الحرب الأهلية في العراق واقع وتصورات – دراسة استشرافية ( 1/2) إعداد المعهد العربي للبحوث والدراسات الأردن – 2006
أصدر المعهد العربي للبحوث والدراسات الكراس الأول من سلسلة كراساته الإستراتيجية ، وتناولت موضوعين هامين هما : احتمالات الحرب الأهلية في العراق المناطق المتوقعة ، و وجهة نظر عسكرية في هذه الحرب الأهلية . ولأهمية هذه الدراسة التي تكاد الوقائع أن تجاريها نعرض أهم ما جاء فيها باختصار على حلقتين . احتمالات الحرب الأهلية في بغداد المناطق المتوقع أن تشهد أولى عمليات التطهير العرقي (سيناريو) تناولت المقدمة قيام النظام العراقي السابق بالتخطيط " لحماية مدينة بغداد، باعتبارها عاصمة الدولة والنظام، من خطر اندلاع فوضى أو شغب قد تفضي بإقلاق النظام، فجرى وضع خطة أمن بغداد منذ أكثر من عقدين وذلك لتوجس النظام وخوفه من إمكانية تسلل عناصر إيرانية إلى الداخل العراقي، تساندها عناصر موالية لها في الداخل، قد تحدث فوضى وأعمال سلب في العاصمة بغداد. وقد تأكد ذلك عندما اندلعت فوضى عارمة شملت محافظات الجنوب والفرات الأوسط، إثر خروج الجيش العراقي من الكويت. ارتكزت خطة أمن بغداد وقتذاك على اعتبار أن الخطر الأساس قد يأتي من المناطق السكنية الواقعة في: أ- شرق قناة الجيش ب- مناطق شمال غرب بغداد (مناطق الشعلة والحرية). ج- مناطق جنوب بغداد (مناطق البياع والسيدية). الملاحظ أن غالبية السكان في هذه المناطق المزدحمة هم من المواطنين العرب الشيعة، والقوات التي كانت تستخدم لضبط حالة الأمن داخل العاصمة هي قوات شرطة العاصمة بكل صنوفها، وعناصر قوات الأمن والمخابرات وكانت بأعداد كبيرة، وعناصر تنظيمات حزب البعث المنتشرة في كل زاوية من زوايا العاصمة والأحياء والمناطق التي ذكرت أعلاه. أما الاستعانة بقوات الحرس الجمهوري المسؤولة عن حماية العاصمة فلم يكن معتاداً في غالب الأحيان. أما اليوم .. وبعد احتلال العراق، فالأمر يختلف تماماً ولأسباب كثيرة معلومة، أهمها ليس هناك تنظيم عسكري أو أمني يمتلك خبرات الأجهزة السابقة إضافة إلى أن قوات الحرس الوطني وقوات الشرطة لم يتم اختبار مدى حرفيتها، والشك في ولاءاتها الوطنية، مرد ذلك أنها تشكيلات غريبة من أحزاب وانتماءات تفضل مصالحها الحزبية والعرقية والمذهبية على مصلحة الوطن العليا. في المقابل يوجد أكثر من تنظيم حزبي، والكل مستعد لطاعة قياداته الحزبية دون غيرها، والخوف كل الخوف أن هذه التنظيمات قد تتصادم فيما بينها الأمر الذي قد يؤدي إلى صراعات طائفية حادة وخطيرة ". ومن هنا ينطلق التقرير " لتحديد احتمالات المستقبل مستعينين بما جرى في الماضي القريب وخصوصاً بعد تموز 2004، وكذلك من تطورات مضافة بعد نهاية الانتخابات العامة في كانون الثاني الماضي إذ برزت للواجهة أزمة مناطق مثل "المدائن" و"اللطيفية"، وما تلاها من عمليات أمنية واسعة النطاق باشرت بتنفيذها حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري وتحت مسميات مختلفة مثل عملية البرق التي بوشر فيها مع نهاية شهر نيسان 2005، وأتبعتها عملية الرعد، ولا تزال الأخيرة قائمة حتى الآن وهي عمليات استهدفت المناطق ذات الغالبية من العرب السنة في بغداد ومحيطها، وتحديداً سامراء ". التطور المعاصر لمدينة بغداد والتوزيع الديني والطائفي للسكان يعرض التقرير بشكل موسع لطبيعة سكان بغداد " قبل قرنين من الزمان كانت جهة الرصافة (شرق نهر دجلة) من بغداد تعد منطقة سنية مقابل أن منطقة الكرخ (غرب نهر دجلة) منطقة شيعية، وحدود مدينة بغداد القديمة امتدت من منطقة الصالحية (محطة السكك الحديدية) غرباً وباتجاه نهر دجلة شرقاً. والطرف الثاني من العاصمة ونقصد به جانب الرصافة فقد كان ممتداً من نهر دجلة والغاية منطقة حدودها النهائية هي شارع محمد القاسم (الخط السريع) بوصفه السدة الترابية التي تحمي مدينة بغداد من فيضان نهر دجلة وقتذاك. من جهة الجنوب كانت حدود العاصمة تمتد سكنياً لغاية منطقة "الكرادة داخل" ومن جهة الشمال كان الحضور السكاني يتوقف عند حدود الكاظمية. وكل ما هو خلف هذه الحدود الأربعة كان عبارة عن مناطق زراعية مفتوحة تماماً تتناثر عليها قرى صغيرة. مع تأسيس الدولة العراقية المعاصرة عام 1921، بدأ شكل العاصمة يتغير بشدة من زاوية حجم السكان والمساحة، وأهم تغير حصل جاء بعد عام 1940 عندما شهدت العاصمة هجرات واسعة من أرياف الجنوب وعلى وجه الخصوص أرياف العمارة وذلك بسبب اضطهاد الإقطاعيين وشيوخ العشائر للفلاحين الفقراء وهم طبعاً من العشائر العربية ومن الشيعة. أما المهاجرون الجدد للعاصمة فجاءوا بحثاً عن العمل الذي لم يجدوه، وما داموا لم يجدوا المساكن التي يمكن أن تأويهم فقد اضطروا لبناء الأكواخ دون أن يعترضهم أحد لكونهم كانوا يستقرون على أراض تعود ملكيتها للدولة. تطور آخر أضاف هجرات جديدة وواسعة للعاصمة جاء بعد عام 1958، وهو تطور أسهم به الزعيم عبد الكريم قاسم وذلك عندما قرر إسكان هؤلاء الفقراء بشكل دائم بعد أن ملكهم الأرض التي بوسعهم البناء والسكن فيها. مثل هذه الخطوة نجم عنها ظهور أحياء جديدة داخل العاصمة، أهم هذه الحياء كانت مدينة الثورة (الصدر) التي توسعت فيما بعد لتصبح مدينة تعداد سكانها يصل إلى 2 مليون نسمة، وفق بعض الإحصاءات. وأحياء أخرى مماثلة ظهرت أيضاً وهي اليوم مدينتا الحرية والشعلة (شمال غرب بغداد)، وبعد قليل تكونت أحياء مثل حي العامل والبياع (جنوب غرب بغداد). وخلال العقود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي اهتمت الدولة ببناء المساكن وتوزيع الأراضي لموظفيها من المدنيين والعسكريين دون تمييز في الدين والعرق والطائفة، أما أهمية وقيمة وموقع الأراضي التي توزع فتستند إلى طبيعة الفئات المستفيدة من الموظفين. وهكذا حصل موظفو الدولة والعسكريون وآخرون على أهم المناطق القريبة من مركز العاصمة، وبموجب هذا التوزيع حصل العمال على مناطق البياع بينما حصل رجال الجيش على مناطق اليرموك وزيونة والقاهرة والبيجية ومناطق الغزالية. وحصل رجال الشرطة على ما يعرف اليوم بمدينة الشرطة وحي الدورة في المقابل حصل القضاة على حي العدل والربيع، وحصل أساتذة الجامعات على حي الكفاءات ومناطق الجنينة والغزالية، وحصل موظفو قطاع المصارف والمعلمون على حي البنوك وحي المعلمين وغيرها من الأحياء التي تعرف بأسماء من منحوا هذه الأرض وتلك. والهجرة إلى بغداد خلال العقود الأربعة الماضية كانت تتم في مناطق العراق المختلفة، هذه الهجرة حددتها قوانينها الخاصة، على سبيل المثال كان هناك دوماً ميلاً طبيعياً للقادمين من مناطق شمال وغرب العراق للسكن في جانب الكرخ وفي مناطق الأعظمية، والقادمون من الجنوب كان ميلهم يتجه نحو مناطق الرصافة دون غيرها، والمسيحيون هم أيضاً كانت لهم ميول خاصة في اختيار المناطق السكنية. وأما عناصر وعائلات قوات الليفي الأثورية – بعد أن تم حل هذه القوة عام 1955- فتم إسكانهم في منطقة الدورة، ولهذا نجد حياً فيها يسمى بحي الأثوريين، وهناك مناطق أخرى مثل بغداد الجديدة، وكامب الأرمن عرف عنها تاريخاً أن معظم سكانها الأوائل الذين سكنوها بعد عام 1960هم من المسيحيين الفقراء، والأغنياء من هذه الطائفة والمتعلمين من ذوي الخبرة والكفاءة اتخذوا من حي المسبح ومنطقة 52 أحياء سكنية لهم. أما الأكراد الهاربون من جحيم الحرب الأهلية الطويلة في شمال البلاد فوجدوا طريقهم في الغالب إلى منطقة الرصافة، وأكراد بغداد القدامى ممن يعمل حمالين وحدادين في المنطقة التجارية "الشورجة" والمنطقة الصناعية في شارع الملك غازي (الكفاح) سكنوا في حي باسمهم في مركز العاصمة تماماً، والأغنياء من الأكراد والتركمان توزعوا في مناطق مثل حي فلسطين والأعظمية وحي جميلة وحي عدن. وآخر تطور مهم حصل هو إصرار الرؤساء العراقيين بعد عام 1963على أن تكون مركز قيادتهم القصر الجمهوري وما حوله مناطق بساتين، لتكون منطقتهم خضراء، ومعظم وزارات الدولة تم تركها في منطقة الرصافة مقابل إحاطة القصر الجمهوري بأسوار وشوارع عريضة كي لا تكون بالقرب منه مواقع سكنية، والأحياء التي تأسست وسبقت وصوله للسلطة تم استملاكها من قبل الدولة وتعويض سكانها بشكل مجز، ومن ثم تم هدم الكثير منها، هذه المنطقة باتت تعرف اليوم باسم المنطقة الخضراء. لقد حاولت العديد من الحكومات وقف الهجرة إلى العاصمة خصوصاً الهجرة من مناطق الجنوب الشيعية لاتساع حجمها، ولم تفلح كل القوانين التي تم إصدارها كما لم تفلح الإجراءات التحفيزية منها والقسرية في إعادة القادمين إلى العاصمة إلى مواطنهم الأصلية ". المناطق الرخوة والمناطق الحصينة يقسم التقرير مناطق بغداد ثلاثة دوائر بحسب " طريقة توزيع السكان على وفق انتماءاتهم الدينية والطائفية، كما يلي: الحلقة الأولى: وهي حلقة مركز العاصمة، تمتد حدود هذه الحلقة شرقاً من الجانب الغربي لقناة الجيش وباتجاه مركز العاصمة لتعبر نهر دجلة ولغاية منطقة أحياء المنصور والداودي والشرطة غرباً. شمالاً يبدأ إطار الحلقة من منطقة الكاظمية وباتجاه جنوب العاصمة لغاية معسكر الرشيد. داخل هذه الحلقة هناك العديد من المناطق والأحياء بعضها تضم غالبية سكانية من دين ومذهب واحد، على سبيل المثال تعد المناطق التالية مناطق ذات غالبية من الشيعة: أ- الكاظمية، ب- الشعلة، ت- الحرية، ث- حي عدن، ج- الكرادة داخل، ح- بغداد الجديدة، خ- البياع، د- العامل. المناطق ذات الغالبية من السنة هي: ب- الأعظمية، ب- الصليخ، ت- العدل، ث- الشرطـة، ج- الكفاءات، ح- اليرموك. المناطق ذات الغالبية المسيحية هي: ج- الكرادة خارج، ب- حي52، ت- الدورة (حي الأثوررين). داخل حلقة المركز هناك مناطق كثيرة وواسعة تضم النسيج المختلط للقوميات والأديان والمذاهب العراقية ومن دون استثناء وهي على سبيل المثال: أ- مركز الكرخ، ب- زيونة، ت- الحي التجاري والصناعي في الرصافة، ث- الوزيرية، ج- حي المستنصرية، ح- الدورة، خ- السيدية. الحلقة الثانية: والتي هي حول الحلقة الأولى وتمتد شرقاً من مدينة الصدر (الثورة) واعتباراً من حي الحسينية شمال بغداد ثم نزولاً باتجاه أحياء عدن والشعب وجميلة، ثم الثورة ويستمر الاتجاه نزولاً نحو الجنوب باتجاه مدينة الصدر ليغطي فيما بعد مناطق أحياء المشتل وأور ويتوقف عند الطريق العام الدولي بين بغداد ومحافظة واسط، وسكان هذه المناطق هم في الغالب من العرب الشيعة مع أعداد مهمة من العرب السنة والكرد والتركمان. ويستمر خط هذه الحلقة من جهة جنوب بغداد ليتصل بمناطق جسر ديالى والمنطقة المحاذية إلى مناطق مركز الطاقة الذرية ويشمل ذلك منطقة جنوب معسكر الرشيد وهذه المناطق أيضاً من المناطق التي سكانها من العرب الشيعة. ويستمر اتجاه خط هذه الحلقة من جهة جنوب بغداد ليعبر نهر دجلة حيث يدخل مناطق غالبية سكانها من العرب السنة، وهي مناطق البوعيثة وعرب جبور والدورة والسيدية باتجاه الرضوانية ليبدأ اتجاه الحلقة نحو شرق بغداد ليضم مناطق المطار الدولي ثم صعوداً باتجاه مناطق أبو غريب من جهة الغرب، وهذه أيضاً مناطق غالبية سكانها من السنة العرب. وبعد هذا يستمر اتجاه خط الحلقة نحو شمال غرب العاصمة ليغطي مناطق هي غرب مناطق الكاظمية والحرية والشعلة، وهذه أرض زراعية مفتوحة تسكنها عشائر زوبع والدليم العربية السنية وعشائر تميم العربية الشيعية وحي سبع البور وهي مناطق في الغالب ذات طابع سني. الحلقة الثالثة: هي المنطقة التي تحيط بغداد، ويمكن القول إنه الإطار الخارجي لبغداد وهو كما يلي: 1- من جهة الشرق كل المناطق التي توصل ما بين مناطق شرق العاصمة والمحافظات من جهة الشرق فهي مناطق شيعية غالبيتها لعشائر تسكن في محافظة ديالى ومناطق أخرى صغيرة تقطنها عشائر عربية سنية. في المقابل هناك أيضاً ومن جهة الجنوب – شرق هناك غالبية سكانية من الشيعة الذين هم من عشائر عربية (على سبيل المثال: عشيرة الزبيد الكبيرة التي كانت وحتى القرن التاسع عشر تعد من العشائر السنية) تسكن حدود محافظة واسط، وهؤلاء يمثلون من جهة الخارج العشائر العربية السنية التي تقطن في منطقة المدائن وما حولها. 2- وفي منطقة المدائن جرت الأزمة التي حدثت في شهر آذار ونيسان من العام الفائت حيث تمت عمليات تطهير عرقية أولية مارسها العرب الشيعة ضد إخوانهم العرب السنة وليس العكس كما أشيع في حينه، وقد كشف الوضع الأمني عقب أحداث سامراء تركيز بعض الميلشيات الشيعية أعمالها العسكرية للسيطرة على هذه المنطقة بحيث سيطرت قوات جيش المهدي التابع للزعيم الشيعي الشاب "مقتدي الصدر" على مسجد سلمان باك "الفارسي"، بالإضافة على إحكام سيطرتهم على طاق كسرى. 3- من جهة جنوب العاصمة يمتد قوس الحلقة ليغطي مناطق اليوسفية واللطيفية والمحمودية والمسيب ليتجه فيما بعد إلى مناطق الرضوانية من جهة جنوب غرب العاصمة هذه مناطق غالبية سكانها من العرب السنة. 4- من جهة الشرق تعد كافة المناطق من أبو غريب وما حولها نحو الجنوب والشمال وباتجاه عمق المنطقة التي تقع غرب العاصمة إنما هي مناطق عربية سنية بالتمام. 5- من جهة الشمال تعد مناطق المشاهدة والطارمية مناطق عربية سنية خالصة ويتجه محور هذا الخط باتجاه الشرق ليدخل مناطق هي في حدود محافظة ديالى حالياً وتعد ذات غالبية سنية وأخرى مناطق ذات غالبية شيعية ". مواقع مرشحة أكثر من غيرها للانفجارات الأولى بعد كل هذه التمهيدات المهمة يقدم التقرير تصوراته والسيناريو المتوقع حصوله وللأسف قد بدأت بوادره تخرج للعلن دون جهود حقيقية لوقف هذه الحرب الأهلية " فهناك حركة تنقل لأعداد ذات ثقل من العائلات العراقية من منطقة سكنية إلى أخرى لأسباب دينية وطائفية، مثل هذه الوقائع بالوسع إدراكها بسهولة في بعض مناطق بغداد. ومنها على سبيل المثال ما تشهده مناطق مثل أحياء الدورة وما حولها والمدائن. أما مواطنو العاصمة فبوسعهم اليوم تحديد الأحياء التي تعد أحياء تنشط فيها قوى المقاومة وتعمل فيها بحرية، ومثل هذه الأحياء لا يرى فيها البعض سوى كونها معاقل للسنة أو أن قاطنيها من أنصار النظام السابق وغير ذلك من تسميات .. في المقابل تتسع المسافات تدريجياً بين السكان بسبب انتشار مظاهر الكراهية بين الشيعة والسنة خصوصاً بين الطبقات الدنيا وغير المثقفة. ولقد بات من السهل أن يستمع الفرد إلى مواطن شيعي يتحدث علناً ولا يمانع من أن يقتل الملايين من السنة بسبب ممارسة النظام السابق لأعمال القتل بحق الشيعة. والمناطق المرشحة لحصول الانفجارات المبكرة هي كما يلي: المنطقة الأولى: تمتد مناطق جنوب العاصمة والتي تشمل مناطق البياع والسيدية والدورة ثم نزولاً باتجاه مناطق اليوسفية واللطيفية والمحمودية تعد من أكثر المناطق المحتمل أن تشهد انفجارات طائفية. وهنا لا بد من ملاحظة الآتي: 1- حجم الانفجار سيكون كبيراً جداً بسبب الحجم الكبير للسكان في هذه المناطق. 2- عبر هذه المناطق يمر الطريق الدولي ما بين مركز العاصمة ومناطق جنوب العراق باتجاه مناطق الفرات الأوسط حيث محافظات بابل والنجف وكربلاء. 3- التوزيع السكاني طائفياً هو توزيع مختلط في معظم المناطق وبذلك هو مرشح لحصول المصادمات الطائفية بين العرب أنفسهم. 4- تعد هذه المنطقة من المناطق الصناعية المهمة وفيها أهم المصانع التابعة للقطاع الخاص، إلى جانب هذه المصانع هناك المصانع التابعة للدولة وفيها تقع أهم مصافي النفط وإنتاج الزيوت، ناهيك عن محطة الدورة لإنتاج الطاقة الكهربائية، وتمتاز المنطقة بمنظومة طرق واسعة وحديثة تربط العراق ومن مختلف الاتجاهات. 5- إذا ما أراد الشيعة الهيمنة على العاصمة عندها لا بد من طرد العرب السنة الساكنين في هذه المناطق وضمان الطريق ما بين مناطق الجنوب ومركز العاصمة. 6- حتى الآن تشهد هذه المناطق عمليات مسلحة واسعة ضد القوات متعددة الجنسيات يشار إلى أن العرب السنة هم من يقف وراءها. إضافة على ذلك إن هذه المنطقة غالباً ما تعرّض المسافرين على طريقها من الشيعة لعمليات قطع طريق وعمليات اغتيالات لبعض الزعامات السياسية للشيعة. 7- المناطق السكنية بدأت تشهد ومنذ وقت بعض الدلالات المهمة منها ظاهرة البيع الواسع للدور والأراضي السكنية، وأسعار العقارات تواصل ارتفاعها منذ سقوط النظام السابق، حيث شهدت مؤخراً انخفاض مهم في الأسعار بسبب عزوف السكان عن شراء العقارات في هذه المناطق بسبب أوضاعها الأمنية المتدهورة مقابل زيادة المعروض من الدور والأراضي للبيع، وباختصار هنالك نزوح طائفي وديني من هذه المناطق. 8- وجود تنظيمات إسلامية متطرفة ناشطة في هذه المناطق كجماعة التوحيد والجهاد وأنصار السنة وهي جماعات من النوع الذي تكفر المخالفين لهم وتجيز قتلهم، وبوجود مثل هذه الجماعات من الممكن أن يتم وبسهولة تأزيم الأوضاع الاجتماعية. 9- في المرحلة القريبة الماضية تعرض العرب السنة إلى عمليات دهم واسعة واعتقالات للكثير من الرجال أسهمت فيها القوات الأمريكية وقوات الشرطة العراقية القادمة من بغداد وأيضاً قوات الحرس الوطني. إضافة إلى ذلك كانت هنالك حملات منظمة نفذتها قوات شرطة وعناصر مسلحة تابعة لبدر وحزب الدعوة قادمة من محافظة بابل وانطوت على أعمال قتل واعتقال وتخريب للمتلكات التابعة للعرب السنة. مثل هذه العمليات تشكل عامل إثارة مستقبلاً. 10-المرحلة الأولى من القتال ستجبر أطراف النزاع للاستعانة بالآخرين. وهنا سيحاول العرب السنة وهم يواجهون المليشيات الشيعية القادمة من جهة بابل الاستعانة بالعشائر العربية السنة الساكنة في مناطق الدورة والرضوانية ومناطق الفلوجة وأبي غريب. في ذات الوقت يستعرض الشيعة القاطنون في مناطق البياع والسيدية وأبي دشير والدورة لعملية ضغط لمغادرة هذه المناطق مؤقتاً ولحين إتمام دحر المقاومين السنة على يد القادمين من الجنوب. والسكان المدنيون وغير المقاتلين من العرب السنة سوف يتم سحبهم من مناطق المواجهة إلى مناطق السيدية والبياع والدورة وفي مرحلة لاحقة سيتم نقلهم إلى مناطق في الكرخ من جهة غرب العاصمة. المنطقة الثانية: تعد منطقة المدائن والمناطق الزراعية المحيطة بجنوب شرق بغداد منطقة أخرى مرشحة لتكون من أوائل المناطق التي قد تشهد انفجارات ذات صبغة طائفية إن لم تكن قــد بدأت حقاً. وهي تتصف بما يلـي: 1- المنطقة محتقنة في ضوء أحداث شهري آذار ونيسان 2005 وما جرى من مصادمات طائفية وقعت إثر خلافات على أرض بين المزارعين السنة والقادمين من المزارعين الشيعة. 2- لا تتواجد أعداد كبيرة من السكان في هذه المناطق ذات الطبيعة الزراعية، وهناك وجود أكبر للسنة من الشيعة، ولكن تعد منطقة المدائن ذات قيمة دينية للشيعة بسبب وجود مرقد سلمان الفارسي رضي الله عنه الذي كرمه النبي صلى الله عليه وسلم وألحقه بآل بيته، إشارة للحديث الشريف: (سلمان منا آل البيت). 3- تعد هذه المنطقة ذات طبيعة إستراتيجية مهمة للشيعة ما دامت تربط مناطق جنوب العراق مع بغداد. 4- لن يكون بالوسع أمام السنة الدفاع عنها لوقت طويل بسبب كونهم بين فكي القادمين من الشيعة من جهة واسط والأعداد البشرية الكبيرة التي ستتصدى لهم والقادمة إليهم من جهة مناطق أحياء أور وبغداد الجديدة ومدينة الصدر. 5- لن يكون بوسع سكان هذه المناطق سوى التوجه لاجئين نحو مناطق الدورة والسيدية والكرخ بل ولربما النزوح إلى مناطق أبعد مثل الفلوجة المدمرة، كما لن يكون بوسع السنة العرب في المناطق الأخرى من تقديم العون لهم بسبب اتساع المساحة الجغرافية ووجود الحواجز المائية الكثيرة واستمرار العمليات العسكرية الأمريكية فيها. 6- تعد هذه المنطقة من المناطق الصناعية المهمة في مقدمتها المنطقة الصناعية في منطقة جسر ديالي وهناك الكثير من المعاهد العلمية ومركز الطاقة الذرية ذي المساحة الجغرافية الكبيرة وسيصلح في حينها للاستخدام ولأغراض عسكرية ودفاعية كثيرة متنوعة بسبب من الاستحاكامات الحصينة التي يتمتع بها البناء. سيضع الشيعة في عين الاعتبار أهمية هذه المنطقة، وقد تكون من أوائل المناطق المرشحة للانفجار الكبير، إنها منطقة يمكن من خلالها السيطرة التامة على منطقة الرصافة في بغداد. المنطقة الثالثة: تعد منطقة غرب بغداد والممتدة من مناطق جنوب المطار الدولي صعوداً نحو الشمال من جهة الغرب ووصولاً إلى الطارمية شمال بغداد هي مناطق سنية خالصة سيتم الدفاع عنها من قبل سكان مناطق أبي غريب والأنبار خصوصاً وأن أصول الكثير من القاطنين فيها هم من جاء من مناطق غرب العراق وكما يلي: 1- سيتم تطهير مناطق الشيعة في قرية الذهب الأبيض والحرية والشعلة، وبسبب من حجم الكثافة البشرية في هذه المناطق فانه من المتوقع أن تشهد هذه المناطق معارك شرسة والضحايا من المدنيين سيكون أكثر من المقاتلين أنفسهم. 2- في المرحلة الأولى سيتم طرد سكان مناطق الحرية والشعلة باتجاه منطقة الكاظمية المقدسة عند الشيعة، وأعداد كبير من الشيعة المتواجدين في مناطق الكرخ سيضطرون للمغادرة باتجاه الرصافة. أما التركمان والكرد وبوصفهم سنة سيتحدد موقفهم والعلاقة فيما يجري حولهم في ضوء ما سيدور في منطقة كركوك وإن كان نظن – وعلى أقل تقدير – أن التركمان سيقدمون المساعدة للسنة في بغداد دون الشيعة. 3- مستقبل القتال في حدود منطقة الكاظمية سيعتمد على ما سيجري في المقابل في المناطق العربية السنية الخالصة في مركز العاصمة مثل منطقة باب الشيخ والأعظمية. وتعامل الشيعة من سكان هذه المناطق والأماكن المقدسة لدى السنة فيها هو الذي سيحدد مستقبل وحال مدينة الكاظمية. ولن يكون بالوسع إنقاذ الكاظمية بسبب نهر دجلة الذي يفصلها عن المناطق الشيعية في الرصافة. وستتعرض أحياؤها السكنية للدمار عند استخدام القصف المدفعي عليها وسيكون حالها كحال الأعظمية. 4- سيتمكن العرب السنة من السيطرة وبسهولة على جانب الكرخ مستفيدين من الدعم الذي سيصلهم من مناطق الأنبار وتكريت والطارمية والمشاهدة والفلوجة وأبي غريب. 5- سيعمل السنة وبشكل سريع على السيطرة على كل الجسور التي تربط شطري العاصمة وبخلافه لن يكون بوسعهم الدفاع عن منطقة مركز الكرخ الذي بوسع المقاتلين القادمين وبأعداد هائلة من جهة مدينة الصدر من اكتساح منطقة مركز الكرخ وبسرعة كبيرة وعندها سوف يحتاج السنة لوقت طويل كي يمكنهم إخراجهم منها، هذا إذا ما نجحوا في صد الهجمات القادمة عليهم من المنطقة الولى التي هي المناطق التي تربط مركز العاصمة مع بابل من جهة الكرخ. المنطقة الرابعة: تعد منطقة شرق بغداد منطقة شيعية خالصة بسبب الكتلة البشرية الهائلة المتجانسة التي تسكن في مناطق تمتد من حي النواب الضباط جنوب شرق وتضم أحياء مهمة مثل أور والبلديات ومدينة الصدر وجميلة وعدن والقاهرة وصولاً إلى منطقة الحسينية على الطريق العام بين بغداد وديالى. والمنطقة تتصف بما يلي: 1- كتلة بشرية هائلة بشكل عام. 2- غالبية الرجال لديهم خدمات طويلة في الجيش العراقي المنحل وحالياً يشكلون العمود الفقري لقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية العاملة في بغداد وأخيراً مليشيات جيش المهدي. 3- تاريخياً حانقون على سكان بغداد والأحياء الأخرى خارج مناطقهم لأسباب طبقية تتعلق بالفقر وضعف الثقافة. 4- استعداد نفسي واجتماعي وأخلاقي يسمح بالقتل والسرقة وهناك أعداد كبيرة من المجرمين بينهم. 5- السكان لا يتمتعون بثقافات عالية وهم من السذج الذين يسهل قيادتهم وهم يعشقون المال. 6- إذا ما وجدت هذه المناطق نفسها مضطرة للقتال فإنها سوف تهاجم عموم منطقة الرصافة وبشراسة وستعد مناطق أحياء فلسطين والبيجية والصليخ والأعظمية وزيونة أول المناطق التي سيتم اكتساحها لطرد العرب السنة منها. 7- في داخل أحياء هذه المنطقة المترامية الأطراف يوجد أكثر من نصف مليون من الأكراد والتركمان وهم غالباً من السنة، وهناك أيضاً الأثوريون والأرمن والمسيحيون أيضاً, والموقف من هؤلاء سيتحدد بحسب ما ستكون المواقف والأحداث المتصلة ومواقف هذه الجماعات العرقية والدينية. 8- بسبب عمليات الهجوم التي ستنطلق من هذه المنطقة فإنها لن تتعرض للخراب والدمار كما لن يكون هناك مجال كي يرتحل عنها الكثير من سكانها في المرحلة الأولى من القتال وعلى أقل تقدير، في المقابل ستكون الملاذ الآمن للعائلات التي ستغادر مناطق التماس والقتال المباشر. 9- ستخضع منطقة الرصافة بالكامل لسيطرة مدينة الصدر وقراراتها، خصوصاً سيكون مركز الرصافة خاضعاً لأعمال القصف المدفعي المتبادل مع جهة الكرخ إذا ما استمر تحت سيطرة الشيعة. 10-ستشهد منطقة الرصافة هجرة واسعة للسنة منها وباتجاه مناطق الكرخ. المنطقة الخامسة: تمتد هذه المنطقة ذات الجبهة الصغيرة ولكنها تعد ذات أهمية كبيرة جداً بسبب معطيات وعوامل كثيرة من جهة منطقة معسكر "حماد شهاب" الواقع على الطريق العام ما بين بغداد وديالى، ويمتد إلى منطقة الجيزاني والخالص شمالاً، تضمن هذه المنطقة معظم مدن الحسينية والراشدية وجديدة الشط والحويش. وتتصف المنطقة بما يلي: 1- أنها منطقة مفتوحة وزراعية. 2- المدن صغيرة والقرى متباعدة. 3- وجود انقسام على الأرض وتوزع هذه المناطق الآهلة بالسكان وعلى أساس طائفي صرف تسكنه عشائر عربية بشكل تام. 4- سيستهدف العرب السنة هذه المنطقة من خلال طرد العرب الشيعة منها وبوسعهم تحقيق ذلك مستفيدين الدعم الذي سيصلهم من المناطق المقابلة لها عبر نهر دجلة ونقصد بها منطقة الطارمية والمشاهدة وقضاء الفارس إضافة للمساعدة التي ستصلهم من العرب السنة القاطنين في ديالى. 5- ستكون هذه المنطقة منطقة ضغط كبيرة من الخارج على مناطق الشيعة في أحياء عدن والقاهرة والشعب بهدف إخلائها ودفع سكانها للجوء إلى مناطق مدينة الصدر وجنوب بغداد من جهة الرصافة. 6- ستستضيف المنطقة أعداداً كبيرة من السنة من سكان الرصافة الذين سيستفيدون من سعة المنطقة وإمكاناتها الزراعية والمائية ". طرق الاستشعار الأولى باحتمالات الخطر القادم ويختم التقرير الجزء الأول منــه بذكر وسائل تسـاعد المراقبين لبداية هـذا الصراع المؤسف وهـي: 1- لجوء المواطنين لتغيير عناوين السكن ومواقع استلام البطاقة التموينية إلى مواقع جديدة لهم. 2- حجم التبادل والمعروض من العقارات والأراضي السكنية لأغراض التأجير. 3- أسعار بيع العقارات والأراضي السكنية. 4- أسعار بيع الأسلحة والعتاد وطبيعة الجهات والأشخاص المشترين لها. 5- حركة موظفي الدولة من زاوية طلبات النقل الإداري لخدماتهم من منطقة إلى أخرى. 6- حركة نقل وتسجيل المركبات والعجلات. 7- اتجاهات العائلات في نقل طلبة المدارس من منطقة إلى أخرى. 8- حركة بيع وتأجير الأراضي الزراعية في مناطق محيط بغداد. 9- المؤشرات اليومية لحوادث القتل والاعتداءات والخطف والسرقة والتفجيرات وطبيعة الضحايا والشكاوى المقدمة من المواطنين. 10- حركة بناء الدور السكنية ومراقبة استيلاء المواطنين على الأراضي التابعة للدولة وتشييد الأكواخ لأغراض السكن عليها وتحديد هوية وطبيعة الساكنين الجدد. 11- حجم الدور والممتلكات المتروكة شاغرة من قبل أصحابها. 12- حجم الاستغلال الزراعي للأراضي الزراعية والبساتين المحيطة في العاصمة وطبيعة المستغلين وهويتهم. 13- تعد عمليات الانتخابات المحلية والعامة والتعداد العام للبسكان مناسبة للتعرف على حجم ونوع المتغيرات السكانية بما في ذلك الهوية والانتماء العرقي والطائفي للمسجلين الجدد. 14- الواجهات الحزبية وطبيعة منظمات المجتمع المدني التي تعلن عن ممارسة أنشطتها وطبيعة هذه الأنشطة ومدى علاقتها مع سكان المنطقة التي تعمل بها. 15- أسعار صرف العملة العراقية والأجنبية. 16- أسعار المواد الغذائية ومدى إقبال المواطنين على عملية تخزين هذه المواد" . الحرب الأهلية في العراق واقع وتصورات – دراسة استشرافية ( 2/2) احتمالات الحرب الأهلية في بغداد والمحافظات العراقية (من وجهة نظر عسكرية) هذا هو الجزء الثاني من هذه الدراسة القيمة ، والتي طرح التقرير فيها توقعاته للمستقبل القريب، مهد التقرير بالتذكير بأن العراق كما هو معروف بلد متعدد القوميات متعدد الديانات والمذاهب، وبيان طبيعة الصراعات التي تعرض لها العراق عبر التاريخ وخاصة مع دولة فارس ، ومن ثم بين دور الإدارة الأمريكية في الفوضى الحاصلة اليوم في العراق، وتأثيرات دول الجوار وغيرها كان لها أبرز الأثر في فقدان الثقة بالسلطات التي تحكم العراق لأنها وعلى مر التاريخ لم تعمل من أجل العراق، وهكذا تحولت الولاءات من الولاء للعراق إلى الولاءات العنصرية والطائفية والسياسية. "وفي ظل هذا الوضع الفوضوي طرح الأمريكان أفكاراً جديدة لم يكن الغرض منها صيانة وحدة العراق والحفاظ على أمته ووحدته بل العكس، فالفدرالية والتعددية والديمقراطية وغيرها من الأفكار أدت بمجموعها إلى احتدام الصراعات بين كل هذه القوى، وترافق ذلك مع الادعاء بحقوق مسلوبة منها، وعليه نسبت لنفسها حقوقاً بحيث أضفت على تصرفاتها شريعة مستندة على تلك الحقوق، وانعكس هذا الأمر في مبدأ المحاصصة الذي انسحب تطبيقه على تشكيلات ومؤسسات الدولة المختلفة من مجلس الحكم والوزراء والدوائر والقوات المسلحة وقوى الأمـن، وتكرست هـذه المفاهيم بمرور الوقت تعززهـا المصالح الخاصة ومصالح القوى الإقليمية التي وجدت الفرصة مناسبة لتدخلها " . ويكشف التقرير حقيقة مهمة جداً هي " إن الحرب الطائفية التي كثر الحديث عنها هي ليست قدراً مفروضاً على العراق وبالإمكان تفاديها لو أعطى الجميع ولاءهم للعراق " . وعن غاية التقرير "من هذه الدراسة ليس القصد منه الترويج لهذه الحرب، ولكن الغاية منه التبصير ومخاطبة العقلاء والشعب العراقي بما يحتمل أن يحدث فيما لو وقعت لا سمح الله". تعرض التقرير لمسألة مدى إمكانية وقوع الحرب الأهلية ، فتوصل إلى وجود " اعتقاد راسخ لدى الكثير من المفكرين والمراقبين ولدى أوساط الشعب العراقي بأن الدستور ما هو إلا قنبلة موقوتة ستؤدي بالعراق كدولة إلى مصير مجهول ". وينقل التقرير " تصريح للدكتور عدنان الباجه جي لجريدة "الحياة" يوم 15 أيلول يقول: (إن مسودة الدستور لا تنص بصراحة ووضوح ودقة على اختصاصات الحكومة المركزية الحصرية، بما يفتح المجال في المستقبل القريب لظهور تناحر وتصادم واقتتال بين مكونات الشعب العراقي، بالاستناد إلى تفسيرات كيفية للغة الدستور خصوصاً القضايا التي تخص الجيش والعلاقات الخارجية والبنك المركزي والجمارك والجنسية والإشراف على الثروة الوطنية وتوزيعها واستثمارها) ". أما المرحلة التي أعقبت الدستور وهي مرحلة الانتخابات فهي الأخرى كانت مرحلة عصيبة، فبعد انتهاء الانتخابات ظهرت العديد من حالات التزوير مما دفع بالعديد من القوى السياسية المشاركة إلى التشكيك في نزاهة الانتخابات. وهذا ما أدى إلى طلب إجراء تحقيق وتدقيق من لجان دولية محايدة، وبعد مخاض عسير ظهرت النتائج والتي قبلت على مضض. ثم جاءت مرحلة انعقاد مجلس النواب وتشكيل الحكومة لتدخل العراق في نفق مظلم، فمنذ انتهاء الانتخابات وإلى هذا التاريخ لم تفلح القوى السياسية في التوصل إلى حل لتشكيل الحكومة بالرغم من المحاولات والاجتماعات المستمرة والوعود العديدة والتصريحات التي تظهر بين الفينة والأخرى والتي تبشر بقرب انتهاء الأزمة، ولكن الواقع يظهر عكس ذلك فالاختلافات مستمرة ولا يوجد أمل في الوصول إلى حل بسبب اختلاف النوايا والأهداف والمصالح. وبسبب هذا الوضع تدهور الوضع الأمني بشكل مفزع وتطور إلى مرحلة الاقتتال الطائفي والانفلات الأمني الواسع من أغلب مدن العراق خصوصاً العاصمة، وأصبحت الحرب الأهلية حقيقة ملموسة على الرغم من التفاؤل بعدم حدوثها، ففي كل يوم يقتل ما لا يقل عن مائة شخص في بغداد فقط من الذين يعثر على جثثهم في أماكن متفرقة وهي مشوهة وعليها مظاهر التعذيب، إضافة إلى عمليات الاختطاف التي تزايدت بشكل كبير ومن قبل عناصر ترتدي ملابس قوات وزارة الداخلية وبأعداد كبيرة . وفي خضم هذه الأحداث تأتي مرحلة جديدة لتصب النار على الزيت بتفجير مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري، وما تلى ذلك وبشكل فوري ومدروس من أعمال مهاجمة أكثر من مائتي مسجد وقتل أكثر من أربعمائة شخص شملت أئمة المساجد والعديد من المواطنين الأبرياء لا لذنب إلا لكونهم سنة، وكأن السنة هم الذين فجروا الإمامين كل ذلك جرى وفق خطة مدروسة، وكأن هناك جهة معينة خططت ونفذت هذه العملية من أجل إشعال نار الفتنة والحرب الطائفية ولتدليل على هذا الكلام لا بد من الإشارة إلى بعض ما قيل وكتب من جهات مختلفة. في رسالة من الرئيس جلال الطالباني إلى إبراهيم الجعفري ووزيري الدفاع والداخلية قال فيها: (وردتنا أخبار بوجود أشخاص يرتدون بزات رسمية ويركبون عجلات مماثلة لسيارات قوات الشرطة والجيش ينفذون أعمال قتل ومداهمات ليلية تستهدف المدنيين في منازلهم)([1]). كما صرح قائد القوات الأمريكية عندما سئل من قبل الصحفيين بعد حادثة تفجير المزارين: (أن أزمة العنف الطائفي التي ثارت بسبب تفجير مزار شيعي الأسبوع الماضي قد مرت لكنه رفض استبعاد نشوب حرب أهلية وقال: أي شيء يمكن أن يحدث)([2]). وفي مقال كتبه ماكس بوت زميل رئيسي في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية لصحيفة "لوس أنجليس تايمز" نشر في صحيفة "الرأي" يوم 29/3/2006، تحت عنوان: "كيف تنتصر القوات الأمريكية في العراق"، جاءت إجابة سؤال: هل يشهد العراق حرباً أهلية؟ (الواقع أن ذلك يتوقف على معنى الحرب الأهلية، فمما لا شك فيه أن ثمة اقتتالاً داخلياً متزايداً، أما في حال لم يكن العراق يعيش حرباً أهلية فالأكيد أنه يسير نحوها. لقد لقي ما لا يقل عن 30 ألف عراقي مصرعهم على مدى السنوات الثلاث وعدد كبير منهم قتلوا بيد إرهابيين لا يرحمون، وقد تبدو المرحلة الراهنة مواتية في حال اندلاع حرب أهلية شاملة؛ إذ من الممكن أن ينجم عن اقتتال داخلي شامل حمامات دم تشبه تلك التي شهدتها البلقان ورواندا والسودان تزهق فيها أرواح مئات الآلاف إن لم يكن الملايين. أما في حالة حدوث ذلك لا سمح الله فستكون ثمة دعوة لتدخل دولي في بلاد الرافدين بقيادة الولايات المتحدة). وبعد فشل القادة السياسيين في اجتماع يوم 31/3/2006 في حل خلافاتهم حول الشخصية التي ترأس اللجنة الوزارية التي ستتكفل بالوضع الأمني، صرح السيد طارق الهاشمي عضو جبهة التوافق: (أن الوضع الأمني تردى وتجاوز حد اللامعقول، وفي ضوء ذلك ما عاد من الممكن المساومة على بقاء الحال على ما هو عليه، ولا بد أن يضطلع الساسة والحكماء بفقه جديد وبرؤية جديدة وبآلية جديدة لصنع القرارات وبهيكلية حكومية جديدة تضمن المسؤولية المشتركة في السلطة وتتناسب مع الوضع الراهن الذي يفرض على الجميع النظر باتجاه التغير، أما بقاء الأمر على حاله وإدارة الملف الأمني بالمنهجية نفسها التي عرفها العراقيين حتى الآن فان الوضع سيبقى مرشحاً لمزيد من التدهور، أي المزيد من الدماء والمزيد من الأرواح التي تزهق يومياً دون وجه حق، وهذا ما لا نرضاه على الإطلاق). ويتوصل التقرير إلى ضرورة تشكيل حكومة قوية تخرج العراق من هذه الحرب ، ويحذر التقرير من "عدم قدرة الحكومة على تحقيق الأهداف التي يريدها الشعب هو زيادة العنف وزيادة العناصر المسلحة والعصابات والمليشيات، كما أنه سيساعد على توحيد صفوف المقاومة الوطنية وستزداد ضراوتها، ومن المحتمل أن يتحول الكثير من المعتدلين والمؤمنين بالحل السلمي إلى العمل المسلح من أجل إنهاء احتلال البلاد باعتباره هو السبب فيما حصل ". كما وضح التقرير فإن الأطراف المستفيدة من هذه الأوضاع السيئة "والتي حصلت على مكاسب سياسية واقتصادية مهمة ستتشبث بالمكاسب التي حصلت عليها من خلال استغلال ما ورد في الدستور وبعض القرارات والقوانين والاجتهاد في التفسيرات التي تخدم المصالح الخاصة. وعندها ستزداد الهوة بين الطرفين، طرف يريد الدستور لما فيه من منافع قومية أو مذهبية أو اقتصادية أو لمصالح دول أخرى مستفيدة والطرف الآخر الذي يعتقد أنه الخاسر الأكبر وأن مصيره ووجوده أصبح في خطر أكيد. وعند الوصول إلى هذا الموقف سنجد أن الانقسامات بين القوميات والمذاهب ستكون واضحة جداً وستظهر القيادات التي تحاول أن تدير دفة الصراعات المحتملة بين القوتين المتناحرتين، وهكذا يصبح العراق مهيئاً لدخول مرحلة جديدة هي مرحلة الحرب الأهلية ". كيف يمكن تصور طبيعة أو شكل الحرب الأهلية: هنا نصل للب الدراسة وأهم ما فيها " قبل الدخول في تفاصيل طبيعة وشكل الحرب الأهلية لا بد من إعطاء تصور للوضع العام في العراق قبل وخلال مرحلة تشكيل الحكومة وما بعدها. وكما أسلفنا وبسبب ما آل إيه الوضع الحالي بسبب الفشل في تشكيل الحكومة فإن ما يحتمل حدوثه هو: أ- جبهة التوافق والقوى الأخرى المتعاونة معها والمؤيدة لها، والقوى المستقلة والفئات الأخرى التي كانت معارضة للدستور وللقوى التي تسعى إلى فكرة تقسيم العراق، هذه القوى سوف تعمل على توحيد صفوفها من أجل تشكيل كتلة قوية (قومية دينية سياسية)، والتي يمكن إطلاق تسمية "السنة العرب" عليهم مجازاً، ولو أن من ضمنهم عناصر وفئات أخرى ليسوا من السنة. لأجل الحصول على موقف قوي يتمكن من الوقوف بوجه القوى المضادة. وسيعمد مناصرو هذه هذا الاتجاه إلى استغلال العامل الديني من أجل حشد أكبر ما يمكن من المواطنين تحت هذا الشعار. ب- جماعة قائمة الائتلاف الوطني (الأحزاب الشيعية والمؤيدين لهم) تعمل من أجل تعزيز مواقعها وقوتها خصوصاً العسكرية والتي أساسها المليشيات والقوات المسلحة المرتبطة بها مع السعي لاستغلال العامل الديني إلى أقصى حـد ممكن وسيكون للمرجعيات الدينية تأثير كبير على سير الأحداث سلباً أو إيجاباً. ج- الاتحاد الكردستاني ستحاول قيادته التوفيق بين الأطراف المتصارعة في محاولة للوصول إلى حل مناسب لأن الفشل يعني إجهاض كافة ما خططوا له وما حصلوا عليه. د- زيادة نشاط العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين خصوصاً ضد العرب السنة الذين سيتعرضون إلى عمليات اغتيال وقتل وتشريد، وستزداد عمليات المداهمات والاعتقالات والقتل من الأجهزة الأمنية والجيش والقوات الأمريكية بحجة مكافحة الإرهاب وستتعرض الكثير من المدن إلى عمليات عسكرية وسيقع العرب السنة بين خطر الإرهاب والعمليات المضادة للسلطة والأمريكان. كما ستتعرض العديد من الأماكن الشيعية إلى أعمال التخريب وسيقع من جرائها الكثير من الضحايا. هـ- ستتركز الحوادث والفعاليات في العاصمة والمحافظات الوسطى والموصل وكركوك بشكل رئيسي مع حدوث فعاليات أخرى في باقي المحافظات. و- إن الحالة المشار إليها آنفاً ستؤدي إلى الزيادة في انقسام الشعب وعندها ستظهر بؤر التوتر بشكل واضح، وستظهر بوادر ذلك في العاصمة والمحافظات المختلفة (ديالى، الموصل، صلاح الدين، كركوك). وستزداد تبعاً لذلك أعمال اعنف في هذه المحافظات خصوصاً في بغداد، إضافة إلى الأعمال الإرهابية التي ستتصاعد هي الأخرى خصوصاً إذا ما وقعت أحداث أخرى مهمة في محاولة لتعميق الخلافات بين الشيعة والسنة، وستظهر بوادر انقسام المجتمع طائفياً (شيعة وسنة)، في المحافظات والمدن والأحياء بشكل واضح. وستزداد تبعاً لذلك التجاوزات بين الطائفتين كما سترافق كل ذلك الإشاعات التي تهدف إلى توتير الأجواء وتوسيع شقة الخلافات بين الطائفتين إضافة إلى الأخبار والمعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة والتي ستزيد من نار الفتنة خصوصاً وسائل الإعلام التي تسعى إلى تعميق الهوة بين الطائفتين. ز- ستقوم القوى السياسية التي لديها ميليشيات بزيادة أعدادها وتسليحها وتعمل على إعادة التمركز والتوزيع في الأماكن المهمة والتي تتواجد فيها الأكثرية الشيعية. وسيدفع هذا الإجراء العرب السنة والفئات الأخرى إلى اتخاذ نفس الإجراء ولو بشكل سري لأن المليشيات التابعة للأحزاب الشيعية لديها غطاء من السلطة الحاكمة. وستتمكن تحت غطاء مكافحة الإرهاب من الضغط على العوائل السنية المتواجدة ضمن المناطق الشيعية إما على ترك دورهم أو التعرض للقتل أو الاعتقال، كما ستستخدم القوات الأمريكية لإسناد هذه العمليات تحت الحجة نفسها. ح- ستجري نتيجة لذلك هجرة السنة من المناطق الشيعية إلى مناطق السنة الأكثر أماناً، وبالمقابل سيقوم العرب السنة باتخاذ نفس الإجراء في مناطقهم، وستتفاقم الحالة وسيزداد أعداد القتلى في الكثير من الأماكن وسيحمل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية ما يحدث. ط- ستظهر تنظيمات مسلحة في المدن والنواحي والقرى الشيعية والسنية في عموم العراق وخصوصاً في المحافظات (بغداد، الرمادي، ديالى، صلاح الدين، كركوك، الموصل)، أما باقي المحافظات التي تتواجد فيها أكثرية شيعية فمن المحتمل أن تظهر فيها تشكيلات شبه عسكرية خصوصاً في البصرة والنجف وكربلاء وبابل والكوت، وسيكون هناك تنسيق واضح بين قيادات هذه التشكيلات وقوات الأمن العسكرية المتواجدة في مناطقهم. خلال هذه المرحلة سيكون لإيران حضور واضح على الساحة العراقية بدءاً من السيطرة الفعلية على الحدود ومسك المنافذ الرئيسية مع دفع عناصر من الحرس الثوري تحت أغطية إنسانية ودينية إلى داخل العراق، إضافة إلى تنشيط عمل مراكز المخابرات، مع تقديم الدعم العسكري لهذه التنظيمات والتشكيلات. ي- ستعمل القوى السياسية المهيمنة على السلطة في الدولة على إقناع الأمريكان بأن كافة المظاهر المسلحة في المناطق الشيعية هي للدفاع عن النفس والحفاظ على الأمر وهذا مما سيوفر عليهم مهام حفظ الأمن، لذا سيعملون على إخلاء هذه المحافظات بشكل تدريجي من قوات التحالف والعمل على تركيز تواجدها في بغداد والمحافظات الأخرى الساخنة وسيكون للمخابرات والعمل الاستخباراتي لهذه القوى ولإيران دور كبير في إقناع الأمريكان ونقل الطلبات إليهم. ك- خلال هذه المرحلة سيكون هناك نشاط سياسي واضح للتهيؤ للإعلان عن تشكيل إقليم الجنوب في خطوة استباقية لدرء المخاطر المتولدة إزاء تدهور الأوضاع الأمنية والتي ستكون بمثابة الحجة لمثل هذا الإجراء. ل- ستظهر بوادر الاقتتال الطائفي في بغداد أولاً، والموصل و ديالى تليها كركوك وصلاح الدين، أما في الرمادي فلا يحتمل أن يحدث فيها اقتتال طائفي لعدم وجود تجمعات شيعية فيها أو أحياء مختلطة كبيرة، كما هي موجودة في باقي المحافظات، لكن ستستمر الرمادي معرضة للحملات العسكرية الأجنبية وقوى الحكومة المركزية العراقية باعتبارها مركز وموطن تصدير الإرهاب، حتى لا تتمكن من العمل بتوافق مع باقي المحافظات. م- إن الاقتتال الطائفي في بغداد سيؤدي إلى تقسيم المدينة إلى قواطع وأقسام تبعاً للكثافات السكانية لكل طائفة ولكن من الواضح أن الثقل الرئيسي للشيعة سيكون في جانب الرصافة عدا الأعظمية التي ستواجه ضغوطاً كبيرة، لأن المناطق المحيطة بها تقطنها أغلبية شيعية بدءاًً من الكريعات والفحامة والشعب، والثورة. أما المناطق الأخرى المختلطة فسيكون العمل فيها تبعاً لحجم التواجد للطائفتين وستبرز فيها مشاكل كثيرة خصوصاً مدينة الضباط التي ستتعرض إلى ضغوط كبيرة وكذلك بغداد الجديدة والمشتل. وفي جانب الكرخ سيعمل السنة من أجل السيطرة على هذا الجانب لوجود أعداد كبيرة منهم ضمن أحيائه ولنزوح أعداد كبيرة من أهالي الرمادي إلى هذا الجانب لذا من المحتمل جداً أن تظهر في هذا الجانب تنظيمات سنية قوية على الرغم مما يبذل من جهود للسيطرة على هذه المناطق " . الوضع في المحافظات "إن الظروف هي التي تملي على الناس ما ينبغي أن يكونوا عليه وليس ما يؤمنوا به. محافظة ديالى: بسبب التركيبة السكانية والعلاقات العشائرية المتداخلة فإن احتمالات حدوث قتال طائفي في المراحل الولية غير محتمل، صحيح أن هناك مناطق يتركز فيها الشيعة مثلاً في قضاء الخالص والقرى المحاذية لنهر دجلة، السعدية والقصرين والجديدة وصولاً على الراشدية، ثم بعض القرى شرق الخالص وأبرزها العنبكية وسراجق والماجدية وعدد من القرى الأخرى الواقعة في الجانب الأيمن من نهر ديالى ولكن بالمقابل فإن هناك أعداد كبيرة من قرى السنة تحيط بها. أما الجانب الأيسر لنهر ديالى فإن القرى المحاذية للنهر من خارج مدينة بعقوبة فهي خليط من الشيعة والسنة وصولاً إلى قرب المقدادية، وهناك عشائر مختلفة موزعة بين السنة والشيعة في منطقة المقدادية وبلد روز، فمثلاً عشيرة بني تميم والصكوك وقسم من الزهيرية وقسم من البيات هم من الشيعة يقابلهم الجبور والعبيد وقسم من الزهيرية والبيات والقرغول فهم من السنة وغيرهم، وهذه العشائر خليط من السنة والشيعة تتواجد في أماكن متقاربة ومتداخلة وبينهم علاقات اجتماعية وتاريخية، لذا فإن احتمال حدوث اقتتال طائفي فيما بينهم يبدو مستبعدا في المراحل الأولى ولكن يحتمل جداً أن ترسل منهم تعزيزات إلى مناطق الصراع داخل أو خارج المحافظة. أما منطقة بني سعد فهي الأخرى خليط من السنة والشيعة ومن عشائر متعددة، ولكن وقوعها قرب منطقة الحسينية التي تمتاز بكثافة عالية وهي جميعها من الشيعة وتترابط مع مدينة الثورة وباقي المناطق الغربية من بغداد مثل الفيضيلية والعبيدي والكمالية فيحتمل جداً أن يحدث فيها اقتتال طائفي، وعندها ستكون العشائر الأخرى الواقعة بالعمث متأثرة بهذا الصراع. أما مدينة بعقوبة فلها وضع خاص كونها تحتوي على خليط من السنة والشيعة وتحيط بها نواحي وقرى مؤثرة عليها مثل يهرز التي تعتبر أحد معاقل المقاومة السنية وبسبب نشاط المقاومة داخلها فيحتمل جداً أن تسيطر عناصر المقاومة على المدينة خلال المراحل الأولية ولكن ذلك سيؤدي إلى حدوث اقتتال طائفي داخل المدينة وسيكون لأطراف المدينة دور فاعل في تغذية ودعم هذا الاقتتال. أما مناطق خانقين وجلولاء والسعدية فمن المرجح جداً أن يسيطر الأكراد عليها سيطرة كاملة ولا يسمح حتى للعشائر العربية أن تقوم بأي نشاط. من المحتمل جداً أن يظهر دور واضح للمقاومة في محافظة ديالى بسبب وجود أعداد كبيرة من العسكريين ومن الحزبيين الذين سيعملون على توحيد صفوفهم ويقوموا بتشكيل قيادة ضمن منطقة ديالى ومن المحتمل جداً أن تستقطب هذه القيادة أعداداً كبيرة من المواطنين من أبناء العشائر وغيرهم وسيكون لهذه القوة حضور واضح على الساحة. إن تطور الوضع في محافظة ديالى سيتاثر كثيراً بالوضع في بغداد فإذا تطورت الأمور في بغداد وتصاعدت فعاليات الاقتتال الطائفي وأعمال الإرهاب والمقاومة فإن قوات التحالف وقوى الأمن والجيش ستضطر إلى تعزيز تواجدها وستعمل من أجل السيطرة على الوضع ومثل هذه الحالة ستؤثر على التواجد العسكري في باقي المحافظات ومنها ديالى وعندها ستتدهور الأوضاع الأمنية في محافظة ديالى وستتسع فعاليات الاقتتال والمقاومة وفي مثل هذه الحالة ستضعف سيطرة الدولة والإدارة الحكومية في المحافظة وسيكون دورها محدوداً في المحافظة على أمنها الشخصي، أما الوقات الأمريكية فستتعرض هي الأخرى إلى ضربات مكثفة وعندها ستتجنب الدخول في المدن ويكون التركيز على الطيران بشكل أساسي. الوضع في محافظة التأميم: ستواجه محافظة التأميم ثلاثة قضايا في وقت واحد، فالأكراد يريدون فرض سيطرتهم على كركوك، والعرب السنة والتركمان يرفضون ذلك، والأكراد التركمان الشيعة الذين يؤيدون الائتلاف الشيعي لهم موقف قد يتعارض مع الطرفين. فالأكراد إذا ما حاولوا السيطرة على كركوك فسيواجهون معارضة العرب السنة والتركمان ويحتمل كذلك الائتلاف الشيعي في المنطقة. أما العرب السنة فإنهم وبسبب رفضهم للدستور والفدرالية فإنهم سيجدون أنفسهم بمواجهة مع الأكراد ومع الشيعة الموجودين في المنطقة. وبالنسبة للتركمان فإنهم لا بد وأن يتعاونوا مع العرب السنة، وإذا ما حصل قتال طائفي في بغداد وفي محافظات أخرى فإن الاحتمال الأكثر توقعاً هو أن تبقى الأمور على ما هي عليه في كركوك، فالأكراد في مثل هذا الموقف ليس من مصلحتهم الدخول في نزاع عنصري مع العرب ولا مع التركمان لأن ذلك يمكن أن يؤدي إلى تدخل تركيا وبنفس الوقت فإنه يقوي من موقف الائتلاف الشيعي الذي سيسعى إلى جر الأكراد إلى النزاع، وبنفس الوقت فإن العرب والتركمان ليس من مصلحتهم الاقتتال مع الأكراد في مثل هذه الظروف لأن الصراع في مثل هذه المرحلة سيكون صراعاً طائفياً وسيحتاجون إلى مهادنة الأكراد حتى يتفرغوا للقضية الأكثر خطورة. وإذا ما حصل مثل هذا الموقف فإن قوى الائتلاف الشيعة في المنطقة قد يلجئون إلى خيار التهدئة أيضاً وسيلعب الجانب القومي دوراً في ذلك، فالأكراد الشيعة يلجئون إلى الأكراد، والتركمان الشيعة إلى التركمان لأنهم إذا ما دخلوا في نزاع طائفي فسوف لا تكون الأمور في صالحهم بدون دعم الأكراد. أما قوات التحالف فهي الأخرى بحاجة إلى تهدئة الوضع في كركوك خصوصاً بين الأكراد والعرب حتى تتمكن من مواجهة المواقف الأخرى في بغداد وباقي المحافظات. لذا فإن الأكراد إذا ما تصرفوا بحكمة فإنهم سيختارون التهدئة حتى تنجلي الأمور لأن نتيجة الصراع ستخدمهم على المدى البعيد، وإضافة على العوامل المار ذكرها فإن الأكراد لو أرادوا أن يسيطروا على كركوك بالقوة فإن ذلك سيستنزفهم عسكرياً واقتصادياً وعندما يكون البلد في حالة صراع فإن الدعم المادي سيكون أمراً صعباً، إضافـة إلى تعرض مصالحهم في الكثير من المدن للخطر، وحتى لو افترضنا أنهم سيطروا على نفط كركوك فإنه من المتعذر عليهم استغلاله لأن أنابيب التصديق تمر من مناطق عربية. وفي مثل هذا الوضع سيقوم كل طرف بتعزيز مواقفه في الأماكن المتواجدين فيها إضافة إلى زيادة أعداد المسلحين خصوصاً لدى الجانب العربي، ومن المحتمل جداً أن تظهر قيادة موحدة للمقاومة في كركوك تجمع كل الأطراف لمواجهة احتمالات تطور الموقف مع إدامة تنسيق وتعاون مع المحافظات المجاورة، ولكن ذلك لا يمنع حدوث أعمال تخريبية في كركوك من قبل أطراف أخرى تحاول إثارة النعرات الطائفية والعنصرية إضافة إلى أعمال الاغتيالات وغيرها. الوضع في محافظة نينوى: إن محافظة نينوى تمتاز بكونها تحوي قوميات وديانات ومذاهب متعددة، فهناك الأكراد الذين يتواجدون بكثافة ضمن الساحل الأيسر لمدينة الموصل ولديهم ترابط وامتدادات مع المناطق الكردية، وبالنسبة للأقضية والنواحي فإن قضاء الشيخان يحوي أغلبية كردية ومن اليزيديين الذين يعتبرون من الأكراد أيضاً. ويتواجد ضمن هذا القضاء بعض العشائر العربية أغلبهم من الحديدين والجبور وبعض العشائر الأخرى ولكن وضعهم قلق جداً كونهم أصبحوا أقلية ضمن المنطقة الكردية. وهناك المسيحيين الذين يتركزون في قضاء الحمدانية (قرقوش) ونواحيها وهؤلاء ليست لهم القدرة على تجاوز الأكراد، لذا فإنهم سيبقون على الحياد في أي صراع محتمل حفاظاً على أنفسهم. وهناك عشائر من الشيعة من الشبك الذين ارتبطوا مع الأكـراد ولكنهم يؤيـدون الائتلاف الشيعي، والبيات وهم من العشائر العربية الشيعية في المنطقة وهم يؤيدون الائتلاف الشيعي أيضاً، وكلما اقتربنا باتجاه مدينة الموصل يزداد التواجد العربي السني، لذا فمن المحتمل جداً أن يحدث قتال طائفي ضمن هذه المنطقة بين العرب السنة والشيعة من البيات والشيك الذين سيطلبون حماية الأكراد لهم. أما الساحل الأيمن فالأغلبية هي من العرب السنة ما عدا قضاء تلعفر الذي تتواجد في عشائر شيعية، وهؤلاء يعتبرون أنفسهم أتراك على الرغم من أنهم أصبحوا عشائر عربية خلال فترة النظام السابق، ولكنهم عادوا مرة أخرى على أصلهم التركماني وهم أصبحوا من المتعصبين للشيعة ويؤيدون الائتلاف الشيعي الذي يبذل جهوداً كبيرة لاحتوائهم خصوصاً بعد عمليات تلعفر الأخيرة. لذا فإن هذه المنطقة ستشهد قتالاً طائفياً بأسبقية عالية، أما المناطق المحاذية لنهر دجلة حتى الحدود السورية فإن أغلب هذه القرى كانت تسكنها عشائر عربية بعد ترحيل الأكراد منها، ولكن بعد سقوط النظام عاد الكثيرون منهم وحاول الأكراد ولا يزالون السيطرة على هذه المنطقة لكونها تمثل امتداداً لهم مع الطرف الثاني من البحيرة، لذا فإن هناك احتمال أن تشهد هذه المنطقة اقتتالاً بين العرب والأكراد. أما منطقة سنجار والتي تحتوي على عشائر من اليزيدية ضمن منطقة تواجد كبيرة للعشائر العربية، وفي فترة حكم النظام السابق أصبحت عشائر اليزيدية جزء من العشائر العربية، وأصبح لكل عشيرة منهم امتداد لعشيرة عربية، كما دخلت أعداد كبيرة منهم ضمن منظمات حزب البعث، ولكن يبدوا أنهم تحولوا بولائهم إلى الأكراد بعد سقوط النظام، ولقد عمل الأكراد على استمالتهم حتى يشكلوا قوة مهمة في المنطقة يمكن أن تساعد على تحقيق تواصل مع أكراد سوريا، لذا فمن المحتمل جداً حدوث مشاكل بينهم وبين العشائر العربية، ويسضطر الأكراد إلى مساعدتهم. أما المناطق الأخرى (قضاء البعاج والحضر) فتسكنه عشائر عربية لها امتدادات مع عشائر سورية ومع الأنبار بشكل خاص وصلاح الدين، لذا سيكون هناك ترابط وثيق بين عشائر سورية ونينوى والأنبار وستصبح الجزيرة مسرحاً للامتدادات والمساعدات بين هذه العشائر. أما ضمن مدينة الموصل فإن منطقة الساحل الأيمن لا يحتمل أن تشهد اقتتالاً طائفياً ولكن سيكون له دور في مساعدة العرب السنة في الساحل الأيسر وسيكون للساحل الأيمن وامتداداته إلى "حمام العليل" والشورة والقيارة دور بارز في معاونة العرب سواء في الساحل الأيسر أو المناطق الأخرى حتى صلاح الدين، ولوجود أعداد كبيرة من منتسبي القوات المسلحة السابقين ومن تنظيمات حزب البعث، لذا فإن هناك احتمال قوي لأن تظهر مقاومة جديدة تحتوي كافة الفعاليات وسيكون لها حضورها الكبير في المنطقة. لذا فإن محافظة نينوى مرشحة لأن تشهد اقتتالاً طائفياً عنصرياً وأخطر حالة هي الاقتتال بين العرب والأكراد، أما القتال الطائفي فسوف لا يكون واسعاً جداً بسبب محدودية عدد الشيعة في عموم المحافظة ولصعوبة وصول التعزيزات أو المساعدات لهم من المناطق الشيعية الأخرى إلا إذا تبنى الأكراد معاونتهم وهذا الاحتمال ضعيف لأن الأكراد سيحاولون المحافظة على التوازن وعدم الدخول في صراع مسلح مع العرب في مثل هذه الظروف، لذا فإن الاحتمال المرجح هو قبول الشيعة في نينوى بالأمر الواقع. وسيحاول تركمان تلعفر بالعودة إلى الورقة العنصرية وذلك باللجوء إلى تركيا لمعاونتهم بدلاً من اللجوء إلى الائتلاف الشيعي، وهذه اللعبة سبق وأن مورست من قبلهم ولكن من المحتمل أن يكون هذا القرار بعد فوات الأوان بسبب ما حصل مؤخراً في تلعفر. أما الشبك فإنهم سيكونون مع الأكراد حتى يضمنوا الحماية تاركين الائتلاف الشيعي لمرحلة مقبلة، إن الظروف هي التي تملي على الناس ما ينبغي أن يكونوا عليه وليس ما يؤمنون به. من الطبيعي جداً أن تعمل العشائر العربية في نينوى خصوصاً المتواجدة في منطقة الجزيرة على معاونة العشائر العربية في الأنبار وصلاح الدين وكركوك بسبب الترابط العشائري واللغوي بوجه التهديد الطائفي والعنصري الموجه ضد العرب السنة. أما موقف قوات التحالف فإنها ستسعى مع قوى الأمن والجيش على تثبيت الاستقرار والأمن خصوصاً في مركز المحافظة الموصل، لذا ستركز أغلب قواتها ضمن المركز من أجل المحافظة على مراكز السلطة وستتخلى عن المناطق الأخرى تدريجياً فيما عدا توجيه الضربات بالطائرات أو القيام بضربات محدودة بين فترة وأخرى وهذا ما سيشجع على تقوية المقاومة ومن المحتمل جداً أن تبرز خلال هذه الظروف قيادة جديدة للمقاومة بالاستفادة من كافة القوى الرافضة للوجود الأمريكي والمعارضة للدستور والتوجهات العنصرية والطائفية. ومن الطبيعي أن تشهد نينوى أعمالاً تخريبية عديدة داخل وخارج مركز المحافظة من قبل قوى داخلية وخارجية لها مصالح في زيادة وتعميق الخلافات العنصرية والطائفية، لذا فإن الوضع في المحافظة سيكون معقداً جداً على كافة الأطراف. محافظة صلاح الدين: تحوي محافظة صلاح الدين أغلبية عربية إذا تركنا قضاء الطوز في الجانب الشرقي الذي هو خليط من أكراد وتركمان أغلبهم محسوبين على الائتلاف الشيعي بالإضافة إلى عرب سنة في عدد من القرى، وكلما اقتربنا من نهر دجلة يكون العرب السنة هم العنصر السائد، اما مركز المحافظة وأقضيتها فأغلبها من العرب السنة فيما عدا منمطقة بلد والدجيل، وفي هذه المناطق تنظيمات قوية للمقاومة، كما أن كافة هذه العشائر لها امتدادات مع العشائر الأخرى الواقعة فـي الجانب الشرقي في كركوك وديالـى. إن احتمالات حدوث اقتتال طائفي ضمن محافظة صلاح الدين محدود جداً لوجود علاقات وترابط عشائري ولكون العرب السنة يمثلون الأغلبية، ولكن من المتوقع أن تكون المحافظة بعشائرها وتنظيماتها بمثابة حلقة وصل بين نينوى وكركوك وديالى وبغداد والأنبار. الوضع في محافظة الأنبار: تعتبر الأنبار من أهم المحافظات العربية السنية والتي تكاد أن تكون خالية من الشيعة، ولكون المقاومة العراقية انطلقت منها وبسببها تعرضت مدنها وسكانها إلى حملات مستمرة من التهديد والقتل، ولكونها مجاورة لسوريا والأردن والسعودية، فإن العديد من العناصر التي لها مصلحة في قتال الأمريكان من أنصار القاعدة وغيرهم أصبحت بمثابة بيئة حاضنة لهم على الرغم من عدم القناعة بما يقومون به ولكن الظروف وعدم معالجة الأمور بحكمة من قبل الأمريكان والحكومة أدت جميع هذه العوامل إلى دفع أغلبية المواطنين إلى تبني نهج المقاومة، وبسبب عدم وجود احتمال لحدوث قتال طائفي في محافظة الأنبار، لذا فإن القتال الطائفي فيما لو وقع في بعض المحافظات فإن أهل الأنبار سيكون لهم دور بارز في دعم ومساندة العرب السنة والتنظيمات الأخرى. وسيبرز دورهم بشكل خاص في بغداد وبالتحديد في جانب الكرخ والمدن المحيطة في بغداد مثل أبو غريب، المحمودية، واللطيفية، في محاولة لضرب طوق حول مدينة بغداد ومنع تواصلها مع بابل وكربلاء والنجف، ومن المحتمل أن يبرز نشاط واضح للعشائر العربية وتنظيمات حزب البعث في هذه المناطق وكذلك في منطقة الاسكندرية والمحاويل وبابل لكونها تضمن أعداداً كبيرة من تنظيمات الحزب. ومن المحتمل جداً أن تحدث معارك قوية في الأحياء الشيعية مثل الشعلة وغيرها وكذلك ضمن الأحياء المختلطة، ومن الطبيعي أن يكون هناك نشاط واسع للعرب السنة وتنظيمات حزب البعث من الأحياء الكبيرة المحيطة ببغداد مثل العامرية والغزالية وسبع البور وغيرها، لذا ستكون لمحافظة الأنبار دور واضح في مساندة هذه الفعاليات. كما من المرجح جداً أن تبرز قيادة للمقاومة في محافظة الأنبار بحيث تضم العسكريين من الجيش العراقي السابق والحرس الجمهوري وقوى الأمن وفدائيي صدام وتنظيمات الحزب، كما يحتمل أن يجري تنسيق كبير بين الأنبار ونينوى وصلاح الدين لتشكيل كتلة قوية من هذه المحافظات الثلاث، ويتوقع جداً أن تتوحد قيادات المقاومة في هذه المحافظات الثلاث لتشكيل قيادة جيدة موحدة تتولى عملية إدارة العمليات. المحافظات الجنوبية والفرات الأوسط: بسبب طبيعة التكوين الطائفي ولكون أغلب سكان هذه المحافظات من الشيعة (بابل، النجف، كربلاء، الديوانية، واسط، ميسان، الناصرية، البصرة) ولسيطرة الائتلاف الشيعي على هذه المحافظات، لذا فإنه من المتوقع ومع تطور وتصاعد أعمال العنف في بغداد وباقي المحافظات أن تزداد أعداد الميليشيات، وستتوحد هذه المليشيات والقوى (قوات بدر وتنظيمات حزب الدعوة وحزب الله وغيرها)، وبمساعدة من إيران سيعمل على تشكيل قوة أو جيش موحد في المنطقة من أجل السيطرة عليها وبنفس الوقت حمايتها من أي تدخل أو حوادث أمنية من قبل التنظيمات المعادية لهم. وستشهد المنطقة عمليات اعتقال وتطهير وتهجير للعرب السنة المتواجدين ضمن تلك المحافظات، وكذلك تنظيمات حزب البعث، وستشهد مدينة البصرة فعاليات واقتتال طائفي وستحاول العشائر العربية المتواجدة ضمن أو قرب المنطقة الحد من التأثير والاقتتال الطائفي، وستنتهز إيران هذه الفرصة لتحكم سيطرتها على البصرة لكونها الهدف الاستراتيجي لسياستها على المدى القريب والبعيد (لما تمتلكه من ثروات نفطية، وتواصل مع دول الجوار الجغرافي في الكويت والسعودية خصوصاً مع المناطق التي تتفق معها في الانتماء المذهبي، ولوقوعها على منطقة الخليج العربي بحيث توفر لها دعامة أمنية لمنشآتها النفطية والنووية والمناطق الحساسة القريبة من حدودها، والسيطرة على شط العرب، المدخل إلى منطقة الخليج ودولها، وتمتين وضعها الداخلي عبر الحيلولة دون طموحات عرب الأحواز من خلال مطالبتهم بحقوقهم القومية أو إحياء مشروع الاستقلال واتخاذها كمنطقة عازلة مع القوات الأمريكية أو المتحالفة معها لمد مروعها التوسعي إلى الشرق. كما ستعمل قيادة التحالف الشيعي على تركيز قواتها على المناطق المحاذية لبغداد والأنبار وخصوصاً الطرق الرئيسية وستعطي أهمية خاصة لمحافظة بابل لكونها حلقة الوصل بين بغداد وباقي محافظات الفرات الأوسط وكذلك لمدينة المسيب، وعلى أطراف هذه المحافظة ستقع معارك طائفية خصوصاً في المحاويل، الاسكندرية، واللطيفية، والمحمودية. أما في واسط فإن قيادة التحالف الشيعي ستعمل أيضاً على تركيز قواتها ضمن منطقة الصويرة والقرى المحيطة بها، وستجري محاولات للسيطرة على المدائن، من أجل إدامة طريق بغداد – الكوت – العمارة، خصوصاً وأن هذه المناطق أو المحافظات الأكثر سخونة. وفي محافظة واسط والعمارة سيكون لإيران دور واضح جداً من السيطرة على الحدود ودعم التنظيمات المسلحة الشيعية وإسنادهم مادياً وعسكرياً في مراحل الصراع التي يحتمل أن تحدث. وكنتيجة لتطورات الموقف فإن الأكثر احتمالاً هو إعلان تشكيل إقليم الجنوب وكما سبق وأن تم الترويج له، كما أن هذا الإعلان سيكون من خلال مجالس المحافظات التي ستقرر الانضمام إلى هذا الإقليم تحت الضرورات والمبررات المنية والدينية والاجتماعية، ومثل هذا التوجه لا يتعارض مع استراتيجية قوات التحالف لأنه جزء من المخطط المرسوم للعراق، وعند تشكيل هذا الإقليم ستكون له حكومة خاصة به وسيكون له جيش وقوى أمن على غرار إقليم كردستان، ولأن حقول النفط الرئيسية في الجنوب وكذلك أنابيب ومحطات التصدير كلها في الجنوب لذا فإن عملية تصدير النفط ستستمر وسيحصل هذا الإقليم على ما يحتاج إليه من أموال. إن تشكيل هذا الإقليم سيعود بالنفع على قوات التحالف لأنها ستعمد إلى منح قيادة هذا الإقليم المهمة الأمنية في الجنوب، وبذلك تتمكن من تقليص قواتها وسحب أعداد غير قليلة منهم، وهذا ما سيخفف من الضغط على القيادة الأمريكية والبريطانية ويعطيها المصداقية فيما خططت له، علماً أن مثل هذا الإجراء لا يتم إلا بعد تثبيت مصالحهم على المدى البعيد في المنطقة من خلال الاتفاقيات والمعاهدات التي ستعقد مع المراكز وإقليم الجنوب. أما بالنسبة لإيران فإنها هي الأخرى تكون قد حققت أهدافها بتشكيل هذا الإقليم الشيعي وسيكون لها حصتها وحضورها في هذا الإقليم، وهذا لا يتعارض مع ما سيجري الاتفاق عليه مع أمريكا وبريطانيا، وهكذا سيحقق هذا الإقليم مصالح كل هذه الأطراف ما عدا مصلحة العراق والدول العربية المجاورة والتي ستشهد تحولات جديدة على الساحة السياسية. المشهد الأخير (سيناريو الحرب): بعد استعراض الوضع العام في عموم المحافظات يمكن تصور ما سيكون عليه الوضع في العراق والمنطقة: أ- الوضع في العاصمة قبل وبعد الانتخابات: ستشهد العاصمة اضطرابات واسعة وتفجيرات عشوائية واغتيالات وخطف، تستهدف الشيعة والسنة في مسعى لتصعيد الموقف بين السنة والشيعة، وسيكون الدستور وشكل الحكومة وأسلوب الحكم وتوزيع المناصب والصلاحيات وغيرها هي محور الخلافات الرئيسية ما بين مؤيد ومعارض، بحيث يحمل كل طرف الأطراف الأخرى ما يحصل. ومن الطبيعي أن وراء كل هذه الفعاليات قوى خفية تعمل من وراء الكواليس، وسيرافق كل ذلك نشاط إعلامي مكثف داخلي وخارجي، كله يتحدث عن الحرب الأهلية، وكأنه قدر محتوم على الطرفين، وستعمل الأحزاب والفئات السياسية العنصرية والطائفية، والتي تعمل من أجل مصالح دول وقوى أخرى على تأجيج الموقف ودفع الحكومة إلى اتخاذ مواقف متطرفة تجاه بعض المناطق بحجة الإرهاب، وسيضطر الأمريكان أما سيل المعلومات التي تقدم لهم إلى اتخاذ إجراءات قوية، مما يزيد من تطور الموقف نحو منزلق الحرب الأهلية. وإزاء هذا الموقف ستضطر القوى المعارضة وغيرها على العمل المضاد وهكذا يتطور الموقف يوماً بعد يوم نحو الأسوأ، وستشهد العاصمة كما بينا اقتتالاً طائفياً بين المناطق والأحياء (بين السنة والشيعة) وستعمد السلطة والأمريكان كذلك إلى تركيز جهودهم للسيطرة على العاصمة وحماية مراكز السلطة والوحدات المهمة، ومع تطور الموقف سيزداد الأمر صعوبة وستزداد الخسائر. ب- في المحافظات الأخرى: ستشهد ديالى ونينوى وكركوك وصلاح الدين اضطرابات واقتتالاً طائفياً، ولكن بنسب متفاوتة وتبعاً لتطور المواقف في العاصمة، وسيكون لموقف الأكراد تأثير كبير على الموقف سلباً أو إيجاباً، أما محافظة الأنبار فلا يحتمل أن تشهد اقتتالاً طائفياً، ولكنها ستكون مؤثرة على بغداد وينوى وصلاح الدين. أما محافظات الفرات الأوسط والجنوب، فستكون تحت سيطرة قوى الائتلاف الشيعي، وستعمل على تعزيز موقعها على الأطراف المؤدية إلى بغداد، مع القيام بعمليات تصفيات وتهجير للسنة المتواجدين ضمنها، وستشهد البصرة اضطرابات كبيرة وعمليات تصفيات وسيكون لإيران دوراً فاعلاً في ذلك. الموقف السياسي داخل العراق: - الائتلاف الوطني الشيعي: لقد سعى الائتلاف الوطني ومنذ بداية دخوله الحكم وسيطرته على الجمعية الوطنية والحكومة الأخيرة، إلى توسيع نفوذه وسيطرته على كافة أجهزة الدولة والقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي وتغليب الجانب الطائفي (الشيعي) على هذا الائتلاف مما جعله تنظيم سياسي طائفي. كما قاموا بفرض وجهة نظرهم حول الدستور، خصوصاً ما يتعلق بالفيدرالية وعروبة العراق، وإعطاء صلاحيات واسعة للأقاليم مع تقليص دور الحكومة المركزية، والقضية الدينية، والمرجعيات الدينية، إضافة إلى عدم الوضوح في العديد من القضايا المركزية، مثل القوات المسلحة والثروات الوطنية والسياسية الخارجية وغيرها، والتي تقبل التفسيرات والاجتهادات، ولقد عملوا وبكل ما لديهم من قوة لأجل تكريس هذه المفاهيم وتسويقها إلى المواطنين الشيعة بشكل خاص، وحتى يضمنوا التصويت لهم مستندين على المرجعية الدينية التي ستعطي الفتوى بذلك، وعندها سيضمنون التصويت لهم بنعم استجابة لمطلب المرجعية، وليس بناء على معرفة وفهم الدستور وما ورد فيه. وضمن هذا السياق انطلقت فكرة إقليم الجنوب خلال مراحل كتابة الدستور، لاستباق الأمر وتهيئة الأنصار، ومن ثم القبول بالأمر الواقع مستقبلاً، ولقد تطابقت أهدافهم مع أهداف الأكراد الذين يسعون إلى استغلال الظروف للحصول على أكبر ما يمكن من المكاسب. لذا قاموا ومنذ البداية إلى دفع العرب السنة إلى موقف متطرف، وقدموا للأمريكان معلومات مشوهه عن الكثير من المواطنين والأماكن على أساس أنها تؤوي الإرهابيين، وبسبب ذلك تم قتل واحتجاز آلاف الأشخاص، كما دمرت مدن وقرى على أصحابها وهجرت آلاف العوائل، كل ذلك دفع الكثيرين من العرب السنة على المقاومة، ولقد دعمت إيران هذه الخطة وقدمت المساعدات بشكل غير مباشر لتشجيع هذه الخطة، لأنها هي وسيلة تقسيم العراق وإضعافه، وهذا ما تسعى إليه. وهكذا ظهر الشيعة على أنهم مهادنين وحلفاء للأمريكان، والعرب السنة هم الوحيدون الذين يقاتلون الأمريكان وهم الذين ينفذون العمليات الإرهابية التي لا يعرف من يقف ورائها، وهكذا اختلطت الأوراق بين المقاومة الحقيقية والإرهاب والجريمة المنظمة، وضاعت الحقيقة وضاعت حقوق العرب عندما لم يتمكنوا من إعطاء أصواتهم في الانتخابات. وتأسيساً على هذا الواقع فإن الائتلاف الشيعي سيستغل تدهور الوضع الأمني، خصوصاً في المحافظات الساخنة، وسيحمل العرب السنة مسؤولية رفضهم العملية السياسية، وعليه ولأجل حماية الشيعة وحفظ حقوقهم لا بد من تشكيل إقليم الجنوب. وستكون الأوضاع العامة مواتية لهذا المشروع، فالأمريكان يعانون من الاضطرابات والانفلات الأمني في المحافظات الخمس، إضافة على زيادة خسائرهم المادية والبشرية، كل ذلك يدفعهم إلى إيجاد مخرج للوضع في العراق. ولما كان الوضع الأمني مستقراً تقريباً في المحافظات الجنوبية التسع، لذا فإنها مؤيدة لتشكيل هذا الإقليم، حتى ولو تعثر تشكيل الحكومة إذا ما دعت الضرورة باعتباره يلبي مطالب المواطنين، وستضمن أمريكا مصالحها وحقوقها الاقتصادية في نفط الجنوب، كما ستكون إيران من أشد المناصرين لذلك. وهكذا تتلاقى مصالح الأطراف الثلاث، لتعلن ولادة هذا الإقليم الشيعي، وستكون لهذا الإقليم حكومة وجيش وقوى أمن خاصة به، وستعقد حكومة الإقليم اتفاقات سياسية وعسكرية واقتصادية مع الولايات المتحدة، لضمان مصالحها على المدى البعيد، خصوصاً وأن الثروة النفطية في جنوب العراق هي ثروة العراق الحقيقية، وبالتعاون مع إيران وتحت المظلة الأمريكية ستنشأ قوة إقليمية جديدة سيكون لها تأثير على مستقبل العراق والمنطقة. - الاتحاد الكردستاني: ما ينطبق على الائتلاف الشيعي ينطبق بشكل أو بآخر على الاتحاد الكردستاني، الذي سعى لنفس الأهداف وتمكن من تحقيق أغلبها، لذا فإن إعلان إقليم الجنوب، سيكون بمثابة عنصر قوة لإقليم كردستان والفيدرالية. ولكن المشكلة التي ستواجه هذا الإقليم هي عدم وجود رغبة إقليمية في وجوده وتطويره، لأسباب سياسية، فلا إيران ولا تركيا ولا سوريا ترغب في رؤية إقليم كردستان وكأنه شبه مستقل، لأن ذلك سيمهد لقيام دولة كردية كبيرة، كما أن هذا الإقليم لا يمتلك ثروات اقتصادية كبيرة، وما هو موجود من نفط لا يمكن استغلاله بسبب الوضع في كركوك والمنطقة، لذا ستجد قيادة الإقليم نفسها مضطرة عاجلاً أو آجلاً إلى التعاون مع العرب السنة لتشكل قوة جديدة قادرة على الوقوف بوجه الائتلاف الشيعي، لتحقيق التوازن السياسي على الساحة العراقية، وضمان حقوق الجميع بشكل عادل، ولكن ما يخشى منه أن يكون هذا القرار متأخراً وبعد فوات الأوان وستثبت الأيام أن مصلحة الأكراد ليست مع الائتلاف الشيعي. - العرب السنة: يبدو أن العرب السنة هم الخاسر الأكبر في هذه العملية، فلقد تحملوا خلال المرحلة التي أعقبت الاحتلال أعمال القتل والتدمير والتهجير والحجز ودفعوا ثمناً باهظاً لمقاومة الاحتلال، باعتبارها واجباً شرعياً وبسبب ظروف فرضت عليهم. وبسبب عدم وجود مرجعية أو قيادة سياسية لهم، وبروز شخصيات دينية وسياسية غير واعية للوضع السياسي وتداعياته، إضافة إلى أصحاب المصالح الذين استخدموا هذه الورقة لمآرب شخصية، كل ذلك ضيع جهودهم، وهم على عكس القيادات السياسية والدينية الشيعية التي كانت واعية لما تريده، لذا دفعت السنة العرب إلى التطرف تحت أسباب ومبررات عديدة ثم التطرق إليها، وعرفوا منذ البداية كيف يديرون اللعبة ويستثمروا نتائج ما يقوم به العرب السنة، وهكذا أصبحوا هم حلفاء للأمريكان، والعرب السنة هم الأعداء، وخلال كل هذه الفترة لم نجد من يقف مع العرب السنة من الدول العربية، على عكس الشيعة الذين تقف معهم إيران سياسياً وعسكرياً، وهكذا أصبحوا في موقف لا يحسدون عليه، وقد يدفع هذا الوضع العرب السنة إلى إيجاد قيادات عسكرية سياسية قادرة على توحيد صفوفهم وقيادتهم سياسياً وعسكرياً، ويبعد القيادات المصلحية التي ألحقت ضرراً كبيراً بهم([3]). - الموقف الأمريكي: لقد أصبح الموقف الأمريكي معقداً جداً، وسيزداد تعقيداً مع ازدياد تدهور الوضع الأمني، فلا هم قادرون على الانسحاب من العراق، ولا هم قادرون على ضبط الوضع الأمني، خصوصاً مع تزايد الفعاليات العسكرية وتطور الوضع إلى الاقتتال الطائفي داخل العاصمة وخارجها، لذا فإن أمريكا ستتعرض على ضغوط داخلية على مستوى الولايات المتحدة وعلى المستوى الدولي، وستوجه إليها الانتقادات حتى من أقرب الدول إليها، وسيكون للرأي العام الأمريكي تأثير كبير على موقفها بسبب الوضع المتردي والخسائر المادية والبشرية، بحيث يصعب على الحكومة الأمريكية تدارك نتائجه. لذا فإن المخرج الوحيد أمامهم سيكون محاولة استكمال المرحلة السياسية من خلال تشكيل حكومة وبأي صورة كانت، والقبول بتطبيق الفيدرالية بتشكيل إقليم الجنوب، وعقد اتفاقيات سياسية واقتصادية معه لضمان مصالحهم مع هذا الإقليم ومع إقليم كردستان، والقبول بإدارة لا مركزية في باقي المحافظات إذا لم يتشكل إقليم الوسط، وسيوفر لهم وجود إقليم الجنوب وإقليم كردستان فرصة لتقليص قواتهم، لأن أمن من هذين الإقليمين سيكون من مسؤولية الأقاليم نفسه، وستتفرغ إلى العاصمة وستركز على حماية مراكز الحكومة والمنشآت المهمة مع الاحتفاظ بقوات مناسبة في قواعد محددة، ويترك للمحافظات اللامركزية إدارة شؤونها الداخلية، مع ما سيرافق ذلك من فوضى إدارية ومنية، لأن ترك هذه المحافظات سيؤدي إلى خلق مشاكل إدارية وأمنية فيها، مع تدني الخدمات. وتبعاً لذلك سيزداد الصراع الداخلي فيها ومع مرور الوقت ستضعف روح المقاومة وسيظهر على الساحة أمراء الحرب الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الخاصة وسيصبح المشروع العراقي الوطني في خطر أكيد ما لم يتم تدارك الموقف من قبل المخلصين لهذا البلد قبل فوات الأوان والانتباه إلى مصلحة العراق قبل كل شيء والاحتكام إلى الحكمة والعقل وتجنب السير وراء الأماني والأحلام. - الموقف الإيراني: إن إيران هي البلد الوحيد في المنطقة الذي حقق أغلب أهدافه التي كان يسعى إلى تحقيقها منذ عقود طويلة، فتقسيم العراق وإضعافه وتكوين حكومة مركزية موالية لإيران، وإبعاد العراق عن الأمة العربية، ووجود إقليم الجنوب الذي سيتمتع بأكبر ثروة نفطية مجاوراً لإيران وموالياً لها، كلها عوامل سيكون لها تأثيرات سياسية واقتصادية كبيرة على إيران والمنطقة العربية، خصوصاً الخليج. ما عجزت عن تحقيقه إيران بالقوة ستحققه من خلال السياسة، وكما أسلفنا فإن هذا الموقف لا يتعارض مع الاستراتيجية الأمريكية، لأن القيادة الإيرانية عرفت ومنذ حرب الخليج الأولى كيف تحقق أهدافها، وتجيد اللعبة السياسية في المنطقة. لذا استخدمت إيران الورقة العراقية أفضل استغلال، وتمكنت من فرض شروطها على أمريكا من خلال العراق، وهكذا ستضطر أمريكا إلى القبول بالموقف الإيراني والتعامل معه من أجل مصالحها، ومن نتائج هذا الموقف ستظهر إيران كدولة إقليمية يحسب لها ألف حساب. أما الدول العربية فإنها ستكون الخاسر الأكبر في هذه القضية، فلا هي قادرة على أن تؤثر أو تلعب دور مهم على الساحة العراقية، ولا هي قادرة على درء الخطر الذي سيحل بأقطارها. فسوريا تعاونت مع إيران ونفذت مخطط غيران في دعم المقاومة، وتحملت الكثير من وراء ذلك، لذا ستكون هي كبش الفداء في هذه العملية، وبالنسبة لدول الخليج خاصة السعودية والكويت وباقي الدول الأخرى، فستواجه صعوبات ومشاكل عديدة، فالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان ستكون عوامل تهدد وحدة هذه الدول، وستتعرض لنفس ما تعرضت له العراق ولو بشكل آخر وستستغل إيران نتائج هذه اللعبة لصالحها كما حصل في العراق. - الموقف التركي: أما تركيا وبسبب عدم مشاركتها بالحرب مع الولايات المتحدة ضد العراق، وبسبب حاجة أمريكا للأكراد فإن دورها أصبح هامشياً على الساحة العراقية وهي تحاول أن تستفيد من الورقة التركمانية وورقة المياه، ولو بتأثير محدود إذا لم تسمح لها أمريكا بذلك ولكونها دولة علمانية، فإن تأثيرها على العرب السنة ضعيف أيضاً. ولكن هذا لا يعني تخلي تركيا كلياً عن الساحة العراقية، لأن لها مصالح اقتصادية مع العراق، كما أن وجود الأكراد وقلقها من الوضع في إقليم كردستان، لا بد وأن يدفعها في مرحلة من المراحل إلى محاولة التأثير والعمل على المسرح العراقي. - الموقف العربي: يبدو أن العرب يصلون متأخرين على الدوام، فعلى الرغم من التحذيرات التي أطلقها الكثير من الدارسين والمفكرين عن خطورة الوضع في العراق وتداعياته، وما سيحصل وتأثير ذلك على الدول العربية، فإن العرب لا يتحركون حتى يصبح الخطر وشيكاً، ويصبح كما يقال حقيقة واقعة. فالعراق على وشك التقسيم، والعراق ليس جزءاً من الأمة العربية، والفيدرالية والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان هي السلاح الجديد الذي ستواجهه الدول العربية، خصوصاً الخليجية منها، وتحت الشعارات المشار إليها ستتحرك الأقليات تطالب بحقوقها وبدعم من الولايات المتحدة، وستصبح إيران دولة إقليمية مؤثرة في المنطقة. وبالنسبة إلى سوريا فإنها ستصبح كبش الفداء الذي ضحت به حتى تفوز بالعراق، فهي التي عاونت إيران بحيث دفعتها إلى تقديم الدعم للمقاومة والعناصر الأخرى لإدامة الضغط على أمريكا وتوريطها في العراق، حتى لا تحاول أن تلتفت إلى إيران وسوريا، وهكذا أصبحت سوريا في قلب المواجهة، وتحملت الضغوط الأمريكية، والتي من المحتمل أن تزداد عليها في المراحل المقبلة، لأنها الحلقة الأضعف في هذا التحالف، ولعدم وجود ورقة قوية قادرة أن تلعبها كما لإيران. وهكذا ستجد الدول العربية القريبة نفسها بين خيارين لا ثالث لهما، إما السكون وانتظار ما تؤول إليه الأمور، أو محاولة التدخل والتأثير، ولكن هذا الخيار لا يمكن تنفيذه ما لم توافق الولايات المتحدة على طريقة أو شكل العمل، وإذا لم يحقق أهدافها فلا يمكن أن تقبل به. ومع كل ذلك وبسبب طبيعة الظروف وما تواجهه أمريكا، فيمكن أن تتدخل ولو بتأثير محدود في البداية، من خلال حوار عربي أمريكي هدفه مصلحة الطرفين، ومن خلال هذا الحوار، يمكن التوصل إلى قواسم مشتركة للطرفين، والتي يمكن من خلالها الدخول إلى مجال التأثير على الساحة العراقية، كما أن مجالات العمل الإنساني والاجتماعي والصحي في العراق مفتوحة أمام العرب، لمعاونة إخوانهم الذين تضرروا ودمرت بيوتهم من خلال تقديم المساعدات لهم، والمساهمة في إعادة إعمار المدن والقرى التي دمرت، فهذه عوامل قابلة للتنفيذ، ويمكن أن تترك تاثيرات كبيرة على المجتمع العراقي ".
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video