن يكون فيها إمام منا»([281]) وغيرها.. دليل على هذا التفريق، هذا وناهيك عن كون المدة المتبقية من عمر الدنيا وهي أربعون يومًا لا تستوعب كل هؤلاء، فضلًا عن الرجل من أهل البيت الذي سيحكم ثلاثمائة سنة ويزداد تسعًا.
فتبين لك -أيها القارئ العزيز- أن هؤلاء الأئمة من آل البيت رحمهم الله ورضي عنهم، كُذب عليهم ونُسب إليهم من الكذب ما لا يعلمه إلا الله، وهم ولا شك أناس صالحون لكن قوّلوا ما لم يقولوا، وافتري عليهم الكثير والكثير، وعند الله يجتمع الخصوم.
هذا وإن الدين باقٍ إلى قيام الساعة بنقل العلماء الصالحين له، فالله قد أمر بسؤال أهل الذكر والعلم، وأمر بأن ينفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون، دون أن يخصها بأناس دون أناس.
وفي البابين التاليين يتضح لك حقيقة الأمر، وهل نص على الأئمة الاثني عشر في القرآن والسنة أم لا؟
 والنتيجة التي خرجنا منها في هذا الباب مؤداها: أن الذي وضع عقيدة الإمامة، وأوجب النص على الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحدد أساميهم، ونسب كل هذا إلى الله عزوجل وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الأئمة ‡ وهم منها براء.
أقول: إن هذا الذي وضع هذه العقائد لم تستقم له الأمور في إثبات: متى كان النص على فرضه، ولا بد؛ فالباطل يحطم بعضه بعضًا، حيث رأينا كيف أن آلاف الراويات التي وضعها كل فريق من فرق الشيعة تتعارض مع مسيرة التاريخ، وبعد موت كل إمام، وكيف أن عظماء أصحاب الأئمة اختلفوا في تحديد الإمام اللاحق مما أدى إلى افتراقهم وتشتتهم.
ومن غرائب الأمور: أن الإمامية قد وضعوا كل تلك الروايات التي تذكر تسلسل الأئمة بأسمائهم بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى المهدي، ومع ذلك يأتي كبير مراجعهم في هذا العصر وينفي وجود نص على تسمية هؤلاء الأئمة، حيث يقول الخوئي: (الروايات المتواترة الواصلة إلينا من طريق العامة والخاصة قد حددت الأئمة ‡ باثني عشر من ناحية العدد ولم تحددهم بأسمائهم ‡ واحدًا بعد واحد، حتى لا يمكن فرض الشك في الإمام اللاحق بعد رحلة الإمام السابق، بل قد تقتضي المصلحة في ذلك الزمان اختفاءه والتستر عليه لدى الناس؛ بل لدى أصحابهم ‡ إلا أصحاب السر لهم، وقد اتفقت هذه القضية في غير هذا المورد والله العالم)([282]).
 فهل الخوئي -وهو من هو في علم الحديث عند الشيعة، وصاحب أكبر موسوعة في علم الرجال عندهم- لم يقف على شيء مما أوردناه في مقدمة الباب؟
وصدق الله القائل: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)


[سورة النساء]

الإمامة والقرآن

في القرآن الكريم مئات المواضع التي تتحدث عن التقوى والأخلاق الفاضلة وترغب فيهما وتحث عليهما؛ كالصبر والتوبة والاستغفار والإحسان والعفو والصفح والصدق وأداء الأمانة والحياء وغض البصر والشكر وغيرها.
وإذا القرآن الكريم قد أورد كل هذه الآيات في فضائل الأعمال، فالأَولى أن يورد مئات الآيات في أركان الإسلام، وهذا حاصل تمامًا، فقد أورد القرآن الكريم مئات الآيات الكريمة في الصلاة والزكاة، وعشرات الآيات في الصوم والحج، كما أورد مثلها في الإيمان بالملائكة، والكتب السماوية، والرسل، واليوم الآخر، والقضاء والقدر.
ولا شك أن القارئ قد أدرك ما رمينا إليه من هذه التوطئة، فالإمامة التي عرفت منزلتها عند القوم والتي هي من أعظم أركان الدين عندهم لا بد أن ينزل فيها من الآيات أضعاف ما نزل في الأركان الأخرى، فضلًا عن فروع الدين وفضائل الأعمال، فإننا -مثلًا- نجد ذكر كثير من الأنبياء ‡ مع تفاصيل دعوتهم؛ بالرغم من أن الله عزوجل قد أخذ المواثيق عليهم عند بعثتهم بالإمامة كما يزعم الشيعة، فضلًا عن أن الأئمة أفضل من الأنبياء ‡ عند القوم، حتى صنفوا وكذلك صنفوا في ذلك تصانيف مستقلة:
كتفضيل الأئمة على الأنبياء، لهاشم البحراني.
وتفضيل الأئمة على غير جدهم من الأنبياء، للمولى كاظم الهزاز.
وتفضيل أمير المؤمنين على من عدا خاتم النبيين، للمجلسي. والاسم ذاته للسيد دلدار اللكهنوي.
وتفضيل علي على أولي العزم من الرسل، لهاشم البحراني أيضًا، وغيرها([283]).
وقال الصدوق في اعتقاداته: «يجب أن يُعتقد أن الله عزوجل لم يخلق خلقًا أفضل من محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة، وأنهم أحب الخلق إلى الله عزوجل وأكرمهم، وأولهم إقرارًا به لما أخذ الله ميثاق النبيين في الذر، وأن الله تعالى أعطى كل نبي على قدر معرفته نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وسبقه إلى الإقرار به، ويُعتقد أن الله تعالى خلق جميع ما خلق له ولأهل بيته، وأنه لولاهم ما خلق السماء ولا الأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة ولا شيئًا مما خلق»([284]).
وأكد المجلسي قول الصدوق وأيده، وقال: «اعلم أن ما ذكره / من فضل نبينا وأئمتنا صلوات الله عليهم على جميع المخلوقات، وكون أئمتنا أفضل من سائر الأنبياء، هو الذي لا يرتاب فيه من تتبع أخبارهم على وجه الإذعان واليقين، والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى، وإنما أوردنا في هذا الباب قليلًا منها([285])، وهي متفرقة في الأبواب لاسيما باب: صفات الأنبياء وأوصافهم، وباب: أنهم كلمة الله، وباب: بدو أنوارهم، وباب: أنهم أعلم من الأنبياء، وأبواب فضائل أمير المؤمنين وفاطمة صلوات الله عليهم، وعليه عمدة الإمامية، ولا يأبى ذلك إلا جاهل بالأخبار»([286]).
وقال المفيد: «قد قطع قوم من أهل الإمامة بفضل الأئمة من آل محمد على سائر من تقدم من الرسل والأنبياء سوى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم »([287]).
ونحن نجد في القرآن ذكر هؤلاء الأنبياء في مئات المواضع، ولكن لم نقف على موضع واحد فيه ذكر لعلي رضي الله عنه الذي هو أفضل منهم بزعمهم كما عرفت. وقد قال الصادق: «ما ترك الله شيئًا تحتاج إليه العباد حتى لا يستطيع عبد أن يقول: لو كان هذا أنزل في القرآن إلا وقد أنزله الله فيه»([288]).
فأمام هذه الحقيقة الخطيرة المتمثلة في خلو القرآن الكريم عن آحاد الآيات المؤيدة لعقيدة القوم في الإمامة، والتي تؤكدها صراحة بعض الروايات، كرواية أبي بصير الذي سأل الصادق: «إن الناس يقولون: لِمَ لم يسم علي وأهل بيته في كتاب الله عزوجل ؟ فقال: قولوا لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسم الله لهم ثلاثًا ولا أربعًا، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسر ذلك، ونزلت عليه الزكاة ولم يسم لهم من كل أربعين درهمًا درهم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسَّر ذلك لهم، ونزل الحج...» إلى آخر الرواية، حيث ذكر فيها بيان إمامة علي بالسنة لا بالقرآن([289]).
فأمام هذه الحقيقة لجأ الشيعة إلى وسائل ثلاث لحل هذا الإشكال، وقد عبرت عنها بالاتجاهات.
 الاتجاه الأول: أَوّلَ معظمَ آيات القرآن الكريم، وجعلها لا تخلو من كون نزولها في أهل البيت سواء في بيان منزلتهم أو ولايتهم.. أو ما شابه ذلك، بحيث تتعلق بهم على نحوٍ ما، أو في ذم أعدائهم من الصحابة رضوان الله عليهم، أو المخالفين للمذهب بزعمهم.. وهكذا.
وأصحاب هذا الاتجاه اجتهدوا في لَيِّ أعناق معظم آيات القرآن وتأويلها بحيث لا تخرج عن غرضهم، وأيسر السبل التي انتهجها هؤلاء في بيان ذلك هو وضع الأحاديث على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة، بدءًا ببسملة سورة الفاتحة، وانتهاءً بالمعوذتين. وقد أعرضنا عن ذكر أمثلة على هذا الاتجاه، لسهولة الوقوف عليها في أكثر التفاسير الشيعية المطبوعة والتي لا تخلو منها، وبالأخص تلك التي جعلت حكرًا على الآيات التي تمثل هذا الاتجاه، كتأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، وهو مطبوع في مجلدين، وحوالي تسعمائة صفحة من الحجم المتوسط، وغيره.
أما الاتجاه الثاني: فهو اتجاه خطير في العقيدة يؤدي بصاحبه إلى الكفر والخروج من الملة، والذي اضطر أصحابه إلى الأخذ به والقول به هو قناعتُهم التامة بخلو القرآن الكريم من الحجج والبراهين التي تؤيد عقيدتهم في الإمامة وتعارضه مع كثير من العقائد الأخرى المنبثقة عن القول بالإمامة.
وأصحابنا هؤلاء لم يقنعوا بالاتجاه الأول لفساده البين فجاءوا بأفسد منه، ولا شك أن اضطرارهم إلى هذا من أبين الدلائل وأظهرها على فساد القول بالإمامة والنص.
ويتمثل هذا الاتجاه بالقول بتحريف القرآن.
ويبدأ أصحابنا هؤلاء بالتوطئة القائلة بأن القرآن الموجود بين الدفتين ليس هو القرآن الذي أنزله الله عزوجل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فهذا القرآن الموجود بين أيدينا قد حذفت منه آيات كثيرة، بل وسور فيها ذكر الإمامة وآل محمد واسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكذلك فضائح المهاجرين والأنصار وغيرهم، مما سيتبين لك قريبًا، وأن القرآن كما أنزل إنما جمعه أمير المؤمنين علي، ثم توارثه الأئمة، وهو عند المهدي الآن وسيظهره عند خروجه.
وأيدوا قولهم هذا بروايات وضعوها على لسان الأئمة، كقول الباقر: «ما من أحدٍ من الناس يقول: إنه جمع القرآن كله كما أنزل الله إلا كذاب، وما جمعه وما حفظه كما أنزل الله إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده».
وفي رواية: «ما أحد من هذه الأمة جمع القرآن إلا وصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم »([290]).
ووضعوا روايات في قصة هذا الجمع المزعوم.
منها: «لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع علي القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم، فوثب عمر، وقال: يا علي، اردده فلا حاجة لنا فيه، فأخذه وانصرف... فلما استخلف عمر، سأل عليًا أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم، فقال: يا أبا الحسن، إن جئت بالقرآن الذي كنت قد جئت به إلى أبي بكر حتى نجتمع عليه، فقال: هيهات ليس إلى ذلك سبيل، إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم، ولا تقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: ما جئتنا به، إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، قال عمر: فهل لإظهاره وقت معلوم؟ فقال: نعم، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري السنة به صلوات الله عليه»([291]).
وفي حكايات القائم والقرآن المزعوم ذكروا «إن المهدي عند ظهوره يتلو القرآن، فيقول المسلمون: هذا والله القرآن حقًا الذي أنزله الله على محمد، وما أسقط وبدل وحرِّف، لعن الله من أسقطه وبدَّله وحرَّفه»([292]). وفي أخرى: عن علي × قال: «كأني بالعجم في فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلمون الناس القرآن كما أنزل، قلت -أي: الراوي-: يا أمير المؤمنين، أو ليس هو هذا كما أنزل؟ فقال: لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلا للإزراء على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنه عمه»([293]). وغيرهما كثير.
وأكدوا من حيث لا يشعرون بخلو القرآن الكريم من ذكر الإمامة، حيث رووا عن الصادق أنه قال: «إن في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فألقيت»([294]). وقوله: «لو قرىء القرآن كما أنزل لألفيتنا فيه مسمَّين»([295]).
وعن الباقر أنه سئل: «ليس في القرآن بنو هاشم؟ فقال: محيت والله فيما محي، ولقد قال عمرو ابن العاص على منبر مصر: محي من القرآن ألف حرف بألف درهم، وأعطيت مائتي ألف درهم على أن يمحى (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) [الكوثر:3] فقالوا: لا يجوز ذلك، فكيف جاز ذلك لهم ولم يجز لي؟»([296]).

وعنه قال: «سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم يا ابن سنان -أي: الراوي- إن سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة؛ لكن نقصوها وحرَّفوها»([297]).
وزعموا أن ربع هذا القرآن المزعوم قد اشتمل على ذكر الإمامة والأئمة، وآخر على أعدائهم، فعن الباقر: «نزل القرآن أرباعًا: ربعًا فيه عدونا، وربعًا فينا، وربعًا فيه سنن وأمثال، وربعًا فيه فرائض وأحكام»([298]).
ويقتضي هذا القول أن يكون أكثر من ألف وستمائة آية قد تناولت مسألة الإمامة والأئمة، ومثلها في أعدائهم، هذا باعتبار عدد آيات القرآن الموجود بين أيدينا الآن.
وأيدوا رأيهم بروايات نسبوها إلى الأئمة، كقول الصادق: «إن القرآن الذي جاء به جبرئيل إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم سبعة عشر ألف آية». وفي رواية: «ثمانية عشر ألف آية»([299]). ورواية الزنديق الطويلة مع علي × الذي قال فيها فيما قال «من إسقاط المنافقين من القرآن أكثر من ثلث القرآن»([300]).
وهذا بيّن في اختفاء أكثر من عشرة آلاف آية من القرآن الكريم الموجود بين أيدينا الآن.

نماذج من الآيات التـي ادعوا حذف ما يتعلق بآل البيت وبالإمامة منها
وعلى أي حال، لابد من ذكر نماذج من هذا الاتجاه، ففيها صلة بموضوع كتابنا هذا، فمن الآيات التي ادعى القوم حذف كلمة بني هاشم منها: ما روي عن الصادق: «ولو نشاء لجعلنا من بني هاشم ملائكة في الأرض يخلفون، قال الراوي: ليس في القرآن بني هاشم؟ فقال أبو عبدالله: محيت والله فيما محي»([301]).
ومن الآيات التي ادعى القوم حذف كلمة آل محمد منها: قول الأمير u في رواية الزنديق الطويلة: «وكذلك قولـه: سلام على يس؛ لأن الله سمى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال: يس والقرآن الحكيم، إنك لمن المرسلين؛ لعلمه بأنهم يسقطون قول الله: سلام على آل محمد، كما أسقطوا غيره»([302]).
وعن الصادق أنه قرأ: «إن الله اصطفى آدم ونوحًا وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمد على العالمين، قال: هكذا نزلت».
وفي رواية: «فأسقطوا آل محمد من الكتاب». وفي أخرى: «فمحوها وتركوا آل إبراهيم وآل عمران». وفي أخرى: «فوضعوا اسمًا مكان اسم». وفي أخرى: «حرفًا مكان حرف»([303]).
وعن أمير المؤمنين u في قولـه تعالى: «ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون لآل محمد، فحذفوا آل محمد»([304]).
والأمثلة في ذلك كثيرة، تجدها في الأصل.
ومن الآيات التي ادعى القوم حذف ما يتعلق بالإمامة والأئمة منها: قول الباقر: «في قراءة علي u وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم: فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون الوصية لرسول الله، والإمام بعده»([305]).
وفي رواية: عن الكاظم أنه قال لبعض أصحابه: «كيف تقرأ هذه الآية: يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم ماذا؟ قال: مسلمون، فقال: سبحان الله! يوقع عليهم الإيمان فيسميهم مؤمنين ثم يسألهم الإسلام، والإيمان فوق الإسلام، قال: هكذا يُقرأ في قراءة زيد، قال: إنما هي في قراءة علي صلوات الله عليه وهو التنزيل الذي نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم: إلا وأنتم مسلمون لرسول الله ثم الإمام من بعده»([306]).
وعن الصادق: «ولتكن منكم أئمة»([307]).
وعن ابن سنان قال: قرأت عند أبي عبدالله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:110]. فقال: «خير أمة تقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين ابْنَيْ علي؟. قال: فقلت: جعلت فداك، كيف نزلت؟ قال: نزلت: كنتم خير أئمة أخرجت للناس، ألا ترى مدح الله لهم: تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»([308]).

وعن الباقر: «لو أن الجهال من هذه الأمة يعرفون متى سمي أمير المؤمنين لم ينكروا، إن الله تبارك وتعالى حين أخذ ميثاق ذرية آدم، وذلك فيما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه، فنزل به جبرئيل كما قرأناه يا جابر -راوي الحديث- ألم تسمع الله يقول: وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وأن محمدًا رسولي، وأن عليًا أمير المؤمنين». وفي رواية: «هكذا نزل به جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ». وفي أخرى: «هكذا أنزل الله في كتابه»([309]).
وعن الصادق أن رجلًا قرأ عنده: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:105]، فقال: «ليس هكذا هي، إنما هي والمأمونون، ونحن المأمونون»([310]).

وعنه أنه قرأ: «أن تكون أئمة هي أزكى من أئمتكم». وفي رواية: قال الراوي: «جعلت فداك، أئمة؟ قال: إي والله أئمة، قلت: فإنا نقرأ أربى، فقال: وما أربى، وأومأ بيده فطرحها»([311]).
وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [سورة الفرقان]، قال: «لقد سألت ربك عظيمًا، إنما هي: واجعل لنا من المتقين إمامًا». وفي رواية: «قد سألوا عظيمًا أن يجعلهم للمتقين أئمة، فقيل له: كيف هذا يا ابن رسول الله؟ قال: إنما أنزل الله: واجعل لنا من المتقين إمامًا»([312]).

ونختم ذلك بذكر نماذج من الآيات التي حذف منها اسم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب u بزعم القوم، من ذلك:
قولـه تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي، فإن لم تفعل عذبتك عذابًا أليمًا، فطرح العدوي اسم علي([313]).
وعن جابر قال: «فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون بعلي». وفي رواية: «بعلي منتقمون». وفي أخرى: «محيت والله من القرآن واختلست والله من القرآن»([314]).
وعن الباقر: «نزل جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الآية هكذا: ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله في علي، إلا أنه كشط الاسم»([315]).
وقولـه: «إن علي إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلًا لبني إسرائيل، فمحي اسمه وكشط عن هذه الموضع»([316]).
وعن أبي الحسن الماضي قال: «ولو كره الكافرون بولاية علي، قال السائل: هذا تنزيل؟ قال: أما هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل»([317]).
وعن الصادق: «سأل سائل بعذاب واقع، للكافرين بولاية علي ليس له دافع، ثم قال: هكذا والله نزل بها جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم ». وفي رواية: «هكذا هي في مصحف فاطمة». وفي أخرى: «هكذا هو مثبت في مصحف فاطمة»([318]).
وعن علي u قال: «ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابيًا، فحرفوها، فقالوا: ترابًا، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر من مخاطبتي بأبي تراب»([319]).
وعن المقداد بن الأسود قال: «كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: اللهم اعضدني، واشدد أزري، واشرح صدري، وارفع ذكري، فنزل جبرئيل، وقال: اقرأ يا محمد: ألم نشرح لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، الذي أنقض ظهرك، ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك، فقرأها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأثبتها ابن مسعود، وانتقصها عثمان»([320]).
ولا نطيل عليك، ففيما أوردناه كفاية لبيان المقصود.
 أما الاتجاه الأخير وهو أعدلها، فيتمثل في القول بنزول بعض الآيات في فضائل الأمير رضي الله عنه وولايته تأويلًا، مستدلين على ذلك التأويل بروايات تدلل على نزولها فيه وفي إمامته ا.
والروايات هذه لا تخلو من كونها إما موضوعة لا يصح منها شيء، أو صحيحة ولكن لا تخدم غرضهم، وليس فيها الدلالة المذكورة.
من هذه الآيات:
قولـه تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ) [المائدة:3].

وقولـه: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)[سورة المائدة].

وقولـه: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة:67].

وقولـه: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [سورة الأحزاب]، وغيرها.

وهذه الدلائل -بزعم القوم- لا يكاد يخلو منها كتاب، وهي عمدة القوم في إثبات مسألة الإمامة من القرآن الكريم.
وأنت ترى للوهلة الأولى خلوها تمامًا من اسم علي رضي الله عنه والأئمة أو ما يفيد نزولها فيهم، لذا اضطر القوم -كما ذكرنا- إلى الاستدلال بها عن طريق الأحاديث والروايات، أو ادعاء حذف اسم الأمير رضي الله عنه من بعضها كما يعتقد أصحاب الاتجاه الثاني.
وحيث إن أصحاب هذا الاتجاه قد اعتمدوا في إثبات نزول هذه الآيات في الإمام والإمامة على السنة، لذا فإننا سنرجئ الكلام فيها إلى الباب الآتي.
وختامًا: أود أن أنبه القارئ العزيز إلى أن الاتجاهات الثلاثة هذه، لا تعني بالضرورة أن كل واحد منها له من يمثله، بل إن كثيرًا من علماء الشيعة -إن لم يكن أكثرهم- يمثلون هذه الاتجاهات جميعها، وإن كان ذلك يتفاوت بين عالم وآخر.
وخلاصة الكلام أن أعظم أركان الدين عند الشيعة ليس لها نصيب في القرآن الكريم، ولا أدل على هذا من بطلان هذا المعتقد، ونحن نعلم يقينًا أن الله عزوجل لم يدع من شئون المسلم شيئًا إلا بينه، حتى بين حكم المحيض، حيث قال عز من قائل: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) [البقرة:222]، وهذا مصداق قوله عزوجل: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل: 89].

فهل أذى المحيض أشد عند الله من أذى المسلمين بالفتن والحروب والتناحر والاختلاف لعشرات السنين بسبب الإمامة حتى يُغفل ذكرها ويبين أذى المحيض؟!
 
الإمامة والسنة
نبذة عن الوضع والوضاعين في الحديث
لا يختلف اثنان في أن هناك الألوف من الأحاديث تحتويها مصادر المسلمين في شتى العلوم، كلها موضوعة على لسان رسول الله ومنسوبة إليه صلى الله عليه وآله وسلم وإلى صحابته وإلى الأئمة رضوان الله عليهم أجمعين.
وقد تعددت أسباب هؤلاء الوضاعين بين زنادقة أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ووضعوا الأحاديث؛ استخفافًا بالدين، وتلبيسًا على المسلمين، وبين أصحاب أهواء وعصبيات ومذاهب، يضعون ما ينتصرون به لمذاهبهم، إلى غير ذلك من أسباب.
وكان لانتشار هذه الروايات في كتب الفقه والتفسير والتاريخ والسير والمغازي وغيرها أثر سيئ في نشوء عقائد ما أنزل الله بها من سلطان، أدَّت بدورها إلى ظهور فرق ومذاهب باطلة، جُلُّ بنيانها على هذه الموضوعات، ولم يكن يتورع أصحابها في أن يصيِّروا كل ما هوته قلوبهم حديثًا مكذوبًا.
وكان المسلمون الأوائل لا يسألون عن الإسناد حتى وقعت الفتنة بين علي بن أبي طالب ومعاوية ب، فلما وقعت صاروا يسألون عن الرجل، فإن كان من أهل السنة أخذوا حديثه، وإن كان من أهل البدعة ردوه.
فصار الإسناد المتصل إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو السبيل إلى معرفة الشرائع والأحكام، فتشددوا في معرفة حال كل من وقع في إسناد حديث، حتى قيل لهم: أتريدون أن تزوجوه؟ وكان ابن عباس ب يقول: «إن هذا العلم دِيْنٌ، فانظروا عمن تأخذون دينكم» وكان من هدي الرعيل الأول أن يأتوا بالإسناد قبل الحديث، ويقولون: لا يصلح أن يرقى السطح إلا بدرجة، وقالوا: ما ذهاب العلم إلا ذهاب الإسناد، وإنما يعلم صحة الحديث من الإسناد، وإن الإسناد سلاح المؤمن؛ فإذا لم يكن معه سلاح فبأي شيء يقاتل، وإن الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء، ومثل الذي يطلب أمر دينه بلا إسناد كمثل الذي يرقى السطح بلا سلم، ومثل الذي يطلب الحديث بلا إسناد كمثل حاطب ليل يحمل حزمة حطب وفيه أفعى وهو لا يدري، وغيرها من الأقوال التي بينوا فيها أهمية الإسناد.
ولذلك ظهر علم الرجال لمعرفة صحة الحديث من حيث خلو إسناده من وضاعين أو من علل وشذوذ.
وقد أورد القوم من طرقهم حثَّ الأئمة على التثبت في نقل الأخبار، فعن الصادق قال: «إن المغيرة بن سعيد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي، فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنا إذا حدثنا قلنا: قال الله سبحانه وتعالى، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »([321]).
وقال أيضًا: «إنا أهل بيت صادقون لا نخلو من كذاب يكذب علينا فيسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس»([322]).
وعن يونس بن عبدالرحمن قال: «وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليه السلام، ووجدت أصحاب أبي عبدالله متوافرين، فسمعت منهم، وأخذت كتبهم، وعرضتها من بعد على أبي الحسن فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أصحاب أبي عبدالله، قال: إن أبا الخطاب كذب على أبي عبدالله، لعن الله أبا الخطاب وكذلك أصحاب أبي الخطاب، يدسون من هذه الأحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبدالله، فلا تقبلوا علينا خلاف القرآن»([323])، وغيرها.
ولهذا كله وضع القوم شروطًا لقبول الحديث، وهو ما اتصل سنده إلى الإمام المعصوم بنقل العدل الإمامي عن مثله في جميع الطبقات، وزاد البعض: أن يكون العدل ضابطًا، وأن لا يعتريه شذوذ، وأن لا يكون معللًا([324]).
ووضعوا معايير علمية تثبت بها الوثاقة أو الحسن، منها: نص أحد أئمتهم المعصومين، أو نص أحد أعلامهم المتقدمين، كالبرقي، وابن قولويه، والكشي، والصدوق، والمفيد، والنجاشي، والطوسي، وأضرابهم، أو نص أحد أعلامهم المتأخرين، كمنتجب الدين، وابن شهرآشوب، أو دعوى الإجماع من قبل الأقدمين([325]).
وقد اتفق القوم مع أهل السنة على حرمة نقل الحديث إذا كان موضوعًا وأن من أراد أن يروي حديثًا ضعيفًا أو مشكوكًا في صحته بغير إسناد، يقول: رُوي، أو بلغنا، أو ورد، أو جاء، أو نقل، ونحوه من صيغ التمريض، ولا يذكره بصيغة الجزم، كقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولو أتى بالإسناد مع المتن لم يجب عليه بيان الحال؛ لأنه قد أتى به عند أهل الاعتبار([326]).
ولا شك أن قولهم: إن الإتيان بالخبر مع الإسناد يغني عن بيان الحال، صحيح على نحوٍ ما؛ فإن كثيرًا من كتب المسلمين مليئة بالروايات الموضوعة بأسانيدها، ولا غرابة في ذلك إذا علمنا أن علماءنا الأوائل كانوا يمرون بمراحل في التأليف، بدءًا بالجمع والذكر لكل ما سمعوه في المقام، وانتهاءً بتحقيق الروايات لتمييز الغث من السمين، كما فعل البخاري ومسلم، على خلاف في بعض الروايات، وقد يقتصر أكثرهم على الأول، أي: الجمع والذكر لكل ما سمعوه، معتقدين براءة ذمتهم ما داموا قد ذكروا الإسناد الذي يمكن من خلاله معرفة صدق الخبر من كذبه، وذلك لاستحالة تحقيق كل خبر في حينه لاعتبارات، منها: أنه ربما يكون للحديث المذكور طرق أخرى ينجبر بها، أو أن ضعف بعض الرواة لم يثبت عنده.. وغيرها، أضف إلى ذلك عدم اشتراطهم في ذكر الحديث أن يكون صحيحًا، كما صرحوا بذلك في مقدمة مصنفاتهم.
ومن هنا جاء استغلال القوم لأمثال هذه الروايات المذكورة في كتب أهل السنة لإثبات معتقداتهم، رغم ما مرَّ بك من ذمهم لهذا السلوك، فعمدوا إلى الاحتجاج بها موهمين أتباعهم أن أمثال هذه الروايات متفق عليها بين الفريقين، وأن هذه العقائد من المسلّمات بين المسلمين، ملبسين بذلك الأمر على أكثر القراء الذين لا يميزون بين الإيعاز الذي هو مجرد ذكر الكتب التي ورد فيها هذا الحديث، وبين التحقيق الذي هو بيان صحة الحديث من ضعفه، أو ذكر من تكلم فيه من العلماء، وبيان عدم حجية تحقيق من عرف بتساهله في التصحيح، أو من لا يعتد بتصحيحه أصلًا.
والأمر في المسألة فيه طول، ونحن في هذا الباب -إن شاء الله- لن نتطرق إلى روايات أهل السنة أو نتكلم في أسانيدها، فإن هذا الأمر قد حسم بما ذكرناه، وللقوم ما شاءوا من الوقت ليدلونا على رواية من روايات الباب الآتية وردت بطرق صحيحة عند أهل السنة لا يشوبها ضعف أو شذوذ أو علة، أو تصحيح من عرف بتساهله([327]).

الاستدلال بحديث بدء العشيرة
نبدأ كلامنا بحديث بدء الدعوة أو يوم الدار، وملخص القصة «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بني عبد المطلب فيهم أبو طالب وأبو لهب وهم يومئذٍ أربعون رجلًا، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخادمه علي u، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجر عمه أبي طالب، فقال: أيكم ينتدب أن يكون أخي ووزيري ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن من بعدي؟ فأمسك القوم حتى أعادها ثلاثًا، فقال علي: أنا يا رسول الله، فوضع رأسه في حجره وتفل في فيه، وقال: اللهم املأ جوفه علمًا وفهمًا وحكمًا، ثم قال لأبي طالب: يا أبا طالب، اسمع الآن لابنك وأطع؛ فقد جعله الله من نبيه بمنزلة هارون من موسى، وآخى صلى الله عليه وآله وسلم بين علي وبين نفسه»([328]).
فالجواب: أن ألفاظ الروايات مختلفة ومضطربة، ففي غير هذه الرواية المذكورة وردت أخرى ذكرناها في الأصل، فيها إختلافات كثيرة، منها أن:
في إحداها: «من يقوم منكم يبايعني على أن يكون أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أهلي؟». وفي أخرى: «أيكم يؤازرني على أمري على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟». وأخرى: «من يبايعني على أن يكون أخي وصاحبي ووليكم بعدي؟».
وأخرى: «فمن يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني يكن أخي ووزيري ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي». وأخرى: «من يجيبني إلى هذا الأمر ويؤازرني على القيام به يكن أخي ووزيري وخليفتي من بعدي». وأخرى: «أيكم يكون أخي ووصيي ووارثي». وأخرى: «من يؤاخيني ويؤازرني ويكون وليي ووصيي بعدي وخليفتي في أهلي، ويقضي ديني». وأخرى: «من يكون وصيي ووزيري وخليفتي». وأخرى: «أيكم يقوم فيبايعني على أنه أخي ووزيري ووارثي دون أهلي ووصيي وخليفتي في أهلي، ويكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي؟». وأخرى: «أيكم يسبق إليها على أن يؤاخيني في الله ويؤازرني في الله عزوجل، ومع ذلك يكون لي يدًا على جميع من خالفني فأتخذه وصيًا ووليًا ووزيرًا يؤدي عني ويبلغ رسالتي ويقضي ديني من بعدي وعداتي؟». وأخرى: «من يضمن عني ديني ومواعيدي ويكون خليفتي ويكون في الجنة؟» وغيرها([329]).
وكذا الاختلاف في عدد مرات الدعوة، بين مرة واحدة، ومرتين، وثلاث ([330]).
والاختلاف في مكان القصة، بين الشعب([331]) وبين بيت أكبرهم -أي: الحارث([332])- وبين بيت أبي طالب([333]).
وكذا الاختلاف في عدد بني عبد المطلب، بين أربعين رجلًا، يزيدون رجلًا أو ينقصون رجلًا([334])، أو ثلاثين([335]). رغم أن بني عبد المطلب لم يبلغوا هذا العدد لا في الجاهلية ولا في الإسلام، فعدد بني عبد المطلب عند نزول الآية لا يتجاوز العشرين كما فصلنا ذلك في الأصل، فأين هذا من الأربعين؟
والغريب من جعلهم خمسة وأربعين رجلًا وامرأتين([336])، ولا أدري ما شأن المرأتين والإمامة!
هذا ما كان من شأن الاضطراب في المتون واختلافها، وقد تركنا كثيرًا منها، وقد ردَّ العلماء على هذا الحديث من وجوه:
1- منها: أن مجرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا كله؛ فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى ذلك وأعانوه على هذا الأمر بما فيهم حمزة وجعفر وغيرهم من بني عبد المطلب المدعوين إلى الوليمة، وأيضًا فإن كان عَرَض هذا الأمرَ على أربعين رجلًا أمكن أن يجيبوه أو أكثرهم أو عدد منهم، فلو أجابه منهم عدد، فمن سيكون الخليفة؟ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم مأمور بأن ينذرهم جميعًا، وكان يرغب في أن يكونوا جميعًا من أهل الاستجابة لهذه الدعوة، وهي لا تتسع إلا لواحد، فهل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمعهم ليختار خليفة له ويبقي سائرهم كفارًا أم إن الخلافة أو الوصاية لم تكن ذات موضوع، وإنما كان المطلوب دخولهم جميعًا في الإسلام؟
2- ومنها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا بني عبد المطلب ليسلموا، فما شأن علي حتى يتصدى للإجابة، ألم يكن مسلمًا حينها؟!
3- ومنها: أن القوم رفضوا الإسلام وخرجوا يتضاحكون من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودعوته، فكيف يقول لهم: هذا خليفتي فيكم، ويأمرهم بالسمع والطاعة، وهم كفار لم يقبلوا الإسلام حتى يقبلوا خلافة علي؟
4- ومنها: الاضطراب بين ما حصل في هذه القصة، وبين قولـه صلى الله عليه وآله وسلم لما عرض الإسلام على بني كلاب، فقالوا: «نبايعك على أن يكون لنا الأمر بعدك؟ فقال: الأمر لله، فإن شاء كان فيكم أو في غيركم، فمضوا ولم يبايعوه، وقالوا: لا نضرب لحربك بأسيافنا ثم تحكم علينا غيرك»([337]). فأنت ترى أن هذا الأمر إلى الله وليس لاختيار يقع في أحد بيوتات بني عبد المطلب في مكة. وتكررت القصة -نفسها- بعد ذلك بسنين طويلة، وذلك لما جاءه عامر بن الطفيل في وفد بني عامر بن صعصعة في السنة العاشرة من الهجرة، وقال له: «مالي إن أسلمت؟ فقال: لك ما للمسلمين وعليك ما عليهم، قال: تجعل لي الأمر من بعدك؟ قال: ليس ذلك إلي، إنما ذلك إلى الله عزوجل يجعله حيث يشاء»([338]). ناهيك أن قولـه صلى الله عليه وآله وسلم هذا يتعارض مع رواياتنا هذه، والتي حسمت فيها مسألة الخلافة بزعم القوم.
5- ومنها: أن صيغة الأمر في الآية تأمر بالإنذار، لا بتعين الوصاية والخلافة.
6- ومنها: أن صيغ معظم الروايات إنما كانت في الخلافة والوصاية في بني عبد المطلب دون غيرهم، لا أقل من كون الدعوة وجهت إليهم دون سائر الناس كما تفيد الروايات، وهذا من أعظم الدلائل التي يتمسك بها من يرى أن وصاية الأمير على فرضها، إنما هي خاصة في الأهل دون عامة الناس.
ويؤيد هذا الرأي عشرات الروايات التي أوردها القوم، نذكر منها:
أ- قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: « أنت أخي ووزيري وخليفتي بعدي في أهلي، تقضي ديني وتبرئ ذمتي».
ب- ج- وعن علي، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أنت الوزير، والوصي، والخليفة في الأهل والمال».
د- وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «يا علي، إن الله عزوجل أمرني أن أتخذك أخًا ووصيًا، فأنت أخي ووصيي وخليفتي على أهلي في حياتي وبعد موتي».
هـ- وقولـه صلى الله عليه وآله وسلم في مرض موته: «يا علي، اقبل وصيتي، وأنجز مواعيدي، وأد ديني. يا علي، اخلفني في أهلي».
ز- وأخرى: «يا علي، أنت وصيي على أهل بيتي، حيهم وميتهم »([339]).
س- ويؤكدون هذا بما رووه من أن أبا بكر قال لعلي: «أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنك وصيه ووارثه وخليفته في أهله ونسائه ولم يخبرنا بأنك خليفته من بعده»([340]).
فهذه الأمثلة القليلة التي أوردناها واضحة الدلالة ولا تحتاج إلى تأويل، وكلها تدلك على هذا الحصر، وعلة تكراره صلى الله عليه وآله وسلم في كل هذه المواضع، حتى كانت من أواخر كلماته، ولا يخفى عليك -وأنت جد عليم- أن الأهل داخلون في الأمة، والأمة ليسوا داخلين في الأهل، فتدبر!
وعلى ذكر هذه الروايات، هناك إشكال آخر لا يخلو من طرافة، وذلك أن أهل البيت عند القوم محصورون في أهل الكساء دون غيرهم، فهل يعني هذا أن نصوص التأمير والاستخلاف محمولة على بقية أهل الكساء فقط.
نعود إلى الردود:
7- ومنها: الإشكال في إيمان أبي طالب، فالرجل عند القوم من المؤمنين، وعونه ومؤازرته ونصرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسلمات، والروايات المذكورة أخرجته من ذلك كله.
9- ومن الردود أيضًا: ما جاء في قراءة ابن مسعود وأبي بن كعب ب والصادق / : (وأنذر عشيرتك الأقربين، ورهطك منهم المخلصين)([341]).
وهذه القراءة وردت من طرق الفريقين، ويلزم على ثبوتها إشكال وهو: أن الإخلاص صفة المسلمين دون الكفار، وقد أورد القوم عن الباقر في قولـه عزوجل: ورهطك منهم المخلصين، قال: «علي، وحمزة، وجعفر، والحسن، والحسين، وآل محمد صلوات الله عليهم أجمعين»([342]). وهذا يسقط الاستدلال بالرواية من وجوه؛ فإن كانت الدعوة للمؤمنين أو من ذكرنا آنفًا بطل قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من أصله، فإيمانهم يستلزم منه المؤازرة والمناصرة والمبايعة، وإن كان غير ذلك فابحث لك عن مخرج، فعدم إيمان جميع الحضور لا يقول به مؤمن.. فتدبر!
ثم إن حمزة وجعفرًا لم يقل القوم بإمامتهم رغم رواية الباقر السابقة التي أقحم فيها بقية الأئمة في بيت الأكبر أو أبي طالب أو الشعب.
وعلى أي حال، فالشبهات والردود كثيرة، ونكتفي بما أوردناه، ونختم حديثنا في بيان ما صح في نزول هذه الآية:
فعن ابن عباس ب قال: «لما نزلت هذه الآية صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الصفا، فقال: يا صباحاه، فاجتمعت إليه قريش، فقالوا: ما لك؟ فقال: أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ما كنتم تصدقوني؟ قالوا: بلى، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، قال أبو لهب: تبًا لك، ألهذا دعوتنا جميعًا؟ فأنزل الله تعالى: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) [المسد:1]... إلى آخر السورة»([343]).

وهذه الرواية صحت من طرق أهل السنة أيضًا.

الاستدلال بروايات: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى)
وملخصه أنه «لما مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرضه الذي قبضه الله فيه اجتمع إليه أهل بيته وأصحابه، فقالوا: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فلم يجبهم جوابًا وسكت عنهم، فلما كان اليوم الثاني أعادوا عليه القول فلم يجبهم عن شيء مما سألوه، فلما كان اليوم الثالث قالوا له: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ قال لهم: إذا كان غدًا هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي فانظروا من هو فهو خليفتي عليكم بعدي، والقائم فيكم بأمري، ولم يكن فيهم أحد إلا وهو يطمع أن يقول له: أنت القائم من بعدي، فلما كان اليوم الرابع جلس كل رجل منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم إذ انقض نجم من السماء قد غلب ضوءه على ضوء الدنيا حتى وقع في حجرة علي، فهاج القوم، وقالوا: والله لقد ضل هذا الرجل وغوى، وما ينطق في ابن عمه إلا بالهوى، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [سورة النجم] إلى آخر السورة»([344]).

لن نتكلم بطبيعة الحال عن اختلاف الألفاظ، لأنك لن تجد روايتين متشابهتين.وإنما حسبك الاضطراب في روايات الباب وقت نزول النجم.
ففي رواية: مع طلوع الفجر. وفي رواية: بعد طلوع الفجر. وفي رواية: أن وقت نزوله ضحوة حتى غلب على ضوء الشمس كما في الرواية التاسعة.
وأيضًا: الاضطراب بين كون القصة في أوائل العهد المكي -باعتبار أن سورة النجم من أوائل ما نزل من القرآن- وبين كونها في المدينة بعد الهجرة.
وأيضًا: الاضطراب بين كونها في فتح مكة، أو عند عودته من الفتح ونزوله صلى الله عليه وآله وسلم غدير خم، أو في مرض موته صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا الأخير كما في الرواية الأولى -وهي أن نزولها كان في مرض موته صلى الله عليه وآله وسلم - لا أظن أن القوم يسرهم ثبوتها؛ ذلك أنه على فرض ثبوتها يسقط كل ما يورده القوم من استدلالات في إثبات الإمامة قبل هذا النص بما في ذلك روايات غدير خم.
وإذا عرفت -أيضًا- أن سورة النجم من أوائل ما نزل من القرآن في مكة، حيث نزل بعدها [63] سورة مكية، و[28] سورة مدنية، كما يعرف ذلك من تسلسل نزول القرآن الكريم؛ عرفت استحالة رواية عبدالله بن عباس ب لهذه القصة، فابن عباس ب كان مولده بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين، وعلى هذا فإما أنه لم يكن قد ولد بعد عند نزول هذه الآية، أو أن روايته لهذه القصة كانت في إحدى هذه السنين الثلاث في مكة، وهذا لا يقول به أحد.
كما لم يختلف أحد من المسلمين شيعة كانوا أم سنة في أن سورة النجم من السور المكية إلا الآية [32] على خلاف، فإذا عرفت هذا فاعلم بأن الاستدلال بهذه القصة مخالف لادعاء القوم أن الإمامة آخر ما نزل من الأركان، وأن ذلك كان بعد فريضة الحج، حيث أنزل الله فيها بزعمهم: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) [المائدة:3]، أما في قصتنا هذه فلم تكن الزكاة والصوم والحج قد فرضت بعد.

ومن الردود أيضًا: أن من قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: غويت، فهو كافر، والكفار لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمرهم بالفروع قبل الشهادتين والدخول في الإسلام.
أما الروايات الصحيحة في تفسير هذه الآية فإليك ما يلي:
ذكر الطبرسي أن هناك أقوالًا في قوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى)[سورة النجم]، منها: (أن الله أقسم بالقرآن إذ أنزل نجومًا متفرقة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ثلاث وعشرين سنة، فسمي القرآن نجمًا لتفرقه في النزول.

ومنها: أنه أراد الثريا، أقسم بها إذا سقطت مع الفجر، والعرب تطلق اسم النجمة على الثريا خاصة. ومنها: أن المراد به جماعة النجوم إذا هوت، أي: سقطت وغابت وخفيت عن الحس وأراد به الخنس. ومنها: أنه يعني به الرجوم من النجوم، وهو ما يرمى به الشياطين عند استراق السمع)([345]).
ويقول الطباطبائي: (إن المراد بالنجم هو مطلق الجرم السماوي المضيء، وقد أقسم الله في كتابه بكثير من خلقه). ومنها: (عدة من الأجرام السماوية كالشمس والقمر وسائر السيارات، وعلى هذا فالمراد بهويّ النجم سقوطه للغروب)([346]).
ويقول مغنية: (المراد بالنجم كل نجم؛ لأن الألف واللام للجنس، وأن معنى هوت النجوم أنها تسقط وتتناثر في الفضاء يوم القيامة بدليل قوله: (وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ) [سورة الانفطار])([347]). وغيرها.

وكلها تدل دلالة واضحة على بُعد ما جاء في الروايات التي في موضوع الباب.

حديث تصدق علي بن أبي طالب بالخاتم
وملخص القصة «إن رهطًا من اليهود أسلموا، فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: يا نبي الله، إن موسى u أوصى إلى يوشع بن نون، فمن وصيك يا رسول الله؟ ومن ولينا بعدك؟ فنزلت هذه الآية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [سورة المائدة] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: قوموا، فقاموا فأتوا المسجد، فإذا سائل خارج، فقال: يا سائل، أما أعطاك أحد شيئًا؟ قال: نعم هذا الخاتم، قال: من أعطاكه؟ قال: أعطانيه ذلك الرجل الذي يصلي، قال: على أي حال أعطاك؟ قال: كان راكعًا، فكبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكبر أهل المسجد، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: علي بن أبي طالب وليكم بعدي»([348]).

من دلائل ضعف هذه القصة والاضطراب البين فيها الاختلاف في رواياتها، ففي روايات: أن نزول هذه الآية إنما كان في بيته صلى الله عليه وآله وسلم. وفي أخرى: في مجلسه صلى الله عليه وآله وسلم مع اليهود. وأخرى: في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم، بل ذكرت بعض الروايات أن نزولها إنما كان في المسجد الحرام، حيث دخل الأمير يومًا إلى الكعبة يصلي، فلما ركع أتاه سائل فتصدق عليه بحلقة خاتمه، فأنزل الله الآية([349]).
وكذا الاختلاف في المتصدق به، بين خاتم كما في أكثر الروايات، وبين حلة كما في رواية الكافي، ولم يتردد البعض في القول بأن القصة ربما تكررت، فمرة تصدق بخاتم وأخرى بحلة([350]).
والاختلاف أيضًا في الخاتم، بين كونه من فضة كما في بعض الروايات، وذهب كما في أخرى([351]).
والاختلاف في نقشه أيضًا، بين الملك لله([352])، وبين سبحان من فخري بأني له عبد([353]).
وكذا الاختلاف في الصلاة، بين تطوع الظهر أو فريضته خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ([354]).
وكذا دعاء السائل، بين السلام عليك يا ولي الله وأولى بالمؤمنين من أنفسهم، تصدق على مسكين، هكذا ابتداءً، وبين اللهم أشهدك أني سألت في مسجد رسول الله، كما في أكثر الروايات.
والاختلاف في وقت نزول الآية، ففي بعض الروايات: أنها نزلت قبل القصة. وأخرى: بعد دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.
والاختلاف في كيفية التصدق بالخاتم، بين نزع علي بن أبي طالب للخاتم بنفسه، وبين نزع السائل له.
وكذا الاختلاف في وقت تبليغ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لقومه، بين إخبارهم فور نزول الآية، وبين إرجاء ذلك إلى يوم الغدير([355]).
والاختلاف في سؤال السائل، ففي بعض الروايات: أن السائل سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التصدق عليه أولًا. وفي أخرى: أن السائل سأل أولًا في مسجد النبي ثم مرَّ به صلى الله عليه وآله وسلم، وسؤال النبي له: هل تصدق عليك بشيء؟([356]).
والتضارب في الروايات كثير ونجتزئ بما أوردناه.
ونذكر الآن بعض الردود على هذا الاستدلال:
1) منها: إن دلت هذه الآية على نفي إمامة أبي بكر وعمر وعثمان ي، فإنها كذلك تدل على سلب الإمامة عن بقية الأئمة الاثني عشر بعين ذلك التقرير، فالدليل يضر الشيعة أكثر من أهل السنة، فهؤلاء لم يؤت أحدهم الزكاة وهو راكع لو كان ذلك شرطًا فيمن يتولى أمر المسلمين.
2) ومنها: أن صيغة الذين يؤتون الزكاة وهم راكعون صيغة جمع، فكيف يصدق على علي وحده، حتى وإن كان ذلك جائزًا في اللغة، وعلى ذلك شواهد من القرآن، ولكن حمله على المفرد دون دليل هو الخلاف.
3) ومنها: أن الله تعالى لا يثني على المرء إلا بمحمود، وفعل ذلك في الصلاة ليس بمستحب؛ فإن في الصلاة لشغلًا، ولو كان مستحبًا لفعله الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولحض عليه ولكرر علي فعله.
والغريب أن القوم يرون بطلان صلاة أهل السنة بالتكفير [أي: وضع اليمنى على اليسرى في حال القيام]، ويعدون ذلك عملًا يستوجب البطلان([357])، ولا يعدون عمل الأمير من انشغاله بالسائل والاستماع إليه والإشارة إليه ونزع الحلة أو الخاتم من يده وإلقائه إليه.. إلى آخر ما ذكرته الروايات، حركات مبطلة للصلاة، رغم أن ذلك أيضًا يتعارض مع ما ذكره القوم في ذلك عنه وعن الأئمة كما في هذه الأمثلة، فضلًا عن معارضته لقولـه عزوجل: (يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) [الأنفال:3].

فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه رأى مصليًا يعبث بلحيته، فقال: «أما هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»([358]).
وذكروا أن علي بن أبي طالب كان إذا حضر وقت الصلاة تلوّن وتزلزل، فقيل له: «ما لك؟ فقال: جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، وأنا في ضعفي، فلا أدري أحسن أداء ما حملت أو لا»([359]).
وهو القائل كما يروي القوم: «طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشتغل قلبه بما تراه عيناه ولم ينس ذكر الله بما تسمع أذناه»([360]). وهذا في غير الصلاة، فكيف لو كان في الصلاة؟! وكأن القوم يريدون أن يقولوا: إنه من الذين يقولون ما لا يفعلون.
وعن الصادق قال: «إذا استقبلت القبلة فانس الدنيا وما فيها، والخلق وما هم فيه، واستفرغ قلبك عن كل شاغل يشغلك عن الله»([361]).
وقد أورد القوم عن الإمام زين العابدين / روايات كثيرة عن صلاته وخشوعه فيها، نذكر منها:
«أنه كان قائمًا يصلي حتى وقف ابنه الباقر وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر، فسقط فيها فنظرت إليه أمه فصرخت وأقبلت نحو البئر تستغيث وتقول: يا ابن رسول الله، غرق ولدك محمد، وهو لا ينثني عن صلاته وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلما طال عليها ذلك قالت حزنًا على ولدها: ما أقسى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله! فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا عن كمالها وإتمامها، ثم أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لا تنال إلا برشا طويل، فأخرج ابنه محمدًا على يديه يناغي ويضحك لم يبتل به ثوب ولا جسد بالماء، فقال: هاك ضعيفة الإيمان بالله، فضحكت لسلامة ولدها وبكت لقولـه: يا ضعيفة اليقين بالله، فقال: لا تثريب عليك اليوم، لو علمت أني كنت بين يدي جبار لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني، أفمن يرى راحم بعده»([362]).
ولكن انظر كيف توفق بينها وبين فعل علي بن أبي طالب من استماعه إلى السائل وانشغاله به؛ حتى لفت نظره إليه من دون بقية المصلين، وفي بعض الروايات أنه كان يصلي خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ([363])، فلا شك أنه في الصف الأول، ونزع الخاتم من إصبعه وألقاه إليه، أو نزع الحلة كما في الكافي، وهذا أشد، وطرحها إليه و.. و..
والكاظم لما سئل عن الرجل يكون في الصلاة فيسمع كلامًا أو غيره فينصت ليسمعه، ما عليه إن فعل ذلك؟ قال: «هو نقص»([364]). فكيف بمن فعل كل ما فعل الأمير، وهو القائل بزعم القوم: «إن وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة عمل، وليس في الصلاة عمل»([365]).
على أي حال، نعود إلى ما كنا فيه من ذكر الردود:
4) ومنها: أنه لو قدر أن هذا مشروع في الصلاة لم يختص بالركوع، بل يكون في القيام والقعود أولى منه في الركوع، فلو تصدق المتصدق في حال القيام والقعود أما كان يستحق هذه الموالاة.
5) ومنها: أن عليًا لم يكن ممن تجب عليه الزكاة على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فإنه كان فقيرًا، والزكاة إنما تجب على من ملك النصاب حولًا، وهو لم يكن من هؤلاء، وفقر أهل البيت غير خافٍ.
فقد روى القوم: أن عليًا قال يومًا لفاطمة ل: «يا فاطمة، هل عندك شيء تطعميني؟ قالت: والذي أكرم أبي بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أصبح عندي شيء يطعمه بشر، وما كان من شيء أطعمك منذ يومين إلا شيء أؤثرك به على نفسي وعلى الحسن والحسين، قال: أعلى الصبيين؟! ألا أعلمتني فآتيكم بشيء؟ قالت: يا أبا الحسن، إني لأستحيي من إلهي أن أكلفك ما لا تقدر، فخرج فاستقرض دينارًا...» الرواية([366]).
وفي رواية أخرى: دخل صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة ووجدها صفراء من الجوع، فقال: «مالي أرى وجهك أصفر؟ قالت: يا رسول الله، الجوع»([367]).
فلا غرابة إذًا أن يقترض صلى الله عليه وآله وسلم من شدة الفاقة ليؤمن قوت نفسه وعياله، وله في ذلك حكايات رواها القوم. حتي قال الصادق رحمه الله: «مات رسول الله وعليه دين»([368]).
كل هذا رغم تشدده في أمر الدَّين حتى ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم تركه للصلاة على من كان عليه دين حتى لو كان قليلًا، فهذا رجل مات على عهده صلى الله عليه وآله وسلم وعليه ديناران، فأخبر بذلك فأبى أن يصلي عليه([369]).
ورجل آخر من الأنصار مات وعليه دين فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقال: «لا تصلوا على صاحبكم حتى يقضي دينه»([370]).
ورووا أنه جعل الدَّيْن قرين الكفر في الاستعاذة منهما، فعن أبي سعيد الخدري قال: «أعوذ بالله من الكفر والدين، قيل: يا رسول الله، أيعدل الدَّين بالكفر؟ فقال: نعم»([371]).
فما الذي اضطره صلى الله عليه وآله وسلم إلى التدين وموته وهو عليه، رغم كل ما أورده القوم عنه في ذلك؟ فهل من كانت هذه حالهم تجب عليهم الزكاة؟
وكذا كان حال علي إلى وفاته، فيوم أن تزوج الزهراء ل عيرتها نساء قريش بفقره، فجاءت أباها صلى الله عليه وآله وسلم شاكية: «إنك زوجتني فقيرًا لا مال له».
وفي أخرى: قلن: «زوجك رسول الله من عائل لا مال له»([372]).
وهكذا عاش، ففي إحدى خطبه قال: «والله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل: ألا تنبذها([373])؟».
حتى اضطر أن يبيع متاعه ليوفر ثمن قوت يومه، فعنه رضي الله عنه أنه قال: «من يشتري سيفي هذا؟ فوالله لو كان عندي ثمن إزار ما بعته»([374]).
وكان لا يزال يشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الدَّين إلى أن مات مديونًا ([375]).
فعن الباقر قال: «قبض علي وعليه دين ثمانمائة ألف درهم»([376]).
ولا نطيل المسألة، ولكن! هل ترى على هؤلاء زكاة لمالٍ يبلغ النصاب ويحول عليه الحول، ويفيض عن الحاجة، ويسلم من الدَّين؟
ونختم هذا برواية وضعها القوم في قصتنا هذه، تبين أن فقر علي من المسلمات، مختصرها قول البعض: «وأي مال لعلي حتى يؤدي منه الزكاة([377])؟».
6) ومنها: أن الروايات التي ذكرت أن خاتمه كان من ذهب([378])، خلاف ما ورد في النهي عن ذلك.
فعن الرضا قال: «لا تصل في خاتم ذهب»([379]). وعن الباقر قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن سبع.. -ذكر منها- التختم بالذهب»([380]). وعن الصادق قال: قال النبي لعلي: «إياك أن تتختم بالذهب»([381]). وعن علي قال: «نهاني رسول الله -ولا أقول: نهاكم- عن التختم بالذهب([382])»، فكيف توفق بينها؟
7) ومنها: أن إعطاء الخاتم لا يجزئ في الزكاة عند الإمامية، فهم لا يرون زكاة الحلي، وعلى هذا أيضًا كثير من فقهاء المسلمين([383]).
8) ومنها: أن الزكاة تؤدى فور وجوبها ولا ينتظر فيها السؤال.
وعليه لا يمتدح من لم يخرج الزكاة إلا بعد أن تطلب منه، وإنما يمتدح من أخرجها ابتداء فور وجوبها.
9) ومنها: أن هذه الآية بمنزلة قولـه: (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) [سورة البقرة]، وهي تحث على صلاة الجماعة؛ لأن المصلي في الجماعة إنما يكون مدركًا للركعة بإدراك ركوعها، بخلاف الذي لم يدرك إلا السجود؛ فإنه قد فاتته الركعة، أما القيام فلا يشترط فيه الإدراك.

10) ومنها: أن الركوع يطلق ويراد به الخضوع، وذلك مثل قوله سبحانه: (يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ)[سورة آل عمران] فالمراد بالركوع الخضوع؛ إذ إن المرأة لا يطلب منها صلاة الجماعة، فالمراد بقوله: (وَهُمْ رَاكِعُونَ) أي: خاضعون لله، وليس المراد أنهم يؤتون الزكاة حال الركوع، فتأمل!

11) ومنها: أن هذه الآيات إنما نزلت في النهي عن موالاة الكفار والأمر بموالاة المؤمنين؛ فإن سياق الكلام إنما يدل على ذلك لمن تدبر، فالآيات واضحة كل الوضوح أنها في النهي عن موالاة اليهود والنصارى
12) ومنها: أن غاية ما في الآية أن المؤمنين عليهم موالاة الله ورسوله والمؤمنين، فيوالون عليًا، ولا ريب أن موالاة علي واجبة على كل مؤمن، كما يجب على كل مؤمن موالاة أمثاله من المؤمنين.
قال تعالى: (وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ )[التحريم:4] فبيَّن الله أن كل صالح من المؤمنين مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما أن الله مولاه وجبرئيل مولاه، لا أن يكون صالح المؤمنين متوليًا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا متصرفًا فيه.

قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ) [التوبة:71]([384]) فجعل كل مؤمن وليًا لكل مؤمن، وذلك لا يوجب أن يكون أميرًا عليه لا يتولى عليه إلا هو، فكل مؤمن تقي هو ولي لله والله وليه، كما قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) [البقرة:257]، وقال: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ) [الأحزاب:6].

فهذه النصوص كلها ثبتت فيها موالاة المؤمنين بعضهم لبعض، وأن هذا ولي هذا، وهذا ولي هذا، وأنهم أولياء الله، وأن الله وملائكته والمؤمنين أولياء رسوله، كما أن الله ورسوله والملائكة أولياء المؤمنين، وليس في شيء من هذه النصوص أن من كان وليًا للآخر كان أميرًا عليه دون غيره وأنه يتصرف فيه دون الناس.
13) ومنها: أن الفرق بين الوَلاية [بالفتح]، والوِلاية [بالكسر] معروف، فالوَلاية [بالفتح] ضد العداوة وهي المذكورة في الآية، وليست هي الوِلاية [بالكسر] التي هي الإمارة([385]).فالأمير يسمى الوالي ولا يسمى الولي.
14) ومنها: أنه لو أراد الولاية التي هي الإمارة لقال: إنما يتولى عليكم الله ورسوله والذين آمنوا، ولم يقل: ومن يتول الله ورسوله، فإنه لا يقال: لمن ولي عليهم، ولا أنه يقال: تولوه، بل يقال: تولى عليهم.
15) ومنها: أن الله سبحانه لا يوصف بأنه متول على عباده، وأنه أمير عليهم، ولا يقال: إن الله أمير المؤمنين كما يسمى المتولي مثل علي وغيره أمير المؤمنين، بل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أيضًا لا يقال: إنه متولٍ على الناس وأنه أمير عليهم.
16) ومنها: أنه ليس كل من تولى عليه إمام عادل يكون من حزب الله ويكون غالبًا؛ فإن أئمة العدل يتولون على المنافقين والكفار، كما كان في مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت حكمه ذميون ومنافقون، وكذلك كان تحت ولاية علي كفار ومنافقون، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) [سورة المائدة: 56]، فلو أراد الإمارة لكان المعنى: أن كل من تأمر على الذين آمنوا فإنهم يكونون من حزبه الغالبين، وليس كذلك، وكذلك الكفار والمنافقون تحت أمر الله الذي هو قضاؤه وقدره مع كونه لا يتولاهم بل يبغضهم.

17) ومنها: أن كلمة [إنما] تفيد الحصر، والحصر يكون فيما يحتمل اعتقاد الشركة والتردد والنزاع، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردد ونزاع في الإمامة وولاية التصرف، بل كان في النصرة والمحبة.
18) ومنها: أن إمامته غير مرادة في زمان الخطاب؛ لأن ذلك عهد النبوة، والإمامة نيابة فلا تتصور إلا بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا لم يكن زمان الخطاب مرادًا تعين أن يكون المراد الزمان المتأخر عن زمن الانتقال ولا حد للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير بعد مضي زمان أبي بكر وعمر وعثمان ي.
لذا وضعوا الكثير من الروايات بلفظ: [بعدي].
19) ومنها: أن الأمر في الآية إن كان محمولًا على الإمارة كما يدعي القوم، فهو دليل على بطلان كل النصوص السابقة، خاصة إذا علمنا أن سورة المائدة التي منها هذه الآية من أواخر ما نزل من القرآن حيث لم ينزل بعدها إلا سورتا التوبة والنصر، والغريب أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في رواياتنا هذه يؤكد هذا، فكلها تدل على عدم علمه بخليفته -بزعم القوم- حتى نزول الآية وسؤاله عن هذا المتصدق والهيئة التي تصدق بها.. إلى آخر ما جاء في الروايات لمن تدبرها.

الاستدلال بآية التطهير
وهو قول الله عزوجل: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [سورة الأحزاب: 33]، يقولون بأن نزولها في أهل الكساء خاصة، وهم: علي، وفاطمة، والحسن، والحسين ي، وهي تدل على عصمتهم، والعصمة من شروط الإمامة.

أقول: لا شك في صحة حديث الكساء، وهو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أدخل عليًا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم فيه، ثم قال: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).

ولا يعني هذا بالضرورة صحة كل ما ورد في القصة؛ إذ إنه لا يصح سندًا أو متنًا إلا القدر الذي أوردناه أو قريبًا منه.
فنقول: ليس في هذه الآية دلالة على العصمة ولا الإمامة، وبيان ذلك من وجوه:
1- منها: أن قولـه تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) كقولـه: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [المائدة:6]، وكقولـه: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)  [البقرة:185]، وكقولـه: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [سورة النساء]. وكقولـه: (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) [النساء:28].

فإن إرادته عزوجل في هذه الآيات إرادة شرعية متضمنة لمحبته لذلك المراد ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به، وليس فيها أنه خلق هذا المراد فعلًا، ولا أنه قضاه وقدره، ولا أنه يكون لا محالة. والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول هذه الآية قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا»، فطلب من الله إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم، فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم لم يحتج إلى الطلب والدعاء، ولقال الله تعالى: إن الله أذهب عنكم الرجس أهل البيت وطهركم تطهيرًا. وبهذا يتبين لك أن الإرادة هنا إرادة شرعية؛ بدليل دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم، وأن الآية ليس فيها دلالة على العصمة والإمامة كما هو ظاهر.
ويؤكد ذلك الرواية الأخرى التي قال فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول هذه الآية: «اللهم أنا وأهل بيتي هؤلاء إليك لا إلى النار»([386]).
فلو كان مفهوم الرجس متحققًا هنا -كما يرى القوم- لما كان للدعاء هنا محل، ولو كانت مفيدة للعصمة فإنه ينبغي أن يكون الصحابة لا سيما الحاضرون في غزوة بدر قاطبة معصومين؛ لقولـه تعالى فيهم: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) [المائدة:6] بل لعل هذا أفيد لما فيه من قولـه سبحانه: (وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) [المائدة:6] فإن وقوع هذا الإنعام لا يتصور بدون الحفظ عن المعاصي وشر الشيطان.

2- ومما يدل على أن الآية ليست دالة على العصمة والإمامة: أن الخطاب في الآيات كله لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث بدأ بهن وختم بهن:
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) [سورة الأحزاب: 28-34].

فالخطاب كله لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعهن الأمر والنهي والوعد والوعيد، لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعم غيرهن من أهل البيت جاء التطهير بضمير المذكر؛ لأنه إذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر.
ويؤيد ذلك ما جاء في بعض الروايات من قولـه صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول هذه الآية: «اللهم إن هؤلاء أحق»([387]).
ونعود إلى صيغة التذكير فنضيف: أن زوج الرجل من أهل بيته، وهذا شائع في اللغة، كما يقول الرجل لصاحبه: كيف أهلك؟ أي: امرأتك ونساؤك، فيقول: هم بخير، وقد قال تعالى: (قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ) [هود:73]، والمخاطب بهذه الآية بالإجماع هي سارة زوجة إبراهيم u، وهذا دليل على أن زوجة الرجل من أهل البيت.

وقولـه تعالى: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [القصص:29] والمخاطب هنا أيضًا زوجة موسى عليه السلام.

والشواهد على ذلك كثيرة.
وقد تفطن إلى ذلك بعض علماء الشيعة فبدا عاجزًا عن رد هذا الإشكال فادعى أن في الآية تحريفًا.
فالمجلسي -مثلًا- في رده على هذا الإشكال قال: (لعل آية التطهير وضعوها في موضع زعموا أنها تناسبه، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية، وقد ظهر من الأخبار عدم ارتباطها بقصتهن، فالاعتماد في هذا الباب على النظم والترتيب ظاهر البطلان، ولو سلم عدم التغيير في الترتيب، فنقول: ستأتي أخبار مستفيضة بأنه سقط من القرآن آيات كثيرة، فلعله سقط مما قبل الآية وما بعدها آيات لو ثبتت لم يفت الربط الظاهري بينها)([388]).
وقال أحد المعاصرين وهو أكثر حذرًا في إخفاء عقيدته: (فالآية لم تكن بحسب النزول جزءًا من آيات نساء النبي ولا متصلة بها، وإنما وضعت بينها إما بأمر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عند التأليف بعد الرحلة)([389]).
وعلى أي حال، لا نسهب في تناول هذه الجزئية، فحسبنا أن اضطرار هؤلاء في جزء من آية -لا آية بأكملها- إلى كل هذه التأويلات دليل على بعدها عن مقصودهم، وصحة نزولها في زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا أهل بيته ي.
ونعود إلى الردود الدالة على عدم دلالة الآية على الإمامة والعصمة:
3- ومنها: أن ما اختص به الأمير والسبطان ب من الآية -بزعم القوم- ثبت للزهراء ل، وخصائص الإمامة لا تثبت للنساء، فلو كان هذا دليلًا لكان من يتصف بما في الآية يستحق العصمة والإمامة، والزهراء ل كذلك وبذات الاعتبار، فدل على أن الآية لا يراد بها الإمامة ولا العصمة.
4- ومنها: خروج تسعة من الأئمة لعدم شمول الآية لهم، حيث اختصت الآية بثلاثة منهم.
5- ومنها: أن إذهاب الرجس لا يكون إلا بعد ثبوته، والشيعة يقولون بعصمة الأئمة منذ ولادتهم إلى وفاتهم.
والحال أن الردود كثيرة، ولا يسعنا سردها جميعًا، ولنتكلم قليلًا في مدلول الآية من حيث كونها دليلًا على العصمة وكون ذلك محصورًا في أهل الكساء دون غيرهم كما يزعم الشيعة، ونبدأ في الكلام أولًا في بيان من هم أهل البيت، ثم نتكلم في العصمة.
لا شك أن هناك خلافًا بين العلماء في تعيين أهل البيت:
فمن قائل: إنهم أمته. وقائل: إنهم المتقون من أمته. وقائل: إنهم زوجاته رضي الله عنهن. وقائل: إنهم أقاربه صلى الله عليه وآله وسلم ممن تحرم عليهم الصدقة. وقائل: إنهم علي وفاطمة والحسن والحسين ي،.. وقيل غير ذلك.
وهذا الأخير -أي: أنهم الخمسة (أصحاب الكساء)- من أغرب الأقوال، فلمجرد أن وضع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساءه عليهم، وقال: إنهم أهل بيتي، أخرج القوم كل من سواهم عن كونهم من أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، وحملوا جميع النصوص الواردة في فضائل أهل بيته على هؤلاء. ولا أدري ماذا عسى أن يكون سائر أقاربه؟
ولبيان فساد هذا القول وخلافه لمفهوم أهل بيت الرجل، وبيان أنه أعم من هذا الحصر الذي قال به القوم نقول:
إن الروايات من طرق القوم أكثر من أن تحصى في بيان أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعم مما يدعيه القوم أنفسهم، ولكن نذكر هنا الروايات المتعلقة بآية التطهير موضوع حديثنا، وسنتطرق إلى البقية عند حديثنا عن روايات الثقلين.. فنقول:
قد ورد في بعض روايات الباب: أن أم سلمة ل راوية الحديث كانت ممن جللهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالكساء مع الخمسة، حيث قالت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «ألست من أهلك؟ قال: بلى، قالت: فأدخلني في الكساء»([390]).
وفي رواية: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «اللهم إليك أنا وأهل بيتي لا إلى النار، فقلت: يا رسول الله، وأنا معكم؟ فقال: وأنت»([391]).
والغريب أن واثلة بن الأسقع وهو من الذين رووا حديث الكساء، بعد أن ذكر الحديث وقول النبي: «اللهم هؤلاء أحق»، قال: فقلت من ناحية البيت: «وأنا من أهلك يا رسول الله؟ قال: وأنت من أهلي، قال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرجو من عملي»([392]).
فهل أن ابن الأسقع الذي أسلم ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتجهز إلى تبوك في السنة التاسعة من الهجرة من أهل البيت، وأمهات المؤمنين رضي الله عنهن لسن من أهله؟!
وهذا علي لما احتج على أبي بكر ب -بزعم القوم- فقال له: «أنشدك بالله ألي ولأهلي وولدي آية التطهير من الرجس أم لك ولأهل بيتك([393])؟».
فإننا نعلم بالضرورة أنه يعني بقولـه: [ولأهلي] الزهراء رضي الله عنها، أي: أن الزوجة من أهل بيت الرجل، وسيأتي -إن شاء الله- بقية الأدلة الدالة على عدم حصر أهل البيت في الآية على هؤلاء الخمسة عند الحديث عن روايات الثقلين.
وكذلك قول الله تعالى في قصة موسى عليه السلام: (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [سورة القصص].

وقال تعالى: (َهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) [سورة طه].

وقال تعالى: (إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) [سورة النمل].

والمقصود بالآيات هنا -أيضًا- زوجة موسى ‘.
وقال تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) [سورة مريم].

فمن أهله الذين كان يأمرهم بالصلاة؟
وهذا كقولـه تعالى مخاطبًا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) [طه:132].

ولا شك في دخول زوجاته -أو خديجة ل على أقل تقدير- في الأهل، باعتبار أن السورة مكية، والأمير إنما تزوج الزهراء وأنجب السبطين ب بعد الهجرة.
وقال تعالى: ( وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) [سورة العنكبوت]. وقال تعالى: (قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) [سورة هود]. والمستثنى من جنس المستثنى منه.

وقال تعالى: ( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ)[سورة الحجر]. وقال تعالى: (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ) [سورة الشعراء]. وقال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) [سورة الأعراف]. وقال تعالى: (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ) [سورة النمل]. وقال تعالى: (إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (* إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ)[سورة الصافات].

وهذه الآيات صريحة ولا تحتاج إلى دليل في كون الزوجة من أهل الرجل، لا أقل من أن قولـه تعالى: (إِلَّا امْرَأَتَكَ)، أو: (إِلَّا امْرَأَتَهُ)، دليل على ذلك، فالمستثنى من جنس المستثنى منه.

وقال تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [سورة يوسف].

فالمخاطب هنا عزيز مصر، وقولها: (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا)؛ أي: زوجتك، وهذا بين.

فهذه الآيات صريحة في دخول الزوجات في الآل،وكذا الشواهد من السنة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم في قصة الإفك لما نزلت الآيات في براءة عائشة ل: «الحمد لله الذي صرف عنا السوء أهل البيت»([394]). وفي رواية: «يصرف عنا الرجس أهل البيت»([395]). ولا يحتاج الأمر إلى تعليق.
بيان معنى الرجس
يزعم القوم أن نفي الرجس في آية التطهير دال وموجب للقول بعصمة الأئمة.
وقد رُدَّ على ذلك من وجوه عقلية كثيرة، ليس هذا الكتاب مكان ذكرها، ولكننا سنقتصر على إيراد النصوص الدالة على خلاف هذا القول، فهو أبلغ في المقصود كما سترى، ونبدأ قبل ذلك بإيراد معنى الرجس الذي في الآية والذي هو موضوع حديثنا، فنقول:
وردت كلمة الرجس في القرآن في مواضع عدة، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)) [المائدة:90].
وقوله: ((كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)) [الأنعام:125].
وقولـه: ((قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)) [الأنعام:145].
وقولـه: ((قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ)) [الأعراف:71].
وقولـه: ((سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ)) [التوبة:95].
وقولـه: ((وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ)) [التوبة:125].
وقولـه: ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ)) [يونس:100].
وقوله: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)) [الحج:30].
وليس فيما أوردناه من الآيات دليل على حمل مفهوم الرجس على الدلالة الموجبة للعصمة كما يدعيها هؤلاء في آية التطهير.
ويؤيد ذلك أيضاً روايات ذكرها القوم عن الأئمة في ذلك منها:
قول الصادق في قول الله عز وجل: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ)) [الأحزاب:33] قال: الرجس هو الشك»([396]). وقول الباقر: «الرجس هو الشك، والله لا نشك في ربنا -وفي رواية: في ديننا، وفي أخرى: في الله الحق ودينه- أبدًا»([397]).
وقول الصادق في قولـه تعالى: (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ) [سورة الأنعام]، قال: «هو الشك»([398]).
فهل ترى في هذه الروايات أو تلك الآيات ما يستوجب القول بالعصمة التي يراها القوم لأئمتهم؟ لا شك أنهم سيأبون هذا التأويل. هذا وقد ذكرنا عشرات الأمثلة من كتب الشيعة والتي تتعارض مع مفهوم العصمة هذه، تجدها في الأصل.

الاستدلال بخبر الطائر
ملخص القصة عن أنس بن مالك قال: «أهدي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طائر فوضع بين يديه، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي، فجاء علي فدق الباب، فقلت: من ذا؟ فقال: أنا علي، فقلت: إن النبي على حاجة، حتى فعل ذلك ثلاثًا، فجاء الرابعة فضرب الباب برجله فدخل، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما حبسك؟ قال: قد جئت ثلاث مرات، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما حملك على ذلك؟ قال: قلت: كنت أحب أن يكون رجلًا من قومي»([399]).
أول ذلك: الاضطراب غير الخافي في مجموع الروايات، منها مثلًا:
أن الطارق في بعض الروايات كان عليًا كما مر بك. وفي أخرى: عائشة([400]). وأخرى: أبا رافع([401]).
ومن ذلك: اختلاف دعاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بين قولـه: «اللهم يسر لي عبدًا يحبك ويحبني»([402])، وبين قولـه: «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك»، وفي لفظ: «إليك وإلي»، كما في معظم الروايات، وبين قولـه: «ليت أمير المؤمنين وسيد المسلمين وإمام المتقين عندي يأكل معي»([403])، وغيرها.
ومن ذلك: من الذي أهدى إليه الطائر؟ فمن لفظ مطلق دون تحديد، ومن كونه جبرئيل u ([404])، ومن كونها امرأة من الأنصار([405]).
ومن ذلك: عدد الطير، من واحد كما في أكثر الروايات، وطيرين كما في البعض الآخر([406]). وغيرها من اضطراب الروايات.
وقد رُد على هذا الاستدلال من وجوه:
أولًا: أن أكل الطير ليس فيه أمر عظيم يناسب أن يجيء أحب الخلق إلى الله ليأكل منه.
 ثانيًا: هذا الحديث يناقض مذهب القوم؛ فإنهم يقولون: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم أن عليًا أحب الخلق إلى الله، وأنه جعله خليفة من بعده، وهذا الحديث يدل على أنه ما كان يعرف أحب الخلق إلى الله.
ثالثًا: أنه لا يلزم أن يكون أحب الخلق إلى الله صاحب الرئاسة العامة، فكأين من أولياء وأنبياء كانوا أحب الخلق إلى الله في زمانهم ولم يكونوا ذوي رياسة عامة، كزكريا ويحيى وشمويل الذي كان طالوت في زمنه صاحب رياسة عامة بنص إلهي.
رابعًا: أن يقال: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعرف أن عليًا أحب الخلق إلى الله أو لا يعرف، فإن كان يعرف ذلك فيمكنه أن يرسل في طلبه، أو يقول: اللهم ائتني بعلي. وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعرف ذلك بطل ما يدعونه من كونه يعرف ذلك.
ثم إن في لفظة: (أحب الخلق إليك وإلي) إشكال، فكيف لا يعرف أحب الخلق إليه؟!

الاستدلال بحديث الثقلين
وقبل الكلام فيه نقول: رغم اضطراب أسانيد روايات الفريقين فيه، إلا أن البعض يصحح الحديث بمجموع طرقه، ويخالفهم في ذلك آخرين. وحديث الثقلين هو قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا..» فاقتصرت بعض الروايات على ذكر كتاب الله([407]). وفي أخرى: «وعترتي»([408]). وأخرى: «وعترتي أهل بيتي»([409]). وأخرى: «وسنتي»([410]).
فإذا علمت هذا، وإذا سلمنا جدلاً بصحة رواية "وعترتي" فيكون الكلام في وجه الاستدلال.. أما القرآن فقد علمت موقف القوم منه في الباب الثاني؛ إذ لم يتمسكوا بكتاب الله لزعمهم أنه محرف، وقد زيد فيه ونقص، فعليه سقط نصف استدلالهم بالحديث، وهو قولـه صلى الله عليه وآله وسلم: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدًا، كتاب الله..» الحديث.
أما العترة فالأمر فيهم واسع، فعترة الرجل في اللغة هم نسله كولده وولد ولده، أي: الذكور من الأولاد، وهذا إشكال قد يخرج عليًا من كونه من العترة.
وتوسع البعض، فقال: إن عترة الرجل هم أدنى قومه إليه في النسب، ورهطه، ورهط الرجل قومه وقبيلته.. إلى غير ذلك([411]).
وعلى الأخير ندلل ببعض الروايات من طرق الإمامية: فعن علي قال: «يا رسول الله، إنك لتحب عقيلًا؟ قال: إي والله، إني لأحبه حبين: حبًا له وحبًا لحب أبي طالب له، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك...ثم قال: إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي»([412]).
وعن أبي بكر الصديق قال: «نحن عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم »([413]).
وعن زيد بن علي بن الحسين رضي الله عنهم أنه قال: «أنا من العترة»([414]). وكذا قال أبناء مسلم بن عقيل رضي الله عنهم ([415]).
نعم، قد يسأل سائل فيقول: إنه صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر بالتمسك بالعترة وهو لفظ عام؛ ولكنه خص التمسك بالأهل من دون سائر العترة بقولـه: «وعترتي أهل بيتي»، فوجه الحكم إلى من استحق هذين الاسمين.
فنقول: لِمَ لَم يقتصر على ذكر الأهل فحسب، فيقول: وكتاب الله وأهل بيتي؟ هذا على فرض حمل الأهل على ما يراه القوم، فمعلوم أن الأهل داخلون في العترة وليس العكس، ولكن إذا علمنا من هم الأهل -كما مرَّ بك في آية التطهير- لا نرى داعيًا لكل هذا التكلف، ولكن لا بأس أن نزيد هنا نصوصًا أخرى تدل على أن أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعم وأشمل بكثير من هذا الحصر.
فقد سبق ذكر رواية أم سلمة، ورواية واثلة بن الأسقع، وجعلهما من آل البيت على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك رواية علي وجعله زوجة الرجل من آل بيته، فراجعها إن شئت، وإليك مزيدًا من الروايات:
منها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الثقلين نفسه بعد أن قال: «إني تارك فيكم الثقلين..» الحديث، قيل له: «فمن أهل بيتك؟ قال: آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل عباس»([416]).
والطريف أن القوم وضعوا رواية في موضوعنا هذا تفيدنا ولا تخدمهم، حيث زعموا أن الباقر قال في قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أوصيكم بكتاب الله وأهل بيتي. لو سكت رسول الله ولم يبين أهلها لادعاها آل عباس، وآل عقيل، وآل فلان، وآل فلان، ولكن أنزل في كتابه: (((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)) [سورة الأحزاب]، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم تحت الكساء..» وذكر القصة([417]).

فهم يقرون هنا بأن حديث الثقلين إنما كان قبل نزول آية التطهير التي بيَّن فيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم -بزعمهم- من هم أهل البيت، وعلى هذا فمن هم الذين أوصى أصحابه بالتمسك بهم مع القرآن كما في حديث الثقلين في غدير خم، وذلك في الفترة الفاصلة بين حديث الثقلين هذا، وبين نزول آيه التطهير كذلك؟ فتأمل!
وعن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إني تارك فيكم الثقلين، أولهما: كتاب الله، ثم قال: وأهل بيتي، فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن من حرم عليه الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس، قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم»([418]).
وفي مرض موته صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع البكاء قال: «من هؤلاء؟ قالوا: الأنصار، فقال: من هنا من أهل بيتي؟ قالوا: علي والعباس، فدعاهما وخرج متوكئًا عليهما..» الرواية([419]).
وعن سلمان الفارسي قال: «كنت جالسًا عند النبي في المسجد، إذ دخل العباس بن عبد المطلب فسلم، فرد النبي ورحب به، فقال: يا رسول الله، بم فضل علينا أهل البيت علي بن أبي طالب والمعادن واحدة؟ فقال النبي: إذن أخبرك يا عم..» الرواية([420]).
وعن الباقر قال: «لما أمر العباس وغيره بسد الأبواب وأذن لعلي بترك بابه، جاء العباس وغيره من آل محمد، فقالوا: يا رسول الله، ما بال علي يدخل ويخرج؟ فقال رسول الله: ذلك إلى الله، فسلموا له حكمه»([421]).
فمن يقصد بقولـه: «وجاء العباس وغيره من آل محمد؟!».
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: «زوجتك خير أهل بيتي، أقدمهم سلمًا، وأعظمهم حلمًا، وأكبرهم علمًا»([422]).
وعن ابن عباس ب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يا معشر الأنصار، يا معشر بني هاشم، يا معشر بني عبدالمطلب، أنا محمد أنا رسول الله، ألا وإني خلقت من طينة مرحومة في أربعة من أهل بيتي: أنا وعلي وحمزة وجعفر»([423]).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «إن إلهي اختارني في ثلاثة من أهل بيتي، وأنا سيد الثلاثة وأتقاهم لله ولا فخر، اختارني وعليًا وجعفرًا ابني أبي طالب، وحمزة بن عبدالمطلب»([424]).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم في مرض موته لفاطمة ل بعد أن سألته: «أي أهل البيت أفضل؟ قال: علي بعدي أفضل أمتي، وحمزة وجعفر أفضل أهل بيتي بعد علي وبعدك، وبعد ابنَيَّ وسبطَيَّ»([425]).
وفي غزوة بدر لما استشهد شيبة بن عبد المطلب قال صلى الله عليه وآله وسلم فيه: بأنه أول شهيد من أهل بيتي([426]).
وإن شئت أعم من هذه الروايات فإليكها:
قال صلى الله عليه وآله وسلم: «يا بني عبدالمطلب، إني سألت الله لكم أن يعلم جاهلكم، وأن يثبت قائمكم، وأن يهدي ضالكم، وأن يجعلكم نجداء جوداء رحماء، ولو أن رجلًا صلى وصف قدميه بين الركن والمقام ولقي الله ببغضكم أهل البيت دخل النار»([427]).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «فوالذي نفسي بيده، لو أن رجلًا صفن بين الركن والمقام صائمًا وراكعًا وساجدًا، ثم لقي الله عزوجل غير محب لأهل بيتي لم ينفعه ذلك، قالوا: ومن أهل بيتك يا رسول الله؟ أو أي أهل بيتك هؤلاء؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: من أجاب منهم دعوتي، واستقبل قبلتي، ومن خلقه الله مني ومن لحمي ودمي، فقالوا: نحن نحب الله ورسوله وأهل بيت رسوله، فقال: بخٍ بخ، فأنتم إذًا منهم، أنتم إذًا منهم ومعهم، والمرء مع من أحب، وله ما اكتسب»([428]).
فكم من أهل بيته استجاب لدعوته؟
ولما سئل صلى الله عليه وآله وسلم عمن يغسله، ويكفنه، ويدخله القبر؟ قال: «رجال أهل بيتي، الأدنى فالأدنى»([429]).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: «يا علي، كن أنت وابنتي فاطمة والحسن والحسين، وكبروا خمسًا وسبعين، ثم من جاء من أهل بيتي يصلون علي فوجًا فوجًا...» الحديث([430]).
وهذا الحسن في كتاب الصلح إلى معاوية، قال: «وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه، وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء، وبما أعطى الله من نفسه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله غائلة سرًا ولا جهرًا، ولا يتخيف أحدًا منهم في أفق من الآفاق»([431]).
ونحن نعلم أنه عندما قال هذا لمعاوية كان أبوه الأمير وأمه الزهراء ب قد ماتا، وهو قد ذكر بقية أهل الكساء، وهم نفسه وأخوه الحسين ب، فمن يقصد بقولـه: «ولا لأحد من أهل بيت رسول الله؟!».
وعن الصادق قال: «ليس منا أحد إلا وله عدو من أهل بيته»([432]). فمن يا ترى مِنْ أهل الكساء كان عدوًا لأهل الكساء؟!
وعلى أي حال، فالمسألة فيها طول، والروايات القليلة التي أوردناها كلها تدل دلالة واضحة على فساد الحصر المذكور عند القوم، وقد بينا عند حديثنا عن روايات آية التطهير أن خروج باقي الأئمة مستلزم بذات الاعتبار، ونزيد هنا أن بعض الروايات ذهبت إلى أبعد من هذا ولو على سبيل التشريف كما في بعضها:
فعن الديلمي قال: قلت لأبي عبدالله: «جعلت فداك، من الآل؟ قال: ذرية محمد».
وفي رواية: عن أبي بصير قال: قلت لأبي عبدالله: «من آل محمد؟ قال: ذريته»([433]).
وفي بعض الروايات: «أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: أمتي آلي».
وفي أخرى: قال: «آل محمد أمته»([434]).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سلمان الفارسي: «سلمان منا أهل البيت»([435]).
ولأبي ذر الغفاري: «يا أبا ذر، إنك منا أهل البيت»([436]).
وللمقداد: «المقداد منا أهل البيت»([437]).
وقال علي في الزبير: «ما زال الزبير رجلًا منا أهل البيت»([438]).
وقال في الراهب الذي لقيه في طريقه إلى صفين وأسلم واستشهد معه في المعركة: «هذا منا أهل البيت»([439]).
وكذا قول الصادق لأكثر من واحد من أصحابه: «إنه منا أهل البيت»([440]).
وقال ابن الحنفية في قولـه تعالى: ((قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)) [الشورى:23]، قال: «نحن من أهل البيت وقرابته»([441]).

وعن حذيفة بن اليمان قال: «نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى زيد بن حارثة، فقال: المقتول في الله، والمصلوب في أمتي، والمظلوم من أهل بيتي سمي هذا، وأشار بيده إلى زيد بن حارثة، فقال: ادن مني يا زيد، زادك اسمك عندي حبًا، فأنت سمي الحبيب من أهل بيتي»([442]).
حتى جبرئيل u، ففي بعض روايات الكساء أنه دخل فيه فَتضاعفَ حُسنه وبهاؤه، ولما سألته الملائكة عن ذلك؟ قال: «كيف لا أكون كذلك وقد شرفت بأن جعلت من آل محمد وأهل بيته؟»([443]).
وهذا الباقر يقول لسعد بن عبد الملك وهو من بني أمية: «أنت أموي منا أهل البيت»([444]).
ويروي القوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة ل: «يا عائشة، إنك لتقاتلين عليًا، ويصحبك ويدعوك إلى هذا نفر من أهل بيتي وأصحابي»([445]).
فمن من أصحاب الكساء كان معها ل؟
وعن محمد بن علي بن الحنفية قال: «إنما حبنا أهل البيت شيء يكتبه الله في أيمن قلب العبد»([446]).
ولا نمل القارئ بإيراد كل ما ورد في الباب من روايات، فهي كثيرة جدًا، ولم نعلق على أكثرها، إنما سردناها سردًا هنا لدلالتها الواضحة في بيان المقصود، وأن مفهوم أهل البيت أعم بكثير مما يراه القوم، بعد بيان فساد الحصر المزعوم في الخمسة أصحاب الكساء.

الاستدلال بحديث غدير خم
خم: غدير يقع في وادي الأراك على عشرة فراسخ من المدينة وعلى أربعة أميال من الجحفة، ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عنده في حق علي بن أبي طالب: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه..» وغيره من ألفاظ قريبة وردت من طرق يشد بعضها بعضًا.
ولكن لا شك أن حديثًا كهذا لا يستوجب كل ما أورده القوم فيه، ولا يستوجب وضع المجلدات الكبار فيه، كما فعل البعض. وحيث إن ديدن القوم وضع الأحاديث لإثبات معتقدهم، فلا شك أنهم قد أطلقوا العنان لتفكيرهم في روايتنا هذه -خاصة وأن لها أصلًا- حيث نسجوا حولها الأساطير، فغدا باعًا بعد أن كان ذراعًا.
ومن ذلك: جعلهم نزول بعض الآيات فيها كآية التبليغ، وآية إكمال الدين وإتمام النعمة.. وغيرهما.
وتفنن كل واحد منهم في جعل هذا الأصل الذي ذكرناه من الحديث بطريقته الخاصة، حتى جعلها البعض أقرب إلى الروايات القصصية منها إلى الهدي النبوي.
ولا نطيل في هذا، ولكن نشرع في بيان المطلوب.. فقد ذكرنا أن ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الغدير هو قولـه الذي ذكرناه أو قريبًا منه، أما القوم فقد ملئُوا كتبهم من أن الله عزوجل قد حذَّر نبيه من كتمان أمر الوصية، حتى أنزل في ذلك قولـه تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)) [المائدة:67]، فقام خطيبًا في الناس في غدير خم، وكان ذلك يوم الثامن عشر من ذي الحجة، وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، فأنزل الله عزوجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3]».

فهذا موجز للقصة، وكما ذكرنا أنه لم يصح من قصتنا هذه إلا ما أثبتناه، أما الشطر الثاني من الحديث، وهو قولـه صلى الله عليه وآله وسلم: «وانصر من نصره، واخذل من خذله...» فقد اضطربت طرق هذه الزيادة، ولا ينبغي لها أن تصح لمخالفتها الواقع؛ فإن الله عزوجل قد نصر من خذله -بزعم القوم- وخذل من نصره، فضلًا عن أن فيه عدم استجابة الله عزوجل لدعائه صلى الله عليه وآله وسلم على افتراضه. فالشاهد أنه لم يصح في قصة الغدير نزول شيء من كتاب الله، رغم استماتة القوم في إثبات ذلك. وليت شعري! هل يدلنا القوم ولو على رواية واحدة على الأقل صحت في هذا الباب. أو رواية مسندة معتبرة لتلك التهويلات المصطنعة والتكلف الواضح كما في بعض الروايات التي وضعوها؛ لتناسب مزاعمهم في شأن القصة من رد من تقدم من القوم وحبس من تأخر، وأنه كان يومًا هاجرًا يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء.. إلى آخر ما نسجته خيالاتهم، وأن حسان بن ثابت أنشد في ذلك أبياتًا معروفة.. وغيرها من مسائل أوهموا الخلق، أو هكذا ظنوا أنها من المسلمات عند جميع المسلمين بتفاصيلها المزعومة عند القوم، وأن كتب أهل السنة طافحة بذكرها، دون بيان الفرق بين الإيعاز والتخريج، ودون بيان أن ما أورده أهل السنة إنما كان على سبيل ذكر كل ما له صلة بالباب الذي يصنفون فيه، وليس بالضرورة اعتقادهم بصحة ما أوردوه فيه، وهذا هو علة إيراد مؤرخي ومحدثي المسلمين قاطبة من شيعة وسنة للروايات بأسانيدها، عملًا بمبدأ أن من أسند فقد برئت ذمته، وإنما على المحقق أن يتبين صحة أسانيد تلك المرويات.
وليت الأميني الذي سَوَّد أو سُوِّد له كل هذه الصفحات من غديره، بيَّن لنا أهمية ذكر الأسانيد التي تشغل عادة لو جمعت مجلدًا أو أكثر من أصل مجموع المصنف ذاته. وليته أخبرنا عن كل تلك المصنفات التي وضعها أضرابه في علم الرجال، حتى جمعها آقا بزرك الطهراني فبلغت المئات([447])، لماذا وضعت لو كانت المسألة بِبَساطةِ نَقلِ الأميني وأمثاله للروايات دون بيان صحتها إلا فيما يتعارض مع معتقدهم؟ فتجده وأمثاله ينقلون ما يؤيد معتقدهم بلا زمام ولا خطام من دون بيان صحة أو إثبات، فإذا عارض معتقدهم فهنا تأتي محاولة التمحيص والتنقيب، وهل حملهم على كل ذلك إلا الهوى المحض لا طلب الحق! فالله المستعان.
     وعلى أي حال، فقد أوقفناك على الصحيح الذي ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حق علي رضي الله عنه في غدير خم. فإذا عرفت هذا فيكون الكلام فيما صح من أمر الغدير وبيان وجه الاستدلال به، ولكن قبل هذا لا أرى بأسًا من تعليق بسيط فيما يتعلق بشأن زعم نزول الآيتين الكريمتين: [التبليغ، وإكمال الدين] في قصة الغدير.
فأقول: إن القوم أثبتوا في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يحرسه أصحابه، فأنزل الله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) [المائدة:67]، فترك الحرس حين أخبره تعالى أنه يعصمه من الناس لقولـه: ] ª!$#ur šßJÅÁ÷èƒ z`ÏB Ĩ$¨Z9$# [ [المائدة:67]. وفي رواية: قال لحراس من أصحابه كانوا يحرسونه -منهم: سعد، وحذيفة-: «الحقوا بملاحقكم؛ فإن الله سبحانه عصمني من الناس»([448]).. وغيرها.
وهذا تمامًا ما أثبته أهل السنة في كتبهم من طرق صحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أضف إلى ذلك أن سورة المائدة -التي منها هاتان الآيتان- قد نزلت بالمدينة، إلا آية إكمال الدين، وقد أثبت القوم ذلك في تفاسيرهم([449])، وهو الصحيح، وآية إكمال الدين هذه نزلت يوم عرفات، كما ثبت بالنقل الصحيح، وقد سلَّم القوم بذلك([450]).
فتبين عندك أنه لم ينزل يوم الغدير الذي هو يوم الثامن عشر من ذي الحجة شيء من القرآن، وحسب هذا الاستدلال كل هذا الاضطراب.
وهذا أيضًا يجرنا إلى القول بأن ما أنزل الله بشأنه آية إكمال الدين يوم عرفة إنما كان ركن الحج الذي هو آخر أركان الدين. نعم، نزلت بعض مسائل الحلال والحرام بعدها، وإنما القول هنا بإكمال أركان الإسلام، وهذا يعني أن الغدير وما كان فيه لم يكن من أركان الإسلام، هذا إن كان فيه أصلًا ما يفيد ذلك، وستقف على خلافه.
وكان للقوم في هذا الإشكال -أعني: أن أركان الإسلام اكتملت بركن الحج ونزول آية الإكمال، وهي تفيد الحصر الزمني بذلك اليوم والإكمال بصيغة وقوع الفعل لقولـه: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة:3] أي: أن يوم إكمال الدين إنما كان يوم عرفة، وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وليس يوم الغدير الذي كان في اليوم الثامن عشر منه.
أقول: وقد كان للقوم في هذا الإشكال اضطرابٌ بيِّنٌ وتكلف واضح في رده:
فمن ذلك: قول أحدهم: إنه من الجائز أن ينزل الله سبحانه معظم السورة وفيه قولـه: ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)) [المائدة:3]، وينزل معه أمر الولاية كل ذلك يوم عرفة، فأخر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيان الولاية إلى غدير خم، وقد كان تلا آيتها يوم عرفة([451]).

وقبله نسبوا إلى الباقر أنه قال في حديث طويل عما فرض الله عزوجل على العباد: «ثم نزلت الولاية، وإنما أتاه ذلك في يوم الجمعة بعرفة، أنزل الله عزوجل:(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة:3] وكان كمال الدين بولاية علي بن أبي طالب...» الرواية([452]).
فأنت ترى هنا تصريحًا بنزولها يوم عرفة، أي: يوم التاسع من ذي الحجة، فكيف يزعم القوم أنها نزلت يوم الثامن عشر منه، أي: يوم الغدير، وقد رد البعض على هذه الرواية بأن عرفة يحتمل أن تكون هنا بالضم، وهي اسم لثلاثة عشر موضعًا، فلا يبعد أن يكون أحدها قريبًا من غدير خم([453])، والقوم معذورون؛ إذ قد اضطربوا بهذه الروايات.
ثم لا أدري كيف يمكن تلاوة آية تفيد وقوع الإكمال للدين، وفي يوم محدد وهو يوم عرفة في هذا الحشد الهائل ممن كان معه صلى الله عليه وآله وسلم والذي بلغ في رواية تسعين ألفًا. وفي أخرى: مائة ألف وأربعة عشر ألفًا. وأخرى: مائة ألف وعشرون ألفًا. وأخرى: مائة ألف وأربعة وعشرون ألفًا، وقيل غير ذلك([454]). وبعد بيان مناسك الحج الذي هو آخر الأركان، وذكرِ القواعد العامة للإسلام كما جاء في خطبة الوداع باتفاق المسلمين، وقولـه صلى الله عليه وآله وسلم: «ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ فقال من حضر: نعم، فقال: اللهم اشهد»، وأمر بتبليغ الحاضر للغائب، ويكون مما أمر بتبليغه حصل ذلك اليوم.
لا أدري كيف يكون هذا؟ ثم يأتي قائل فيقول: إن أمر الولاية نزل يوم عرفة، فأخر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيان ذلك حتى بلغ غدير خم الذي يقع على بعد عشرة فراسخ من المدينة، وعلى أربعة أميال من الجحفة، حيث إن كثيرًا من الذين حجوا معه أو أكثرهم لم يكونوا معه يوم الغدير، بل بقي أهل مكة في موطنهم، ورجع أهل الطائف وأهل اليمن وأهل البوادي القريبة من ذاك إلى مواطنهم، وإنما رجع معه أهل المدينة ومن كان قريبًا منها، حيث لم يبق معه يوم الغدير -حسب روايات القوم- سوى اثني عشر ألف رجل، أو عشرة آلاف رجل كما في أخرى، أو ألف وثلاثمائة رجل كما في رواية الباقر([455])، من أصل المائة ألف وأربعة وعشرين ألفًا الذين كانوا معه يوم عرفة، كما مرَّ بك.
فدل ذلك على أن ما جرى يوم الغدير لم يكن مما أمر بتبليغه كالذي بلغه صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع، والذي لم يصح فيه ذكر لعلي، وأن قولـه صلى الله عليه وآله وسلم: «هل بلغت؟» دليل على أن الله عزوجل ضمن له العصمة من الناس إذا بلغ الرسالة، مما يدل على أن نزول آية التبليغ سابقة ليوم عرفة فضلًا عن يوم الغدير، حيث لم يكن خائفًا من أحد يحتاج أن يعتصم منه، بل كل من كان معه مسلمون منقادون له، ليس فيهم كافر، والمنافقون مقموعون مسرون للنفاق ليس فيهم من يحاربه ولا من يخاف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منه، كما قيل في ذلك.
ومن الطرائف: أن القوم ملئُوا كتبهم من حماس النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ ولاية علي إلى قومه قبل ذلك بكثير، خلافًا لمشيئة الله عزوجل كما تروي رواياتهم، وهو الأمر الذي نراه قد انقلب تمامًا هنا، فمن هذه الروايات:
ما نسبوه إلى الباقر أنه قال في قولـه تعالى: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)[الإسراء:110] قال: «لا تجهر بولاية علي فهو الصلاة، ولا بما أكرمتك به حتى آمرك، فأما قوله: (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) [الإسراء:110] يقول: تسألني أن آذن لك أن تجهر بأمر علي بولايته، فأذن له بإظهار ذلك يوم غدير خم، فهو قولـه يومئذٍ: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه»([456]).
فأنت ترى أنه صلى الله عليه وآله وسلم بزعم القوم أراد إبلاغ ولاية علي بن أبي طالب قبل الغدير بأكثر من عشر سنوات؛ سورة الإسراء التي منها هذه الآية من السور المكية. بل نراه يوم عرفة غير هائب لقومه في بيان فضائل علي على الملأ، كما يروي القوم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إني رسول الله إليكم غير هائب لقومي ولا محاب لقرابتي، هذا جبرئيل يخبرني أن السعيد كل السعيد حق السعيد من أحب عليًا في حياتي وبعد موتي»([457]). ثم يقولون بتردده حتى يوم الغدير، والغريب أن القوم وهم يقولون بعصمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة بالصورة التي ذكرناها لك عند الكلام في آية التطهير، وبالرغم من استماتتهم في رد كل ما ينافي تلك العصمة، نراهم هنا يستميتون في بيان خلاف ذلك؛ لأنهم يرون أن في ذلك خدمة لمعتقدهم. فلم نر أحدًا منهم رد على هذا الأمر الذي فيه خلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ أمرٍ من أمور الشرع، حتى بدأ الناس ينفضون من حوله ويعودون إلى أوطانهم، حتى لم يبق معه سوى القليل، وكان جبرئيل u ينزل المرة تلو الأخرى بالأمر بتبليغ رسالة ربه، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يتردد، حتى استوجب غضب الله عزوجل وتهديده، حتى قال هو صلى الله عليه وآله وسلم كما مرَّ بك بزعم القوم: «تهديد بعد وعيد، لأمضين أمر الله عزوجل؛ فإن يتهموني ويكذبوني فهو أهون علي من أن يعاقبني العقوبة الموجبة في الدنيا والآخرة».
فلم نجد أحدًا منهم رد هذا الخلاف البين المنافي للعصمة بل نرى العكس، فقد وضعوا في إثبات ذلك روايات عدة، منها ما هو في غير هذه المناسبة، بل إن ذلك كان منه صلى الله عليه وآله وسلم بزعمهم منذ بدء الدعوة، فمن هذه الروايات:
عن علي قال: «لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) [الشعراء:214] دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لي: ياعلي، إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، قال: فضقت بذلك ذرعًا وعرفت أني متى أناديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فَصَمتُّ على ذلك وجاءني جبرئيل u، فقال: يا محمد، إنك إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك عزوجل...» الرواية([458]).
وعن جابر الجعفي قال: قرأت عند أبي جعفر قول الله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران:128] قال: «بلى والله، إن له من الأمر شيئًا وشيئًا وشيئًا، وليس حيث ذهبت، ولكني أخبرك، ثم ذكر أن الله عزوجل أمر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بإظهار ولاية علي، ففكر في عداوة قومه له ومعرفته بهم.. إلى أن قال: ضاق عن ذلك صدره، فأخبر الله أنه ليس له من هذا الأمر شيء»([459]).
ومنها: أن جبرئيل u نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بولاية علي، فقال: «يا جبرئيل، أخاف مِنْ تشتت قلوب القوم -وفي رواية: وبكى- فقال له جبرئيل ×: ما لك يا محمد؟ أجزعت من أمر الله؟ فقال: كلا يا جبرئيل، ولكن قد علم ربي ما لقيت من قريش إذ لم يقروا لي بالرسالة حتى أمرني بجهادي، وأهبط إلي جنودًا من السماء فنصروني، فكيف يقروا لعلي من بعدي؟ فانصرف عنه جبرئيل، ثم نزل عليه: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ) [هود:12]»([460]).
وفي أخرى متصلة بالغدير: عن الباقر قال: «فلم يبلغ ذلك وخاف الناس». وفي أخرى: «وامتنع رسول الله من القيام بها لمكان الناس»([461]).
بل وجعلوا ذلك في أدعية يوم الغدير، حيث ذكروا في ذلك عن الصادق في دعاءٍ طويل فيه: «أمرته أن يبلغ عنك ما أنزلت إليه من موالاة ولي المؤمنين وحذرته وأنذرته إن لم يبلغ أن تسخط عليه»([462]).. وهكذا.
بل وذكروا أن حفيد إبليس كان أحرص على ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث رووا أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسلم عليه، وقال: «من تكون؟ فقال: أنا الهام بن الهيم بن لاقيس بن إبليس، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: بينك وبين إبليس أبوان؟ قال: نعم يا رسول الله، فذكر حديثًا طويلًا فيه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سأل الهام حاجته؟ فقال: حاجتي أن تأمر أمتك أن لا يخالفوا أمر الوصي»([463])، وغيرها.
فكيف يقرون بصدور كل هذا منه صلى الله عليه وآله وسلم من تردد وخشية الناس، وهو الذي نزل عليه قولـه تعالى: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) [الأحزاب:37] في مسألة من المباحات، بينما نجده هنا في مسألة من أعظم أركان الدين بزعم القوم.
ومن الطرائف: أن من قال من المسلمين بجواز الخطأ على الأنبياء إنما قال ذلك في الجانب البشري لا التشريعي، أو فيما يبلغه صلى الله عليه وآله وسلم عن ربه، خلافًا لمعتقد القوم في العصمة من أن الأنبياء والأئمة معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنبًا صغيرًا ولا كبيرًا ولا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، ومن نفى عنهم العصمة في شيء من أحوالهم فقد جهلهم، وأن ذلك يكون قبل النبوة والإمامة وبعدها، بل من وقت ولادتهم إلى أن يلقوا الله سبحانه، فلا يقع منهم ذنب أصلًا لا عمدًا ولا نسيانًا ولا خطأ في التأويل ولا إسهاءً من الله سبحانه... إلى آخر ما قالوه في هذا الشأن، ولكن تراهم هنا قد تغاضوا عن كل ما بنوه وأسسوه، وجوزوا ذلك عليه، وهذا في الجانب التبليغي، وهذا من عجائب التناقضات عند القوم وما أكثرها!
نعود إلى الكلام أيضًا في شأن هذه الآية -أعني: آية التبليغ- فالاستدلال هنا كما ترى وكما ذكرنا إنما هو بالقرآن، والآية عامة في كل ما نزل، وليس فيها ذكر لشيء معين، فما استدل به القوم إنما هو استدلال بالخبر لا بالقرآن؛ لخلوه من ذكر علي. وعندما تفطن بعضهم إلى هذا -مع يقينهم بعدم صحة كل ما أوردوه في إثبات نزول الآية في هذا المقام كما مر بك- ذهب إلى القول بأن اسم علي كان من ضمن ألفاظ الآية إلا أنه حذف.
ومن ذلك: قول القمي صاحب التفسير في مقدمته: «وأما ما هو محرف، فمنه قولـه: [يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك في علي وإن لم تفعل فما بلغت رسالته]»([464]).
ومنها: ما رووه عن زر، عن أبي عبدالله قال: «كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: [يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك أن عليًا مولى المؤمنين، فإن لم تفعل فما بلغت رسالته، والله يعصمك من الناس]»([465]).
ومنها: عن عيسى بن عبدالله، عن أبيه، عن جده في قولـه: «[يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك في علي، وإن لم تفعل عذبتك عذابًا أليما]، فطرح عدوي -أي: عمر- اسم علي»([466]). وغيرها([467]).
وليس هناك أدل من هذا على تهافت هذا الاستدلال.
إلى هنا تبين لنا بالدلائل القاطعة فساد كل ما قيل في شأن الغدير من نزول آيات من القرآن، ومن تردد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تبليغ ما أمر به، ومن كون ذلك منذ يوم عرفة، ومن روايات مصطنعة بتكلف بَيّن، مثل رَدِّ مَنْ تقدم من القوم وحبس من تأخر، وأنه كان يومًا هاجرًا يضع الرجل بعض ردائه على رأسه وبعضه تحت قدميه من شدة الرمضاء.. إلى آخر ما وضعوه في ذلك، حتى خلصنا إلى بيان أن ما كان من شأن غدير خم ليس سوى قولـه صلى الله عليه وآله وسلم: «من كنت مولاه، فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه» ولكن ما الذي استوجب قولـه صلى الله عليه وآله وسلم لهذا في حق علي ؟
لا جدال في أن عليًا كان في اليمن عند خروج الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى حجة الوداع، وأنه لحق به وحج معه([468])، وهناك في اليمن حصلت أمور بينه وبين أصحابه توضحها روايات عدة:
منها: ما رواه عمرو بن شاس الأسلمي: أنه كان مع علي بن أبي طالب في اليمن، فجفاه بعض الجفاة فوجد عليه في نفسه، فلما قدم المدينة اشتكاه عند من لقيه، فأقبل يومًا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في المسجد، فنظر إليه حتى جلس إليه، فقال: «يا عمرو بن شاس، لقد آذيتني، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون! أعوذ بالله وبالإسلام أن أؤذي رسول الله، فقال: من آذى عليًا فقد آذاني»([469]).
وعن الباقر قال: «بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليًا إلى اليمن، فذكر قضاءه في مسألة فيها أن عليًا قد أبطل دم رجل مقتول، فجاء أولياؤه من اليمن إلى النبي يشكون عليًا فيما حكم عليهم، فقالوا: إن عليًا ظلمنا وأبطل دم صاحبنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن عليًا ليس بظلام»([470]).
وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد التوجه إلى الحج كاتب عليًا بالتوجه إلى الحج من اليمن، فخرج بمن معه من العسكر الذي صحبه إلى اليمن ومعه الحلل التي كان أخذها من أهل نجران، فلما قارب مكة خلف على الجيش رجلًا، فأدرك هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أمره بالعودة إلى جيشه، فلما لقيهم وجدهم قد لبسوا الحلل التي كانت معهم، فأنكر ذلك عليهم، وانتزعها منهم، فاضطغنوا لذلك عليه، فلما دخلوا مكة كثرت شكايتهم من أمير المؤمنين، فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديه فنادى في الناس: «ارفعوا ألسنتكم عن علي بن أبي طالب؛ فإنه خشن في ذات الله عزوجل، غير مداهن في دينه»([471]).
وعن عمران بن حصين قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشًا واستعمل عليهم علي بن أبي طالب، فمشى في السرية وأصاب جارية، فأنكروا ذلك عليه، وتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله، فقالوا: إذا لقينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرناه بما صنع علي.. فذكر شكوى الأربعة وإعراض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم، وقولـه: من كنت مولاه فعلي مولاه»([472]).
وهكذا بدأت تتضح الصورة.
وعن بريدة قال: « غزوت مع علي اليمن، فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنقصته، فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتغير، فقال: يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: فمن كنت مولاه فعلي مولاه»([473]).
فدلت هذه الروايات وغيرها كثير، على أن سبب قولـه صلى الله عليه وآله وسلم لذلك إنما كان بسبب شكوى الناس منه.
والغريب أن كتب القوم تذكر أن قولـه صلى الله عليه وآله وسلم في حق علي: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، قد كان تكرر منه قبل الغدير بسنين عديدة، مما يدل على أنه ليس فيما كان في يوم الغدير خاصية مختلفة لقولـه هذا عن ذي قبل، سوى أن قولـه يوم ذاك كان في محضر كثير من أصحابه الذين خرجوا معه للحج، ومن تكرار شكوى الناس منه في اليمن، فتوهم من توهم أن قولـه ذلك إنما كان لبيان إمامته، وأضافوا من عند أنفسهم ما يؤيد هذا الزعم؛ من نزول آيات التهديد والوعيد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن لم يبلغ ذلك الزعم... إلى آخر ما مر بك.
وكما ذكرنا أن ذلك كان منه قبل الغدير، فقد ذكر القوم كثيرًا من الروايات في ذلك:
منها: ما كان يوم المؤاخاة الذي ذكرناه، حيث آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار وأخد بيده فأرقاه المنبر، فقال: اللهم إن هذا مني وأنا منه، ألا إنه مني بمنزلة هارون من موسى، ألا من كنت مولاه فهذا علي مولاه»([474]).
والمؤاخاة كانت في بداية الهجرة.
ومنها: ما كان يوم التصدق بالخاتم بزعمهم، فعن زيد بن الحسن، عن جده قال: سمعت عمار بن ياسر يقول: «وقف لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة تطوع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعلمه ذلك، فنزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه الآية: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) [سورة المائدة]، فقرأها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علينا، ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»([475]).
ومنها: ما جاء في حديث الطير وقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، فجاء علي، فقال: اللهم وال من والاه وعاد من عاداه»([476]). وغيرها.
فهذه مواطن عدة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، وهي مقولة الغدير تمامًا، فما الذي استوجب كل ما ذكره القوم في حادثة الغدير من قصص وحكايات، وتهديد ونزول آيات، ما داموا يقرون أنه لم يكن منه غير هذه المقولة، وقد وردت عنه صلى الله عليه وآله وسلم منذ سنين عدة كما رأيت.. فإن كان في هذا دلالة على الإمامة فقد ذكرها قبل الغدير، وإن لم يكن فقد أسقط في يد القوم.
وهذا تمامًا كقولنا الذي كررناه، وهو إن كان ما نحن فيه من استدلال هو دليل النص على الإمامة، فقد أبطلوا النصوص السابقة منذ بدء العشيرة، مرورًا بحادثة (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) [سورة النجم]، والتصدق بالخاتم، ناهيك عما أوردناه في مقدمة الباب الأول([477])، وإن كان العكس فأي جديد في الغدير؟!
ويذكرني هذا بقول الصدوق في حديث الغدير: (ونظرنا فيما يجمع له النبي صلى الله عليه وآله وسلم الناس ويخطب به ويعظم الشأن فيه، فإذا هو شيء لا يجوز أن يكونوا علموه فكرره عليهم، ولا شيء لا يفيدهم بالقول فيه معنى؛ لأن ذلك صفة العابث، والعبث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منفي)([478]).
فهذا اعتراف من صدوق القوم أن كل ما مر بك من أول الكتاب إلى الاستدلال السابق ليس فيه ما يفيد النص على الإمامة لعلي ؛ لأنه بزعمه لا يجوز أن يكون شيئًا علموه فكرره عليهم.
وبعيدًا عن كل ما ذكرناه، لنتكلم الآن في دلالة ما صح من حديث غدير خم وهو قولـه صلى الله عليه وآله وسلم: «من كنت مولاه فهذا علي مولاه»، حيث إن هذا الجزء يكاد يتفق عليه جميع المسلمين، وهو صحيح كما ذكرنا في مقدمة هذا الاستدلال.
فنقول: ورد ذكر الموالاة ومشتقاتها في القرآن الكريم في عشرات المواضع منها: ((إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)) [المائدة:55].
وقولـه: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ)) [التوبة:71].
وقوله: ((وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) [الجاثية:19].
وقوله: ((ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ)) [محمد:11].
وقوله: ((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ)) [البقرة:257].
وقولـه: ((وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ * أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) [الشورى:8-9].
وقوله: ((إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)) [الأعراف:196].
وقوله: ((لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:28].
وقوله: ((الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)) [النساء:139].
وقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)) [النساء:144].
وقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ)) [المائدة:51].
وقوله: ((إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)) [الأعراف:27].
وقوله: ((إِنَّهُمْ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ)) [الأعراف:30].
وقوله: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا)) [الأنفال:72].
وقولـه: ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) [الأنفال:73].
وقولـه: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)) [التوبة:23].
وقولـه: ((وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)) [الجاثية:19].
وقوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ)) [الممتحنة:1]
وقولـه: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُوْلُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ)) [الأحزاب:6].
وقولـه: ((وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)) [الأنفال:40].
وقولـه: ((مَأْوَاكُمْ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)) [الحديد:15].
وقولـه: ((إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)) [التحريم:4].
فهذه الأمثلة من الآيات، وكذلك ما ورد في السنة الشريفة من الأحاديث وكذلك الآثار، تدل على أن معنى الموالاة تحمل على وجوه عدة ومعانٍ مشتركة قد تبلغ الثلاثين، ولا أرى بأساً من إيرادها، وهي: الرب، العم، ابن العم، الابن، ابن الأخت، المعتِق [بالكسر]، المعتَق [بالفتح]، العبد، المالك، التابع، المنعم عليه، الشريك، الحليف، الصاحب، الجار، النزيل، الصهر، القريب، المنعم، الفقيد، الولي، الأولى بالشيء، السيد غير المالك والمعتق، المحب، الناصر، المتصرف في الأمر، المتولي في الأمر([479])، وغيرها.
ولا شك أن كثيرًا من هذه الألفاظ لا تنطبق على حديثنا، ولكن أقربها إلى مدلوله هي لفظة [الموالاة] التي هي ضد المعاداة والمحاربة والمخادعة، وليست الإمارة والخلافة؛ لذا لم يقل صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت واليه فعلي واليه أو قريبًا من هذا.
وأما كون المولى بمعنى الوالي فهذا باطل؛ فإن الولاية تثبت من الطرفين؛ فإن المؤمنين أولياء الله وهو مولاهم، وفي الحديث دليل صريح على اجتماع الولايتين في زمان واحد، إذ لم يقع التقييد بلفظ [بعدي]، بل يدل سياق الكلام على التسوية بين الولايتين في جميع الأوقات من جميع الوجوه كما هو الأظهر، وشركة علي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في التصرف في عهده ممتنعة، فهذا أدل دليل على أن المراد وجوب محبته؛ إذ لا محذور في اجتماع محبتين، بل إحداهما مستلزمة للأخرى، سواء في حياتهما أو بعد وفاتهما صلوات الله عليهما، أما اجتماع التصرفين ففيه محذورات كثيرة كما لا يخفى.
وهذا يذكرنا بما أوردنا من ردود عند الكلام في استدلال التصدق بالخاتم، حيث ذكرنا هناك أن إمامته غير مرادة في زمان الخطاب؛ لأن ذلك عهد النبوة، والإمامة نيابة؛ فلا تتصور إلا بعد انتقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإذا لم يكن زمان الخطاب مرادًا، تعين أن يكون المراد الزمان المتأخر عن زمن الانتقال ولا حد للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى علي بعد مضي زمان أبي بكر وعمر وعثمان ي، وبهذا يتحقق الوفاق بين الفريقين.
نعم، لا يخلو تخصيص علي بالذكر بهذه الموالاة التي هي ضد المعاداة من علة، وقد بينا أن ذلك بسبب ما ذكرناه من شكوى الناس، ومن علمه صلى الله عليه وآله وسلم بالوحي من وقوع الفساد والبغي في زمن خلافته، وإنكار بعض الناس لإمامته بل ومحاربته، حتى احتج هو بحديث الغدير لإلزامهم بموالاته ومناصرته.
وهذا موافق تمامًا لقول العسكري لما سأله الحسن بن طريف: «ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمير المؤمنين: من كنت مولاه فعلي مولاه؟ قال: أراد بذلك أن جعله علمًا يعرف به حزب الله عند الفرقة»([480]).
وهذا الحسين يقول لجيش الشام: «أتعلمون أن عليًا ولي كل مؤمن ومؤمنة؟ قالوا: نعم»([481]). فهل فهموا من ذلك ما فهمه القوم، حتى بايعوا غيره، وقاتلوا ابنه ب ؟! وهكذا..
فأنت ترى أن القوم قد أوردوا في مصنفاتهم ما يفيد عدم فهم الناس لحديث غدير خم على أنها الخلافة العامة للمؤمنين كما يدعون، وإليك المزيد من هذه الروايات:
عن أبي إسحاق قال: قلت لعلي بن الحسين: «ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من كنت مولاه فعلي مولاه؟...» الرواية([482])؟ وعن أبان بن تغلب قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه؟ فقال: يا أبا سعيد، تسأل عن مثل هذا؟([483]). وعن أبي التيهان قال: «أنا أشهد على النبي أنه أقام عليًا، فقالت الأنصار: ما أقامه إلا للخلافة، وقال بعضهم: ما أقامه إلا ليعلم الناس أنه ولي من كان رسول الله مولاه»([484]). ويؤكد هذا رواية الصادق، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وعلي أولى به من بعدي، فقيل لي: ما معنى ذلك؟ قال: قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: من ترك دينًا أو ضياعًا فَعَلَيَّ، وَمَن ترك مالًا فلورثته»([485]).
فانظر هنا.. فرغم صراحة اللفظ إلا أنه لم يحمل على الخلافة العامة.. فتأمل!
وعن الصادق أيضًا قال: «لما أقام رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم غدير خم، أنزل الله تعالى على لسان جبرئيل، فقال له: يا محمد، إني منزل غدًا ضحوة نجمًا من السماء يغلب ضوءه على ضوء الشمس، فأعلم أصحابك أنه من سقط ذلك النجم في داره فهو الخليفة من بعدك، فأعلمهم رسول الله، فجلسوا كلهم كل في منزلـه يتوقع أن يسقط النجم في منزلـه، فما لبثوا أن سقط النجم في منزل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة»([486]).
فكأن واضع هذه الرواية المضحكة يؤكد ما نحن بصدده من عدم فهم من حضر الغدير وقد عرفت عددهم، وعرفت معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه»، من أنها تعني الخلافة بعده كما يزعم القوم، حتى انتظروا إلى يوم التاسع عشر من ذي الحجة ليروا على دار من سيسقط ذلك النجم، فيكون الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
والروايات في الباب كثيرة، وكلها تدل على خلاف مفهوم القوم ومقصودهم منها، وإليك المزيد:
عن سالم قال: قيل لعمر: «نراك تصنع بعلي شيئًا لا تصنعه بأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال: إنه مولاي».
وعن الباقر قال: «جاء أعرابيان إلى عمر يختصمان، فقال عمر: يا أبا الحسن، اقض بينهما. فقضى على أحدهما، فقال المقضي عليه: يا أمير المؤمنين، هذا يقضي بيننا؟ فوثب إليه عمر فأخذ بتلبيبه ولبّبه، ثم قال: ويحك ما تدري من هذا؟! هذا مولاي ومولى كل مؤمن، ومن لم يكن مولاه فليس بمؤمن»([487]).
فاسأل نفسك: هل فهم من وثب إلى الأعرابي أنه وثب على حق من اشتكى منه الأعرابي؟
ولعل أبلغ من هذا كله ذكر ما كان من أهل البيت، وهل أنهم فهموا مما كان من شأن الغدير ما ادعاه القوم لهم؟
ذكر القوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: «أما ترضى أن تكون أخي وأكون أخاك وتكون وليي ووصيي ووارثي([488])؟».
فهل يعني الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول لعلي: وتكون أميرًا أو خليفة علي؟
وعن الصادق قال: «لما فتح رسول الله مكة قام على الصفا، فقال: يا بني هاشم، يا بني عبدالمطلب، إني رسول الله إليكم، وإني شفيق عليكم، لا تقولوا: إن محمدًا منا، فوالله ما أوليائي منكم ولا من غيركم إلا المتقون»([489]).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قال الله ليلة الإسراء: اشهدوا يا ملائكتي وسكان سماواتي وأرضي وحملة عرشي أن عليًا وليي ووليُّ رسولي ووليُّ المؤمنين بعد رسولي»([490]).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لعلي: «إنك وليي، ووليي ولي الله، وعدوك عدوي، وعدوي عدو الله». وفي رواية: «ووليك وليي، ووليي ولي الله»([491]).
فماذا تفهم من هذه النصوص غير الموالاة التي هي المحبة.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «هبط عليّ جبرئيل، وقال: يا محمد، الله يقرئك السلام، ويقول لك: قد فرضت الصلاة ووضعتها عن المعتل والمجنون والصبي، وفرضت الصوم ووضعته عن المسافر، وفرضت الحج ووضعته عن المعتل، وفرضت الزكاة ووضعتها عن المعدم، وفرضت حب علي بن أبي طالب وفرضت محبته على أهل السماء والأرض، فلم أعط أحدًا رخصة»([492]).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أهل الكساء: «من والاهم فقد والاني، ومن عاداهم فقد عاداني»([493]).
وعن رباح بن الحارث قال: «جاء رهط إلى أمير المؤمنين، فقالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ فقالوا: سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وكان فيهم نفر من الأنصار، منهم: أبو أيوب الأنصاري صاحب رسول الله»([494]).
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لزيد: «أنت أخونا ومولانا»([495]).
فهذه الروايات التي سردناها سردًا دون تعليق -وغيرها كثير- تدل بوضوح على معنى الموالاة، بخلاف ما يدعيه القوم.
ولعل في ذكرنا للرواية الآتية كخاتمة لما أسلفناه أبلغ التدليل على مقصودنا، ففيها غنىً عن كل ما مر.
تقول الرواية: «إن هارون الرشيد سأل الكاظم: إنكم تقولون: إن جميع المسلمين عبيدنا وجوارينا، وإنكم تقولون: من يكون لنا عليه حق ولا يوصله إلينا فليس بمسلم. فكان مما رد عليه الكاظم: إن الذين زعموا ذلك فقد كذبوا، ولكن ندعي أن ولاء جميع الخلائق لنا -يعني: ولاء الدين- وهؤلاء الجهال يظنونه ولاء الملك، حملوا دعواهم على ذلك، ونحن ندعي ذلك لقول النبي يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلي مولاه، وما كان يطلب بذلك إلا ولاء الدين»([496]).
وقد ذكر القوم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: «سألت الله عزوجل أن يجعلك ولي كل مؤمن ومؤمنة ففعل»([497]).
فتدبر قولـه: «ففعل». فتحصل لديك من كل ما مر بك الاضطراب الشديد في فهم مقصود الموالاة، مما يتنافى مع القول بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم -وهو يريد بيان أعظم ركن من أركان الإسلام بزعم القوم، وفي هذا الحشد- قد استخدم كلامًا مبهمًا لبس على الناس أمرهم، وهو الذي أوتي جوامع الكلم، والقائل: «أنا أفصح العرب».
حتى أقر الطبرسي بذلك وقال: الا ترى كيف لم يصرح النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام بالخلافة بعده بلا فصل في يوم الغدير وأشار إليه بكلام مجمل مشترك بين معان يحتاج في تعين ماهو المقصود منها إلى قرائن([498]).
ويبدو أن القوم قد تفطنوا لهذا، أعني: عدم صراحة نص الغدير على مقصود الإمامة والخلافة، فوضعوا عشرات الروايات وكلها تدل دلالة واضحة على المقصود، وكأنهم بذلك أرادوا القول بأن هكذا كان على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول، لا كما قال.
ومن هذه الروايات: زعمهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في علي: «هو إمام المسلمين ومولى المؤمنين وأميرهم بعدي»([499]). وفي رواية: «علي إمام كل مؤمن بعدي»([500]). وفي أخرى: «أنت الإمام بعدي والأمير»([501]). وفي أخرى: «أمير كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي»([502]). إلى غيرها من الألفاظ التي تفيد أنه خليفة بعده صلى الله عليه وآله وسلم.
وعن ابن نباتة قال: «خرج علينا أمير المؤمنين ذات يوم ويده في يد ولده الحسن، وهو يقول: خرج علينا رسول الله ذات يوم ويدي في يده هكذا، وهو يقول: خير الخلق بعدي وسيدهم أخي هذا، وهو إمام كل مسلم، وأمير كل مؤمن بعد وفاتي، ألا وإني أقول: إن خير الخلق بعدي وسيدهم ابني هذا، وهو إمام كل مسلم، وأمير كل مؤمن بعد وفاتي»([503]).
فانظر وضوح اللفظ في هذا المحضر قليل العدد، وغموضه يوم الغدير رغم العدد الذي حضره، وكذلك جهل الحسن والناس بإمامته لولا بيان الأمير لذلك.
 ثم إن عليًا لم يفهم من رواية الغدير ولا غير الغدير أن ولايته واجبة وخلافها كفر وبطلان، وهو القائل: «أما بعد؛ فإن الله سبحانه بعث محمدًا، فأنقذ به من الضلالة، ونعش به من الهلكة، وجمع به بعد الفرقة، ثم قبضه الله إليه وقد أدى ما عليه، فاستخلف الناس أبا بكر، ثم استخلف أبو بكر عمر، فأحسنا السيرة وعدلا في الأمة، وقد وجدنا عليهما أن توليا الأمر دوننا ونحن آل رسول الله وأحق بالأمر، فغفرنا ذلك لهما»([504]). وفي موطن آخر قال: «ثم إن المسلمين من بعده استخلفوا أميرين منهم صالحين أحييا السيرة ولم يعدوا السنة»([505]). وقال فيهما: «فتولى أبو بكر تلك الأمور، وسدد وقارب واقتصد، وتولى عمر الأمر، فكان مرضي السيرة، ميمون النقيبة»([506]).

لم يفهم لا من الغدير ولا غير الغدير أنه أحق بالخلافة، وهو لا يزال يردد القول بكراهيته لها، وهو يعلم يقينًا قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36]. وقولـه: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [سورة القصص]. حيث قال للمهاجرين والأنصار وقد جاءوا لبيعته: «لا حاجة لي في أمركم، أنا بمن اخترتم راض»([507])؟!. وقوله لما برز الناس للبيعة عند بيت المال: «ابسط يدك للبيعة، فقال له طلحة: أنت أحق بذلك مني، وقد استجمع لك الناس ولم يجتمعوا لي»([508]).
فهل كان له الاختيار والأمر في أن يبايع هذا أو يتركه لذاك ؟!
ألم يعلم أنه منصوص من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: «أتيتموني لتبايعوني، فقلت: لا حاجة في ذلك، ودخلت منزلي فاستخرجتموني، فقبضت يدي فبسطتموها وتداككتم علي حتى ظننت أنكم قاتلي، وأن بعضكم قاتل بعض، فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جذل، وقد علم الله سبحانه أني كنت كارهًا للحكومة بين أمة محمد»([509])؟!
ألم يعلم كل ذلك وهو يقول لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان: «دعوني والتمسوا غيري؛ فإنا مستقبلون أمرًا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت، واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب، وإن تركتموني فأنا كأحدكم، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم، وأنا لكم وزيرًا خير لكم مني أميرًا»([510])؟!
فهل رأى أن اختياره أو اختيار الصحابة خير من اختيار الله عزوجل، وهو يقرأ: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ) [القصص:68]؟!
حتى قال لابن عباس وقد رآه يخصف نعله: «ما قيمة هذه النعل؟ فقال: لا قيمة لها، فقال: والله لهي أحب إلي من إمرتكم»([511]).
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزعمهم: «إن الله خلق آدم من طين كيف يشاء، ثم قال: ويختار، إن الله اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق فانتجبنا، فجعلني الرسول وجعل علي بن أبي طالب الوصي، ثم قال: ما كان لهم الخيرة، يعني: ما جعلت للعباد أن يختاروا ولكن أختار من أشاء»([512]).
فهل رأى ذلك؟ وهل هذا إلا كمن يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد قال لهذا أو ذاك: ابسط يدك للنبوة؟!
أبدًا لم يكن يرى أن مشروعية خلافته مستمدة من تلك النصوص التي زعمها القوم له، وقد علمت حالها جميعًا، وأنه لو كان من ذلك شيء حق لقاتل عليها حتى لو تظاهرت العرب كلها عليه، بل كان يرى أن شرعية خلافته إنما هي مستمدة من مبدأ الشورى الذي أقره القرآن وأكده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بهديه وسنته.
كيف لا وهو القائل: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «من جاءكم يريد أن يفرق الجماعة، ويغصب الأمة أمرها، ويتولى من غير مشورة فاقتلوه؛ فإن الله عزوجل قد أذن ذلك»([513]). ويقول لمعاوية: «إن الناس تبع المهاجرين والأنصار، وهم شهود للمسلمين في البلاد على ولاتهم وأمراء دينهم، فرضوا بي وبايعوني ». فلما بلغ معاوية ذلك قال: «ليس كما يقول، فما بال من هو ههنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر؟ فقال: ويْحَكُم! هذا للبدريين دون الصحابة، وليس في الأرض بدري إلا وقد بايعني وهو معي، أو قد أقام ورضي، فلا يغرنكم معاوية من أنفسكم ودينكم»([514]). وقال لمعاوية في موطنٍ آخر: «إن بيعتي لزمتك بالمدينة وأنت بالشام؛ لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار؛ فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضًا، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى ويصليه جهنم وساءت مصيرًا»([515]).
فهو يرى أن إجماع المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم على رجل هو رضًا لله.
بل ولا يرى بيعته دون رضاهم كما قال: «إن بيعتي لا تكون إلا عن رضا المسلمين وفي ملأ وجماعة»([516]). وهو القائل: «وما كان الله ليجعلهم على ضلال ولا يضربهم بعمى»([517]). وقال له في موطن آخر: «إن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة وأنت أمير لعمر على الشام، وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر بالمدينة وهو أمير لأبي بكر على الشام »([518]).
وكذلك قال ابنه الحسن لمعاوية في كتاب الصلح الذي استقر بينهما: «هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان: صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين، وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدًا، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين»([519]).
فهل ترى بعد كل هذا أن الأمير أو ابنه ب يرون رأي من زعموا أنهم من شيعتهم، وهو أن الله عزوجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم قد نصا عليهما ب، أو أنهم يقررون مبدأ الشورى، وبه يستمدون شرعية إمامتهم للمؤمنين دون أن يتطرقوا إلى ذكر أي نص من تلك النصوص التي زعمها القوم لهم، وهم في تلك الحال من الخلاف، وفي موطن هم بأمس الحاجة فيه إلى ذكر نص من تلك النصوص لو وجدت؛ ليرد به على معاوية الذي احتج عليه بعدم اجتماع أهل الشام عليه؟!
وبهذا تكون أقوال الأمير السابقة قد أسقطت كل ما أوردناه من أول الكتاب من أحاديث وروايات منسوبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والأئمة رضي الله عنهم. وأكد إقراره بمنهج القرآن الكريم: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) [آل عمران:159]. و: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) [الشورى:38].
لذا فلا عجب من أن يردد: «إنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إمامًا كان ذلك لله رضًا».
ولا عجب من أن يقول لمعاوية في المهاجرين والأنصار: «وما كان الله ليجعلهم -وفي لفظ: ليجمعهم- على ضلالة ولا يضربهم بالعمى»([520]).
ويقول للخوارج وقد خطئوه وضللوه: «فإن أبيتم إلا أن تزعموا أني أخطأت وضللت فلم تضللون عامة أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم بضلالي»([521])؟ كيف لا وهو قد سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «لا تجتمع أمتي على ضلالة»([522]).

الإمامة والصحابة
لعلك تتساءل بعد كل هذا عن تلك المواقف التي تروى عن الصحابة وآل البيت ي، أعني: تلك الروايات التي يرددها الشيعة في كتبهم ومجالسهم، كمظلومية الزهراء ل، وغصب الخلافة من علي ا، وإجباره على البيعة.. ونحو هذا.
فأقول: ها قد حططنا رحالنا هناك لنقف على جلية الأمر، وحقيقة الحال.
إننا لم نبحث ونتعب أنفسنا في تحقيق الروايات الكثيرة السابقة سندًا ومتنًا إلا لنعرف الحقيقة عن تلك القضية الجوهرية »قضية الإمامة والنص« والتي يعتبرها البعض -كما أسلفنا- أهم أركان الإسلام، بينما يرى البعض الآخر أنه لا وجود لها ألبتة في عهد النبوة وإنما أوجدت بعده بزمن طويل.
وقبل أن أدخل في المراد أقول:
إنك لو سألت شيعيًا: هل ترضى أن نتهمكم أيها الشيعة بأنكم تقولون بأن جبريل u أخطأ فنزل بالوحي على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو أن عندكم ما يسمى بليلة الطفية ونحو ذلك؟ لقال لك فورًا: لا، ولا يمكن أن نرضى!
فإن قلت لـه: إن الناس يقولون ذلك!. فسيقول لك: لابد من التثبت، واسألنا فنحن نجيبك بالحقيقة، وحُسيْنِيَّاتنا مفتوحة، فلو أردت أن تنظر وتتأكد بنفسك فتعال.
ولهذا أقول لكل شيعي: لماذا لا يطبق الشيعة هذا على غيرهم؟ بل لماذا لا يطبقونه على صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
إذا كانوا يجعلون الحسينيات دليلًا على رد هذا الادعاء، أفلا يكون القرآن دليلًا على رد تلك الادعاءات الكثيرة التي كُذبت على الصحابة؟ ولا أقل من تلك الآيات التي أخبر الله عزوجل فيها بأنه وعدهم جنات تجري تحتها الأنهار، كقوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة التوبة].أليس وعد الله للمهاجرين والأنصار حقٌ لا مرية فيه، والله لا يخلف الميعاد، وهو قد وعدهم بجنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدًا، أم أن تلك الروايات المكذوبة كافية لرد كلام الله عزوجل وضربه عرض الحائط؟!!
ولنا أن نسأل العامي فضلًا عن المتعلم: هل كلام الله عزوجل مقدم عندك أم كلام علمائك وأسيادك؟! أيهما أعظم في قلبك.. وأيهما تريد أن يكون شافعًا لك يوم القيامة.. وأيهما تتصور أن يكون عذرًا لك يوم القيامة: هل هو اتباعك للقرآن أم اتباعك للعلماء وترك القرآن أو تأويله وتفسيره كما تحب؟
الله يقول بأنه وعدهم جنات تجري تحتها الأنهار، وأنت تقول: ارتدوا وبدلوا وغيروا!! أيحتمل عندك أن كلام الله خطأ، ولا يحتمل عندك أن تلك الروايات وأقوال العلماء هي الخطأ؟!
يا من تحب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، بل وتؤمن بالله ـ، أترضى أن ينال أحدٌ من الله سبحانه أو من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ أيرضيك أن يسبهما أحد؟! وهل سمعت أحدًا سبهما يومًا من الأيام؟
لا شك أنك ستقول: لا، ولكن ألا تعلم أن سبَّ زوجاتِ النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبٌ لله سبحانه وسبٌ لرسوله أيضًا؟! فإن قلت: كيف؟ قلت لك: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقي مع زوجاته طيلة حياته ولم يطلقهن حتى توفي عنهن، أفيرضى أحد أن يصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه بقي مع امرأة كافرة أو مرتدة أو منافقة أو حتى فاسدة؟! هذا ما يقوله بعض الشيعة وللأسف الشديد، أوليس هذا من أعظم السب لـه صلى الله عليه وآله وسلم ؟! فهو اتهام لـه باختيار الزوجة الفاسدة، بل أليس هذا اتهامًا لله سبحانه الذي رضي لرسوله امرأة مثل هذه، وهو سبحانه يعلم ما سيحصل في المستقبل؟!
وكذا يقال بالنسبة لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. كيف يرضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصاحب رءوس المنافقين طيلة حياته، بل ويُؤمِّر أبا بكر على الحج، ويجعله يؤم الناس في حياته؟! أفليس الطعن في أبي بكر وكذا عمر ب طعنًا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟! كيف لا، وهو قد غر الأمة بمثل هؤلاء كما يدعي الشيعة والعياذ بالله. فإن قيل: إن ردتهم أو نفاقهم حصل بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيقال: إذن أنتم أقررتم بأنه لا يوجد أي نص في كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم يدل على نفاقهم وارتدادهم زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإلا لكنتم متهمين لـه برعايته المنافقين وتقريبهم وغر الأمة بهم، وأما بعد وفاته فقد انقطع الوحي كما نعلم جميعًا، وسيأتي مزيد توضيح إن شاء الله.
وعليه أقول: إنه عند النظر في تلك الروايات، بل وفي الروايات الأخرى التي تعارضها، والتي فيها نفي للنص أو مدح للصحابة والتي تروى عن أئمة آل البيت رحمهم الله وهي الموافقة لظاهر القرآن، يتضح عدم وجود نص على إمامة علي بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الأمر إنما كان شورى، وهذا يبين لك بطلان تلك المزاعم في غصب الخلافة وإجبار علي على البيعة، وكذا مظلومية الزهراء ل، ونحو ذلك.
فبهذه القاعدة العامة النافعة يتبين لك أن تلك الروايات منها ما هو كذب صريح، ومنها ما هو صحيح لكن زيد فيه ونقص، أو غُيِّر عن وجهه وبولغ فيه، أو حُمل على غير محمله، ومع ذلك فهم بشر غير معصومين، يحصل منهم الخطأ والنسيان، والله هو الذين يحاسبهم، ولهم من فضل الصحبة ما لا يدانيهم فيه أحد.
ولست بصدد الحديث عن بيان تلك الروايات، لكن أقول: إن تلك الحقبة وذلك الجيل إنما هو نتاج تربية محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والذي لو تأملنا فيه بعين الإنصاف لا التبعية لوجدناه جيلًا مثاليًا.. كيف لا وقد تربى في مدرسة المربي الأول، أفضل المربين، صلوات الله وسلامه عليه.
وإذا أردت الدليل الواضح البين على هذا فاقرأ قوله ـ: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [سورة الجمعة]. فتأمل! من هم الذين تلا عليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم القرآن، وعلمهم إياه، وعلمهم السنة كذلك، ورباهم وزكاهم، وكانوا قبل كل ذلك في ضلال مبين، فإذا قرأت هذه الآية وتدبرت معناها عرفت منزلة أولئك الصحب الذين يكفرهم بعض الشيعة ويلعنونهم والعياذ بالله!
إن المتأمل لكتاب الله يجد الثناء العاطر على ذلك الجيل الفريد، سواء المهاجرين أو الأنصار، وسواء من أسلم قبل الفتح أو بعده، وإن كانوا درجات ولا شك: (وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) [النساء:95].
قف عند ثناء الله على الصحابة الكرام، وكذا ذمه للمنافقين، فإنك ستجد أنهم صنفان متغايران، ولهذا ذكر الله الصحابة ومدحهم ثم ذكر المنافقين وذمهم، ولم يقل ولا في آية واحدة: إن هؤلاء المنافقين هم من وعدهم الله الحسنى قبل ذلك، بل تحدث سبحانه عن صنفين متغايرين، كما قال سبحانه: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [سورة التوبة] ثم قال في الآية التي بعدها مباشرة: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ) [التوبة:101].
فلاحظ أنه تكلم عن السابقين من المهاجرين والأنصار ووعدهم بالخلود في الجنة، ثم تكلم عن المنافقين، وإذا لم يكن الخلفاء الراشدون أول المهاجرين والأنصار فمن يكون إذن؟!
ومن المؤسف جدًا أن يتدخل الهوى في دين المرء، فلا يقبل من الدين إلا ما وافق هواه، وأما ما خالفه فيرده بأي سبيل كان، ومثاله تعسفهم في تأويل قوله سبحانه: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح:29] فهذه الآية نص صريح في الثناءِ على صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووصفِهم بأفضل الأوصاف، ومع ذلك حاول بعضهم رد الآية بكل ما استطاع من قوة، فقال: إن قوله في آخر الآية: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) يدل على التبعيض! مع أن الآية لم تتحدث إلا عن المؤمنين وحدهم، الذين هم: ((أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ)) [الفتح:29] فهل يوصف بهذه الأوصاف أحد منافق أو كافر حتى يقول هذا وأمثاله: إن الله وعد الذين آمنوا من هؤلاء فقط دون البقية؟!
و[منهم] في الآية لبيان الجنس أو للتأكيد، فمثال بيان الجنس قوله سبحانه: ((فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ)) [الحج:30] فلا يعني هذا أن نجتنب الرجس من الأوثان فقط دون بقية الأوثان، بل المراد: اجتنبوا الرجس من جنس هذه الأوثان، ومثال التأكيد قوله سبحانه: ((وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)) [الإسراء:82] فليست (من) هنا للتبعيض بل للتأكيد، فكذا آيتنا هذه.
أضف إلى ذلك أن الله وصفهم في التوراة بدون قولـه: منهم، أي: إلى قوله: ((سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ)) [الفتح:29] فهل الله عزوجل لم يبين البيان الكافي في التوراة؟! وكذا يقال في وصفه لهم في الإنجيل، ولهذا يتعين كون »منهم« في القرآن لبيان الجنس أو للتأكيد؛ لأن الكتب السماوية لا يمكن أن يعارض بعضها بعضًا.
فهل رأيت كيف يتحكم الهوى بصاحبه والعياذ بالله؟! أضف إلى ذلك: قول علي في نهج البلاغة لما تكلم عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث قال: »لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فما أرى أحدًا يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثًا غبرًا وقد باتوا سجدًا وقيامًا، يراوحون بين جباههم ويقبضون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله همرت أعينهم حتى ابتلت جيوبهم ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف خوفًا من العقاب ورجاءً للثواب« ([523]).
فبالله عليك! أيهما يوافق القرآن: كلام علي، أم كلام أولئك القوم الذين يدعون محبة آل البيت رضوان الله عليهم دون أن يتبعوهم إلا فيما يوافق أهواءهم والعياذ بالله؟!
وتأمل مدحه -أيضًا- لعمر بن الخطاب [وقيل: لأبي بكر] قال: »لله بلاء فـلان، لقـد قـوم الأود، وداوى العمد، وأقام السنة، وخلف البدعة، وذهب نقي الثوب، قليل العيب، أصاب خيرها واتقى شرها، أدى لله طاعته واتقاه بحقه، رحل وتركهم في طرق متشعبة لا يهتدي إليها الضال، ولا يستيقن المهتدي« ([524]).
وكما ذكرت لك فقد تدخل الهوى تجاه هذا الكلام الجزل من الإمام علي؛ وذلك لأنه ينسف مذهب الشيعة من أساسه، كما قال الشيخ ميثم البحراني([525]): »واعلم أن الشيعة قد أوردوا هنا سؤالًا، فقالوا: إن هذه الممادح التي ذكرها في حق أحد الرجلين تنافي ما أجمعنا عليه من تخطئتهما وأخذهما لمنصب الخلافة، فإما أن لا يكون هذا الكلام من كلامه، وإما أن يكون إجماعنا خطأ«.
وقد ذهب الشيعة كل مذهب في محاولة رد هذا النص الواضح البين، كقولهم: إنه قاله لاستجلاب قلوب الناس لاعتقادهم في الشيخين أشد الاعتقاد.. وهذا فيه اتهام لـه بالكذب من أجل الدنيا، حاشاه، ثم هل يحتاج إلى كل هذه التأكيدات والمبالغات لو لم يرد حقيقة المدح؟!
ولكن أقول للشيعة: بل كلام سيدنا علي صحيح، وإجماع الشيعة خطأ ولا شك، فارجعوا إلى كلام الله ـ، وارجعوا إلى قول علي الواضح البين ففيه الرشاد. وهو الذي بايع من سبقه رضي الله عنهم، الأمر الذي جعلهم في حيرة في كيفية رده كقولـهم:
إنه تأخر في بيعته -كما تذكر بعض الروايات-. وليس يخلو تأخره من أن يكون هدى وتركه ضلالًا، أو يكون ضلالًا وتركه هدى، وصوابًا وتركه صوابًا، أو يكون خطأ وتركه خطأ، فلو كان التأخير ضلالًا وباطلًا لكان أمير المؤمنين قد ضل بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بترك الهدى الذي يجب المصير إليه، وبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالًا، وإن كان تأخره هدى وصوابًا وتركه خطأ، فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى الخطأ ولا عن الهدى إلى الضلال، إلى أن خلصوا إلى القول بأنه لم يبايع من سبقوه قط([526]).
الأمر الذي ى يُرد عليه سوى بسؤال القوم عن الروايات العديدة من طرقهم والتي تدل صراحة على بيعته لمن سبقوه، كقولـه لنفر من قريش في ذكر البيعة: « فبايعت أبا بكر كما بايعتموه، ثم بايعت عمر كما بايعتموه، ثم بايعتم عثمان فبايعته»([527]).
وقد أقر بذلك آل كاشف الغطاء حيث قال: (وحين رأى -أي: عليّ بن أبي طالب- أن الخليفتين، أعني الخليفــة الأول والثاني -أي: أبو بكر وعمر- بذلا أقصى الجهد في نشر كلمة التوحيد وتجهييز الجنود وتوسيع الفتوح ولم يستأثرا ولم يستبدا بايع وسالم) ([528]).
بل واستعداده لبيعة غيرهم، كقولـه لطلحة لما برز الناس للبيعة عند بيت المال: «ابسط يدك للبيعة، فقال لـه طلحة: أنت أحق بذلك مني، وقد استجمع لك الناس ولم يجتمعوا لي»([529]). وغيرها.
فانظر كيف توفق بينها؟!
وقبل أن أختم هذا الباب، أود أن أذكر حقيقة لا يعلمها كثير من الناس إن لم يكن أكثرهم، هذه الحقيقة هي أن الصحابة رضي الله عنهم ليسوا هم فقط من أنكر أو لم يقر بإمامة علي بزعم القوم، بل هناك آخرون، ومنهم من غير البشر أو الأحياء، وإليك بعض الروايات التي تبين لك من هؤلاء الآخرون أو ما هذه الأشياء، وهي لا تخلو من طرافة أرى أن القارئ بحاجة إليها بعد كل ما مر، وكذلك ستجد بينها ذكر من أقر بالولاية من تلك المخلوقات بعد أن عرضت عليه.
من هؤلاء آدم u، فقد زعموا أن آدم u عرضت عليه الولاية فأنكرها حسدًا فرمته الجنة بأوراقها، فلما تاب إلى الله من حسده وأقر بالولاية ودعا بحق هؤلاء الخمسة: محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين صلوات الله عليهم، غفر الله لـه([530]).
وفي رواية: «فنظر إليهم بعين الحسد وتمنى منزلتهم، فتسلط الشيطان عليه حتى أكل من الشجرة التي نهي عنها، وتسلط على حواء لنظرها إلى فاطمة بعين الحسد حتى أكلت من الشجرة كما أكل آدم؛ فأخرجهما الله عزوجل عن جنته وأهبطهما إلى جوار الأرض»([531]).
ومنهم: يونس u، حيث رووا أن عليًا قال: «إن الله عرض ولايتي على أهل السموات وعلى أهل الأرض فأقر بها من أقر، وأنكرها من أنكر.. أنكرها يونس فحبسه الله في بطن الحوت حتى أقر بها»([532]).
وفي رواية: أن عبدالله بن عمر دخل على زين العابدين، وقال: «يا ابن الحسين، أنت الذي تقول: إن يونس بن متّى إنما لقي من الحوت ما لقي لأنه عرضت عليه ولاية جدي فتوقف عندها؟ قال: بلى ثكلتك أمك، قال: فأرني برهان ذلك إن كنت من الصادقين، فأمر بشد عينيه بعصابة وعيني بعصابة، ثم أمر بعد ساعة بفتح أعيننا، فإذا نحن على شاطئ البحر تضرب أمواجه، فقال ابن عمر: يا سيدي، دمي في رقبتك، الله الله في نفسي، فقال: هيه وأريه إن كنت من الصادقين، ثم قال: يا أيها الحوت، قال: فأطلع الحوت رأسه من البحر مثل الجبل العظيم وهو يقول: لبيك لبيك يا ولي الله، فقال: من أنت؟ قال: أنا حوت يونس يا سيدي، قال: أنبئنا بالخبر، قال: يا سيدي، إن الله تعالى لم يبعث نبيًا من آدم إلى أن صار جدك محمد إلا وقد عرض عليه ولايتكم أهل البيت، فمن قبلها من الأنبياء سلم وتخلص، ومن توقف عنها وتمنع من حملها لقي ما لقي آدم u من المعصية، وما لقي نوح من الغرق، وما لقي إبراهيم u من النار، وما لقي يوسف u من الجب، وما لقي أيوب u من البلاء، وما لقي داود u من الخطيئة، إلى أن بعث الله يونس u، فأوحى الله إليه: أن يا يونس، تول أمير المؤمنين عليًا والأئمة الراشدين من صلبه. قال: فكيف أتولى من لم أره ولم أعرفه؟! وذهب مغتاظًا، فأوحى الله تعالى إلي أن التقمي يونس ولا توهني لـه عظمًا، فمكث في بطني أربعين صباحًا يطوف معي البحار في ظلمات ثلاث، ينادي: أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، وقد قبلت ولاية علي بن أبي طالب والأئمة الراشدين من ولده، فلما آمن بولايتكم أمرني ربي فقذفته على ساحل البحر، فقال زين العابدين: ارجع أيها الحوت إلى وكرك، واستوى الماء»([533]).
ورووا عن الصادق: «إن الله عزوجل عرض ولايتنا على أهل الأمصار فلم يقبلها إلا أهل الكوفة».
وفي رواية: «ما قبلها قبول أهل الكوفة»([534]).
وعن علي: «إن الله عرض أمانتي وولايتي على الطيور، فأول من آمن بها البزاة البيض والقنابر، وأول من جحدها البوم والعنقاء، فلعنهما الله تعالى من بين الطيور، فأما البوم فلا تقدر أن تظهر بالنهار لبغض الطيور لها، وأما العنقاء فغابت في البحار لا ترى، وإن الله عرض أمانتي على الأرضين، فكل بقعة آمنت بولايتي جعلها طيبة زكية، وجعل نباتها وثمرتها حلوًا عذبًا، وجعل ماءها زلالًا، وكل بقعة جحدت إمامتي وأنكرت ولايتي جعلها سبخًا، وجعل نباتها مرًا علقمًا، وجعل ثمرها العوسج والحنظل، وجعل ماءها ملحًا أجاجًا»([535]).
ورووا عن الحسن والحسين ب أنهما قالا: «إن الله عزوجل عرض ولايتنا على المياه، فما قبل ولايتنا عذب وطاب، وما جحد ولايتنا جعله الله عزوجل مرًا وملحًا أجاجًا»([536]).
وعن الصادق: «أن ممن لم يقبلها من الملائكة ملكًا يقال لـه: فطرس، فكسر الله جناحه»([537]).
     والحمير أيضًا، فهذا حمار لكعب بن الأشرف شهد أن عليًا ولي الله ووصي رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ([538])، والعقيق الأحمر؛ حيث ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي: «تختم بالعقيق الأحمر؛ فإنه أقر لله عزوجل بالوحدانية، ولي بالنبوة، ولك يا علي بالوصية، ولولدك بالإمامة»([539]).
ويظهر من هذه الرواية أن هناك فرقًا بين الوصي والإمام.
حتى البطيخ، فقد ذكروا أن عليًا أخذ بطيخة ليأكلها فوجدها مرة فرمى بها، وقال: «بعدًا وسحقًا، فقيل: يا أمير المؤمنين، وما هذه البطيخة؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الله تبارك وتعالى أخذ عقد مودتنا على كل حيوان ونبات، فما قبل الميثاق كان عذبًا طيبًا وما لم يقبل الميثاق كان مالحًا زعاقًا»([540]).
وفي رواية: «إن الله تبارك وتعالى طرح حبي على الحجر والمدر والبحار والجبال والشجر، فما أجاب إلى حبي عذب وطاب، وما لم يجب إلى حبي خبث ومر، وإني لأظن أن هذا البطيخ مما لم يجب إلى حبي»([541]).
وفي أخرى: «إن الله تبارك وتعالى عرض ولايتنا على أهل السموات وأهل الأرض من الجن والإنس والثمر وغير ذلك، فما قبل منه ولايتنا طاب وطهر وعذب، وما لم يقبل منه خبث وردئ ونتن»([542]).
وهكذا.. حتى جعلوا من جانبٍ آخر الحيوانات تعترض من لا يحب أهل البيت، فهذا كلب ذمي عض اثنين من الصحابة فشكوا أمره إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمر بقتله، فقال الكلب: «يا رسول الله، إن القوم الذين ذكرتهم منافقون نواصب، يبغضون ابن عمك علي بن أبي طالب، ولولا أنهم كذلك ما تعرضت لهم، ولكنهم جاءُوا يرفضون عليًا ويسبونه، فأخذتني الحمية الأبية والنخوة العربية، ففعلت بهم»([543]).
ولا نطيل عليك، ففيما سبق غنية عن التطويل. وإن أردت المزيد تجده في الأصل.
وهكذا تجد أن القوم يرون أن من ذكرنا من أنبياء ‡، وأكثر من مائة ألف صحابي رضي الله عنهم من أعظم أمة اختارها الله عزوجل لخاتم أنبيائه، أعظمهم جحدوا ولاية علي، بينما يرون أن حمار كعب بن الأشرف وكلاب أهل الذمة التي أخذتها النخوة العربية، قد أقرت بفضل أهل البيت رضي الله عنهم وبولايتهم!!

خاتمة الكتاب

     وبعد.. فقد أوقفناك على شيء من عقيدة الشيعة الإمامية الاثني عشرية في الإمامة، وقد أعرضنا عن ذكر كثير من النصوص المتصلة بموضوع كتابنا، فضلًا عن النصوص المتعلقة بالعقائد الأخرى ذات الصلة بالإمامة، وهي سائر العبادات والمعاملات.
وقد تبين لك من كل ذلك مدى الاضطراب الحاصل عند الشيعة في هذه العقيدة التي هي أساس في دين الإمامية.
وقد رأيت في الباب الأول كيف أن هذه النصوص يسقط بعضها بعضًا، وتتعارض كل رواية مع الأخرى، وكيف أن أهل البيت أنفسهم قد أنكروا نسبة أمثال هذه العقائد إليهم، وكيف أن عقيدة التقية لا تسعف القوم في رد أمثال هذه الروايات.
ثم تبين لك موقف القوم من القرآن الذي لم يرد فيه ذكر لهذا المعتقد، رغم منزلته العظيمة التي أوقفناك عليها، حتى اضطروا للزعم بأن الصحابة رضوان الله عليهم وعلى رأسهم الشيخان حذفوا الآيات الدالة على إمامة علي.
وأنت ترى قبح هذا القول وفظاعته وبعده عن الحقيقة، ومخالفته للكتاب والسنة، وقد غفلوا أو تغافلوا عن قولـه سبحانه:(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [سورة الحجر]
ثم ذكرنا في الباب الثالث أنه لم يصح من روايات النص على علي بن أبي طالب المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإلى الأئمة من أهل البيت رضوان الله عليهم من طرق القوم شيء، فضلًا عن روايات أهل السنة، ودعونا القوم إلى إيراد ما يخالف دعوانا في ذلك، ولهم من الوقت ما شاءوا.
ثم ختمنا كتابنا ببيان نذر يسير من فضائل الصحابة رضي الله عنهم ([544])بما يستحيل معه التوفيق بين عقيدة القوم فيهم وبين القول بمخالفتهم لوصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنص على علي كما يزعمون.
وقد تبين لك أن عقيدة من ينتسب إلى أئمة آل البيت مخالف في الحقيقة لمعتقد آل البيت، بل إن معتقد أئمة آل البيت هو بعينه معتقد أهل السنة والجماعة، وهو الموافق لكتاب الله ولسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من غير تعسف ولا تكلف.. والله المستعان.
 

سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله الا أنت، أستغفرك وأتوب إليك
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


([1]) إعلام الورى: (144)، البحار: (22/ 518، 525، 529، 534، 536)، المناقب: (1/ 240)، تهذيب الأحكام: (6/ 2)، كفاية الأثر: (304)، كشف الغمة: (1/ 19) وفيه: واختلف أهل بيته وأصحابه في دفنه.

([2]) سيأتي تخريج هذه الروايات من طرق الشيعة في الباب الثالث.

([3]) وقد أقر القوم بذلك، انظر مثلًا: هوية التشيع: (37)، فرق الشيعة: (22).

([4]) البصائر، 472، البحار، 23/ 87، 70، 71، 75، 139، الكافي، 1/ 278، كمال الدين، 128، قرب الإسناد، 154، إثبات الهداة، 1/ 85، 569

([5]) انظر هذه الروايات وغيرها في: الكافي، 2/ 18، 21، 22، 32، أمالي الصدوق، 221، 279، 510،، إثبات الهداة، 1/ 90، 91، 529، 545، 635، البحار، 10/ 39323/ 69، 100، 10527/ 10336/ 41240/ 47

([6]) علل الشرايع، 149، الخصال، 601، البصائر، 23، إثبات الهداة، 1/ 538، 666، البحار، 18/ 387 23/ 69

([7]) الخصال، 278، البحار، 68/ 376، 332، الوسائل، 1/ 23

([8]) أمالي الصدوق، 154، البحار، 24/ 51 27/ 167 54/ 390 83/ 10، 19

([9]) المحاسن، 89، البحار، 27/ 238 39/ 302 72/ 134

([10]) البصائر، 105، البحار، 24/ 123 27/ 181 54/ 390

([11]) البحار، 8/ 366 23/ 390

([12]) البحار، 27/ 166-202 وفيه 71 رواية

([13]) البحار، 72/ 131-156

([14]) البحار، 23/ 74، إثبات الهداة، 1/ 142، المناقب، 1/ 257

([15]) سبق تخريجه

([16]) البحار، 40/ 42

([17]) أمالي الصدوق، 352، أمالي الطوسي، 218، البرهان، 4/ 199، كشف اليقين، 22، البحار، 18/ 341، 371 36/ 160 37/ 291 38/ 108 40/ 13، إثبات الهداة،2/ 70

([18]) إثبات الهداة، 3/ 596، مدينة المعاجز، 75، تفسير العسكري، 466، البحار، 19/ 81

([19]) أمالي الصدوق، 327، البحار، 38/ 107، إثبات الهداة، 2/ 67

([20]) البحار، 41/ 88

([21]) البحار، 20/ 215 38/ 300، 309 39/ 3، البرهان، 3/ 71، تأويل الآيات، 1/ 329

([22]) كشف اليقين، 131

([23]) الاختصاص، 165، الخصال، 367، البحار، 38/ 169

([24]) الفصول المختارة، 33، البحار، 36/ 46

([25]) نهج البلاغة، 275، البحار، 32/ 24141/ 772/ 138

([26]) الاختصاص،159، البحار، 36/ 2640/ 114

([27]) إعلام الورى، 116، البحار، 21/ 81، الإرشاد، 61

([28]) غيبة النعماني، 165، البحار، 51/ 77، إثبات الهداة، 3/ 542

([29]) كمال الدين، 1/ 284، غيبة النعماني، 51، إثبات الهداة، 1/ 512، 621، 643، البحار، 36/ 257، 276 92/ 99

([30]) كمال الدين، 134، إثبات الهداة، 1/ 496، البحار،23/ 4232/ 24351/ 93

([31]) إثبات الهداة، 2/ 200

([32]) إثبات الهداة، 1/ 590

([33]) أمالي الصدوق، 502، منتخب الأثر، 502، البحار، 36/ 232

([34]) إعلام الورى، 124، البحار، 21/ 163، 169، المناقب، 1/ 211

([35]) كفاية الأثر، 22، البحار، 36/ 340، إثبات الهداة، 1/ 592، منتخب الأثر، 113

([36]) كفاية الأثر، 11، إثبات الهداة، 1/ 581، البحار، 36/ 314

([37]) البحار، 10/ 143 44/ 29، 57، 61، 66، كشف الغمة، 2/ 145، أمالي الطوسي،571، 577، 578، الفصول المختارة، 274

([38]) الاختصاص، 259، ثواب الأعمال 198، المحاسن، 94، غيبة النعماني، 64، أمالي الطوسي، 46، البحار، 25/ 110 26/ 349 27/ 193، 201

([39]) البحار، 8/ 36923/ 323، غيبة النعماني، 65، الكافي، 1/ 375، العياشي، 1/ 138

([40]) البحار، 44/ 29، 57، نور الثقلين، 5/ 193

([41]) البحار، 18/ 127 44/ 23، 26، 28، 58، 59 78/ 287، إعلام الورى، 46

([42]) نور الثقلين، 5/ 193، البحار، 44/ 57

([43]) الاحتجاج، 148، البحار، 44/ 20

([44]) البحار، 44/ 40، 60

([45]) كشف الغمة، 2/ 145، البحار، 44/ 65

([46]) كشف الغمة، 2/ 141، البحار، 44/ 62، نور الثقلين، 3/ 468

([47]) فرق الشيعة، 24

([48]) الخصال، 380، الاختصاص، 180، نهج البلاغة، 399، البحار، 33/ 319

([49]) الكافي، 7/ 49، نهج البلاغة، 460، البحار، 41/ 41 42/ 72، 254

([50]) البحار، 41/ 296 42/ 87، إثبات الهداة، 2/ 457

([51]) كفاية الأثر، 21، 22، البحار، 36/ 339، 341، إثبات الهداة، 1/ 592، 651

([52]) كفاية الأثر، 23، البحار، 36/ 344، إثبات الهداة، 1/ 593، منتخب الأثر،113

([53]) كفاية الأثر، 24، البحار، 36/ 345، إثبات الهداة، 2/ 4 2/ 19، 110، 112، البصائر، 468، منتخب الأثر، 70

([54]) المناقب، 1/ 300، إثبات الهداة، 1/ 670، منتخب الأثر، 54، البحار، 36/ 271

([55]) انظر تفاصيل هذه المراسلات في البحار، 44/ 333، 334 ج،48

([56]) أمالي الطوسي، 154، 618، البحار، 22/ 497، 502 37/ 41، منتخب الأثر، 199، تفسير فرات، 2/ 464، وانظر رواية أخرى، كمال الدين، 250

([57]) كشف اليقين، 137، الإقبال، 454، البحار، 28/ 96

([58]) البحار، 40/ 152، الإمامة والتبصرة، 174، البصائر، 163

([59]) البصائر، 168، البحار، 26/ 54

([60]) انظر أيضًا، أمالي الصدوق، 229، أمالي الطوسي، 271، كشف الغمة، 1/ 85، الطرائف، 8، المناقب، 1/ 396، البحار، 22/ 222 38/ 305، 310، إثبات الوصي، 17

([61]) كفاية الأثر، 3، 14، البحار، 36/ 286، 321، إثبات الهداة،1/ 572، منتخب الأثر،99

([62]) منتخب الأثر، 36، إعلام الورى، 365، البحار، 36/ 300

([63]) غيبة النعماني، 52، البحار، 36/ 277، إثبات الهداة، 1/ 657، 668

([64]) أمالي الصدوق، 348، البحار، 35/ 273، البرهان، 4/ 244، تأويل الآيات، 2/ 621، المناقب، 2/ 214، إثبات الهداة، 2/ 70، 169، 178، نور الثقلين، 5/ 145

([65]) كمال الدين، 275، البحار، 36/ 2040/ 1951/ 363، إثبات الهداة،3/ 506، غيبة الطوسي، 138، إعلام الورى، 252، 4/ 172، الكافي، 1/ 303، البحار، 46/ 18

([66]) مقاتل الطالبيين، 64، البحار، 45/ 46

([67]) كفاية الأثر، 31، البحار، 36/ 389

([68]) الإرشاد، 2/ 170، بحار الأنوار، 46/ 167، كشف الغمة، 2/ 341

([69]) الإرشاد، 267، البحار، 46/ 167

([70]) البحار،42/ 77، 82، الخرائج والجرائح، 194، معجم الخوئي، 16/ 48 وقال، الرواية صحيحة السند، إثبات الهداة، 2/ 5 3/ 6، 11، 15، 21، 28، 32، الكافي، 1/ 348، البصائر، 502، غيبة الطوسي، 16، 119، الإمامة والتبصرة،194، إعلام الورى، 253

([71]) الخرائج والجرائح، 194، البحار، 46/ 29

([72]) علل الشرايع، 78، البحار، 42/ 75 46/ 63

([73]) إثبات الهداة، 3/ 25

([74]) كفاية الأثر، 319، البحار، 46/ 231، إثبات الهداة، 3/ 35

([75]) المناقب، 3/ 331، البحار، 46/ 356

([76]) كفاية الأثر، 327، البحار، 46/ 198، إثبات الهداة، 1/ 604، منتخب الأثر، 129

([77]) الإرشاد، 289، الكافي، 1/ 307، إعلام الورى، 268، البحار، 47/ 13، إثبات الهداة، 3/ 72

([78]) البصائر، 4/ 48، الكافي، 1/ 305، إعلام الورى، 260، البحار، 46/ 229، إثبات الهداة، 3/ 33، المناقب، 4/ 211

([79]) كشف الغمة، 2/ 347، البحار، 46/ 269، إثبات الهداة، 3/ 16

([80]) الخرائج والجرائح، 230، البحار، 46/ 329، إثبات الهداة، 3/ 56

([81]) فرق الشيعة، 62-66

([82]) كمال الدين، 382، إعلام الورى، 288، الإرشاد، 309، الكافي،1/ 286، 309، البحار، 25/ 256، إثبات الهداة، 1/ 85 3/ 156، 157

([83]) الإرشاد، 309، غيبة النعماني، 178، البحار، 48/ 20، الكافي، 1/ 308، إثبات الهداة، 3/ 157، إعلام الورى، 290

([84]) البحار، 26/ 42 47/ 271

([85]) البصائر، 3/ 41، البحار، 26/ 40 47/ 271

([86]) الكافي، 2/ 155، البحار، 47/ 298

([87]) الخرائج والجرائح، 244، البحار، 47/ 120، المناقب، 4/ 221، وانظر تفصيل القصة في: الكافي، 1/ 348، والبحار، 47/ 228

([88]) المناقب، 4/ 228، إعلام الورى، 272، البحار، 47/ 131، 275

([89]) المناقب، 4/ 228، مقاتل الطالبيين،255، البحار،47/ 131،160، إثبات الهداة،3/ 110

([90]) المناقب، 4/ 229، البحار، 47/ 132

([91]) الاحتجاج، 197، البحار، 47/ 213 100/ 18، الكافي، 5/ 23

([92]) عيون أخبار الرضا، 1/ 310، البحار، 47/ 27452/ 189، وانظر أيضًا، البحار، 52/ 188 وفيه خروج محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب

([93]) الاحتجاج، 374، البحار، 46/ 180 47/ 273

([94]) إعلام الورى، 261، الكافي، 1/ 305، البحار، 26/ 37 46/ 230

([95]) الاحتجاج، 374، البحار، 47/ 273

([96]) الاحتجاج، 204، البحار، 47/ 273

([97]) رجال الكشي، 230، البحار، 47/ 276

([98]) البصائر، 169، البحار، 26/ 155 46/ 189 47/ 272، 278 54/ 364، الإرشاد، 277، إثبات الهداة، 3/ 133

([99]) البصائر، 169، البحار، 26/ 155 47/ 272

([100]) البصائر، 46، البحار، 26/ 156

([101]) المناقب، 4/ 224، البحار، 46/ 269 47/ 255، إثبات الهداة، 3/ 134، 214

([102]) الخرائج والجرائح، 232، البحار، 46/ 184 47/ 96

([103]) أي بقع على جلد الوجه تخالف لونه

([104]) البحار، 46/ 156 الحاشية، وانظر أيضًا، سر السلسلة العلوية، 50

([105]) غيبة الطوسي، 119، البحار، 46/ 182 47/ 2، 276 74/ 96

([106]) إعلام الورى، 272، الإرشاد، 294، مقاتل الطالبيين، 205، البحار، 46/ 187 47/ 278

([107]) عيون أخبار الرضا، 1/ 47، البحار، 36/ 193 47/ 12، إثبات الهداة، 3/ 73، كمال الدين، 288، الاحتجاج، 37

([108]) البحار، 46/ 252

([109]) إثبات الهداة، 3/ 66

([110]) الكافي، 1/ 356، البحار، 46/ 204

([111]) رجال الكشي، 101، الاحتجاج، 373، المناقب، 1/ 223، البحار، 46/ 193

([112]) الكافي، 1/ 174، الاحتجاج، 376، البحار، 46/ 181، معجم الخوئي، 7/ 354، وقوَّى إسناد الرواية، ولكنه اضطرب في تأويلها

([113]) رجال الكشي، 224، 225، البحار، 46/ 195

([114]) البحار، 46/ 199

([115]) رجال الكشي، 231، البحار، 46/ 197

([116]) رجال الكشي، 261، البحار، 46/ 197، المناقب، 1/ 260 وانظر، الكافي، 1/ 356 البحار، 46/ 203

([117]) المناقب، 4/ 224، البحار، 47/ 128

([118]) أمالي الصدوق، 43، عيون أخبار الرضا، 1/ 227، البحار، 46/ 168

([119]) منتخب الأثر، 34، غيبة النعماني، 42، البحار، 46/ 173 47/ 141

([120]) غيبة النعماني، 229، البحار، 51/ 42، إثبات الهداة، 3/ 125، وانظر روايات وأقوال أخرى في خروجه، إثبات الهداة، 3/ 52، الاحتجاج، 372

([121]) كفاية الأثر، 327، البحار، 46/ 170، 199، إثبات الهداة، 1/ 264، 324، عيون الأخبار، 1/ 226

([122]) مستطرفات السرائر فيما استطرفه من رواية أبي القاسم ابن قولويه، البحار، 46/ 192

([123]) أمالي الصدوق، 275، البحار، 46/ 170، 209

([124]) أمالي الصدوق، 40، البحار، 46/ 168، إثبات الهداة، 3/ 9

([125]) رجال الكشي، 151، معجم الخوئي، 7/ 348، البحار، 46/ 170، 194، أمالي الصدوق، 275

([126]) أمالي الصدوق، 349، البحار، 46/ 171، عيون الأخبار، 1/ 228

([127]) عيون أخبار الرضا، 1/ 248، البحار، 46/ 175

([128]) الإرشاد، 269، معجم الخوئي، 7/ 346، البحار، 46/ 187

([129]) ثواب الأعمال، 198، البحار، 46/ 182

([130]) كشف الغمة، 2/ 442، البحار، 46/ 193

([131]) أمالي الصدوق، 321، البحار، 46/ 172، أمالي الطوسي، 446

([132]) رجال الكشي، 184، معجم الخوئي، 3/ 178 7/ 347، البحار، 47/ 326 52/ 301

([133]) عيون أخبار الرضا، 1/ 248، البحار، 46/ 174، الاحتجاج، 372 الحاشية

([134]) الكافي، 3/ 215، البحار، 46/ 205 82/ 3، العيون، 1/ 255

([135]) الكافي، 8/ 161، البحار، 46/ 205

([136]) انظر المزيد من الروايات في مدح زيد، أمالي الطوسي، 682، الروضة، 142، 220، الإرشاد، 251، 252، الاحتجاج، 372، 373 الحاشية

([137]) رجال الكشي، 164، 165، معجم الخوئي، 7/ 349 17/ 35، البحار، 46/ 189، 193 47/ 405

([138]) الإرشاد، 274، الاحتجاج، 371، البصائر، 174، البحار، 26/ 201 71/ 13، الكافي، 1/ 232، إعلام الورى، 278

([139]) البصائر، 175، البحار، 26/ 205

([140]) روضة الكافي، 31، البحار، 52/ 254

([141]) الاحتجاج، 204، البحار، 46/ 179

([142]) الروضة، 310، نور الثقلين، 4/ 46، البحار، 52/ 304

([143]) البحار، 52/ 139، غيبة النعماني، 199، المناقب، 4/ 188

([144]) العياشي، 1/ 310، الصافي، 1/ 411، 520، البرهان، 1/ 426، البحار، 9/ 195 12/ 315 46/ 168

([145]) رجال الكشي، 182، البحار، 47/ 263، 343، إثبات الهداة، 3/ 173، إعلام الورى، 291، المناقب، 4/ 290

([146]) كتاب زيد النرسي، 49، البحار، 47/ 269، إثبات الهداة، 3/ 170

([147]) البصائر، 472، البحار، 23/ 72 48/ 25، إثبات الهداة، 3/ 165

([148]) كتاب زيد النرسي، 49، البحار، 4/ 108، 122 37/ 13 47/ 269102/ 9، إثبات الهداة، 3/ 170، كمال الدين، 75

([149]) غيبة النعماني، 178، البحار، 48/ 22

([150]) غيبة الطوسي،28، معجم الخوئي،19/ 227، البحار،49/ 26، إثبات الهداة،3/ 162،240

([151]) أصل زيد النرسي، 49 من الأصول الستة عشر، البحار، 47/ 269، إثبات الهداة، 3/ 170، كمال الدين، 76، المناقب، 1/ 266

([152]) انظر تفصيل ذلك إن شئت في: فرق الشيعة، 66-79، الفصول المختارة، 247-253، البحار، 47/ 258

([153]) غيبة الطوسي، 21، البحار، 48/ 231

([154]) الكشي، 170، الكافي، 8/ 124، البحار، 48/ 239، إثبات الهداة، 3/ 176، عيون الأخبار، 1/ 72

 ([155]) فخ، موقع قريب من مكة

([156]) الكافي، 1/ 366، البحار، 48/ 160، وقال، والحسين هو ابن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن ابن علي، وأمه زينب بنت عبدالله بن الحسن، وخرج في أيام موسى الهادي بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، وخرج معه جماعة كثيرة من العلويين، إثبات الهداة، 3/ 174

([157]) مقاتل الطالبيين، 366، البحار، 48/ 170

([158]) مقاتل الطالبيين، 367، البحار، 48/ 170

([159]) مقاتل الطالبيين، 375، البحار، 48/ 169

([160]) مقاتل الطالبيين، 445، البحار، 48/ 165

([161]) عمدة الطالب، 172، سر السلسلة العلوية، 14، البحار، 48/ 165

([162]) إثبات الهداة، 3/ 196، 212، الخرائج والجرائح، 200، البحار، 47/ 25148/ 65، 67، وانظر روايات أخرى في خروجه، البحار، 47/ 127، 242، 243، 256، 257، 261 48/ 299، الإمامة والتبصرة، 209، غيبة الطوسي، 57، كمال الدين، 105، الكافي، 1/ 355

([163]) انظر تفصيل ذلك في: فرق الشيعة، 79-85، الفصول المختارة، 254 وما بعدها

([164]) فرق الشيعة، 85، 87، البحار، 48/ 279 الحاشية 308

([165]) البحار، 48/ 307

([166]) عيون أخبار الرضا، 1/ 46، البحار، 48/ 282 49/ 22، إثبات الهداة، 3/ 239

([167]) عيون أخبار الرضا، 1/ 34، الكافي، 1/ 313، إعلام الورى، 306، البحار، 49/ 11 48/ 310، إثبات الهداة، 3/ 230

([168]) عيون أخبار الرضا، 2/ 209، البحار، 49/ 34، 272، إثبات الهداة، 3/ 184، إعلام الورى، 311

([169]) الكافي، 1/ 321، 354، البحار، 49/ 68، إثبات الهداة، 3/ 247

([170]) الكافي، 1/ 320، إثبات الهداة، 3/ 247، البحار، 50/ 22، الإرشاد، 298

([171]) الكافي، 1/ 355، عيون أخبار الرضا، 2/ 219، الخرائج والجرائح، 207، كشف الغمة، 3/ 135، الاختصاص، 84، البحار، 48/ 273 49/ 39، رجال الكشي، ترجمة، 486 معجم الخوئي، 10/ 338

([172]) شرح مشيخة الفقيه، 56، معجم الخوئي، 10/ 336، رجال النجاشي، 2/ 11

([173]) رجال الكشي، 286، إثبات الهداة، 3/ 561، البحار، 48/ 266

([174]) غيبة الطوسي، 29، 30، 31، 32، إثبات الهداة، 3/ 163، البحار، 38/ 16

([175]) غيبة الطوسي، 32، 33، 34، 35، 36، إثبات الهداة، 3/ 163

([176]) البحار، 37/ 16 47/ 241 48/ 1، 6، 7، 9، 228 49/ 7، كشف الغمة، 2/ 378 3/ 3، إعلام الورى، 302، الإرشاد، 288، 307، 328، الكافي،1/ 476، عيون الأخبار، 1/ 26، 104، كمال الدين، 289، المناقب، 1/ 266 4/ 323

([177]) انظر هذه الروايات في: غيبة الطوسي، 40، 261، البحار، 51/ 216، كمال الدين، 306، 308، إعلام الورى، 403

([178]) كامل الزيارات، 301، البحار، 102/ 9، وقال، قوله، «يا من بدا لله»، يمكن أن يكون إشارة إلى ما ورد في بعض الأخبار أنه كان قدر له أنه القائم بالسيف ثم بدا لله فيه، وأن يكون إشارة إلى البداء الذي وقع في إسماعيل؛ فإن البداء في إسماعيل يستلزم البداء فيه

([179]) الاختصاص، 102، البحار، 50/ 85 79/ 79

([180]) كمال الدين، 173، 174، 175، البحار، 36/ 374، 377، 380

([181]) التوحيد للصدوق، 328، البحار، 40/ 121 93/ 177، معاني الأخبار، 9

([182]) عيون أخبار الرضا، 1/ 33، البحار، 48/ 280

([183]) البحار، 48/ 278، 313

([184]) البحار، 48/ 278 الحاشية

([185]) انظر تفصيل ذلك كله في: فرق الشيعة، 86، وما بعدها، الفصول المختارة، 256

([186]) فرق الشيعة، 91

([187]) بصائر الدرجات،473، غيبة الطوسي، 122، الإرشاد، 315، 350، إعلام الورى،350، الكافي، 1/ 326، البحار، 50/ 240، 243، 244، وقال، «فقد أحدث فيك أمرًا»، أي، جعلك إمامًا بموت أخيك الأكبر قبلك، فرق الشيعة، 100 الحاشية، إثبات الهداة،3/ 391، 392، 395

([188]) الكافي، 1/ 327، الإرشاد، 316، إعلام الورى، 350، البحار، 50/ 246، إثبات الهداة، 3/ 392

([189]) إعلام الورى، 351، الكافي، 1/ 326، الإرشاد، 316، البحار، 50/ 245، إثبات الهداة، 3/ 393

([190]) تدبر في العبارات جيدًا

([191]) غيبة الطوسي، 55، الكافي، 1/ 327، الإرشاد، 317، البحار، 50/ 241، إثبات الهداة، 3/ 359

([192]) غيبة الطوسي، 131، الكافي، 1/ 328، الإرشاد، 317، إعلام الورى، 351، البحار، 50/ 242، إثبات الهداة، 3/ 365، 392، 395

([193]) فرق الشيعة، 94

([194]) كمال الدين، 128، البحار، 23/ 38 50/ 335

([195]) كمال الدين، 376، البحار، 51/ 161

([196]) غيبة الطوسي، 139، البحار، 51/ 161، الكافي، 1/ 328، إثبات الهداة، 3/ 441

([197]) كمال الدين، 431، البحار، 50/ 332 52/ 67، إثبات الهداة، 3/ 485

([198]) انظر روايات أخرى في جعفر وادعائه الإمامة وافتتان الناس به، كمال الدين، 301، 405، غيبة الطوسي، 133، إثبات الهداة، 3/ 363

([199]) غيبة الطوسي، 267، الإرشاد، 358، البحار، 52/ 209

([200]) الإرشاد، 357، البحار، 52/ 220

([201]) علل الشرايع، 234، كمال الدين، 184، 300، الخرائج والجرائح، 195، الاحتجاج، 173، البحار، 36/ 386 47/ 8، 9 50/ 227، إثبات الهداة، 1/ 275، 295

([202]) الاحتجاج، 163، غيبة الطوسي، 176، البحار، 50/ 227 53/ 180، كمال الدين، 439

([203]) انظر تفصيل هذه الفرق في: فرق الشيعة، 96 وما بعدها، الفصول المختارة، 261 وما بعدها، البحار، 37/ 20 وما بعدها 50/ 336

([204]) عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر، ص،5 الحاشية، الطبعة التاسعة 1992، دار الصفوة -بيروت، دور الشيعة في بناء الحضارة الإسلامية لجعفر السبحاني، 133

([205]) انظر هذه الروايات في: البحار، 51/ 2، 4، 15، 16، 22، 23 52/ 146 53/ 4، كمال الدين، 395، 397، الإرشاد، 346، إثبات الهداة، 3/ 441، 569، 570، 578، 580، إعلام الورى، 393، غيبة الطوسي، 139، 143، 147، 164، 241، 258، كشف الغمة، 3/ 234، جامع الرواة، 2/ 467، دلائل الإمامة، 267

([206]) انظر هذه الروايات في: كمال الدين، 289، 396، 397، غيبة الطوسي، 142، 143، 147، 164، 241، الإرشاد، 346، عيون الأخبار، 24، البحار، 36/ 194 51/ 2، 5، 13، 15، 17، 19، 23، 24، 28، 121، 293، 360 52/ 16، إثبات الهداة، 1/ 469 3/ 365، 409، 410، 414، إعلام الورى، 394، الوسائل، 16/ 244، جامع الرواة، 2/ 467، دلائل الإمامة، 264، منتخب الأثر، 320، 321

([207]) منتخب الأثر، 320، أربعينية الخاتون آبادي، ح،2

([208]) كمال الدين، 178، عيون الأخبار، 24، البحار، 36/ 194 51/ 32

([209]) كشف الغمة، 3/ 326، وكذا علل ذلك الحر العاملي، انظر، إثبات الهداة، 3/ 470، 490، كمال الدين، 438 الحاشية، عيون الأخبار، 1/ 68 الحاشية

([210]) أمالي الطوسي، 362، غيبة الطوسي، 112، كشف الغمة، 3/ 235، 271، 277، البحار، 28/ 46 37/ 2 51/ 42، 74، 82، 84، 86، 102، 103 52/ 189، إثبات الهداة، 3/ 594، 598، ملاحم ابن طاوس، 132، 162، غيبة النعماني، 152

([211]) كشف الغمة، 3/ 240، 277، البحار، 51/ 103، 86، غيبة الطوسي، 113 الحاشية

([212]) البحار، 51/ 103، غيبة الطوسي، 112 الحاشية

([213]) البحار، 28/ 46 الحاشية

([214]) البحار، 28/ 46 51/ 104 وعند نقله لهذه الرواية من المصدر -أمالي الطوسي، 362- والذي أورده هكذا، واسم أبيه اسم أبي، جعلها هكذا، واسم أبيه اسم ابني 51/ 67، 86، غيبة الطوسي، 112 الحاشية، وكذا فعل العاملي في: إثبات الهداة، 3/ 518، معجم أحاديث المهدي، 1/ 178

([215]) معجم أحاديث المهدي، 1/ 187

([216]) كشف الغمة، 3/ 277، إثبات الهداة، 3/ 518، معجم أحاديث المهدي، 1/ 178

([217]) انظر مثلاً: كمال الدين، 314، 395، 405، غيبة الطوسي، 105، 144، 149، أمالي الطوسي، 182، البحار، 48/ 15 50/ 314 51/ 4، 24، 144، 161 52/ 16، 17، 34، 40، 110، 171، 378  إثبات الهداة، 1/ 455 3/ 441، 509، الكافي، 1/ 329، 514، 528، إعلام الورى، 404

([218]) كمال الدين، 394، البحار، 51/ 14 53/ 327

([219]) البحار، 51/ 27

([220]) غيبة الطوسي، 144، البحار، 51/ 20، 27، 293

([221]) منتخب الأثر، 358، البحار، 51/ 44، 138، 366

([222]) علل الشرايع، 1/ 234، كمال الدين، 437، البحار، 51/ 142 52/ 90

([223]) علل الشرايع، 1/ 234، البحار، 52/ 90، 97، إثبات الهداة، 3/ 498

([224]) كمال الدين، 321، 325، علل الشرايع، 1/ 246، غيبة النعماني، 118، غيبة الطوسي، 202، البحار،52/ 91، 95، 97، 98، 146، إثبات الهداة،3/ 443، 444، 472، 487، 571

([225]) كمال الدين، 436، الاحتجاج، 263، البحار، 52/ 92، 279 53/ 181 78/ 380، غيبة الطوسي، 177

([226]) كمال الدين، 53، البحار، 51/ 132 52/ 95، 96، 289

([227]) البحار، 53/ 321

([228]) البحار، 52/ 90، إثبات الهداة، 3/ 447

([229]) كمال الدين،2/ 162، الاحتجاج،263، غيبة الطوسي،177، البحار،52/ 9253/ 181

([230]) إثبات الهداة، 3/ 576، البحار، 51/ 118، 134

([231]) كمال الدين، 303، إثبات الهداة، 3/ 459، 471، البحار، 51/ 216

([232]) غيبة النعماني، 102، إثبات الهداة، 3/ 547

([233]) إثبات الهداة، 3/ 533، البحار، 51/ 148

([234]) معاني الأخبار، 403، الكافي، 1/ 452، البحار،15/ 26335/ 6، 7738/ 47، إثبات الهداة، 1/ 153 2/ 13

([235]) غيبة الطوسي، 63، كمال الدين، 2/ 199، البحار، 52/ 2

([236]) غيبة الطوسي، 263، غيبة النعماني، 197، الكافي، 1/ 368، البحار، 4/ 114، 120 42/ 223 52/ 105

([237]) غيبة الطوسي، 263، البحار، 4/ 114 52/ 106

([238]) البحار، 52/ 182

([239]) غيبة النعماني، 205، البحار، 52/ 250، إثبات الهداة، 3/ 544

([240]) البحار، 52/ 182

([241]) البحار، 52/ 184

([242]) تفسير القمي، 2/ 374، البرهان، 4/ 381، نور الثقلين، 5/ 412، الصافي، 5/ 224، البحار، 52/ 188، إثبات الهداة، 3/ 553

([243]) البحار، 52/ 275

([244]) غيبة الطوسي، 207، غيبة النعماني، 198، البحار، 4/ 132 52/ 102

([245]) غيبة الطوسي، 265، غيبة النعماني، 194، البحار، 52/ 105، 117

([246]) غيبة النعماني، 197، البحار، 52/ 117

([247]) غيبة الطوسي، 206، البحار، 52/ 113، 207، إثبات الهداة، 3/ 510

([248]) غيبة الطوسي، 206، البحار، 52/ 113

([249]) غيبة النعماني، 139، البحار، 52/ 113 وصعر كفه، أي، أمالها تهاونًا بالناس

([250]) البحار، 51/ 148

([251]) كمال الدين،157، عيون الأخبار،38، إعلام الورى،381،البحار،36/ 20852/ 311

([252]) إثبات الهداة، 3/ 588

([253]) البحار، 36/ 335 52/ 171، 307، 361، 380، غيبة النعماني، 209، كفاية الأثر،19

([254]) البحار، 52/ 276، 308 59/ 119، إثبات الهداة، 3/ 571

([255]) غيبة النعماني، 189، الإرشاد، 362، غيبة الطوسي، 274، منتخب الأثر، 464، 365، البحار،52/ 285، 290، 297، إثبات الهداة،3/ 453، 491، 514، 543، 570

([256]) الخصال، 394، البحار، 52/ 279، إثبات الهداة، 3/ 496

([257]) كفاية الأثر، 20، منتخب الأثر، 466، النجم الثاقب، ح،62، البحار، 36/ 335 51/ 95 52/ 380

([258]) غيبة الطوسي، 112، الكافي، 1/ 340، غيبة النعماني، 119، البحار، 52/ 153، 157، منتخب الأثر، 467، إثبات الهداة، 3/ 562، 565، 586

([259]) انظر هذه الروايات في: غيبة الطوسي، 273، 283، العياشي، 2/ 326، البصائر، 130، البحار، 52/ 280، 287، إثبات الهداة، 3/ 299، 512، 517، 528، 529، إعلام الورى،342، 432،الإرشاد،363، غيبة النعماني، 99، 231، 232، الاختصاص، 257

([260]) كمال الدين، 2/ 193، غيبة الطوسي، 243، البحار، 51/ 361 52/ 151 53/ 318

([261]) كمال الدين، 325، 330، 404، غيبة الطوسي، 102، غيبة النعماني، 116، الكافي، 1/ 337، 339، البحار، 52/ 151، إثبات الهداة، 3/ 443، 500

([262]) غيبة النعماني،117، البحار،52/ 156، الكافي، 1/ 339، إثبات الهداة، 3/ 444

([263]) كمال الدين،2/ 114، البحار،52/ 152، من لا يحضره الفقيه،2/ 520، إثبات الهداة،3/ 452

([264]) البحار، 52/ 149 95/ 326

([265]) البحار، 53/ 12

([266]) علل الشرايع، 2/ 267، البحار، 52/ 314، إثبات الهداة، 3/ 498، دلائل الإمامة، 256

([267]) الإرشاد، 343، غيبة النعماني، 155، البحار، 52/ 338، 349، إعلام الورى، 431، إثبات الهداة، 3/ 527، 540

([268]) تفسير العياشي، 2/ 57، البحار، 52/ 342، وانظر أيضًا، إثبات الهداة، 3/ 539

([269]) غيبة النعماني، 155، البحار، 52/ 355، إثبات الهداة، 3/ 540

([270]) عقائد الإمامية، 104

([271]) كمال الدين، 335، البحار، 53/ 145

([272]) البحار، 53/ 148، غيبة الطوسي، 285

([273]) غيبة الطوسي، 105، البحار، 36/ 261 53/ 148

([274]) تفسير العياشي، 2/ 352، مختصر البصائر، 130، البحار،53/ 146، غيبة النعماني،231، غيبة الطوسي، 286، الاختصاص، 257، البرهان، 2/ 465

([275]) انظر إن شئت، البحار، 53/ 148، الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة، باب، في أنه هل بعد دولة المهدي دولة أم لا؟ للحر العاملي، 392، إثبات الهداة، 1/ 110، غيبة الطوسي، 285 الحاشية

([276]) الإرشاد، 345، إعلام الورى، 435، كمال الدين، 220، المحاسن، 236، الكافي، 1/ 329، البصائر، 141، البحار، 23/ 41 53/ 145، 146، إثبات الهداة،1/ 110، غيبة الطوسي، 146، 218

([277]) كمال الدين، 221، البصائر، 143، 150، البحار، 23/ 42، 50، 53، إثبات الهداة، 1/ 130

([278]) كمال الدين،194، 195، 196، غيبة النعماني،88، البصائر،124، البحار،23/ 34، 35

([279]) علل الشرايع، 76، 77، كمال الدين، 194، 195، 197، غيبة الطوسي، 99،132،142 غيبة النعماني، 89، عيون الأخبار، 1/ 246، 247، البصائر، 144، البحار، 23/ 21، 24، 28، 29 المناقب، 1/ 245

([280]) علل الشرايع، 76، كمال الدين، 117، 134، 135، البصائر، 134، البحار، 23/ 21، 22، 36، 43، 52، 53، الكافي، 1/ 180، إثبات الهداة، 1/ 80

([281]) كمال الدين، 133، البحار، 23/ 42، إثبات الهداة، 1/ 110

([282]) صراط النجاة، ج،2/ 452

([283]) الذريعة، 4/ 358

([284]) اعتقاد الصدوق، 106، البحار، 26/ 297

([285]) أي، باب، تفضيلهم على الأنبياء إلخ، والذي نقلنا منه بعض الروايات كما مرَّ بك

([286]) البحار، 26/ 297

([287]) أوائل المقالات، 42، البحار، 26/ 298

([288]) الكافي، 1/ 59، نور الثقلين، 3/ 74، الصافي، 1/ 56،151، المحاسن، 267، البحار، 68/ 237 92/ 81

([289]) الكافي، 1/ 286، إثبات الهداة،1/ 441، البحار،35/ 211، نور الثقلين،1/ 502، العياشي، 1/ 276، الميزان، 4/ 411، البرهان، 1/ 385، تفسير فرات، 1/ 110، الصافي، 1/ 462، إثبات الهداة، 1/ 441

([290]) البصائر، 137، البحار، 92/ 48، 88، 89، الكافي، 1/ 228، مرآة الأنوار، 37، البرهان، 1/ 15 4/ 551، تفسير القمي، 2/ 455

([291]) الاحتجاج، 155، البحار، 92/ 42 93/ 42، مرآة الأنوار، 38

([292]) فصل الخطاب، 99، 239، محجة العلماء، 140، البحار، 53/ 9، حق اليقين، 2/ 36

([293]) غيبة النعماني، 218، البحار، 52/ 364 92/ 60، فصل الخطاب، 17، 238، مرآة الأنوار، 37

([294]) تفسير العياشي، 1/ 13، مشارق الشموس، 127، البحار، 92/ 55، 95، 97، مرآة الأنوار، 37، تفسير الصافي، 1/ 41، تفسير البرهان، 1/ 15، 20

([295]) تفسير العياشي، 1/ 13، فصل الخطاب، 237، مشارق الشموس، 126، البحار، 92/ 55، 74، 115، مرآة الأنوار، 37، الصافي، 1/ 41، البرهان، 1/ 22

([296]) كنز الفوائد،2، البحار،35/ 315، مرآة الأنوار،37، البرهان، 4/ 152، تأويل الآيات، 2/ 569

([297]) ثواب الأعمال، 106، البحار، 35/ 235 92/ 50، 288، فصل الخطاب، 320، الصافي، 4/ 209، البرهان، 3/ 289، مرآة الأنوار، 37

([298]) فصل الخطاب، 158، 247، 248، الكافي،2/ 627، 628 البيان،230، العياشي،1/ 20، البحار، 24/ 305 36/ 117 92/ 74، 114، تفسير فرات، 1/ 46، 47، 48، 138، البرهان، 1/ 21، تأويل الآيات، 1/ 18، الصافي، 1/ 24

([299]) الكافي، 2/ 634، فصل الخطاب، 132، 235، 236، 271، 353، محجة العلماء، 168، مرآة العقول، 12/ 525

([300]) الاحتجاج، 254، البحار، 92/ 47 93/ 121، فصل الخطاب،271، مرآة العقول،48، الصافي، 1/ 49، 420، البرهان، 4/ 539

([301]) البرهان، 4/ 151، فصل الخطاب، 328، تأويل الآيات، 2/ 569، البحار، 35/ 315

([302]) الاحتجاج، 253، البحار، 92/ 46، 93/ 120، البرهان، 4/ 34، الصافي، 4/ 282، فصل الخطاب، 322

([303]) القمي، 1/ 108، البرهان، 1/ 277، الصافي، 1/ 328-329، تأويل الآيات، 1/ 105، نور الثقلين،1/ 274، أمالي الشيخ،188، البحار،11/ 2423/ 222، 225، 227 92/ 56، العياشي، 1/ 193، تفسير فرات، 1/ 78، التبيان،2/ 441، فصل الخطاب،264، 265، محجة العلماء، 130، البيان، 233، مجمع البيان، 1/ 735، جوامع الجامع، 1/ 202

([304]) البحار، 93/ 27، فصل الخطاب، 270

([305]) البحار، 2/ 206 23/ 258، المناقب، 3/ 207، البرهان، 1/ 156

([306]) فصل الخطاب، 267، الصافي، 1/ 365، التبيان، 2/ 544، البرهان، 1/ 304، العياشي، 1/ 217، البحار، 2/ 206 23/ 358

([307]) البرهان، 1/ 308، فصل الخطاب، 268، مجمع البيان، 1/ 807، تأويل الآيات، 1/ 118

([308]) القمي، 1/ 22، 110، البرهان، 1/ 34، 308، الصافي، 1/ 370، فصل الخطاب، 268، العياشي، 1/ 195، البحار، 24/ 153، 154 92/ 60، 75، مرآة الأنوار، 48، مجمع البيان، 1/ 807، تأويل الآيات، 1/ 121، نور الثقلين، 1/ 317

([309]) الكافي، 1/ 412، وقال المولى محمد صالح في شرحه، أشار إلى أن هذا كان منزلًا وحذفه المحرفون المنافقون حسدًا وعنادًا، البرهان، 2/ 47، فصل الخطاب، 286، 287، 288، البحار، 37/ 311-332، تفسير فرات، 1/ 146، العياشي، 2/ 43، 44، الأنوار النعمانية، 1/ 277، تأويل الآيات، 1/ 180

([310]) الكافي، 1/ 424، فصل الخطاب، 291، البرهان، 2/ 157، الصافي، 2/ 373، نور الثقلين، 2/ 263

([311]) البرهان، 2/ 282، 283، البحار، 36/ 149 92/ 60 93/ 27، القمي، 1/ 391، الصافي، 3/ 154، فصل الخطاب، 302، العياشي، 1/ 290، الكافي، 1/ 292، تأويل الآيات، 1/ 262

([312]) فصل الخطاب، 316، البرهان، 1/ 34، 3/ 177، جوامع الجامع، 2/ 182، الصافي، 4/ 27، القمي، 1/ 22 2/ 117، البحار، 92/ 62، تأويل الآيات، 1/ 384

([313]) المناقب، 2/ 41، فصل الخطاب، 282، والمقصود بالعدوي، عمر بن الخطاب t، وانظر أيضًا، فصل الخطاب، 242، 280، 281، كشف الغمة، 1/ 326، البرهان، 1/ 34، 437، 491، محجة العلماء، 130، الصافي، 2/ 51، البحار، 35/ 58، القمي، 1/ 23

([314]) جوامع الجامع، 2/ 513، مجمع البيان، 9/ 75، البرهان، 4/ 144، فصل الخطاب، 328، البحار، 32/ 313، تأويل الآيات، 2/ 560

([315]) البرهان، 4/ 182، الصافي، 5/ 22، القمي، 2/ 278، جوامع الجامع، 556، مجمع البيان، 9/ 149، البحار، 23/ 38524/ 32136/ 87، فصل الخطاب،332، تأويل الآيات، 2/ 584، نور الثقلين، 5/ 31

([316]) القمي، 2/ 259، الصافي، 4/ 397، البحار،24/ 39989/ 277، نور الثقلين،4/ 609، البرهان، 4/ 151

([317]) الكافي، 1/ 432، البحار، 23/ 318 24/ 336، البرهان، 4/ 329، فصل الخطاب، 335، تأويل الآيات، 2/ 687، نور الثقلين، 5/ 317

([318]) الكافي، 1/ 422 8/ 57، البرهان، 4/ 381، الروضة، 49، الصافي، 5/ 524، البحار، 23/ 378 35/ 57، 324 37/ 176، فصل الخطاب، 339، المناقب، 2/ 301، نور الثقلين، 5/ 411، 412، تأويل الآيات، 2/ 723

([319]) فصل الخطاب، 341، البحار، 35/ 51، 60 92/ 62 93/ 27

([320]) البرهان، 4/ 375، فصل الخطاب، 346، الفضائل، 159، الروضة، 30، البحار، 36/ 116، محجة العلماء، 131، وانظر أيضًا، مولد النبي 217

([321]) الكشي، 195، معجم الخوئي، 18/ 276

([322]) الكشي، 257، البحار، 2/ 21725/ 262

([323]) رجال الكشي، 195، البحار، 2/ 249، معجم الخوئي، 18/ 27620/ 208

([324]) مقياس الهداية، 1/ 145 وما بعدها

([325]) معجم الخوئي، 1/ 39، كليات في علم الرجال، 151

([326]) مقياس الهداية، 1/ 417

([327]) حذفنا دراسة الأسانيد من هذا المختصر، فمن أرادها يطلبها في الأصل

([328]) كتاب سليم بن قيس، 199، البحار، 33/ 174، الغدير، 2/ 106

([329]) المناقب، 2/ 252، البرهان، 3/ 191، البحار، 18/ 45، 163، 181، 212، الغدير، 2/ 279، 281، 282، 283، 284، تفسير فرات، 1/ 302، 303، مجمع البيان، 7/ 323، جوامع الجامع، 2/ 204، تفسير القمي،2/ 100، الصافي، 4/ 53

([330]) علل الشرايع، 169، 170، البحار، 18/ 44، 178، 181، البرهان،3/ 190،1914/ 519، نور الثقلين، 4/ 66، الميزان، 15/ 336، تفسير فرات، 1/ 303، تأويل الآيات الظاهرة، 1/ 393، أمالي الطوسي، 592، تفسير القمي، 2/ 100، الصافي، 4/ 53

([331]) البحار، 18/ 163، 21238/ 249، مجمع البيان، 7/ 323، البرهان، 3/ 190، تفسير فرات، 1/ 303، تأويل الآيات الظاهرة، 1/ 393، إثبات الهداة، 2/ 161

([332]) علل الشرايع، 169، البحار، 18/ 178

([333]) البحار، 18/ 215، سعد السعود، 106

([334]) البحار، 18/ 44، 35/ 144، مجمع البيان، 7/ 322، البرهان، 3/ 190، 1914/ 519، تفسير فرات، 1/ 301، 303، تأويل الآيات الظاهرة، 1/ 393، إثبات الهداة، 2/ 161، علل الشرايع، 170، أمالي الطوسي، 2/ 278، القمي، 2/ 100، الصافي، 4/ 53، جوامع الجامع، 2/ 203، إعلام الورى، 167

([335]) البحار، 38/ 146، 252، العمدة، 42، الطرائف، 7

([336]) قادتنا كيف نعرفهم، 1/ 91

([337]) سبق تخريجه

([338]) سبق تخريجه

([339]) أمالي الطوسي،16، 203، 212، علل الشرايع، 63، إثبات الهداة، 2/ 73، 74، 81، 88، 159، الخصال، 2/ 43، 50

([340]) إثبات الهداة، 2/ 109، وعلق قائلًا، عدم إخباره لا يستلزم بطلان إخبار غيره أقول، إن كان ثاني اثنين إذ هما في الغار لم يخبره من كان صديقه في الجاهلية والإسلام بأعظم أركان الإسلام، فجهل صاحب الإثبات المتوفى سنة 1104هـ مستلزم من باب أولى

([341]) مجمع البيان، 7/ 323، الصافي، 4/ 53، البرهان، 3/ 189، 190، 191، 192، تفسير القمي، 2/ 100، البحار، 18/ 164، 178، 181، 212، تفسير فرات، 1/ 303

([342]) تفسير القمي، 2/ 101، البرهان، 3/ 191، 192، نور الثقلين، 4/ 69، تأويل الآيات الظاهرة، 1/ 395، البحار، 25/ 213، 215، الصافي، 4/ 53

([343]) مجمع البيان، 7/ 323، البحار، 18/ 164، 19318/ 19735/ 145، المناقب، 1/ 46، الميزان، 15/ 333، 33420/ 386، نور الثقلين، 4/ 685/ 698، الصافي، 5/ 389

([344]) أمالي الصدوق، 468، البرهان، 4/ 224، البحار، 35/ 273، المناقب، 3/ 10، إثبات الهداة، 2/ 70، 169، 178، تأويل الآيات الظاهرة، 2/ 621، نور الثقلين، 5/ 145

([345]) مجمع البيان، 9/ 260

([346]) تفسير الميزان، 19/ 26

([347]) التفسير الكاشف، 7/ 173

([348]) أمالي الصدوق، 107، البحار، 35/ 183، البرهان، 1/ 480، االوسائل،9/ 478، المناقب،2/ 209، الصافي،2/ 46، نور الثقلين،1/ 647، إثبات الهداة، 2/ 54

([349]) البحار، 37/ 128

([350]) تفسير الصافي، 2/ 46

([351]) البرهان، 1/ 484، البحار، 35/ 196، 187

([352]) البحار، 35/ 203، سعد السعود، 97

([353]) تفسير فرات، 1/ 128

([354]) انظر، البحار، 35/ 190

([355]) البرهان، 1/ 480، 483، 484، 489، البحار، 35/ 18837/ 156، العياشي، 1/ 360، الكافي، 1/ 289

([356]) انظر، تفسير فرات، 1/ 125، 126

([357]) الخصال،2/ 161، دعائم الإسلام،1/ 159، قرب الإسناد،125، البحار،10/ 277، 396 84/ 203، 325، المسائل المنتخبة للخوئي، 104، زبدة الأحكام للأراكي، 100، المسائل الإسلامية للشيرازي، 310

([358]) البحار، 84/ 261، 239، الخصال، 2/ 165

([359]) البحار، 84/ 256، المناقب، 2/ 124

([360]) البحار، 70/ 29984/ 261، الكافي، 2/ 16

([361]) البحار، 84/ 230، مصباح الشريعة، 10

([362]) المناقب، 4/ 135، البحار، 46/ 3484/ 245، إثبات الهداة، 3/ 24

([363]) البرهان، 1/ 485

([364]) قرب الإسناد، 123، البحار، 84/ 296

([365]) البحار، 10/ 27784/ 325

([366]) أمالي الطوسي، 626، البحار، 14/ 19743/ 31، 5996/ 147، تأويل الآيات، 1/ 108، كشف الغمة، 1/ 469، تفسير فرات، 1/ 83

([367]) الكافي، 5/ 528، البحار، 43/ 62، نور الثقلين، 3/ 587

([368]) الكافي، 1/ 2535/ 93، التهذيب، 6/ 184، البحار، 16/ 27543/ 32181/ 345 103/ 142، من لا يحضره الفقيه، 3/ 111، الوسائل، 18/ 317

([369]) علل الشرايع،528، البحار،81/ 344103/ 142، من لا يحضره الفقيه،3/ 111

([370]) علل الشرايع،590، المحاسن،2/ 318، البحار،103/ 143، الوسائل، 18/ 319

([371]) الخصال، 27، علل الشرايع، 527، البحار، 103/ 141

([372]) سيأتي تخريج هذه الروايات

([373]) نور الثقلين، 5/ 16، البحار، 40/ 34641/ 16066/ 32077/ 394

([374]) المناقب، 2/ 97، البحار، 40/ 32442/ 43، كشف المحجة، 124

([375]) أمالي الطوسي، 443، البحار، 95/ 301108/ 57

([376]) كشف المحجة،125،البحار،40/ 338103/ 142، 145،الوسائل،18/ 322، وانظر أيضًا، من لا يحضره الفقيه، 3/ 111، علل الشرايع، 590، المحاسن، 2/ 318، الوسائل، 18/ 317

([377]) تفسير العسكري، 30، البحار، 41/ 2096/ 193

([378]) البرهان، 1/ 484، البحار، 35/ 187، 196، المناقب، 3/ 3

([379]) فقه الرضا، 16، البحار، 66/ 538، الوسائل، 4/ 413

([380]) قرب الإسناد، 48، البحار، 66/ 538

([381]) قرب الإسناد، 66، البحار، 66/ 339، الوسائل، 4/ 416

([382]) معاني الأخبار، 301، البحار، 66/ 539، الوسائل، 4/ 4146/ 308

([383]) الانتصار، 80، المختصر النافع، 81، المسائل المنتخبة، 170، زبدة الأحكام، 116، 169، شرائع الإسلام، 1/ 150، المسائل الإسلامية، 447، البحار، 96/ 37، 38، 39، 41، 42، قرب الإسناد، 135، دعائم الإسلام، 464، الحدائق الناضرة، 12/ 97، 98، الوسائل، 9/ 156 وما بعدها

([384]) وأورد القوم عن الباقر قوله في نزول هذه الآية، أي، «إنما وليكم الله، فقال المسلمون، هذا بعضنا أولياء بعض»، البرهان، 1/ 490، شرح الأخبار، 104، مما يدل على عدم فهم المسلمين لغير هذه الموالاة التي يريدها القوم

([385]) سنأتي على ذكر دلائل أخرى عند حديثنا في روايات، من كنت مولاه

([386]) أمالي الطوسي، 562، البحار، 25/ 24035/ 215، 219، 23237/ 63، تفسير فرات، 1/ 333، 335

([387]) البرهان، 3/ 321، البحار، 35/ 217، الطرائف، 29، العمدة، 16، 21

([388]) البحار، 35/ 234، محجة العلماء، 163، فصل الخطاب،320، الحدائق الناضرة،2/ 290

([389]) الميزان، 16/ 312

([390]) الطرائف، 30، العمدة، 18، البحار، 35/ 22145/ 198، البرهان، 3/ 321

([391]) أمالي الطوسي، 85، البحار، 25/ 24037/ 39، 402، كشف الغمة، 1/ 47

([392]) البرهان، 3/ 321

([393]) نور الثقلين، 4/ 271

([394]) الخصال، 125، البحار، 22/ 154، 155، 168 38/ 30279/ 104، تفسير القمي، 2/ 76، الميزان، 15/ 104، نور الثقلين، 1/ 582 3/ 582، الصافي،3/ 424، البرهان، 3/ 127، الغرر والدرر، 1/ 77

([395]) البحار، 22/ 168، تأويل الآيات، 2/ 604

([396]) معاني الأخبار،138، البحار، 19/ 287 23/ 208 35/ 208 76/ 30 72/ 152، البرهان،3/ 321، وانظر أيضًا، نور الثقلين،4/ 273، 274، العياشي،1/ 406، البرهان،1/ 553

([397]) العياشي، 1/ 277، البحار، 10/ 139 23/ 203 35/ 212 57/ 141 72/ 152، أمالي الطوسي، 573، البرهان، 1/ 385 3/ 309، 310، 316، الكافي، 1/ 288، نور الثقلين، 2/ 171 4/ 277

([398]) تفسير العياشي،1/ 406، البحار،72/ 128، البرهان،1/ 553، الصافي، 1/ 550، وانظر أيضًا، نور الثقلين، 2/ 138، 286

([399]) أمالي الطوسي، 259، المناقب، 1/ 435، البحار، 38/ 350، 35243/ 38

([400]) الاحتجاج، 197، البحار، 32/ 27738/ 348

([401]) اليقين، 13، بشارة المصطفى، 203، البحار، 38/ 351

([402]) الاحتجاج، 104، البحار، 38/ 349

([403]) اليقين، 13، بشارة المصطفى، 203، البحار، 38/ 351

([404]) الاحتجاج، 104، البحار، 38/ 348

([405]) الطرائف، 18، البحار، 38/ 355

([406]) الطرائف، 18، البحار، 38/ 355

([407]) الخصال، 2/ 84، البحار، 21/ 38177/ 119

([408]) كمال الدين، 122، معاني الأخبار، 32، الخصال، 1/ 43، أمالي الصدوق،231، البصائر، 122، عيون الأخبار، 1/ 602/ 68، بشارة المصطفى، 204، البحار، 2/ 226 23/ 109، 131، 141، 145، 147، 15224/ 23433/ 248، 249

([409]) أمالي المفيد، 28، 79، كمال الدين، 70، 98، 225، 227، 228، 229، 230، 234، البصائر، 413، 414، تفسير العياشي، 1/ 15، 16، عيون الأخبار، 1/ 1992/ 31، صحيفة الرضا، 23، 24، أمالي الطوسي، 491، الكافي، 1/ 294، معاني الأخبار، 32، أمالي الصدوق، 338، 422 البحار، 2/ 226 22/ 475، 476

([410]) كمال الدين، 226، البحار، 23/ 132، وقد أورد القوم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأمر بالرجوع إلى القرآن والسنة في حال الاختلاف

([411]) انظر تفصيل ذلك في: البحار، 23/ 151، 15790/ 260، 261، كمال الدين، 100، 105، 118، 231

([412]) أمالي الصدوق، 78، البحار، 22/ 28844/ 287

([413]) كمال الدين، 234، معاني الأخبار، 32، البحار، 23/ 149، 15828/ 325

([414]) كفاية الأثر، 326-328، البحار، 46/ 198، 201، 202، إثبات الهداة، 1/ 604، 605، منتخب الأثر، 129، 245

([415]) أمالي الصدوق، 77، 78، 79، البحار، 45/ 101، 103

([416]) كشف الغمة، 1/ 44، البحار، 23/ 11525/ 23735/ 211، 229

([417]) العياشي، 1/ 277، البحار، 35/ 211، البرهان، 1/ 3853/ 309، الكافي، 1/ 286

([418]) البحار، 23/ 114-11535/ 229، العمدة، 35

([419]) الاحتجاج، 43، البحار، 28/ 177

([420]) البحار، 43/ 17

([421]) تفسير العسكري، 20، البحار، 33/ 18439/ 2586/ 260

([422]) البحار، 32/ 184

([423]) الخصال، 95، أمالي الصدوق، 172، البحار، 7/ 23111/ 38022/ 274، نور الثقلين، 2/ 47

([424]) أمالي الطوسي، 89، البحار، 22/ 27735/ 214، تفسير فرات، 1/ 340

([425]) كمال الدين، 251، سليم بن قيس، 70، البحار، 28/ 53

([426]) البحار، 19/ 225، 254، مجمع البيان، 4/ 526، نور الثقلين، 2/ 131، البرهان، 2/ 66، تفسير القمي، 1/ 264

([427]) أمالي الطوسي، 117، البحار، 27/ 173، أمالي المفيد، 148

([428]) أمالي الطوسي، 644، البحار، 27/ 105، كشف الغمة، 1/ 124

([429]) أمالي الطوسي، 129، 210، البحار، 22/ 455، 531، المناقب، 1/ 238، 240

([430]) الطرف، 45، البحار، 22/ 49481/ 379

([431]) البحار، 44/ 65، كشف الغمة، 2/ 193

([432]) البحار، 46/ 18047/ 273

([433]) معاني الأخبار،33، أمالي الصدوق،145،البحار،25/ 216،إثبات الهداة،1/ 490، 528

([434]) أمالي الصدوق، 312، عيون الأخبار، 126، تحف العقول، 415، البحار، 25/ 221

([435]) أمالي الصدوق، 209، عيون الأخبار، 2/ 70، الاحتجاج، 139، الكشي، 8، 10، 13، البصائر، 17، 18، الاختصاص، 341، الكافي، 1/ 401، اليقين، 183، الطرائف، 28، مجمع البيان، 2/ 427 5/ 167، البحار، 2/ 190 10/ 123 11/ 131، 148، 313 17/ 170 18/ 19، 135، تفسير العسكري، 121، البرهان، 1/ 2

([436]) أمالي الطوسي، 536، البحار، 77/ 76

([437]) إثبات الوصية، 33

([438]) البحار، 28/ 34732/ 10841/ 145، الخصال، 157

([439]) البحار، 32/ 42738/ 59

([440]) البحار، 47/ 345، 34983/ 155، الاختصاص، 68، 195، أمالي الطوسي، 44، نور الثقلين، 2/ 547

([441]) تفسير فرات، 2/ 399، البحار، 23/ 248

([442]) مستطرفات السرائر فيما استطرفه من رواية ابن قولويه، البحار، 46/ 192

([443]) تفسير العسكري،376، إرشاد القلوب،214، كنز جامع الفوائد،483، البحار، 17/ 262 26/ 343، 345، وانظر أيضًا، تأويل الآيات، 2/ 834، البحار، 26/ 344، إرشاد القلوب، 2/ 403

([444]) الاختصاص، 85، البحار، 46/ 337، البرهان، 2/ 319

([445]) الاحتجاج، 104، البحار، 32/ 27838/ 349

([446]) تأويل الآيات، 2/ 676، البحار، 23/ 366، 389، كنز الفوائد، 335

([447]) انظر، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، ثم جمعها في كتاب مستقل أسماه، مصفى المقال في مصنفي علم الرجال

([448]) تفسير فرات، 1/ 131، البحار، 16/ 25722/ 249

([449]) جوامع الجامع، 1/ 355، مجمع البيان، 3/ 231، التفسير الكاشف، 3/ 5، تفسير الصافي، 2/ 5، البرهان، 1/ 340، تفسير الميزان، 5/ 156

([450]) الكافي، 1/ 199، 290، نور الثقلين، 1/ 588، 589، 651، البحار، 7/ 23636/ 133 37/ 138، 17358/ 368، فرات، 1/ 119، 120، العياشي، 1/ 322، البرهان، 1/ 435، 444، التفسير الكاشف، 3/ 5، 13، الميزان، 5/ 170، 195، 197، مجمع البيان، 2/ 231

([451]) الميزان، 5/ 196

([452]) الكافي، 1/ 290، نور الثقلين، 1/ 588، 651، البحار، 58/ 368، البرهان، 1/ 488، الصافي، 1/ 52، إثبات الهداة، 1/ 443

([453]) البحار، 58/ 371

([454]) الغدير، 1/ 9، إثبات الوصية، 19، إثبات الهداة، 2/ 139

([455]) تفسير العياشي، 1/ 358، 361، البحار، 37/ 139، 140، 158، 165، 193، جامع الأخبار، 10، البرهان، 1/ 485، 489، إثبات الهداة، 2/ 139، 1703/ 544، تفسير فرات، 2/ 516، المناقب، 3/ 26

([456]) العياشي، 2/ 342، البرهان، 2/ 454، البحار، 36/ 106، 171، نور الثقلين، 3/ 235

([457]) بشارة المصطفى، 182، البحار، 39/ 152، 276، 284

([458]) أمالي الطوسي، 20، تفسير فرات، 1/ 301، البحار، 18/ 19138/ 223

([459]) العياشي، 1/ 220، البرهان، 1/ 314، البحار، 17/ 11، 1225/ 337، إثبات الهداة، 3/ 531، الصافي، 1/ 296

([460]) تفسير العياشي، 2/ 103، البرهان، 2/ 135، إثبات الهداة، 3/ 546

([461]) البحار، 35/ 28237/ 127، 140، 151، 170، فرات، 1/ 1312/ 450، العياشي، 1/ 3612/ 103، البرهان، 1/ 4892/ 145، إثبات الهداة، 2/ 164 3/ 544، 546

([462]) البحار، 98/ 304، الإقبال، 476

([463]) البحار، 38/ 5463/ 100، الروضة، 41، البصائر، 28

([464]) تفسير القمي، 1/ 23، البرهان، 1/ 34

([465]) كشف الغمة، 1/ 326، البرهان، 1/ 491، البحار، 37/ 178

([466]) البحار، 35/ 58

([467]) للمزيد انظر، الصافي، 2/ 51، نور الثقلين، 1/ 653، الاحتجاج، 57، البحار، 37/ 137، 201، فصل الخطاب، 281، محجة العلماء، 130

([468]) الإرشاد، 89، إعلام الورى، 137، الكافي، 2/ 233، أمالي الطوسي، 252، البحار، 21/ 373، 383، 384، 389، 391، 396

([469]) إعلام الورى، 137، البحار، 21/ 360

([470]) البحار، 21/ 36238/ 101 40/ 316 104/ 389، 400، أمالي الصدوق، 348، الكافي، 7/ 372

([471]) الإرشاد، 89، إعلام الورى، 138، البحار، 21/ 383، المناقب، 2/ 110

([472]) البحار، 37/ 32038/ 149

([473]) البحار، 37/ 187، الطرائف، 35، العمدة، 45

([474]) الروضة، 11، البحار، 37/ 18638/ 344

([475]) العياشي، 1/ 356، البرهان، 1/ 482، البحار، 35/ 187

([476]) بشارة المصطفى، 202، البحار، 38/ 354

([477]) ولعل ما يؤيد ذلك رواية القوم عن الباقر أنه قال: «حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة وقد بلّغ جميع الشرايع قومه ما خلا الحج والولاية»، البرهان، 1/ 436، البحار، 37/ 201، الاحتجاج، 33

([478]) معاني الأخبار، 67، البحار، 37/ 225

([479]) الغدير، 1/ 362، البحار، 37/ 225، 237، معاني الأخبار، 67

([480]) كشف الغمة، 3/ 303، البحار، 37/ 22350/ 290، إثبات الهداة، 2/ 139

([481]) أمالي الصدوق، 135، البحار، 44/ 318

([482]) أمالي الصدوق، 107، معاني الأخبار، 65، البحار، 37/ 223، إثبات الهداة، 2/ 34

([483]) معاني الأخبار، 66، البحار، 37/ 223

([484]) الخصال، 465، البحار، 28/ 213

([485]) الكافي، 1/ 407، البحار، 27/ 248، نور الثقلين، 4/ 240، 237

([486]) فرات، 2/ 452، البحار، 35/ 283

([487]) البحار، 40/ 124

([488]) أمالي الطوسي، 211، البحار، 37/ 14

([489]) صفات الشيعة، 4، البحار، 21/ 111

([490]) البحار، 23/ 282، تفسير فرات، 1/ 342

([491]) الخصال، 2/ 50، 15، أمالي الشيخ، 310، سليم بن قيس، 153، البحار، 39/ 337، 339، 352

([492]) الروضة، 27، الفضائل، 155، المحتضر، 101، البحار، 27/ 12940/ 4754/ 387

([493]) أمالي الصدوق، 283، البحار، 35/ 210

([494]) العمدة، 46، البحار، 37/ 148، 177

([495]) البحار، 20/ 37337/ 307

([496]) فرج المهموم، 107، البحار، 48/ 147

([497]) الاحتجاج، 84، البحار، 40/ 2

([498])فصل الخطاب، للنوري الطبرسي، 91

([499]) أمالي الصدوق، 347، البحار، 38/ 107

([500]) معاني الأخبار، 66، البحار، 38/ 121

([501]) البحار، 38/ 146

([502]) منتخب الأثر، 92

([503]) كمال الدين، 150، البحار، 36/ 253

([504]) البحار، 32/ 456، وانظر أيضًا، البحار، 33/ 568-569

([505]) البحار، 33/ 535

([506]) البحار، 33/ 568

([507]) البحار، 32/ 31 نقلًا عن الكافية لإبطال توبة الخاطئة، للمفيد

([508]) البحار، 32/ 32 نقلًا عن الكافية لإبطال توبة الخاطئة

([509]) البحار، 32/ 63

([510]) نهج البلاغة، 178، من كلام له لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان ا، البحار، 32/ 8، 23، 3541/ 116، المناقب، 2/ 110

([511]) البحار، 32/ 76، 113، الإرشاد، 132

([512]) البحار، 36/ 167، الطرائف، 24

([513]) عيون الأخبار، 2/ 67

([514]) البحار، 32/ 450

([515]) البحار، 32/ 36833/ 76، وانظر أيضًا، نهج البلاغة، 446، نور الثقلين، 1/ 551

([516]) البحار، 32/ 23

([517]) البحار، 32/ 38033/ 78، شرح النهج للبحراني، 4/ 356، نهج السعادة، 4/ 94

([518]) البحار، 33/ 81، 82

([519]) كشف الغمة، 2/ 145، البحار، 44/ 65

([520]) سبق تخريجه

([521]) البحار، 33/ 373

([522]) الاحتجاج، 450، إرشاد القلوب، 2/ 225، البحار، 2/ 225 5/ 20، 68 16/ 350، 399 44/ 36

([523]) نهج البلاغة ص،190 شرح محمد عبده

([524]) نهج البلاغة ص،430 شرح محمد عبده

([525]) ميثم بن علي البحراني كمال الدين من شيوخ الإمامية، من أهل البحرين، من كتبه، شرح نهج البلاغة، توفي في البحرين سنة، 679هـ، معجم المؤلفين، 13/ 55

([526]) الفصول المختارة،31 في الدلالة على أن أمير المؤمنين لم يبايع أبا بكر، البحار، 10/ 427

([527]) انظر الرواية بتمامها في: أمالي الطوسي، 518، البحار، 32/ 262

([528]) أصل الشيعة وأصولها، 124

([529]) البحار، 32/ 32، نقلاً عن الكافية لإبطال توبة الخاطئة

([530]) العياشي، 1/ 60، البرهان، 1/ 87، البحار، 11/ 187

([531]) عيون الأخبار، 170، البحار، 26/ 273

([532])البصائر، 22، البحار، 14/ 391، تفسير فرات، 1/ 264، البحار، 26/ 333

([533]) المناقب، 4/ 138، البرهان، 4/ 37، دلائل الإمامة، 92، البحار، 14/ 401 65/ 218

([534]) البصائر، 22، البحار، 23/ 281

([535]) المناقب،2/ 141، البحار،3/ 28141/ 245، وانظر أيضاً، الإقبال،464، البحار،27/ 262

([536]) الكافي، 6/ 389، البحار، 43/ 320

([537]) البصائر، 20، البحار، 26/ 341

([538]) تفسير العسكري، 36، البحار، 17/ 306، إثبات الهداة، 2/ 150

([539]) علل الشرايع، 64، البحار، 27/ 280، 283، وانظر أيضاً، عيون الأخبار، العمدة، 197

([540]) علل الشرايع، 159، البحار، 27/ 280

([541]) بشارة المصطفى، 205، البحار، 27/ 282

([542]) الاختصاص، 249، البحار، 27/ 283

([543]) الروضة، 37، البحار، 41/ 247

([544]) للمزيد، راجع كتابنا "هداية المرتاب"

عدد مرات القراءة:
17254
إرسال لصديق طباعة
الثلاثاء 28 صفر 1445هـ الموافق:12 سبتمبر 2023م 12:09:42 بتوقيت مكة
محمد سيسي جالو  
أحب موقعكم هذا لأنه في غاية الأناقة العلمية
السبت 22 ربيع الأول 1439هـ الموافق:9 ديسمبر 2017م 11:12:45 بتوقيت مكة
إبن عائشة الصدیقه 
انظر فی هذا الرابط اکثر من الشبهات الرافضه و جوابها:
http://ayesha-dd.blogfa.com/
الثلاثاء 19 صفر 1439هـ الموافق:7 نوفمبر 2017م 09:11:29 بتوقيت مكة
فيصل نور 
ورد في الكتاب تحت عنوان "الإستدلال بخبر الطائر" أن الطارق في بعض الروايات كان عليًا. وفي أخرى: عائشة. وأخرى: رافع.
والصحيح أن الطارق في جميع الروايات هو علي رضي الله عنه، والخلاف المذكور إنما كان في القائم على أمر الباب بين أنس وعائشة ورافع رضي الله عنهم أجمعين.
وقد نبهني إلى ذلك شيخنا خالد الوصابي حفظه الله. فجزاه الله كل خير. فيصل نور
الأربعاء 11 رمضان 1437هـ الموافق:15 يونيو 2016م 01:06:27 بتوقيت مكة
عبد المطلب عبد الله 
السلام عليكم ورحمة الله.
لا أستطيع تحميل الكتاب من موقعكم،وهنا تحذير بأن معلومات حساسة يمكن سرقتها عن طريق موقعكم،هذا يدل على ان موقع فيصل نور يواجه قراصنة شيعية تريد تشويشه وتشويهه.
فانتبهوا.
 
اسمك :  
نص التعليق :