مسودة
محتويات الكتاب
المقدمة. ما جاء في أهل البيت رضي الله عنهم. ما جاء في الصحابة رضي الله عنهم. ما جاء في العشرة المبشّرين بالجنة رضي الله عنهم. ما جاء في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم. ما جاء في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ما جاء في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. ما جاء في الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ما جاء في ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه. ما جاء في عائشة وحفصة رضي الله عنهما. ما جاء في أم المؤمنين عائشة بنت الصديق رضي الله عنهما. ما جاء في أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما. ما جاء في أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه. ما جاء في سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. ما جاء في عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه. ما جاء في طلحة والزبير رضي الله عنهما. ما جاء في طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه. ما جاء في الزبير بن العوام رضي الله عنه. ما جاء في عبدالله بن مسعود رضي الله عنهما. ما جاء في عمار بن ياسر رضي الله عنهما. ما جاء في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. ما جاء في خالد بن الوليد رضي الله عنه. ما جاء في أبي هريرة رضي الله عنه. ما جاء في عبدالله بن عمر رضي الله عنهما. ما جاء في عبيدالله بن عمر رضي الله عنهما. ما جاء في عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. ما جاء في أنس بن مالك رضي الله عنه. ما جاء في أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه. ما جاء في عمرو بن العاص رضي الله عنه. ما جاء في المغيرة بن شعبة رضي الله عنه. ما جاء في عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما. ما جاء في أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. ما جاء في أبي ذر الغفاري رضي الله عنه. ما جاء في بلال بن رباح رضي الله عنه. ما جاء في المقداد بن الأسود رضي الله عنه. ما جاء في معاذ بن جبل رضي الله عنه. ما جاء في البراء بن عازب رضي الله عنه. ما جاء في حسان بن ثابت رضي الله عنه. ما جاء في صهيب الرومي رضي الله عنه. ما جاء في أم حبيبة رملة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما. ما جاء في أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما. ما جاء في محمد بن مسلمة رضي الله عنه. ما جاء في سمرة بن جندب رضي الله عنه. ما جاء في زيد بن الأرقم رضي الله عنه. ما جاء في زيد بن ثابت رضي الله عنه. ما جاء في حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. ما جاء في عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما. ما جاء في سالم مولى أبوحذيفة رضي الله عنهما. ما جاء في أسيد بن حضير رضي الله عنه. ما جاء في سعيد بن زيد رضي الله عنه. ما جاء في صحابة آخرين رضي الله عنهم. ما جاء في بني أمية. ما جاء في بني العباس. الخاتمة. أهم مصادر الكتاب. فهرس المحتويات.
الإهداء شر الأزمنة أن يتبجّح الجاهل، ويسكت العاقل، ولكنَّ القبة الجوفاء لا ترجع غير الصدى.. فإلى القباب غير الجوفاء.. ..أهدي هذا الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمد عبده ورسوله. أما بعد : فإن اصدق الحديث كتاب الله، واحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وبعد : فقد سألني بعض الأخوة أن أفي بما تعهدت به في بعض مصنفاتي من وضع كتاب شامل في بيان موقف الشيعة من الصحابة رضي الله عنهم، خصوصاً وأن جل المسائل المتعلقة بهم رضي الله عنهم قد صُنف فيها الكثير من الكتب والدراسات والبحوث كفضائلهم ورد الشبهات التي أثيرت حولهم وغيرهما. وهذا الأمر - وضع كتاب في موقف الشيعة من الصحابة رضي الله عنهم - عسيراً بقدر ما هو يسير. عسيراً لتعذر حصر جميع روايات الشيعة وأقوالهم من جميع مصنفاتهم، ويسيراً لعدم خلو كتاب من كتبهم منها. ثم أن هذا الأمر رغم تطرق البعض له بإيجاز، إلا أن مصنف مستقل شامل سيكون ضرورياً لسد ثغرة كبيرة في هذا الباب. والذي يزيد من أهمية هذا الأمر هو إنكار متأخري الشيعة في مصنفاتهم ومحاضراتهم وفضائياتهم وغيرها، لهذه العقيدة بعد أن بدأت معالمها تتضح لسائر المسلمين مما سبب لهم الكثير من الحرج كما حصل في سائر عقائدهم التي وقف الناس عليها، كالقول بتحريف القرآن والغلو. فلجأ القوم بسببها إلى التقية، التي ظهرت في أبهى صورها. كيف لا وهم يرون أنهم على دين من كتمه عز، ومن أظهره ذل. كما نسبوا إلى الصادق رحمه الله أنه قال : إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله([1]). وقوله بزعمهم : إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له([2]). حتى وضعوا على لسانه أنه رحمه الله قال : ما عبد الله بشيء أحب إليه من الخبء. قيل : وما الخبء؟ قال : التقية([3]). والروايات في الباب كثيرة ([4]). فإذا عرفت هذا، فلا بأس من ذكر بعض هذه التطبيقات مما يناسب موضوع كتابنا. يقول أحدهم وهو السيد محمد باقر الحجة الطباطبائي الحائري : فلا نسب عمراً كلا ولا عثمان والذي تَولَّ أولاً ومن تولى سبهم فاسق حُكْمٌ به قضى الإمام الصادقُ([5]). ويقول آخر : إن من نَسَب إليهم ذلك فهو إما أن يكون خصماً سيء النية، وإما لم يطلع على مذهب الشيعة إلا من خلال كتب خصومها، ولم يتمكن من الاطلاع على كتب أصحاب المذهب([6]). وثالث يقول : تفنن المفرقون بالافتراءات عليهم - أي الشيعة - فلم يتركوا وسيلة من وسائل الإيذاء إلا اقترفوها، كما أن المفرقين وجدوا في اتفاق الإسمين : عمر بن الخطاب - الخليفة العظيم - وعمر بن سعد بن أبي وقاص - قاتل الإمام الشهيد مولانا وسيدنا الإمام الحسين - ميدانا واسعا، يتسابقون فيه في تشويه الحقيقة والدس على الشيعة بأحط أنواع الدس. وكان طبيعيا أن يكون لعنة اللعنات، عمر بن سعد، لأنه بطل الجريمة، وقائد جيش اللئام الجبناء، ومن من المسلمين، لا يلعن عمر بن سعد - قاتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن أولئك المفرقين الآثمين قد استغلوا كلمة "عمر"، وقالوا : إن الشيعة تنال من خليفة النبي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإني في الوقت الذي أثور فيه على الدساسين التجار، أصحاب الغابات والمصالح الرخيصة، لا أنكر وجود أفراد بالأمس من سواد الشيعة وبسطائهم، لا يفرقون بين هذين الإسمين، بل لا يعرفون أن في دنيا التاريخ الإسلامي عمرين تقيا أو شقيا([7]). ورابع يقول : الشيعة يوالون أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة الدين وجاهدوا بأنفسهم وأموالهم. واتهام الشيعة بسب الصحابة وتكفيرهم أجمع هو اتهام بالباطل، ورجم بالغيب وخضوع للعصبية، وتسليم للنزعة الطائفية، وجري وراء الأوهام والأباطيل([8]). ويقول أسد حيدر : إن فكرة اتهام الشيعة بسب الصحابة وتكفيرهم كونتها السياسة الغاشمة، وتعاهد تركيزها مرتزقة باعوا ضمائرهم بثمن بخس، وتمرغوا على أعتاب الظلمة يتقربون إليهم بذم الشيعة([9]). ثم تسائل : أين هذه الأمة التي تكفر جميع الصحابة وتتبرأ منهم؟([10]). ويقول العاملي : لا نسوغ لأحد أن يسبهما (يعني الشيخين) ولا أن يتحامل على مقامهما، ولا أفتينا لأحد بجواز سبهما، فلهما عندنا من المقام ما يقتضي الإجلال والاحترام، وإننا نحرص كل الحرص على تدعيم قواعد المودة والألفة بين المسلمين([11]). ورد آخر وهو شرف الدين الموسوي "صاحب المراجعات" على جار الله الذي قال : أن كتب الشيعة تكفر عامة الصحابة. قال : إن من وقف على رأينا في الصحابة علم أنه أوسط الآراء إذ لم نفرط فيه تفريط الغلاة الذين كفروهم جميعا، ولا أفرطنا إفراط الجمهور الذين وثقوهم أجمعين، فإن الكاملية ومن كان في الغلو على شاكلتهم، قالوا : بكفر الصحابة كافة ([12]). وقال : نعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، ومن كل معتد أثيم، ونبرأ إليه تعالى من تكفير المؤمنين، والسلف الصالح من المسلمين، لعل الرجل رأى في كتب الشيعة سننا لم يفقهها، وحديثا متشابها لم يعرف مرماه، فاضطره الجهل إلى هذا الإرجاف([13]). وقال في موضع آخر رداً عليه : قال : وللشيعة في تكفير الأول والثاني صراحة شديدة ومجازفات طاغية، إلى آخر إرجافه. وزعم أن لهم في لعنهما عبارات ثقيلة شنيعة، إلى آخر عدوانه. فأقول : ليس هذا الرجل أول من رمى الشيعة بهاتين المسألتين، ولا نحن أول من ناقش في ذلك، وقد أكل الدهر على هذه الأمور وشرب، فالتحريش بمثل هذه المسائل ليس إلا إيقاظا للفتنة الراقدة، وإيقادا للحرب الخامدة([14]). وهذا آخر ينكر نيل الشيعة من الصحابة، ويستدل بما جاء في الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين رحمه الله، ثم يعقب قائلاً : هذه المناجاة جاءت في الصحيفة السجادية التي تعظمها الشيعة وتقدس كل حرف منها، وهي رد مفحم لمن قال : إن الشيعة ينالون من مقام الصحابة([15]). وقال في موضع آخر : دأب بعض المأجورين والجاهلين على إثارة الفتن والنعرات بين المسلمين لتشتيت وحدتهم وتفريق كلمتهم، دأبوا على ذلك عن طريق الدس والافتراء على الشيعة الإمامية، وذلك بأن نسبوا إليهم النيل من مقام الصحابة، وتأليه علي، والقول بتحريف القرآن الذي يهتز له العرش. وما إلى ذلك من الكذب والبهتان([16]). ويضيف آخر : ألا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من رمى الصحابة بشيء هم بريئون منه([17]). ويقول : من الشبه التي يتحامل بها بعض علماء العامة على الشيعة هو القول بارتداد كافة الصحابة إلا نفر يسير، مع أنه لا يوجد قائل بهذا القول بين علماء الشيعة([18]). ويقول : كثيراً ما يتهم الشيعة الإمامية - أيدهم الله ونصرهم على من عاداهم - بسب الصحابة، وهذا على عمومه ليس بصحيح([19]). ويقول آخر : والشيعة الإمامية ليس بينهم وبين الصحابة أي عداء، فهم لا يكنون لهم إلا كل إحترام وتقدير، فإنه لا شك في عظيم قدرهم ومنزلتهم، وكفاهم فخراً أنهم حازوا هذه المرتبة العظيمة([20]). وقال في كتاب آخر له : لا شك ولا ريب أنه ليس بين الشيعة والصحابة أي عداء، وذلك لأنهم بلا إشكال من المسلمين، وليس منطبقاً عليهم أي عنوان يوجب العداء لهم، فإن ميزان العداء والمحبة عند الشيعة هو معاداة من عادى الله ورسوله، ومحبة من أحب الله ورسوله، كيف وقد مدح الله في فرقانه العظيم فئات ممن صحب الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بأبلغ المدح، فلا يمكن أن يتوهم أحد أن الشيعة تعاديهم، وإنما الشيعة تطعن وتعادي من طعن الله فيه وذمه منهم([21]). وهذا آية الله العظمي العلامة السبحاني يقول لما سئل عن دعاء صنمي قريش "الذي ستقف على شهرته" : أنا شيعي، وقد ناهزت من العمر ثلاثة وسبعين عاماً، وألفت ما يفوق المائة كتاب، فلم أجد تلك الكلمة في كتاب، وإنما سمعتها من شيخ سعودي كان ينسبها إلى الشيعة([22]). ويقول محمد علي الطباطبائي : الإمامية لا يكفرون الصحابة قاطبة ومن نسب إليهم أنهم يقولون بذلك فهو كاذب وما إدعاه حديث خرافة. وهو كذب محض وإدعاء بغير دليل كسائر الإفتراءات التي سطروها في كتبهم وألصقوها بالشيعة وليس منبع ذلك إلا العصبية الممقوته والضغائن الخبيثة في صدور من صنف في عقائد الفرق الإسلامية كما ان كتبة العصر من اهل السنة يرجعون في معرفة الشيعة وعقائدهم إلى كتب الغربيين الذين لهم الأغراض الكثيرة والإشتباهات الغريبة في كتبهم مع أن في نقل عقائد كل فرقة ومذهب وإثبات آرائهم لا بد من الرجوع إلى الكتب المعتمدة عندهم وإلى المصادر المعتبرة لديهم لا الرجوع إلى الأعداء وخصماء الإسلام وكتب الإمامية اليوم منتشرة في الأقطار والبلاد ولا بدلكل باحث منقب والذي يمشي وراء الحقائق وفي ضوء الدليل من الرجوع إليها والنقل منها وإلا لا قيمة لنقلياته أصلاً ([23]). وقال مرتضى العسكري : ترى مدرسة أهل البيت عليهم السلام تبعاً للقرآن الكريم : أنّ في الصحابة مؤمنين أثنى عليهم الله في القرآن الكريم وقال في بيعة الشجرة مثلا : لَقَدْ رَضِيَ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح : 18]([24]). وذكر جعفر علم الهدى أن السبّ والشتم سلاح العاجز الذي ليس له حجّة وبرهان، ودليل قاطع، وقد قال أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام : أكره لكم أن تكونوا سبّابين. أمّا الصحابة : فقد كان عددهم كثير لا يمكن احصاؤه. وقد قيل : إنّهم كانوا أكثر من مائة ألف صحابي، والشيعة تحترم وتعظّم وتقدّس كلّ صحابي آمن بالله ورسوله، وعمل صالحاً، ولم يبدلّ، ولم يغيّر، ولم ينحرف بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم. وترى الشيعة أنّ لهؤلاء الصحابة حقّ العظيم على المسلمين ؛ إذ لولاهم لم يقم الدين الحنيف، ولم تصل إلينا معالمه ومعارفه وأحكامه([25]). وهذا آخر وهو الشيخ حسن النمر يقول : هذه المسألة مما يشنع به على الشيعة دون وازع من ضمير ولا موضوعية علمية، ولا معرفة بخلفيات المسائل وجذورها. وأضاف : الشيعة بحمد الله يتحلون بأدب رفيع يعرفه القاصي والداني، وليس من أدبهم ولا أدبياتهم السباب الذي هو استعمال الكلمات البذيئة والنابية في حق الأشخاص العاديين، فضلا عن جيل الصحابة الذين هم أفضل جيل بشري حظي بتربية خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالواجب احترام الإنسان وإكرامه، فكيف إذا كان صحابيا. وعلى أي حال، لا يسعنا حصر أقوالهم في هذا الباب، فكل ما مر وعشرات غيرها إنما هو كما ذكرنا تطبيق عملي للتقية. يقول المجلسي مثلاً بعد أن أورد الكثير من روايات المدح في المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم أجمعين : وينبغي أن تعلم أن هذه الفضائل إنما هي لمن كان مؤمناً منهم، لا للمنافقين كغاصبي الخلافة وأضرابهم وأتباعهم، ولمن ثبت منهم على الإيمان واتباع الأئمة الراشدين، لا للناكثين الذين ارتدوا عن الدين([26]). وقال آخرون : إن روايات الأئمة - المادحة للصحابة وعلى رأسهم الشيخان رضي الله عنهم أجمعين - إنما جاءت على سبيل التقية([27]). لذا فليس بالمستغرب أن نرى هؤلاء ينكرون الطعن في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقيةً كما مر، بينما يطعنون فيهم في مواضع أخرى من كتبهم. فهذا مغنية الذي مر بك قوله نراه يطعن في عمر وعثمان وعائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين كما سيمر بك. وكذا فعل الرفاعي([28]). وحسين الخراساني الذي قال في كتاب أهداه إلى دار التقريب بأن تجويز الشيعة لعن الشيخين أبي بكر وعمر وأتباعهما، فإنما فعلوا ذلك أسوة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقتفاءً لأثره([29]). وقول متزعم آخر للوحدة بين الشيعة والسنة في رده على القول بأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما من أهل بيعة الرضوان : لو أنه قال : لقد رضي الله عن الذين يبايعونك تحت الشجرة لكان في الآية دلالة على الرضى عن كل من بايع، ولكن لما قال : (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةً [الفتح : 18])، فلا دلالة فيها إلا على الرضى عمن محض الإيمان([30]). وغيرهم كثير ستقف على أقوالهم في طيات هذا الكتاب. وهذا هو حقيقة موقف الشيعة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ثم اعلم أن التصريح بالطعن في الشيخين وسائر الصحابة رضي الله عنهم علناً خلاف منهج الشيعة. فعندما كان الشيخ الكركي مثلاً في الدولة الصفوية أيام السلطان طهماسب لا يركب ولا يمضي إلى موضع إلا والسباب يمشي في ركابه مجاهراً بلعن الشيخين ومن على طريقتهما، استنكر عليه بعض علماء مذهبه سلوكه هذا. يقول يوسف البحراني : إن ما نقل عن الشيخ المذكور - أي الكركي - من ترك التقية والمجاهرة بسب الشيخين خلاف ما استفاضت به الأخبار عن الأئمة الأبرار عليه السلام، وهي غفلة من شيخنا المشار إليه إن ثبت النقل المذكور([31]). وقال آخر : إن فعل الشيخ من ترك التقية والمجاهرة بالسب لعله كان واجباً أو مندوباً في زمانه، والتقية لازمة مع الخوف، وهو غير منظور في حقه، مع كمال السلطنة والاستيلاء، خصوصاً مع إطاعة سلطان الزمان له بلا شبهة، ووجود الضرر على الساكنين في الحرمين على فرض التسليم للزوم إخفاء المذهب في تلك البلاد وأمثالها لا يوجب التزام من كان في غيرها من بلاد الشيعة على التقية، وهي حكم مخالف للأصل لا نعلم شمول أدلتها للمقام، كيف ومن الجائز عدم اطلاعه على الأذى بالنسبة إلى ساكنيها؟!([32]). أما الكركي نفسه فكان يبرر هذا حيث قال : من كان منهم عدوا لأهل البيت عليهم السلام، فلا حرج في ذكر معايبهم وقبائحهم، والقدوح في أنسابهم وأعراضهم بما هو صحيح مطابق للواقع تصريحا وتعريضا، كما وقع من أمير المؤمنين عليه السلام، وما صدر من أبي محمد الحسن صلوات الله عليه في مجلس معاوية لعنه الله في ذكره لمعايبه ومعايب عمرو بن العاص والوليد بن المغيرة وأمثالهم عليهم أجمعين من اللعن ما لا يحصى إلى يوم الدين. ولا حرج في تكرار ذلك والاكثار منه في المجالس لتنفير الناس منهم، وتطهير قلوب الخلق من الاعتقاد فيهم، والموالاة لهم بحيث يبرؤون منهم. وكذا لعنهم والطعن فيهم على مرور الأوقات مع مجانبة الكذب. ومن تأمل كلام سيدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في نهج البلاغة وجده مشحونا بذلك([33]). وكذلك فعل المحسني رداً على المجلسي الذي وضح وبين المقصود من المصطلحات والرموز التي يستخدمها الشيعة في طعنهم في الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم حيث قال : لم يمسك المؤلف رحمه الله قلمه عن السب، والتفسيق، والتكفير، والطعن في جملة من أجزاء بحاره بالنسبة إلى قادة المخالفين، والله يعلم أنها كم أضرَّت بالطائفة نفساً وعرضاً ومالاً، على أنه هو الذي نقل الروايات الدالة على وجوب التقية وحرمة إفشاء الأسرار، وأصرَّ على التصريح بمرجع ضمائر التثنية في الروايات مع أن عوام المؤمنين يعرفونه فضلاً عن خواصهم فأي فائدة في هذا التفسير سوى إشعال نار الغضب والغيض والانتقام ؟ ولا أظنه قادراً على بيان جواب معقول على سلوكه هذا([34]) أقول : أن الجهر بسائر المعتقدات خلاف ما عليه القوم، ويدخل في هذا ما كان يحدّث به الأئمة أصحابهم من بعض الأحكام الشرعية التي كانت تخالف آراء الفقهاء الذين كانت تسندهم السلطة. فقد روى القوم عن الصادق أنه قال : ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطأ، ولكن قتل عمد([35]). وعنه أيضاً أنه قال : من استفتح نهاره بإذاعة سرنا سلط الله عليه حر الحديد وضيق المحابس([36]). وعن معلى بن خنيس قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا معلى! اكتم أمرنا ولا تذعه؛ فإنه من كتم أمرنا ولم يذعه أعزه الله في الدنيا، وجعل له نوراً بين عينيه في الآخرة يقوده إلى الجنة، يا معلى! من أذاع حديثنا وأمرنا ولم يكتمه أذله الله به في الدنيا، ونزع النور من بين عينيه في الآخرة، وجعل له ظلمة تقوده إلى النار، يا معلى! إن التقية ديني ودين آبائي، ولا دين لمن لا تقية له، يا معلى! إن الله يحب أن يعبد في السر كما يجب أن يعبد في العلانية، يا معلى! إن المذيع لأمرنا كالجاحد به([37]). وفي وصية الصادق عليه السلام لأبي جعفر محمد بن النعمان الأحول : يا ابن النعمان إنى لأُحدِّث الرجل منكم بحديث فيتحدث به عنى فأستحل بذلك لعنته والبراءة منه، فإنَّ أبى كان يقول : وأي شئ أقر للعين من التقية؟! إن التقية جنة المؤمن، ولولا التقية ما عبد الله ([38]). وعن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك. فيقال له : هذا سهمك من دم فلان، فيقول : يا رب! إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول : بلى، سمعت من فلان رواية كذا وكذا، فرويتها عليه فنقلت حتى صار إلى فلان الجبار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه([39]). والكلام في الباب يطول، وقد يخرجنا عن خطة الكتاب الذي رأينا جعله مقتصراً على روايات الشيعة وأقوال علمائهم المترتبة عليها فحسب. وقسمناه إلى فصول تبدأ بذكر مطاعن الشيعة في آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم الصحابة كمجموع ثم فرادى رضي الله عنهم أجمعين. وبدأنا كل فصل بالروايات المنسوبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم الأئمة رحمهم الله، وإنتهينا بذكر أقوال علماء الشيعة في الصحابة، ولم نراعي التسلسل الموضوعي في سردها، وإنما الترتيب الزمني لتواريخ وفياتهم، ولعل هذا يفيد في معرفة تطور هذه العقيدة عند الشيعة عبر الزمن وما إذا كانت مقتصرة على المتقدمين، أو سائر علمائهم إلى يوم الدين. ولم نأخذ في الإعتبار صحة الروايات، لذا لم نراعي الأخذ بصيغ التضعيف والتمريض وغيرهما عند نقلنا لها. إذ لا نظن أن من سلمت فطرته يعتقد بصحة نسبة أمثال هذه الروايات للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أصحابة أو الأئمة رضي الله عنهم أجمعين. وكذلك أكثرنا "دون حصرها" من ذكر مصادر الرواية الواحدة لبيان شيوع هذه العقيدة عندهم وتبنيها من قبل علمائهم والإحتجاج بها من المتقدمين والمتأخرين. ولم نتعرض أيضاً لنقد هذه العقيدة، حيث ان ذلك قد تطرق له الكثير من العلماء. وذكرنا نحن جانباً من ذلك في بعض مصنفاتنا. ونسأل الله أن يوفقنا لما فيه الخير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
فيصل نور 2011 م -1432 هـ
ما جاء في أهل البيت رضي الله عنهم
النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من تمتع مرة كانت درجته كدرجة الحسين، ومن تمتع مرتين فدرجته كدرجة الحسن، ومن تمتع ثلاث مرات كانت درجته كدرجة علي بن أبي طالب، ومن تمتع أربع مرات فدرجته كدرجتي([40]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي لا تجامع امرأتك من قيام فان ذلك من فعل الحمير وان قضى بينكما ولد يكون بوالا في الفراش كالحمير البوالة في كل مكان([41]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ابتنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منازله ومنازل أصحابه حول المسجد، وخط لأصحابه خططا، فبنوا فيها منازلهم، وكل شرع منه بابا إلى المسجد، وخط لحمزة وشرع بابه إلى المسجد، وخط لعلي بن أبي طالب عليه السلام مثل ما خط لهم، وكانوا يخرجون من منازلهم فيدخلون المسجد، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فقال : (يا محمد إن الله يأمرك أن تأمر كل من كان له باب إلى المسجد يسده، ولا يكون لأحد باب إلى المسجد إلا لك ولعلي، ويحل لعلي فيه ما يحل لك). فغضب أصحابه وغضب حمزة وقال : أنا عمه يأمر بسد بابي ويترك باب ابن أخي وهو أصغر مني، فجاءه فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا عم لا تغضبن من سد بابك وترك باب علي، فوالله ما أنا أمرت بذلك ولكن الله أمر بسد أبوابكم وترك باب علي([42]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إنتهى علي عليه السلام إلى الباب فدقه دقا خفيفا له، عرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دقه وأنكرته أم سلمة، فقال يا أم سلمة : قومي فافتحي له الباب فقالت : يا رسول الله من هذا الذي يبلغ من خطره، ان أقوم له فافتح له الباب وقد نزل فينا بالأمس ما قد نزل من قول الله عز وجل : (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ [الأحزاب : 53]) فمن هذا الذي بلغ من خطره ان استقبله بمحاسني ومعاصمي، قال : فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كهيئة المغضب : من يطع الرسول فقد أطاع الله. قومي فافتحي له الباب : فإن بالباب رجلا ليس بالخرق ولا بالنزق ولا بالعجول في أمره، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله([43]). علي عليه السلام : أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعنده أبو بكر وعمر، فجلست بينه وبين عائشة، فقالت لي عائشة : ما وجدت إلا فخذي أو فخذ رسول الله. وفي رواية : ما وجدت لاستك مكانا غير فخذي أمط عني. وفي أخرى : ما كان لك مجلس غير فخذي. وفي أخرى : ما وجدت يا بن أبي طالب مقعدا إلا فخذي ؟. وفي أخرى : ما وجدت لاستك مجلسا غير فخذي أو فخذ رسول الله ؟، وفي أخرى : ما وجدت لاستك موضعا غير حجري ؟([44]) . علي عليه السلام : سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك قبل أن يأمر نسائه بالحجاب وأنا أخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس له خادم غيري. وكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحاف ليس له لحاف غيره ومعه عائشة، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينام بيني وبين عائشة ليس علينا ثلاثة لحاف غيره. وإذا قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي حط بيده اللحاف من وسطه بيني وبين عائشة ليمس اللحاف الفراش الذي تحتنا ويقوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيصلي([45]) . علي عليه السلام : حمل فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيدي ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزله فذكرهم حقه ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا. فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم معهم سلاحهم ليبايعوا على الموت. فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة. فقلت لسلمان : من الأربعة ؟ فقال : أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام. ثم أتاهم علي عليه السلام من الليلة المقبلة فناشدهم، فقالوا : (نصبحك بكرة) فما منهم أحد أتاه غيرنا. ثم أتاهم الليلة الثالثة فما أتاه غيرنا، فلما رآى غدرهم وقلة وفائهم له لزم بيته وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه([46]). علي عليه السلام : وقد استعمل على البصرة عبد الله بن عباس، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة ولحق بمكة وترك علياً عليه السلام، فكان مبلغه ألفي ألف درهم، فصعد على المنبر حين بلغه فبكى فقال : هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه في علمه وقدره يفعل مثل هذا فكيف يؤمن من كان دونه، اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول([47]). علي عليه السلام : يا سلمان أئت منزل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنها إليك مشتاقة تريد أن تتحفك بتحفة قد أتحفت بها من الجنة، قلت لعلي عليه السلام، قد أتحفت فاطمة عليها السلام بشئ من الجنة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال : نعم بالأمس. قال سلمان الفارسي : فهرولت إلى منزل فاطمة عليها السلام بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإذا هي جالسة وعليها قطعة عباء إذا خمرت رأسها انجلى ساقها وإذا غطت ساقها انكشف رأسها، فلما نظرت إلي اعتجرت ثم قالت : يا سلمان جفوتني بعد وفاة أبي صلى الله عليه وآله وسلم قلت : حبيبتي أأجفاكم ؟([48]). علي عليه السلام : في كتاب له لعبد الله بن العباس : أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي وجعلتك شعاري وبطانتي ولم يكن في أهلي رجل أوثق منك في نفسي لمواساتي وموازرتي وأداء الأمانة إلي فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب والعدو قد حرب وأمانة الناس قد خزيت وهذه الأمة قد فتكت وشغرت قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين وخذلته مع الخاذلين وخنته مع الخائنين فلا ابن عمك آسيت ولا الأمانة أديت وكأنك لم تكن الله تريد بجهادك وكأنك لم تكن على بينة من ربك وكأنك إنما كنت تكيد هذه الأمة عن دنياهم وتنوي غرتهم عن فيئهم فلما أمكنتك الشدة في خيانة الأمة أسرعت الكرة وعاجلت الوثبة فاختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لأراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الأزل دامية المعزى الكسيرة فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثم من أخذه كأنك لا أبا لغيرك حدرت على أهلك تراثك من أبيك وأمك. فسبحان الله أما تؤمن بالمعاد ؟ أما ما تخاف من نقاش الحساب ؟ أيها المعدود كان عندنا من ذوي الألباب كيف تسيغ شرابا وطعاما وأنت تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما ؟ وتبتاع الإماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الأموال وأحرز بهم هذه البلاد. فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لأعذرن إلى الله فيك ولأضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار. ووالله لو أن الحسن والحسين فعلا مثل فعلك الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما وأزيح الباطل عن مظلمتهما. وأقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذته من أموالهم حلال لي أتركه ميراثا لمن بعدي. فضح رويدا فكأنك قد بلغت المدى ودفنت تحت الثرى وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة ويتمنى المضيع الرجعة فيه ولات حين مناص. فرد عليه عبد الله بن عباس : أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة ولعمري إن حقي في بيت المال لأكثر مما أخذت والسلام. فكتب إليه علي عليه السلام : أما بعد فإن من العجب أن تزين لك نفسك أن لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل من المسلمين فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل وادعاؤك ما لا يكون ينجيك من المأثم ويحل لك المحرم إنك لانت المهتدي السعيد إذا. وقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا تشتري بها مولدات مكة والمدينة والطائف تختارهن على عينك وتعطي فيهن مال غيرك. فارجع هداك الله إلى رشدك وتب إلى الله ربك واخرج إلى المسلمين من أموالهم فعما قليل تفارق من ألفت وتترك ما جمعت وتغيب في صدع من الأرض غير موسد ولا ممهد قد فارقت الأحباب وسكنت التراب وواجهت الحساب غنيا عما خلفت فقيرا إلى ما قدمت والسلام. فكتب إليه عبد الله بن عباس أما بعد قد فإنك أكثرت علي ووالله لان ألقى الله قد احتويت على كنوز الأرض كلها من ذهبها وعقيانها ولجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرء مسلم والسلام([49]). علي عليه السلام : اللهم العن ابني فلان - يعني عبدالله بن عباس وعبيدالله بن عباس -، وأعمم أبصارهما، كما عميت قلوبهما الأجلين في رقبتي واجعل عمى أبصارهما دليلا على عمى قلوبهما([50]). علي عليه السلام : لم يكن معي أحد من أهل بيتي أصول به ولا أقوى به إما حمزة فقتل يوم أحد وأما جعفر فقتل يوم مؤتة وبقيت بين جلفين جافين ذليلين حقيرين العباس وعقيل([51]) - وفي رواية عن الباقر عليه السلام : وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالاسلام : عباس وعقيل([52]). وفي رواية قال علي عليه السلام : لو كان لي حمزة وجعفر حيين ما سلمت هذا الأمر أبدا ولا قعد أبو بكر على أعوادها، ولكني ابتليت بجلفين حافيين : عقيل والعباس([53]). علي عليه السلام : انا دابة الأرض([54]). وفي رواية عن الباقر عليه السلام : اي شئ يقول الناس في هذه الآية (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [النمل : 82]) فقال هو أمير المؤمنين عليه السلام([55]). وفي رواية عن الصادق عليه السلام : انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد وقد جمع رملا ووضع رأسه عليه، فحركه برجله ثم قال له : قم يا دابة الأرض، فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفيسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم ؟ فقال : لا والله ما هو إلا له خاصة وهي الدابة التي ذكرها الله في كتابه : (وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ [النمل : 82])([56]). علي عليه السلام : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه، فكان رأسه في حجري والعباس يذب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأغمي عليه إغماءة ثم فتح عينيه، فقال : يا عباس يا عم رسول الله، اقبل وصيتي واضمن ديني وعداتي. فقال : يا رسول الله، أنت أجود من الريح المرسلة، وليس في مالي وفاء لدينك وعداتك. فقال النبي عليه السلام ذلك ثلاثا يعيده عليه والعباس في كل ذلك يجيبه بما قال أول مرة. فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لأقولنها لمن يقبلها، ولا يقول يا عباس مثل مقالتك. قال : فقال : يا علي، اقبل وصيتي، واضمن ديني وعداتي. قال : فخنقتني العبرة، وارتج جسدي، ونظرت إلى رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذهب ويجئ في حجري، فقطرت دموعي على وجهه، ولم أقدر أن أجيبه، ثم ثنى فقال : يا علي، اقبل وصيتي واضمن ديني وعداتي. قال. قلت : نعم بأبي وأمي. قال : أجلسني، فأجلسته، فكان ظهره في صدري، فقال : يا علي، أنت أخي في الدنيا والآخرة، ووصيي وخليفتي في أهلي. ثم قال : يا بلال، هلم سيفي ودرعي وبغلتي وسرجها ولجامها ومنطقتي التي أشدها على درعي، فجاء بلال بهذه الأشياء، فوقف بالبغلة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : قم يا علي فاقبض. قال : فقمت وقام العباس فجلس مكاني.. فقال : يا عباس قم من مكان علي. فقال. تقيم الشيخ وتجلس الغلام ! فأعادها عليه ثلاث مرات، فقام العباس فنهض مغضبا وجلست مكاني، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا عباس، يا عم رسول الله، لا أخرج من الدنيا وأنا ساخط عليك، فيدخلك سخطي عليك النار، فرجع فجلس([57]). فاطمة عليها السلام : لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد ان يزوجها من علي أسر إليها، فقالت يا رسول الله أنت أولى بما ترى غير أن نساء قريش تحدثني عنه انه رجل دحداح البطن طويل الذراعين ضخم الكراديس انزع عظيم العينين لمنكبيه مشاشا كمشاش البعير ضاحك السن لا مال له([58]). فاطمة عليها السلام : وقد دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد تزويجها من علي عليه السلام وهي تبكي، فقال لها : ما يبكيك فوالله لو كان في أهلي خير منه ما زوجتك وما أنا أزوجه ولكن الله زوجك([59]). فاطمة عليها السلام : لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : زوجتني بالمهر الخسيس؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما أنا زوجتك، ولكن الله زوجك من السماء([60]). فاطمة عليها السلام : لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث انه قال لبريدة : قم يا بريدة نعود فاطمة، فلما أن دخلنا عليها وأبصرت أباها دمعت عيناها، قال : ما يبكيك يا بنتي ؟ قالت : قلة الطعم وكثرة الهم وشدة القسم، قال لها : أما والله ما عند الله خير لك مما ترغبين إليه، يا فاطمة أما ترضين أن زوجتك خير أمتي أقدمهم سلما وأكثرهم علما وأفضلهم حلما ؟([61]). فاطمة عليها السلام : لما انصرفت من عند أبي بكر فأقبلت على أمير المؤمنين عليه السلام فقالت له : يا بن أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل هذا ابن أبي قحافة قد ابتزني نحلة أبي وبلغة ابني والله لقد اجهد في ظلامتي وألد في خصامي حتى منعتني القيلة نصرها والمهاجرة وصلها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا مانع ولا دافع خرجت والله كاظمة وعدت راغمة ولا خيار لي ليتني مت قبل ذلتي وتوفيت دون منيتي عذيري والله فيك حاميا ومنك داعيا وبلاى في كل شارق مات العمد ووهن العضد شكواي إلى ربي وعدواي إلى أبي اللهم انت أشد قوة([62]). الحسن عليه السلام : لعبد الله بن علي : لعنك الله من كافر. وقد عجز المجلسي عن توجيه هذه المسألة وقال : وأما ما تضمن من قول الحسن عليه السلام لعبد الله بن علي فيشكل توجيهه، لأنه كان من السعداء الذين استشهدوا مع الحسين صلوات الله عليه على ما ذكره المفيد وغيره، والقول بأنه عليه السلام علم أنه لو بقي بعد ذلك ولم يستشهد لكفر بعيد([63]). زين العابدين عليه السلام : لابن العباس : "فأما أنت يا بن عباس ففيمن نزلت هذه الآية (لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ [الحج : 13)] في أبي أوفى أبيك، ثم قال : أما والله لولا ما تعلم لأعلمتك عاقبة أمرك ما هو وستعلمه.... ولو أذن لي في القول لقلت ما لو سمع عامة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه"([64]). زين العابدين عليه السلام : وقد بعث إليه إبن عباس من يسأله عن هذه الآية : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران : 200]). فغضب علي بن الحسين عليه السلام، وقال للسائل : وددت أن الذي أمرك بهذا واجهني به، ثم قال : نزلت في أبي وفينا، ولم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد وسيكون ذلك ذرية من نسلنا المرابط، ثم قال : أما إن في صلبه - يعني ابن عباس - وديعة ذرئت لنار جهنم، سيخرجون أقواما من دين الله أفواجا، وستصبغ الأرض بدماء فراخ من فراخ آل محمد عليهم السلام، تنهض تلك الفراخ في غير وقت، وتطلب غير مدرك، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون ويصابرون حتى يحكم الله، وهو خير الحاكمين([65]). الباقر عليه السلام : وقد ذكروا عنده ما أحدث الناس بعد نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، واستذلالهم أمير المؤمنين عليه السلام فقال رجل من القوم : أصلحك الله فأين كان عز بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبوجعفر عليه السلام : ومن كان بقي من بني هاشم إنما كان جعفر وحمزة فمضيا وبقي معه رجلان ضعيفان ذليلان حديثا عهد بالإسلام عباس وعقيل"([66]). الباقر عليه السلام : وقد سأله زرارة عن الجد..... - فأعطاه صحيفة فقال : - فنظرت فيها فإذا فيها خلاف ما بأيدي الناس من الصلة والامر بالمعروف الذي ليس فيه اختلاف وإذا عامته كذلك فقرأته حتى أتيت على آخره بخبث نفس وقلة تحفظ وسقام رأي وقلت : وأنا أقرؤه ؟ باطل حتى أتيت على آخره ثم أدرجتها ودفعتها إليه فلما أصبحت لقيت أبا جعفر عليه السلام فقال لي : أقرأت صحيفة الفرائض ؟ فقلت : نعم، فقال : كيف رأيت ما قرأت ؟ قال : قلت : باطل ليس بشئ هو خلاف ما الناس عليه قال : فإن الذي رأيت والله يا زرارة هو الحق، الذي رأيت إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام([67]). الباقر عليه السلام : أتى رجل أبي عليه السلام فقال : ان فلانا يعنى عبد الله بن العباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفيم نزلت. قال : فسله فيمن نزلت : (وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الإسراء : 72]) وفيم نزلت : وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ [هود : 34]) وفيم نزلت : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران : 200]). فأتاه الرجل وقال : وددت الذي أمرك بهذا واجهني به فأسائله، ولكن سله ما العرش ومتى خلق وكيف هو ؟ فانصرف الرجل إلى أبي فقال له ما قال، فقال : وهل أجابك في الآيات ؟ قال : لا. قال : ولكني أجيبك فيها بنور وعلم غير المدعى والمنتحل، أما الأوليان فنزلتا في أبيه، وأما الأخيرة فنزلت في أبي وفينا([68]). الباقر عليه السلام : إن يزيد بن معاوية دخل المدينة وهو يريد الحج فبعث إلى رجل من قريش فأتاه فقال له يزيد : أتقر لي أنك عبد لي، إن شئت بعتك وإن شئت استرقيتك فقال له الرجل : والله يا يزيد ما أنت بأكرم مني في قريش حسبا ولا كان أبوك أفضل من أبي في الجاهلية والاسلام وما أنت بأفضل مني في الدين ولا بخير مني فكيف أقر لك بما سألت ؟ فقال له يزيد : إن لم تقر لي والله قتلتك، فقال له الرجل : ليس قتلك إياي بأعظم من قتلك الحسين بن علي عليهما السلام ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر به فقتل. ثم أرسل إلى علي بن الحسين عليهما السلام فقال له : مثل مقالته للقرشي فقال له علي بن الحسين عليهما السلام : أرأيت إن لم أقر لك أليس تقتلني كما قتلت الرجل بالأمس ؟ فقال له يزيد لعنه الله : بلى فقال له علي بن الحسين عليهما السلام : قد أقررت لك بما سألت أنا عبد مكره فإن شئت فأمسك وإن شئت فبع([69]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً [الأحزاب : 36]) وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب على زيد بن حارثة زينب بنت جحش وهي بنت عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم،... فزوجها إياه فمكثت عند زيد ما شاء الله، ثم إنهما تشاجرا في شئ إلى رسول الله فنظر إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعجبته([70]). الباقر عليه السلام : خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر إلى ظهر المدينة على جبل عاري الجسم فمر بالنساء فوقف عليهن([71]). الباقر عليه السلام : يا جابر ألك حمار يسير بك فيبلغ بك من المشرق إلى المغرب في يوم واحد ؟ فقلت : جعلت فداك يا أبا جعفر وأني لي هذا ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام : ذاك أمير المؤمنين ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علي عليه السلام : والله لتبلغن الأسباب والله لتركبن السحاب([72]). الباقر عليه السلام : بينا أمير المؤمنين عليه السلام جالس في المسجد الكوفة وقد احتبا بسيفه والقى ترسه خلف ظهره إذ اتته امرأة تستعدي على زوجها فقضى للزوج عليها فغضبت فقال والله ما هو كما قضيت والله وما تقضى بالسوية ولا تعدل في الرعية ولا قضيتنا عند الله بالمرضية قال فغضب أمير المؤمنين فنظر إليها مليا ثم قال كذبت يا جرية يا بذية يا سلسع يا سلفع يا التي لا تحيض مثل النساء قال فولت هاربة وهي تقول ويلي ويلي لقد هتكت يا ابن أبي طالب سترا كان مستورا. وفي رواية عن الصادق عليه السلام : جاءت امرأة شنيعة إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو على المنبر وقد قتل أباها وأخاها فقالت هذا قاتل الا حبه فنظر إليها فقال لها يا سلفع يا جرية يا بذية يا التي لا تحيض كما تحيض النساء يا التي على هنها شئ بين مدلى قال فمضت([73]). الباقر عليه السلام : قال سفيان بن ليلى للحسن عليه السلام : السلام عليك يا مذل المؤمنين.. عمدت إلى أمر الأمة فحللته من عنقك وقلدته هذه الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله. - وفي رواية - ومسود الوجوه - وفي أخرى - سودت وجوه المؤمنين - وفي أخرى - يا مسود وجوه المؤمنين([74]). الباقر عليه السلام : إذا ولد ابني جعفر بن - محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فسموه الصادق، فإن للخامس من ولده ولدا اسمه جعفر يدعي الإمامة اجتراء على الله وكذبا عليه فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله عز وجل، والمدعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه والحاسد لأخيه، ذلك الذي يروم كشف ستر الله عند غيبة ولي الله عز وجل، ثم بكي علي بن الحسين عليهما السلام بكاء شديدا، ثم قال : كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيب في حفظ الله والتوكيل بحرم أبيه جهلا منه بولادته، وحرصا منه على قتله إن ظفر به، وطمعا في ميراثه حتى يأخذه بغير حقه. قال إبن شهر آشوب : وجعفر الكذاب هو المعروف بزق الخمر([75]). الباقر عليه السلام : وقد طلب من زرارة أن يقرأ صحيفة الفرائض وكان رجلا عالما بالفرائض والوصايا، بصيرا بها، حاسبا لها، فنظر فيها فإذا فيها خلاف ما بأيدي الناس من الصلة والامر بالمعروف الذي ليس فيه اختلاف وإذا عامته كذلك قال : فقرأته حتى أتيت على آخره بخبث نفس وقلة تحفظ وسقام رأي وقلت : وأنا أقرؤه ؟ باطل حتى أتيت على آخره ثم أدرجتها ودفعتها إليه فلما أصبحت لقيت أبا جعفر عليه السلام فقال لي : أقرأت صحيفة الفرائض ؟ فقلت : نعم، فقال : كيف رأيت ما قرأت ؟ قال : قلت : باطل ليس بشئ هو خلاف ما الناس عليه قال : فإن الذي رأيت والله يا زرارة هو الحق، الذي رأيت إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام بيده فأتاني الشيطان فوسوس في صدري فقال : وما يدريه أنه إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخط علي عليه السلام بيده([76]). الباقر عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قبض صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة : علي (لم يذكر الحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم)، والمقداد، وسلمان، وأبو ذر، فقلت : فعمار ؟ فقال : إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شئ فهؤلاء الثلاثة([77]). الصادق عليه السلام : أبطأ زيداً يوما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتى صلى الله عليه وآله وسلم منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النور وتبارك الله أحسن الخالقين ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا، وجاء زيد إلى منزله فأخبرته زينب بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها زيد : هل لك ان أطلقك حتى يتزوجك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلعلك قد وقعت في قلبه ؟ فقالت : أخشى أن تطلقني ولا يتزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله أخبرتني زينب بكذا وكذا فهل لك ان أطلقها حتى تتزوجها ؟ فقال رسول الله : لا، اذهب فاتق الله وامسك عليك زوجك([78]). الصادق عليه السلام : لما مات عبد الله بن أبي بن سلول حضر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جنازته فقال عمر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا رسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره ؟ فسكت، فقال : يا رسول الله ألم ينهك الله أن تقوم على قبره ؟ فقال له : ويلك وما يدريك ما قلت إني قلت : " اللهم احش جوفه نارا واملا قبره نارا وأصله نارا " قال أبو عبد الله عليه السلام : فأبدا من رسول الله ما كان يكره([79]). الصادق عليه السلام : أن رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي صلوات الله عليهما يمشي معه فلقيه عليه السلام : أين تذهب يا فلان ؟ قال : فقال له مولاه : أفر من جنازة هذا المنافق أن أصلي عليها، فقال له الحسين عليه السلام : انظر أن تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله، فلما أن كبر عليه وليه قال الحسين عليه السلام : " الله أكبر اللهم العن فلانا عبدك ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك وأصله حر نارك وأذقه أشد عذابك فإنه كان يتولى أعداءك ويعادي أوليائك، ويبغض أهل بيت نبيك صلى الله عليه وآله وسلم " ([80]). الصادق عليه السلام : أمير المؤمنين عليه السلام أن أول شئ من الدواب توفي عفير ساعة قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطع خطامه ثم مر يركض حتى أتى بئر بني خطمة بقباء فرمى بنفسه فيها فكانت قبره. وروي أن أمير المؤمنين عليه السلام : إن ذلك الحمار كلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : بأبي أنت وأمي إن أبي حدثني، عن أبيه، عن جده، عن أبيه أنه كان مع نوح في السفينة فقام إليه نوح فمسح على كفله ثم قال : يخرج من صلب هذا الحمار حمار يركبه سيد النبيين وخاتمهم، فالحمد لله الذي جعلني ذلك الحمار([81]). الصادق عليه السلام : في تزويج أم كلثوم قال : إن ذلك فرج غصبناه([82]). الصادق عليه السلام : كان صلى الله عليه وآله وسلم لا ينام حتى يقبل عرض وجه فاطمة ويضع وجهه بين ثديي فاطمة ويدعو لها، وفي رواية : حتى يقبل عرض وجنة فاطمة أو بين ثدييها([83]). الصادق عليه السلام : وقد سئل : جعلت فداك من أين جاء لولد الحسين الفضل على ولد الحسن وهما يجريان في شرع واحد فقال لا أريكم تأخذون به، ان جبرئيل عليه السلامنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما ولد الحسين بعد فقال له يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك فقال يا جبرئيل لا حاجة لي فيه فخاطبه ثلاثا ثم دعا عليا فقال له ان جبرئيل عليه السلام يخبرني عن الله عز وجل انه يولد لك غلام تقتله أمتك من بعدك فقال لا حاجة لي فيه يا رسول الله فخاطب عليا عليه السلام ثلاثا ثم قال إنه يكون فيه وفي ولده الإمامة والوراثة والخزانة، فأرسل إلى فاطمة عليها السلام ان الله يبشرك بغلام تقتله أمتي من بعدي فقالت فاطمة ليس لي حاجة فيه يا أبة فخاطبها ثلاثا ثم أرسل إليها لابد أن يكون فيه الإمامة والوراثة والخزانة فقالت له رضيت عن الله عز وجل فعلقت وحملت بالحسين فحملت ستة أشهر ثم وضعته ولم يعش مولود قط لستة أشهر غير الحسين بن علي وعيسى بن مريم عليهما السلام فكفلته أم سلمة وكان رسول الله يأتيه في كل يوم فيضع لسانه في فم الحسين عليه السلام فيمصه حتى يروى فأنبت الله تعالى لحمه من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يرضع من فاطمة عليها السلام. وفي رواية، لما علقت فاطمة عليها السلام، قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا فاطمة، إن الله عز وجل قد وهب لك غلاما اسمه الحسين، تقتله أمتي. قالت، فلا حاجة لي فيه. قال، إن الله عز وجل قد وعدني فيه أن يجعل الأئمة عليهم السلام من ولده. قالت، قد رضيت يا رسول الله. وفي أخرى، دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فاطمة عليهما السلام فقال لها، ان جبرئيل عليه السلام أتاني فبشرني بغلام تقتله أمتي من بعدي، فقالت، لا حاجة لي فيه، فقال لها، ان ربي جاعل الوصية في عقبه، فقالت، نعم اذن([84]) . الصادق عليه السلام : في قول الله عز وجل : (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة : 26]) ان هذا المثل ضربه الله لأمير المؤمنين عليه السلام فالبعوضة أمير المؤمنين عليه السلام وما فوقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم([85]). الصادق عليه السلام : لما ولد النبي صلى الله عليه وآله مكث أياما ليس له لبن، فألقاه أبو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه أياما حتى وقع أبو طالب على حليمة السعدية فدفعه إليها([86]) . الصادق عليه السلام : أبطأ زيد يوما فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله منزله يسأل عنه فإذا زينب جالسة وسط حجرتها تسحق طيبا بفهر فنظر إليها وكانت جميلة حسنة فقال سبحان الله خالق النور وتبارك الله أحسن الخالقين ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزله ووقعت زينب في قلبه موقعا عجيبا([87]) . الصادق عليه السلام : رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة فأعجبته فدخل على أم سلمة وكان يومها فأصاب منها وخرج إلى الناس ورأسه يقطر، فقال : أيها الناس إنما النظر من الشيطان فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله([88]) . الصادق عليه السلام : إن جبريل نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : يا محمد إن الله يبشرك بمولود يولد من فاطمة تقتله أمتك من بعدك، فقال : يا جبريل، وعلى ربي السلام، لا حاجة لي بمولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي، فعرج ثم هبط فقال مثل ذلك، فقال : يا جبريل، وعلى ربي السلام، لا حاجة لي تقتله أمتي من بعدي، فعرج جبريل إلى السماء ثم هبط فقال : يا محمد إن ربط يقرئك السلام ويبشرك بأنه جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فقال : إني قد رضيت، ثم أرسل إلى فاطمة أن الله يبشرني بمولود يولد لك تقتله أمتي من بعدي، فأرسلت إليه أن لا حاجة لي بمولود تقتله أمتك من بعدك فأرسل إليها أن الله عز وجل جعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية، فأرسلت إليه أني قد رضيت، فحملته كرها ووضعته كرها. - وفي رواية - قال الصادق عليه السلام : هل رأيتم في الدنيا اما تلد غلاما فتكرهه، ولكنها كرهته لأنها علمت أنه سيقتل.. ولم يرضع الحسين من فاطمة عليها السلام ولا من أنثى، كان يؤتى بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فيضع إبهامه في فيه فيمص منها ما يكفيه اليومين والثلاثة([89]). الصادق عليه السلام : بينا أبي جالس وعنده نفر إذا استضحك حتى اغرورقت عيناه دموعا ثم قال : هل تدرون ما أضحكني ؟ قال : فقالوا : لا، قال زعم ابن عباس أنه من (الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا). فقلت له : هل رأيت الملائكة يا ابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة، مع الامن من الخوف والحزن، قال فقال إن الله تبارك وتعالى يقول : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات : 10]) وقد دخل في هذا جميع الأمة، فاستضحكت... إلى أن قال : إن جحدتها بعدما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأدخلك الله النار كما أعمى بصرك يوم جحدتها علي بن أبي طالب قال : فلذلك عمي بصري، قال : وما علمك بذلك فوالله إن عمي بصري إلا من صفقة جناح الملك. قال : فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله ([90]). الصادق عليه السلام : بينما حمزة بن عبد المطلب عليه السلام وأصحاب له على شراب لهم يقال له السكركة قال : فتذاكروا الشريف فقال لهم حمزة : كيف لنا به ؟ فقالوا : هذه ناقة أبن أخيك على، فخرج إليها فنحرها ثم أخذ كبدها وسنامها فأدخل عليهم، قال : واقبل على فأبصر ناقته فدخله من ذلك، فقالوا له : عمك حمزة صنع هذا، قال : فذهب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فشكى ذلك إليه، قال : فأقبل معه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقيل لحمزة : هذا رسول الله بالباب قال : فخرج حمزة وهو مغضب فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغضب في وجهه انصرف، قال : فقال له حمزة : لو أراد ابن أبي طالب أن يقودك بزمام ما فعل، فدخل حمزة منزله وانصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال : وكان قبل أحد قال : فأنزل الله تحريم الخمر فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بآنيتهم فاكفيت، قال : فنودي في الناس بالخروج إلى أحد فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخرج الناس وخرج حمزة فوقف ناحية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : فلما تصافوا حمل حمزة في الناس حتى غيب فيهم ثم رجع إلى موقفه، فقال له الناس : الله الله يا عم رسول الله أن تذهب وفى نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليك شئ، قال : ثم حمل الثانية حتى غيب في الناس ثم رجع إلى موقفه فقالوا له : الله الله يا عم رسول الله ان تذهب وفى نفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليك شئ، فأقبل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رآه مقبلا نحوه أقبل إليه فعانقه وقبل رسول الله ما بين عينيه، قال : ثم حمل على الناس فاستشهد حمزة رحمه الله، فكفنه رسول الله صلى اله عليه واله في نمرة([91]) الصادق عليه السلام : اتى عمر بن الخطاب بامرأة قد تعلقت برجل من الأنصار وكانت تهواه ولم تقدر له على حيلة فذهبت فأخذت بيضة فأخرجت منها الصفرة وصبت البياض على ثيابها بين فخذيها، ثم جاءت إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين إن هذا الرجل أخذني في موضع كذا وكذا ففضحني قال : فهم عمر أن يعاقب الأنصاري فجعل الأنصاري يحلف وأمير المؤمنين عليه السلام جالس ويقول : يا أمير المؤمنين تثبت في أمري، فلما أكثر الفتى قال عمر لأمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا الحسن ما ترى فنظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى بياض على ثوب المرأة وبين فخذيها ([92]). الصادق عليه السلام : كان نقش خاتم أبي : العزة لله جميعا، وكان في يساره يستنجي بها، وكان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام : الملك لله، وكان في يده اليسرى يستنجي بها - وفي رواية - قال : كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العزة لله جميعا وكان في يساره يستنجي بها([93]). الصادق عليه السلام : في قول الله :(أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ [المائدة : 1]) قال البهيمة هيهنا الولي والانعام المؤمنون([94]). الصادق عليه السلام : إن عندي الجفر الأبيض، قال : قلت : فأي شئ فيه ؟ قال : زبور داود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وصحف إبراهيم عليهم السلام والحلال والحرام، ومصحف فاطمة، ما أزعم أن فيه قرآنا، وفيه ما يحتاج الناس إلينا ولا نحتاج إلى أحد حتى فيه الجلدة، ونصف الجلدة، وربع الجلدة وأرش الخدش. وعندي الجفر الأحمر، قال الروي ابن أبي العلاء : وأي شئ في الجفر الأحمر ؟ قال : السلاح وذلك إنما يفتح للدم يفتحه صاحب السيف للقتل، فقال له عبد الله ابن أبي يعفور : أصلحك الله أيعرف هذا بنو الحسن ؟ فقال : إي والله كما يعرفون الليل أنه ليل والنهار أنه نهار ولكنهم يحملهم الحسد وطلب الدنيا على الجحود والانكار، ولو طلبوا الحق بالحق لكان خيرا لهم([95]). الصادق عليه السلام : ليس منا أحد إلا وله عدو من أهل بيته، فقيل له : بنو الحسن لا يعرفون لمن الحق ؟ قال : بلى ولكن يحملهم الحسد([96]). الصادق عليه السلام : عن ابن أبي يعفور، قال : لقيت أنا ومعلى بن خنيس الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب عليهما السلام فقال : يا يهودي، فأخبرنا بما قال جعفر بن محمد عليه السلام فقال : هو والله أولى باليهودية منكما، إن اليهودي من شرب الخمر([97]). الصادق عليه السلام : لو توفي الحسن ابن الحسن بالزنا والربا وشرب الخمر كان خيرا مما توفي عليه([98]). الرضا عليه السلام : ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قصد دار زيد بن حارثه بن شراحيل الكلبي في أمر اراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها : سبحان الذي خلقك ! وإنما أراد بذلك تنزيه الباري عز وجل عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله.. فقال النبي : لما رآها تغتسل : سبحان الذي خلقك ان يتخذ له ولدا يحتاج إلى هذا التطهير والاغتسال فلما عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله لها : سبحان الذي خلقك ! فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها ([99]). الحسن العسكري : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بنى مسجده بالمدينة وأشرع فيه بابه، وأشرع المهاجرون والأنصار أبوابهم أراد الله عز وجل إبانة محمد وآله الأفضلين بالفضيلة، فنزل جبرئيل عليه السلام عن الله تعالى بأن سدوا الأبواب عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن ينزل بكم العذاب. فأول من بعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمره بسد الأبواب العباس بن عبد المطلب فقال : سمعا وطاعة لله ولرسوله، وكان الرسول معاذ بن جبل. ثم مر العباس بفاطمة عليها السلام فرآها قاعدة على بابها، وقد أقعدت الحسن والحسين عليهما السلام، فقال لها : ما بالك قاعدة ؟ انظروا إليها كأنها لبوة بين يديها جرواها تظن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج عمه، ويدخل ابن عمه([100]). الحميري القمي (ت : 300 هـ) : أتي إلى الكاظم عليه السلام بصحفة فيها رطب فجعل يتناول بيساره فيأكل وهو متكئ على يمينه، فحدثت - أي الراوي - بهذا الحديث رجلا من أصحابنا قال : فقال لي : أنت رأيته يأكل بيساره ؟ قال : قلت : نعم([101]). محمد بن مسعود العياشي (ت : 320 هـ) : فلما قبض نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان الذي كان لما قد قضى من الاختلاف وعمد عمر فبايع أبا بكر ولم يدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد، فلما رأى ذلك علي صلى الله عليه وآله وسلم ورأي الناس قد بايعوا أبا بكر خشي أن يفتتن الناس ففرغ إلى كتاب الله وأخذ يجمعه في مصحف فأرسل أبو بكر إليه ان تعال فبايع فقال على : لا أخرج حتى اجمع القرآن، فأرسل إليه مرة أخرى فقال : لا اخرج حتى أفرغ فأرسل إليه الثالثة ابن عم له يقال قنفذ، فقامت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها تحول بينه وبين علي عليه السلام فضربها فانطلق قنفذ وليس معه علي عليه السلام فخشي أن يجمع على الناس فأمر بحطب فجعل حوالي بيته ثم انطلق عمر بنار فأراد أن يحرق على علي بيته وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فلما رأى على ذلك خرج فبايع كارها غير طائع ([102]). محمد بن يعقوب الكليني (ت : 328 هـ) : عن عبيد الله الدابقي قال : دخلت حماما بالمدينة فإذا شيخ كبير وهو قيم الحمام فقلت : يا شيخ لمن هذا الحمام ؟ فقال : لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام فقلت : كان يدخله ؟ قال : نعم، فقلت : كيف كان يصنع ؟ قال : كان يدخل فيبدء فيطلي عانته وما يليها ثم يلف على طرف إحليله ويدعوني فاطلي سائر بدنه، فقلت له يوما من الأيام : الذي تكره أن أراه قد رأيته، فقال : كلا إن النورة سترة([103]). محمد بن يعقوب الكليني (ت : 328 هـ) : عن زرارة أنه قال في أبي جعفرعليه السلام : شيخ لا علم له بالخصومة([104]). محمد بن يعقوب الكليني (ت : 328 هـ) : توفي مولى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخلف وارثا فخاصم فيه ولد العباس أبا عبد الله عليه السلام وكان هشام بن عبد الملك قد حج في تلك السنة فجلس لهم فقال داود بن علي : الولاء لنا وقال أبو عبد الله عليه السلام : بل الولاء لي فقال داود بن علي : إن أباك قاتل معاوية فقال : إن كان أبي قاتل معاوية فقد كان حظ أبيك فيه الأوفر، ثم فر بخيانته (إشارة إلى ما حكاه الكشي من أن أمير المؤمنين عليه السلام استعمل عبدالله بن العباس رضي الله عنهما على البصرة فحمل بيت المال وفر منها إلى الحجاز وكان مبلغه ألفي ألف درهم) وقال : والله لأطوقنك غدا طوق الحمامة، فقال له داود بن علي : كلامك هذا أهون علي من بعرة في وادي الأزرق([105]). محمد بن يعقوب الكليني (ت : 328 هـ) : أتت إمرأة مجح إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالت : ياأمير المؤمنين : أني زنيت فطهرني... فأمر أن يحفر لها حفرة ثم دفنها فيها ثم ركب بغلته وأثبت رجليه في غرز الركاب ثم وضع إصبعيه السبابتين في أذنيه ثم نادى بأعلى صوته ياأيها الناس إن الله تبارك وتعالى عهد إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم عهدا عهده محمد صلى الله عليه وآله وسلم إليَّ بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حدٌ فمن كان عليه حدٌ مثل ماعليها فلا يقيم عليها الحد، قال : فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين عليهما السلام فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يؤمئذ ما معهم غيرهم قال : وانصرف فيمن انصرف يومئذ محمد ابن أمير المؤمنين عليه السلام([106]). محمد بن يعقوب الكليني (ت : 328 هـ) : كان المتوكل يقول : ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا، أبى أن يشرب معي أو ينادمني أو أجد منه فرصة في هذا، فقالوا له : فإن لم تجد منه فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويتعشق ويتخالع... فقال الجواد لموسى : إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك، فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط، واتق الله يا أخي أن ترتكب محظورا. فقال له موسى : إنما دعاني لهذا، فما حيلتي ؟ قال : فلا تضع من قدرك، ولا تعصي ربك، ولا تفعل ما يشينك، فما غرضه إلا هتكك، فأبى عليه موسى، فكرر عليه أبو الحسن عليه السلام القول والوعظ، وهو مقيم على خلافه([107]). محمد بن يعقوب الكليني (ت : 328 هـ) : عن بن خاقان أنه سأل رجل أباه عن جعفر بن علي أخى الحسن العسكري؟ فقال : ومن جعفر فتسأل عن خبره ؟ أو يقرن بالحسن - العسكري - جعفر معلن الفسق فاجر ماجن شريب للخمور أقل من رأيته من الرجال وأهتكهم لنفسه، خفيف قليل في نفسه([108]). فرات بن إبراهيم الكوفي (ت : 352 هـ) : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج من الغار فأتى إلى منزل خديجة كئيبا حزينا، فقالت خديجة : يا رسول الله ما الذي أرى بك من الكأبة والحزن ما لم أره فيك منذ صحبتي ؟ قال : يحزنني غيبوبة علي قالت : يا رسول الله فرقت المسلمين في الآفاق وإنما بقي ثمان رجال، كان معك الليلة سبعة فتحزن لغيبوبة رجل ؟ فغضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم([109]). أبو الفرج الأصفهاني (ت : 356 هـ) : أيها الناس : لا يهولنكم ولا يعظمن عليكم ما صنع هذا الرجل الوله الورع أي الجبان إن هذا وأباه وأخاه لم يأتوا بيوم خير قط، إن أباه عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج يقاتله ببدر فأسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري فأتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ فداءه فقسمه بين المسلمين، وإن أخاه ولاه علي أمير المؤمنين على البصرة فسرق مال الله ومال المسلمين فاشترى به الجواري وزعم أن ذلك له حلال وإن هذا ولاه على اليمن فهرب من بسر بن أرطأة وترك ولده حتى قتلوا وصنع الآن هذا الذي صنع([110]). بابويه القمي الملقب بالصدوق (ت : 381 هـ) : هبط جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قباء أسود ومنطقة فيها خنجر، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا جبرئيل ما هذا الزي فقال : زي ولد عمك العباس يا محمد، ويل لولدك من ولد عمك العباس، فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى العباس فقال : يا عم ويل لولدي من ولدك، فقال : يا رسول الله أفأجب نفسي ؟ قال : جرى القلم بما فيه. وفي رواية : يا عم النبي، ألا أخبرك بما أخبرني به جبرئيل ؟ فقال : بلى، يا رسول الله. قال : قال لي جبرئيل : ويل لذريتك من ولد العباس. فقال : يا رسول الله، أفلا أجتنب النساء ؟ فقال له : قد فرغ الله مما هو كائن ([111]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : لما بايع الناس أبا بكر دخل علي عليه السلام والزبير والمقداد بيت فاطمة عليها السلام، وأبوا أن يخرجوا، فقال عمر بن الخطاب : اضرموا عليهم البيت نارا، فخرج الزبير ومعه سيفه، فقال أبو بكر : عليكم بالكلب، فقصدوا نحوه، فزلت قدمه وسقط إلى الأرض ووقع السيف من يده، فقال أبو بكر : اضربوا به الحجر، فضرب بسيفه الحجر حتى انكسر. وخرج علي ابن أبي طالب عليه السلام نحو العالية فلقيه ثابت بن قيس بن شماس، فقال : ما شأنك يا أبا الحسن ؟ فقال : أرادوا أن يحرقوا علي بيتي وأبو بكر على المنبر يبايع له ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره، فقال له ثابت : ولا تفارق كفي يدك حتى أقتل دونك، فانطلقا جميعا حتى عادا إلى المدينة وإذا فاطمة عليها السلام واقفة على بابها، وقد خلت دارها من أحد من القوم وهي تقول : لا عهد لي بقوم أسوا محضرا منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا وصنعتم بنا ما صنعتم ولم تروا لنا حقا([112]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التشهد ؟ فقال : اشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد ان محمدا عبده ورسوله، قلت التحيات والصلوات ؟ قال التحيات والصلوات فلما خرجت قلت إن لقيته لأسألنه غدا فسألته من الغد عن التشهد، فقال كمثل ذلك قلت التحيات والصلوات ؟ قال التحيات والصلوات، قلت : ألقاه بعد يوم لأسألنه غدا فسألته عن التشهد : فقال كمثله، قلت التحيات والصلوات ؟ قال التحيات والصلوات فلما خرجت ضرطت في لحيته وقلت لا يفلح ابدا([113]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : عن شعيب : دخلت على أبي الحسن عليه السلام فقلت له : امرأة تزوجت ولها زوج قال. ترجم المرأة ولا شئ على الرجل، فلقيت أبا بصير فقلت له : إني سألت أبا الحسن عليه السلام عن المرأة التي تزوجت ولها زوج قال : ترجم المرأة ولا شئ على الرجل فمسح صدره وقال : ما أظن صاحبنا تناهى حكمه بعد([114]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : حنان بن سدير، قال : كنت جالسا عند الحسن بن الحسين، فجاء سعيد بن منصور وكان من رؤساء الزيدية، فقال : ما ترى في النبيذ فان زيدا كان يشربه عندنا ؟ قال : ما أصدق على زيد أنه يشرب مسكرا، قال : بلى قد شربه قال : فإن كان فعل فان زيدا ليس بنبي، ولا وصي نبي، انما هو رجل من آل محمد يخطي ويصيب([115]). محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي (ت : 525 هـ) : قدم عليه جعفر من الحبشة ومعه جارية فأهداها إلى علي عليه السلام فدخلت فاطمة فإذا رأس علي في حجر الجارية فلحقها من الغيرة ما يلحق المرأة على زوجها، فمضت إلى النبي تشكو عليا فنزل جبرئيل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا محمد الله يقرأ عليك السلام ويقول لك : هذه فاطمة أتتك تشكو عليا فلا تقبل منها. فلما دخلت فاطمة قال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ارجعي إلى بعلك فقولي له رغم أنفي لرضاك، فرجعت فقالت له ذلك فقال : يا فاطمة شكوتيني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واحياءاه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أشهدك يا فاطمة ان هذه الجارية حرة لوجه الله في مرضاتك، وكان مع علي عليه السلام خمسمائة درهم فقال : وهذه الخمس مائة درهم صدقة على فقراء المهاجرين والأنصار في مرضاتك. وفي رواية : دخلت فاطمة عليها السلام يوما فنظرت إلى رأس علي عليه السلام في حجر الجارية فقالت يا أبا الحسن فعلتها فقال لا والله يا بنت محمد ما فعلت شيئا فما الذي تريدين ؟ قالت تأذن لي في المصير إلى منزل أبى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها قد أذنت لك فتجلببت بجلبابها وتبرقعت ببرقعها وأرادت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهبط جبرئيل عليه السلام فقال يا محمد ان الله يقرءك السلام ويقول لك ان هذه فاطمة قد أقبلت إليك تشكو عليا فلا تقبل منها في علي شيئا..ألخ([116]). أحمد بن علي الطبرسي (ت : 548 هـ) : إنكم تعلمون أن النبي، أمر بسد أبواب جميع الناس التي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب علي عليه السلام، فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول الله فأبى عليه، وغضب عمه العباس من ذلك([117]). إبن شهرآشوب (ت : 588 هـ) : سافر صلى الله عليه وآله وسلم ومعه علي عليه السلام وعايشة فكان النبي ينام بينهما في لحاف([118]). إبن شهرآشوب (ت : 588 هـ) : فتر الوحي فجزع لذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم جزعا شديدا فقالت له خديجة : لقد قلاك([119]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : في روايات تزويج أم كلثوم بنت علي من عمر رضي الله عنه : هذات الخبران لا يدلان على وقوع تزويج أم كلثوم من الملعون المنافق ضرورة وتقية([120]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : بعد انكار عمر النصّ الجليّ وظهور نصبه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام , يشكل القول بجواز مناكحته من غير ضرورة ولا تقيّة , إلا أن يقال بجواز مناكحة كلّ مرتدّ عن الاسلام , ولم يقل به أحد من أصحابنا ([121]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : أنه يثبت من أحاديثنا أن عباسا لم يكن من المؤمنين الكاملين وأن عقيلا كان مثله في عدم كمال الإيمان([122]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : في قول الصادق عليه السلام : إن الله عز وجل خلق خلقا للايمان لا زوال له، وخلق خلقا للكفر لا زوال له، وخلق خلقا بين ذلك واستودع بعضهم الايمان، فإن يشأ أن يتمه لهم أتمه، وإن يشأ أن يسلبهم إياه سلبهم وكان فلان منهم معارا. قال : يحتمل أن يكون - وكان فلان منهم -كناية عن ابن عباس فإنه قد انحرف عن أمير المؤمنين عليه السلام وذهب بأموال البصرة إلى الحجاز، ووقع بينه عليه السلام وبينه مكاتبات تدل على شقاوته وارتداده. وقيل : فلان كناية عن عثمان، والضمير للخلفاء الثلاثة، والظرف حال عن فلان، ومعارا خبر كان، ولا يخفى بعده لفظا ومعنى، فإن الثلاثة كانوا كفرة لم يؤمنوا قط([123]). نعمة الله الجزائري (ت : 1112 هـ) : يحكى في سبب تحريم عمر لمتعة النساء أنه قد طلب أمير المؤمنين عليه السلام إلى منزله ليلة، فلما مضى من الليل جانب طلب منه أن ينام عنده فنام، فلما أصبح الصبح خرج عمر من داخل بيته معترضا على أمير المؤمنين عليه السلام بأنك قلت إنه لا ينبغي للمؤمن أن يبيت ليلة عزبا إذا كان في بلد، وها أنت هذه الليلة بت عزبا، فقال أمير المؤمنين عليه السلام وما يدريك أنني بت عزبا ؟ وأنا هذه الليلة قد تمتعت بأختك فلانة فأسرّها في قلبه حتى تمكن من التحريم فحرمها([124]). ياسر الحبيب (معاصر) : إن عقيلاً والعباس مذمومان لأنهما لم ينصرا آل النبوة عليهم السلام كما فعل الحواريون المخلصون كسلمان وأبي ذر والمقداد، ولذا قال فيهما أمير المؤمنين عليه السلام : ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين، ثم درتُ على أهل بدر وأهل السابقة فأنشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصرتي، فما أجابني منهم إلا أربعة رهط : سلمان وعمار والمقداد وأبو ذر، وذهب من كنتُ أعتضد بهم على دين الله من أهل بيتي، وبقيتُ بين خفيرتين قريبي العهد بجاهلية، عقيل والعباس. وقال عليه السلام أيضاً : والله لو كان حمزة وجعفر حيّيْن ما طمع فيها أبو بكر، ولكن ابتليتُ بجلفين، عقيل والعباس. وغيرها من أحاديث. ومن أعظم ما نصر به سلمان وعمار والمقداد وأبو ذر عليهم الرضوان تصدّيهم لأبي بكر وعمر لعنة الله عليهما في المسجد واحتجاجهم عليهما، ومبايعتهما أمير المؤمنين عليه السلام على الجهاد وقتال القوم ثأراً للزهراء عليها السلام وهذا ما لم يفعله عقيل ولا العباس. ولولا أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يأذن لهم بالقتال لأشهروا سيوفهم، غير أنه لم يأذن لأن شرط القتال كان تحقق العدة التي قوامها أربعون رجلاً، ولم يتوفر هذا العدد([125]). ياسر الحبيب (معاصر) : يميل الشيخ إلى أنهما - العبا س وعقيل - مذمومان. ونحن الشيعة لا نعبد الرجال، فلا يضيرنا أن يكون العباس وعقيل مذمومين منحرفين، كما لا يضيرنا أن يكون ابن نبي - هو نوح عليه السلام - مذموماً، مثلاً، كما لا يؤذينا أن يكون أحد الأجلاء الصلحاء كمحمد بن أبي بكر رضوان الله عليه ابناً لطاغية هو أبو بكر لعنه الله. فنحن نحكم على سيرة الشخص إذا كانت حسنة فنحن نحترمها وإذا لم تكن فنحن لا نحترمها([126]). ياسر الحبيب (معاصر) : وقد سئل : ماهو موقفنا من زوجات الرسول صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم التالية اسماؤهن : 1 - زينب بنت خزيمه. 2 - زينب بنت جحش. 3 - سوده بنت زمعه. 4 - جويريه بنت الحارث. 5 - صفيه بنت حيي بن اخطب. فأجاب : لم يمدحهن الأئمة عليهم السلام، ولم يكن لهن دور في نصرة أهل البيت عليهم السلام والوقف معهم في محنتهم بعد مضي رسول الله الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم([127]). ياسر الحبيب (معاصر) : وقد سأله أحدهم : ذكرتم في أحد أجوبتكم مانصه وأما (تفسير ابن عباس لآية الخيانة فغير ملزم، سيما وأن الرجل من المنحرفين عن أهل البيت عليهمالسلام والمتأكلين بهم وسرقته لبيت مال البصرة مشهورة وذمّ أمير المؤمنين صلوات الله عليه له ظاهر، وهو لم ينسب قوله هذا إلى معصوم حتى يؤخذ به أو يُلتفت إليه. فهل المقصود بـابن(عباس) هو عبدالله بن عباس؟ فإذا كان هو فما الدليل على خيانته؟ فأجاب : نعم إن المقصود من كلامنا هو عبد الله بن عباس نفسه لا أخوه عبيد الله، والتحقيق الدقيق يؤكد ما ذهبنا إليه من أنه من المنحرفين عن أهل البيت صلوات الله عليهم والمتأكّلين بهم، أي ممن يرغب أن يجعل من أهل البيت جسرا لبلوغ أمانيه الدنيوية ليس إلا. وتنقيح الكلام في شأنه يكون إن شاء الله تعالى ببيان أمور هي : أنه مذموم في الروايات ومنعوت بالخائن والخاسر والحائر والمدّعي والمنتحل وغير ذلك... أن ابن عباس ادّعى منزلة فوق منزلته وطمع أن يكون إماما يستغني الناس بعلمه دون الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم، وهو ليس سوى مدّعٍ زاعم، ومنتحل لولاية أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وخائن خاسر أو حائر. وقد ناقش بعض الرجاليين في سند هذه الرواية، وضعّفوها من جهة بعض الرواة أملا في إسقاطها، والحال أن بعض من ضعّفوه - كإبراهيم بن عمر اليماني - موثق عند آخرين كالنجاشي وغيره. كما أن الرواية مروية بطرق مختلفة تنتهي إلى الباقر صلوات الله عليه، وليس في رواتها مذموم، بل مجهول أو مسكوت عنه أو ضعيف، وتعدد الأسناد يجبرها مع وجود النظائر، ويُطمأن إلى صدورها عن المعصوم عليه السلام، ولذا تجد المحقق الداماد يقول عنها : وبالجملة هذا الحديث الشريف طريقه صحيح على الأصح، ومسائله الغامضة من الحكمة منطوية في متنه... أن ابن عباس زعم أنه من المستقيمين والإمام الباقر صلوات الله عليه يثبت العكس، فيبيّن جهله ويصفه بسخافة العقل ويكشف أن ملكا من الملائكة أعماه يوم ردّ على المولى أمير المؤمنين صلوات الله عليه وأنكر نزول الأوامر الإلهية على أهل البيت في ليلة القدر بعد مضي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ينبئه الإمام بأنه هالك في النار، وسيهلك معه خلقا أيضا، ولهذا تجد العامة قد أخذوا منه كثيرا حتى أسموه (حبر الأمة) وتركوا أهل البيت صلوات الله عليهم، وكل من أخذ العلم من غير أهل البيت هلك. وههنا تمايز ينبغي أن تكون ملتفتا له، بين خط أهل البيت عليهم السلام وخط ابن عباس وأشباهه - كالحسن البصري - الذين طالما ادّعوا موالاة أهل البيت ليصعدوا في الأمة، غير أنك إذا تفحّصت ما جاءوا به وجدته مغايرا لتعاليم الأئمة صلوات الله عليهم ومتمايزا عنها، ومجرّد قبول العامة بهم كل هذا القبول وتقديسهم كل هذا التقديس يجعل ذا اللبّ والخبرة يرتاب في شأنهم، فإن المخالفين كانوا يبتعدون عن كل من ينتسب إلى أهل البيت صلوات الله عليهم ويتلقّى العلم منهم، ولهذا صنعوا لأنفسهم فقهاء بديلين، كان من أوائلهم ابن عباس وأمثاله، ومن أواخرهم أبو حنيفة وأضرابه. فتأمل. وقد ناقش بعض الرجاليين في سند هذه الرواية أيضا من جهة تضعيف الحسن بن العباس بن حريش مع أن الراوي ليس بمتّهم في شيء، ومع ذا نقول أنها مشمولة بالاعتبار لورودها في الكافي الشريف الذي هو عندنا الأصل في رواياته الصحة لمدحه وتوثيقه الإجمالي من إمام العصر صلوات الله عليه إلا أن يقوم الدليل القطعي القوي على طرح بعضها، ويبقى المطروح أيضا تحت إمكان التوجيه والحمل لردّ الاعتبار. وأما محاولة بعضهم إسقاط هذه الرواية من باب أن الباقر صلوات الله عليه لم يكن عمره آنذاك يتجاوز الحادية عشرة فكيف يتخاطب وابن عباس المسن ويجتمع إليه الناس والحال أنه لم يكن إلا صغير السن حينها وقبل إمامته؟ فأقول : إن المحاولة هذه واهية إذ كيف خفي على المحاول أن الأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام كان الناس يجتمعون إليهم والمسنّون يختلفون عليهم وهم في أقل من هذا السن كالجواد صلوات الله عليه في الثامنة؟! فالعمر بالنسبة إلى المعصومين لم يكن يوما من الأيام بحاجب الناس عنهم، بل الجميع كان يتعامل معهم على أنهم كبار بل عمالقة لا أطفال أو صبيان - معاذ الله - كما أن التاريخ حدّثنا عن اختلاف بعض الناس ومحاورات بعض الأئمة مع رموز المخالفين قبل امتلاكهم زمام الإمامة - كما وقع بين الكاظم عليه السلام وأبي حنيفة (لعنه الله) والكاظم كان حينها صغيرا أيضا وقد أبهره بعلمه - وعليه فلا يستبعد صدور هذا الحديث سيما وأنه من جنس ذلك الحديث إذ الغرض فيه تبيان علم الإمام - ولو كان صغيرا وقبل إمامته - في مقابل علم غير الإمام ولو كان كهلا أو شيخا مسنّا. كما أنه لا مانع من التحقيق في أشباه هذا الحديث فلعلّ الغلط وقع من النسّاخ وكان المقصود بلفظة (أبي) السجّاد لا الباقر صلوات الله عليهما. ومن هذا القبيل كثير في مصادرنا كما لا يخفى. ومما ورد في ذمّه ما رواه الكشي عن أمير المؤمنين عليه السلام : اللهم العن ابني فلان - أي العباس - وأعمِ أبصارهما، كما أعميت قلوبهما، الآجلين (الآكلين) في رقبتي واجعل عمى أبصارهما دليلا على عمى قلوبهما". غير أني لا أعتمد على هذا الحديث كثيرا إذ قد نسلّم بأن اللعنة تشمل عبد الله ابن عباس بعد حادثة سرقته لبيت مال البصرة وهروبه إلى الحجاز - كما سيأتي إن شاء الله - بيْد أنه كيف يمكن التسليم بلعنه عليه السلام لعبيد الله بن عباس وقد استعمله الحسن عليه السلام في ما بعد على الجيش ولم يكن قد صدر منه شيء بعد حال توليّه اليمن؟ ولو كان ملعونا على لسان الأمير علنا لما استعمله المجتبى أبدا، إلا أن يوجّه أحد الرواية بتوجيه آخر لم يصل إليه نظري القاصر. كما قد وردت روايات أخرى في ذمّه منها رواية (الجراد) التي يقول فيها الحسن صلوات الله عليه) لابن عباس : أما والله لولا ما نعلم لأعلمتك عاقبة أمرك ما هو، وستعلمه، ثم إنك بقولك هذا مستنقص في بدنك، ويكون الجرموز من ولدك، ولو أذن لي في القول لقلت ما لو سمع عامة هذا الخلق لجحدوه وأنكروه. والجرموز على الظاهر هو أحد طغاة بني العباس، وفي الجزء الأخير من الرواية ما يدلّ على تعاظم شعبيته في أوساط المخالفين حتى أنه لو قال الإمام الحسن صلوات الله عليه فيه القول الحق وعرّفهم حقيقته لجحدوا قوله وأنكروه. وفي هذا مزيد دلالة على أن الرجل إنما هو صاحبهم لا صاحبنا، وعلى هذا تدل السيرة ومجريات التاريخ. أما سرقته لبيت مال البصرة عندما كان واليا عليها بأمر أمير المؤمنين صلوات الله عليه وهروبه بالمال إلى الحجاز فشهير ومعروف، فقد نقل التاريخ لنا كتاب أمير المؤمنين صلوات الله عليه الذي عنّفه وتوعّده فيه بالعذاب العظيم من الله تعالى. وقد رُوي أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه عندما بلغته سرقته صعد المنبر وبكى وقال : هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في علمه وقدره يفعل مثل هذا! فكيف يؤمن من كان دونه؟! اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول. وقد حاول بعضهم التشكيك في هذا الخبر من جهة أنه مروي عن طريق الشعبي المنحرف، غير أنّا نقول أن الخبر يُطمأن لصدوره لاشتهاره حتى أدرجه الشريف الرضي في النهج، وكونه واردا من طرق أهل الخلاف مع جلالة قدر ابن عباس عندهم يساعد على هذا الاطمئنان، والمحدّثون من أصحابنا لم يشككوا فيه لاشتهاره، ولذا تراهم عبّروا عن التوقّف فيه والحيرة ولم يقدروا على دفعه لأن من أوضح الواضحات أن الكتاب يفصح عن لسان أمير المؤمنين صلوات الله عليه لا لسان غيره. وحتى المحدّث الخبير الشيخ عباس القمي رحمه الله رغم أنه اعتبر ابن عبّاس من جملة أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام إلا أنه عبّر عن حيرته وتوقّفه في شأن سرقته لبيت مال البصرة، إذ قال : أما قصة حمله المال من بيت مال البصرة وذهابه إلى مكة، وكتابة أمير المؤمنين عليه السلام إليه بهذا الخصوص، وجوابه له، وبهذه العبارات الجسورة، فأمر حيّر المحقّقين. وقد حاول بعضهم أيضا ادعاء أن هذا الكتاب من الأمير عليه السلام إنما وجهه إلى عبيد الله بن عباس، لا عبد الله، وهو قول غير دقيق لأن عبيد الله إنما كان على اليمن واليا لا البصرة، كما أنه لو كان كذلك لما أمّره الحسن المجتبى صلوات الله عليه على الجيش كما أسلفنا إذ تكون جريمته ظاهرة.فهذه جملة من روايات ذمّه وإظهار فساده وانحرافه بل وارتداده وهلاكه. وتقابلها بضع روايات في مدحه، ولو سلّمنا بوقوع التعارض؛ فنقول : إن روايات مدحه كلها غير صحيحة، وقد أقرّ بذلك السيد الخوئي في المعجم رغم ميلانه إلى حفظ ابن عباس من الخدش والجرح، فقال : ونحن وإن لم نظفر برواية صحيحة مادحة، وجميع ما رأيناه من الروايات في إسنادها ضعف، إلا أن استفاضتها أغنتنا عن النظر في إسنادها، فمن المطمأن به صدور بعض هذه الروايات عن المعصومين إجمالا. وبازاء هذه الروايات روايات قادحة. ونحن إنما نتمسّك بالطائفة الأولى من الروايات حتى وإن لم تعدّ عندهم صحيحة سندا، ونغض النظر في أسنادها اعتمادا على ما قرّروه من الاطمئنان بصدورها إجمالا عن المعصومين بعد الاستفاضة، وهذا متحقق فيها. وأما ترجيحنا لها على الطائفة الثانية فمن واقع ملاحظة السيرة ومجريات التاريخ حيث لا نجد لابن عباس موقعا حقيقيا في التشيع بل نرى موقعه عند أهل الخلاف أعظم، وخدمته لابن الخطّاب لعنة الله عليه حتى كان مستشاره الأوّل تثير الريب أكثر، ولا يُقال أن ذلك كان كأمر سلمان عليه السلام في قبوله الاستعمال فإن الفرْق بيّنٌ بين المثاليْن، فسلمان كان مجازا من الأمير عليه السلام على الأظهر وقد خدم الإسلام لا ابن الخطاب، في حين أن ابن عباس لم يُجَز ونراه قد أضحى له خير ظهير ومعاون يخدمه ويمتدحه ويترحّم عليه. هذا ولا نجد له ذكرا في الدفاع عن الزهراء البتول صلوات الله عليها يوم أن تعرّضت للهجوم، وحتى إن قيل أنه كان يومذاك في مقتبل الفتوّة فكيف يُرجى منه مثل ذلك؟ فنقول : وما كان يمنعه أن يصنع كما صنع أسامة بن زيد وهو يقاربه في العمر؟ ولو أدرنا الوجه عن ذلك سألنا عن سبب كثرة رواياته عن طرق أهل الخلاف ومحدوديتها عن طرقنا، وهذا وحده كافٍ لتبيان موقعه وعلى أي الطرفين هو محسوب، إذ لو كان من رجال التشيّع حقا لطغت رواياته من طرقنا على التي من طرقهم، إلا أن الواقع يكشف عن أنه من رجالهم وأصحابهم، ويزيدك يقينا في هذا أن الروايات المادحة له عندنا والتي عرفت أنها ضعيفة، إنما هي واردة من طرقهم وفي مصادرهم، كزعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا له بالعلم ومعرفة التأويل وما أشبه ذلك، فكون هذه الروايات واردة من طرقهم وفي مصادرهم يكفي في طرحها مقابل روايات الذم الواردة من طرقنا وفي مصادرنا بملاك جلالة قدره عندهم، وذلك لما قُرر في محلّه في علم الرواية والدراية أن من مسوّغات الطرح وجود النظير في كتب أهل الخلاف فيكون الأمر مشمولا بقاعدة دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم كما ورد عن المعصوم عليه السلام. ويزيدك أنه لم يطلق عليه أحد من الأئمة صلوات الله عليه ألقابه المشتهرة عند أهل الخلاف كحبر الأمة أو ترجمان الوحي وما أشبه، بل ليس له أدنى مقام عندهم وبالمثال نفسه لاحظ أنه لم يرد إلينا خبر تردّده على الأئمة المعصومين كالحسن والحسين والسجّاد والباقر صلوات الله عليهم بالمستوى الذي نرى فيه جابرا يتردّد عليهم، وكلاهما كانا مكفوفيْن، فيما ابن عباس غائب عن ذلك كلّه وكأنه يرى نفسه أعظم شأنا من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين فيفسّر القرآن برأيه ويفتي بهواه ويدخل الأمة في مهالك الظنون؟! أما عن القول بأنه قد لازم أمير المؤمنين صلوات الله عليه وكان يختلف عليه طلبا للعلم، فلا شأن له بما نحن بصدده إذ إن جمعا عظيما كان يأخذ من الأمير ومن الأئمة صلوات الله عليهم ما ينفعهم وحتى الحسن البصري كان يأخذ ما يساعده على ترويج نفسه واكتساب الشهرة حتى وُصف على لسان الإمام عليه السلام بأنه سامريّ هذه الأمة، وحتى أبو حنيفة كان يصنع ذلك، فمن هم من هذا الصنف تراهم يخالطون أهل بيت الوحي عليهم السلام للاستفادة والتأكّل ليس إلا، وليكتسبوا شيئا من العلم يكون لهم زادا في باطلهم عندما يضيفون إليه آراءهم وظنونهم ويكيّفونه بأهوائهم. فمن هذه القرائن وغيرها مما يثبت أن الرجل إنما كان أقرب إليهم ولم نرَ في تاريخه انسجاما مع رجال التشيّع وأعلامه في التواصي والتواصل والمخالطة كما لمسناه في ما بينهم، وحيث قد بان لنا أنه في طريق يغاير الطريق العام لأهل البيت صلوات الله عليهم فإننا نرجّح روايات الذم ونجدها أقرب إلى العقل وتصديق الواقع. وعلى فرض التنزّل فإن التعارض وحده كاف لإعمال التساقط، فلا تكون له جلالة ويُتوقّف على الأقل في أمره. وعليك أن تكون نبيها في أن اشتباه بعض الأعلام في مدحه وتوثيقه وتجليله إنما جاء مما ورد من بعض مواقفه التي يُستشف منها نصرة أهل البيت عليهم السلام كموقفه مع عائشة عليها لعائن الله بعد حرب الجمل، وموقفه معها يوم جنازة الحسن عليه صلوات الله وبعض مواقفه مع معاوية لعنه الله وما أشبه، لكنك إذ عرفت أنه من المتأكّلين فليس بالوسع استبعاد أنه إنما صنعها تزلّفا لأهل البيت عليهم السلام حتى ينال منهم ما ينفعه في الدنيا وما يتزيّن به في أعين الناس. وحتى لو سلّمنا أن مواقفه تلك كانت صادقة فلا يبعد أن يكون حاله حال الزبير لعنه الله الذي ساءت عاقبته بعد الاستقامة وبعد أن كان "سيفا طالما كشف الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ورد. فإن قيل أن الأمير عليه السلام اختاره بدوا لمناظرة عمرو بن العاص عليهما اللعنة في التحكيم بعد صفّين وهو ما يشهد على جلالته ووثاقته؛ قلنا : إن ترتيب هذا على ذاك غير صحيح وإلا لكان اختيار الحسن صلوات الله عليه لعبيد الله بن عباس وتأميره إياه على الجيش شاهدا على جلالته ووثقاته، ولا يقول بهذا قائل. وإنما كان اختيار الأمير عليه السلام لابن عباس للمناظرة لما رآه فيه من فطنة وكياسة في كسر الخصم، والاستعانة بذوي الفطنة حتى وإن لم يكونوا من أهل الإيمان الخالص جائز من أجل تحقيق المصلحة الإسلامية العليا، ولذا استعان النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ببعضهم مع الإجماع على كونهم منافقين أو منحرفين. وابن عباس مشمول بحديث الارتداد الشهير الذي فيه أن الناس بعد استشهاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتدّوا وكفروا إلا ثلاثة ليس ابن عباس من بينهم. فعن أبي جعفر الباقر صلوات الله عليه) أنه قال : ارتدّ الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة نفر، المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي. ثم إن الناس عرفوا ولحقوا بعدُ. وملاحظة تاريخ الرجل في ما بعد توجب استبعاده عن المعرفة واللحوق، فإنما كان يلتصق بالسلطان لينال منه نصيبا من الدنيا، ولمّا أن عادت الخلافة إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه التصق به أيضا، حال حال الخوارج الذين عظّموا أبا بكر وعمر عليهما اللعنة ولما أصبحت السلطنة بيد علي صلوات الله عليه والوه ثم لما وجدوه يناقض تطلعاتهم عادوه. فهم ليسوا إلا متأكّلين. فإن قيل أن له مواقف وملاسنات مع عمر لعنه الله مما ينبئ عن اعتقاده بالولاية وإمامة أمير المؤمنين عليه السلام وأحقيّته بالخلافة؛ قلنا : إن عمر نفسه وفي نفس تلك المحاورات أو الملاسنات كان يعترف بحقّ الأمير ولا ينكره، بل وحتى أبو سفيان وأمثاله عليهم اللعنة فكيف يدفع الحق ابن عبّاس مع أنه ابن عمّه ومن أوائل المستفيدين من إثباته؟! وهذا الإقرار منه بمجرّده ليس كافيا لتعديله أو توثيقه أو مدح شأنه، فلطالما أقرّ أعداء أهل البيت عليهم السلام بحقّهم حتى كأمثال معاوية عليه لعائن الله. أضف إلى هذا أن العصبية الجاهلية كانت آنذاك سائدة لا تزال في المجتمع الإسلامي، فعندما يحين موعد الانتصار للقوم والعشيرة كان عرق التعصب ينبض، وإنما كان أمثال ابن عباس من بني هاشم يجرّونها إلى أنفسهم كما رفع بنو العباس أنفسهم في ما بعد شعار الولاية لآل محمد وآل علي صلوات الله عليهم وإنما كانوا يجرّونها إلى أنفسهم. والحصيلة أنه بملاحظة هذه السيرة وهذا التاريخ، وبالتمعّن في القرائن والشواهد، نستبعد تماما كونه من الأجلاء اعتمادا على روايات غير صحيحة ومنحولة وأصلها من طريق أهل الخلاف، ونأخذ بما صحّ معنى واستفاض رواية في ذمّه على لسان أهل بيت الوحي صلوات الله عليهم فيكون ابن عباس منحرفا وخائنا([128]). ياسر الحبيب (معاصر) : محمد بن الحنفية منحرف وسيء([129]). كنت قد رأيت أن أذكر نماذج من الروايات المنسوبة للأئمة رحمهم الله التي وردت من طرق الشيعة في كل باب والمتضمنة للطعن في آل البيت عليهم السلام مما يناسب موضوع الكتاب، ولكني وجدت أن ذلك سيضاعف حجم الكتاب، فعدلت عن ذلك، على أن أصنف في هذا كتاب مستقل إن كان في العمر بقية إن شاء الله، ولكن لا أرى بأساً من أن أنقل بعضاً منها مما جاء في فرع من فروع أحد الأبواب الفقهية وهو باب المتعة من أبواب النكاح، وعليه قس ما جاء في سائر أبواب العبادات والمعاملات والعقائد. وهذه النصوص كما سترى صريحة في الحث والترغيب في الإباحية الجنسية غير المقيدة والتي غُلّفت بإسم المتعة ونسبت إلى الآل وهم رضي الله عنهم منها براء. الباقر عليه السلام : سئل : عن قوله تعالى : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ).. الآية فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله تزوج بالحرة متعة فاطلع عليه بعض نسائه فاتهمته بالفاحشة فقال : أنه لي حلال أنه نكاح بأجل فاكتميه فاطلعت عليه بعض نسائه([130]) . الباقر عليه السلام : ان النبي صلى الله عليه وآله لما أسرى به إلى السماء قال : لحقني جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد ان الله تبارك وتعالى يقول : انى قد غفرت للمتمتعين من أمتك من النساء([131]) . الباقر عليه السلام : عن رجل من قريش قال : بعثت إلى ابنة عم لي كان لها مال كثير قد عرفت كثرة من يخطبني من الرجال فلم أزوجهم نفسي وما بعثت إليك رغبة في الرجال غير أنه بلغني أنه أحلها الله عز وجل في كتابه وبينها رسول الله صلى الله عليه وآله في سنته فحرمها زفر فأحببت أن أطيع الله عز وجل فوق عرشه وأطيع رسول الله صلى الله عليه وآله وأعصى زفر فتزوجني متعة فقلت لها حتى أدخل على أبي جعفر عليه السلام فأستشيره قال فدخلت عليه فخبرته فقال افعل صلى الله عليكما من زوج([132]) . الباقر عليه السلام : سئل : للمتمتع ثواب؟ قال : إن كان يريد بذلك الله عز وجل وخلافا على من أنكرها - وفي رواية : وخلافا لفلان - أي عمر - لم يكلمها كلمة إلا كتب الله له حسنة، وإذا دنا منها غفر الله له بذلك ذنبا، فإذا اغتسل غفر الله له بعدد ما مر الماء على شعره، قال : قلت : بعدد الشعر ؟ قال : نعم بعدد الشعر([133]) . الصادق عليه السلام : إني لأكره للرجل أن يموت وقد بقيت عليه خلة من خلال رسول الله صلى الله عليه وآله لم يأتها. فقلت له : فهل تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قال : نعم وقرأ هذه الآية : (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً [التحريم : 3]). إلى قوله تعالى : (ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً [التحريم : 5])([134]) . الصادق عليه السلام : يستحب للرجل أن يتزوج المتعة وما أحب للرجل منكم أن يخرج من الدنيا حتى يتزوج المتعة ولو مرة([135]) . الصادق عليه السلام : لأحد أصحابة : تمتعت؟ قلت : لا. قال : لا تخرج من الدنيا حتى تحيى السنة([136]) . الصادق عليه السلام : لأحد أصحابه : تمتعت منذ خرجت من أهلك ؟ قال : لكثرة ما معي من الطروقة أغناني الله عنها. قال : وإن كنت مستغنيا فانى أحب أن تحيى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله([137]) . الصادق عليه السلام : لأبي بصير : يا أبا محمد تمتعت منذ خرجت من أهلك؟ قلت : لا. قال : ولم؟ قلت ما معي من النفقة يقصر عن ذلك. قال : فأمر لي بدينار قال : أقسمت عليك ان صرت إلى منزلك حتى تفعل([138]) . الصادق عليه السلام : ما من رجل تمتع ثم اغتسل الا خلق الله من كل قطرة تقطر منه سبعين ملكا يستغفرون له إلى يوم القيامة ويلعنون متجنبها إلى أن تقوم الساعة([139]) . الصادق عليه السلام : قيل له : انه يدخلني من المتعة شئ فقد حلفت أن لا أتزوج متعة أبدا فقال له أبو عبد الله عليه السلام انك إذا لم تطع الله فقد عصيته([140]) . الصادق عليه السلام : تمتع بالهاشمية([141]) . الصادق عليه السلام : سئله أحدهم : ان عندنا بالكوفة امرأة معروفة بالفجور أيحل أن أتزوجها متعة قال فقال رفعت راية قلت لا لو رفعت راية اخذها السلطان قال فقال نعم تزوجها متعة قال - ثم إنه أصغى إلى بعض مواليه فأسر اليه شيئا قال فدخل قلبي من ذلك شئ قال فلقيت مولاه فقلت له أي شئ قال لك أبو عبد الله عليه السلام قال فقال لي ليس هو شئ تكرهه فقلت فأخبرني به قال فقال إنما قال لي ولو رفعت راية ما كان عليه في تزويجها شئ انما يخرجها من حرام إلى حلال([142]) . الصادق عليه السلام : سئل في المرأة تزني عليها أيتمتع بها قال أرأيت ذلك قلت لا ولكنها ترمى به قال نعم تتمتع بها على أنك تغادر وتغلق بابك([143]) . الصادق عليه السلام : سئل عن الرجل يتمتع من اليهودية والنصرانية قال لا أرى بذلك بأسا([144]) . الصادق عليه السلام : لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية([145]) . الصادق عليه السلام : سئل عن التمتع بالأبكار قال هل جعل ذلك الا لهن فليستترن منه وليستعففن([146]) . الصادق عليه السلام : سئل عن التمتع من الأبكار اللواتي بين الأبوين؟ فقال لا بأس([147]) . الصادق عليه السلام : لا بأس بتزويج - متعة - البكر إذا رضيت من غير اذن أبيها([148]). الصادق عليه السلام : لا بأس بأن يتمتع بالبكر ما لم يفض إليها مخافة كراهية العيب على أهلها([149]) . الصادق عليه السلام : في البكر يتزوجها الرجل متعة قال لا بأس ما لم يفتضها([150]) . الصادق عليه السلام : عن التمتع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا اذن أبويها قال لا بأس ما لم يفتض ما هناك لتعف بذلك([151]) . الصادق عليه السلام : العذراء التي لها أب لا تتزوج متعة الا بإذن أبيها([152]) . الصادق عليه السلام : في الرجل يتزوج البكر متعة، قال يكره للعيب على أهلها([153]) . الصادق عليه السلام : وقد سئل عن الرجل يتمتع من الجارية البكر قال لا بأس بذلك ما لم يستصغرها([154]) . الصادق عليه السلام : وقد سئل عن الرجل يتمتع بأمة امرأة بغير اذنها قال لا بأس به. الصادق عليه السلام : وقد سئل عن الرجل يتزوج بأمة بغير إذن مواليها فقال إن كانت لامرأة فنعم وان كانت لرجل فلا([155]) . الصادق عليه السلام : لا بأس بأن يتزوج الأمة متعة بأذن مولاها([156]) . الصادق عليه السلام : رجل جاء إلى امرأة فسألها أن تزوجه نفسها فقالت : أزوجك نفسي على أن تلتمس مني ما شئت من نظر أو التماس وتنال مني ما ينال الرجل من أهله إلا أنك لا تدخل فرجك في فرجي وتتلذذ بما شئت فإني أخاف الفضيحة، قال : ليس لها منها إلا ما اشترط ([157]). الصادق عليه السلام : قال جاءت امرأة إلى عمر فقالت انى زنيت فطهرني فأمر بها أن ترجم فأخبر بذلك أمير المؤمنين عليه السلام فقال كيف زنيت فقالت مررت بالبادية فأصابني عطش شديد فاستسقيت أعرابيا فأبى أن يسقيني إلا أن أمكنه من نفسي فلما أجهدني العطش وخفت على نفسي سقاني فأمكنته من نفسي فقال أمير المؤمنين عليه السلام تزويج ورب الكعبة([158]) . الصادق عليه السلام : وقد سئل اني أكون في بعض الطرقات فأرى المرأة الحسناء ولا أمن أن تكون ذات بعل أو من العواهر قال ليس هذا عليك أنما عليك أن تصدقها في نفسها([159]). الصادق عليه السلام : وقد سئل : ألقى المرأة بالفلاة التي ليس لها فيها أحد فأقول لك زوج فتقول لا، فأتزوجها قال نعم، هي المصدقة على نفسها([160]) . الصادق عليه السلام : وقد سئل : تزوجت امرأة متعة فوقع في نفسي أن لها زوجا ففتشت عن ذلك فوجدت لها زوجا قال ولم فتشت([161]) . الصادق عليه السلام : قال قيل له أن فلانا تزوج امرأة متعة فقيل له ان لها زوجا فسألها فقال أبو عبد الله عليه السلام ولم سألها([162]) . الصادق عليه السلام : سئل : ما تقول في عارية الفرج ؟ قال : زنا حرام، ثم مكث قليلا ثم قال : لا بأس بأن يحل الرجل جاريته لأخيه([163]) . الصادق عليه السلام : سئل عن المتعة أهي من الأربع ؟ فقال : تزوج منهن ألفا فإنهن مستأجرات([164]) . الصادق عليه السلام : سئل عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة ؟ قال : لا بأس، وإن كان التزويج الآخر فليحصن بابه([165]) . الصادق عليه السلام : لإسماعيل الجعفي قال : يا إسماعيل تمتعت العام ؟ قلت : نعم، قال : لا أعني متعة الحج، قلت : فما ؟ قال : متعة النساء، قال قلت : في جارية بربرية فارهة قال : قد قيل يا إسماعيل تمتع بما وجدت ولو سندية([166]) . الصادق عليه السلام : وقد سئل : ما أدنى أن يتزوج به المتمتع ؟ قال : بكف من بر. وفي رواية : سواك يعض عليه. وفي أخرى : يجزيها الدرهم فما فوقه. وفي رابعة : كف من طعام أو دقيق أو سويق أو تمر([167]) . الصادق عليه السلام : سئل : ما أدنى ما يتزوج الرجل به المتعة ؟ قال : كف من بر يقول لها : زوجيني نفسك متعة على كتاب الله وسنة نبيه نكاحا غير سفاح، على أن لا أرثك ولا ترثيني، ولا أطلب ولدك إلى أجل مسمى فإن بدا لي زدتك وزدتني([168]) . الصادق عليه السلام : لا بأس بالرجل أن يتمتع أختين([169]) . الكاظم عليه السلام : سأله أحدهم : جعلت فداك انى كنت أتزوج المتعة فكرهتها وتشأمت بها فأعطيت الله عهدا بين الركن والمقام وجعلت على في ذلك نذرا وصياما أن لا أتزوجها ثم إن ذلك شق على وندمت على يميني ولم يكن بيدي من القوة ما أتزوج به في العلانية. فقال لي : عاهدت الله أن لا تطيعه والله لئن لم تطعه لتعصينه([170]) . الكاظم عليه السلام : سئله أحدهم عن تزويج المتعة وأنه أتهمها بأن لها زوجا يحل لي الدخول بها قال عليه السلام أرأيتك ان سألتها البينة على أن ليس لها زوج هل تقدر على ذلك([171]) . الكاظم عليه السلام : وقد سئل : عن الرجل، هل يصلح له أن يتزوج المرأة متعة بغير بينة؟ قال : ان كانا مسلمين مأمونين فلا بأس([172]) . الرضا عليه السلام : سئل الرجل يتزوج بالمرأة فيقع في قلبه أن لها زوجا قال ما عليه أرأيت لو سألها البينة كان يجد من يشهد أن ليس لها زوج([173]) . المهدي : سأل عن الرجل ممن يقول بالحق ويرى المتعة ويقول بالرجعة إلا أن له أهلا موافقة له في جميع أموره وقد عاهدها ألا يتزوج عليها ولا يتمتع ولا يتسرى وقد فعل هذا منذ تسع عشرة سنة ووفى بقوله فربما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع ولا تتحرك نفسه أيضا لذلك ويرى أن وقوف من معه من أخ وولد وغلام ووكيل وحاشية مما يقلله في أعينهم ويحب المقام على ما هو عليه محبة لأهله وميلا إليها وصيانة لها ولنفسه لا لتحريم المتعة بل يدين الله بها فهل عليه في ترك ذلك مأثم أم لا؟ الجواب : يستحب له أن يطيع الله تعالى بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرة واحدة([174]) . المهدي : عن الحسن بن ظريف قال : كتبت إلى أبي محمد عليه السلام وقد تركت التمتع منذ ثلاثين سنة وقد نشطت لذلك وكان في الحي امرأة وصفت لي بالجمال فمال قلبي إليها وكانت عاهرا لا تمنع يد لامس فكرهتها ثم قلت قد قال تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من حرام إلى حلال فكتبت إلى أبي محمد أشاوره في المتعة وقلت أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع فكتب انما تحيى السنة وتميت بدعة فلا بأس وإياك وجارتك المعروفة بالعهر وان حدثتك نفسك أن آبائي قالوا تمتع بالفاجرة فإنك تخرجها من الحرام إلى حلال فهذه امرأة معروفة بالهتك وهي جارة وأخاف عليك استفاضة الخبر فيها فتركتها ولم أتمتع بها وتمتع بها شاذان بن سعد رجل من إخواننا وجيراننا فاشتهر بها حتى علا أمره و صار إلى السلطان واغرم بسببها مالا نفيسا وأعاذني الله من ذلك ببركة سيدي([175]) . ما جاء في الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : في قوله تعالى : لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ.. [الحشر : 20] الآية، فقال : أصحاب الجنة من أطاعني وسلم لعلي بن أبي طالب بعدي وأقر بولايته، وأصحاب النار من أنكر الولاية ونقض العهد من بعدي([176]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لعلي عليه السلام : يا علي إن أصحاب موسى اتخذوا بعده عجلا فخالفوا خليفته، وستتخذ أمتي بعدي عجلا ثم عجلا، ثم عجلا، ويخالفونك، وأنت خليفتي على هؤلاء، يضاهؤن أولئك في اتخاذهم العجل، ألا فمن وافقك وأطاعك فهو معنا في الرفيق الاعلى، ومن اتخذ بعدي العجل وخالفك ولم يتب فأولئك مع الذين اتخذوا العجل زمان موسى : ولم يتوبوا في نار جهنم خالدين مخلدين([177]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : وقد قال حذيفة : دعاني رسول الله ودعا عمار بن ياسر وأمره أن يسوقها وأنا أقودها، حتى إذا صرنا رأس العقبة، ثار القوم من ورائنا، ودحرجوا الدباب بين قوائم الناقة، فذعرت وكادت أن تنفر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فقلت : يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين يريدون ما ترى ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا حذيفة هؤلاء المنافقون في الدنيا والآخرة... فقلت : ومن هؤلاء القوم المنافقون يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمن المهاجرين أم من الأنصار ؟ فسماهم لي رجلا رجلا... وهم أبو بكر، وعمر، وعثمان وطلحة، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح ومعاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، هؤلاء من قريش، وأبو موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة الثقفي، وأوس بن الحدثان البصري، وأبو هريرة، وأبو طلحة الأنصاري. قال حذيفة : ثم انحدرنا من العقبة، وقد طلع الفجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتوضأ وانتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا، فرأيت القوم بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما انصرف من صلاته التفت فنظر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة يتناجون فأمر مناديا فنادى في الناس لا تجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر، وارتحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس من منزل العقبة. فلما نزل المنزل الاخر رأى سالم مولى حذيفة أبا بكر وعمر وأبا عبيدة يسار بعضهم بعضا، فوقف عليهم، وقال أليس قد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا تجتمع ثلاثة نفر من الناس على سر واحد، والله لتخبروني فيما أنتم، وإلا أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى اخبره بذلك منكم، فقال أبو بكر : يا سالم عليك عهد الله وميثاقه لئن خبرناك بالذي نحن فيه وبما اجتمعنا له، إن أحببت أن تدخل معنا فيه دخلت وكنت رجلا منا، وإن كرهت ذلك كتمته علينا، فقال سالم : لكم ذلك وأعطاهم بذلك عهده وميثاقه، وكان سالم شديد البغض والعداوة لعلي بن أبي طالب عليه السلام وقد عرفوا ذلك منه. فقالوا له إنا قد اجتمعنا على أن نتحالف ونتعاقد على أن لا نطيع محمدا فيما فرض علينا من ولاية علي بن أبي طالب بعده فقال لهم سالم : عليكم عهد الله وميثاقه إن في هذا الامر كنتم تخوضون وتتناجون ؟ قالوا أجل علينا عهد الله وميثاقه أنا إنما كنا في هذا الامر بعينه لا في شئ سواه، قال سالم : وأنا والله أول من يعاقدكم على هذا الامر، ولا يخالفكم عليه، إنه والله ما طلعت الشمس على أهل بيت أبغض إلى من بني هاشم ولا في بني هاشم أبغض إلى ولا أمقت من علي بن أبي طالب فاصنعوا في هذا الامر ما بدا لكم فاني واحد منكم، فتعاقدوا من وقتهم على هذا الامر ثم تفرقوا. فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسير أتوه فقال لهم : فيما كنتم تتناجون في يومكم هذا وقد نهيتكم من النجوى ؟ فقالوا : يا رسول الله ما التقينا غير وقتنا هذا، فنظر إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مليا ثم قال لهم : " أنتم أعلم أم الله، ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون ". ثم سار حتى دخل المدينة واجتمع القوم جميعا وكتبوا صحيفة بينهم على ذكر ما تعاهدوا عليه في هذا الامر، وكان أول ما في الصحيفة النكث لولاية علي بن أبي طالب عليه السلام وأن الامر إلى أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسالم معهم، ليس بخارج منهم، وشهد بذلك أربعة وثلاثون رجلا : هؤلاء أصحاب العقبة وعشرون رجلا آخر، واستودعوا الصحيفة أبا عبيدة بن الجراح وجعلوه أمينهم عليها([178]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لعلي عليه السلام : إن الأمة ستغدر بك، فاصبر لغدرها([179]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لعلي عليه السلام : يا علي ! إنك لاق بعدي كذا.. وكذا. فقال : يا رسول الله ! إن السيف لذو شفرتين وما أنا بالفشل ولا الذليل. قال صلى الله عليه وآله وسلم : فاصبر يا علي. قال علي : أصبر يا رسول الله([180]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من ضعف عن نصرتنا أهل البيت فلعن في خلواته أعداءنا بلغ الله صوته جميع الاملاك من الثرى إلى العرش، فكلما لعن هذا الرجل أعداءنا لعنا ساعدوه ولعنوا من يلعنه ثم ثنوا فقالوا : اللهم صل على عبدك هذا الذي قد بذل ما في وسعه، ولو قدر على أكثر منه لفعل، فإذا النداء من قبل الله عز وجل : قد أجبت دعاءكم وسمعت نداءكم وصليت على روحه في الأرواح وجعلته عندي من المصطفين الأخيار([181]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لما أسري بي إلى السماء أوحى الله إلي فقال : يا محمد ! لو أن عبدا عبدني حتى ينقطع ويصير كالشن البالي ثم أتاني جاحدا لولايتهم ما أسكنته جنتي ولا أظللته تحت عرشي([182]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من ظلم عليا مجلسي هذا كمن جحد نبوتي ونبوة من كان قبلي([183]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي إن الله جعلك سباقا للخير سخاء بنفسك عن المال، أنت يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظلمة، والظلمة هم الذين يحسدونك ويبغون عليك ويمنعونك حقك بعدي([184]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما من عبد ولا أمة أعطى بيعة أمير المؤمنين علي عليه السلام في الظاهر، ونكثها في الباطن وأقام على نفاقه إلا وإذا جاءه ملك الموت ليقبض روحه تمثل له إبليس وأعوانه. وتمثل النيران وأصناف عذابها لعينيه وقلبه ومقاعده من مضايقها. وتمثل له أيضا الجنان ومنازله فيها لو كان بقي على إيمانه، ووفى ببيعته فيقول له ملك الموت : انظر فتلك الجنان التي لا يقدر قدر سرائها وبهجتها وسرورها إلا الله رب العالمين كانت معدة لك، فلو كنت بقيت على ولايتك لأخي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إليها مصيرك يوم فصل القضاء، لكنك نكثت وخالفت فتلك النيران وأصناف عذابها وزبانيتها ومرزباتها وأفاعيها الفاغرة أفواهها، وعقاربها الناصبة أذنابها، وسباعها الشائلة مخالبها، وسائر أصناف عذابها هو لك وإليها مصيرك. فعند ذلك يقول : " يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا " فقبلت ما أمرني والتزمت من موالاة علي عليه السلام ما ألزمني([185]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لما حضرته الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته، فقيل له : يا رسول الله ما يبكيك ؟ فقال : أبكي لذريتي وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي، كأني بفاطمة بنتي وقد ظلمت بعدي وهي تنادي يا أبتاه، فلا يعينها أحد من أمتي([186]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قول الله : وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [المائدة : 10]. قال : يعني كفروا وكذبوا بالولاية وبحق علي عليه السلام([187]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لعلي عليه السلام : يا أخي أنت ستبقى بعدي وستلقى من قريش شدة من تظاهرهم عليك وظلمهم لك، فإن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك وإن لم تجد أعوانا فاصبر، وكف يدك ولا تلق بها إلى التهلكة، فإنك مني بمنزلة هارون من موسى ولك بهارون أسوة حسنة إذا استضعفه قومه وكادوا يقتلونه، فاصبر لظلم قريش إياك وتظاهرهم عليك فإنك بمنزلة هارون ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه([188]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا بن اليمان، إن قريشا لا تنشرح صدورها، ولا ترضى قلوبها، ولا تجري ألسنتها، ببيعة علي وموالاته إلا على الكره والعمى والصغار. يا بن اليمان، ستبايع قريش عليا، ثم تنكث عليه وتحاربه وتناضله وترميه بالعظائم، وبعد علي يلي الحسن وسينكث عليه، ثم يلي الحسين فتقتله([189]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : وقد بكى فقيل : مم بكاؤك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : أخبرني جبرئيل عليه السلام أنهم يظلمونه - أي علي - ويمنعونه حقه ويقاتلونه ويقتلون ولده ويظلمونهم بعده([190]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : في قوله تعالى : (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر : 20]) فقيل : يا رسول الله من أصحاب الجنة ؟ قال : من أطاعني وسلم لهذا من بعدي. وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكف علي عليه السلام وهو يومئذ إلى جنبه فرفعها وقال : ألا إن عليا مني وأنا منه، فمن حاده فقد حادني ومن حادني فقد أسخط الله عز وجل ثم قال : يا علي حربك حربي، وسلمك سلمي، وأنت العلم بيني وبين أمتي([191]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : وقد تلا هذه الآية : (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ [الحشر : 20]) فقال : أصحاب الجنة من أطاعني وسلم لعلي بن أبي طالب بعدي وأقر بولايته فقيل : وأصحاب النار، قال : من سخط الولاية ونقض العهد وقاتله بعدي([192]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنه تلا هذه الآية : (فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة : 81]) قيل : يا رسول الله من أصحاب النار ؟ قال : من قاتل عليا بعدي فأولئك أصحاب النار مع الكفار فقد كفروا بالحق لما جاءهم ألا وإن عليا بضعة مني فمن حاربه فقد حاربني وأسخط ربي ثم دعا عليا فقال : يا علي حربك حربي وسلمك سلمي وأنت العلم فيما بيني وبين أمتي بعدي([193]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لعلي عليه السلام : إن أمتي ستغدر بك بعدي ويتبع ذلك برها وفاجرها([194]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اسودت وجوه أقوام وردوا ظماء مطمئين إلى نار جهنم، مزقوا الثقل الأول الأعظم، وأخروا الثقل الأصغر حسابهم على الله كل امرئ بما كسب رهين([195]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ان الجنة لتشتاق لأحباء علي وتشتد ضوءها لأحباء علي عليه السلام وهم في الدنيا قبل أن يدخلوها وان النار تتغيظ وتشتد زفيرها على أعداء علي عليه السلام وهم في الدنيا قبل أن يدخلوها([196]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : التاركون ولاية علي خارجون عن الإسلام([197]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من ناصب علياً الخلافة بعدي فهو كافر، وقد حارب الله ورسوله، ومن شك في علي فهو كافر([198]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من أنكر إمامة علي بعدي كمن أنكر نبوتي في حياتي، ومن أنكر نبوتي كان كمن أنكر ربوبية ربي عزوجل([199]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي! ما من عبد لقي الله يوم يلقاه جاحداً لولايتك إلا لقى الله بعبادة صنم أو وثن([200]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن حجة الله عليكم بعدي علي بن أبي طالب، الكفر به كفر بالله، والشرك به شرك بالله، والشك فيه شك في الله، والإلحاد فيه إلحاد في الله، والإنكار له إنكار لله([201]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : التاركون ولاية علي عليه السلام المنكرون لفضله المظاهرون أعداءه خارجون عن الإسلام من مات منهم على ذلك([202]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الأئمة بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم... إلى أن قال : المقر بهم مؤمن، والمنكر لهم كافر([203]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لإبن عباس : لو أن الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين اجتمعوا على بغض علي بن أبي طالب مع ما يقع من عبادتهم في السماوات لعذبهم الله تعالى في النار قلت يا رسول الله وهل يبغضه أحد ؟ قال : يا بن عباس نعم يبغضه قوم يذكر من أنهم من أمتي لم يجعل الله لهم في الاسلام نصيبا، يا ابن عباس ان من علامة بغضهم له تفضيلهم لمن هو دونه عليه([204]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ما من عبد ولا أمة زال عن ولايتنا، وخالف طريقتنا، وسمى غيرنا بأسمائنا وأسماء خيار أهلنا الذي اختاره الله للقيام بدينه ودنياه، ولقبه بألقابنا وهو لذلك يلقبه معتقدا، لا يحمله على ذلك تقية خوف، ولا تدبير مصلحة دين، الا بعثه الله يوم القيامة ومن كان قد اتخذه من دون الله وليا، وحشر إليه الشياطين الذين كانوا يغوونه. فقال له : يا عبدي أربا معي، هؤلاء كنت تعبد ؟ وإياهم كنت تطلب ؟ فمنهم فاطلب ثواب ما كنت تعمل، لك معهم عقاب اجرائك. ثم يأمر الله تعالى أن يحشر الشيعة الموالون لمحمد وعلي وآلهما عليهم السلام ممن كان في تقية لا يظهر ما يعتقده، وممن لم يكن عليه تقية، وكان يظهر ما يعتقده. فيقول الله تعالى : انظروا حسنات شيعة محمد وعلي فضاعفوها. قال : فيضاعفون حسناتهم أضعافا مضاعفة. ثم يقول الله تعالى : انظروا ذنوب شيعة محمد وعلي. فينظرون : فمنهم من قلت ذنوبه فكانت مغمورة في طاعاته، فهؤلاء السعداء مع الأولياء والأصفياء. ومنهم من كثرت ذنوبه وعظمت، فيقول الله تعالى : قدموا الذين كانوا لا تقية عليهم من أولياء محمد وعلي، فيقدمون. فيقول الله تعالى : انظروا حسنات عبادي هؤلاء النصاب الذين اتخذوا الأنداد من دون محمد وعلي ومن دون خلفائهم، فاجعلوها لهؤلاء المؤمنين، لما كان من اغتيابهم لهم بوقيعتهم فيهم، وقصدهم إلى أذاهم فيفعلون ذلك، فتصير حسنات النواصب لشيعتنا الذين لم يكن عليهم تقية. ثم يقول : انظروا إلى سيئات شيعة محمد وعلي، فان بقيت لهم على هؤلاء النصاب بوقيعتهم فيهم زيادات، فاحملوا على أولئك النصاب بقدرها من الذنوب التي لهؤلاء الشيعة. فيفعل ذلك. ثم يقول الله عز وجل : ائتوا بالشيعة المتقين لخوف الاعداء، فافعلوا في حسناتهم وسيئاتهم، وحسنات هؤلاء النصاب وسيئاتهم ما فعلتم بالأولين. فيقول النواصب : يا ربنا هؤلاء كانوا معنا في مشاهدنا حاضرين، وبأقاويلنا قائلين، ولمذاهبنا معتقدين ! فيقال : كلا والله يا أيها النصاب ما كانوا لمذاهبكم معتقدين، بل كانوا بقلوبهم لكم إلى الله مخالفين، وان كانوا بأقوالكم قائلين، وبأعمالكم عاملين للتقية منكم معاشر الكافرين، قد اعتددنا لهم بأقاويلهم وأفاعيلهم اعتدادنا بأقاويل المطيعين وأفاعيل المحسنين، إذ كانوا بأمرنا عاملين : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فعند ذلك تعظم حسرات النصاب إذا رأوا حسناتهم في موازين شيعتنا أهل البيت، ورأوا سيئات شيعتنا على ظهور معاشر النصاب، وذلك قوله عز وجل : (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة : 167])([205]) النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إذا مت ظهرت لك - أي علي - ضغائن في صدور قوم يتمالئون ويمنعونك حقك([206]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له أجر خمسين منكم. قالوا : يا رسول الله نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا القرآن. فقال : إنكم لو تحملون لما حملوا لم تصبروا صبرهم([207]). علي عليه السلام : .. قد عملت الولاة قبلي أعمالا خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمدين لخلافه، ناقضين لعهده مغيرين لسنته، ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى موضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتفرق عني جندي حتى أبقى وحدي([208]). علي عليه السلام : لقد علم المستحفظون من أصحاب محمد أن أهل صفين قد لعنهم الله على لسان نبيه وقد خاب من افترى([209]). علي عليه السلام : أنه عهد النبي إلي أن لا أجاهد إلا إذا وجدت أعوانا فلو وجدت أعوانا لجاهدت، وقد طفت على المهاجرين والأنصار فلم أجد سوى أربعة، ولو وجدت أربعين يوم بويع لأخي تيم لجاهدتهم([210]). علي عليه السلام : لقد استكبر أقوام في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واضمروا لعلى الغل المدفون ومن بعده ما قعدوا للثقل الأكبر بالمرصد حتى ادخلوا فيه الالحاد وقعدوا للثقل الأصغر بالاضطهاد ولقد أسروا في رسول الله النجوى وصدق فيه بعضهم بعضا وتعارضوا عليه الحسد من عند أنفسهم والله لقد ارتد بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقوام ارتدوا على الأعقاب وغالتهم السبل واتكلوا على الولايج وهجروا السبب الذي امروا بمودته وأصابوا بالامر غير أهله ونقلوا البناء من غروس أساسه ونبوه في غير موضعه فتلك لعمري أكبر الكبائر فتحوا على أنفسهم باب البلاء واغلقوا باب العافية وتركوا الرخاء واختاروا البلاء فصاروا في غمرة تغشى ابصار الناظرين وريب بنته لها عقول الطامعين منها يشعث البنيان واتبعوا ملة من شك وظلم وحسد وركن إلى الدنيا وهو القائل لاشباهه في الاسلام مضاهيا للسامري في قوله تعالى مقتديا في فعاله جاهلا لحق القرابة مستكبرا عن الحق ملقيا بيديه إلى التهلكة بعد البيان من الله عز وجل والحجج التي تتلو بعضها بعضا معتديا على القرابة كما اعتدى في السبت أهله الا وان لكل دم ثائر وان الثائر يريد دماءنا والحاكم في حق ذي القربى واليتامى والمساكين وأبناء السبيل الله الذي لا يفوته مطلوب يؤثر حذوا لنعل بالنعل ما كلا بما كل ومشربا بمشرب أمر من طعم العلقم وكما هو آت قريب وبحسبكم ما تزودتم وحملتم على ظهوركم من مطايا الخطايا مع الذين ظلموا ثم اقبل عليه السلام إلى الحسن فقال يا نبي ما زال والله أبوك مدفوعا عن حقه مستأثرا عليه منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يوم الناس هذا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون([211]). علي عليه السلام : حول الخلافة المغصوبة قال : فحمد الله وأثنى عليه وقال : أما بعد، ما لقيت من الأمة بعد نبيها منذ قبض صلى الله عليه وآله وسلم. فأقام عمر وأصحابه الذين ظاهروا علي أبا بكر فبايعوه وأنا مشغول بغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكفنه ودفنه، وما فرغت من ذلك حتى بايعوه وخاصموا الأنصار بحجتي وحقي. والله إنه ليعلم يقينا والذ ين ظاهروه أني أحق بها من أبي بكر. فلما رأيت اجتماعهم عليه وتركهم إياي ناشدتهم الله عز وجل وحملت فاطمة عليها السلام على حمار وأخذت بيد ابني الحسن والحسين لعلهم يرعوون، فلم أدع أحدا من أهل بدر ولا أهل السابقة من المهاجرين والأنصار إلا استعنتهم ودعوتهم إلى نصرتي وناشدتهم الله حقي فلم يجيبوني ولم ينصروني. أنتم تعلمون يا معاشر من حضر من أهل بدر أني لم أقل إلا حقا. قالوا : صدقت يا أمير المؤمنين وبررت، فنستغفر الله من ذلك ونتوب إليه. قال : وكان الناس قريبي عهد بالجاهلية فخشيت فرقة أمة محمد واختلاف كلمتهم، وذكرت ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه أخبرني بما صنعوا وأمرني : إن وجدت أعوانا جاهدتهم وإن لم أجد أعوانا كففت يدي وحقنت دمي. ثم ردها أبو بكر إلى عمر - ووالله إنه ليعلم يقينا أني أحق بها من عمر - فكرهت الفرقة فبايعت وسمعت وأطعت. ثم جعلني عمر سادس ستة فولى الأمر ابن عوف، فخلا بابن عفان فجعلها له على أن يردها عليه ثم بايعه، فكرهت الفرقة والاختلاف. ثم إن عثمان غدر بابن عوف وزواها عنه، فبرء منه ابن عوف وقام خطيبا فخلعه كما خلع نعله. ثم مات ابن عوف وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان، وزعم ولد ابن عوف أن عثمان سمه. ثم قتل، واجتمع الناس ثلاثة أيام يتشاورون في أمرهم. ثم أتوني فبايعوني طائعين غير مكرهين([212]). علي عليه السلام : لما تم لأبي بكر ماتم وبايعه من بايع وقد جاءه رجل وهو يسوي قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمسحاة في يده وقال له : إن القوم قد بايعوا أبا بكر ووقعت الخذلة في الأنصار لاختلافهم، وبدر الطلقاء للعقد للرجل خوفا من إدراككم الامر، فوضع طرف المسحاة في الأرض ويده عليها ثم قال : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ)([213]). علي عليه السلام : وقد رأى من الناس طيرة عند وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقسم أنه لا يضع على ظهره رداه حتى يجمع القرآن فجلس في بيته ثلاثة أيام حتى جمع القرآن، فهو أول مصحف جمع فيه القرآن من قلبه... فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنادى علي عليه السلام بأعلا صوته : أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشغولا بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسوله آية منه إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلمني تأويلها ثم قال علي عليه السلام لئلا تقولوا غدا أنا كنا عن هذا غافلين. ثم قال لهم علي عليه السلام : لا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي، ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته، فقال له عمر : ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه، ثم دخل علي عليه السلام بيته وقال عمر لأبي بكر : أرسل إلى علي فليبايع، فانا لسنا في شئ حتى يبايع، ولو قد بايع أمناه، فأرسل إليه أبو بكر أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه الرسول فقال له ذلك فقال له على عليه السلام : سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري، وذهب الرسول فأخبره بما قال له، فقال : اذهب فقل له أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بما قال : فقال على عليه السلام : سبحان الله ! ما - والله - طال العهد فينسى، والله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو سابع سبعة فسلموا على بإمرة المؤمنين فاستفهم هو وصاحبه من بين السبعة فقالا : أمر من الله ورسوله ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نعم حقا من الله ورسوله، إنه أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وصاحب لواء الغر المحجلين يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار فانطلق الرسول فأخبره بما قال فسكتوا عنه يومهم ذلك. قال : فلما كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه في منزله فناشدهم الله حقه، ودعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا أربعة فانا حلقنا رؤسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته، فلما أن رأى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر، وتعظيمهم إياه، لزم بيته. فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة، وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والاخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما، فقال له أبو بكر : من نرسل إليه ؟ فقال عمر نرسل إليه قنفذا فهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله وأرسل معه أعونا، وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام فأبي أن يأذن لهم فرجع أصحاب قنفذ إلى أبى بكر وعمر وهما جالسان في المسجد والناس حولهما، فقالوا : لم يؤذن لنا. فقال عمر : اذهبوا فان أذن لكم وإلا فأدخلوا بغير إذن فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام أحرج عليكم أن تدخلوا علي بيتي بغير اذن، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا : ان فاطمة قالت كذا وكذا، فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير اذن. فغضب عمرو قال مالنا وللنساء ثم أمرا ناسا حوله بتحصيل الحطب وحملوا الحطب وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل على عليه السلام وفيه على وفاطمة وابناهما عليهما السلام ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة : والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك النار، فقامت فاطمة عليها السلام فقالت : يا عمر مالنا ولك ؟ فقال افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت : يا عمر أما تتقي الله تدخل علي بيتي ؟ فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل. فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله ! فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت يا رسول الله لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر، فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته، وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أوصاه به، فقال : والذي كرم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة يا ابن صهاك لولا كتاب من الله سبق، وعهد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلمت أنك لا تدخل بيتي. فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، وثار علي عليه السلام إلى سيفه فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدته، فقال أبو بكر لقنفذ ارجع فان خرج فاقتحم عليه بيته، فان امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار على عليه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلا وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وان في عضدها مثل الدملج من ضربته لعنه الله ثم انطلقوا بعلي عليه السلام يتل تى انتهى به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وساير الناس حول أبي بكر عليهم السلاح. قال : قلت لسلمان : أدخلوا على فاطمة بغير اذن ؟ قال أي والله، وما عليها خمار فنادت يا أبتاه يا رسول الله فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر، وعيناك لم تتفقأ في قبرك، تنادي بأعلى صوتها، فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون ما فيهم الا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول : انا لسنا من النساء ورأيهن في شئ، قال : فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبى بكر وهو يقول : أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لم تصلوا إلى هذا أبدا، أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم، ولو كنت استمسك من أربعين رجلا لفرقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني. ولما أن بصر به أبو بكر صاح : خلوا سبيله، فقال علي عليه السلام : يا أبا بكر ما أسرع ما توثبتم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك ؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله ؟ وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعا من جنبها فألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت - صلى الله عليها - من ذلك شهيدة. قال : ولما انتهى بعلي عليه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر وقال : له بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال له علي عليه السلام : فإن لم أفعل فما أنتم صانعون ؟ قالوا نقتلك ذلا وصغارا، فقال إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر أما عبد الله فنعم وأما أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما نقر لك بهذا، قال أتجحدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخا بيني وبينه ؟ قال : نعم، فأعاد ذلك عليه ثلاث مرات. ثم أقبل عليهم علي عليه السلام فقال : يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار ! أنشدكم الله أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزوة تبوك كذا وكذا، فلم يدع على عليه السلام شيئا قاله فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علانية للعامة الا ذكرهم إياه، فقالوا اللهم نعم، فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم، فقال : كلما قلت حق قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا ولكن قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : بعد هذا إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا، واختار لنا الآخرة على الدنيا، وان الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فقال على عليه السلام : هل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهد هذا معك ؟ فقال عمر : صدق خليفة رسول الله، قد سمعنا هذا منه كما قال وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبى حذيفة ومعاذ بن جبل قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال على عليه السلام لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي قد تعاقدتم علينا شفى الكعبة : ان قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الامر عنا أهل البيت، فقال أبو بكر : فما علمك بذلك ما أطلعناك عليها ؟ فقال على عليه السلام : أنت يا زبير وأنت يا سليمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد أسألكم بالله وبالاسلام أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك وأنتم تسمعون أن فلانا وفلانا حتى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا على ما صنعوا ؟ فقالوا اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك لك : إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أومت أن يزووا عنك هذا يا علي فقلت : بأبي أنت يا رسول الله فما تأمرني إذا كان ذلك أن افعل ؟ فقال لك : ان وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وان لم تجد أعوانا فبايعهم واحقن دمك، فقال علي عليه السلام : أما والله لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم([214]). علي عليه السلام : عهد إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة ستغدر بك([215]). علي عليه السلام : وقد سأله رجل : هؤلاء القوم الذين نقاتلهم، الدعوة واحدة، والرسول واحد، والصلاة واحدة، والحج واحد، فبم نسميهم ؟. قال : سمهم بما سماهم الله في كتابه : (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة : 253]) فلما وقع الاختلاف كنا نحن أولى بالله وبالنبي وبالكتاب وبالحق([216]). علي عليه السلام : وقد وقف رجلا من بني أسد عليه وقال : يا أمير المؤمنين ! العجب منكم يا بني هاشم، كيف عدل هذا الامر عنكم وأنتم الأعلون نسبا ونوطا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وفهما للكتاب ؟ !. فقال أمير المؤمنين عليه السلام : كانت اثرة سخت بها نفوس قوم وشحت عليها نفوس آخرين([217]). علي عليه السلام : أنا عبد الله وأخو رسول الله لا يقولها بعدي إلا كذاب، ما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتال الناكثين : طلحة والزبير، والقاسطين : معاوية وأهل الشام، والمارقين : وهم أهل النهروان، ولو أمرني بقتال الرابعة لقاتلتهم([218]). علي عليه السلام : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا علي إن وجدت فئة تقاتل بهم فاطلب حقك، وإلا فألزم بيتك، فاني قد أخذت لك العهد يوم غدير خم بأنك خليفتي ووصيي، وأولى الناس بالناس من بعدي، فمثلك كمثل بيت الله الحرام، يأتونك الناس ولا تأتيهم ([219]). علي عليه السلام : والله لقد بايع الناس أبا بكر وأنا أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالأرض، ثم إن أبا بكر هلك واستخلف عمر، وقد علم - والله - أني أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، ثم إن عمر هلك وقد جعلها شورى، فجعلني سادس ستة، كسهم الجدة وقال : اقتلوا الأقل وما أراد غيري، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكي بالأرض، ثم كان من أمر القوم بعد بيعتهم لي ما كان، ثم لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بالله([220]). علي عليه السلام : وقد بلغه لما بلغه مسير طلحة والزبير وعائشة من مكة إلى البصرة نادى الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس حمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قلنا : نحن أهل بيته وعصبته وورثته وأولياؤه وأحق خلائق الله به، لا ننازع حقه وسلطانه، فبينما نحن إذ نفر المنافقون فانتزعوا سلطان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم منا وولوه غيرنا، فبكت لذلك - والله - العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت - والله - الصدور، وأيم الله لولا مخافة الفرقة من المسلمين أن يعودوا إلى الكفر، ويعود الدين، لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعنا، وقد ولي ذلك ولاة ومضوا لسبيلهم ورد الله الامر إلي، وقد بايعاني وقد نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم، اللهم فخذهما لغشهما لهذه الأمة، وسوء نظر هما للعامة([221]). علي عليه السلام : إن الله تعالى قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأنا يوم قبضه أولى بالناس مني بقميصي هذا، وقد كان من نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم إلي عهد لو خزمتموني بأنفي لأقررت سمعا لله وطاعة، وإن أول ما انتقصناه بعده إبطال حقنا في الخمس، فلما رق أمرنا طمعت رعيان البهم من قريش فينا([222]). علي عليه السلام : اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم قد قطعوا رحمي، وأكفأوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به من غيري، وقالوا : ألا إن في الحق أن نأخذه وفي الحق أن نمنعه، فاصبر مغموما أو مت متأسفا، فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن المنية، فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم، والم للقلب من حز الشفار([223]). علي عليه السلام : فوالله ما زلت مدفوعا عن حقي : مستأثرا علي، منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى يوم الناس هذا([224]). علي عليه السلام : .. أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذبا وبغيا علينا ؟ ! أن رفعنا الله ووضعهم، وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم.. كأني أنظر إلى فاسقهم وقد صحب المنكر فألفه، وبسى به ووافقه حتى شابت عليه مفارقه، وصبغت به خلائقه، ثم أقبل مزبدا كالتيار لا يبالي ما غرق، أو كوقع النار في الهشيم لا يحفل ما حرق، أين العقول المستصبحة بمصابيح الهدى، والابصار اللامحة إلى منار التقوى ؟ أين القلوب التي وهبت لله ! وعوقدت على طاعة الله ؟ ازدحموا على الحطام، وتشاحوا على الحرام، ورفع لهم علم الجنة والنار فصرفوا على الجنة وجوههم، وأقبلوا إلى النار بأعمالهم، دعاهم ربهم فنفروا وولوا، ودعاهم الشيطان فاستجابوا وأقبلوا !. قال المجلسي : قوله عليه السلام : كأني أنظر.. المراد بهم من تقدم ذكر هم من الخلفاء وغيرهم من ملاعين الصحابة. ولعل المراد بالفاسق : عمر([225]). علي عليه السلام : لعقيل :.. فدع عنك قريشا وتركاضهم في الضلال، وتجوالهم في الشقاق، وجماحهم في التيه، فإنهم قد اجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبلي فجزت قريشا عني الجوازي، فقد قطعوا رحمي، وسلبوني سلطان ابن أمي([226]). علي عليه السلام : كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم الله([227]). علي عليه السلام : فلما مضى - أي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - تنازع المسلمون الامر من بعده، فوالله ما كان يلقى في روعي ولا يخطر على بالي أن العرب تعرج هذا الامر من بعده صلى الله عليه وآله وسلم عن أهل بيته، ولا أنهم منحوه عني من بعده([228]). علي عليه السلام : وقد حرضته فاطمة عليها السلام يوما على النهوض والوثوب، فسمع صوت المؤذن : أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال لها : أيسرك زوال هذا النداء من الأرض ؟ ! قالت : لا. قال : فإنه ما أقول لك([229]). علي عليه السلام : ما رأيت منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رخاء، لقد أخافتني قريش صغيرا وأنصبتني كبيرا حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت الطامة الكبرى، والله المستعان على ما تصفون([230]). علي عليه السلام : وقد أتي به أبو بكر وهو يقول : أنا عبد الله وأخو رسوله ! فقيل له : بايع أبا بكر، فقال : أنا أحق بهذا الامر منكم، ولا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي.. فقال له عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع !. فقال له علي عليه السلام : احلب حلبا لك شطره اشدده له اليوم يردده عليك غدا. وفي رواية أخرى : أخرجوا عليا عليه السلام فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له : بايع. فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ !. فقالوا : إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله. فقال عمر : أما عبد الله فنعم، وأما أخا رسول الله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلم، فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟. فقال : لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي عليه السلام بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصيح ويبكي وينادي يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني.. ثم انهما جاءا إلى فاطمة عليها السلام معتذرين، فقالت : نشدتكما بالله ألم تسمعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : رضا فاطمة من رضاي وسخط فاطمة ابنتي من سخطي ؟. ومن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني ؟. قالا : نعم، سمعناه. قالت : فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأشكونكما إليه. فقال أبو بكر : أنا عائذ بالله من سخطه وسخطك يا فاطمة. ثم انتحب أبو بكر باكيا تكاد نفسه أن تزهق، وهي تقول : والله لأدعون الله عليك في كل صلاة، وأبو بكر يبكي ويقول : والله لأدعون الله لك في كل صلاة اصليها.. ثم خرج باكيا([231]). علي عليه السلام : فاجز قريشا عني بفعالها، فقد قطعت رحمي، وظاهرت علي، وسلبتني سلطان ابن عمي، وسلمت ذلك منها لمن ليس في قرابتي وحقي في الاسلام، وسابقتني التي لا يدعي مثلها مدع إلا أن يدعي ما لا أعرفه، ولا أظن الله يعرفه([232]). علي عليه السلام : للحسن عليه السلام : وأيم الله - يا بني - ما زلت مظلوما مبغيا علي منذ هلك جدك صلى الله عليه وآله وسلم ([233]). علي عليه السلام : وقد سمع صارخا ينادي أنا مظلوم -، فقال : هلم فلنصرخ معا، فإني ما زلت مظلوما([234]). علي عليه السلام : ما زلت مستأثرا علي مدفوعا عما أستحقه وأستوجبه([235]). علي عليه السلام : اللهم أجز قريشا فإنها منعتني حقي وغصبتني أمري([236]). علي عليه السلام : لما أراد المسير إلى البصرة، قام فخطب الناس، فقال - بعد أن حمد الله وصلى على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم :.. إن الله لما قبض نبيه صلى الله عليه وآله وسلم استأثرت علينا قريش بالامر، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين، وسفك دمائهم، والناس حديثو عهد بالاسلام، والدين يمخض مخض الوطب يفسده أدنى وهن، ويعتكه أقل خلف، فولي الامر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهادا، ثم انتقلوا إلى دار الجزاء، والله ولي تمحيص سيئاتهم، والعفو عن هفواتهم([237]). علي عليه السلام : لما قبض الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قلنا : نحن أهله وورثته وعترته وأولياؤه دون الناس، لا ينازعنا سلطانه أحد، ولا يطمع في حقنا طامع، إذ انتزى لنا قومنا فغصبونا سلطان نبينا، فصارت الامرة لغيرنا، وصرنا سوقة يطمع فينا الضعيف ويتغزر علينا الذليل، فبكت الأعين منا لذلك، وخشنت الصدور، وجزعت النفوس، وأيم الله لولا مخافة الفرقة بين المسلمين، وأن يعود الكفر، ويبور الدين، لكنا على غير ما كنا لهم عليه([238]). علي عليه السلام : علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة بنت أبي بكر أن أصحاب الجمل وأصحاب النهروان ملعونون على لسان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولايدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط([239]). علي عليه السلام : لما عقر الجمل وقف على عائشة فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قالت : ذيت وذيت. فقال : أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لقد ملأت أذنيك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يلعن أصحاب الجمل وأصحاب النهروان أما أحياؤهم فيقتلون في الفتنة وأما أمواتهم ففي النار على ملة اليهود([240]). علي عليه السلام : لما نظر علي عليه السلام إلى أصحاب معاوية وأهل الشام قال : والذي فلق الحبة وبرئ النسمة ما أسلموا ولكن استسلموا وأسروا الكفر فلما وجدوا عليه أعوانا رجعوا إلى عداوتهم لنا إلا أنهم لم يتركوا الصلاة([241]). علي عليه السلام : حين برز أهل الجمل قال : والله لقد علمت صاحبة الهودج أن أهل الجمل ملعونون على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم وقد خاب من افترى([242]). علي عليه السلام : وقد سأله ابن الكوا قوله تعالى : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً [الكهف : 103]) فقال عليه السلام إنهم أهل حرورا ثم قال : (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً [الكهف : 104]) في قتال علي بن أبي طالب عليه السلام : (أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا) بولاية علي عليه السلام واتخذوا آيات القرآن * (وَرُسُلِي) * يعني محمدا صلى الله عليه وآله وسلم * (هُزُواً) *. استهزؤا بقوله : (ألا من كنت مولاه فعلي مولاه) وأنزل في أصحابه : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً [الكهف]) فقال ابن عباس نزلت في أصحاب الجمل([243]). علي عليه السلام : وقد جاءه رجل يوم الجمل ووقف بين يديه فقال : يا أمير المؤمنين كبر القوم وكبرنا وهلل القوم وهللنا وصلى القوم وصلينا فعلام نقاتلهم ؟ فقال : على هذه (الآية تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة : 253]) فنحن الذين من بعدهم " من بعد ما جائتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد " فنحن الذين آمنا وهم الذين كفروا، فقال الرجل : كفر القوم ورب الكعبة ثم حمل فقاتل حتى قتل رحمه الله ([244]). علي عليه السلام : حتى إذا دعا الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ورفعه إليه لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة أو وميض من برقة إلى أن رجعوا على الأعقاب وانتكصوا على الادبار وطلبوا بالأوتار وأظهروا الكتائب وردموا الباب وفلوا الديار وغيروا آثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورغبوا عن أحكامه وبعدوا من أنواره واستبدلوا بمستخلفه بديلا اتخذوه وكانوا ظالمين وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولى بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن اختار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمقامه وأن مهاجر آل أبي قحافة خير من المهاجري الأنصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف، ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الاسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان رجعوا عن ذلك وقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مضى ولم يستخلف فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الاسلام وعن قليل يجدون غب ما يعملون وسيجد التالون غب ما أسسه الأولون([245]). علي عليه السلام : في ذكر أصحاب الجمل :... فخرجوا يجرون حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما تجر الأمة عند شرائها، متوجهين بها إلى البصرة فحبسا نساءهما في بيوتهما وأبرزا حبيس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهما ولغيرهما في جيش ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعا غير مكره فقدموا على عاملي بها وخزان بيت مال المسلمين وغيرهم من أهلها فقتلوا طائفة صبرا وطائفة غدرا، فوالله لو لم يصيبوا من المسلمين إلا رجلا واحدا معتمدين لقتله بلا جرم جره، لحل لي قتل ذلك الجيش كله إذ حضروه فلم ينكروا، ولم يدفعوا عنه بلسان ولا بيد دع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين مثل العدة التي دخلوا بها عليهم([246]). علي عليه السلام : في خبر من ادعى التناقض في القرآن : إن الكناية عن أسماء ذوي الجرائر العظيمة من المنافقين في القرآن ليست من فعله تعالى وإنها من فعل المغيرين والمبدلين، الذين جعلوا القرآن عضين، واعتاضوا الدنيا من الدين. وقد بين الله تعالى قصص المغيرين بقوله : (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً... [البقرة : 79]) وبقوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ... [آل عمران : 78]) وبقوله : (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ... [النساء : 108]). بعد فقد الرسول مما يقيمون به أود باطلهم، حسب ما فعلته اليهود والنصارى، بعد فقد موسى وعيسى من تغيير التوراة والإنجيل، وتحريف الكلم عن مواضعه، وبقوله : (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [التوبة : 32]). يعني أنهم أثبتوا في الكتب ما لم يقله الله، ليلبسوا على الخليفة، فأعمى الله قلوبهم حتى تركوا فيه ما دل على ما أحدثوه فيه، وحرفوا منه، وبين عن إفكهم وتلبيسهم، وكتمان ما علموه منه، ولذلك قال لهم : (لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ... [آل عمران : 71]) وضرب مثلهم بقوله : (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ... [الرعد : 17]). فالزبد في هذا الموضع كلام الملحدين الذين أثبتوه في القرآن فهو يضمحل ويبطل، ويتلاشى عند التحصيل، والذي ينفع الناس منه فالتنزيل الحقيقي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والقلوب تقبله، والأرض في هذا الموضع هي محل العلم وقراره وليس يسوغ مع عموم التقية التصريح بأسماء المبدلين ولا الزيادة في آياته على ما أثبتوه من تلقائهم في الكتاب، لما في ذلك من تقوية حجج أهل التعطيل والكفر والملل المنحرفة عن قبلتنا، وإبطال هذا العلم الظاهر الذي قد استكان له الموافق والمخالف بوقوع الاصطلاح على الايتمار لهم، والرضا بهم، ولان أهل الباطل في القديم والحديث أكثر عددا من أهل الحق، ولان الصبر على ولاة الامر مفروض لقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ... [الأحقاف : 35]) وإيجابه مثل ذلك على أوليائه وأهل طاعته، بقوله : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ... [الأحزاب : 21]) فحسبك من الجواب في هذا الموضع ما سمعت، فان شريعة التقية تحظر التصريح بأكثر منه. ثم قال عليه السلام بعد ذكر بعض الآيات الواردة في شأنهم عليه السلام وتأويلها : وإنما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعملها غيره، وغير أنبيائه وحججه في أرضه، لعلمه بما يحدث في كتابه المبدلون من إسقاط أسماء حججه منه، وتلبيسهم ذلك على الأمة، ليعينوهم على باطلهم، فأثبت فيه الرموز وأعمى قلوبهم وأبصارهم لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدال على ما أحدثوه فيه، وجعل أهل الكتاب القائمين به، العالمين بظاهره وباطنه، من شجرة " أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين باذن ربها " أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره. ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بينت لك تأويلها لأسقطوها مع ما أسقطوا منه، ولكن الله تبارك اسمه ماض حكمه بايجاب الحجة على خلقه، كما قال الله : (قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ... [الأنعام : 149]) أغشى أبصارهم وجعل على قلوبهم أكنة عن تأمل ذلك، فتركوه بحاله، وحجبوا عن تأكيد الملتبس بابطاله، فالسعداء ينتبهون عليه، والأشقياء يعمهون عنه، ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور. ثم إن الله جل ذكره بسعة رحمته، ورأفته بخلقه، وعلمه بما يحدثه المبدلون من تغيير كلامه، قسم كلامه ثلاثة أقسام : فجعل قسما منه يعرفه العالم والجاهل، وقسما لا يعرفه إلا من صفا ذهنه، ولطف حسه، وصح تمييزه، ممن شرح الله صدره للاسلام، وقسما لا يعرفه إلا الله وامناؤه والراسخون في العلم وإنما فعل ذلك لئلا يدعي أهل الباطل من المستولين على ميراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من علم الكتاب ما لم يجعله الله لهم، وليقودهم الاضطرار إلى الايتمار بمن ولاه أمرهم، فاستكبروا عن طاعته، تعززا وافتراء على الله عز وجل، واغترارا بكثرة من ظاهرهم وعاونهم، وعاند الله جل اسمه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. فأما ما علمه الجاهل والعالم من فضل رسول الله من كتاب الله فهو قول الله سبحانه : (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ... [النساء : 80]) وقوله : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب : 56]) ولهذه الآية ظاهر وباطن، فالظاهر قوله : " صلوا عليه " والباطن قوله : " وسلموا تسليما " أي سلموا لمن وصاه واستخلفه عليكم فضله، وما عهد به إليه تسليما، وهذا مما أخبرتك أنه لا يعلم تأويله إلا من لطف حسه، وصفا ذهنه، وصح تمييزه. وكذلك قوله : (سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ [الصافات : 130]) لان الله سمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الاسم حيث قال : (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [يس 1-3]) لعلمه أنهم يسقطون قول : " سلام على آل محمد " كما أسقطوا غيره، وما زال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتألفهم ويقربهم ويجلسهم عن يمينه وشماله، حتى أذن الله عز وجل له في إبعادهم بقوله : (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً [المزّمِّل : 10] " وبقوله : فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ * عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ * كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ [المعارج : 36-39]) وكذلك قال الله عز وجل : (يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ... [الإسراء : 71]) ولم يسم بأسمائهم وأسماء آبائهم وأمهاتهم. وأما قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ... [القصص : 88]) فالمراد كل شئ هالك إلا دينه لان من المحال أن يهلك منه كل شئ، ويبقى الوجه، هو أجل وأعظم وأكرم من ذلك، وإنما يهلك من ليس منه، ألا ترى أنه قال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ... [الرحمن : 26-27]) ففصل بين خلقه ووجهه. وأما ظهورك على تناكر قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى... [النساء : 3]) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء، ولا كل النساء أيتاما، فهو لما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين من القرآن، وبين القول في اليتامى وبين نكاح النساء من الخطاب والقصص أكثر من ثلث القرآن، وهذا وما أشبهه ظهرت حوادث المنافقين فيه، لأهل النظر والتأمل، ووجد المعطلون وأهل الملل المخالفة للاسلام مساغا إلى القدح في القرآن، ولو شرحت لك كل ما اسقط وحرف وبدل مما يجري هذا المجرى لطال، وظهر ما تحظر التقية إظهاره من مناقب الأولياء ومثالب الأعداء([247]). علي عليه السلام : وقد سأله إبن عباس يوم اكره على بيعة أبي بكر : أين شجاعتك التي كانت في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يجبه حتى إذا كان يوم الجمل أجابه، وقال : يا بن عباس أتذكر يوما قلت لي كذا وكذا، فقال صلوات الله عليه : لو قاتلت القوم وقتلتهم لم يكن معنا اليوم من هؤلاء أحد([248]). علي عليه السلام : مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو على أمته ساخط إلا الشيعة([249]). علي عليه السلام : وقد بلغه أن قوماً احتجوا في مسجد الكوفة، فقالوا : ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع الثلاثة، كما نازع طلحة والزبير وعائشة ومعاوية ؟ فبلغه ذلك فأمر أن ينادى بالصلاة جامعة، فلما احتجوا صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : معاشر الناس انه بلغني عنكم كذا وكذا، قالوا : صدق أمير المؤمنين قد قلنا ذلك، قال : فان لي بستة الأنبياء أسوة فيما فعلت، قال الله عز وجل (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ... [الأحزاب : 21]) قالوا : ومن هم يا أمير المؤمنين ؟. قال : أولهم إبراهيم عليه السلام إذ قال لقومه (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ... [مريم : 48]) فان قلتم : ان إبراهيم اعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم فقد كفرتم، وان قلتم : اعتزلهم لمكروه رآه منهم فالوصي أعذر. ولي بابن خالته لوط أسوة، إذ قال لقومه (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ [هود : 80]) فان قلتم : ان لوطا كانت له بهم قوة فقد كفرتم، وان قلتم لم يكن له قوة فالوصي أعذر. ولي بيوسف عليه السلام أسوة، إذ قال (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ... [يوسف : 33]) فان قلتم : ان يوسف دعا ربه وسأله السجن لسخط ربه فقد كفرتم، وان قلتم : انه أراد بذلك لئلا يسخط ربه عليه فاختار السجن، فالوصي أعذر. ولي بموسى عليه السلام أسوة، إذ قال : (فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ... [الشعراء : 21]) فان قلتم : ان موسى فر من قومه بلا خوف كان منهم فقد كفرتم، وان قلتم : ان موسى خاف منهم فالوصي أعذر. ولي بأخي هارون عليه السلام أسوة، إذ قال لأخيه (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي... [الأعراف : 150]) فان قلتم : لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم، وان قلتم : استضعفوه وأشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم، فالوصي أعذر. ولي بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حين فر من قومه ولحق بالغار من خوفهم وأنامني على فراشه، فان قلتم : فر من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم، وان قلتم : خافهم وأنامني على فراشه ولحق هو بالغار من خوفهم، فالوصي أعذر([250]). علي عليه السلام : لعن أهل الجمل. فقال رجل : يا أمير المؤمنين إلا من كان منهم مؤمنا ! ! فقال عليه السلام : ويلك ما كان فيهم مؤمن. ثم قال أبو جعفر : لو أن عليا قتل مؤمنا واحدا لكان شرا عندي من حماري هذا وأومئ بيده إلى حمار بين يديه([251]). علي عليه السلام : أيها الناس والله ما قاتلت هؤلاء - طلحة والزبير وعائشة - بالأمس الا بآية تركتها في كتاب الله ان الله يقول (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة : 12]) اما والله لقد عهد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لي يا علي لتقاتلن الفئة الباغية والفئة الناكثة، والفئة المارقة ([252]). علي عليه السلام : قرأ يوم الجمل (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ... [التوبة : 12]) إلى آخر الآية ثم قال : ما قوتل أهلها منذ يوم نزلت حتى كان اليوم([253]). علي عليه السلام : لإبن عباس : أتشهد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انه استخلف فلانا ؟ قال : ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى إلا إليك، قال : فهلا بايعتني ؟ قال : اجتمع الناس عليه فكنت منهم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام كما اجتمع أهل العجل على العجل ها هنا فتنتم ومثلكم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون صم بكم عمي فهم لا يرجعون([254]). علي عليه السلام : وقد جاءه العباس وقال انطلق بنا نبايع لك الناس، فقال أمير المؤمنين عليه السلام أتراهم فاعلين ؟ قال : نعم قال فأين قوله : (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت : 2-3]([255]). علي عليه السلام : في حواب من سأله عن خصال الأوصياء : أما الثانية يا أخا اليهود، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني في حياته على جميع أمته وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لامري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدى إليهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمره إذا حضرته والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الامر في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بعد وفاته، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع النبي أحدا من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ممن يخاف على نقضه ومنازعته ولا أحدا ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم والمؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده، ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم وأوعز فيه أبلغ الإيعاز وأكد فيه أكثر التأكيد فلم أشعر بعد أن قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أنهضهم له وأمرهم به وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم والسير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه، فخلفوا أميرهم مقيما في عسكره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضا إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل لي ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم في أعناقهم فحلوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقدا ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم من غير مناظرة لاحد منا بني عبد المطلب أو مشاركة في رأي أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلو ذلك وأنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشغول وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها، فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذا أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال : أليس كذلك ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين([256]). علي عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي لا يحفظني فيك إلا الأتقياء الأنقياء الأبرار الأصفياء وما هم في أمتي إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود في الليل الغابر([257]). علي عليه السلام : وقد دخل سلمان عليه فسأله عن نفسه. فقال : يا سلمان أنا الذي دعيت الأمم كلها إلى طاعتي فكفرت فعذبت بالنار وأنا خازنها عليهم حقا أقول يا سلمان : إنه لا يعرفني أحد حق معرفتي إلا كان معي في الملا الاعلى. أخذ الله على الناس الميثاق بي فصدق من صدق وكذب من كذب فهو في النار، وأنا الحجة البالغة والكلمة الباقية، وأنا سفير السفراء([258]). علي عليه السلام : من لم يقر بولايتي لم ينفعه الاقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ألا إنهما مقرونان. وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نبي مرسل وهو إمام الخلق، وعلي من بعده إمام الخلق ووصي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ([259]). علي عليه السلام : إني لاولى الناس بالناس وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقام الأشعث بن قيس لعنه الله فقال : يا أمير المؤمنين ! لم تخطبنا خطبة منذ قدمت العراق إلا وقلت : والله إني لاولى الناس بالناس، وما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! ولما ولي تيم وعدي، الا ضربت بسيفك دون ظلامتك ؟ ! فقال له أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه : يا بن الخمارة ! قد قلت قولا فاستمع، والله ما منعني الجبن ولا كراهية الموت، ولا منعني ذلك إلا عهد أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، خبرني وقال : يا أبا الحسن ! إن الأمة ستغدر بك وتنقض عهدي، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى. فقلت : يا رسول الله ! فما تعهد إلي إذا كان كذلك ؟ فقال : إن وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتغلت بدفنه والفراغ من شأنه، ثم آليت يمينا أني لا أرتدي إلا للصلاة حتى أجمع القرآن، ففعلت، ثم أخذت بيد فاطمة وابني الحسن والحسين ثم درت على أهل بدر وأهل السابقة فناشدتهم حقي ودعوتهم إلى نصري، فما أجابني منهم إلا أربعة رهط : سلمان وعمار والمقداد وأبو ذر، وذهب من كنت أعتضد بهم على دين الله من أهل بيتي، وبقيت بين خفيرتين قريبي العهد بجاهلية : عقيل والعباس. فقال له الأشعث : يا أمير المؤمنين ! كذلك كان عثمان لما لم يجد أعوانا كف يده حتى قتل مظلوما ؟. فقال أمير المؤمنين : يا بن الخمارة ! ليس كما قست، إن عثمان لما جلس جلس في غير مجلسه، وارتدى بغير ردائه، وصارع الحق فصرعه الحق، والذي بعث محمدا بالحق لو وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رهطا لجاهدتهم في الله إلى أن أبلي عذري. ثم أيها الناس ! إن الأشعث لا يزن عند الله جناح بعوضة، وإنه أقل في دين الله من عفطة عنز([260]). علي عليه السلام : قال الله - لنبيه - : (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيداً [النساء : 41]) فلا يستطيعون رد شهادته، خوفا من أن يختم الله على أفواههم، وأن تشهد عليهم جوارحهم بما كانوا يعملون، ويشهد على منافقي قومه، وأمته، وكفارهم بإلحادهم، وعنادهم، ونقضهم عهده، وتغييرهم سنته، واعتدائهم على أهل بيته، وانقلابهم على أعقابهم، وارتدادهم على أدبارهم، واحتذائهم في ذلك سنة من تقدمهم من الأمم الظالمة، الخائنة لأنبيائها، فيقولون بأجمعهم : (قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ [المؤمنون : 106])([261]). علي عليه السلام : لما أخذ لبيعة علي بالإكراه : اللهم إنك تعلم أن النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم قال لي : إن تموا عشرين فجاهدهم، وهو قولك في كتابك : (إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ [الأنفال : 65]) اللهم إنهم لم يتموا - حتى قالها ثلاثا - ثم انصرف([262]). فاطمة عليها السلام : وقد دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في سكرات الموت فانكبت عليه تبكي ففتح عينه وأفاق ثم قال عليه السلام يا بينة أنت المظلومة بعدي وأنت المستضعفة بعدي فمن آذاك فقد آذاني ومن غاظك فقد غاظني ومن سرك فقد سرني ومن برك فقد برني ومن جفاك فقد جفاني ومن وصلك فقد وصلني ومن قطعك فقد قطعني ومن أنصفك فقد أنصفني ومن ظلمك فقد ظلمني لأنك منى وأنا منك وأنت بضعة منى وروحي التي بين جنبي ثم قال عليه السلام إلى الله أشكو ظالميك من أمتي([263]). فاطمة عليها السلام : لما اشتدت علتها، اجتمع عندها نساء المهاجرين والأنصار، فقلن لها : يا بنت رسول الله : كيف أصبحت عن علتك ؟ فقالت عليها السلام : أصبحت والله عائفة لدنياكم، قالية لرجالكم، لفظتهم قبل أن عجمتهم وشنئتهم بعد أن سبرتهم، فقبحا لفلول الحد، وخور القناة، وخطل الرأي، وبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون، لا جرم لقد قلدتهم ربقتها، وشننت عليهم غارها فجدعا، وعقرا، وسحقا للقوم الظالمين. ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة، ومهبط الوحي الأمين، والطبين بأمر الدنيا والدين، ألا ذلك هو الخسران المبين، وما نقموا من أبي الحسن، نقموا والله منه نكير سيفه، وشدة وطئه، ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله عز وجل. والله لو تكافوا عن زمام نبذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه لاعتلقه، ولسار بهم سيرا سجحا، لا يكلم خشاشه، ولا يتعتع راكبه، ولأوردهم منهلا نميرا فضفاضا تطفح ضفتاه ولأصدرهم بطانا، قد تحير بهم الري غير متحل منه بطائل إلا بغمر الماء وردعة شررة الساغب، ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض، وسيأخذهم الله بما كانوا يكسبون. ألا هلم فاسمع وما عشت أراك الدهر العجب، وإن تعجب فقد أعجبك الحادث إلى أي سناد استندوا، وبأي عروة تمسكوا، استبدلوا الذنابى والله بالقوادم والعجز بالكاهل. فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون، أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون. أما لعمر إلهك لقد لقحت فنظرة ريث ما تنتج ثم احتلبوا طلاع القعب دما عبيطا، وذعافا ممقرا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون، غب ما سن الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم أنفسا، وطأمنوا للفتنة جأشا، وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا، وزرعكم حصيدا فيا حسرتي لكم، وأنى بكم، وقد عميت قلوبكم عليكم أن الزمكموها وأنتم لها كارهون ([264]). فاطمة عليها السلام : وقد دخلت عليها أم سلمة فقالت لها : كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قالت : أصبحت بين كمد وكرب، فقد النبي وظلم الوصي، هتك والله حجابه، من أصبحت إمامته مقتضبة على غير ما شرع الله في التنزيل، وسنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في التأويل ولكنها أحقاد بدرية، وترات أحدية، كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة لامكان الوشاة، فلما استهدف الامر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق فيقطع وتر الايمان من قسي صدورها، ولبئس - على ما وعد الله من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين - أحرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد انتصار، ممن فتك بآبائهم في مواطن الكرب، ومنازل الشهادات ([265]). فاطمة عليها السلام : لما بايع الناس أبا بكر خرجت ووقفت على بابها وقالت : ما رأيت كاليوم قط، حضروا أسوء محضر، تركوا نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم جنازة بين أظهرنا واستبدوا بالأمر دوننا([266]). زين العابدين عليه السلام : وقد عرض عليه قال أبان بن أبي عياش كتاب سليم بن قيس فقال لي : صدق سليم رحمه الله فقلت له : جعلت فداك إنه يضيق صدري ببعض ما فيه لان فيه هلاك أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم رأسا من المهاجرين والأنصار رأسا والتابعين غيركم أهل البيت وشيعتكم فقال : يا أخا عبد القيس أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : " إن مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح في قومه من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وكمثل باب حطة في بني إسرائيل " ؟ قلت : نعم، فقال : أوليس هذا الحديث وحده ينتظم جميع ما أفظعك وعظم في صدرك من تلك الأحاديث ؟ اتق الله يا أخا عبد القيس فإن وضح لك أمر فاقبله وإلا فاسكت تسلم، ورد علمه إلى الله، فإنك بأوسع مما بين السماء والأرض([267]) زين العابدين عليه السلام : وقد سئل : لم أبغضت قريش عليا عليه السلام ؟. قال : لأنه أورد أولهم النار وقلد آخرهم العار([268]). زين العابدين عليه السلام : وقد جاءه رجل من أهل الشام فقال : أنت علي بن الحسين ؟ قال : نعم، قال أبوك الذي قتل المؤمنين ؟ فبكى علي بن الحسين ثم مسح عينيه فقال : ويلك كيف قطعت على أبى انه قتل المؤمنين ؟ قال : قوله : اخواننا قد بغوا علينا فقاتلناهم على بغيهم، فقال : ويلك اما تقرأ القرآن ؟ قال : بلى، قال : فقد قال الله : (وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً، وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً) فكانوا اخوانهم في دينهم أو في عشيرتهم ؟ قال له الرجل : لا بل في عشيرتهم، قال : فهؤلاء اخوانهم في عشيرتهم وليسوا اخوانهم، في دينهم قال : فرجت عنى فرج الله عنك([269]). الباقر عليه السلام : قال : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قبض لم يكن على أمر الله إلا علي والحسن والحسين وسلمان والمقداد وأبو ذر، فمكثوا أربعين حتى قام علي فقاتل من خالفه ([270]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى عزوجل : (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم : 41]) قال : ذاك والله حين قالت الأنصار : منا أمير ومنكم أمير([271]). الباقر عليه السلام : قال وقد قيل له : إن الناس يفزعون إذا قلنا : إن الناس ارتدوا، فقال : إن الناس عادوا بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل جاهلية، إن الأنصار اعتزلت فلم تعتزل بخير جعلوا يبايعون سعدا وهم يرتجزون ارتجاز الجاهلية، يا سعد أنت المرجاء وشعرك المرجل وفحلك المرجم([272]). الباقر عليه السلام : الناس صاروا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة من اتبع هارون عليه السلام ومن اتبع العجل وإن أبا بكر دعا فأبى علي عليه السلام إلا القرآن وإن عمر دعا فأبى علي عليه السلام إلا القرآن وإن عثمان دعا فأبى علي عليه السلام إلا القرآن وإنه ليس من أحد يدعو إلى أن يخرج الدجال إلا سيجد من يبايعه ومن رفع راية ضلال فصاحبها طاغوت، وقال المجلسي في تعليقه على الرواية : قوله : " وإن أبا بكر دعا " أي عليا عليه السلام إلى موافقته أو جميع الناس إلى بيعته وموافقته، فلم يعمل أمير المؤمنين عليه السلام في زمانه إلا بالقرآن ولم يوافقه في بدعه([273]). الباقر عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش وسائر مضر، منهم أبو سفيان بن حرب وعيينة بن حصين الفزاري وأشباههم من الناس فغضبت الأنصار واجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجعرانة فقال : يا رسول الله أتأذن لي في الكلام ؟ فقال : نعم فقال : إن كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزله الله رضينا وإن كان غير ذلك لم نرض، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا معشر الأنصار أكلكم على قول سيدكم سعد ؟ فقالوا : سيدنا الله ورسوله : ثم قالوا في الثالثة : نحن على مثل قوله ورأيه. قال الباقر عليه السلام : فحط الله نورهم. وفرض الله للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن »([274]). الباقر عليه السلام : أن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن ومنهم من كفر([275]). الباقر عليه السلام : لقد خاطب الله أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه. قيل في أي موضع ؟ قال : في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً * فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمدا ألا يردوا هذا الامر في بني هاشم ( ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ)(عليهم من القتل أو العفو) (وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [النساء : 64-65])([276]). الباقر عليه السلام : وقد سأله زرارة : أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق ؟ فقال : " إن الله عزوجل بعث محمدا صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس أجمعين رسولا وحجة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمد رسول الله واتبعه وصدقه فإن معرفة الإمام منا واجبة عليه ؛ ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتبعه ولم يصدقه ويعرف حقهما، فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقهما ؟ ! ". قال : قلت : فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدق رسوله في جميع ما أنزل الله، يجب على أولئك حق معرفتكم ؟ قال : " نعم، أليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا ؟ " قلت : بلى، قال : " أترى أن الله هو الذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء ؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلا الشيطان، لا والله، ما ألهم المؤمنين حقنا إلا الله عز وجل " ([277]). قال النائيني في شرحه على الحديث : قوله عليه السلام : (أليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا) إشارة إلى جهة احتياجهم إلى الإمام بعد تصديقهم النبي في جميع ما أنزل الله، وهو أن هؤلاء العارفين من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أضلهم الشيطان حتى أطاعوا فلانا وفلانا، وانقادوا لهم واتخذوهم إماما فانجر إلى ما انجر إليه من الظلم والطغيان والضلال والعصيان، فالمصدق للنبي في جميع ما أنزل الله ليس يأمن من الشيطان وإضلاله، فيحتاج إلى الإمام لرفع الأوهام والشبه الفاسدة التي يلقيها الشيطان في أذهانهم، ويستحسنها نفوسهم على وفق أهويتها الباطلة وأمانيها الفاسدة([278]). الباقر عليه السلام : إن الناس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر لم يمنع أمير المؤمنين عليه السلام من أن يدعو إلى نفسه إلا نظرا للناس وتخوفا عليهم أن يرتدوا عن الاسلام فيعبدوا الأوثان ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان الاحب إليه أن يقرهم على ما صنعوا من أن يرتدوا عن جميع الاسلام وإنما هلك الذين ركبوا ما ركبوا. فأما من لم يصنع ذلك ودخل فيما دخل فيه الناس على غير علم ولا عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام فإن ذلك لا يكفره ولا يخرجه من الاسلام ولذلك كتم علي عليه السلام أمره وبايع مكرها حيث لم يجد أعوانا([279]). الباقر عليه السلام : وقد سأله حمران بن أعين : جعلت فداك ما أقلنا لو اجتمعنا على شاة ما أفنيناها ؟ فقال : ألا أحدثك بأعجب من ذلك، المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثة قال حمران : فقلت : جعلت فداك ما حال عمار ؟ قال : رحم الله عمارا أبا اليقظان بايع وقتل شهيدا، فقلت : في نفسي ما شئ أفضل من الشهادة فنظر إلي فقال : لعلك ترى أنه مثل الثلاثة أيهات أيهات([280]). الباقر عليه السلام : ارتد الناس الا ثلاثة نفر سلمان وأبو ذر والمقداد قال : فقيل : فعمار ؟ قال : قد كان جاض جيضة ثم رجع، ثم قال : إن أردت الذي لم يشك ولم يدخله شئ فالمقداد، فأما سلمان فإنه عرض في قلبه عارض ان عند أمير المؤمنين عليه السلام اسم الله الأعظم لو تكلم به لأخذتهم الأرض وهو هكذا، فلبب ووجئت عنقه حتى تركت كالسلقة، فمر به أمير المؤمنين عليه السلام فقال له يا أبا عبد الله هذا من ذاك بايع، فبايع، وأما أبو ذر فأمره أمير المؤمنين عليه السلام بالسكوت ولم يكن يأخذه في الله لومة لائم فأبي الا أن يتكلم فمر به عثمان فأمر به، ثم أناب الناس بعد فكان أول من أناب أبو سنان الأنصاري وأبو عمرة وشتيرة وكانوا سبعة، فلم يكن يعرف حق أمير المؤمنين عليه السلام الا هؤلاء السبعة([281]). الباقر عليه السلام : ارتد الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة نفر : المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي، ثم إن الناس عرفوا ولحقوا بعد([282]). الباقر عليه السلام : كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة، فقلت : ومن الثلاثة ؟ قال : المقداد وأبو ذر وسلمان الفارسي، ثم عرف أناس بعد يسير فقال : هؤلاء الذين دارت عليهم الرحا وأبوا أن يبايعوا حتى جاؤوا بأمير المؤمنين عليه السلام مكرها فبايع، وذلك قول الله : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران : 144])([283]). الباقر عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قبض صار الناس كلهم أهل جاهلية إلا أربعة : علي، والمقداد، وسلمان، وأبو ذر، فقلت : فعمار ؟ فقال : إن كنت تريد الذين لم يدخلهم شئ فهؤلاء الثلاثة([284]). الباقر عليه السلام : جاء المهاجرون والأنصار وغيرهم بعد ذلك إلى علي عليه السلام فقالوا له : أنت والله أمير المؤمنين، وأنت والله أحق الناس وأولاهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هلم يدك نبايعك، فوالله لنموتن، قدامك، فقال علي عليه السلام : إن كنتم صادقين فاغدوا علي غدا محلقين، فحلق علي عليه السلام وحلق سلمان، وحلق مقداد، وحلق أبو ذر، ولم يحلق غيرهم ثم انصرفوا، فجاؤوا مرة أخرى بعد ذلك، فقالوا له : أنت والله أمير المؤمنين، وأنت أحق الناس وأولاهم بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم هلم يدك نبايعك وحلفوا فقال : إن كنتم صادقين فاغدوا علي محلقين، فما حلق إلا هؤلاء الثلاثة، قلت : فما كان منهم عمار، قال : لا، قلت : فعمار من أهل النار - وفي لفظ : النفاق، وفي آخر : الردة؟، فقال : إن عمارا قد قاتل مع علي عليه السلام بعد([285]). الباقر عليه السلام : وقد سئل عن عمار فقال : رحم الله عمارا ثلاثا، قاتل مع أمير المؤمنين وقتل شهيدا. قال الراوي : فقلت في نفسي : ما يكون منزلة أعظم من هذه المنزلة، فالتفت إلي وقال : لعلك تقول مثل الثلاثة ؟ هيهات هيهات([286]). الباقر عليه السلام : في قول الله تبارك وتعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ... [الحديد : 13-14]). قال : أما إنها نزلت فينا وفي شيعتنا وفي الكفار، إما إنه إذا كان يوم القيامة وحبس الخلائق في طريق المحشر ضرب الله سورا من ظلمة فيه باب باطنه فيه الرحمة، يعني النور وظاهره من قبله العذاب، يعني الظلمة، فيصيرنا الله وشيعتنا في باطن السور الذي فيه الرحمة والنور، ويصير عدونا والكفار في ظاهر السور الذي فيه الظلمة فيناديكم عدونا وعدوكم من الباب الذي في السور من ظاهره : ألم نكن معكم في الدنيا، نبينا ونبيكم واحد، وصلاتنا وصلاتكم وصومنا وصومكم وحجنا وحجكم واحد ؟ قال : فيناديهم الملك من عند الله : (بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ) بعد نبيكم ثم توليتم وتركتم اتباع من أمركم به نبيكم (وَتَرَبَّصْتُمْ) به الدوائر (وَارْتَبْتُمْ) فيما قال فيه نبيكم (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ) وما اجتمعتم عليه من خلافكم لأهل الحق وغركم حلم الله عنكم في تلك الحال حتى جاء الحق ويعني بالحق ظهور علي بن أبي طالب عليه السلام ومن ظهر من الأئمة عليه السلام بعده بالحق وقوله : (وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد : 14]) يعني الشيطان (فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي لا توجد حسنة تفدون بها أنفسكم (مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الحديد : 15])([287]). الباقر عليه السلام : وقد سأله سالم الحناط عن قول الله عز وجل : (فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات : 35-36]). فقال أبو جعفر عليه السلام : آل محمد لم يبق فيها غيرهم. قال المجلسي : كأن الضمير على هذا التأويل راجع إلى المدينة، وهو إشارة إلى خروج أمير المؤمنين وأهل بيته عليهم السلام منها إلى الكوفة، أو المعنى أن المدينة وخروج علي عليه السلام منها كانت شبيهة بقرية لوط وخروجه منها، إذ لما أراد الله إهلاكهم أخرجه منها، فكذا لما أراد أن يشمل أهل المدينة بسخطه لكفرهم وضلالتهم أخرج أمير المؤمنين عليه السلام وأهل بيته منها، فشملهم من البلايا الصورية والمعنوية أصنافها([288]). الباقر عليه السلام : قوله عز وجل : (أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ... كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ [الرعد : 19]) هو علي بن أبي طالب، والأعمى هنا هو عدوه، وأولو الألباب شيعته الموصوفون بقوله تعالى : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ [الرعد : 20]) المأخوذ عليهم في الذر بولايته ويوم الغدير([289]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : (كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ.. [البقرة : 167]) إذا عاينوا عند الموت ما أعد لهم من العذاب الأليم، وهم أصحاب الصحيفة التي كتبوا على مخالفة على " وما هم بخارجين من النار ". وعنه عليه السلام في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً... [آل عمران : 118]) أعلمهم. بما في قلوبهم وهم أصحاب الصحيفة ([290]). الباقر عليه السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش، وتظاهرهم علينا، وقتلهم إيانا، وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وقد قام بحقنا، وأمر بطاعتنا، وفرض ولايتنا، ومودتنا، وأخبرهم بأنا أولى بهم من أنفسهم، وأمر أن يبلغ الشاهد الغائب، فتظاهروا على على عليه السلام فاحتج عليهم بما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، وما سمعت العامة فقالوا : صدقت، قد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن قد نسخه، فقال : إنا أهل بيت أكرمنا الله عز وجل واصطفانا، ولم يرض لنا بالدنيا، وإن الله لا يجمع لنا النبوة والخلافة فشهد له بذلك أربعة نفر عمر وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسالم مولى أبي حذيفة، فشبهوا على العامة وصدقوهم، وردوهم على أدبارهم، وأخرجوها من معدنها، حيث جعلها الله. واحتجوا على الأنصار بحقنا فعقدوها لأبي بكر ثم ردها أبو بكر إلى عمر يكافيه بها ثم جعلها عمر شورى بين ستة، ثم جعلها ابن عوف لعثمان على أن يردها عليه فغدر به عثمان وأظهر ابن عوف كفره وجهله، وطعن في حياته، وزعم أن عثمان سمه فمات. ثم قام طلحة والزبير فبايعا عليا عليه السلام طائعين غير مكرهين، ثم نكثا وغدرا وذهبا بعائشة معهما إلى البصرة، ثم دعا معاوية طغاة أهل الشام إلى الطلب بدم عثمان، ونصب لنا الحرب، ثم خالفه أهل حرورا على أن يحكم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فلو كانا حكما بما شرط عليهما لحكما أن عليا أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب الله وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وفي سنته، فخالفه أهل النهروان وقاتلوه([291]). الباقر عليه السلام : أن عليا عليه السلام حمل فاطمة صلوات الله عليها على حمار، وسار بها ليلا إلى بيوت الأنصار يسألهم النصرة، وتسألهم فاطمة عليها السلام الانتصار له، فكانوا يقولون يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، لو كان ابن عمك سبق إلينا أبا بكر ما عدلناه به، فقال علي عليه السلام : أكنت أترك رسول الله ميتا في بيته لا أجهزه وأخرج إلى الناس أنازعهم في سلطانه ؟ وقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، وصنعوا هم ما الله حسيبهم عليه([292]). الباقر عليه السلام : قال : اعلم أن أئمة الجور وأتباعهم لمعزولون عن دين الله قد ضلوا وأضلوا، فأعمالهم التي يعملونها كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شئ ذلك هو الضلال البعيد([293]). الباقر عليه السلام : ما شأن أمير المؤمنين عليه السلام حين ركب منه ما ركب، لم يقاتل ؟. فقال : للذي سبق في علم الله أن يكون، ما كان لأمير المؤمنين عليه السلام أن يقاتل وليس معه إلا ثلاثة رهط، فكيف يقاتل ؟ ألم تسمع قول الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال : 15]) فكيف يقاتل أمير المؤمنين عليه السلام بعد هذا ؟. وإنما هو يومئذ ليس معه مؤمن غير ثلاثة رهط([294]). الباقر عليه السلام : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ولكن سيكون من بعدي أئمة على الناس من الله من أهل بيتي، يقومون في الناس فيكذبون، ويظلمهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، فمن والاهم، واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه برئ([295]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : والذين كفروا بولاية علي بن أبي طالب أولياؤهم الطاغوت نزلت في أعدائه ومن تبعهم أخرجوا الناس من النور والنور ولاية علي عليه السلام فصاروا إلى الظلمة ولاية أعدائه ([296]). الباقر عليه السلام : وقد قيل له : ان العامة يزعمون أن بيعة أبى بكر حيث اجتمع الناس كانت رضا الله عز ذكره، وما كان الله ليفتن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم من بعده، فقال : أو ما يقرأون كتاب الله أوليس الله يقول : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران : 144]). فقيل له : انهم يفسرون على وجه آخر، قال أوليس قد أخبر الله عز وجل عن الذين من قبلهم من الأمم انهم قد اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات حيث قال : (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْوَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة : 253]). وفى هذا ما يستدل به على أن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم قد اختلفوا من بعده فمنهم من آمن ومنهم من كفر([297]). الباقر عليه السلام : قال : لما أمر الله عزوجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقيم عليا علما ويأخذ عليهم البيعة والعهد والميثاق.. خشي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قومه وأهل النفاق والشقاق : أن يتفرقوا ويرجعوا إلى الجاهلية لما عرف من عداوتهم ولما ينطوي عليه أنفسهم لعلي من العداوة والبغضاء وسأل جبرئيل أن يسأل ربه العصمة من الناس وانتظر أن يأتيه جبرئيل بالعصمة من الناس عن الله جل اسمه، فأخر ذلك إلى بلغ مسجد الخيف، فأتاه جبرئيل عليه السلام في مسجد الخيف فأمره بأن يعهد عهده ويقيم عليا للناس يهتدون به، ولم يأته بالعصمة من الله جل جلاله بالذي أراد حتى بلغ كراع الغميم بين مكة والمدينة، فأتاه جبرئيل وأمره بالذي أتاه فيه من قبل الله ولم يأته بالعصمة. فقال : يا جبرئيل إني أخشى قومي أن يكذبوني ولا يقبلوا قولي في علي عليه السلام فرحل فلما بلغ غدير خم قبل الجحفة بثلاثة أميال أتاه جبرئيل عليه السلام على خمس ساعات مضت من النهار بالزجر والانتهار والعصمة من الناس فقال : يا محمد إن الله عز وجل يقرؤك السلام ويقول لك : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ [ في علي ] وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ... [المائدة : 67])... فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله تعالى وأثنى عليه فقال :.. وأؤدي ما أوحي إلي حذرا من أن لا أفعل فتحل بي منه قارعة لا يدفعها عني أحد وإن عظمت حيلته لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني أني إن لم أبلغ ما أنزل إلي فما بلغت رسالته وقد ضمن لي تبارك وتعالى العصمة، وهو الله الكافي الكريم، فأوحى إلي : (بسم الله الرحمن الرحيم) (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ [ في علي - يعني في الخلافة لعلي بن أبي طالب عليه السلام - ] وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).. وسألت جبرئيل أن يستعفي لي عن تبليغ ذلك إليكم - أيها الناس - لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين وإدغال الآثمين وختل المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم الله في كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم، وكثرة أذاهم لي في غير مرة حتى سموني أذنا، وزعموا أني كذلك لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه... فاعلموا معاشر الناس أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين لهم بإحسان، وعلى البادي والحاضر وعلى الأعجمي والعربي والحر والمملوك والصغير والكبير وعلى الأبيض والأسود وعلى كل موحد ماض حكمه جائز قوله نافذ أمره، ملعون من خالفه مرحوم من تبعه مؤمن من صدقه فقد غفر الله له ولمن سمع منه وأطاع له.. فناداه القوم : سمعنا وأطعنا على أمر الله وأمر رسوله بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا وتداكوا على رسول الله وعلى علي عليه السلام فصافقوا بأيديهم، فكان أول من صافق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأول والثاني والثالث والرابع والخامس وباقي المهاجرين والأنصار وباقي الناس على طبقاتهم وقدر منازلهم، إلى أن صليت المغرب والعتمة في وقت واحد، ووصلوا البيعة والمصافقة ثلاثا ورسول الله يقول كلما بايع قوم : « الحمد لله الذي فضلنا على جميع العالمين ». وصارت المصافقة سنة ورسما، وربما يستعملها من ليس له حق فيها. وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال : لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الخطبة رأى الناس رجلا جميلا بهيا طيب الريح فقال : تالله ما رأيت محمدا كاليوم قط، ما أشد ما يؤكد لابن عمه وإنه يعقد عقدا لا يحله إلا كافر بالله العظيم وبرسوله، ويل طويل لمن حل عقده. قال : والتفت إليه عمر بن الخطاب حين سمع كلامه فأعجبته هيأته، ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : أما سمعت ما قال هذا الرجل، قال كذا وكذا ؟ فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم هـ) : يا عمر أتدري من ذاك الرجل ؟ قال : لا. قال : ذلك الروح الأمين جبرئيل، فإياك أن تحله، فإنك إن فعلت فالله ورسوله وملائكته والمؤمنون منك براء([298]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى :( يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ [هود : 5]) إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا حدث بشئ من فضائل علي عليه السلام أو تلا عليهم ما انزل فيه نفضوا ثيابهم وقاموا، يقول الله : (يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ [هود : 5])([299]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ * فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ * عَنِ الْمُجْرِمِينَ * مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدّثر : 39-42]) قال لعلي المجرمون : يا علي المكذبون بولايتك([300]). الباقر عليه السلام : حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. وخرج معه الناس وأصغوا إليه لينظروا ما يصنع فيصنعوا مثله، فحج بهم، وبلغ من حج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل المدينة وأهل الأطراف والاعراب سبعين ألف إنسان أو يزيدون على نحو عدد أصحاب موسى عليه السلام السبعين ألفا الذين أخذ عليهم بيعة هارون عليه السلام فنكثوا واتخذوا العجل والسامري، وكذلك أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيعة لعلي عليه السلام بالخلافة على نحو عدد أصحاب موسى فنكثوا البيعة واتخذوا العجل والسامري سنة بسنة ومثلا بمثل([301]). الباقر عليه السلام : إن الله عز وجل نصب عليا عليه السلام علما بينه وبين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا ومن أنكره كان كافرا ومن جهله كان ضالا ومن نصب معه شيئا كان مشركا ومن جاء بولايته دخل الجنة ومن جاء بعداوته دخل النار([302]). الباقر عليه السلام : من زار الحسين بن علي عليهما السلام في يوم عاشورا من المحرم وساق الحديث.. إلى أن قال : لعن الله أمة أسست أساس الظلم والجور عليكم أهل البيت، ولعن الله أمة دفعتكم عن مقامكم، وأزالتكم عن مراتبكم التي رتبكم الله فيها، ولعن الله أمة قتلتكم ولعن الله الممهدين لهم بالتمكين من قتالكم، برئت إلى الله وإليكم منهم ومن أشياعهم وأتباعهم وأوليائهم. يا أبا عبد الله إني سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم إلى يوم القيامة ولعن الله آل زياد وآل مروان ولعن الله بني أمية قاطبة، ولعن الله ابن مرجانة ولعن الله عمر بن سعد، ولعن الله شمرا "، ولعن الله أمة أسرجت وألجمت وتنقبت وتهيأت لقتالك، بأبي أنت وأمي لقد عظم مصابي بك. فأسأل الله الذي أكرم مقامك وأكرمني بك أن يرزقني طلب ثارك مع إمام منصور من أهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، اللهم اجعلني عندك وجيها بالحسين في الدنيا والآخرة. يا أبا عبد الله إني أتقرب إلى الله وإلى رسوله وإلى أمير المؤمنين وإلى فاطمة وإلى الحسن وإليك بموالاتك، وبالبراءة ممن قاتلك ونصب لك الحرب وبالبراءة ممن أسس أساس الظلم والجور عليكم، وأبرء إلى الله وإلى رسوله ممن أسس ذلك وبنى عليه بنيانه، وجرى في ظلمه وجوره عليكم وعلى أشياعكم برئت إلى الله وإليكم منهم وأتقرب إلى الله ثم إليكم بموالاتكم وموالاة وليكم وبالبراءة من أعدائكم والناصبين لكم الحرب، وبالبراءة من أشياعهم وأتباعهم. إني سلم لمن سالمكم، وحرب لمن حاربكم، وولي لمن والاكم، وعدو لمن عاداكم، فأسأل الله الذي أكرمني بمعرفتكم ومعرفة أوليائكم، ورزقني البراءة من أعدائكم أن يجعلني معكم في الدنيا والآخرة، وأن يثبت لي عندكم قدم صدق في الدنيا والآخرة، وأسأله أن يبلغني المقام المحمود لكم عند الله، وأن يرزقني طلب ثاري مع إمام مهدي ظاهر ناطق منكم. وأسأل الله بحقكم وبالشأن الذي لكم عنده، أن يعطيني بمصابي بكم أفضل ما يعطي مصابا " بمصيبته، مصيبته ما أعظمها وأعظم رزيتها في الاسلام وفي جميع أهل السماوات والأرض. اللهم اجعلني في مقامي هذا ممن تناله منك صلوات ورحمة ومغفرة اللهم اجعل محياي محيا محمد وآل محمد، ومماتي ممات محمد وآل محمد، اللهم إن هذا يوم تبركت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد اللعين بن اللعين على لسان نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، في كل موطن وموقف وقف فيه نبيك صلواتك عليه وآله اللهم العن أبا سفيان ومعاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية عليهم منك اللعنة أبد الآبدين، وهذا يوم فرحت به آل زياد وآل مروان بقتلهم الحسين صلوات الله عليه اللهم ضاعف عليهم اللعن منك والعذاب. اللهم إني أتقرب إليك في هذا اليوم وفي موقفي هذا وأيام حياتي بالبراءة منهم واللعنة عليهم وبالموالاة لنبيك وآل نبيك عليهم السلام. ثم تقول : اللهم العن أول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد، وآخر تابع له على ذلك، اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين، وشايعت وبايعت على قتله اللهم العنهم جميعا ". تقول ذلك مائة مرة.... ثم تقول : اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني، وابدأ به أولا " ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع، اللهم العن يزيد بن معاوية خامسا "، والعن عبيد الله ابن زياد وابن مرجانة وعمر بن سعد وشمرا " وآل أبي سفيان وآل زياد وآل مروان إلى يوم القيامة([303]). الباقر عليه السلام : قال : (َمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) في ولاية علي عليه السلام (فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً [الجن : 23]) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا علي أنت قسيم النار تقول هذا لي وهذا لك قالت قريش فمتى يكون ما تعدنا يا محمد من أمر علي والنار فأنزل الله (إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ [مريم : 75]) يعني الموت والقيامة (فَسَيَعْلَمُونَ) يعني فلانا وفلانا وفلانا ومعاوية وعمرو بن العاص وأصحاب الضغائن من قريش([304]). الباقر عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام : يا معشر المسلمين قاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ثم قال : هؤلاء القوم هم ورب الكعبة، يعني أهل صفين والبصرة والخوارج([305]). الباقر عليه السلام : وقد سأله كثير النواء عن محاربي أمير المؤمنين عليه السلام أقتلهم وهم مؤمنون ؟ قال : إذا كان يكون والله أضل من بغلي هذا([306]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ... [الزمر : 60]) يعني إنكارهم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام([307]). الباقر عليه السلام : وقد سأل عن قوله : (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ [الحجر : 2]) لولاية أمير المؤمنين وقال عليه السلام : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم هكذا (وقال الظالمون) آل محمد حقهم (ما رأوا العذاب) وعلي هو العذاب (هل إلى مرد من سبيل) فيقولون نرد فنتولى عليا قال الله (وتراهم يعرضون عليها) يعني أرواحهم تعض على النار (خاشعين من الذين ينظرون) إلى علي (من طرف خفي فقال الذين آمنوا) بآل محمد (ان الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم إلى يوم القيمة) إلا أن الظالمين لآل محمد حقهم في عذاب اليم([308]). الباقر عليه السلام : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك يا علي فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما. هكذا نزلت. ثم قال (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ) يا علي (فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك ثم (ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ) عليهم يا محمد على لسانك من ولايته (وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) لعلي عليه السلام([309]). الباقر عليه السلام : ما لقينا أهل البيت من ظلم قريش وتظاهرهم علينا وقتلهم إيانا، وما لقيت شيعتنا ومحبونا من الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وقد قام بحقنا وأمر بطاعتنا وفرض ولايتنا ومودتنا، وأخبرهم بأنا أولى الناس بهم من أنفسهم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب([310]). الباقر عليه السلام : لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد على عليه السلام يوم الغدير، صرخ إبليس في جنوده صرخة، فلم يبق منهم أحد في بر ولا بحر إلا أتاه، فقالوا : يا سيدهم ومولاهم ! ماذا دهاك ؟ فما سمعنا لك صرخة أوحش من صرختك هذه ! فقال لهم : فعل هذا النبي فعلا إن تم لم يعص الله أبدا، فقالوا : يا سيدهم أنت كنت لادم. فلما قال المنافقون : إنه ينطق عن الهوى، وقال أحدهما لصاحبه : أما ترى عينيه تدوران في رأسه كأنه مجنون، يعنون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صرخ إبليس صرخة يطرب فجمع أولياءه فقال : أما علمتم أني كنت لادم من قبل ؟ قالوا : نعم، قال : آدم نقض العهد ولم يكفر بالرب وهؤلاء نقضوا العهد وكفروا بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأقام الناس غير علي لبس إبليس تاج الملك ونصب منبرا وقعد في الزينة، وجمع خيله ورجله، ثم قال لهم : اطربوا لا يطاع الله حتى يقوم إمام، وتلا أبو جعفر عليه السلام " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين " قال أبو جعفر عليه السلام : كان تأويل هذه الآية لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والظن من إبليس حين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنه ينطق عن الهوى فظن بهم إبليس ظنا فصدقوا ظنه. قال المجلسي : قوله : " أحدهما لصاحبه " يعنى أبا بكر وعمر([311]). الباقر عليه السلام : إن الناس لما صنعوا ما صنعوا إذ بايعوا أبا بكر لم يمنع أمير المؤمنين عليه السلام من أن يدعو إلى نفسه إلا نظرا للناس وتخوفا عليهم أن يرتدوا عن الاسلام فيعبدوا الأوثان ولا يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان الاحب إليه أن يقرهم على ما صنعوا من أن يرتدوا عن جميع الاسلام وإنما هلك الذين ركبوا ما ركبوا. فأما من لم يصنع ذلك ودخل فيما دخل فيه الناس على غير علم ولا عداوة لأمير المؤمنين عليه السلام فإن ذلك لا يكفره ولا يخرجه من الاسلام ولذلك كتم علي عليه السلام أمره وبايع مكرها حيث لم يجد أعوانا. يقول المجلسي : قوله عليه السلام من أن يرتدوا عن الإسلام أي عن ظاهره والتكلم بالشهادتين فإبقاؤهم على ظاهر الإسلام كان صلاحا للأمة ليكون لهم ولأولادهم طريق إلى قبول الحق وإلى الدخول في الإيمان في مرور الأزمان وهذا لا ينافي أن الناس ارتدوا إلا ثلاثة لأن المراد فيها ارتدادهم عن الدين واقعا وهذا محمول على بقائهم على صورة الإسلام وظاهره وإن كانوا في أكثر الأحكام الواقعية في حكم الكفار وخص عليه السلام هذا بمن لم يسمع النص على أمير المؤمنين عليه السلام ولم يبغضه ولم يعاده فإن من فعل شيئا من ذلك فقد أنكر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكفر ظاهرا أيضا ولم يبق له شيء من أحكام الإسلام ووجب قتله([312]). الباقر عليه السلام : ان نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبض حتى أعلم الناس أمر على عليه السلام فلما قبض نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان الذي كان لما قد قضى من الاختلاف وعمد عمر فبايع أبا بكر ولم يدفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد، فلما رأى ذلك علي عليه السلام ورأي الناس قد بايعوا أبا بكر خشي أن يفتتن الناس ففرغ إلى كتاب الله وأخذ يجمعه في مصحف فأرسل أبو بكر إليه ان تعال فبايع فقال على : لا أخرج حتى اجمع القرآن، فأرسل إليه مرة أخرى فقال : لا اخرج حتى أفرغ فأرسل إليه الثالثة ابن عم له يقال قنفذ، فقامت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها تحول بينه وبين علي صلى الله عليه وآله وسلم فضربها فانطلق قنفذ وليس معه علي صلى الله عليه وآله وسلم فخشي أن يجمع على الناس فأمر بحطب فجعل حوالي بيته ثم انطلق عمر بنار فأراد أن يحرق على علي بيته وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فلما رأى على ذلك خرج فبايع كارها غير طائع([313]). الباقر عليه السلام : من جحد إماما من الله وبرئ منه ومن دينه فهو كافر مرتد عن الاسلام، لأن الإمام من الله، ودينه من دين الله، ومن برئ من دين الله فهو كافر، ودمه مباح في تلك الحال، إلا أن يرجع ويتوب إلى الله مما قال([314]). الباقر عليه السلام : إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الامام منا أهل البيت فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا([315]). الباقر عليه السلام : قوله عز وجل : ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ [البقرة : 17]. يعني قبض محمد صلى الله عليه وآله وسلم وظهرت الظلمة فلم يبصروا فضل أهل بيته وهو قوله عز وجل : وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ [الأعراف : 198]([316]). الصادق عليه السلام : وقد قال له عبد الملك بن أعين : فهلك الناس إذا " ؟ فقال : إي والله يا ابن أعين هلك الناس أجمعون، قلت : أهل الشرق والغرب ؟ قال : إنها فتحت على الضلال، إي والله هلكوا إلا ثلاثة نفر : سلمان الفارسي، وأبو ذر، والمقداد ولحقهم عمار، وأبو ساسان الأنصاري، وحذيفة، وأبو عمرة فصاروا سبعة([317]). قال المازندراني في شرحه : قال : إنها فتحت بضلال، في عهد الخلفاء الضالة المضلة فلا يستبعد ضلالة من فيها لدخولهم في الدين الذي أخترعوه. والقول بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتحها حين كونهم في ضلالة فلا يستبعد رجوعهم إليها بعده لعدم استقرار الإيمان في قلوبهم محتمل بعيد. أي (والله لهلكوا إلا ثلاثة) المقداد بن الأسود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي كما مر ولا حاجة إلى استثناء أهل البيت كما زعم لأن هلاك الناس بهم وبترك محبتهم فهم غير داخلين في المواضع ولا إلى استثناء من رجع عن الباطل ثانيا لأن المقصود اثبات الهلاك في الجملة وغير الثلاثة ارتدوا بعده وإن رجع قليل منهم فتاب كما مر([318]). الصادق عليه السلام : وقد قال له أبو بصير : ارتد الناس إلا ثلاثة : أبوذر، وسلمان، والمقداد، قال : فقال أبو عبد الله عليه السلام : فأين أبو ساسان، وأبو عمرة الأنصاري؟([319]). الصادق عليه السلام : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قبض ارتد الناس على أعقابهم كفارا " إلا ثلاثا " : سلمان والمقداد، وأبو ذر الغفاري، إنه لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء أربعون رجلا " إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فقالوا : لا والله لا نعطي أحدا " طاعة بعدك أبدا "، قال : ولم ؟ قالوا : إنا سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيك يوم غدير خم، قال : وتفعلون ؟ قالوا : نعم قال : فأتوني غدا " محلقين، قال : فما أتاه إلا هؤلاء الثلاثة، قال : وجاءه عمار بن ياسر بعد الظهر فضرب يده على صدره، ثم قال له : مالك أن تستيقظ من نومة الغفلة، ارجعوا فلا حاجة لي فيكم أنتم لم تطيعوني في حلق الرأس فكيف تطيعوني في قتال جبال الحديد، ارجعوا فلا حاجة لي فيكم([320]). الصادق عليه السلام : ارتد الناس بعد الحسين عليه السلام إلا ثلاثة : أبو خالد الكابلي ويحيى بن أم الطويل وجبير بن مطعم ثم إن الناس لحقوا وكثروا([321]). الصادق عليه السلام : وقد عرض المفضل عليه أصحاب الردة فكل ما سميت إنسانا قال : أعزب حتى قلت : حذيفة، قال : أعزب قلت : ابن مسعود، قال : أعزب، ثم قال : إن كنت إنما تريد الذين لم يدخلهم شئ فعليك بهؤلاء الثلاثة : أبو ذر وسلمان والمقداد. بيان : أعزب أي أبعد، أقول : لعل ما ورد في حذيفة لبيان تزلزله أو ارتداده في أول الأمر، فلا ينافي رجوعه إلى الحق أخيرا([322]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم [محمد : 25] عن الإيمان بتركهم ولاية أمير المؤمنين([323]). الصادق عليه السلام : خطب سلمان فقال : والذي نفس سلمان بيده لتركبن طبقا عن طبق، سنة بني إسرائيل القذة بالقذة أما والله لو وليتموها عليا لأكلتم من فوقكم، ومن تحت أرجلكم، فأبشروا بالبلاء واقنطوا من الرخاء، ونابذتكم على سواء، وانقطعت العصمة فيما بيني وبينكم من الولاء، أما والله لو أني أدفع ضيما أو أعز الله دينا لوضعت سيفي على عاتقي ثم لضربت به قدما قدما([324]). الصادق عليه السلام : في قول الله عز وجل : (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ... [النور : 40]) قال : أصحاب الجمل وصفين والنهروان. (فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ). قال : بنو أمية. (إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ). يعني أمير المؤمنين في ظلماتهم. (لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا). أي إذا نطق بالحكمة بينهم لم يقبلها منه أحد إلا من أقر بولايته ثم بإمامته([325]). الصادق عليه السلام : في قول الله عز وجل : (بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ... [البقرة : 81]) قال : إذا جحد إمامة أمير المؤمنين (فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)([326]). الصادق عليه السلام : وقد سئل : ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتلهم ؟ قال : للذي سبق في علم الله أن يكون، وما كان له أن يقاتلهم وليس معه إلا ثلاثة رهط من المؤمنين([327]). الصادق عليه السلام : إن سلمان كان منه إلى ارتفاع النهار فعاقبه الله أن وجئ في عنقه حتى صيرت كهيئة السلعة حمراء، وأبو ذر كان منه إلى وقت الظهر، فعاقبه الله إلى أن سلط عليه عثمان حتى حمله على قتب، وأكل لحم أليتيه، وطرده عن جوار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأما الذي لم يتغير منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى فارق الدنيا طرفة عين فالمقداد بن الأسود لم يزل قائما قابضا على قائم السيف عيناه في عيني أمير المؤمنين عليه السلام ينتظر متى يأمره فيمضي([328]). الصادق عليه السلام : هذه شرائع الدين... وذكر منها : وحب أولياء الله والولاية لهم واجبة، والبراءة من أعدائهم واجبة ومن الذين ظلموا آل محمد عليه السلام وهتكوا حجابه فأخذوا من فاطمة عليها السلام فدك، ومنعوها ميراثها وغصبوها وزوجها حقوقهما، وهموا باحراق بيتها، وأسسوا الظلم وغيروا سنة رسول الله، والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين واجبة، والبراءة من الأنصاب والأزلام : أئمة الضلال وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم واجبة([329]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ.. [البقرة : 257])، قال عليه السلام : إنما عنى بذلك أنهم كانوا على نور الاسلام، فلما أن تولوا كل إمام جائر ليس من الله خرجوا بولايتهم إياه من نور الاسلام إلى ظلمات الكفر، فأوجب الله لهم النار مع الكفار، فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون([330]). الصادق عليه السلام : وقد قال له رجل : ألم يكن علي قويا في بدنه قويا في أمر الله ؟ فقال له أبو عبد الله عليه السلام : بلى. قال : فما منعه أن يدفع أو يمتنع ؟ قال : قد سألت فافهم الجواب : منع عليا من ذلك آية من كتاب الله. فقال : وأي آية ؟ قال : فقرأ : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [الفتح : 25])، إنه كان لله ودائع مؤمنون في أصلاب قوم كافرين ومنافقين، فلم يكن علي صلوات الله عليه ليقتل الآباء حتى يخرج الودائع، فلما خرجت ظهر على من ظهر وقتله، وكذلك قائمنا أهل البيت لن يظهر أبدا حتى يخرج ودائع الله فإذا خرجت يظهر على من يظهر فيقتله([331]). الصادق عليه السلام : من خالفكم وإن عبد واجتهد منسوب إلى هذه الآية : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً [الغاشية : 2- 4])([332]). الصادق عليه السلام : ما بقي أحد بعد ما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا وقد جال جولة إلا المقداد، فإن قلبه كان مثل زبر الحديد([333]). الصادق عليه السلام : لما نزلت (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ [المائدة : 55]) اجتمع نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد المدينة وقال بعضهم لبعض : ما تقولون في هذه الآية ؟ قال بعضهم : إنا إن كفرنا بهذه الآية لكفرنا بسائرها، وإن آمنا فإن هذا ذل حين يسلط علينا علي بن أبي طالب، فقالوا : قد علمنا أن محمدا صادق فيما يقول، ولكن نتوالاه ولا نطيع عليا فيما أمرنا ! فنزل : (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا) يعني ولاية علي (وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ [النحل : 83]) بولاية علي([334]). الصادق عليه السلام : لما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما قال في غدير خم وصاروا بالأخبية مر المقداد بجماعة منهم وهم يقولون : والله إن كنا أصحاب كسرى وقيصر لكنا في الخز والوشي والديباج والنساجات، وإنا معه في الأخشنين، نأكل الخشن ونلبس الخشن، حتى إذا دنا موته وفنيت أيامه وحضر أجله أراد أن يوليها عليا من بعده، أما والله ليعلمن، قال : فمضى المقداد وأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم به، فقال : الصلاة جامعة، قال : فقالوا : قد رمانا المقداد فنقوم نحلف عليه، قال : فجاؤوا حتى جثوا بين يديه، فقالوا : بآبائنا وأمهاتنا - يا رسول الله - لا والذي بعثك بالحق والذي أكرمك بالنبوة ما قلنا ما بلغك، لا والذي اصطفاك على البشر، قال : فقال النبي : [ بسم الله الرحمن الرحيم يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ... [التوبة : 74] بك يا محمد ليلة العقبة وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ [التوبة : 74] ]. كان أحدهم يبيع الرؤوس وآخر يبيع الكراع وينقل القرامل فأغناهم الله برسوله، ثم جعلوا حدهم وحديدهم عليه([335]). الصادق عليه السلام : (والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد - في علي - وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) هكذا نزلت، ثم قال القمي : (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ) نزلت في أبي ذر وسلمان وعمار ومقداد لم ينقضوا العهد وآمنوا بما نزل على محمد أي ثبتوا على الولاية التي أنزلها الله وهو الحق يعني أمير المؤمنين عليه السلام من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم أي حالهم ثم ذكر اعمالهم فقال : (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ) وهم الذين اتبعوا أعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام([336]). الصادق عليه السلام : افي قوله تعالى : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً [الطارق : 15]) قال : كادوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكادوا عليا عليه السلام، وكادوا فاطمة عليها السلام، وقال الله : يا محمد (إإِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً [الطارق : 15-17]) لوقت بعث القائم عليه السلام فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني أمية وسائر الناس([337]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ. [الحج : 24]). قال : ذاك حمزة، وجعفر، وعبيدة، وسلمان، وأبو ذر، والمقداد بن الأسود، وعمار هدوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام([338]). الصادق عليه السلام : في تفسير هذه الآية : (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدّثر : 42-43]). قال : عنى بها لم نك من أتباع الأئمة. ([339]) الصادق عليه السلام : في قول الله : (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ... [آل عمران : 144]) القتل أم الموت ؟ قال : يعنى أصحابه الذين فعلوا ما فعلوا([340]). الصادق عليه السلام : وقد سأله داود الرقي : حدثني عن أعداء أمير المؤمنين وأهل بيت النبوة، فقال : الحديث أحب إليك أم المعاينة ؟ قلت : المعاينة، فقال لأبي إبراهيم موسى عليه السلام : ائتني بالقضيب فمضى وأحضره إياه، فقال له : يا موسى اضرب به الأرض وأرهم أعداء أمير المؤمنين عليه السلام وأعداءنا، فضرب به الأرض ضربة فانشقت الأرض عن بحر أسود، ثم ضرب البحر بالقضيب فانفلق عن صخرة سوداء، فضرب الصخرة فانفتح منها باب، فإذا بالقوم جميعا لا يحصون لكثرتهم ووجوههم مسودة وأعينهم زرق، كل واحد منهم مصفد مشدود في جانب من الصخرة، وهم ينادون يا محمد ! والزبانية تضرب وجوههم ويقولون لهم : كذبتم ليس محمد لكم ولا أنتم له. فقلت له : جعلت فداك من هؤلاء ؟ فقال : ذاك الجبت، وذاك الطاغوت، وذاك الرجس قرمان، وذاك اللعين ابن اللعين، ولم يزل يعددهم كلهم من أولهم إلى آخرهم حتى أتى على أصحاب السقيفة، وأصحاب الفتنة، وبني الأزرق والأوزاع وبني أمية جدد الله عليهم العذاب بكرة وأصيلا. ثم قال عليه السلام للصخرة : انطبقي عليهم إلى الوقت المعلوم. قال المجلسي : يمكن أن يكون أصحاب الفتنة إشارة إلى طلحة والزبير وأصحابهما وبنو الأزرق الروم ولا يبعد أن يكون إشارة إلى معاوية وأصحابه وبنو زريق حي من الأنصار والأوزاع الجماعات المختلفة([341]). الصادق عليه السلام : وقد قرأ رجل عليه : (جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ... [التوبة : 73] )فقال : هل رأيتم وسمعتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاتل منافقا ؟ إنما كان يتألفهم، وإنما قال الله جل وعز : (جاهد الكفار بالمنافقين)([342]). الصادق عليه السلام : وقد سأل عن عن قول الله عز وجل : (وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف : 28]) قال فقال : هل رأيت أحدا زعم أن الله أمر بالزنا وشرب الخمر أو شئ من هذه المحارم ؟ فقلت : لا، فقال : ما هذه الفاحشة التي يدعون أن الله أمرهم بها قلت : الله أعلم ووليه، قال : فإن هذا في أئمة الجور، ادعوا أن الله أمرهم بالائتمام بقوم لم يأمرهم الله بالائتمام بهم، فرد الله ذلك عليهم فأخبر أنهم قد قالوا عليه الكذب وسمى ذلك منهم فاحشة([343]). الصادق عليه السلام : وقد سأل عن قول الله : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً [الأنعام : 159])، ثم قال : كان علي صلوات الله عليه يقرأها : فارقوا دينهم، قال : فارق والله القوم دينهم ([344]). الصادق عليه السلام : إن الله لا يغفر أن يشرك به إن الجاحد لولاية علي عليه السلام كعابد وثن فقلت له([345]). الصادق عليه السلام : نزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال : يا محمد، السلام يقرءك السلام ويقول : " خلقت السماوات السبع وما فيهن، والأرضين السبع وما عليهن، وما خلقت خلقا أعظم من الركن والمقام، ولو أن عبدا دعاني منذ خلقت السماوات والأرضين ثم لقيني جاحدا لولاية علي لأكببته في سقر ([346]). الصادق عليه السلام :، قال : مهما تركت من شئ فلا تترك أن تقول في كل صباح ومساء : اللهم العن فلانا وفلانا والفرق المختلفة على رسولك وولاة الامر بعد رسولك والأئمة من بعده وشيعتهم([347]). الصادق عليه السلام : وقد قال له ابو حنيفة : يا ابن رسول الله لو أرسلت إلى أهل الكوفة فنهيتهم أن يشتموا أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإني تركت بها أكثر من عشرة آلاف يشتمونهم، فقال : لا يقبلون مني([348]). الصادق عليه السلام : لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى : 23]) قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : " أيها الناس إن الله تبارك وتعالى قد فرض لي عليكم فرضا، فهل أنتم مؤدوه ؟ قال : فلم يجبه أحد منهم، فانصرف فلما كان من الغد قام فيهم فقال مثل ذلك، ثم قام فيهم فقال مثل ذلك في اليوم الثالث، فلم يتكلم أحد. فقال : يا أيها الناس، إنه ليس من ذهب ولا فضة ولا مطعم ولا مشرب. قالوا : فالقه إذا. قال : " إن الله تبارك وتعالى أنزل علي (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى : 23]). فقالوا : أما هذه فنعم. فقال أبو عبد الله : فوالله ما وفى بها إلا سبعة نفر : سلمان، وأبو ذر، وعمار، والمقداد بن الأسود الكندي، وجابر بن عبد الله الأنصاري، ومولى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقال له الثبيت، وزيد بن أرقم([349]). الصادق عليه السلام : لما بايع الناس أبا بكر أتى بأمير المؤمنين عليه السلام ملببا " ليبايع قال سلمان أتضع ذا بهذا ؟ والله لو أقسم على الله لانطبقت ذه على ذه قال : وقال أبو ذر وقال : المقداد والله هكذا أراد الله أن يكون، فقال أبو عبد الله عليه السلام : كان المقداد أعظم الناس إيمانا " تلك الساعة([350]). الصادق عليه السلام : في قول الله : (وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ [المائدة : 71]) قال : حيث كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أظهرهم ثم عموا وصموا حيث قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تاب الله عليهم حيث قام أمير المؤمنين عليه السلام : ثم عموا وصموا إلى الساعة([351]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران : 110]). قال لقارئ هذه الآية : خير أمة يقتلون أمير المؤمنين والحسن والحسين بن علي هليهم السلام ؟ فقيل له : وكيف نزلت يا بن رسول الله؟ فقال إنما نزلت : كنتم خير أئمة أخرجت للناس([352]). الصادق عليه السلام : والله ما وفت الأنصار ولا أبناء الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما أعطوه من البيعة على العقبة. فوالله ما وفوا له حتى خرج من بين أظهرهم ثم لا أحد يمنع يد لامس اللهم فاشدد وطأتك على الأنصار([353]). الصادق عليه السلام : لما استخرج أمير المؤمنين عليه السلام خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر فقالت : خلوا عن ابن عمي فوالله الذي بعث محمدا بالحق لان لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله على رأسي ولأصرخن إلى الله تعالى فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي، قال سلمان : فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل ان ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها وقلت : يا سيدتي ومولاتي ان الله تبارك وتعالى بعث إياك رحمة فلا تكوني نقمة، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في خياشيمنا([354]). الصادق عليه السلام : في قول الله عز وجل : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ [الجاثية : 23]) قال : نزلت في قريش كلما هووا شيئا عبدوه (وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ) أي عذبه على علم منه فيما ارتكبوا من أمر أمير المؤمنين عليه السلام، وجرى ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما فعلوه بعده بأهوائهم وآرائهم، وأزالوا الخلافة والإمامة عن أمير المؤمنين عليه السلام بعد أخذه الميثاق عليهم مرتين لأمير المؤمنين. وقوله تعالى : (اتخذ إلهه هواه) نزلت في قريش وجرت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السلام([355]). الصادق عليه السلام : وقد ذكر معاوية بن وهب أنه خرج إلى مكة ومعه شيخ متأله متعبد لا يعرف هذا الامر يتم الصلاة في ومعه ابن أخ له مسلم، فمرض الشيخ فقال لابن أخيه : لو عرضت هذا الامر على عمك لعل الله أن يخلصه، فقال كلهم : دعوا الشيخ حتى يموت على حاله فإنه حسن الهيئة فلم يصبر ابن أخيه حتى قال له : يا عم إن الناس ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا نفرا يسيرا وكان لعلي بن أبي طالب عليه السلام من الطاعة ما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان بعد رسول الله الحق والطاعة له، قال : فتنفس الشيخ وشهق وقال : أنا على هذا وخرجت نفسه. فدخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فعرض علي بن السري هذا الكلام على أبي عبد الله عليه السلام فقال : هو رجل من أهل الجنة، قال له علي بن السري : إنه لم يعرف شيئا من هذا غير ساعته تلك ! ؟ قال : فتريدون منه ماذا ؟، قد دخل والله الجنة([356]). الصادق عليه السلام : الجاحد لولاية علي كعابد وثن([357]). الصادق عليه السلام : نحن الذين فرض الله طاعتنا، لا يسع الناس إلا معرفتنا ولا يعذر الناس بجهالتنا، من عرفنا كان مؤمنا، ومن أنكرنا كان كافرا، ومن لم يعرفنا ولم ينكرنا كان ضالا حتى يرجع إلى الهدى الذي افترض الله عليه من طاعتنا الواجبة فإن يمت على ضلالته يفعل الله به ما يشاء([358]). الصادق عليه السلام : يؤتى بالواحد من مقصري شيعتنا في أعماله بعد أن حاز الولاية والتقية وحقوق إخوانه ويوقف بإزائه ما بين ماءة وأكثر من ذلك إلى مائة ألف من النصاب - أي أهل السنة - فيقال له هؤلاء فداؤك من النار فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنة وأولئك النصاب النار وذلك ما قال الله عز وجل (رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ). يعني بالولاية (لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ [الحجر : 2]) في الدنيا منقادين للإمامة ليجعل مخالفوهم من النار فداؤهم([359]). الصادق عليه السلام : لا تلتمس دين من ليس من شيعتك ولا تحبن دينهم فإنهم الخائنون الذين خانوا الله ورسوله وخانوا أماناتهم وتدري ما خانوا أماناتهم ائتمنوا على كتاب الله فحرفوه وبدلوه ودلوا على ولاة الامر منهم فانصرفوا عنهم فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون([360]). الصادق عليه السلام : وقد قيل له : أن فلانا يواليكم، إلا أنه يضعف عن البراءة من عدوكم، قال هيهات، كذب من ادعى محبتنا ولم يتبرأ من عدونا([361]). الصادق عليه السلام : لبعض أصحابه : أتدري لم أمرتم بالأخذ بخلاف ما يقول العامة ؟ فقال : لا أدري، فقال : إن عليا عليه السلام لم يكن يدين الله بدين إلا خالف عليه الأمة إلى غيره إرادة لابطال أمره، وكانوا يسألون أمير المؤمنين عليه السلام عن الشئ الذي لا يعلمونه فإذا أفتاهم جعلوا له ضدا من عندهم ليلبسوا على الناس([362]). الصادق عليه السلام : أول شهادة شهد بها بالزور في الاسلام شهادة سبعين رجلا حين انتهوا إلى ماء الحوأب فنبحتهم كلابها فأرادت صاحبتهم الرجوع، وقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأزواجه : إن إحداكن تنبحها كلاب الحوأب في التوجه إلى قتال وصيي علي بن أبي طالب عليه السلام فشهد عندها سبعون رجلا إن ذلك ليس بماء الحوأب، فكانت أول شهادة شهد بها في الاسلام بالزور([363]). الصادق عليه السلام : وقد سأله عبد الرحمن بن كثير عن قول الله عز وجل : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللّهِ كُفْراً وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ [إبراهيم : 28]). قال : عني بها قريشا قاطبة الذين عادوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصبوا له الحرب وجحدوا وصية وصية([364]). الصادق عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ألا إن فاطمة بابها بابي وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله. فبكى أبو الحسن عليه السلام طويلا، وقطع بقية كلامه، وقال : هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله يا أمه صلوات الله عليها([365]). الكاظم عليه السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله، الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه ؟ فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر، ثم ينادي : أين حواري علي بن أبي طالب وصي محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني([366]). الكاظم عليه السلام : لما نزلت هذه الآية : (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ [الحج : 67]) جمعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال : يا معشر المهاجرين والأنصار إن الله تعالى يقول : لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ... [الحج : 67] والمنسك هو الامام لكل أمة بعد نبيها حتى يدركه نبي، ألا وإن لزوم الامام وطاعته هو الدين وهو المنسك وهو علي بن أبي طالب عليه السلام إمامكم بعدي، فإني أدعوكم إلى هداه وإنه على هدى مستقيم، فقام القوم يتعجبون من ذلك ويقولون : والله إذا لننازعن الامر ولا نرضى طاعته أبدا([367]). الكاظم عليه السلام : في قوله تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ [هود : 5]) قال : كان إذا نزلت الآية في علي عليه السلام ثنى أحدهم صدره لئلا يسمعها، واستخفى من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ([368]). الكاظم عليه السلام : أولئك أهل الردة الأولى من هذه الأمة فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين([369]). الكاظم عليه السلام : في قوله تعالى تهالى : (لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ). قال : انا لم نتول وصى محمد والأوصياء من بعده ولا يصلون عليهم([370]). الكاظم عليه السلام : قال : مثل هؤلاء المنافقين كمثل الذي استوقد نارا أبصر بها ما حوله، فلما أبصر ذهب الله بنورها بريح أرسلها عليها فأطفأها، أو بمطر. كذلك مثل هؤلاء المنافقين الناكثين لما أخذ الله تعالى عليهم من البيعة لعلي بن أبي طالب عليه السلام أعطوا ظاهرا بشهادة : أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عليا وليه ووصيه ووارثه وخليفته في أمته، وقاضي ديونه، ومنجز عداته، والقائم بسياسة عباد الله مقامه، فورث مواريث المسلمين بها ونكح في المسلمين بها ووالوه من أجلها، وأحسنوا عنه الدفاع بسببها، واتخذوه أخا يصونونه مما يصونون عنه أنفسهم بسماعهم منه لها. فلما جاءه الموت وقع في حكم رب العالمين، العالم بالأسرار، الذي لا يخفى عليه خافية فأخذهم العذاب بباطن كفرهم، فذلك حين ذهب نورهم، وصاروا في ظلمات عذاب الله، ظلمات أحكام الآخرة، لا يرون منها خروجا، ولا يجدون عنها محيصا. ثم قال : " صم " يعني يصمون في الآخرة في عذابها. " بكم " يبكمون هناك بين أطباق نيرانها " عمي " يعمون هناك. وذلك نظير قوله عز وجل : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً [الإسراء : 97])([371]). الكاظم عليه السلام : في قوله تعالى : (أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة : 9]). قال : لما نصب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام يوم غدير خم وأمر عمر وتمام تسعة من رؤساء المهاجرين والأنصار أن يبايعوه بإمرة المؤمنين ففعلوا ذلك وتواطؤوا بينهم أن يدفعوا هذا الامر عن علي عليه السلام وأن يهلكوهما، كان من مواطاتهم أن قال أولهم : ما اعتددت بشئ كاعتدادي بهذه البيعة ولقد رجوت أن يفسح الله بها لي في قصور الجنان ويجعلني فيها من أفضل النزال والسكان. وقال ثانيهم : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما وثقت بدخول الجنة والنجاة من النار إلا بهذه البيعة والله ما يسرني إن نقضتها أو نكثت بعدما أعطيت وإن لي طلاع ما بين الثرى إلى العرش لآلي رطبة وجواهر فاخرة. وقال ثالثهم : والله يا رسول الله لقد صرت من الفرح بهذه البيعة ومن السرور الفسيح من الآمال في رضوان الله ما أيقنت أنه لو كانت ذنوب أهل الأرض كلها علي لمحصت عني بهذه البيعة وحلف على ما قال من ذلك - ثم تتابع بمثل هذا الاعتذار من بعدهم من الجبابرة والمتمردين، فقال الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم : " يخادعون الله" يعني يخادعون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأيمانهم خلاف ما في جوانحهم " والذين آمنوا " كذلك أيضا الذين سيدهم وفاضلهم علي بن أبي طالب عليه السلام. ثم قال : " وما يخدعون إلا أنفسهم " ما يضرون بتلك الخديعة إلا أنفسهم فإن الله غني عنهم وعن نصرتهم، ولولا إمهاله لهم ما قروا على شئ من فجورهم وطغيانهم " وما يشعرون " أن الامر كذلك وأن الله يطلع نبيه على نفاقهم وكذبهم وكفرهم ويأمره بلعنهم في لعنة الظالمين الناكثين، وذلك اللعن لا يفارقهم، في الدنيا يلعنهم خيار عباد الله، وفي الآخرة يبتلون بشدائد عقاب الله (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ [البقرة : 14]) وإذا لقي هؤلاء الناكثون للبيعة، المواطؤن على مخالفة علي عليه السلام ودفع الامر عنه، الذين آمنوا قالوا آمنا كإيمانكم، إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذر وعمار قالوا آمنا بمحمد وسلمنا له بيعة علي وفضله كما آمنتم، وأن أولهم وثانيهم وثالثهم إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه فإذا لقوهم اشمأزوا منهم وقالوا : هؤلاء أصحاب الساحر والأهوج - يعنون محمدا وعليا عليهما السلام فيقول أولهم : انظروا كيف أسخر منهم وأكف عاديتهم عنكم، فإذا التقوا قال أولهم : مرحبا بسلمان بن الاسلام، ويمدحه بما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه، وكذا كان يمدح تمام الأربعة، فلما جازوا عنهم كان يقول الأول كيف رأيتم سخريتي لهؤلاء وكفي عاديتهم عني وعنكم، فيقول له : لا نزال بخير ما عشت لنا، فيقول لهم : فهكذا فلتكن معاملتكم لهم إلى أن تنتهزوا الفرصة فيهم مثل هذا، فإن اللبيب العاقل من تجرع على الغصة حتى ينال الفرصة، ثم يعودون إلى أخدانهم من المنافقين المتمردين المشاركين لهم في تكذيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أداه إليهم عن الله عز وجل من ذكر تفضيل أمير المؤمنين عليه السلام ونصبه إماما على كافة المسلمين، قالوا لهم : إنا معكم فيما واطأناكم عليه من دفع علي عن هذا الامر إن كانت لمحمد كائنة، فلا يغرنكم ولا يهولنكم ما تسمعونه منا من تقريظهم وترونا نجترئ عليهم من مداراتهم فإنا نحن مستهزؤون بهم، فقال الله عز وجل : (الله يستهزئ بهم) يجازيهم جزاء استهزائهم في الدنيا والآخرة (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) يمهلهم ويتأتى بهم ويدعوهم إلى التوبة، ويعدهم إذا تابوا المغفرة، وهم يعمهون لا يرعوون عن قبيح ولا يتركون أذى بمحمد وعلي يمكنهم إيصاله إليهما إلا بلغوه. أما استهزاء الله بهم في الدنيا فهو إجراؤه إياهم على ظاهر أحكام المسلمين لاظهارهم السمع والطاعة، وأما استهزاؤه بهم في الآخرة فهو أن الله عز وجل إذا أقرهم في دار اللعنة والهوان وعذبهم بتلك الألوان العجيبة من العذاب وأقر هؤلاء المؤمنين في الجنان بحضرة محمد صفي الله الملك الديان أطلعهم على هؤلاء المستهزئين بهم في الدنيا حتى يروا ما هم فيه من عجائب اللعائن وبدائع النقمات فيكون لذتهم وسرورهم بشماتتهم كلذتهم وسرورهم بنعيمهم في جنان ربهم، فالمؤمنون يعرفون أولئك الكافرين المنافقين بأسمائهم وصفاتهم، والكافرون والمنافقون ينظرون فيرون هؤلاء المؤمنين الذين كانوا بهم في الدنيا يسخرون لما كانوا من موالاة محمد وعلي وآلهما يعتقدون، فيرونهم في أنواع الكرامة والنعيم، فيقول هؤلاء المؤمنون المشرفون على هؤلاء الكافرين المنافقين : يا فلان ! ويا فلان ! ويا فلان ! - حتى ينادوهم بأسمائهم - ما بالكم في مواقف خزيكم ماكثون ؟ هلموا إلينا نفتح لكم أبواب الجنان لتخلصوا من عذابكم وتلحقوا بنا، فيقولون : يا ويلنا أنى لنا هذا ؟ فيقول المؤمنون : انظروا إلى هذه الأبواب، فينظرون إلى أبواب من الجنان مفتحة يخيل إليهم أنها إلى جهنم التي فيها يعذبون، ويقدرون أنهم يتمكنون من أن يخلصوا إليها فيأخذون في السباحة في بحار حميمها، وعدوا من بين أيدي زبانيتها، وهم يلحقونهم يضربونهم بأعمدتهم ومرزباتهم وسياطهم فلا يزالون هكذا يسيرون هناك، وهذه الأصناف من العذاب تمسهم حتى إذا قدروا أن قد بلغوا تلك الأبواب وجدوها مردومة عنهم، وتدهدههم الزبانية بأعمدتها فتنكسهم إلى سواء الجحيم، ويستلقي أولئك المؤمنون على فرشهم في مجالسهم يضحكون منهم، مستهزئين بهم، فذلك قول الله عز وجل : (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين : 34])([372]). الرضا عليه السلام : في كتابه إلى المأمون قال : محض الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله. إلى أن قال والبراءة من الذين ظلموا آل محمد عليه السلام وهموا بإخراجهم وسنوا ظلمهم وغيروا سنة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم والبراءة من الناكثين والقاسطين والمارقين الذين هتكوا حجاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونكثوا بيعة إمامهم وأخرجوا المرأة وحاربوا أمير المؤمنين عليه السلام وقتلوا الشيعة رحمة الله عليهم واجبة، والبراءة ممن نفى الاخبار وشردهم وآوى الطرداء اللعناء وجعل الأموال دولة بين الأغنياء واستعمل السفهاء مثل معاوية وعمر وبن العاص لعيني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والبراءة من أشياعهم الذين حاربوا أمير المؤمنين عليه السلام وقتلوا الأنصار والمهاجرين وأهل الفضل والصلاح من السابقين، والبراءة من أهل الاستيثار ومن أبي موسى الأشعري وأهل ولايته الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم بولاية أمير المؤمنين ولقائه عليه السلام، كفروا بأن لقوا الله بغير إمامته، فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا فهم كلاب أهل النار، والبراءة من الأنصاب والأزلام أئمة الضلال وقادة الجور كلهم أولهم وآخرهم، والبراءة من أشباه عاقري الناقة أشقياء الأولين والآخرين وممن يتولاهم. والولاية لأمير المؤمنين والذين مضوا على منهاج نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ولم يغيروا ولم يبدلوا مثل سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، وأبي الهيثم بن التيهان وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبي أيوب الأنصاري، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري وأمثالهم رضي الله عنهم، والولاية لاتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهداهم السالكين منهاجهم رضوان الله عليهم ورحمته([373]). الرضا عليه السلام : وقد سئل : يا بن رسول الله ! أخبرني عن علي عليه السلام لم لم يجاهد أعداءه خمسا وعشرين سنة بعد رسول الله ثم جاهد في أيام ولايته ؟ فقال : لأنه اقتدى برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تركه جهاد المشركين بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة وبالمدينة تسعة عشر شهرا وذلك لقلة أعوانه عليهم، وكذلك علي عليه السلام ترك مجاهدة أعدائه لقلة أعوانه عليهم، فلما لم تبطل نبوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع تركه الجهاد ثلاث عشرة سنة وتسعة عشر شهرا، كذلك لم تبطل إمامة علي عليه السلام مع تركه الجهاد خمسا وعشرين سنة، إذا كانت العلة المانعة لهما من الجهاد واحدة([374]). الرضا عليه السلام : وقد سأله زيد الشحام : جعلت فداك ! إنهم يقولون ما منع عليا إن كان له حق أن يقوم بحقه ؟. فقال : إن الله لم يكلف هذا أحدا إلا نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، قال له : [ فقاتل في سبيل الله لا تكلف الا نفسك ]، وقال لغيره : [ إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ] فعلي لم يجد فئة، ولو وجد فئة لقاتل، ثم قال : لو كان جعفر وحمزة حيين، إنما بقي رجلان. قال المجلسي : والمراد بالرجلين : الضعيفان، عباس وعقيل([375]). الرضا عليه السلام : وقد سئل عن أمير المؤمنين عليه السلام كيف مال الناس عنه إلى غيره، وقد عرفوا فضله وسابقته ومكانه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟. فقال : إنما مالوا عنه إلى غيره وقد عرفوا فضله لأنه قد كان قتل من آبائهم وأجدادهم وإخوانهم وأعمامهم وأخوالهم وأقربائهم المحادين لله ولرسوله عددا كثيرا، وكان حقدهم عليه لذلك في قلوبهم فلم يحبوا أن يتولى عليهم، ولم يكن في قلوبهم على غيره مثل ذلك، لأنه لم يكن له في الجهاد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما كان، فلذلك عدلوا عنه ومالوا إلى سواه([376]). الرضا عليه السلام : وإن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا ويدخلون مدخلنا، ليس على ملة الإسلام غيرنا وغيرهم، نحن النجباء النُجاة، ونحن أبناء الأوصياء ([377]). الرضا عليه السلام : في قوله تعالى : (مَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ). فهم الذين غصبوا آل محمد حقهم قوله : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ). يعنى الولاية لاَ انفِصَامَ لَهَا. أي حبل لا انقطاع له. (وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). يعنى أمير المؤمنين والأئمة عليه السلام (يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ). وهم الظالمون آل محمد([378]). الرضا عليه السلام : أنه قال لرجل : كيف تقرأ (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ... [التوبة : 117])؟ قال : فقال : هكذا نقرأها قال : ليس هكذا قال الله، إنما قال : " لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين والأنصار "، وفي رواية : وأي ذنب كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى تاب الله عليه منه([379]). الرضا عليه السلام : لما أنزل الله هذه الآية على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى : 23]) قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه وقال : أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه. فلم يجبه أحد، فقام فيهم يوما ثانيا، فقال مثل ذلك، فلم يجبه أحد. فقام فيهم يوم الثالث، فقال : أيها الناس إن الله قد فرض عليكم فرضا فهل أنتم مؤدوه. فلم يجبه أحد فقال : أيها الناس إنه ليس ذهبا ولا فضة ولا مأكولا ولا مشروبا قالوا : فهات إذا ؟ فتلا عليهم هذه الآية. فقالوا أما هذا فنعم، فما وفى به أكثرهم. وعن الصادق عليه السلام : فوالله ما وفي بها إلا سبعة نفر : سلمان وأبو ذر وعمار والمقداد وجابر بن عبد الله ومولى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقال له شبيب وزيد بن أرقم([380]). الرضا عليه السلام : كمال الدين ولايتنا والبراءة من عدونا([381]). العسكري عليه السلام : قال الله عز وجل : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ [البقرة : 171]) في عبادتهم الأصنام واتخاذهم الأنداد من دون محمد وعلي صلوات الله عليهما (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ) يصوت بما لا يسمع (إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء) لا يفهم ما يراد منه فيتعب المستغيث به ويعين من استغاثه (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) من الهدى في اتباعهم الأنداد من دون الله والأضداد لأولياء الله الذين سموهم بأسماء خيار خلفاء الله ولقبوهم بألقاب أفاضل الأئمة الذين نصبهم الله لإقامة دين الله (فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) أمر الله عز وجل، قال علي بن الحسين عليهما السلام : هذا في عباد الأصنام وفي النصاب لأهل بيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم نبي الله، هم أتباع إبليس وعتاة مردته، سوف يصيرونهم إلى الهاوية([382]). العسكري عليه السلام : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أوقف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في يوم الغدير موقفه المشهور المعروف... قام قوما من متمرديهم وجبابرتهم وطؤوا بينهم، لئن كانت لمحمد كائنة لندفعن هذا الامر عن علي ولا نتركه له، فعرف الله تعالى من قلوبهم وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقولون : لقد أقمت عليا أحب الخلق إلى الله وإليك وإلينا فكفيتنا به مؤونة الظلمة لنا والجبارين في سياستنا، وعلم الله تعالى من قلوبهم خلاف ذلك من مواطأة بعضهم لبعض أنهم على العداوة مقيمون، ولدفع الامر عن مستحقه مؤثرون فأخبر الله عز وجل محمدا عنهم، فقال : يا محمد، ومن الناس من يقول آمنا بالله الذي أمرك بنصب علي إماما وسائسا ولامتك مدبرا، وما هم بمؤمنين بذلك ولكنهم يتواطؤون على هلاكك وهلاكه، ويوطؤون أنفسهم على التمرد على علي إن كانت بك كائنة([383]). العسكري عليه السلام : الدخول في قبول ولاية علي عليه السلام كالدخول في قبول نبوة محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإنه لا يكون مسلما من قال : إن محمدا رسول الله، فاعترف به ولم يعترف بأن عليا وصيه وخليفته وخير أمته([384]). العسكري عليه السلام : في قوله تعالى عز وجل : (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [البقرة : 171]). (وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) في عبادتهم للأصنام واتخاذهم الأنداد من دون محمد وعلي عليهما السلام (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ) يصوت بما لا يسمع (إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء) لا يفهم ما يراد منه، فيغيث المستغيث ويعين من استعانه (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ) عن الهدى في اتباعهم الأنداد من دون الله والأضداد لأولياء الله الذين سموهم بأسماء خيار خلائق الله ولقبوهم بألقاب أفاضل الأئمة الذين نصبهم الله لإقامة دين الله (فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ) أمر الله عز وجل. قال علي بن الحسين عليه السلام : هذا في عباد الأصنام وفي النصاب لأهل بيت محمد نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وعتاة مردتهم سوف يصيرونهم إلى الهاوية، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فان من تعوذ بالله منه أعاذه الله ونعوذ من همزاته ونفخاته ونفثاته. أتدرون ما هي ؟ أما همزاته فما يلقيه في قلوبكم من بغضنا أهل البيت، قالوا : يا رسول الله وكيف نبغضكم بعد ما عرفنا محلكم من الله ومنزلتكم ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : بأن تبغضوا أولياءنا وتحبوا أعداءنا فاستعيذوا بالله من محبة أعدائنا وعداوة أوليائنا فتعاذوا من بغضنا وعداوتنا فإنه من أحب أعداءنا فقد عادانا ونحن منه براء والله عز وجل منه برئ([385]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : إن القوم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا من عصمه الله بآل محمد، إن الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة هارون من موسى ومن تبعه وبمنزلة العجل ومن تبعه، فعلي في سنة هارون وعتيق في سنة السامري ([386]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : ثم ذكر علي عليه السلام بيعة أبي بكر وعمر وعثمان فقال : لعمري لئن كان الأمر كما يقولون، ولا والله ما هو كما يقولون، ثم سكت. فقال له عمار : وما يقولون ؟ فقال : يقولون : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلف أحدا وإنهم إنما تركوا ليتشاوروا، ففعلوا غير ما أمروا في قوله تعالى. فقد بايع القوم أبا بكر عن غير مشورة ولا رضى من أحد، ثم أكرهوني وأصحابي على البيعة. ثم بايع أبو بكر عمر عن غير مشورة. ثم جعلها عمر شورى بين ستة رهط وأخرج من ذلك جميع الأنصار والمهاجرين إلا هؤلاء الستة ثم قال : يصلي صهيب بالناس ثلاثة أيام، ثم أمر الناس : إن مضت ثلاثة أيام ولم يفرغ القوم أن تضرب رقابهم، وإن اجتمع أربعة وخالف اثنان أن يقتلوا الاثنين. ثم تشاوروا في ثلاثة أيام وكانت بيعتهم عن مشورة من جماعتهم وملأهم، ثم صنعوا ما رأيتم ثم قال : إن موسى قال لهارون : ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن إلى قوله ولم ترقب قولي، وأنا من نبي الله بمنزلة هارون من موسى، عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن ضلت الأمة بعده وتبعت غيري أن أجاهدهم إن وجدت أعوانا، وإن لم أجد أعوانا أن أكف يدي وأحقن دمي، وأخبرني بما الأمة صانعة بعده([387]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته لأمير المؤمنين عليه السلام : يا علي ! إن قريشا ستظاهر عليك وتجتمع كلهم على ظلمك وقهرك، فإن وجدت أعوانا فجاهدهم وإن لم تجد أعوانا فكف يدك واحقن دمك، فإن الشهادة من ورائك، لعن الله قاتلك([388]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع علي عليه السلام القرآن وجاء به إلى المهاجرين والأنصار وعرضه عليهم لما قد أوصاه بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فتحه أبو بكر خرج في أول صفحة فتحها فضائح القوم فوثب عمر وقال : يا علي أردده فلا حاجة لنا فيه فأخذه علي عليه السلام وانصرف ثم احضر زيد بن ثابت وكان قارئا للقرآن فقال له عمر إن عليا عليه السلام جاءنا بالقرآن وفيه فضائح المهاجرين والأنصار، وقد أردنا أن تؤلف لنا القرآن وتسقط منه ما كان فيه فضيحة وهتك للمهاجرين والأنصار. فأجابه زيد إلى ذلك ثم قال : فإن أنا فرغت من القرآن على ما سألتم وأظهر علي القرآن الذي ألفه أليس قد بطل كل ما قد عملتم. قال عمر : فما الحيلة ؟ قال زيد : أنتم أعلم بالحيلة. فقال عمر : ما الحيلة دون أن نقتله ونستريح منه. فدبر في قتله على يد خالد بن الوليد فلم يقدر على ذلك وقد مضى شرح ذلك، فلما استخلف عمر سأل عليا أن يدفع إليهم القرآن فيحرفوه فيما بينهم. فقال : يا أبا الحسن إن كنت جئت به إلى أبي بكر فأت به إلينا حتى نجتمع عليه. فقال علي عليه السلام : هيهات ليس إلى ذلك سبيل إنما جئت به إلى أبي بكر لتقوم الحجة عليكم ولا تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا ما جئتنا به إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي فقال عمر فهل وقت لإظهاره معلوم ؟ قال علي عليه السلام : نعم إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه فتجري السنة به([389]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : قبضت فاطمة عليها السلام فارتجت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل أبو بكر وعمر يعزيان عليا عليه السلام ويقولان له : يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله، فلما كان الليل دعا علي عليه السلام العباس والفضل والمقداد وسلمان وأبا ذر وعمارا فقدم العباس فصلى عليها ودفنوها. فلما أصبح الناس أقبل أبو بكر وعمر والناس يريدون الصلاة على فاطمة عليها السلام فقال المقداد : قد دفنا فاطمة البارحة، فالتفت عمر إلى أبي بكر فقال : لم أقل لك إنهم سيفعلون قال العباس : إنها أوصت أن لا تصليا عليها فقال عمر : لا تتركون يا بني هاشم حسدكم القديم لنا أبدا إن هذه الضغائن التي في صدوركم لن تذهب، والله لقد هممت أن أنبشها فأصلي عليها، فقال علي عليه السلام : والله لو رمت ذاك يا ابن صهاك لا رجعت إليك يمينك، لئن سللت سيفي لا غمدته دون إزهاق نفسك : فانكسر عمر وسكت وعلم أن عليا عليها السلام إذا حلف صدق. ثم قال علي عليه السلام : يا عمر ألست الذي هم بك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأرسل إلي فجئت متقلدا سيفي ثم أقبلت نحوك لأقتلك فأنزل الله عز وجل (فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدّاً [مريم : 84])([390]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تخوفت أن تتظاهر قريش على إخراج هذا الأمر من بني هاشم. فلما صنع الناس ما صنعوا من بيعة أبي بكر أخذني ما يأخذ الواله الثكول مع ما بي من الحزن لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فجعلت أتردد وأرمق وجوه الناس، وقد خلا الهاشميون برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لغسله وتحنيطه. وقد بلغني الذي كان من قول سعد بن عبادة ومن اتبعه من جهلة أصحابه، فلم أحفل بهم وعلمت أنه لا يؤول إلى شئ. فجعلت أتردد بينهم وبين المسجد وأتفقد وجوه قريش. فإني لكذلك إذ فقدت أبا بكر وعمر. ثم لم ألبث حتى إذا أنا بأبي بكر وعمر وأبي عبيدة قد أقبلوا في أهل السقيفة وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمر بهم أحد إلا خبطوه، فإذا عرفوه مدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر، شاء ذلك أم أبى فأنكرت عند ذلك عقلي جزعا منه، مع المصيبة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فخرجت مسرعا حتى أتيت المسجد، ثم أتيت بني هاشم، والباب مغلق دونهم. فضربت الباب ضربا عنيفا وقلت : يا أهل البيت فخرج إلي الفضل بن العباس، فقلت : قد بايع الناس أبا بكر فقال العباس : (قد تربت أيديكم منها إلى آخر الدهر. أما إني قد أمرتكم فعصيتموني)([391]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : شهدت أبا ذر مرض مرضا على عهد عمر في إمارته، فدخل عليه عمر يعوده وعنده أمير المؤمنين عليه السلام وسلمان والمقداد، وقد أوصى أبو ذر إلى علي عليه السلام وكتب وأشهد. فلما خرج عمر قال رجل من أهل أبي ذر من بني عمه بني غفار : ما منعك أن توصي إلى أمير المؤمنين عمر ؟ قال : قد أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا حقا. أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن أربعون رجلا من العرب وأربعون رجلا من العجم، فسلمنا على علي عليه السلام بإمرة المؤمنين، فينا هذا القائم الذي سميته (أمير المؤمنين). ولا أحد من العرب ولا من الموالي العجم راجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا هذا وصويحبه الذي استخلفه، فإنهما قالا : (أحق من الله ورسوله) ؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : اللهم نعم، حق من الله ورسوله، أمرني الله بذلك فأمرتكم به([392]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام بكى ابن عباس بكاء شديدا، ثم قال : ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها اللهم إني أشهدك أني لعلي بن أبي طالب ولي ولولده، ومن عدوه وعدوهم برئ، وإني أسلم لأمرهم... ثم قال : لقد دخلت على علي عليه السلام بذي قار، فأخرج إلي صحيفة وقال لي : يا بن عباس، هذه صحيفة أملاها علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخطي بيدي. فقلت : يا أمير المؤمنين، إقرأها علي فقرأها، فإذا فيها كل شئ كان منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى مقتل الحسين عليه السلام وكيف يقتل ومن يقتله ومن ينصره ومن يستشهد معه. فبكى بكاء شديدا وأبكاني. فكان فيما قرأه علي : كيف يصنع به وكيف يستشهد فاطمة وكيف يستشهد الحسن ابنه وكيف تغدر به الأمة. فلما أن قرأ كيف يقتل الحسين ومن يقتله أكثر البكاء، ثم أدرج الصحيفة وقد بقي ما يكون إلى يوم القيامة([393]). الفضل بن شاذان (ت : 260 هـ) : ذكر وهو يرى إرتداد جل الصحابة أسماء قلة منهم ممن رجعوا إلى علي رضي الله عنه بقوله : من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام([394]). إبراهيم الثقفي (ت : 283 هـ) : لو شاهدت يوم الزيارة يوم الغدير، وما يجري عند قبر علي بن أبي طالب من الفضائح والأقوال الشنيعة، وسب الصحابة جهارا من غير مراقبة ولا خيفة([395]). محمد بن الحسن الصفار (ت : 290 هـ) : وقد كفانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه المؤنة في خطبة خطبها، أودعها من البيان والبرهان ما يجلي الغشاوة عن أبصار متأمليه، والعمى عن عيون متدبريه، وحلينا هذا الكتاب بها ليزداد المسترشدون في هذا الامر بصيرة، وهي منه الله جل ثناؤه علينا وعليهم يجب شكرها.. خطب صلوات الله عليه فقال : ما لنا ولقريش ! وما تنكر منا قريش غير أنا أهل بيت شيد الله فوق بنيانهم بنياننا، وأعلى فوق رؤوسهم رؤوسنا، واختارنا الله عليهم، فنقموا على الله أن اختارنا عليهم، وسخطوا ما رضي الله، وأحبوا ما كره الله، فلما اختارنا الله عليهم شركناهم في حريمنا، وعرفناهم الكتاب والنبوة، وعلمنا هم الفرض والدين، وحفظناهم الصحف والزبر، وديناهم الدين والاسلام، فوثبوا علينا، وجحدوا فضلنا، ومنعونا حقنا، والتونا أسباب أعمالنا وأعلامنا، اللهم فإني استعديك على قريش فخذ لي بحقي منها، ولا تدع مظلمتي لديها، وطالبهم - يا رب - بحقي، فإنك الحكم العدل، فإن قريشا صغرت عظيم أمري، واستحلت المحارم مني، واستخفت بعرضي وعشيرتي، وقهرتني على ميراثي من ابن عمي وأغروا بي أعدائي، ووتروا بيني وبين العرب والعجم، وسلبوني ما مهدت لنفسي من لدن صباي بجهدي وكدي، ومنعوني ما خلفه أخي وجسمي وشقيقي،.. إذا فزعت تيم إلى الفرار، وعدي إلى الانتكاص ؟ ! أما وإني لو أسلمت قريشا للمنايا والحتوف، وتركتها فحصدتها سيوف الغوانم، ووطأتها خيول الأعاجم، وكرات الأعادي، وحملات الأعالي، وطحنتهم سنابك الصافنات، وحوافر الصاهلات، في مواقف الأزل والهزل في ظلال الأعنة وبريق الأسنة، ما بقوا لهضمي، ولا عاشوا لظلمي، ولما قالوا : إنك لحريص متهم ! اليوم نتواقف على حدود الحق والباطل، اللهم افتح بيننا وبين قومنا بالحق، فإني مهدت مهاد نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ورفعت أعلام دينك، وأعلنت منار رسولك، فوثبوا علي وغالبوني ونالوني وواتروني.. فقام إليه أبو حازم الأنصاري فقال : يا أمير المؤمنين عليه السلام ! أبو بكر وعمر ظلماك ؟ أحقك أخذا ؟ وعلى الباطل مضيا ؟ أعلى حق كانا ؟ أعلى صواب أقاما ؟ أم ميراثك غصبا ؟ أفهمنا لنعلم باطلهم من حقك ؟ أو نعلم حقهما من حقك ؟ أبزاك أمرك ؟ أم غصباك إمامتك ؟ أم غالباك فيها عزا ؟ أم سبقاك إليها عجلا فجرت الفتنة ولم تستطع منها استقلالا ؟ ! فإن المهاجرين والأنصار يظنان أنهما كانا على حق وعلى الحجة الواضحة مضيا. فقال صلوات الله عليه : يا أخا اليمن ! لا بحق أخذا، ولا على إصابة أقاما، ولا على دين مضيا، ولا على فتنة خشيا، يرحمك الله، اليوم نتواقف على حدود الحق والباطل ! أتعلمون - يا إخواني - ان بني يعقوب على حق ومحجة كانوا حين باعوا أخاهم، وعقوا أباهم، وخانوا خالقهم، وظلموا أنفسهم ؟ !. فقالوا : لا. فقال : رحمكم الله، أيعلم إخوانك هؤلاء ان أين آدم - قاتل الأخ - كان على حق ومحجة وإصابة وأمره من رضى الله ؟. فقالوا : لا. فقال : أو ليس كل فعل بصاحبه ما فعل لحسده إياه وعدوانه وبغضائه له ؟. فقالوا : نعم. قال : وكذلك فعلا بي ما فعلا حسدا، ثم إنه لم يتب على ولد يعقوب إلا بعد استغفار وتوبة، وإقلاع وإنابة، وإقرار، ولو أن قريشا تابت إلي واعتذرت من فعلها لاستغفرت الله لها. ثم قال : ثم سبقتني إليه التيمي والعدوي كسباق الفرس احتيالا واغتيالا، وخدعة وغلبة. ثم قال : على أنه أعز تيما وعديا على دين أتت به تيم وعدي، أم على دين أتى به ابن عمي وصنوي وجسمي، على أن أنصر تيما وعديا أم أنصر ابن عمي وحقي وديني وإمامتي ؟ وإنما قمت تلك المقامات، واحتملت تلك الشدائد، وتعرضت للحتوف على أن يصيبني من الآخرة موفرا، وإني صاحب محمد وخليفته، وإمام أمته بعده، وصاحب رايته في الدنيا والآخرة. اليوم أكشف السريرة عن حقي، وأجلي القذى عن ظلامتي، حتى يظهر لأهل اللب والمعرفة إني مذلل مضطهد مظلوم مغصوب مقهور محقور، وانهم ابتزوا حقي، واستأثروا بميراثي !. اليوم نتواقف على حدود الحق والباطل، من استودع خائنا فقد غش نفسه، من استرعى ذئبا فقد ظلم، من ولي غشوما فقد اضطهد، هذا موقف صدق، ومقام أنطق فيه بحقي، وأكشف الستر والغمة عن ظلامتي!([396]). أحمد بن عبدالعزيز الجوهري (ت : 323 هـ) : جاء عمر إلى بيت فاطمة في رجال من الأنصار، ونفر قليل من المهاجرين، فقال : والذي نفسي بيده لتخرجن إلى البيعة أو لأحرقن البيت عليكم، فخرج إليه الزبير مصلتا بالسيف، فاعتنقه زياد بن لبيد الأنصاري، ورجل آخر فندر السيف من يده فضرب به عمر الحجر فكسره، ثم أخرجهم بتلابيبهم يساقون سوقا عنيفا حتى بايعوا أبا بكر([397]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً [النساء : 137]) قال نزلت في الذين آمنوا برسول الله اقرارا لا تصديقا ثم كفروا لما كتبوا الكتاب فيما بينهم أن لا يردوا الامر إلى أهل بيته ابدا فلما نزلت الولاية واخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الميثاق عليهم لأمير المؤمنين عليه السلام آمنوا اقرارا لا تصديقا، فلما مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كفروا وازدادوا كفرا (لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) يعني طريقا إلا طريق جهنم، وقوله (الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً [النساء : 139]) يعني القوة، قال نزلت في بني أمية حيث خالفوا نبيهم على أن لا يردوا الامر في بني هاشم([398]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ... [المائدة : 54]) قال هو مخاطبة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين غصبوا آل محمد حقهم وارتدوا عن دين الله " فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونهم " نزلت في القائم عليه السلام وأصحابه([399]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : قوله : (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ... [النحل : 88]) قال كفروا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصدوا عن أمير المؤمنين عليه السلام([400]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : المراد بالأولين المشار إليهم بقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ... [التوبة : 100]). هم النقباء وأبو ذر والمقداد وسلمان وعمار، ومن آمن وصدق وثبت على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام([401]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا). الذين خالفوا أمير المؤمنين عليه السلام هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. قال أصحاب المشأمة هم أعداء آل محمد صلوات الله عليهم([402]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : في قوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ [المدّثر : 38-39]) اليمين أمير المؤمنين عليه السلام وأصحابه شيعته فيقولون لأعداء آل محمد : (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ فيقولون : لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ). اي لم نك من أتباع الأئمة. (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) قال : حقوق آل محمد من الخمس لذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل وهم آل محمد عليه السلام([403]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : في قوله تعالى : [وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم.. ] الآية فإنها نزلت في أصحاب الجمل، وقال أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل : والله ما قاتلت هذه الفئة الناكثة إلا بآية من كتاب الله، يقول الله : وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة : 12]([404]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : في تفسير قول الله عزوجل : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ [محمد : 1]) نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وغصبوا أهل بيته حقهم وصدوا عن أمير المؤمنين عليه السلام ولاية الأئمة (أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ).. أي أبطل ما كان تقدم منهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الجهاد والنصرة([405]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : قوله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً [المجادلة : 18] )، قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الذين غصبوا آل محمد حقهم فيعرض عليهم أعمالهم فيحلفون له أنهم لم يعملوا منها شيئا كما حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا حين حلفوا أن لا يردوا الولاية في بني هاشم، وحين هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العقبة، فلما أطلع الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرهم حلفوا له أنهم لم يقولوا ذلك ولم يهموا به، فأنزل الله على رسوله : (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً [التوبة : 74])، قال : إذا عرض الله ذلك عليهم في القيامة ينكرونه ويحلفون كما حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم([406]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : في حديث طويل : فاستفهمه عمر من بين أصحابه، فقال : يا رسول الله ! هذا من الله أو من رسوله ؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نعم من الله ومن رسوله، إنه أمير المؤمنين، وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، يقعده الله يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار، فقال أصحابه الذين ارتدوا بعده : قد قال محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف ما قال، وقال ههنا ما قال، وإن رجع إلى المدينة يأخذنا بالبيعة له، فاجتمعوا أربعة عشر نفرا وتآمروا على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقعدوا له في العقبة، وهي عقبة أرشى بين الجحفة والأبواء، فقعدوا سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما جن الليل تقدم رسول الله في تلك الليلة العسكر، فأقبل ينعس على ناقته، فلما دنا من العقبة ناداه جبرئيل : يا محمد ! إن فلانا وفلانا وفلانا قد قعدوا لك، فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال : من هذا خلفي ؟، فقال حذيفة بن اليمان : أنا حذيفة بن اليمان يا رسول الله، قال : سمعت ما سمعت ؟، قال : بلى، قال : فاكتم، ثم دنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم فناداهم بأسمائهم، فلما سمعوا نداء رسول الله فروا ودخلوا في غمار الناس، وقد كانوا عقلوا رواحلهم فتركوها، ولحق الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطلبوهم، وانتهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رواحلهم فعرفها، فلما نزل قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة إن أمات الله محمدا أو قتله أن لا يردوا هذا الامر في أهل بيته أبدا ؟، فجاؤوا إلى رسول الله فحلفوا أنهم لم يقولوا من ذلك شيئا، ولم يريدوه، ولم يهموا بشئ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأنزل الله : (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ [التوبة : 74] ) من قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (َمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [التوبة : 74])([407]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : انزل الله عليهم القرآن فارتدوا فكفروا وعصوا أمير المؤمنين عليه السلام (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة : 6])([408]). المسعودي (ت : 354 هـ) : قام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بأمر الله جل وعلا، وعمره خمس وثلاثون سنة واتبعه المؤمنون، وقعد عنه المنافقون، ونصبوا للملك وأمر الدنيا رجلا اختاروه لأنفسهم دون من اختاره الله، عز وجل، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فأقام أمير المؤمنين عليه السلام ومن معه من شيعته في منازلهم، بما عهده إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه وأحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرها، وضغطوا سيدة النساء بالباب، حتى أسقطت محسنا، وأخذوه بالبيعة فامتنع، وقال : لا أفعل : فقالوا نقتلك فقال : إن تقتلوني فاني عبد الله وأخو رسوله، وبسطوا يده فقبضها، وعسر عليهم فتحها، فمسحوا عليه وهي([409]). بابويه القمي الملقب بالصدوق (ت : 381 هـ) : كان الذين أنكروا على أبي بكر جلوسه في الخلافة وتقدمه على علي بن أبي طالب عليه السلام اثنى عشر رجلا من المهاجرين والأنصار.. فقال بعضهم : هلا نأتيه فننزله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال آخرون : إن فعلتم ذلك أعنتم على أنفسكم وقال الله عزوجل " ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " ولكن امضوا بنا إلى علي بن أبي طالب عليه السلام نستشيره ونستطلع أمره فأتوا عليا عليه السلام فقالوا : يا أمير المؤمنين ضيعت نفسك وتركت حقا أنت أولى به وقد أردنا أن نأتي الرجل فننزله عن منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن الحق حقك، وأنت أولى بالامر منه فكرهنا أن ننزله من دون مشاورتك، فقال لهم علي عليه السلام : لو فعلتم ذلك ما كنتم إلا حربا لهم ولا كنتم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد، وقد اتفقت عليه الأمة التاركة لقول نبيها والكاذبة على ربها ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلا السكوت لما تعلمون من وغر صدور القوم وبغضهم لله عز وجل ولأهل بيت نبيه عليه السلام وإنهم يطالبون بثارات الجاهلية والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال كما فعلوا ذلك حتى قهروني وغلبوني على نفسي ولببوني وقالوا لي : بايع وإلا قتلناك فلم أجد حيلة إلا أن أدفع القوم عن نفسي وذاك أني ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يا علي إن القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك، وعصوني فيك. فعليك بالصبر حتى ينزل الامر، ألا وإنهم سيغدرون بك لا محالة فلا تجعل لهم سبيلا إلى إذلالك وسفك دمك، فإن الأمة ستغدر بك بعدي كذلك أخبرني جبرئيل عليه السلام عن ربى تبارك وتعالى([410]). بابويه القمي الملقب بالصدوق (ت : 381 هـ) : سأل أبو زيد النحوي الخليل بن أحمد ما بال أصحاب محمد رسول الله كأنهم بنو أم واحدة، وعلي كأنه ابن غلة، قال تقدمهم اسلاما، وبذهم شرفا، وفاقهم علما، ورجحهم حلما، وكثرهم هدى، فحسدوه الناس إلى أمثالهم وأشكالهم أميل. وفي رواية : هجروا الناس عليا وقرباه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرباه، وموضعه من المسلمين موضعه، وعناه في الاسلام عناه، فقال : بهر والله نوره على أنوارهم، وغلبهم على صفو كل منهل، والناس إلى أشكالهم أميل([411]). بابويه القمي الملقب بالصدوق (ت : 381 هـ) : اعتقادنا في الظالمين أنهم ملعونون والبراءة منهم واجبة، قال الله عز وجل : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود : 18]). وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية : إن سبيل الله عز وجل في هذا الموضع هو علي بن أبي طالب عليه السلام. والأئمة في كتاب الله عز وجل إمامان : إمام هدى وإمام ضلالة، قال الله جل ثناؤه : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة : 24])، وقال الله عز وجل في أئمة الضلالة : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ * وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ [القصص : 41-42]). ولما نزلت هذه الآية : (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال : 25]) قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء من قبلي، ومن تولى ظالما فهو ظالم، قال الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [التوبة : 23]). وقال الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ [الممتحنة : 13]). وقال عز وجل : (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ.. [المجادلة : 22]). وقال عز وجل : (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ [هود : 113] )والظلم هو وضع الشئ في غير موضعه. فمن ادعى الإمامة وليس بإمام فهو الظالم الملعون، ومن وضع الإمامة في غير أهلها فهو ظالم ملعون، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من جحد عليا إمامته من بعدي فإنما جحد نبوتي ومن جحد نبوتي فقد جحد الله ربوبيته. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي : يا علي ! أنت المظلوم بعدي، من ظلمك فقد ظلمني، ومن أنصفك فقد أنصفني، ومن جحدك فقد جحدني، ومن والاك فقد والاني، ومن عاداك فقد عاداني، ومن أطاعك فقد أطاعني، ومن عصاك فقد عصاني. واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده عليه السلام بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء عليه السلام. واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحدا من بعده من الأئمة عليه السلام أنه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء ثم أنكر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقال الصادق عليه السلام : المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الأئمة من بعدي اثنا عشر، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وآخر هم القائم، طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي، من أنكر واحد منهم فقد أنكروني. وقال الصادق عليه السلام : من شك في كفر أعدائنا والظالمين لنا فهو كافر. وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمي حتى أن عقيلا كان يصيبه رمد فقال : لا تذروني حتى تذروا عليا، فيذروني وما بي رمد. واعتقادنا فيمن قاتل عليا عليه السلام كقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من قاتل عليا فقد قاتلني، وقوله : من حارب عليا فقد حاربني ومن حاربني فقد حارب الله عز وجل. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام : أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم. وأما فاطمة صلوات الله عليها، فاعتقادنا أنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وأن الله عز وجل يغضب لغضبها ويرضى لرضاها، وأنها خرجت من الدنيا ساخطة على ظالمها وغاصبها ومانعي إرثها. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فاطمة بضعة مني، من آذاها فقد آذاني، ومن غاظها فقد غاظني، ومن سرها فقد سرني. وقال صلى الله عليه وآله وسلم : فاطمة بضعة مني، وهي روحي التي بين جنبي، يسوؤني ما ساءها ويسرني ما سرها. واعتقادنا في البراءة أنها واجبة من الأوثان الأربعة، والإناث الأربع، ومن جميع أشياعهم وأتباعهم، وأنهم شر خلق الله عز وجل، ولا يتم الاقرار بالله وبرسوله وبالأئمة عليهم السلام إلا بالبراءة من أعدائهم([412]). بابويه القمي الملقب بالصدوق (ت : 381 هـ) : الذين نفروا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقته في منصرفه من تبوك أربعة عشر : أبو الشرور، وأبو الدواهي، وأبو المعازف، وأبوه، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة، وأبو الأعور، والمغيرة، وسالم مولى أبي حذيفة، وخالد بن وليد، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري، وعبد الرحمن بن عوف، وهم الذين أنزل الله عز وجل فيهم (وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ [التوبة : 74]). قال المجلسي : أبو الشرور وأبو الدواهي وأبو المعازف أبو بكر وعمر وعثمان، فيكون المراد بالأب الوالد المجازي، أو لأنه كان ولد زنا، أو المراد بأبي المعازف معاوية وأبوه أبو سفيان، ولعله أظهر([413]). بابويه القمي الملقب بالصدوق (ت : 381 هـ) : من جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده؛ فإنه بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء([414]). بابويه القمي الملقب بالصدوق (ت : 381 هـ) : أن أمير المؤمنين جمع القرآن وجاء به إلى الصحابة، فلما جاءهم به قال : (هذا كتاب ربكم كما أنزل على نبيكم، لم يزد فيه حرف، ولم ينقص منه حرف). فقالوا : لا حاجة لنا فيه، عندنا مثل الذي عندك. فانصرف وهو يقول : (فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ [آل عمران : 187])([415]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : أن الله سبحانه أعلمه - أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - أن في أمته من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر، ويسر خلافه، ويبطن مقته، ويسعى في هدم أمره، وينافقه في دينه، ولم يعرفه أعيانهم ولا دله عليهم بأسمائهم فقال جل جلاله : (وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ [التوبة : 101]). وقال جل اسمه : (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُم مِّنْ أَحَدٍ ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون [التوبة : 127]) وقال تبارك اسمه : (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ [التوبة : 96]) وقال تعالى : (وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ [التوبة : 56]) وقال عز وجل : (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون : 4]) وقال جل جلاله : (َلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة : 54]) وقال تبارك وتعالى : (وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء : 142]). وقال سبحانه بعد أن نبأه عنهم في الجملة : (وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد : 30]). فدل عليهم بمقالهم، وجعل الطريق له إلى معرفتهم ما يظهر من نفاقهم في لحن قولهم، ثم أمره بمشورتهم ليصل ما يظهر منهم إلى علم باطنهم، فإن الناصح يبدو نصيحته في مشورته، والغاش المنافق يظهر ذلك في مقاله، فاستشارهم صلى الله عليه وآله وسلم لذلك، ولان الله جل جلاله جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم، ألا ترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه صلى الله عليه وآله وسلم في الاسرى فصدرت مشورتهم عن نيات مشوبة في نصيحته كشف الله ذلك له، وذمهم عليه، وأبان عن إدغالهم فيه، فقال جل اسمه : (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [الأنفال : 67-68]) فوجه التوبيخ إليهم، والتعنيف على رأيهم، وأبان لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم عن حالهم، فيعلم أن المشورة لهم لم يكن للفقر إلى رأيهم، ولكن كانت لما ذكرناه([416]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : اتفقت الامامية أن من أنكر إمامة أحد من الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى له من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار. وقال في موضع آخر منه : اتفقت الامامية على أن أصحاب البدع كلهم كفار وأن على الامام أن يستتيبهم عند التمكن بعد الدعوة لهم وإقامة البينة عليهم، فإن تابوا من بدعهم وصاروا إلى الصواب وإلا قتلهم لردتهم عن الايمان، وأن من مات منهم على ذلك فهو من أهل النار([417]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : إن أبا الهيثم قام خطيبا بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : ان حسد قريش إياك على وجهين : أما خيارهم، فتمنوا أن يكونوا مثلك منافسة في الملا وارتفاع الدرجة، وأما شرارهم، فحسدوا حسدا أثقل القلوب وأحبط الأعمال، وذلك أنهم رأوا عليك نعمة قدمها إليك الحظ وأخرهم عنها الحرمان، فلم يرضوا أن يلحقوا حتى طلبوا أن يسبقوك، فبعدت - والله - عليهم الغاية، وقطعت المضمار، فلما تقدمتهم بالسبق وعجزوا عن اللحاق بلغوا منك ما رأيت، وكنت - والله - أحق قريش بشكر قريش، نصرت نبيهم حيا، وقضيت عنه الحقوق ميتا، والله ما بغيهم إلا على أنفسهم، ولا نكثوا إلا بيعة الله، يد الله فوق أيديهم فيها، ونحن معاشر الأنصار أيدينا وألسنتنا معك، فأيدينا على من شهد وألسنتنا على من غاب([418]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : في قول الله عزوجل :.. وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ.. [البقرة : 177] ليس أحد من الصحابة إلا من نقض العهد في الظاهر أو تقول ذلك عليه إلا أمير المؤمنين عليه السلام فإنه لا يمكن لأحد أن يزعم أنه نقض ما عاهد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النصرة والمساواة فاختص أيضا بهذا الوصف ([419]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : عقد - رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة، وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيه عليه السلام على إخراج جماعة من متقدمي المهاجرين والأنصار في معسكره، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته صلى الله عليه وآله وسلم من يختلف في الرئاسة، ويطمع في التقدم على الناس بالإمارة، ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده، ولا ينازعه في حقه منازع([420]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : لما بايع الناس أبا بكر دخل علي عليه السلام والزبير والمقداد بيت فاطمة عليها السلام، وأبوا أن يخرجوا، فقال عمر بن الخطاب : اضرموا عليهم البيت نارا، فخرج الزبير ومعه سيفه، فقال أبو بكر : عليكم بالكلب، فقصدوا نحوه، فزلت قدمه وسقط إلى الأرض ووقع السيف من يده، فقال أبو بكر : اضربوا به الحجر، فضرب بسيفه الحجر حتى انكسر. وخرج علي ابن أبي طالب عليه السلام نحو العالية فلقيه ثابت بن قيس بن شماس، فقال : ما شأنك يا أبا الحسن ؟ فقال : أرادوا أن يحرقوا علي بيتي وأبو بكر على المنبر يبايع له ولا يدفع عن ذلك ولا ينكره، فقال له ثابت : ولا تفارق كفي يدك حتى أقتل دونك، فانطلقا جميعا حتى عادا إلى المدينة وإذا فاطمة عليها السلام واقفة على بابها، وقد خلت دارها من أحد من القوم وهي تقول : لا عهد لي بقوم أسوا محضرا منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا وصنعتم بنا ما صنعتم ولم تروا لنا حقا([421]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : اتفقت الإمامية على أن من أنكر إمامة أحد الأئمة وجحد ما أوجبه الله تعالى من فرض الطاعة فهو كافر ضال مستحق للخلود في النار([422]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : أن ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله : من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. صريح في أن الجهل بالإمام يخرج صاحبه عن الإسلام([423]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : لا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفاً للحق في الولاء، ولا يصلي عليه إلا أن تدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية، فيغسله تغسيل أهل الخلاف، ولا يترك معه جريدة، وإذا صلى عليه لعنه في صلاته ولم يدع له فيها([424]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف القرآن وما أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان([425]). وقال : اتفقت الإمامية على أن أئمة الضلال خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ([426]). وقال : إن الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله، وليس فيه شيء من كلام البشر، وهو جمهور المنزل والباقي مما أنزله الله تعالى قرآناً عند المستحفظ للشريعة المستودع للأحكام لم يضع منه شيء، وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله -أى : عثمان- في جملة ما جمع لأسباب دعته إلى ذلك، منها قصوره عن معرفة بعضه، ومنه ما شك فيه، ومنه ما عمد بنفسه، ومنه ما تعمد إخراجه منه، وقد جمع أمير المؤمنين القرآن من أوله إلى آخره وألّفه بحسب ما وجب من تأليفه([427]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : عن أبي هارون العبدي قال : كنت أرى رأي الخوارج لا رأي لي غيره حتى جلست إلى أبي سعيد الخدري رحمه الله فسمعته يقول : أمر الناس بخمس، فعملوا بأربع وتركوا واحدة، فقال له رجل : يا أبا سعيد ما هذه الأربع التي عملوا بها ؟ قال : الصلاة، والزكاة والحج، وصوم شهر رمضان. قال : فما الواحدة التي تركوها ؟ قال : ولاية علي بن أبي طالب عليه السلام، قال الرجل : وإنها المفترضة معهن ؟ قال أبو سعيد : نعم ورب الكعبة، قال الرجل : فقد كفر الناس إذن ! قال أبو سعيد : فما ذنبي ؟([428]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : لم يحضر دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكثر الناس، لما جرى بين المهاجرين والأنصار من التشاجر في أمر الخلافة، وفات أكثرهم الصلاة عليه لذلك، وأصبحت فاطمة عليها السلام تنادي : وأسوء صباحاه، فسمعها أبو بكر فقال لها : إن صباحك لصباح سوء. واغتنم القوم الفرصة لشغل علي بن أبي طالب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانقطاع بني هاشم عنهم بمصابهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فتبادروا إلى ولاية الأمر واتفق لأبي بكر ما اتفق لاختلاف الأنصار فيما بينهم، وكراهة الطلقاء والمؤلفة قلوبهم من تأخر الأمر حتى يفرغ بنو هاشم، فيستقر الأمر مقره، فبايعوا أبا بكر لحضوره المكان([429]). علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (ت : 436 هـ) : وقد اشتهرت مذاهب الطائفة أن رؤساء جاحدي النص لم يزالوا منذ سمعوه جاحدين له، لانطوائهم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على النفاق حتى أخبر الله عزوجل عنهم بأنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وأي حاجة بنا إلى التسليم للخصم أنهم أطاعوه من قبل فيما عدده من الانفاق بدنيا، وعصوا في النص بالشبهة، وهو لا يناسبها ما قد استمر في مذهبنا ومع التمكن من جهل الأفعال التي يموهون بحسن ظاهرها على ما يطابق ذلك لأن الله تعالى قد أخبر أنه لا يقبل إنفاقهم، إذ كانوا يفعلونه كارهين، وأخبر أنهم لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى. والعقول دالة على أن اتباعه في الخروج عن وطنه وأوطانهم قد يمكن أن يكون لمعنى دنيوي، وأنهم قد علموا أو رأوا أمارات تدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم سيظهر على العرب وتولى دولته على الدول، فاتبعوه في حال الضراء، ليحظوا بالتقدم في الذكر والصيت والحظ منه في حال السراء، ويتوصلون بذلك إلى مرادهم، مع أمنهم به عند ظهوره على أنفسهم. وهذا كله مستقر في رؤساء جاحدي النص والسابقين إلى السقيفة والمتعاقدين فيها وقبلها على إزالة الحق من أهله، ومن سواهم فيمكن أيضا أن يكونوا جحدوا النص أيضا عنادا، بل ذلك الواجب في كل صحابي سمع أو رأى، ومال بعد ذلك إلى الدنيا ولحقته حمية الجاهلية الأولى، والأفعال التي عد أنهم فعلوها([430]). علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (ت : 436 هـ) : إعلم أن جحد النص على أمير المؤمنين عليه السلام عندنا كفر، والصحيح - وهو مذهب أصحاب الموافاة منا - أن من علمنا موته على كفره، قطعنا على أنه لم يؤمن بالله طرفة عين، ولا أطاعه في شئ من الأفعال، ولم يعرف الله تعالى ولا عرف رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. وأن الذي يظهره من المعارف أو الطاعات من علمنا موته على الكفر إنما هو نفاق وإظهار لما في الباطن بخلافه. وفي أصحابنا من لا يذهب إلى الموافاة، ويجوز في المؤمن أن يكفر ويموت على كفره، كما جاز في الكافر أن يؤمن ويموت على إيمانه. وعلى هذه الجملة ما أطاع على الحقيقة من جحد النص، ومات على جحوده النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شئ من الأشياء، وإنما كان اظهار الطاعة نفاقا. وليس يمكن أن نقول : إن كل من عمل بخلاف النص بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في أيامه عليه السلام منافقا غير عارف به، لأن فيمن عمل بخلاف النص من عاد إلى الحق وتاب من القول بخلاف النص. وفيهم من مات على جحده، فمن مات على جحوده هو الذي نقطع على أنه لم يكن قط له طاعة ولا ايمان. ومن لم يمت على ذلك لا يمكن أن نقول بذلك فيه([431]). علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (ت : 436 هـ) : إن ظاهر هذه الآية (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 100]) لا تقتضي أن السبق المذكور فيها إنما هو السبق إلى اظهار الإيمان والاسلام واتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لأن لفظ (السابقين) مشتركة غير مختصة بالسبق إلى شئ بعينه. وقد يجوز أن يكون المراد بها السبق إلى الطاعات، فقد يقال لمن تقدم في الفضل والخير : سابق ومتقدم. قال الله تعالى (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) فإنما أراد المعنى الذي ذكرناه، وقال تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر : 32]) ويكون معنى قوله تعالى (الأولون) التأكيد للسبق والتقدم والتدبير فيه، كما يقال : سابق بالخيرات أول سابق. وإذا لم يكن هاهنا دلالة تدل على أن المراد بالسبق في الآية إلى الإسلام فقد بطل غرض المخالفين وإذا ادعوا فيمن يذهبون إلى فضله وتقدمه أنه داخل في هذه الآية إذا حملنا على السبق في الخير والدين احتاجوا إلى دليل غير ظاهر الآية، وأنى لهم بذلك. ثم إذا سلمنا أن المراد بالسبق في الآية السبق إلى الإسلام والايمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا بد من أن يكون الآية مشروطة بالاخلاص وأن يكون الظاهر كالباطن، فإن الله لا يعد بالجنة والرضوان من أظهر الإسلام وأبطن خلافه. ولا خلاف بيننا وبين مخالفينا في أن هذا الشرط الذي ذكرناه مراعى في الآية، وإذا كان لا بد من مراعاته فمن أين للمخالف أن القوم الذين يذهبون إلى تعظيمهم وتفضيلهم ممن أظهر السبق إلى الإسلام كان باطنهم كظاهرهم، حتى يستحق الدخول تحت الوعد بالجنة والرضا من الله تعالى([432]). علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (ت : 436 هـ) : معاذ الله أن يضل عن الحق جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو يعدل إلى القول بالباطل على جميع الأئمة في وقت من الأوقات بل لا بد للحق في كل زمان من قائل به وذاهب إليه ومقيم عليه، وإن ضل عنه غيره. والذين ضلوا الضلال الشديد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بعد مخالفته فيمن نصبه للإمامة وارتضاه للخلافة، وعدل بالأمر عنه وصيره في غيره، افتتانا " على الرسول، وتقدما " بين يديه، وخلاف ظاهرا " عليه([433]). علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (ت : 436 هـ) : لو كان هذا الخبر صحيحا - أي " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم - لكان موجبا لعصمة كل واحد من الصحابة، ليصح ويحسن الامر بالاقتداء بكل واحد منهم ومنهم من ظهر فسقه وعناده وخروجه على الجماعة وخلافه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومن جملة الصحابة معاوية وعمرو بن العاص وأصحابهما، وفي جملتهم طلحة والزبير ومن قاتل أمير المؤمنين عليه السلام في يوم الجمل، ولا شبهة في فسقهم، وإن ادعى مدعون أن القوم تابوا بعد ذلك، ومن جملتهم من قعد عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام ولم يدخل مع جماعة المسلمين في الرضا بإمامته، ومن جملتهم من حصر عثمان ومنعه الماء وشهد عليه بالردة ثم سفك دمه، فكيف يجوز مع ذلك([434]). علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (ت : 436 هـ) : بعد نقله بعض ما جرى في سقيفة بني ساعدة : فهذا الخبر يتضمن من شرح أمر السقيفة ما فيه للناظرين معتبر، ويستفيد الواقف عليه أشياء. منها : خلوه من احتجاج قريش على الأنصار بجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإمامة فيهم لأنه تضمن من احتجاجهم عليهم ما يخالف ذلك، وأنهم إنما ادعوا كونهم أحق بالامر من حيث كانت النبوة فيهم، ومن حيث كانوا أقرب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نسبا وأولهم له اتباعا. ومنها : أن الامر إنما بني في السقيفة على المغالبة والمخالسة، وأن كلا منهم كان يجذبه بما أتفق له، وعن حق وباطل، وقوي وضعيف. ومنها : أن سبب ضعف الأنصار وقوة المهاجرين عليهم انحياز بشير بن سعد حسدا لسعد بن عبادة، وانحياز الأوس بانحيازه عن الأنصار. ومنها : أن خلاف سعد وأهله وقومه كان باقيا لم يرجعوا عنه، وإنما أقعدهم عن الخلاف فيه بالسيف قلة الناصر انتهى كلامه رفع الله مقامه([435]). علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (ت : 436 هـ) : والذي يدل على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الطائفة، وأيضا فإن الامام عندنا يجب معرفته وتلزم طاعته كوجوب المعرفة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولزوم طاعته كالمعرفة بالله تعالى، وكما أن جحد تلك المعارف والتشكيك فيها كفر، وكذلك هذه المعارف([436]). صفي الدين البغدادي (ت : 439 هـ) : براثا - بالمثلثة والقصر - محلة كانت في طرف بغداد في قبلي الكرخ وبني بها جامع كانت تجتمع فيه الشيعة ويسبون الصحابة فيه([437]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : تناصر الخبر من طرق الشيعة وأصحاب الحديث بأن عثمان وطلحة والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف من جملة أصحاب العقبة الذي نفر برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([438]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : قولهم في قوله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور : 55]). قال : إن الوعد بالاستخلاف في الآية متوجه إلى ذوي الإيمان ما في الباطن والظاهر، ومن تقدم على أمير المؤمنين عليه السلام ضال، فاقتضى خروجهم من حكم الآية([439]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : قوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح : 18]). قال : إنه لا حجة لهم فيها؛ لجواز الكفر بعد الإيمان والسخط بعد الرضوان، فعلى هذا لو سُلَّم بتوجه الرضوان إلى المبايعين لم يمنع من السخط بما أحدثوه بعد البيعة من جحد النص، كما لم يمنع ذلك من فسق طلحة والزبير، وغيرهما من جملة المبايعين([440]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : قوله تعالى : (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح : 29]). قال : أنه تعالى لم يُرد بقوله : (والذين معه) في الزمان ولا المكان ولا على ظاهر الإسلام؛ لأنه لا مدحة في ذلك، والآية مختصة بمدح المذكور فيها، والقطع على ثوابه، وذلك يدل على إرادته سبحانه بالذين معه المؤمنين حقاً، فليدل الخصوم على ثبوت إيمان من جعلوا الآية مدخوله عند الله؛ ليسلم لهم الظاهر، بل الثابت ضلالهم بالبرهان المانع من ثبوت البرهان واستحقاق الرضوان. وإن المذكورين فيها موصوفون بصفات معلوم خلو القوم منها، وتكاملها لأمير المؤمنين وحمزة عليهما السلام، وخاصة شيعتهم كعمار، وأبي ذر، ومقداد، وسلمان([441]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : قوله تعالى : وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة : 100]. قال : إن الوعد في الآية متوجه إلى من وقع سبقه واتباعه لوجهه المخصوص قربة لله تعالى، فليدلوا على كون القوم كذلك ليتوجه الرضوان إليهم، ولن يجدوه، بل الموجود ضلالهم وخروج أفعالهم من قبل الطاعات. وثانيها : أن الرضوان مشترط بالموافات، ولم يواف القوم بما سبقوا إليه، لردهم أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيته. وثالثها : أن وقوع السبق موقع القربة لا يمنع من عصيان في المستقبل، والآية خطاب لغيرهم، وهم الذين لم يتدينوا بجحد النص([442]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : في قول الله عزوجل :(لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [الحديد : 10]). قال : إن الخطاب في الآية متوجه إلى من أنفق وقاتل قبل الفتح من المؤمنين عند الله تعالى، متقرباً بهما للوجه الذي شرعه، فليدلوا على تكامل هذه الصفات للقوم؛ ليسلم لهم المقصود، لأنه لا حكم ولا إنفاق ولا قتال من دون الإيمان الذين هم براء منه([443]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : إن منع الخلفاء من تدوين حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان له الأثر الحساس والهام في إيجاد شقة الخلاف بين الطائفتين. ووقف أمام هذا التيار جمع من الصحابة كأبي ذر الغفاري وسلمان الفارسي والمقداد اقتداءا بإمامهم وسيدهم ومولاهم علي بن أبي طالب عليه السلام، وعارضوا الفكرة معارضة شديدة، وأكدوا بأن للكتاب عدل وهو العترة وكان الأمر أن أبعدت السلطة الحاكمة آنذاك أبا ذر من بلد إلى بلد حتى لقي حتفه طريدا فريدا بالربذة سنة 31 هجرية. ولهذا السبيل قتل وصلب ميثم التمار، ورشيد الهجري وغيرهم في زمان معاوية وبأمر منه. فخنق الجائرون من الحكام صوت المعارضة الإسلامية من الصحابة والتابعين الأجلاء وقضت عليهم قضاء وقتيا، وفتحت الأبواب على مصراعيها لبعض اليهود المتزمتين، والذين يحملون بغضا دفينا للإسلام والمسلمين. فتمكن كعب بن ماتع اليهودي الملقب بكعب الأحبار، وتميم الداري الراهب النصراني في رواية أحاديث كثيرة باسم الإسلام، فروى عنهما بعض مشاهير الصحابة كأنس بن مالك وأبي هريرة وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير ومعاوية وعبد الله بن عباس ونظرائهم من الصحابة والتابعين"([444]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : وقد وُشي به إلى خليفة وقته أنه هو وأصحابه يسبون الصحابة، وكتابه المصباح يشهد بذلك، فقد ذكر أن من دعاء يوم عاشوراء : اللهم خص أنت أول ظالم باللعن مني وابدأ به أولا ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع، اللهم العن يزيد بن معاوية خامسا. فدعا الخليفة بالشيخ والكتاب فلما أحضر الشيخ ووقف على القصة ألهمه الله أن قال : ليس المراد من هذه الفقرات ما ظنه السعاة بل المراد بالأول قابيل قاتل هابيل وهو أول من سن الظلم والقتل، وبالثاني قيدار عاقر ناقة صالح، وبالثالث قاتل يحيى ابن زكريا من أجل بغي من بغايا بني إسرائيل، وبالرابع عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب. فلما سمع الخليفة من الشيخ تأويله وبيانه قبل منه ذلك ورفع منزلته، وانتقم من الساعي وأهانه([445]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : أنه - أي علي عليه السلام - إنما قاتل من قاتل لوجود النصار وعدل عن قتال من عدل عن قتالهم لعدمهم. وأيضا فلو قاتلهم لربما أدى ذلك إلى بوار الاسلام وإلى ارتداد الناس أو أكثرهم وقد ذكر ذلك في قوله تعالى : (أما والله لولا قرب عهد الناس بالكفر لجاهدتهم). فأما الإنكار باللسان فقد أنكر عليه السلام في مقام بعد مقام، ألا ترى إلى قوله عليه السلام : (لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، )، وقوله : (اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم منعوني حقي وغصبوني إرثي)، وفي رواية أخرى : (اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني في) الحجر والمدر([446]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : عندنا أن من حارب أمير المؤمنين كافر، والدليل على ذلك إجماع الفرقة المحقة الامامية على ذلك، وإجماعهم حجة، وأيضا فنحن نعلم أن من حاربه كان منكرا لإمامته ودافعا لها، ودفع الإمامة كفر كما أن دفع النبوة كفر، لان الجهل بهما على حد واحد([447]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : فالوجه فيه أن المخالف لأهل الحق كافر، فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار إلا ما خرج بالدليل، وإذا كان غسل الكافر لا يجوز فيجب أن يكون غسل المخالف -أيضاً- غير جائز، وأما الصلاة عليه فتكون على حد ما كان يصلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام على المنافقين([448]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : لا تصل خلف الناصب، ولا خلف من يتولى أمير المؤمنين إذا لم يتبرأ من عدوه، إلا في حال التقية، ولا تجوز الصلاة خلف من خالف في إمامة الإثني عشر من الكيسانية والناووسية والفطحية والواقفة وغيرهم من فرق الشيعة([449]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : المانع لأمير المؤمنين عليه السلام من الاحتجاج بالنص عليه الخوف بما ظهر له من الإمارات التي بانت له من إقدام القوم على طلب الأمر والاستبداد به واطراح عهد الرسول مع قرب عهدهم به وعزمهم على إخراج الأمر عن مستحقه، فأيسه ذلك من الانتفاع بالحجة وخاف أن يدعو النسخ لوقوع النص، فتكون البلية به أعظم والمحنة به أشد، ولا يتبين لكل أحد أن نسخ الشئ قبل فعله لا يجوز. وأما ترك النكير عليهم باليد فلأنه لم يجد ناصرا ولا معينا، ولو تولاه بنفسه وخواصه لربما أدى إلى قتله وقتل أهله وخاصته، فلذلك عدل عنه، وقد بين عليه السلام ذلك بقوله : أما والله لو وجدت أعوانا لقاتلتهم. وقوله : لولا قرب عهد الناس بالكفر لقاتلتهم. فأما الانكار باللسان فقد أنكره في مقام بعد مقام بحسب الحال من القوة والضعف، نحو قوله عليه السلام : لم أزل مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقوله : اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني حقي ومنعوني إرثي. وقوله : اللهم إني أستعديك على قريش فإنهم ظلموني في الحجر والمدر. وقوله : والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير - إلى آخر الخطبة. وذلك صريح بالانكار والتظلم على من منعه حقه. فأما الصلاة خلفهم فإنه عليه السلام كان يصلي معهم في مسجد رسول الله لا مقتديا بهم بل لنفسه وإن كان يركع بركوعهم ويسجد بسجودهم، وذلك ليس بدليل الاقتداء بلا خلاف. فأما الجهاد مع القوم فلا يمكن أحد يدعي أنه جاهد معهم أو سار تحت رايتهم وإنما روي أنه قاتل أهل الردة دفاعا عن المدينة وعن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما دنوا منها، فأما أخذه من فيئهم فإنما كان يأخذ بعض حقه، ومن له حق له أن يتوصل إلى أخذه بجميع الوجوه، ولم يكن يأخذ من أموالهم ولا من أموال المسلمين. وأما نكاح سبيهم فقد اختلف في ذلك، فروى قوم أن النبي عليه السلام كان وهب له الحنفية فاستحل فرجها بقوله، وقال آخرون أسلمت فتزوجها أمير المؤمنين عليه السلام وقال قوم اشتراها فأعتقها ثم تزوجها. فكل ذلك ممكن. على أن سبي أهل الضلال يجوز أن يشترى ويحل وطؤ الفرج بذلك، لأن المراعى استحقاق المسبي بالسبي ولا اعتبار بالسابي، ولذلك يجوز شراء ما يسبيه الكفار من دار الحرب وإن أغار بعضهم على بعض أو يسرقونه، وهذا يسقط السؤال. فإن قيل : لو كان النص عليه صحيحا لما جاز له الدخول في الشورى ولا الرضا به، لأنها باطلة على مذهبكم. قيل : لأصحابنا على ذلك أجوبة : أحدها : أنه إنما دخل فيها تقية وخوفا، ولو لم يدخلها لقتل، إنما يمتنع ذلك لتوهم أن الحق لك فحمله على الدخول فيها ما حمله على البيعة للمتقدمين. والثاني : أنه إنما دخلها ليتمكن من إيراد حججه وفضائله ونصوصه، لأنه أورد في ذلك اليوم جل مناقبه، ولو لم يدخلها لما أمكنه ذلك، فدخلها ليؤكد الحجة عليهم. والثالث : أنه إنما دخلها تجويزا لأن يختارونه فيتمكن من القيام بالأمر، ومن له حق له أن يتوصل إليه بجميع الوجوه([450]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : لا نقول إن جميع الصحابة دفعوا النص مع علمهم بذلك، وإنما كانوا بين طبقات : منهم من دفعه حسدا وطلبا للأمر، ومنهم من دخلت عليه الشبهة فظن أن الذي دفعوه لم يدفعوه إلا بعهد عهد الرسول وأمر عرفوه([451]). محمد بن الحسن الطوسي الملقب بشيخ الطائفة (ت : 460 هـ) : ظاهر مذهب الإمامية أن الخارج على أمير المؤمنين عليه السلام والمقاتل له كافر، بدليل إجماع الفرقة المحقة على ذلك، وإجماعهم حجة لكون المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ داخلا فيهم، وأن المحاربين له كانوا منكرين لإمامته ودافعين لها، ودفع الإمامة عندهم وجحدها كدفع النبوة وجحدها سواء، بدلالة قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ". وروي عنه عليه السلام أنه قال لعلي : حربك يا علي حربي وسلمك سلمي وحرب النبي كفر بلا خلاف، فينبغي أن يكون حرب علي مثله([452]). حسين بن عبد الوهاب (ت : ق 5 هـ) : تولى علي عليه السلام غسل فاطمة عليها السلام وتكفينها وأخرجها ومعه الحسن والحسين عليهما السلام في الليل وصلوا عليها ولم يعلم بها أحد ودفنها في البقيع وجدد أربعين قبرا فاشتكل على الناس قبرها فأصبح الناس ولام بعضهم بعضا وقالوا ان نبينا صلى الله عليه وآله وسلم خلف بنا بنتا ولم نحضر وفاتها والصلاة عليها ودفنها ولا نعرف قبرها فنزورها فقال من تولى الأمر هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نجد فاطمة عليها السلام فنصلي عليها فنزور قبرها فبلغ ذلك أمير المؤمنين عليه السلام فخرج مغضبا قد احمرت عيناه وقد تقلد سيفه ذا الفقار حتى بلغ البقيع وقد اجتمعوا فيه فقال عليه السلام لو نبشتم قبرا من هذه القبور لوضعت السيف فيكم فتولى القوم عن البقيع([453]). محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي (ت : 525 هـ) : ثم أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم، جميعا حصروا عثمان ومنعوه الماء حتى قتل، فما يخلو أحد من أصحاب محمد من أمرين إما أن يكون قاتلا أو خاذلا وهو رجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم له شرف وصحبة، وهو من أقربهم قرابة، قد انعقدت بيعته في أعناقهم وللامام حق على رعيته([454]). محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي (ت : 525 هـ) : ذكر أن الأمة نقمت على الأول، وهو القائم مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باختيار قوم منهم إياه، أنه سمى نفسه خليفة رسول الله، أنه كتب إلى العمال : من خليفة رسول الله، ثم زعم وزعم صاحبه : أن النبي لم يستخلف أفيكون خليفة رسول الله من لم يستخلفه رسول الله ؟ فكيف استجازت الأمة أن تنصب له خليفة لم يقمه ؟ وكيف سمته خليفة رسول الله ؟ وكيف يجوز لها أن تقيم خليفة لا تقدر على عزله إذا نقمت عليه ؟، ثم مع ذلك زعمت الأمة، أنه أولى بمقام رسول الله من أهل بيته !، وأن المهاجرين من آل أبي قحافة وآل الخطاب خير من المهاجرين من بني هاشم، فكانت أول شهادة زور شهدوا في الاسلام، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول مشهود عليه في الاسلام، وكانوا أول مشهود عليه بالزور، ! ! فهذه ظلامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([455]). محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي (ت : 525 هـ) : وقد دل رسول الله حذيفة بن اليمان على قوم منهم، وأمره بستر ذلك إبقاء عليهم وكراهة لهتك ستورهم، وأصحاب العقبة قد كان منهم ما لا خفاء به، وهم جلة أصحاب محمد، وتقدم صلى الله عليه وآله وسلم إلى حذيفة في شأن الرجلين الجليلين عند الأمة أن لا يخبرنا باسميهما([456]). أحمد بن علي الطبرسي (ت : 548 هـ) : إن عمر احتزم بأزاره وجعل يطوف بالمدينة وينادي : ألا إن أبا بكر قد بويع له فهلموا إلى البيعة، فينثال الناس يبايعون، فعرف أن جماعة في بيوت مستترون، فكان يقصدهم في جمع كثير ويكبسهم ويحضرهم المسجد فيبايعون حتى إذا مضت أيام أقبل في جمع كثير إلى منزل علي عليه السلام فطالبه بالخروج فأبى، فدعا عمر بحطب ونار وقال : والذي نفس عمر بيده ليخرجن أو لأحرقنه على ما فيه. فقيل له : إن فاطمة بنت رسول الله وولد رسول الله وآثار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه، وأنكر الناس ذلك من قوله، فلما عرف إنكارهم قال : ما بالكم أتروني فعلت ذلك إنما أردت التهويل، فراسلهم على أن ليس إلى خروجي حيلة لأني في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه وألهتكم الدنيا عنه، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أدع ردائي على عاتقي حتى أجمع القرآن. قال وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم فوقفت خلف الباب ثم قالت : لا عهد لي بقوم أسوء محضرا منكم، تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم فيما بينكم ولم تؤمرونا ولم تروا لنا حقا، كأنكم لم تعلموا ما قال يوم غدير خم، والله لقد عقد له يومئذ الولاء ليقطع منكم بذلك منها الرجاء، ولكنكم قطعتم الأسباب بينكم وبين نبيكم، والله حسيب بيننا وبينكم في الدنيا والآخرة([457]). إبن شهرآشوب (ت : 588 هـ) : وفى أخبار أهل البيت عليه السلام أنه - أي علي - آلى أن لا يضع رداءه على عاتقه الا للصلاة حتى يؤلف القرآن ويجمعه " فانقطع عنهم مدة إلى أن جمعه ثم خرج إليهم به في ازار يحمله وهم مجتمعون في المسجد، فأنكروا مصيره بعد انقطاع مع ألبسته فقالوا : لأمر ما جاء به أبو الحسن، فلما توسطهم وضع الكتاب بينهم ثم قال : ان رسول الله قال : انى مخلف فيكم ما ان تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله وعترتي، أهل بيتي، وهذا الكتاب وأنا العترة، فقام إليه الثاني فقال له : ان يكن عندك قرآن فعندنا مثله، فلا حاجة لنا فيكما، فحمل عليه السلام الكتاب وعاد به، بعد أن ألزمهم الحجة([458]). إبن شهرآشوب (ت : 588 هـ) : مما يمكن أن يستدل بالقرآن قوله تعالى : (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي.. [الحجرات : 9])، والباغي من خرج على الامام، فافترض قتال أهل البغي كما افترض قتال المشركين، وأما اسم الايمان عليهم فكقوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ.. [النساء : 136].. أي الذين أظهروا الايمان بألسنتهم آمنوا بقلوبكم. وقيل لزين العابدين عليه السلام : إن جدك كان يقول : إخواننا بغوا علينا. فقال : أما تقرأ كتاب الله : وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً.. [الأعراف : 65] فهم مثلهم أنجاه الله والذين معه وأهلك عادا بالريح العقيم، وقد ثبت أنه نزل فيه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ.. [المائدة : 54]) الآية([459]). إبن شهرآشوب (ت : 588 هـ) : أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحت شجرة السمرة بيعتهم على أن لا يفروا، وليس أحد من الصحابة إلا نقض عهده في الظاهر بفعل أم بقول، وقد ذمهم الله فقال في يوم الخندق : (وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِن قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ... [الأحزاب : 15]). وفي يوم حنين (وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [التوبة : 25]). ويوم أحد (إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ... [آل عمران : 153]). وانهزم أبو بكر وعمر في يوم خيبر بالاجماع وعلي عليه السلام في وفائه اتفاق، فإنه لم يفر قط. وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزلت (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ... [الأحزاب : 23]). ولم يقل كل المؤمنين (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ) يعني حمزة وجعفر وعبيدة (وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) يعني عليا. ثم إن الله تعالى قال : (وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً [الفتح : 18]) يعني فتح خيبر، وكان على يد علي بالاتفاق، وقد وجدنا النكث في أكثرهم خاصة في الأول والثاني لما قصدوا في تلك السنة إلى بلاد خيبر، فانهزم الشيخان، ثم انهزموا كلهم في يوم حنين فلم يثبت منهم تحت راية علي إلا ثمانية من بني هاشم([460]). محمد بن إدريس الحلي (ت : 598 هـ) : كل من لم يعتقد الحق إلا المستضعف فهو نجس، لقوله تعالى : (كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام : 125])([461]). محمد بن إدريس الحلي (ت : 598 هـ) : لا تجب الصلاة إلا على المعتقدين للحق، أو كان بحكمهم من أطفالهم الذين بلغوا ست سنين على ما قدمناه، ومن المستضعفين، وقال بعض أصحابنا : تجب الصلاة على أهل القبلة، ومن يشهد الشهادتين. والأول مذهب شيخنا المفيد، والثاني مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي رحمه الله، والأول الأظهر في المذهب، ويعضده القرآن، وهو قوله تعالى : (وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً [التوبة : 84]). يعني الكفار، والمخالف للحق كافر بلا خلاف بيننا([462]). محمد بن إدريس الحلي (ت : 598 هـ) : قال الصفواني واعلم يا بني، أنه لا تتم الولاية، ولا تخلص المحبة، وتثبت المودة، لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا بالبراءة من عدوهم، قريبا كان منك أو بعيدا، فلا تأخذك به رأفة، فإن الله عز وجل يقول : (لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة : 22])([463]). محمد بن المشهدي (ت : 610 هـ) : اللهم العن قتلة أنبيائك وأوصياء أنبيائك بجميع لعناتك، واصلهم حر نارك، والعن من غصب وليك حقه، وأنكر عهده، وجحده بعد اليقين، والاقرار بالولاية له يوم أكملت له الدين. اللهم العن قتلة أمير المؤمنين ومن قتلته، وأشياعهم وأنصارهم. اللهم العن أول ظالم ظلم ال محمد ومانعيهم حقوقهم، اللهم خص أول ظالم وغاصب لآل محمد باللعن وكل مستن بما سن إلى يوم الدين([464]). إبن أبي الحديد (ت : 656 هـ) : أما أصحاب الصفين فإنهم عند أصحابنا مخلدون في النار لفسقهم فصح فيهم قوله تعالى : (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً [الجن : 15])([465]). إبن أبي الحديد (ت : 656 هـ) : قال أبو جعفر الإسكافي : أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة، ومن التابعين عروة بن الزبير([466]). إبن أبي الحديد (ت : 656 هـ) : عن المدائني : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله : أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب وأهل بيته. وكتب إلى عماله في جميع الآفاق : انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم، واسمه واسم أبيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع. ثم كتب إلى عماله : إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، وفي كل وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا، فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب، إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة([467]). شاذان بن جبرئيل (ت : 660 هـ) : عن أبي هريرة أنه قال : صلينا الغداة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أقبل علينا بوجهه الكريم وأخذ معنا في الحديث، فأتاه رجل من الأنصار وقال : يا رسول الله كلب فلان الذمي خرق ثوبي وخدش ساقي فمنعت من الصلاة معك، فلما كان في اليوم الثاني أتاه رجل آخر من الصحابة وقال : يا رسول الله كلب فلان الذمي خرق ثوبي وخدش ساقي فمنعني من الصلاة معك فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إذا كان الكلب عقورا وجب قتله، ثم قام صلى الله عليه وآله وسلم وقمنا معه حتى أتى منزل الرجل فبادر أنس فدق الباب، فقال : من بالباب ؟ فقال أنس : النبي صلى الله عليه وآله وسلم ببابكم، قال : فأقبل الرجل مبادرا ففتح بابه وخرج إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما الذي جاء بك إلي ولست على دينك، ألا كنت وجهت إلي كنت أجيبك، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لحاجة إلينا، أخرج كلبك فإنه عقور وقد وجب قتله فقد خرق ثياب فلان وخدش ساقه، وكذا فعل اليوم بفلان، فبادر الرجل إلى كلبه وطرح في عنقه حبلا وجره إليه وأوقفه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما نظر الكلب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال بلسان فصيح بإذن الله تعالى : السلام عليك يا رسول الله ما الذي جاء بك ولم تريد قتلي ؟ قال : خرقت ثياب فلان وفلان وخدشت ساقيهما، قال : يا رسول الله إن القوم الذين ذكرتهم منافقون نواصب، يبغضون ابن عمك علي بن أبي طالب، ولولا أنهم كذلك ما تعرضت لهم، ولكنهم جازوا يرفضون عليا ويسبونه، فأخذتني الحمية الأبية والنخوة العربية، ففعلت بهم، قال : فلما سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك من الكلب أمر صاحبه بالالتفات إليه وأوصاه به، ثم قام ليخرج وإذا صاحب الكلب الذمي قد قام على قدميه وقال : أتخرج يا رسول الله وقد شهد كلبي بأنك رسول الله وأن ابن عمك عليا ولي الله، ثم أسلم وأسلم جميع من كان في داره([468]). علي إبن طاووس (ت : 664 هـ) : أن المسلمين الذين عدلوا عنهم إلى تيم وعدي وآل حرب وبني أمية كانوا أما قد ارتدوا عن الإسلام أو شكوا فيه أو باعوا الآخرة بالدنيا ورغبوا في الجاه وحطام الدنيا الفانية كما جرت عاده كثير من أمم الأنبياء([469]). علي إبن طاووس (ت : 664 هـ) : لولده : إن الله جل جلاله كان قد عرف جدك محمدا صلى الله عليه وآله وسلم ما يحدث بعده في الاسلام ومخالفة من يخالف من أمته لنصه على أبيك علي عليه السلام بإمامته وأن الله جل جلاله يعذب الأمة ويبتليها بتسليط من تقدم على أبيك علي بن أبي طالب عليه السلام كما قال الله جل جلاله (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأنعام : 129]) ولقد كشفت في كتاب (الطرائف) عن معرفة جدك محمد صلى الله عليه وآله وسلم بما جرت عليه حال أمته بعد انتقاله وقد ذكرت لك في (الطرائف) كيف أرادوا يحرقون بالنار بيت فاطمة عليها السلام ومن فيه وفيه العباس وجدك علي والحسن والحسين وغيرهم من الأخيار، وكيف يحتل عمر في الشورى في قتل جدك علي عليه السلام إن توقف عن قبول وصيته عمر، وقد كان يوم السقيفة طريقا إلى طلب الخلافة بالتغلب والاحتيال، وكيف اجتهد معاوية في ذهاب أهل بيت النبوة بالاستيصال، وكيف بلغ ابنه يزيد إلى قتل الحسين عليه السلام ودوس ظهره الشريف بحوافر الخيل ورفع رأسه المقدس ورؤوس الأطهار على الرماح في بلاد الاسلام وحمل حرمه سبايا كأنهن سبي الكفار ووجد معاوية ابنه يزيد من المسلمين وبقايا الصحابة الضالين ومن أعانهم على ذلك الفساد حتى قتل يزيد أهل المدينة وسبى نساء أهلها وبايعوا على أنهم عبيد قن ليزيد بن معاوية وحتى رمى الكعبة بأحجار المنجنيق وسفك دماء أهل الحرم وبلغ ما لم يبلغ إليه الكفار والأشرار([470]). علي إبن طاووس (ت : 664 هـ) : قال الله جل جلاله : (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجمعة : 11] )فذكر جماعة من المؤرخين أنه كان يخطب يوم الجمعة فبلغهم أن جمالا جاءت لبعض الصحابة مزينة فسارعوا إلى مشاهدتها وتركوه قائما وما كان عند الجمال شئ يرجون الانتفاع به، فما ظنك بهم إذا حصلت خلافة يرجون نفعها ورياستها([471]). علي إبن طاووس (ت : 664 هـ) : كيف في العقول والأفهام تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على علي عليه السلام لولا جهل الجاهلين وغلط القائلين([472]). علي إبن طاووس (ت : 664 هـ) : قال مصنف كتاب النشر والطي : إن الله تعالى عرض عليا على الأعداء يوم الابتهال فرجعوا عن العداوة وعرضه على الأولياء يوم الغدير فصاروا أعداء، فشتان ما بينهما([473]). علي إبن طاووس (ت : 664 هـ) : أن إبليس أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صورة شيخ حسن السمت فقال : يا محمد ! ما أقل من يبايعك على ما تقول في ابن عمك علي ؟ !، فأنزل الله : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ [سبأ : 20])، فاجتمع جماعة من المنافقين الذين نكثوا عهده فقالوا : قد قال محمد بالأمس في مسجد الخيف ما قال، وقال ههنا ما قال، فإن رجع إلى المدينة يأخذ البيعة له، والرأي أن نقتل محمدا قبل أن يدخل المدينة... القصة([474]). إبن أبي الفتح الإربلي (ت : 693 هـ) : قيل في وصف ليلة الهرير : فما لقي عليه السلام شجاعا إلا أراق دمه ولا بطلا إلا زلزل قدمه ولا مريدا إلا أعدمه ولا قاسطا إلا قصر عمره وأطال ندمه ولا جمع نفاق إلا فرقه ولا بناء ضلال إلا هدمه وكان كلما قتل فارسا أعلن بالتكبير فأحصيت تكبيراته ليلة الهرير فكانت خمسمائة وثلاثا وعشرين تكبيرة بخمسمائة وثلاثة وعشرين قتيلا من أصحاب السعير([475]). نصير الدين الطوسي (ت : 693 هـ) : إن الإمامية قد تفردوا بأن دخول الجنة والنجاة لا يكون إلا بعد ولاية آل محمد عليهم السلام واعتقاد إمامتهم([476]). الحسن بن يوسف الملقب بالمطهر الحلي (ت : 726 هـ) : المطاعن في الصحابة وقد تضمن الكتاب العزيز وقوع أكبر الكبائر منهم، وهو الفرار من الزحف، فقال تعالى : " ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت، ثم وليتم مدبرين ". وكانوا أكثر من عشرة آلاف نفر، فلم يتخلف معه إلا سبعة أنفس : علي بن أبي طالب، والعباس، والفضل ابنه، وربيعة، وأبو سفيان ابنا الحارث بن عبد المطلب، وأسامة بن زيد، وعبيدة بن أم أيمن، وأسلمه الباقون إلى الأعداء للقتل، ولم يخشوا النار ولا العار، وآثروا الحياة الدنيا الفانية، على دار البقاء، ولم يستحيوا من الله تعالى، ولا من نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يشاهدهم عيانا. وقال تعالى : " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما ". رووا أنهم كانوا إذا سمعوا بوصول تجارة تركوا الصلاة معه، والحياء منه، ومراقبة الله تعالى، وكذا في اللهو. ومن كان في زمانه معه بهذه المثابة، كيف يستبعد منه مخالفته بعد موته وغيبته عنهم بالكلية ؟. وقال تعالى : " وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ". اتهموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم من أصحابه....إلى أن قال : فلينظر العاقل المقلد في هذه الأحاديث المتفق على صحتها عندهم، كيف بلغوا الغاية في تقبيح ذكر الأنصار وفضائحهم، ورداءة صحبتهم لنبيهم في حياته، وقلة احترامهم له، وترك الموافقة ؟ وكيف أحوجه الأمر إلى قطع الخطبة، ومنعوه من التألم من المنافق عبد الله بن أبي بن سلول، ولم يتمكن من الانتصاف من رجل واحد، حيث كان لهم غرض فاسد في منعه، وخالفوه، واختلفوا عليه، واقتصر على الامساك ؟ فكيف يكون حال أهله بعده مع هؤلاء القوم ؟. فلينظر العاقل : هل يجوز أو يحسن من الأنصار مثل هذا القول في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟. فانظر أيها المنصف : كيف يروون في صحاح أحاديثهم : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتقي قوم عائشة، وهم من أعيان المهاجرين والصحابة، من أن يواطئهم في هدم الكعبة، وإصلاح بنائها ؟ فكيف لا يحصل الاختلال بعده في أهل بيته الذين قتلوا آباءهم وأقاربهم ؟([477]). الحسن بن يوسف الملقب بالمطهر الحلي (ت : 726 هـ) : وأما مخالفوه - أي علي عليه السلام - في الإمامة فقد اختلف قول علمائنا فيهم، فمنهم من حكم بكفرهم لأنهم دفعوا ما علم ثبوته من الدين ضرورة وهو النص الجلي الدال على إمامته مع تواتره، وذهب آخرون إلى أنهم فسقة وهو الأقوى. ثم اختلف هؤلاء على أقوال ثلاثة : أحدها : أنهم مخلدون في النار لعدم استحقاقهم الجنة. الثاني : قال بعضهم : إنهم يخرجون من النار إلى الجنة. الثالث : ما ارتضاه ابن نوبخت وجماعة من علمائنا أنهم يخرجون من النار لعدم الكفر الموجب للخلود ولا يدخلون الجنة لعدم الأيمان المقتضي لاستحقاق الثواب ([478]). وقال في موضع آخر : أما دافعوا النص فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى تكفيرهم، ومن أصحابنا من يحكم بفسقهم خاصة، ثم اختلف أصحابنا في أحكامهم في الآخرة، فالأكثر قالوا بتخليدهم([479]). وقال : أما دافعو النص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة فقد ذهب أكثر أصحابنا إلى تكفيرهم؛ لأن النص معلوم بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون ضرورياً. أي : معلوماً من دينه ضرورة، فجاحده يكون كافراً، كمن يجحد وجوب الصلاة وصوم شهر رمضان. واختار ذلك في المنتهى، فقال في كتاب الزكاة في بيان اشتراط وصف المستحق بالإيمان ما صورته : لأن الإمامة من أركان الدين وأصوله، وقد علم ثبوتها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة، والجاحد لها لا يكون مصدقاً للرسول في جميع ما جاء به، فيكون كافراً([480]). الحسن بن يوسف الملقب بالمطهر الحلي (ت : 726 هـ) : الأقرب طهارة غير الناصب، لأن عليا عليه السلام لم يجتنب سؤر من يأتيه من الصحابة([481]). الحسن بن يوسف الملقب بالمطهر الحلي (ت : 726 هـ) : حكم الناصب - الذي يقدم على علي غيره - حكم الكافر، لأنه ينكر ما يعلم من الدين ثبوته بالضرورة([482]). الحسن الديلمي (ق : 8 هـ) : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع أولئك النفر - أصحاب الصحيفة - ومن مالأهم على علي عليه السلام وطابقهم على عداوته، ومن كان من الطلقاء والمنافقين، وكانوا زهاء أربعة آلاف رجل، فجعلهم تحت يدي أسامة بن زيد مولاه، وأمره عليهم، وأمره بالخروج إلى ناحية من الشام، فقالوا : يا رسول لله إنا قدمنا من سفرنا الذي كنا فيه معك، ونحن نسألك أن تأذن لنا في المقام لنصلح من شأننا ما يصلحنا في سفرنا، قال : فأمرهم أن يكونوا في المدينة ريثما يحتاجون إليه، وأمر أسامة بن زيد فعسكر بهم على أميال من المدينة فأقام بمكانه الذي حد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منتظرا للقوم أن يوافوه إذا فرغوا من أمورهم وقضاء حوائجهم، وإنما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما صنع من ذلك أن تخلو المدينة منهم، ولا يبقى بها أحد من المنافقين([483]). الحسن الديلمي (ق : 8 هـ) : نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المنبر وعاد إلى حجرته، ولم يظهر أبو بكر ولا أصحابه حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان من الأنصار وسعد من السقيفة ما كان، فمنعوا أهل بيت نبيهم حقوقهم التي جعلها الله عز وجل لهم، وأما كتاب الله فمزقوه كل ممزق، وفيما أخبرتك يا أخا الأنصار من خطب معتبر، لمن أحب الله هدايته فقال الفتى : سم لي القوم الآخرين الذين حضروا الصحيفة، وشهدوا فيها، فقال حذيفة : أبو سفيان، وعكرمة بن أبي جهل، وصفوان بن أمية بن خلف، وسعيد بن العاص، وخالد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، وبشير بن سعد، وسهيل بن عمرو، وحكيم بن حزام، وصهيب بن سنان، وأبو الأعور السلمي، ومطيع بن الأسود المدري، وجماعة من هؤلاء ممن سقط عني إحصاء عددهم. فقال الفتى : يا أبا عبد الله ما هؤلاء في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى قد انقلب الناس أجمعون بسببهم ؟ فقال حذيفة : إن هؤلاء رؤس القبايل وأشرافها، وما من رجل من هؤلاء إلا ومعه من الناس خلق عظيم، يسمعون له ويطيعون، واشربوا في قلوبهم من حب أبي بكر، كما اشرب قلوب بني إسرائيل من حب العجل والسامري حتى تركوا هارون واستضعفوه([484]). علي بن يونس العاملي البياضي (ت : 877 هـ) : إن قالوا : فالصحابة نصار الدين، فكيف يكتمون النص مع كمالهم وشهادة النبي فيهم قلنا : فقد فروا من الزحف وباؤا بغضب من الرحمن، كما نطق به القرآن، وانهزم عثمان بأحد ثلاثة أيام([485]). علي بن يونس العاملي البياضي (ت : 877 هـ) : إن قيل : فلم حارب الفرق الثلاث دون الأولين. قلنا : لوجود الناصر دون الأولين، أو لجواز ظنه أنه لو لم يحارب ارتد أكثر المستضعفين، ولو حارب الأولين ارتد قوم من ضعفاء اليقين. إن قيل : فعندكم قد ارتد دافعوا النص على أمير المؤمنين، فلا فايدة في ترك محاربة الأولين. لنا : خاف أن يتعاظم الكفر بوجود المحاربة فيؤدي إلى جحد الله وتوحيده والرسول وما جاء به. إن قيل : فعندكم أن الاقرار بالله ورسوله، لا ينفع عند جحد النص على خليفته، فلا زيادة بالمحاربة عما حصل بعدمها. قلنا : أقل مراتب الريادة أنهم إذا حاربوا الإمام، وأظهروا جحد الإمامة، وطعنوا فيها طعنا مسموعا، حصلت زيادة ([486]). علي بن يونس العاملي البياضي (ت : 877 هـ) : فكيف يقال إنهم غير مبغضين وفي أي موضع مدح القرآن الصحابة، بل ذمهم وذم كثيرا منهم([487]). علي بن يونس العاملي البياضي (ت : 877 هـ) : وقد وجه أهل السنة الطعن الينا ببغض كل الصحابة وسبهم، وهذا جهل منهم أو تجاهل، لان بغضهم وسبهم جميعا " لا يرضى به على وجه الأرض مسلم وإنما هم عندنا على ثلاثة أقسام : معلوم العدالة، ومعلوم الفسق، ومجهول الحال. أما معلوم العدالة : فكسلمان والمقداد ممن لم يحل عن أهل البيت طرفة عين، أو أنه حال أو شك ثم رجع لما تبين له الحق. فنحن نتقرب إلى الله تعالى بحبهم ونسأل الله أن يجعلنا معهم في الدنيا والآخرة.... ثم قال : وأما معلوم الفسق أو الكفر : فكمن حال عن أهل البيت ونصب لهم الغض والعداوة والحرب. فهذا يدل على أنه لم يكن آمن وكان منافقا "، أو أنه ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم... وهؤلاء نتقرب إلى الله تعالى والى رسوله ببغضهم وسبهم وبغض من أحبهم. وأما مجهول الحال : فكأكثر الصحابة الذين لا نعلم خافوا الله تعالى ورغبوا في ثوابه فتمسكوا بأهل بيته الذين أمر الله ورسوله بالتمسك بهم أم انحرفوا عنهم وتمسكوا بأعدائهم اتباعا " لهوى أنفسهم ورغبة في زينة الحياة الدنيا وزهدا " في الله وثوابه. فهؤلاء نكل أمرهم إلى الله فهو أعلم بهم ولا نسبهم ونشتغل عن الخوض في شأنهم بما هو أهم. وأما ما ورد عندنا وعندهم من الأخبار الدالة على ارتداد كل الصحابة أو ارتدادهم بقول مطلق فإنه يجب حملها على المبالغة، لان الذين ثبتوا على الاستقامة بعد الرسول كانوا قليلين([488]). علي بن يونس العاملي البياضي (ت : 877 هـ) : أن جبرئيل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا محمد إن أخاك مضطهد بعدك، مغلوب على أمتك، متعوب من أعدائك، ثم مقتول بعدك([489]). علي بن يونس العاملي البياضي (ت : 877 هـ) : أن سادات قريش كتبت صحيفة تعاهدت فيها على قتل علي ودفعوها إلى أبي عبيدة الجراح أمير قريش فنزلت الآية فطلبها النبي صلى الله عليه وآله وسلم منه فدفعها إليه فقال : أكفرتم بعد إسلامكم فحلفوا بالله لم يهموا بشئ منه فأنزل الله (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ [التوبة : 74]) ولما حكم الله بكفرهم عند الهم على قتله علم أن الله اختاره للولاية على خلقه، إذ المقرر في الشريعة أن الهم بقتل غيره غير موجب لتكفيره([490]). محمد بن علي المعروف بإبن أبي جمهور الأحسائي (ت : 880 هـ) : أن بعض علماء هذه الفرقة المحقة، كانوا ساكنين في مكة زادها الله شرفا وتعظيما، فأرسلوا إلى علماء أصفهان من أهل المحاريب والمنابر، انكم تسبون أئمتهم، ونحن في الحرمين الشريفين نعذب بذلك اللعن والسب([491]). علي بن الحسين الكركي (ت : 940 هـ) : تعيين المخالفين لأمير المؤمنين عليه السلام. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله حق حمده، والصلاة على رسوله محمد وآله الطاهرين. أما بعد، قد برز الأمر العالي المطاع - أعلاه الله تعالى وأنفذه في الأقطار - بتعيين المخالفين لأمير المؤمنين وسيد الوصيين عليه من الله تعالى أفضل الصلوات وأكمل التحيات، والإشارة إلى شئ من أحوال مخالفيهم، الموجبة لاستحقاقهم الطعن واللعن من المؤمنين، والخلود في العذاب المقيم يقوم الناس لرب العالمين. فقابله هذا الفقير بالإجابة والقبول، وكتبت ما لا بد منه في تحقيق المأمول ابتغاء لوجه الله الكريم، وطمعا في الفوز بالثواب الجسيم والأجر العظيم، وتقربا لسيد المرسلين، وإلى أهل بيته الذين افترض الله سبحانه مودتهم وعداوة أعدائهم على الخلق. فنقول وبالله التوفيق : إن المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام والمخالفين والمظاهرين على عداوته خلق كثير من الصحابة والتابعين وتابعيهم من بعدهم، وقد تعرض العلماء لذكر كثير منهم في كتب التأريخ والحديث، وكتب أسماء الرجال وغيرها... ثم شرع في ذكر أمثلة على هؤلاء المنحرفين حسب زعمه إلى أن ختم قائلاً : وأما الاتباع لهم فلا يحصون وفي كل عصر من الأعصر المتخلفة عن عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليه السلام منهم جمع كثير إلى يومنا هذا، فعليهم من الله تعالى لعنات لا تحصى، ومن الملائكة والناس أجمعين. وهذا القدر إن شاء الله كاف في ضبط أحوال المخالفين على سبيل الاجمال، ومعرفة باستحقاقهم الطعن واللعن على السنة أهل الايمان. والحمد لله رب العالمين وصلواته على محمد وآله أجمعين([492]). شرف الدين الحسيني (ت : 965 هـ) : عن ابن عباس قال : أضمرت قريش قتل علي عليه السلام وكتبوا صحيفة ودفعوها إلى أبي عبيدة بن الجراح. فأنزل الله جبرئيل على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، فخبره بخبرهم([493]). زين الدين العاملي (ت : 965 هـ) : واعلم أن جمعا من علماء الإمامية حكموا بكفر أهل الخلاف، والأكثر على الحكم بإسلامهم، فإن أرادوا بذلك كونهم كافرين في نفس الامر لا في الظاهر فالظاهر أن النزاع لفظي، إذ القائلون بإسلامهم يريدون ما ذكرناه من الحكم بصحة جريان أكثر أحكام المسلمين عليهم في الظاهر، لا أنهم مسلمون في نفس الامر، ولذا نقلوا الاجماع على دخولهم النار([494]). زين الدين العاملي (ت : 965 هـ) : قد عرفت مما تقدم أن التصديق بإمامة الأئمة عليهم السلام من أصول الإيمان عند الطائفة من الإمامية، كما هو معلوم من مذهبهم ضرورة... فيلزم الحكم بكفر من لم يتحقق له التصديق المذكور وإن أقر بالشهادتين، وأنه منافٍ أيضاً للحكم بإسلام من لم يصدق بإمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام([495]). زين الدين العاملي (ت : 965 هـ) : قال بعد ذكرنجاسة سؤر الكافر والناصب : والمراد به من نصب العداوة لأهل البيت عليهم السلام أو لأحدهم... في بعض الأخبار «أن كل من قدم الجبت والطاغوت فهو ناصب»، واختاره بعض الأصحاب؛ إذ لا عداوة أعظم من تقديم المنحط عن مراتب الكمال وتفضيل المنخرط في سلك الأغبياء والجهال على من تسنم أوج الجلال حتى شك في أنه الله المتعال([496]). حسين بن عبد الصمد العاملي (ت : 984 هـ) : وقد جازف أهل السنة كل المجازفة بل وصلوا إلى حد المخارفة، فحكموا بعدالة كل الصحابة، من لا بس منهم الفتن ومن لم يلابس، وقد كان فيهم المقهورون على الاسلام والداخلون على غير بصيرة والشكاك، كما وقع من فلتات ألسنتهم كثيرا ". بل كان فيهم المنافقون كما أخبر به الباري جل ثناؤه وكان فيهم شاربو الخمر وقاتلوا النفس وفاعلو الفسق والمناكر، كما نقلوه عنهم. ومنا نقلنا نحن بعضه فيما سبق من صحاحهم من الأحاديث المتكثرة المتواترة المعنى يدل على ارتدادهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضلا عن فسقهم. وزاد بعضهم في المجازفة والمخارفة فحكم بأنهم كلهم كانوا مجتهدين. لأنه خلاف العلم العادي والذي ألجأهم إلى هذا القول البارد السمج مع العصبية ما قد تحققوه من وقع الاختلاف والفتن بينهم وانه كان يفسق ويكفر بعضهم بعضا " ويضرب بعضهم رقاب بعض، فحاولوا أن يجعلوا لهم طريقا " إلى التخلص. كما جوزوا الايتمام بكل بر وفاجر ليروجوا أمر الفساق الجهال من خلفائهم وأئمتهم ([497]). حسين بن عبد الصمد العاملي (ت : 984 هـ) : مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مائة وأربعة عشر ألف صحابي، وآخرهم موتا أبو الطفيل ؛ مات سنة مائة، وآخرهم قبله أنس بن مالك. وقد جازف أهل السنة كل المجازفة، بل وصلوا إلى حد المخارفة ! فحكموا بعدالة كل الصحابة ؛ من لابس منهم الفتن ومن لم يلابس، وقد كان فيهم المقهورون على الإسلام، والداخلون على غير بصيرة، والشكاك، كما وقع من فلتات ألسنتهم كثيرا، بل كان فيهم المنافقون كما أخبر به البارئ جل ثناؤه، وكان فيهم شاربو الخمر، وقاتلو النفس، وفاعلو الفسق والمناكر، كما نقلوه عنهم، وما نقلنا نحن بعضه في ما سبق من صحاحهم من الأحاديث المتكثرة المتواترة المعنى، يدل على ارتدادهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فضلا عن فسقهم. وزاد بعضهم في المجازفة والمخارفة ؛ فحكم بأنهم كلهم كانوا مجتهدين ! ! وهذا يقطع من له أدنى عقل بفساده ؛ لأنه كان فيهم الأعراب، ومن أسلم قبل موت النبي بيسير، والأميون الذين يجهلون أكثر قواعد الأحكام وشرائع الدين، فضلا عن الخوض فيه بالاستدلال. كيف ؟ ! والاجتهاد ملكة لا تحصل إلا بعد فحص كثير وممارسة تامة، بغير خلاف. وإمكان حصول النفحة والاجتهاد لهم دفعة لا نمنعه، إلا أنه لا يقتضي الحكم بذلك ؛ لأنه خلاف العلم العادي. والذي ألجأهم إلى هذا القول البارد السمج مع العصبية : ما قد تحققوه من وقوع الاختلاف والفتن بينهم، وأنه كان يفسق ويكفر بعضهم بعضا، ويضرب بعضهم رقاب بعض، فحاولوا أن يجعلوا لهم طريقا إلى التخلص، كما جوزوا الائتمام بكل بر وفاجر ؛ ليروجوا أمر الفساق الجهال من خلفائهم وأئمتهم([498]). حسين بن عبد الصمد العاملي (ت : 984 هـ) : وقد وجه أهل السنة الطعن إلينا ببغض كل الصحابة وسبهم، وهذا جهل منهم، أو تجاهل ؛ لأن بغضهم وسبهم جميعا لا يرضى به على وجه الأرض مسلم ! وإنما هم عندنا على ثلاثة أقسام : معلوم العدالة، ومعلوم الفسق، ومجهول الحال. أما معلوم العدالة : فكسلمان والمقداد، ممن لم يحل عن أهل البيت طرفة عين، أو أنه حال أو شك ثم رجع لما تبين له الحق، فنحن نتقرب إلى الله تعالى بحبهم، ونسأل الله أن يجعلنا معهم في الدنيا والآخرة. وكتب الرجال التي عددناها عندنا مملوءة مشحونة بتعديل الجم الغفير منهم، والثناء عليهم بالجميل، بحيث لا يستطاع إنكاره، ولا يخفى على ذي بصر. وأما معلوم الفسق أو الكفر : فكمن حال عن أهل البيت، ونصب لهم البغض والعداوة والحرب، فهذا يدل على أنه لم يكن آمن وكان منافقا، أو أنه ارتد بعد موت النبي، كما جاء في الأخبار الصحيحة عندهم ؛ لأن من يحب النبي لا يبغض ولا يحارب أهل بيته الذين أكد الله ورسوله كل التأكيد في مدحهم والوصية والتمسك بهم، وفي ما نقلناه - في ما تقدم - عن بعضهم من صحاحهم كفاية، وهؤلاء نتقرب إلى الله تعالى وإلى رسوله ببغضهم وسبهم وبغض من أحبهم. وأما مجهول الحال : فكأكثر الصحابة الذين لا نعلم : خافوا الله تعالى ورغبوا في ثوابه فتمسكوا بأهل بيت النبي الذين أمر الله ورسوله بالتمسك بهم، أم انحرفوا عنهم وتمسكوا بأعدائهم ؛ اتباعا لهوى أنفسهم، ورغبة في زينة الحياة الدنيا، وزهدا في الله وثوابه ! ؟ فهؤلاء نكل أمرهم إلى الله، فهو أعلم بهم، ولا نسبهم، ونشتغل عن الخوض في شأنهم بما هو أهم وأولى لنا في الدنيا والآخرة. وأما ما ورد عندنا وعندهم من الأخبار الدالة على ارتداد كل الصحابة أو ارتدادهم بقول مطلق، فإنه يجب حملها على المبالغة ؛ لأن الذين ثبتوا على الاستقامة ولم يحولوا بعد موت الرسول كانوا قليلين جدا، وكثير منهم رجع إلى الحق بعد أن عاند أو تزلزل أو كان على شبهة. ولو خفي منهم شئ لم يخف من كان مع علي عليه السلام في حرب الجمل وحرب صفين من الأنصار والمهاجرين، فلقد كانوا ألوفا متعددة، بل كانوا أعظم عسكره ممن لم يحولوا عنه، أو رجعوا إليه ممن حضر قتل عثمان أو ألب عليه أو رضي به، وكثير منهم قتلوا بين يديه حبا له، ولإظهار الدين، وقدموا على الله تعالى شهداء مرملين بدمائهم ؛ لأجل إعلاء كلمة الحق من أيدي المنافقين والكفار من أعدائه. فكيف يجترئ من يؤمن بالله واليوم الآخر، ويحب الله ورسوله، أن يسب كل الصحابة ؟ ! هذا مما لا يتوهمه عاقل في شأن مسلم. وبهذا يحصل الجمع بين ما جاء في الكتاب العزيز من مدح الصحابة في قوله تعالى : مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ... [الفتح : 29]، وبين ما جاء من النصوص عندنا وعندهم على ارتداد الصحابة وذمهم، والله ولي التوفيق([499]). حسن بن زين الدين صاحب المعالم (ت : 1011 هـ) : يقول وهو يعتقد بإرتداد الصحابة : جندب بن جنادة، أبو ذر الغفاري. روى انه ممن لم يرتد ([500]). نور الله التستري (ت : 1019 هـ) : القول بأنه لا مقام أعظم من مقام قوم ارتضاهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم " مردود بأن الله تعالى ما ارتضاهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بل ابتلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بصحبتهم زيادة في ثوابه وتحصيلا لرفع درجاته ولغيرهما من المصالح والحكم على أن صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما ينفع كريم الأصل شريف الذات وأما الخسيس الدني فإنما يزيده فساد الحال والمال([501]). نور الله التستري (ت : 1019 هـ) : لا نسلم أن المهاجرين الذين أطبقوا على خلافة أبي بكر كانوا ممن تكاملت لهم الشرائط حتى يلزم أن يكونوا متصفين بالصدق فيجب على الخصوم أن يثبتوا اجتماع هذه الصفات في كل من هاجر وأخرج من دياره وأمواله ولا يثبت ذلك إلا بدليل من خارج ووجوده أبعد من وجود العنقاء([502]). نور الله التستري (ت : 1019 هـ) : قول أبو حنيفة : من أن أصل عقيدة الشيعة تضليل الصحابة. فإن أراد به تضليل الصحابة الذين خالفوا عليا وغصبوا الخلافة منه بلا محاربة معه كالمشايخ الثلاثة ومن تبعهم في ذلك فهو صحيح([503]). نور الله التستري (ت : 1019 هـ) : ما نسب إلى الشيعة " من القول بارتداد جميع الصحابة بعد وفاة نبيهم إلا ستة أنفس " فعلى تقدير صحة نسبته إليهم لا يخالف مدلول قوله تعالى : (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ [آل عمران : 110]) لأن الخيرية الماضية المدلول عليها بقوله : " كُنتُمْ " لا تنافي الارتداد اللاحق.. والشيعة إنما ينسبون الارتداد إلى الصحابة الذين نكثوا عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم باتفاقهم على غصب الخلافة ومخالفة أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ([504]). نور الله التستري (ت : 1019 هـ) : لا يتحتم بمجرد الصحابية الحكم بالإيمان والعدالة وحسن الظن فيهم واستيهالهم للاقتداء بهم والاستهداء منهم وذلك لأنه لا ريب في أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا به وموته على الإسلام وأن الإيمان والعدالة مكتسبان وليسا طبيعيين جبليين فالصحابي كغيره في أنه لا يثبت إيمانه إلا بحجة لكن قد جازف أهل السنة كل المجازفة فحكموا بعدالة كل الصحابة([505]). نور الله التستري (ت : 1019 هـ) : كما جاء موسى للهداية وهدى خلقا كثيرا من بني إسرائيل وغيرهم فارتدوا في أيام حياته ولم يبق فيهم أحد على إيمانه سوى هارون عليه السلام كذلك جاء محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهدى خلقا كثيرا لكنهم بعد وفاته ارتدوا على أعقابهم"([506]). نور الله التستري (ت : 1019 هـ) : كشف الله تعالى برسوله طريق الحق وأوضح لهم نهج الصدق فأسلم القليل شوقا إلى نور الأنوار، أو خوفا من دخول النار، واستسلم الكثير رغبة في جاه الرسول المختار لما سمعوا في ذلك عن راهبيهم من الأخبار أو رهبة عن اعتضاده بصاحب ذي الفقار، والذين معه أشداء على الكفار فداموا مجبولين على توشح النفاق وترشح الشقاق، يتبسم في كل وقت ثغورهم، والله يعلم ما تكن صدورهم وإذ قد تم الدليل واتضح السبيل، وأداروا عليهم كؤوس السلسبيل فما شرب منهم إلا قليل، عزم صاحب المجلس على الرحيل وأزمع على التحويل، فأحال الجلاس فيما بقي من ذلك الكأس على الساقي الذي لا يقاس بالناس، وأوفاه في غدير خم من كأس من كنت مولاه فعلي مولاه فبخبخ عليه عمر، وهناه، وبايعه جل من حضر وحياه، فلما رحل صاحب الكأس وانتفى أثر تلك الأنفاس، خرج الأغيار من الكمين، وضيعوا وصية الرسول الأمين، فنسوا الكأس الذي عليهم أدير، ونقضوا ونكثوا عهد الغدير، وبيعة الأمير، إذا سقاهم حب الجاه وعقد اللواء كأس الهوى فأعرضوا عن الساقي الباقي مليا، وتركوه نسيا منسيا، فصار جديد عهدهم رثا، وشمل بيعتهم هباء منبثا وانجز دائهم الدفين، وانتهى بهم إلى أن عادوا إلى الخلاف الأول، وارتدوا على أعقابهم، فهدموا أركان الشرع وأكنافه، وكسروا أضلاع الدين وقطعوا أكتافه وهضموا حق أهل البيت، ولم يلحقهم فيه مخافة، ومنعوا إرث فاطمة من غير أن تأخذهم فيها رأفة ولا رحمة، انتصبوا من غاية الجهل والجلافة للخلاف على الخلافة، وغصبها بكل حيلة وجزافة، فنصبوا الخالي عن العلم والشرافة، المملو من الجهل والكثافة، فلم يزل كانوا بآيات الله يمترون، نبذوا الحق وراء ظهورهم، فاشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون ([507]). نور الله التستري (ت : 1019 هـ) : الشيعة عن آخرهم قائلون بأن مخالفي علي عليه السلام فسقة ومحاربيه كفرة([508]). نور الله التستري (ت : 1019 هـ) : في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله اختارني واختار لي أصحاباً، فجعل لي منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً، فمن حفظني فيهم حفظه الله ومن آذاني فيهم آذاه الله. قال : لو صح هذا الحديث فالمراد بالوزراء فيه : علي عليه السلام والجمع للتعظيم([509]). نور الله التستري (ت : 1019 هـ) : من المعلوم أن الشهادتين بمجردهما غير كافيتين إلا مع الالتزام بجميع ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أحوال المعاد والإمامة، كما يدل عليه ما اشتهر من قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» ولا شك أن المنكر لشيء من ذلك ليس بمؤمن ولا مسلم؛ لأن الغلاة والخوارج وإن كانوا من فرق المسلمين -نظراً إلى الإقرار بالشهادتين- إلا أنهما من الكافرين، نظراً إلى جحودهما ما علم من الدين، وليكن منه -بل من أعظم أصوله- إمامة أمير المؤمنين عليهالسلام([510]). محمد صالح المازندراني (ت : 1081 هـ) : في شرح أحد رواياتهم المزعومة في ردة الصحابة رضي الله عنهم : قوله - أي الباقر - (ألا أحدثك بأعجب من ذلك المهاجرون والأنصار ذهبوا إلا - وأشار بيده - ثلاثا) وجه زيادة التعجب أن ذهابهم يمينا وشمالا وخروجهم من الدين مع إدراكهم صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقرب العهد به وبالوحي أعجب من خروج من فقد جميع ذلك، ولعل المراد بالثلاثة سلمان وأبو ذر والمقداد([511]). محمد صالح المازندراني (ت : 1081 هـ) : في تعليقة على أحد روايات وفاة فاطمة رضي الله عنها : أنها مضت وهي ساخطة على أكثر الصحابة([512]). محمد صالح المازندراني (ت : 1081 هـ) : في شرحه لرواية الباقر : لا دين لمن دان بطاعة من عصى الله، ولا دين لمن دان بفرية باطل على الله، ولا دين لمن دان بجحود شيء من آيات الله. ومن البين أنه لادين بهذا المعنى لمن دان بالأمور المذكورة، لأن هذه الأمور ليست من هذه الطريقة وأول من دخل في هذا الوعيد أتباع الخلفاء الثلاثة، ثم أتباع سلاطين الجور، ثم اتباع من دونهم من الفاسقين([513]). محمد صالح المازندراني (ت : 1081 هـ) : في تعليقة على بعض روايات الكافي : ذكر عليه السلام فيها اختلاف الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورجوعهم عن أمير المؤمنين عليه السلام إلى خلفاء الجور وصار ذلك محلا لاختلاف الشيعة وسببا له إذ لو رجعوا إليه لما ادعى الكاذب الإمامة ولم يطمعها أحد ([514]). محمد صالح المازندراني (ت : 1081 هـ) : في شرحه لبعض روايات الكافي : فيه إيماء إلى ما وقع من أمر الخلافة وانقلاب أحوال الصحابة وسلطنة بني أمية وبني عباس وتغيير قوانين الشرع وشيوع الجور والظلم على أهله وترجيح المسئ على المحسن والدني على الشريف والجائر على العادل والباطل على الحق والرذائل على الفضايل([515]). محمد صالح المازندراني (ت : 1081 هـ) : لعل السبب لعدولهم عنه عليه السلام حب الدنيا والرئاسة وغلبة تصرفهم في أمور المسلمين وأموالهم وبيت المال وطمع الفاسقين منهم في الولايات الجزئية وشدة حسدهم وعداوتهم على أهل البيت عليه السلام خصوصا على ذاته المقدسة حيث قتل من أقربائهم جمعا كثيرا واعتقادهم أن مخالفة حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهل كمخالفة حكم ساير الأمراء والسلاطين([516]). محمد صالح المازندراني (ت : 1081 هـ) : في شرحه لقول علي عليه السلام : ألا إن بليتكم قد عادت كهيئتها يوم بعث الله نبيه عليه السلام قال : أشار إلى أنهم لم يكونوا على دين الحق ومن أهل التقوى والديانة كما لم يكونوا عليه يوم بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وفيه رمز على بطلان خلافة الثلاثة وخروج أكثر الصحابة عن الدين([517]). وقال في موضع آخر : أشار به إلى أن حالهم عند قيامه عليه السلام بالخلافة كحالهم عند بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كونهم في البلية وهي الضلالة والشبهة واختلاف الأهواء وتشتت الآراء وعدم الألفة والاجتماع والنصرة لدين الحق وفيه تنبيه على أنهم ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكونوا من أهل الدين والتقوى ([518]). محمد صالح المازندراني (ت : 1081 هـ) : في تعليقه على رواية الحوض : لعل من خالفنا عموا وصموا فلم يروا ولم يسمعوا أمثال هذا الخبر حتى حكموا بكفر من حكم بكفر واحد من الصحابة ولم يجوزوا أن تكون خلافة الثلاثة مما أحدثوا([519]). محمد صالح المازندراني (ت : 1081 هـ) : في تعليقة على بعض روايات ردة الصحابة Fعند الشيعة : ذلك إشارة إلى ارتداد الأمة وبقاء قليل على الإسلام وهم المقربون بنعمة الله التي هي الولاية الشاكرون عليها([520]). وفي شرح آخر على روايات أخرى في الردة قال : فقد دل ذلك على مدعانا وهو ارتدادهم بعد فوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتخصيص رفع الأمانة بالبيع والشراء كما فسره الآبي لاوجه له بل هو فرد من أفراده فما زادوا في ذلك إلا قسوة على قسوة، على أن لنا أن نقول إذا لم يكونوا أمينا في البيع والشراء فكيف صاروا أمينا في نصب الخليفة للأمة إلى يوم القيامة([521]). وقال في موضع آخر : فقد شبه عليه السلام دخول الصحابة وغيرهم ممن ارتد عن دينه في نار الآخرة بتساقط الفراش في نار الدنيا لجهله وعدم تمييزه وتخصيص الذم بما عدى الصحابة تخصيص بلا مخصص ومحض الحمية الجاهلية ومن العجايب أنهم مع ذلك يدعون أن كل واحد من الصحابة عدل وذلك قول من لم يشم رائحة صدق ودليل([522]). محمد صالح المازندراني (ت : 1081 هـ) : ومن أنكرها -يعني الولاية- فهو كافر؛ حيث أنكر أعظم ما جاء به الرسول وأصلاً من أصوله([523]). محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني (ت : 1091 هـ) : لعل التغيير - أي في القرآن - إنما وقع فيما لا يخل بالمقصود كثير إخلال كحذف اسم علي وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وحذف أسماء المنافقين عليهم لعائن الله فإن الانتفاع بعموم اللفظ باق وكحذف بعض الآيات وكتمانه فان الانتفاع بالباقي باق مع أن الأوصياء كانوا يتداركون ما فاتنا منه من هذا القبيل ويدل على هذا قوله عليه السلام في حديث طلحة : إن أخذتم بما فيه نجوتم من النار ودخلتم الجنة فإن فيه حجتنا وبيان حقنا وفرض طاعتنا([524]). محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني (ت : 1091 هـ) : أنه لما أمر الصحابة يوم الغدير بمبايعة أمير المؤمنين عليه السلام بإمرة المؤمنين وقام أبو بكر وعمر إلى تسعة من المهاجرين والأنصار فبايعوه بها ووكد عليهم بالعهود والمواثيق واتى عمر بالبخبخة وتفرقوا، تواطأ قوم من متمرديهم وجبابرتهم بينهم لئن كانت بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم كائنة ليدفعن هذا الأمر عن علي عليه السلام ولا يتركونه له وكانوا يأتون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقولون : لقد أقمت علينا أحب الخلق إلى الله وإليك وكفيتنا به مؤنة الظلمة لنا والجائرين في سياستنا وعلم الله تعالى من قلوبهم خلاف ذلك وإنهم مقيمون على العداوة ودفع الحق عن مستحقه فأخبر الله عنهم بهذه الآية([525]). محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني (ت : 1091 هـ) : وقد جاءت عن أهل البيت في تفسير القرآن وتأويله أخبار كثيرة إلا أنها خرجت متفرقة عند أسئلة السائلين، وعلى قدر أفهام المخاطبين، وبموجب إرشادهم إلى مناهج الدين وبقيت بعد خبايا في زوايا خوفا من الأعداء وتقية من البعداء ولعله مما برز وظهر لم يصل إلينا الأكثر، لأن رواته كانوا في محنة من التقية وشدة من الخطر وذلك بأنه لما جرى في الصحابة ما جرى، وضل بهم عامة الورى، أعرض الناس عن الثقلين وتاهوا في بيداء ضلالتهم عن النجدين إلا شرذمة من المؤمنين فمكث العامة بذلك سنين وعمهوا في غمرتهم حتى حين، فآل الحال إلى : أن نبذ الكتاب حملته وتناساه حفظته، فكان الكتاب وأهله في الناس وليسا في الناس ومعهم وليسا معهم، لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا، وكان العلم مكتوما وأهله مظلوما لا سبيل لهم إلى إبرازه إلا بتعميته وألغازه، ثم خلف من بعدهم خلف غير عارفين ولا ناصبين لم يدروا ما صنعوا بالقرآن، وعمن أخذوا التفسير والبيان، فعمدوا إلى طائفة يزعمون أنهم من العلماء، فكانوا يفسرونه لهم بالآراء ويروون تفسيره عمن يحسبونه من كبرائهم، مثل : أبي هريرة، وأنس وابن عمر ونظرائهم. وكانوا يعدون أمير المؤمنين عليه السلام من جملتهم ويجعلونه كواحد من الناس، وكان خير من يستندون إليه بعده ابن مسعود وابن عباس ممن ليس على قوله كثير تعويل ولا له إلى لباب الحق سبيل، وكان هؤلاء الكبراء ربما يتقولون من تلقاء أنفسهم غير خائفين من مآله وربما يستندونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومن الآخذين عنهم من لم يكن له معرفة بحقيقة أحوالهم لما تقرر عنهم أن الصحابة كلهم عدول ولم يكن لأحد منهم عن الحق عدول، ولم يعلموا أن أكثرهم كانوا يبطنون النفاق ويجترون على الله ويفترون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عزة وشقاق، هكذا كان حال الناس قرنا بعد قرن فكان لهم في كل قرن رؤساء ضلالة، عنهم يأخذون وإليهم يرجعون، هم بآرائهم يجيبون وإلى كبرائهم يستندون وربما يروون عن بعض أئمة الحق في جملة ما يروون عن رجالهم ولكن يحسبونه من أمثالهم. فتبا لهم ولأدب الرواية، إذ ما رعوها حق الرعاية، نعوذ بالله من قوم حذفوا محكمات الكتاب ونسوا الله رب الأرباب راموا غير باب الله أبوابا، واتخذوا من دون الله أربابا، وفيهم أهل بيت نبيهم وهم أزمة الحق وألسنة الصدق وشجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي وعيبة العلم ومنار الهدى والحجج على أهل الدنيا وخزائن اسرار الوحي والتنزيل، ومعادن جواهر العلم والتأويل، الأمناء على الحقائق، والخلفاء على الخلائق، أولوا الأمر الذين أمروا بطاعتهم وأهل الذكر الذين أمروا بمسألتهم وأهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، والراسخون في العلم الذين عندهم علم القرآن كله تأويلا وتفسيرا ومع ذلك كله يحسبون أنهم مهتدون إنا لله وإنا إليه راجعون([526]). محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني (ت : 1091 هـ) : كلمة فيها اشارة إلى نفاق طائفة من الصحابة في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وارتدادهم بعده. لا شك في انه كان في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه طائفة يبطنون الكفر ويظهرون الإسلام. ومما يدل على ذلك دلالة واضحة ما ثبت ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أخذ البيعة لأمير المؤمنين عليه السلام من الناس يوم الغدير وأمرهم بالتسليم عليه بامرة المؤمنين فسلموا عليه طوعا وكرها وبخبخوا غيظاً وحنقاً استولت عليهم نائرة الحسد والبغضاء، وأبطنوا الإنكار والإباء، حتى قصد جماعة منهم قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم واحتالوا لذلك حيلاً فلم يظفروا به... فعند ذلك تعاقدوا صرف الأمر عن أهل بيته بعده وكتبوا لذلك كتاباً وتعاهدوا عليه وكانت بواكنهم مشحونة بعداوته وعداوة أهل بيته... ثم لما مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمرهم بخروجهم مع جيش اسامة تخلفوا عنه طمعاً في الإمارة وكانوا يخفون تخلفهم ويتعرفون الخبر من عائشة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلما لا يقدر على الخروج إلى الصلاة في مرضه أمر أمير المؤمنين عليه السلام أن يصلي بالناس فكان يصلي بهم([527]). محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني (ت : 1091 هـ) : اما اختلاف أصحاب نبيّنا صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في أمر الخلافة من بعده فلا دلالة فيه على عدم وقوع النصّ منه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بل إنّما كان ذلك لغلبة حبّ الرئاسة والحسد على بعضهم، فاحتالوا لذلك حيلا وخدائع فلبّسوا الأمر على أكثر الناس من بعد وقوع النصّ الصريح مرّة بعد أخرى، وسماعهم ذلك كرّة بعد أولى، فجحدوا ما علموه، وبدّلوا ما سمعوه، وأنكروا ما ثبت في أعناقهم من حقّ أمير المؤمنين عليه السّلام وادّعوا التأمّر على الناس، وتسمّوا زورا وبهتانا بخلفاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بغير قدم راسخ في علم ولا سبق في فضل، بل بالحيل والخدائع والممالات من أرباب الدخول والأحقاد، الّذين قالوا : آمنّا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ومن الشواهد على ذلك عقدهم للبيعة في السقيفة، وما أدراك ما السقيفة أعرضوا عن تغسيل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وتكفينه ودفنه والفجيعة به، واشتغلوا بتهيئة أسباب الإمارة، وتهييج ذوي الأحقاد على أمير المؤمنين عليه السّلام، الّذين إنّما أسلموا خوفا من سيفه بعد أن قتل آباءهم وأبناءهم بيده في مواقف النزال إلى غير ذلك من الأمور المنكرة الشنيعة الفاضحة([528]). محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني (ت : 1091 هـ) : بلى قد شاب قرنهم في الشرك والآثام، وابيض قودهم في عبادة الاصنام توسّلوا إلى ما ادعوا بالخدايع والحيل والممالات من ارباب الدخل والدغل من الذين مردت على النفاق غيوبهم وقالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ثم تنازعوا وتخالفوا وارتفعت أصواتهم، وقال : بعضهم لبعض منا أمير ومنكم أمير، وارعدوا وابرقوا وسلوا سيوفهم. ثم بعد ذلك كله سمّوه إجماعا وكان أمير المؤمنين عليه السلام مشغولا بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما فرغ إلا من بعدما أحكموا الأمر لأنفسهم، ثم أظهروا من نفوسهم ما كان كامنا فيها من عداوة ذوي القربى للذين كانت مودّتهم اجر الرسالة، فلم يستطيعوا أن يخفوا العداوة في صدورهم فكانت تبدو منهم في أحيان ورودهم وصدورهم، فأولى لهم ثم أولى لهم([529]). محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني (ت : 1091 هـ) : كلمة فيها اشارة الى ارتداد أكثر هذه الأمة بعد نبيها والسبب في ذلك. لما اختار الله عز وجل للوصاية والخلافة والامارة من اختار وأخذت له البيعة في يوم الغدير ممن شهد من الأقطار، غلب على أراذل العرب حب الرياسة والهواء واشتعل في قلوبهم نائرة الحسد والبغضاء، فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون، فصاروا أصنافا. صنفا من أهل التدليس والتلبيس من جنود ابليس، وهم الذين شيدوا أركان هذه الضلالة. وصنفا من أهل العمى والتقليد قد شبّه لهم الأمر فدخلوا فيه على غير بصيرة تعصبا لمن تولى وكفر، وتقليدا لشياطين البشر، ممن كان في الجاهلية لا يفرق بين الله وبين الخشب والحجر، فكيف بين عليّ وأبي بكر وعمر، وكان معهم تلك العقول السقيمة، فلا غرو عن أن يعدلوا عن الطريقة القويمة. وصنفا اتبعوهم خوفا وتقية فارتد أكثر الناس بسبب ارتداد الصحابة عن الدين، وخرجوا عن زمرة المسلمين كسنة الله في ساير امم النبيين... فلما رأى الناس أمثال ذلك منهم دخلوا تحت سلطنتهم الجايرة الجابرة كما كان الناس يدخلون تحت سلطان الملوك الجبابرة، وما بقي إلا شرذمة قليلون وكانوا خائفين متقين... ثم أخذوا في تغيير احكام الشرع واحداث البدع فيها، فمنها ما غيّروه لجهلهم بها، ومنها ما بدّلوه ليوافق أغراضهم ومنها ما أحدثوه لحبّهم البدع، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض منكراتهم في دعاء صنمي قريش... جعل الخلافة بعده شورى بين ستة شهد لهم بأنهم من أهل الجنة وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات وهو عنهم راض ثم أمر بضرب أعناقهم جميعا إن لم يبايعوا واحدا منهم، ثم بعد ذلك بدا بين أنفسهم العداوة والبغضاء على حطام الدنيا حتى آل الأمر إلى أن استحل بعضهم دماء بعض وقتل بعضهم على أيدي بعض... ثم بعدما تقرر الأمر تشبّثوا في فضائل أئمتهم بما لا يدل اكثره على فضيلة مع روايتهم فيهم كل رذيلة، وبما يلوح من فحاويه مخايل الاختلاق، ويفوح من مطاويه رايحة الوضع والنفاق، ثم بعد التتبع يظهر أن ما هو من أمثاله إنما وضع في زمن بني امية طمعا في الانتفاع بجاه أحدهم وماله([530]). محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني (ت : 1091 هـ) : لما جرى في الصحابة ما جرى، وخدع بهم عامة الورى وغلب على الأمر الأولون واستبهم الحق على الآخرين، أعرض الناس عن الثقلين وتاهوا في بيداء ضلالتهم عن النجدين إلا شرمذة من المؤمنين، فمكثوا بذلك سنين، وعمهوا في غمرتهم حتى حين([531]). محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني (ت : 1091 هـ) : إن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بل منه ما هو خلاف ما أنزل، ومنه ما هو مغير محرف، وأنه قد حذف منه أشياء كثيرة منها اسم علي في كثير من المواضع، ومنها غير ذلك، وأنه ليس -أيضاً- على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ([532]). وقال : كما أن الدواعي كانت متوافرة على نقل القرآن وحراسته من المؤمنين، كذلك كانت متوافرة على تغييره من المنافقين المبدلين للوصية المغيرين للخلافة؛ لتضمنه ما يضاد رأيهم وهواهم، والتغيير فيه إن وقع فإنما وقع قبل انتشاره في البلدان واستقراره على ما هو عليه الآن([533]). محمد طاهر القمي (ت : 1098 هـ) : فانا لا نسلم امتناع التواطئ، بل الحق جوازه، فان العقل لا يستبعد أن يكون لهذه القاعدة مما وضعه المنافقون الذين أرادوا في العقبة قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وحالوا بينه وبين أن يكتب للناس وصية يرتفع بها عنهم الضلال، ونسبوه إلى الهجر والهذيان، وقالوا : حسبنا كتاب الله، ثم شبهوا على الناس بالشبهات، كآية من يشاقق الله وأمثالها، فتبعهم في القاعدة ضعفاء الصحابة وسفهائهم، وسكت عنهم العلماء وأولوا الآراء، طمعا ورغبة وخوفا وتقية([534]). محمد طاهر القمي (ت : 1098 هـ) : ومما يرتفع به التعجب والاستبعاد في اتفاق أكثر الصحابة على ترك العمل بالنص مخالفتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته في زمن الشدة وزمن الرخاء. أما في الشدة، فإنهم فارقوه وخذلوه واختاروا أنفسهم عليه في غزوة أحد وحنين وخيبر.... وأما مخالفة أصحابه له في الرخاء والأمن، فقد تضمن الكتاب ذلك وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ونقل أنهم إذا سمعوا بوصول تجارة تركوا الصلاة معه، ولم يلتفتوا إلى حرمة ربهم ولا حرمة نبيهم ولا صلاتهم، وباعوا ذلك كله بمشاهدة تجارتهم، أو طمع في مكسب منها، فكيف يستبعد من هؤلاء أن يخالفوا نبيهم بعد وفاته في طلب الملك والخلافة. وأيضا من مخالفتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في حال الرخاء، أنهم خالفوه في مرض موته وآخر أيام عمره، حيث أراد منهم أن يأتوه بدواة ولوح ليكتب لهم ما يبعدهم عن الضلالة، فحالوا بينه وبين مراده، ونسبه الثاني من خلفاء المخالف إلى الهجر والهذيان، وقال : حسبنا كتاب الله. ومما يرفع التعجب في مخالفة أكثر الصحابة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتركهم النص الجلي ومما يرفع أيضا التعجب في اتفاق أكثر الصحابة على مخالفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتخلفهم عن أمير المؤمنين عليه السلام انا نلاحظ حال أهل زماننا، فنراهم غافلين جاهلين، مائلين إلى الدنيا والى أهلها، راغبين عن الآخرة وأهلها الا قليلا نادرا، فنعلم أن حال أهل كل زمان كحال أهل زماننا، فلا نتعجب حينئذ في ترك أكثر أهل زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيعة علي سيد العقلاء والزهاد الذي طلق الدنيا ثلاثا، وكان يزهدهم في الدنيا، ويرغبهم إلى الآخرة، ويلومهم في حب حبيبتهم الغدارة، ويأمرهم أن يقنعوا بالقليل، وأن لا يطلبوا فوق الكفاف، ويحثهم على ترك العادات والشهوات، ويحذرهم عن التلهي والفاكهات، إذ لا مشابهة بينه عليه السلام وبين هؤلاء من أرباب الجهالات، بل كانوا أشباه أبي بكر وأمثاله، فبايعوه وانقادوا له. وأما القليلون الذين كانوا أشباه علي أمير المؤمنين عليه السلام، كسلمان وأبي ذر ومقداد وعمار، وصلحاء بني هاشم، فبايعوه وأطاعوه، وداروا معه حيث دار، وكانوا مظلومين مغضوبين مقهورين مخذولين، ولكن لم يضرهم خذلان الخاذلين. ومما يرفع أيضا هذا التعجب، اتفاق أولاد يعقوب عليه السلام مع طهارة مولدهم وتولدهم في الاسلام وتربيتهم في حجر نبي الله، على قتل أخيهم الصغير يوسف الصديق، مع كمال حسنه وجماله، حسدا عليه، فما التعجب في اتفاق أكثر أولاد المشركين الذين قست قلوبهم بعبادة الأصنام، وشرب الخمور، وقتل النفوس، وقطع الرحم، وارتكاب سائر الكبائر الموبقة والعظائم المهلكة، على بيعة أبي بكرحسدا وبغضا، لأن عليا عليه السلام كان قاتلا لابائهم وأبنائهم وقراباتهم، وطمعا في الوصول إلى شهواتهم ومراداتهم، كانوا يعرفون أن عليا عليه السلام يحول بينهم وبين ما يريدون من اللذات القبيحة. ومما يرفع أيضا هذا التعجب، اتفاق أهل العقبة على قتل سيد المرسلين، فإذا أمكن اتفاق هؤلاء على مثل هذا الأمر الخطير، لم لا يمكن اتفاقهم على غصب الخلافة ؟ ومما يرفع أيضا هذا التعجب، اتفاق الناكثين والقاسطين والمارقين مع كثرتهم على محاربة خليفة سيد المرسلين، مع ظهور الحجج والبراهين على إمامته، وفرض طاعته، ووجوب مودته([535]). محمد طاهر القمي (ت : 1098 هـ) : فان قيل : اثبات الخلافة بالبيعة والاختيار لو لم يكن حقا لأنكر على المبايعين الصحابة. قلنا : لا كل الصحابة تركوا الانكار، بل أنكر عليهم جماعة، ثم سكتوا تقية وخوفا، وترك جماعة منهم الانكار لورود الشبهة، وجماعة طمعا في الدنيا ورغبة إليها([536]). محمد طاهر القمي (ت : 1098 هـ) : ولا شك أن هؤلاء - أي الذين ورد ذكرهم في حديث الحوض - غير المنافقين المذكورين، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يقول للمنافقين أصحابي، ولا يقال في الجواب : لم يزالوا مرتدين، لأنه لا يتصور الارتداد بالنظر إليهم، فثبت أنهم غير المنافقين، بل هم الصحابة الذين تبعوا المنافقين طمعا في الدنيا ورغبة إليها([537]). محمد طاهر القمي (ت : 1098 هـ) : في بيان جواز اللعن على من يستحقه وترتب الثواب عليه. ان قيل : هل اللعن على مذهب الإمامية واجب متمم للايمان أم مستحب مكمل للايمان ؟ قلنا : على مذهب الإمامية بغض أعداء أهل البيت واجب، لأن به يتم حب أهل البيت الذي أمرنا الله به، وجعله أجر الرسالة، وتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجوبه علينا، فان حبهم وحب أعدائهم لا يجتمعان([538]). محمد طاهر القمي (ت : 1098 هـ) : ان الشيعة يلعنون الخلفاء الثلاثة([539]). محمد طاهر القمي (ت : 1098 هـ) : انا كما علمنا بالنقل المشهور مذهب الصادق عليه السلام في أحكام العبادات، هكذا علمنا أن مذهبه بغض الخلفاء الثلاثة وعداوتهم. وقد ظهر بغض أهل البيت عليهم السلام وعداوتهم للخلفاء ظهور شمس الضحى([540]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : أكثر الصحابة من المنافقين والمعاندين([541]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : وأما إنكار ما علم ضرورة من مذهب الإمامية فهو يلحق فاعله بالمخالفين ويخرجه عن التدين بدين الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين، كإمامة الأئمة الاثني عشر عليه السلام وفضلهم وعلمهم ووجوب طاعتهم وفضل زيارتهم.. إلى أن قال : وأما مودتهم وتعظيمهم في الجملة فمن ضروريات دين الاسلام ومنكره كافر([542]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : اعلم أن إطلاق لفظ الشرك والكفر على من لم يعتقد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من ولده عليه السلام، وفضل عليهم غيرهم يدل على أنهم كفار مخلدون في النار([543]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : القول بعدم خلودهم - دافعو النص - في النار نشأ من عدم تتبعهم للاخبار، والأحاديث الدالة على خلودهم متواترة أو قريبة منها([544]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : عرفت ما ذكره القدماء والمتأخرون من أساطين العلماء والامامية ومحققيهم عرفت ضعف القول بخروجهم من النار، والأخبار الواردة في ذلك أكثر من أن يمكن جمعه في باب أو كتاب، وإذا كانوا في الدنيا والآخرة في حكم المسلمين فأي فرق بينهم وبين فساق الشيعة ؟ ! وأي فائدة فيما أجمع عليه الفرقة المحقة من كون الإمامة من أصول الدين ردا على المخالفين القائلين بأنه من فروعه ؟ !.. وقد أوردت أخبارا كثيرة في أبواب الآيات النازلة فيهم عليه السلام أنهم فسروا الشرك والكفر في الآيات بترك الولاية. وقد وردت أخبار متواترة أنه لا يقبل عمل من الأعمال إلا بالولاية([545]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : ويظهر من بعض الأخبار بل من كثير منها أنهم في الدنيا أيضا في حكم الكفار، لكن لما علم الله أن أئمة الجور وأتباعهم يستولون على الشيعة وهم يبتلون بمعاشرتهم، ولا يمكنهم الاجتناب عنهم وترك معاشرتهم ومخالطتهم ومناكحتهم أجرى الله عليهم حكم الاسلام توسعة، فإذا ظهر القائم عليه السلام يجري عليهم حكم سائر الكفار في جميع الأمور وفي الآخرة يدخلون النار ماكثين فيها أبدا مع الكفار، وبه يجمع بين الاخبار كما أشار إليه المفيد والشهيد الثاني قدس الله روحهما([546]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : وقد ذكر سيد الساجدين عليه السلام في الدعاء الرابع من الصحيفة الكاملة في فضل الصحابة والتابعين ما يغني اشتهاره عن إيراده، وينبغي أن تعلم أن هذه الفضائل إنما هي لمن كان مؤمنا منهم لا للمنافقين، كغاصبي الخلافة وأضرابهم وأتباعهم، ولمن ثبت منهم على الايمان واتباع الأئمة الراشدين، لا للناكثين الذين ارتدوا عن الدين([547]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : وذهبت الإمامية إلى أنهم - أي الصحابة - كساير الناس من أن فيهم المنافق والفاسق والضال، بل كان أكثرهم كذلك([548]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : لا يخفى على المنصف بطلان خلافة الغاصبين زائدا على ما قدمناه، ولنوضح ذلك بوجوه : الأول : إن الجمهور تمسكوا في ذلك بما ادعوه من الاجماع واعترفوا بعدم النص، فإذا ثبت تألمه وتظلمه عليه السلام قبل البيعة وبعدها ثبت عدم انعقاد الاجماع على خلافة أبي بكر، وكيف يدعي عاقل - بعد الاطلاع على تظلماته عليه السلام وإنكاره لخلافتهم قبل البيعة وبعدها - كونها على وجه الرضا دون الاجبار والاكراه ؟!. الثاني : إن إجباره صلوات الله عليه وآله على البيعة على الوجه الشنيع الذي رويناه من طريق المؤالف والمخالف وتهديده بالقتل، وتشبيهه عليه السلام بثعلب يشهد له ذنبه، وبأم طحال، وإسناد ملازمة كل فتنة إليه على رؤس الاشهاد و.. غير ذلك من غصب حق فاطمة عليها السلام وما جرى من المشاجرات بينه عليه السلام وبينهم، وأشباه ذلك إيذاء له عليه السلام وإعلان لبغضه وعداوته وشتم له. وسيأتي أخبار متواترة من طرق الخاص والعام تدل على كفر من سبه ونفاق من أبغضه وعاداه، وأنه عدو الله وعدو رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا ريب أن لهم بدفع أحد عن مقامه اللائق به وحطه عن درجته وإتيان ما ينافي احترامه من أشنع المعاداة، مع أنه قال عمر : إذن نضرب عنقك، وكذبه عليه السلام في دعوى المؤاخاة.. ولا يريب ذو مسكة من العقل في أن الكافر والمنافق ومن يحذو حذوهما لا يصلحان لخلافة سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ([549]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : وهل كان غصبهم الخلافة وصرفها عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل دفنه، وهمهم بإحراق بيتهم، وسوقه لأمير المؤمنين عليه السلام بأعنف العنف إلى البيعة، وتكذيبه في شهادته، ودعوى المواخاة، وتهديده بالقتل وإيذاءه في جميع المواطن، وغصب حق فاطمة عليها السلام وتكذيبها وقتل ولدها، وقتل الحسن والحسين صلوات الله عليهما.. من مقتضيات وصية نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم فيهم ؟ ! ! ولعمري ما أظن عاقلا يرتاب بعد التأمل فيما جرى في ذلك الزمان في أن القول بخلافتهم وخلافته عليه السلام متناقضان، وكيف يرضى عاقل بإمامة إمامين بحكم كل منهما بضلال الآخر ؟ !. ([550]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : لا يرتاب عاقل في أن القول بأن أئمتنا سلام الله عليهم كانوا يرون خلافتهم حقا من الخرافات الواهية التي لا يقبلها ولا يصغي إليها من له أدنى حظ من العقل والانصاف، ولو أمكن القول بذلك لأمكن إنكار جميع المتواترات والضروريات، ولجاز لليهودي أن يدعي أن عيسى عليه السلام لم يدع النبوة بل كان يأمر الناس بالتهود، وللنصراني أن يقول مثل ذلك في نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد ثبوت كون أهل البيت عليه السلام ذاهبين إلى بطلان خلافتهم، والى أنهم كانوا ضالين مضلين، ثبت بطلان خلافتهم بالاجماع منا ومن الجمهور، إذ لم يقل أحد من الفريقين بضلال أهل البيت عليه السلام سيما في مسألة الإمامة، وإذا ثبت بطلانهم ثبت خلافة أمير المؤمنين عليه السلام بالاجماع أيضا منا ومنهم، بل باتفاق جميع المسلمين([551]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : عن صاحب كتاب السلطان المفرّج عن أهل الإيمان أن أبو راجح الحمامي بالحلة يسب الصحابة، فأحضره الحاكم وأمر بضربه فضرب ضربا شديدا مهلكا على جميع بدنه، فإستغاث بالمهدي فشفاه([552]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : في شرح دعاء صنمي قريش : وقوله : (وعقبة ارتقوها) إشارة إلى أصحاب العقبة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وأبو سفيان ومعاوية ابنه وعتبة بن أبي سفيان وأبو الأعور السلمي والمغيرة بن شعبة وسعد بن أبي وقاص وأبو قتادة وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري اجتمعوا في غزوة تبوك على كؤد لا يمكن أن يجتاز عليها إلا فرد رجل أو فرد جمل، وكان تحتها هوة مقدار ألف رمح من تعدى عن المجرى هلك من وقوعه فيها، وتلك الغزوة كانت في أيام الصيف. والعسكر تقطع المسافة ليلا فرارا من الحر فلما وصلوا إلى تلك العقبة أخذوا دبابا كانوا هيؤها من جلد حمار، ووضعوا فيها حصى وطرحوها بين يدي ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لينفروها به فتلقيه في تلك الهوة فيهلك صلى الله عليه وآله وسلم. فنزل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الآية : يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ... [التوبة : 74] الآية وأخبره بمكيدة القوم، فأظهر الله تعالى برقا مستطيلا دائما حتى نظر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى القوم وعرفهم وإلى هذه الدباب التي ذكرناها أشار عليه السلام بقوله : (ودباب دحرجوها) وسبب فعلهم هذا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم كثرة نصه على علي عليه السلام بالولاية والإمامة والخلافة([553]) محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : واعلم أن عمدة ترك النهي عن المنكر في هذه الأمة ما صدر عنهم بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مداهنة خلفاء الجور، وعدم اتباع أئمة الحق عليهم فتسلط عليهم خلفاء الجور من التيمي والعدوي وبني أمية وبني العباس، وسائر الملوك الجائرين، فكانوا يدعون ويتضرعون فلا يستجاب لهم، وربما يخص الخبر بذلك لقوله : ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي " والتعميم أولى([554]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : اعلم، أنّ طائفة من أهل الخلاف لمّا رأوا أنّ إنكار أهل البيت عليه السلام على أئمّتهم ومشايخهم حجّة قاطعة على بطلانهم، ولم يقدروا على القدح في أهل البيت صلوات اللّه عليهم وردّ أخبارهم لما تواتر بينهم من فضائلهم وما نزل في الكتاب الكريم من تفضيلهم ومدحهم، حتى صار وجوب مودّتهم وفرض ولايتهم من الضروريّات في دين الإسلام اضطرّوا إلى القول بأنّهم عليه السلام لم يقدحوا في الخلفاء ولم يذكروهم إلّا بحسن الثناء([555]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : تأخذ الشيعة أخبار دينهم عمّن تعلّق بالعروة الوثقى الّتي هي متابعة أهل بيت النبوّة الذين شهد اللّه لهم بالتطهير، ونصّ عليهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنّهم سفينة النجاة، ولا يأخذون شطر دينهم عن امرأة ناقصة العقل والدين مبغضة لأمير المؤمنين عليه السلام، وشطره الآخر عن أبي هريرة الدوسي الكذّاب المدنيّ، وأنس بن مالك الذي فضحه اللّه بكتمان الحقّ وضربه ببياض لا تغطّيه العمامة ومعاوية، وعمرو بن العاص، وزياد المعروفين عند الفريقين بخبث المولد وبغض من أخبر النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الأمين بأنّ بغضه آية النفاق.. وأضراب هؤلاء، لكنّ التعصّب أسدل أغطية الغيّ والضلال على أبصارهم إلى يوم النشور، ومَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ([556]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : اعلم أيها الطالب للحق واليقين بعد ما أحطت خُبرا بما أوردنا في قصة السقيفة.. أن الإجماع الذي ادّعوه على خلافة أبي بكر هذا حاله ولهذا انجر إلى خراب الدين مآله([557]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : المخالفون ليسوا من أهل الجنان ولا من أهل المنزلة بين الجنة والنار، وهي الأعراف، بل هم مخلدون في النار، ولو قام القائم بدأ بقتل هؤلاء قبل الكفار([558]). وقال : ويظهر من بعض الأخبار -بل من كثير منها- أنهم في الدنيا -أيضاً- في حكم الكفار، لكن لما علم الله أن أئمة الجور وأتباعهم يستولون على الشيعة، وهم يبتلون بمعاشرتهم ولا يمكنهم الاجتناب عنهم وترك معاشرتهم ومخالطتهم ومناكحتهم؛ أجرى الله عليهم حكم الإسلام توسعة، فإذا ظهر القائم عليه السلام يجري عليهم حكم سائر الكفار في جميع الأمور، وفي الآخرة يدخلون النار ماكثين فيها أبداً مع الكفار([559]). وقال في معرض شروحه على بعض الأقوال والروايات : ويدل الخبر على كفر المخالفين وخلودهم في النار([560]). ورد على من قال بعدم خلودهم في النار : بأن هذا القول منهم بعدم خلودهم في النار نشأ من عدم تتبعهم للأخبار، والأحاديث الدالة على خلودهم متواترة أو قريبة منها. نعم الاحتمالان الأخيران آتيان في المستضعفين منهم، والقول بخروج غير المستضعفين من النار قول مجهول القائل، نشأ بين المتأخرين الذين لا معرفة لهم بالأخبار ولا بأقوال القدماء الأخيار([561]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : إن عثمان حذف من هذا القرآن ثلاثة أشياء : مناقب أمير المؤمنين علي وأهل بيته، وذم قريش والخلفاء الثلاثة، مثل آية : (يا ليتني لم اتخذ أبا بكر خليلاً)([562]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : لعل آية التطهير -أيضاً- وضعوها - أي الصحابة - في موضع زعموا أنها تناسبه، أو أدخلوها في سياق مخاطبة الزوجات لبعض مصالحهم الدنيوية([563]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : وأشار عليه السلام إلى تأويل آية أخرى وهي قوله عز وجل : (وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ [يس : 37]) فهي إشارة إلى ذهاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغروب شمس الرسالة، فالناس مظلمون إلا أن يستضيؤا بنور القمر وهو الوصي، ثم ذكر عليه السلام تتمة الآية السابقة بعد بيان أن المراد بالإضاءة إضاءة شمس الرسالة، فقال : المراد بإذهاب الله نورهم قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فظهرت الظلمة بالضم أو بالتحريك فلم يبصروا فضل أهل بيته عليهم السلام. وقوله عليه السلام بعد ذلك : وهو قوله عز وجل : (وَإِن تَدْعُوهُمْ) يحتمل أن يراد به أنها نزلت في شأن الأمة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذهاب نورهم فصاروا كمن كان في ظلمات ينظر ولا يبصر شيئا، ويحتمل أن يكون على سبيل التنظير، أي كما أن في زمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أخبر الله عن حال جماعة تركوا الحق واختاروا الضلالة فأذهب الله نور الهدى عن أسماعهم وأبصارهم فصاروا بحيث مع سماعهم الهدى كأنهم لا يسمعون، ومع رؤيتهم الحق كأنهم لا يبصرون، فكذا هؤلاء لذهاب نور الرسالة من بينهم لا يبصرون الحق وإن كانوا ينظرون إليه قوله عليه السلام : النور الذي فيه العلم هو عطف بيان للنور([564]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : أن آيات قتال المشركين والكافرين ظاهرها قتال من قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وباطنها يشتمل قتال من قاتلهم أمير المؤمنين عليه السلام. وأما آية " وإن طائفتان " فليست بنازلة فيهم لعدم إيمان هؤلاء([565]). نعمة الله الجزائري (ت : 1112 هـ) : إنه قد استفاض في الأخبار أن القرآن كما أنزل لم يؤلفه إلا أمير المؤمنين بوصية النبي ص، فبقي بعد موته ستة أشهر مشتغلاً بجمعه، فلما جمعه كما أنزل أتى به إلى المتخلفين بعد رسول الله ص، فقال لهم : هذا كتاب الله كما أنزل، فقال عمر بن الخطاب : لا حاجة بنا إليك ولا إلى قرآنك، عندنا قرآن كتبه عثمان. فقال لهم علي : لن تروه بعد هذا اليوم، ولا يراه أحد حتى يظهر ولدي المهدي. وفي ذلك القرآن زيادات كثيرة، وهو خال من التحريف([566]). نعمة الله الجزائري (ت : 1112 هـ) : الإمامية قالوا بالنص الجلي على إمامة علي وكفروا الصحابة ووقعوا فيهم ([567]). نعمة الله الجزائري (ت : 1112 هـ) : أغلب الصحابة كانوا على النفاق لكن كانت نار نفاقهم كامنة في زمنه - أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - فلما إنتقل إلى جوار ربه برزت نار نفاقهم لوصيّه ورجعوا القهقرى، ولذا قال عليه السلام : إرتد الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أربعة([568]). نعمة الله الجزائري (ت : 1112 هـ) : ولا تعجب من كثرة الأخبار الموضوعة، فإنهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غيروا وبدلوا في الدين ما هو أعظم من هذا كتغييرهم القرآن وتحريف كلماته وحذف ما فيه من مدائح آل الرسول والأئمة الطاهرين وفضائح المنافقين وإظهار مساويهم([569]). نعمة الله الجزائري (ت : 1112 هـ) : الإمامية إشترطوا في دخول الجنة ولاية الأئمة الإثنى عشر والقول بإمامتهم([570]). نعمة الله الجزائري (ت : 1112 هـ) : ولعلك تقول أن مخالفينا يزعمون انهم لا يبغضون علياً وهذا زعم باطل، وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن علامة بغض علي تقديم غيره وتفضيله عليه، وكل مخالفينا قد قالوا بهذا، وما أحسن قول علي عليه السلام لما قال له رجل : يا علي إني أحبك وأحب عثمان. فقال له : أنت أعور، إما أن تعمى وإما أن تبصر([571]) يوسف البحراني (ت : 1186 هـ) : غير خفي على ذوي العقول من أهل الإيمان وطالبي الحق من ذوي الأذهان ما بلى به هذ الدين من أولئك المردة المعاندين بعد موت سيد المرسلين، وغصب الخلافة من وصية أمير المؤمنين ([572]). يوسف البحراني (ت : 1186 هـ) : أصحاب الصدر الأول أصحاب ردة، وأنهم لم ينج منهم إلا القليل، ثم رجع بعض الناس بعد ذلك شيئاً فشيئاً ([573]). يوسف البحراني (ت : 1186 هـ) : في رده على من استشهد بحديث إغتساله صلى الله عليه وآله وسلم مع عائشة من إناء واحد، وانه صلى الله عليه وآله وسلم كان يشرب من المواضع التي تشرب منها عائشة وبعده، وكذلك لم يجتنب علي عليه السلام سؤر أحد من الصحابة مع مباينتهم. قال : لا ريب أيضا أن الولاية إنما نزلت في آخر عمره صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم والمخالفة فيها المستلزمة لكفر المخالف إنما وقع بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم فلا يتوجه الإيراد بحديث عائشة والغسل معها في إناء واحد ومساورتها كما لا يخفى، وذلك لأنها في حياته صلى الله عليه وآله وسلم على ظاهر الايمان وإن ارتدت بعد موته كما ارتد ذلك الجم الغفير المجزوم بايمانهم في حياته صلى الله عليه وآله وسلم ومع تسليم كونها في حياته من المنافقين فالفرق ظاهر بين حالي وجوده صلى الله عليه وآله وسلم وموته حيث إن جملة المنافقين كانوا في وقت حياته على ظاهر الاسلام منقادين لأوامره ونواهيه ولم يحدث منهم ما يوجب الارتداد، وأما بعد موته فحيث أبدوا تلك الضغائن البدرية وأظهروا الأحقاد الجاهلية ونقضوا تلك البيعة الغديرية التي هي في ضرورتها من الشمس المضيئة فقد كشفوا ما كان مستورا من الداء الدفين وارتدوا جهارا غير منكرين ولا مستخفين كما استفاضت به أخبار الأئمة الطاهرين عليهم السلام فشتان ما بين الحالتين وما أبعد ما بين الوقتين، فأي عاقل بزعم أن أولئك الكفرة اللئام قد بقوا على ظاهر الاسلام حتى يستدل بهم في هذا المقام([574]). علي خان المدني (ت : 1120 هـ) : حكم الصحابة عندنا في العدالة حكم غيرهم... فمن علمنا عدالته وايمانه وحفظه وصية رسول الله في أهل بيته، وانه مات على ذلك كسلمان وأبي ذر وعمار واليناه وتقربنا إلى الله تعالى بحبه، ومن علمنا أنه انقلب على عقبه وأظهر العداوة لأهل البيت عليه السلام عاديناه لله تعالى وتبرأنا إلى الله منه([575]). سليمان الماحوزي البحراني (ت : 1121 هـ) : في شرحه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام : يا علي إذا كان ذلك منهم فسل سيفك وضعه على عاتقك. كناية عما وقع بعد بيعته عليه السلام بعد قتل عثمان، من انبثاق بثوق البدع، ونجوم نجم الفتن من الناكثين لبيعته، وهم : طلحة والزبير وعائشة وأهل البصرة، والقاسطين وهم أصحاب معاوية وأهل الشام، والمارقين وهم الخوارج لعنهم الله أجمعين، فإنه عليه السلام قد ابلي العذر في قتالهم كما قال صلى الله عليه وآله وسلم ([576]). وقال في موضع آخر : وسيأتي تفصيل الأحوال التي جرت يوم السقيفة، وتفصيل الدلالات القاطعة على الاكراه، وشدة التقية ووفور الأعداء، وارتداد أكثر الصحابة، وتخاذلهم، وقلة الناصر منهم، فترقبه. ومما يشهد بأن تركه عليه السلام لمنازعة المتلصصين والطواغيت الثلاثة وعدم محاربتهم لهم ليس الا لعدم المكنة، وان امساك يده كان مصلحة للدين واحتياطا للمسلمين، ما روي عنه عليه السلام أنه قال : اني أغضيت وصبرت اقتداء بالأنبياء([577]). وقال في موضع آخر : إذا كان تركه الانكار والمحاربة في ولاية اللصوص الثلاثة المتقدمين ومحاربته لأهل البصرة وصفين والنهروان عهدا معهودا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما علمته، ووصية سابقة منه سلام الله عليه وآله([578]). المشهدي (ت : 1125 هـ) : في قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ * [البقرة 8 -10] هـ) : يحتمل أن يكون المراد منه الخلفاء الثلاثة مع شيعتهم([579]). أبو الحسن العاملي (ت : 1138 هـ) : الأحزاب بني أمية وسائر من حارب علياً وعاداه واجتمعوا على خلافه فانهم بقية الأحزاب السابقين الذين أجمعوا علي محارية الله ورسولة([580]). أبو الحسن العاملي (ت : 1138 هـ) : اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه -بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها- أن القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء من التغيرات، وأسقط الذين جمعوه - أي الصحابة - بعده كثيراً من الكلمات والآيات، وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله تعالى ما جمعه علي وحفظه إلى أن وصل إلى ابنه الحسن، وهكذا إلى أن انتهى إلى القائم، وهو اليوم عنده صلوات الله عليه([581]). وقال : عندي من وضوح صحة هذا القول - أي تحريف القرآن من قبل الصحابة - بعد تتبع الأخبار وتفحص الآثار بحيث يمكن الحكم بكونه من ضروريات مذهب التشيع، وأنه من أكبر مفاسد غصب الخلافة، فتدبر([582]). يوسف البحراني (ت : 1186 هـ) : في رده على بعض علماء الشيعة الذين قالوا بطهارة المخالفين : أن من العجب الذي يضحك الثكلى والبين البطلان الذي أظهر من كل شئ وأجلى أن يحكم بنجاسة من أنكر ضروريا من سائر ضروريات الدين وإن لم يعلم أن ذلك منه عن اعتقاد ويقين ولا يحكم بنجاسة من يسب أمير المؤمنين عليه السلام وأخرجه قهرا مقادا يساق بين جملة العالمين وأدار الحطب على بيته ليحرقه عليه وعلى من فيه وضرب الزهراء عليها السلام حتى أسقطها جنينها ولطمها حتى خرت لوجهها وجبينها وخرجت لوعتها وحنينها مضافا إلى غصب الخلافة الذي هو أصل هذه المصائب وبيت هذه الفجائع والنوائب، ما هذا إلا سهو زائد من هذا النحرير وغفلة واضحة عن هذا التحرير، فيا سبحان الله كأنه لم يراجع الأخبار الواردة في المقام الدالة على ارتدادهم عن الاسلام واستحقاقهم القتل منه عليه السلام لولا الوحدة وعدم المساعد من أولئك الأنام، وهل يجوز يا ذوي العقول والأحلام أن يستوجبوا القتل وهم طاهرو الأجسام؟ ثم أي دليل دل على نجاسة ابن زياد ويزيد وكل من تابعهم في ذلك الفعل الشنيع الشديد ؟ وأي دليل دل على نجاسة بني أمية الأرجاس وكل من حذا حذوهم من كفرة بني العباس الذين قد أبادوا الذرية العلوية وجرعوهم كؤوس الغصص والمنية ؟ وأي حديث صرح بنجاستهم حتى يصرح بنجاسة أئمتهم، وأي ناظر وسامع خفي عليه ما بلغ بهم من أئمة الضلال حتى لا يصار إليه إلا مع الدلالة ؟ ولعله (قدس سره) أيضا يمنع من نجاسة يزيد وأمثاله من خنازير بني أمية وكلاب بني العباس لعدم الدليل على كون التقية هي المانعة من اجتناب أولئك الأرجاس([583]). يوسف البحراني (ت : 1186 هـ) : في تعليقه على رواية عن الصادق عليه السلام أنه قال أما بلغكم أن رجلا صلى عليه على عليه السلام فكبر عليه خمسا حتى صلى عليه خمس صلوات يكبر في كل صلاة خمس تكبيرات ؟ قال ثم قال إنه بدري عقبي أحدي وكان من النقباء الذين اختارهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الاثني عشر نقيبا وكانت له خمس مناقب فصلى عليه لكل منقبة صلاة. قال يوسف البحراني : لعل المنقبة الخامسة هو اخلاص الرجل في التشيع والولاء لأمير المؤمنين وأهل بيته عليه السلام وإنه كان من السابقين الذين رجعوا إليه بعد ارتداد الناس([584]). يوسف البحراني (ت : 1186 هـ) : أما عن حديث السؤر وحكاية عايشة فبان الولاية التي هي معيار الكفر والايمان إنما نزلت في آخر عمره صلى الله عليه وآله وسلم في غدير خم والمخالفة فيها المستلزمة لكفر المخالف إنما وقعت بعد موته فلا يتوجه الايراد بحديث عايشة والغسل معها من إناء واحد ومساورتها كما لا يخفى وذلك لأنها في حياته على ظاهر الايمان وإن ارتدت بعد موته كما ارتد ذلك الجم الغفير المجزوم بايمانهم في حياته صلى الله عليه وآله وسلم ([585]). يوسف البحراني (ت : 1186 هـ) : قول علي بن الحسين عليهما السلام إن أبا سعيد الخدري كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان مستقيما فنزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حمل إلى مصلاه فمات فيه " وعن ليث المرادي عن الصادق عليه السلام قال : " إن أبا سعيد الخدري قد رزقه الله تعالى هذا الرأي وأنه اشتد نزعه فقال احملوني إلى مصلاي فحملوه فلم يلبث أن هلك " أقول : المراد بقوله " مستقيما " في سابق هذا الخبر هو ما أشير إليه في هذا الخبر من أن الله تعالى رزقه هذا الرأي وهو القول بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام وأنه لم يكن مع الصحابة الذين ارتدوا على أدبارهم ([586]). محمد جواد العاملي (ت : 1226 هـ) : وليعلم أن الذي يظهر من السير والتواريخ أن كثيرا من الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعده وأصحاب الجمل وصفين بل كافة أهل الشام وأكثر أهل المدينة ومكة كانوا في أشد العداوة لأمير المؤمنين وذريته عليه السلام مع أن مخالطتهم ومشاورتهم لم تكن منكرة عند الشيعة أصلا ولو سرا ولعلهم لاندراجهم فيمن أنكر الإجماع أو مصلحة. ولعل الأصح أن ذلك لمكان شدة الحاجة لمخالطتهم ووفور التقية. وقد حررنا ذلك في باب المكاسب. والحاصل أن طهارتهم مقرونة إما بالتقية أو الحاجة وحيث ينتفيان فهم كافرون قطعا([587]). جعفر كاشف الغطاء (ت : 1228 هـ) : يظهر من تتبع أحوال المهاجرين والأنصار حين فقدوا النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم كل يدعي انه بالإمامة أولي وان قدره من قدر غيره أعلى حتى حصلت الفضيحة الكبرى وظهر حرص القوم على الدنيا واعراضهم عن الأخرى. فهذا علي عليه السلام كان في زمن المشايخ جالسا في داره مشغولا بعبادة ربه لا يولى على جانب وخالد بن الوليد واضرابه أقدم منه وبقى على هذه الحالة إلى قيام الثالث الذي قتله المهاجرون والأنصار ومعظمهم من أصحاب علي ليت شعري كيف يرضى العاقل بوثوق علي بايمان عثمان ويقتل بمرئ منه ومسمع والعجب انهم يستندون في رضا علي بخلافة القوم بسكوته مع أنه سيف الله ولا يستدلون بسكوته عن قتل عثمان على رضاه به سبحان الله كيف يخفى على العاقل رضاه وقد كان القاتل له بيد أخص خواصه محمد ابن أبي بكر([588]). عبدالله شبر (ت : 1242 هـ) : والسبب في إرتداد أكثر هذه الأمة بعد نبيها أنه لما إختار الله تعالى للوصاية والخلافة والإمارة من إختار، وأخذت له البيعة في الغدير ممن شهد من الأقطار، غلب على أرزال العرب حب الرئاسة والهوى، واستعلت في قلوبهم نار الحسد والبغضاء فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهرهم واشتروا به ثمناً قليلا فبئس ما يشترون. فصاروا صنفين صنفاً كم أهل التدليس والتلبيس من جنود إبليس، وصنفاً من أهل العمى والتقليد قد شبه لهم الأمر فدخلوا فيه على غير بصيرة، تعصباً لمن تولى وكفر وتقليداً لشياطين البشر ككن كان في الجاهلية، لا يعرف بين الله وبين الخشب والحجر، فكيف بين علي وبين أبي بكر وعمر، وكان معهم تلك العقول السقيمة فر عرو أن يعدلوا عن الطريقة القويمة، وصنفاً تبعوهم خوفاً وتقية، فإرتد أكثر الناس بسبب إرتداد الصحابة عن الدين، وخرجوا عن زمرة المسلمين ([589]). محمد حسن النجفي (ت : 1266 هـ) : كان في عسكر علي عليه السلام يوم الجمل مثل من قتل الزبير وهو نائم تحت شجرة وقتل محمد بن طلحة ولم يكن يقاتل بل قيل نهى علي عليه السلام عن قتله وغيره ممن لا يعرف هذه الحدود، ويخطر في البال أن عليا عليه السلام كان يجوز له قتل الجميع إلا خواص شيعته، لأن الناس جميعا قد ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم السقيفة إلا أربعة سلمان وأبا ذر والمقداد وعمار، ثم رجع بعد ذلك أشخاص، والباقون استمروا على كفرهم حتى مضت مدة أبي بكر وعمر وعثمان، فاستولى الكفر عليهم أجمع حتى آل الأمر إليه عليه السلام، ولم يكن له طريق إلى إقامة الحق فيهم إلا بضرب بعضهم بعضا، وأيهم قتل كان في محله إلا خواص الشيعة الذين لم يتمكن من إقامة الحق بهم خاصة([590]). محمد حسن النجفي (ت : 1266 هـ) : في الحدائق أن الحكم بكفر المخالفين ونصبهم ونجاستهم هو المشهور في كلام أصحابنا المتقدمين مستشهدا بما حكاه عن الشيخ ابن نوبخت، وهو من متقدمي أصحابنا في كتابه فص الياقوت، دافعوا النص كفرة عند جمهور أصحابنا، ومن أصحابنا من يفسقهم، إلى آخره، ولا يخفى ما فيه. ولعل مراد الشيخ الكفر بالمعنى الذي ذكرناه، أو خصوص الطبقة الأولى من دافعي النص، لانكارهم ما علم لهم من الدين، كالمحكي عن العلامة في شرحه من تعليل ذلك بأن النص معلوم بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيكون ضروريا أي معلوما من دينه، فجاحده كافر، كوجوب الصلاة([591]). مرتضى الأنصاري (ت : 1281 هـ) : إن ظاهر الاخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن، فيجوز اغتياب المخالف كما يجوز لعنه. وتوهم عموم الآية - كبعض الروايات - لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم وعدم جريان أحكام الاسلام عليهم إلا قليلا مما يتوقف استقامة نظم معاش المؤمنين عليه، مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة، وحل ذبائحهم، ومناكحهم، وحرمة دمائهم - لحكمة دفع الفتنة - ونسائهم، لان لكل قوم نكاحا.. ونحو ذلك، مع أن التمثيل المذكور في الآية مختص بمن ثبتت أخوته فلا يعم من وجب التبري منه([592]). مرتضى الأنصاري (ت : 1281 هـ) : أن كثيرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكائنين في زمن الأمير عليه السلام، وأصحاب الجمل، وصفين، بل كافة أهل الشام، بل وكثير من أهل الحرمين كانوا في أشد العدواة لأهل البيت عليه السلام([593]). حامد النقوي (ت : 1306 هـ) : لقد اقترف جماعة كبيرة من الصحابة كبائر الذنوب، مثل الزنا وقتل النفس المحترمة وشهادة الزور ونحو ذلك مما هو مشهور ومعروف لمن نظر في أحوالهم، فهل يعقل أن يجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل واحد منهم قائدا للأمة وهاديا للملة؟. ولقد وردت آيات في كتاب الله عز وجل صريحة في سوء حال جم غفير من الصحابة، ولا سيما الآيات في سورة الأنفال، وسورة البراءة، وسورة الأحزاب، وسورة الجمعة، وسورة المنافقين. أفيصح أن ينصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميع الصحابة قادة للأمة والحال هذه؟. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحاديث كثيرة تفيد ذم الصحابة والحط من شأنهم.. والأحاديث التي وردت في ذم الصحابة مجتمعين وفرادى. وقد جاوزت حد الحصر. ونهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الاقتداء بهم لقد جاء في كتب القوم أحاديث تدل بصراحة على منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الاقتداء بالصحابة، وفيها (إن من اقتداهم في النار)([594]). وقال في موضوع آخر : لا يخفى على أهل العلم والبصيرة، أن اتباع أهل السنة للعترة يشبه اتباع المنافقين لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بل كانت دعوى أولئك أصدق من دعوى هؤلاء، لأن السنة يدعون بذلك في الوقت الذي يأخذون أصولهم من الأشعري والماتريدي وأمثالهما، ويقلدون في الفروع مالكا وأبا حنيفة وأحمد والشافعي، وأما المنافقون فإنهم - وإن شاقوا الرسول وعاندوه - لم ينتموا في - الظاهر - إلى الكفار واليهود والنصارى([595]). وقال في موضع آخر : لقد كتم جماعة من الصحابة هذه الشهادة معاندة للإمام عليه السلام وذلك أيضا مما يشهد بدلالة حديث الغدير على الإمامة، إذ لو كان المراد غيرها من المعاني لما كان للكتمان مورد أبدا. ولقد دعا الإمام عليه السلام على من كتم تلك الشهادة وقد أصابتهم دعوته، ولو لم يكن معنى حديث الغدير هو الإمامة والخلافة لما دعا عليهم البتة. إن أخبار المناشدة وكتم بعض الصحابة للشهادة تهدم أساس اعتقاد أهل السنة بعدالة جميع الصحابة، لأن كتمان الشهادة من المعاصي الكبائر، ومرتكب الكبيرة فاسق بلا ريب. لقد دلت تلك الأخبار على عداء جماعة من الأصحاب لأمير المؤمنين عليه السلام، وقد بلغ عداؤهم له إلى حد كتمان الشهادة وارتكاب هذه المعصية الكبيرة. إن هذه الأخبار تدل على بطلان ما ذكره أهل السنة من امتناع كتمان الصحابة للنص على خلافة الإمام عليه السلام، لأن حديث الغدير إن كان نصا على خلافته - كما هو الواقع - فقد ثبت ما قلنا، لأنهم قد حاولوا كتم هذا النص الصريح الذي صدر من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك المشهد العظيم حتى احتاج الإمام عليه السلام إلى استشهاد الصحابة ومناشدتهم عليه، وإن لم يكن نصا في الإمامة والخلافة بل كان مراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إيجاب محبته عليه السلام فقد خالفوا فقد ثبت ما قلناه أيضا، لأن من يخفي ما يدل على وجوب محبته - حسب هذا الفرض - يخفي ما يدل على إمامته وخلافته بالأولوية([596]). حامد النقوي (ت : 1306 هـ) : وجوه اثبات كذب وفسق كثير من الصحابة والصحابيات كثيرة لا تحصى ([597]). النوري الطبرسي (ت : 1320 هـ) : هذا كتاب لطيف وسفر شريف عملته في إثبات تحريف القرآن وفضائح أهل الجور والعدوان - أي الصحابة - وسميته : (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب)([598]). حسن الحلي (ت : 1337 هـ) : يوم قضى المصطفى في صبحه وعلى * الأعقاب من بعده اصحابه انقلبوا قادوا اخاه ورضوا ضلع بضعته * بجورهم ولها البغضاء قد نصبوا نفوا اخاك علياً عن خلافته * وشيخ تيم عناداً منهم نصبوا كقوم موسى اطاعوا العجل واعتزلوا * هارون والسامري الرجس قد صحبوا ويل لهم نبذوا القرآن خلفهم * ومزقوه عناداً بئس ما ارتكبوا ما راقبوا غضب الجبار حين إلى * المختار أحمد قول (الهجر) قد نسبوا ألغوا وصاياه في اهليه وانتهبوا * ميراثه والى حرمانهم وثبوا جاروا على ابنته من بعده فغدت * عبرى النواظر حزناً دمعها سرب ابضعة الطهر طه نصب اعينهم * بالباب يعصرها الطاغي وما غصبوا رضوا اضالعها اجروا مدامعها * أدموا نواظرها ميراثها غضبوا فألموا عضديها في سياطهم * واسقطوا حملها والمرتضى سحبوا عصروها بالباب قسراً إلى أن * كسروا ضلعها وهدوا قواها ألجأوها إلى الجدار فالقت * (محسناً) وهي تندب الطهر طاها دخلوا الدار وهي حسرى فقادوا * بنجاد الحسام "حامي حماها" فاتاها العبد المشوم فأدمى * متنها فانثنت تطيل بكاها آذياها عند الحياة ولما * حضرتها الوفاة ما شيعاها([599]). علي بن موسى التبريزي (ت : 1330 هـ) : ورد في الاخبار أنه عليه السلام جمع القرآن بعد وفاة النبي وأتاه إلى القوم فلم يقبلوه، فبقي مكنونا مخزونا حتى يظهره القائم عليه السلام([600]). عدنان البحراني (ت : 1341 هـ) : إن الأخبار من طريق أهل البيت كثيرة -إن لم تكن متواترة- على أن القرآن الذي بأيدينا ليس هو القرآن بتمامه كما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو محرف ومغير، وأنه قد حُذف - من قبل الصحابة - منه أشياء كثيرة منها اسم علي في كثير من المواضع، ومنها لفظة (آل محمد)، ومنها أسماء المنافقين، ومنها غير ذلك، وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ([601]). شرف الدين الموسوي (ت : 1377 هـ) : والقرآن الكريم يثبت كثرة المنافقين على عهد النبي، وإخواننا يوافقوننا على ذلك، لكنهم يقولون : إن الصحابة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأجمعهم عدول، حتى كأن وجود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين ظهرانيهم كان موجبا لنفاق المنافقين منهم، فلما لحق بالرفيق الأعلى، وانقطع الوحي، حسن إسلام المنافقين، وتم إيمانهم، فإذا هم أجمعون أكتعون أبصعون ثقات عدول مجتهدون، لا يسألون عما يفعلون وإن خالفوا النصوص ونقضوا محكماتها([602]). شرف الدين الموسوي (ت : 1377 هـ) : الصحبة بمجردها وإن كانت عندنا فضيلة جليلة، لكنها - بما هي ومن حيث هي - غير عاصمة، فالصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول، وهم عظماؤهم وعلماؤهم، وأولياء هؤلاء وفيهم البغاة، وفيهم أهل الجرائم من المنافقين، وفيهم مجهول الحال، فنحن نحتج بعدولهم ونتولاهم في الدنيا والآخرة، أما البغاة على الوصي، وأخي النبي، وسائر أهل الجرائم والعظائم كابن هند، وابن النابغة، وابن الزرقاء (مروان بن الحكم) وابن عقبة، وابن أرطاة، وأمثالهم فلا كرامة لهم، ولا وزن لحديثهم([603]). المامقاني (ت : 1351 هـ) : إن من المعلوم بالضرورة بنص الآيات الكريمة وجهود الفساق والمنافقين في الصحابة بل كثرتهم فيهم وعروض الفسق بل الارتداد لجمع منهم في حياته ولآخرين بعد وفاته([604]). المامقاني (ت : 1351 هـ) : وغاية ما يستفاد من الأخبار : جريان حكم الكافر والمشرك في الآخرة على كل من لم يكن إثنى عشرياً([605]). المامقاني (ت : 1351 هـ) : قد اتفق أصحابنا الإمامية على أن صحبة النبي بنفسها وبمجردها لا تستلزم عدالة المتصف بها ولا حسن حاله وأن حال الصحابي حال من لم يدرك الصحبة في توقف قبول خبره على ثبوت عدالته أو وثاقته أو حسن حاله ومدحه المعتد به مع إيمانه([606]). محمد رضا المظفر (ت : 1381 هـ) : مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولابد أن يكون المسلمون (- كلهم؟ - لا أدري الآن) قد انقلبوا على أعقابهم([607]). وقال : تواطؤ القوم على عدم التقيد بالنص على علي. وهم إذا كانوا في حياته لا يطيعون أمره في هذا السبيل فكيف إذن بعد وفاته. فلم يجد - أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - بعد هذا خيرا من أن يكتب لهم كتابا فاصلا لا يضلون بعده أبدا([608]). محمد رضا المظفر (ت : 1381 هـ) : أما علي عليه السلام، فبعد تمام البيعة له (الشرعية بنظر أصحاب هذا الرأي) قد وجدنا كيف انتفض عليه نفس أهل الحل والعقد، والإسلام بعد لم يرث والعهد قريب، وهؤلاء المنتقضون هم جلة الصحابة. فكانت حرب الجمل فحرب صفين اللتان أريقت بهما آلاف الدماء المحرمة هدرا، وانتهكت فيهما حرمات الشريعة، وشلت بهما حركة الدين الإسلامي. ولم نعرف بعد ذلك خليفة تعين إلا بتعيين من قبله أو بحد السيف، ولقد لعب السيف دورا قاسيا جعل العالم الإسلامي يمخر في بحر من الدماء. ولم يجرئ الطامعين بالخلافة على خوض غمار الحروب إلا سن هذا القانون. قانون الاختيار، فمهد السبيل لطلحة والزبير أن يشعلا نار حرب الجمل، ومهد لمعاوية ما اجترم، ولابن الزبير تطاوله للخلافة وهو القصير، وللعباسيين ثورتهم على الأمويين ولغيرهم ما شئت أن تحدث والحديث ذو شجون. إلى هنا أجد من نفسي القناعة والاطمئنان إلى القول بفساد تشريع تعيين الإمام باختيار أهل الحل والعقد. وهيهات أن يكون من النبي الحكيم مثل هذا التشريع([609]). وقال في موضع آخر : مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرضه الذي انتقل به إلى الرفيق الأعلى، فوجس منه خيفة الفراق، وهو يعلم أن أمته على شفا جرف هار من بحر للفتن متلاطم والعرب مغلوبة على أمرها تحرق الأرم عليه وعلى قومه وأهل بيته... إذ يعقد اللواء بيده للشاب أسامة بن زيد أميرا على الجيش بعد يوم واحد من ابتداء شكاته... ثم يضم تحت لوائه شيوخ المهاجرين والأنصار وجلتهم ووجوههم منهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة وسعد بن أبي وقاص وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وغيرهم... ثم يشدد في الخروج ويلعن المتخلف منهم... فماذا دهى المسلمين حتى خالفوا الصريح من أمر النبي هذه المدة الطويلة من غير حياء منه ولا خجل ولا خوف من الله ورسوله وتوطنوا على غضبه ولعنهم جهارا، أتراهم استضعفوا النبي وهو مريض شاك فتمردوا عليه، أم ماذا ؟... أن النبي قد علم بقرب أجله... فكيف يخلي المدينة من شيوخ المهاجرين والأنصار وزعمائهم وأهل الحل والعقد منهم. فلا بد أن يكون كل ذلك لأمر ما عظيم، أكثر من هذه الظواهر التي يتصورها الناس. فهل نجد حلا لهذه المشاكل تطمئن إليه النفس... - لم يصح عندنا تفسير لمشاكل هذا الحادث إلا بأن نقول إنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد : (أولا) - أن يهيئ المسلمين لقبول " قاعدة الكفاية " في ولاية أمورهم، من ناحية، عملية، فليست الشهرة ولا تقدم العمر هما الأساس لاستحقاق الإمارة والولاية... أفلا يثبت لنا أن قضية أسامة كانت لقبول الناس إمارة علي على صغر سنه يومئذ بالقياس إلى وجوه المسلمين وكان إذ ذاك لا يتجاوز الثلاثين ؟ وهذا ما يفسر به المشكل الأول والثاني أن يبعد عن المدينة ساعة وفاته من يطمع في الخلافة خشية أن يزيحوها عن صاحبها الذي نصبه لها في الخلافة. وقد ثبت عنه إنه كان يتوجس خيفة على أهل بيته ولا سيما على علي، فوصفهم بأنهم المظلومون من بعده. ولذا نراه اوعب في هذا الجيش كل شخصية معروفة تتطاول إلى الرئاسة، ولم يدخل فيه عليا ولا أحدا ممن يميل إليه الذين كانوا له بعد ذلك شيعة ووافقوه على ترك البيعة لأبي بكر، فلم يذكر واحد منهم في البعث.. وهذا ما يفسر تباطؤ القوم عن البعث وعرقلتهم له بخلق الإشاعات في المعسكر عن وفاة الرسول، مع إصراره صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ذلك الاصرار العظيم. ولم يمكنهم أن يصرحوا بما في نفوسهم، فاعتذروا بصغر قائدهم، وفي هذا كل معنى التهجين لرأي النبي وعصيان أمره الصريح. فكان الغرض إخلاء المدينة من المزاحمين لعلي ليتم الأمر له، بعد أن اتضح للنبي أن التصريحات بخلافته لا تكفي وحدها للعمل بها عندهم.. فقدر أن القوم إذا ذهبوا في بعثهم هذا يرجعون وقد تم كل شئ لخليفته المنصوب من قبله، فليس يسعهم إلا أن ينضووا حينئذ تحت جماعة المسلمين ورايتهم. ثالثا- أن يقلل من نزوع المتوثبين للخلافة.. وزبدة المخض أن بعث أسامة لا يصح أن يفسر إلا بأنه تدبير لإتمام أمر علي بن أبي طالب بمقتضى الظروف المحيطة به من تقدم النص على علي وقرب أجل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟ وعلمه بأن هناك من لا يروق له ولاية ابن عمه... ولو أن القوم كانوا قد امتثلوا الأمر لأصابوا خيرا كثيرا ولتبدل سير التأريخ ومجرى الحوادث تبدلا قد لا يحيط به حتى الخيال " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " ولما وقع ما وقع بعد ذلك من خلاف بين المسلمين وتطاحن وحروب دموية أنهكت قوى الإسلام وأضعفت روحية الدين حتى انفصمت عرى الجامعة الإسلامية سريعا وانتهكت حرمات الأحكام الدينية، فعاد الإسلام كما نشاهد اليوم غريبا كما بدئ. أي أمر عظيم وتدبير حازم صنعه النبي لسد باب كل خلاف يحدث ؟ " وكل أفعاله عظيمة " لو تم ما أراد. ولكن لا أمر لمن لا يطاع([610]). وقال في موضع آخر : حاولنا في البحث السابق أن نتشبث بما يرفع الأنصار عن سوء النية والقصد، ولكنا نؤمن بأن ما قلنا عنهم لا يخرج عن عده من الوساوس التي لا تبرر عمل المرء من الناحية الدينية. على إنا نرجو أن يكونوا معذورين فيما عملوا لئلا نخسر عددا وفيرا من الصحابة. أما نفس عملهم - سواء كانوا بسوء نية أم لا - فلا يسعنا أن نحكم بصحته، فنا مهما فرضنا الحقيقة من جهة النص على الإمام فإن استبدادهم هذا وتسرعهم في عقد اجتماعهم لنصب خليفة منهم لا يخرج عن عدة خيانة للإسلام وتفريطا في حقوق المسلمين بلا مبرر([611]). عبدالحسين الأميني (ت : 1392 هـ) : الشيعة لا يحكمون بعدالة الصحابة أجمع([612]). علي النمازي الشاهرودي (ت : 1405 هـ) : وحيث أنه يجري في هذه الأمة كلما جرى في الأمم السالفة ارتد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاثة : سلمان والمقداد وأبو ذر، ثم عرف الناس بعد يسير ([613]). سلطان محمد بن حيدر الخرساني (ت : 1400 هـ) : اعلم أنه قد استفاضت الأخبار عن الأئمة الأطهار بوقوع الزيادة والنقيصة والتحريف والتغيير فيه، بحيث لا يكاد يقع شك في صدور بعضها منهم... كما كانت الدواعي متوافرة في حفظه، كذلك كانت متوافرة من المنافقين - أي الصحابة - في تغييره([614]). محمد جواد مغنية (ت : 1400 هـ) : الصحابة كغيرهم فيهم الطيب والخبيث والعادل والفاسق([615]). محمد حسين الطباطبائي (ت : 1402 هـ) : والامام أمير المؤمنين عليه السلام بالرغم من أنه كان أول من جمع القرآن على ترتيب النزول وردوا جمعه ولم يشركوه في الجمع الأول والثاني، مع هذا لم يبد أية مخالفة أو معارضة وقبل المصحف ولم يقل شيئا عن هذا الموضوع حتى في أيام خلافته([616]). الخميني (ت : 1410 هـ) : إنني أدعي وبجرأة بأن الشعب الإيراني بجماهيره المليونية في عصرنا الحاضر أفضل من شعب الحجاز الذي عاصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.. فمسلمو الحجاز لم يطيعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتخلفوا عن جبهات الحرب بذرائع مختلفة حتى وبخهم الله تعالى بآيات من سورة التوبة وتوعدهم بالعذاب... وكم رموا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالأكاذيب حتى أنه لعنهم من على المنبر([617]). الخميني (ت : 1410 هـ) : إن الله منزه بالطبع عن الاستهانة بالعدل والتوحيد، ومن هنا فإن عليه أن يضع أسساً لثبات هذه المبادئ من بعد النبي حتى لا يترك الناس حائرين في أمرهم، وحتى لا يجعلهم يقعون فريسة حفنة من الانتهازيين المتربصين([618]) الخميني (ت : 1410 هـ) : ما اشتهر من حضور أبي محمد الحسن عليه السلام في بعض الغزوات، ودخول بعض خواص أمير المؤمنين عليه السلام من الصحابة - كعمار - في أمرهم. وفيه : - مضافا إلى عدم ثبوت حضور أبي محمد عليه السلام في تلك الغزوات - أن ذلك لا يدل على رضاهم، ولعلهم كانوا في ذلك مجبورين ملزمين، ومعلوم أنه لم يمكن لهم التخلف عن أمر المتصدين للخلافة([619]). الخميني (ت : 1410 هـ) : ويمكن أن يقال : إن أصل الإمامة كان في الصدر الأول من ضروريات الاسلام، والطبقة الأولى المنكرين لإمامة المولى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ولنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على خلافته ووزارته كانوا منكرين للضروري من غير شبهة مقبولة من نوعهم، سيما أصحاب الحل والعقد.، وسيأتي الكلام فيهم. ثم وقعت الشبهة للطبقات المتأخرة لشدة وثوقهم بالطبقة الأولى، وعدم احتمال تخلفهم عمدا عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصه على المولى سلام الله عليه، وعدم انقداح احتمال السهو والنسيان من هذا الجم الغفير، ولعل ما ذكرناه هو سر ما ورد من ارتداد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أربعة أو أقل أو أكثر، والظاهر عدم إرادة ارتداد جميع الناس سواء كانوا حاضرين في بلد الوحي أو لا، ويحتمل أن يكون المراد من ارتداد الناس نكث عهد الولاية ولو ظاهرا وتقية لا الارتداد عن الاسلام، وهو أقرب([620]). الخميني (ت : 1410 هـ) : لو فرضنا أن القرآن قد نصَّ على اسم الإمام فكيف يرتفع الخلاف؟! فإن أولئك الذين تمسّكوا بدين النبي سنيناً طمعاً وحبّاً في الرئاسة، ولم يكونوا مستعدّين للتراجع حتى مع نصّ القرآن وهم يتوسّلون بأيَّة وسيلة لينَفّذوا ما يريدون، بل لعلّ الخلاف بين المسلمين يؤدّي - حينئذٍ - بحيث ينهدم أصل أساس الإسلام لأنه كان من الممكن إذا رأى طلاّب الرئاسة أن وصولهم إلى غَرَضهم لم يعدْ ممكناً من خلال الإسلام فسوف يشكلون حزباً ضد الإسلام، ويثور المسلمون حينئذٍ، ولم يكن ليسكت علي بن أبي طالب وباقي المؤمنين. وبملاحظة أن الإسلام لا زال فتيّاً فإن مثل هذا الخلاف العظيم في الإسلام سيقضي على أصله إلى الأبد وسيفنى حتى ذلك الإسلام الجزئي. إذن التصريح باسم علي بن أبي طالب مخالف لمصلحة أصل الإمامة القاضية بأن لا يؤدي شيء إلى خلاف مصلحة الدين.كان من الممكن إذا نص القرآن على الإمام أن يعمد أولئك الذين لا يربطهم بالإسلام والقرآن إلا الدنيا والرئاسة ويريدون أن يصلوا من خلال القرآن إلى تحقيق نواياهم السيئة، يعمدوا إلى حذف تلك الآيات من القرآن وتحريف الكتاب السماوي وإلى الأبد ويبقى هذا العار على المسلمين إلى يوم القيامة ويصيب المسلمين ما أصاب كتاب اليهود وكتاب النصارى. ولو فرضنا أنه لن يحصل أيّ من هذه الأمور فأيضاً لن يرتفع الخلاف، لأنه كان من الممكن أن ينسب أولئك الذين شكّلوا حزباً في طلب الرئاسة، والذين لن يتراجعوا حديثاً إلى رسول الإسلام أنه قال قبل وفاته : أمركم شورى بينكم، وأن الله خَلَعَ علي بن أبي طالب من هذا المنصب ([621]). الخميني (ت : 1410 هـ) : لو لم يؤسس هذا الأمر - العزاء والمجالس - الذي هو من اهم الأعمال الدينية لم يكن ليبقى إلى الآن أثر للدين الحقيقي أي مذهب الشيعة ولكانت المذاهب الباطلة التي تفرعت من سقيفة بني ساعدة والتي تأسست على هدم أساس الدين قد خنقت الحق. فالله لما رأى أن مفسدي الصدر الأول قد زلزلوا بناء الدين ولم يبق إلا عدد قليل أمر الحسين بن علي بأن يتحرك([622]). الخميني (ت : 1410 هـ) : إن مثل هؤلاء لم يكن باستطاعتهم إطاعة الأمر القرآني والتخلي عن هدفهم أي الحكم والسلطة، فسوف يتخذون كل حيلة وكل وسيلة لتحقيق هذا الهدف، بل وربما أوجدوا في هذه الحالة بين المسلمين اختلافات يهدم بها أساس الإسلام لأنه كان من الممكن لهؤلاء الناس الذين وضعوا السلطة والحكم هدفا لهم أن يقوموا بتشكيل حزب يعارض الإسلام إذا كان ارتباطهم بالإسلام لا يسمح لهم بتحقيق هدفهم، ومن ثم لا يصبح أمامهم سوى إظهار عدائهم للإسلام([623]). الخميني (ت : 1410 هـ) : إن أصل الإمامة كان في الصدر الأول من ضروريات الاسلام، والطبقة الأولى المنكرين لإمامة المولى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ولنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على خلافته ووزارته كانوا منكرين للضروري من غير شبهة مقبولة من نوعهم، سيما أصحاب الحل والعقد. ثم وقعت الشبهة للطبقات المتأخرة لشدة وثوقهم بالطبقة الأولى، وعدم احتمال تخلفهم عمدا عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونصه على المولى سلام الله عليه، وعدم انقداح احتمال السهو والنسيان من هذا الجم الغفير، ولعل ما ذكرناه هو سر ما ورد من ارتداد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أربعة أو أقل أو أكثر([624]). الخوئي (ت : 1413 هـ) : أن حرمة الغيبة مشروطة بالايمان.. والمراد من المؤمن هنا من آمن بالله وبرسوله وبالمعاد وبالأئمة الاثني عشر عليه السلام، أولهم علي بن أبي طالب عليه السلام وآخرهم القائم الحجة المنتظر عجل الله فرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره، ومن أنكر واحدا منهم جازت غيبته لوجوه : أنه ثبت في الروايات والأدعية والزيارات جواز لعن المخالفين، ووجوب البراءة منهم، واكثار السب عليهم واتهامهم، والوقيعة فيهم أي غيبتهم، لأنهم من أهل البدع والريب. بل لا شبهة في كفرهم، لأن انكار الولاية والأئمة عليه السلام حتى الواحد منهم والاعتقاد بخلافة غيرهم، وبالعقائد الخرافية كالجبر ونحوه يوجب الكفر والزندقة، وتدل عليه الأخبار المتواترة الظاهرة في كفر منكر الولاية وكفر المعتقد بالعقائد المذكورة وما يشبهها من الضلالات. ويدل عليه أيضا قوله عليه السلام في الزيارة الجامعة : ومن جحدكم كافر، وقوله عليه السلام فيها أيضا : ومن وحده قبل عنكم، فإنه ينتج بعكس النقيض أن من لم يقبل عنكم لم يوحده بل هو مشرك بالله العظيم. وفي بعض الأحاديث الواردة في عدم وجوب قضاء الصلاة على المستبصر : أن الحال التي كنت عليها أعظم من ترك ما تركت من الصلاة. وفي جملة من الروايات : الناصب لنا أهل البيت شر من اليهود والنصارى وأهون من الكلب، وأنه تعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب وأن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه. ومن البديهي أن جواز غيبتهم أهون من الأمور المذكورة، بل قد عرفت جواز الوقيعة في أهل البدع والضلال، والوقيعة هي الغيبة. نعم قد ثبت حكم الاسلام على بعضهم في بعض الأحكام فقط تسهيلا للأمر وحقنا للدماء. ثانياً إن المخالفين بأجمعهم متجاهرون بالفسق، لبطلان عملهم رأسا كما في الروايات المتظافرة، بل التزموا بما هو أعظم من الفسق كما عرفت، والمتجاهر بالفسق تجوز غيبته. ثالثاً إن المستفاد من الآية والروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن، ومن البديهي أنه لا إخوة ولا عصمة بيننا وبين المخالفين، وهذا هو المراد أيضا من مطلقات أخبار الغيبة، لا من جهة حمل المطلق على المقيد لعدم التنافي بينهما، بل لأجل مناسبة الحكم والموضوع. على أن الظاهر من الأخبار الواردة في تفسير الغيبة هو اختصاص حرمتها بالمؤمن فقط، فتكون هذه الروايات مقيدة للمطلقات، فافهم. وقد حكي عن المحقق الأردبيلي تحريم غيبة المخالفين، ولكنه م يأت بشئ تركن إليه النفس. رابعاً قيام السيرة المستمرة بين عوام الشيعة وعلمائهم على غيبة المخالفين، بل سبهم ولعنهم في جميع الأعصار والأمصار، بل في الجواهر : أن جواز ذلك من الضروريات ([625]). الخوئي (ت : 1413 هـ) : الصحيح الحكم بطهارة جميع المخالفين للشيعة الإثني عشرية وإسلامهم ظاهراً، بلا فرق في ذلك بين أهل الخلاف وبين غيرهم، وإن كان جميعهم في الحقيقة كافرين، وهم الذين سميناهم بمسلم الدنيا وكافر الآخرة([626]). محمد رضا الگلپايگاني (ت : 1414 هـ) : ما نقل عن ابن نوبخت فالظاهر أن مراده من الكفر الكفر الأخروي وإن حكي عن العلامة أنه قال في شرح كلامه في علة كفرهم : إن النص (أي النص على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام) معلوم بالتواتر من دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم فيكون ضروريا أي معلوما من دينه فجاحده كافر كوجوب الصلاة انتهى فيحتمل أن يكون المراد كفر خصوص الطبقة الأولى من المسلمين الذين سمعوا النص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أنكروه كما ذكره في الجواهر ومن المعلوم أن النص لا يعلمه إلا بعض علمائهم. وأما العوام منهم إن لم يعلموا بوجود النص على إمامته عليه السلام([627]). محمد حسين فضل الله (ت : 1431 هـ) : ولاية أهل البيت عليهم السلام شرط في قبول الأعمال عند الله سبحانه، بل هو شرط في قبول الإيمان بالله والنبي الأكرم ص([628]). أحمد الرحماني الهمداني (معاصر) : لا يخفى على المطلع الخبير أن روايات الحوض ونظائرها من الأخبار توعز إلى اتباع هذه الأمة سنن من كان قبلهم، وكذلك بعض الآيات القرآنية وبعض الخطب من (نهج البلاغة) كلها دالة على ارتداد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانقلابهم على أعقابهم([629]). أحمد الرحماني الهمداني (معاصر) : إن الناس صاروا مرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعند قبضه، وأنهم جل الصحابة... إني اشهد الله وملائكته ورسله أني لا أعلم سببا لذلك إلا إنكار أصل من أصول الدين وركن من أركانه، وهو إمامة أمير المؤمنين وسيد الموحدين عليه السلام، وخلافته عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل([630]). أحمد الرحماني الهمداني (معاصر) : إن الدين الذي رجعوا عنه واستحقوا به الطرد والبعد عن رحمة الله تعالى يوم يقوم الناس لرب العالمين هو الإمامة والولاية لأمير المؤمنين عليه السلام، لأن الإمامة من أركان الدين، وأصول الأيمان واليقين بحيث تجب معرفتها كمعرفة رب العالمين وخاتم النبيين، والاعتقاد بها واجب على كافة المسلمين، وأن المنحرفين عنها والمنكرين لها عن الإسلام خارجون وفي جهنم داخلون([631]). أحمد الرحماني الهمداني (معاصر) : المخالفون لولاية أمير المؤمنين عليه السلام معزولون عن الإسلام وإن أقروا بالشهادتين، وإن جمعاً من علماء الإمامية حكموا بكفر المخالفين لولاية أمير المؤمنين والأئمة المعصومين، لكن الأكثر منهم قالوا : إنهم كافرون في الباطن ونفس الأمر، ومسلمون في الظاهر امتيازاً للشهادتين وعناية وتخفيفاً للمؤمنين لمسيس الحاجة إلى معاشرتهم ومخالطتهم في الأماكن المشرفة، كالكعبة المعظمة والمدينة المنورة، وإن كانوا يوم القيامة أشد عقاباً من الكفار والمشركين([632]). محمد علي الأنصاري (معاصر) : من كان له أقل إلمام وتأمل في تاريخ حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والآيات التي نزلت في بعضهم تؤكد نفاقهم أو ايذاءهم للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو تخلفهم عن أوامر الله تعالى، لا يبقى له أدنى شك في أنه كان في الصحابة من لا يشك في فسقه، كيف لا وقد صرح الذكر الحكيم بتفسيقه.. إلى أن قال بأن هناك الكثير من الآيات التي نزلت حول بعض الصحابة فقلما تجد سورة لم يذكرهم الله تعالى بآية أو آيات، فهل من الإنصاف أن نترك هذه التصريحات القرآنية ونلتزم بعدالة جميع الصحابة ؟ !([633]). علي الشهرستاني (معاصر) : إن البعض من الصحابة قد أيد موقف الأمويين تصريحا أو تلويحا وأكد على لزوم متابعة أمرائهم قولا وفعلا حتى لو خالف القرآن والسنة، لأن ذلك بزعمهم هو الدين([634]). محقق كتاب خاتمة المستدرك للطبرسي (معاصر) : في الكلام على كتاب الإيضاح في الرد على سائر الفرق للفضل بن شاذان الذي قال فيه : انا نظرنا فيما اختلف فيه أهل الملة من أهل القبلة من أمر دينهم، حتى كفر بعضهم بعضا، وبرئ بعضهم من بعض، وكلهم ينتحلون الحق ويدعيه، فوجدناهم في ذلك صنفين لا غير. أحدهما : المسمون بالسنة والجماعة، وأطال الكلام في أخلاق طوائفهم، مع اتفاقهم على رد الشيعة، فسموهم بالرافضة، وفي أن الله ورسوله لم يكملا لهم دينهم وفوضه إلى آراء الأصحاب، ثم دخل في ايضاح دفائن ما في قلوب الصحابة من الصحابة، كالخلفاء الثلاثة، وحسد بعضهم بعضا، من أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم من رؤسائهم، وذكر، أكثر مطاعنهم، وأوضح فضائحهم من رواياتهم ونوادرهم بما لا مزيد عليه([635]). أحمد المحمودي (معاصر) : البكرية هم أتباع أبي بكر، وهم الذين وضعوا الأحاديث في مقابلة الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عيه السلام، نحو : " لو كنت متخذا خليلا " فإنهم وضعوه في مقابلة حديث الإخاء، وحديث " سد الأبواب " فإنه كان لعلي عليه السلام فقلبته البكرية إلى أبي بكر و" إيتوني بدواة وبياض أكتب فيه لأبي بكر كتابا لا يختلف عيه اثنان ". ثم قال : يأبى الله تعالى والمسلمون الا أبا بكر " فإنهم وضعوا مقابل الحديث المروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه : " إئتوني بدواة وبياض أكتب لكم ما لا تضلون بعده أبدا "، فاختلفوا عنده، وقال قوم : منهم : لقد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله ونحو حديث : " أنا راض عنك فهل أنت عني راض !"([636]). عبد الرحيم الرباني الشيرازي (معاصر) : أن صحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدثوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمورا فيها خلاف ما قال الله ورسوله، ولذا استحقوا السحق والويل([637]). محمد الباقر البهبودي (معاصر) : ارتد العرب بعد ما سمعت من أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتزوا سلطانه من مقره، فطمعوا أن يكون لهم أيضا في ذلك نصيب، فطغوا على الخليفة أبى بكر واشتهرت طغيانهم هذا بعنوان الردة، نعم كانت ردة ولكن على من ؟ على الله ورسوله ؟ أو على الخليفة من بعده؟([638]). محمد الباقر البهبودي (معاصر) : القوم كانوا مفتونين بالامارة مشغوفين بحب الرئاسة عازمين على منع العترة من حقوقهم ولذلك لم ينفذوا جيش أسامة حذرا أن يلحق الرسول الأكرم بالرفيق الاعلى في غيابهم فلا يمكنهم بعد ذلك تنفيذ نياتهم أو يشق عليهم ذلك ولذلك قالوا إنما الرجل يهجر حين أمرهم باحضار الكتف والدواة ولذلك أرادوا أن يفتكوا به صلى الله عليه وآله وسلم ([639]). محمد الباقر البهبودي (معاصر) : في تعليقه على رواية الحسين بن المنذر قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله : (أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ... [آل عمران : 144]) القتل أم الموت ؟ قال يعنى أصحابه الذين فعلوا ما فعلوا. قال البهبودي : أعرض عن سؤاله وأجابه بما هو أهم بالنسبة إلى السائل، وهو أن كلامه تعالى : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ [آل عمران : 144])، وإن كان تقريعا لجل المهاجرين والأنصار الذين فروا عن المشركين يوم أحد وكادوا أن ينقلبوا على أعقابهم إلى جاهليتهم الأولى، حيث زعموا أن رسول الله قد قتل لكن السورة لما كانت نازلة بعد مقفل رسول الله من أحد سالما فلا تريد الآية الكريمة الا أن تقرعهم بما في قلوبهم من الضعف والمرض وتبحث عما في نفوسهم بأنه هل الايمان نفذ في أعماق روحكم، أو أنكم تتلقونه بألسنتكم ظاهرا وتقولون في قلوبكم باطنا : هل لنا من الامر من شئ " ؟ فهل أنتم بحيث إذا حدث حادث فقتل رسول الله أو مات كما مات سائر أنبياء الله المرسلين ترجعون على أعقابكم القهقرى ؟ فاعلموا انه من ينقلب حين وفاة رسول الله على عقبيه وأحيا سنة الجاهلية الأولى فلن يضر الله شيئا، فان الله حافظ دينه " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر : 9] " وسيجزي الله الشاكرين لنعمة الهداية الثابتين على سيرة رسول الله وهديه. " ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " تشير إلى أن المؤمنين وفيهم الفارون عن غزاة أحد لابد وان ينقسموا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسمين : قسم يشكر الله على نعمة الهداية ويثبت على دين الاسلام بحقيقته، وقسم غير شاكرين ينقلبون على أعقابهم ويحيون سنن الجاهلية " لا يرى فيهم من أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم الا أنهم يصلون جميعا صلاة مضيعة ". فلو لا أنهم كانوا باقين على نفاقهم الباطني وانقسامهم بعد رسول الله إلى قسمين، لم يكن لتعرض الآية إلى هذا التقسيم وجزاء القسمين معنى أبدا([640]). محمد الباقر البهبودي (معاصر) : وأما أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فقد لبسوا وموهوا على المسلمين شأن هذه البيعة، وخانوا الله ورسوله في تلبيسهم هذا حيث ألزموا الطاعة على أنفسهم بالمبايعة الصورية كما كانوا يلزمون الطاعة على أنفسهم بالمبايعة مع الله والرسول : أرادوا رجلا من عرض الناس ليس على حجة من الله ولا على بينة من نبيه، ليس له أمر الجنة والنار حتى يضمن لمطيعه الجنة ويهدد عاصيه بالنار، ولا له حق الشفاعة ونفاذ الاستغفار، ليشفع لهم ويستغفر ولا هو قسيم النار ليقول يوم القيامة هذا عدوى خذيه لك وهذا وليي ذريه معي يدخل الجنة ولا... ولا... وألف ولا. أعطوه الطاعة في أمر الدين الإلهي من دون أن يكون بأعلمهم، وانقادوا له في أمر البيئة والمجتمع من دون أن يكون معصوما من الخطأ والوقيعة، وأخذوا بأعناق الناس يجرونهم إلى بيعته وليس يجب عليهم طاعته وولايته الا بعد البيعة بزعمهم. نعم بايعوه بيعة مادية كمبايعة أهل السوق فالتزموا طاعته ونصحه وضربوا الرقاب في اعلاء أمره، من دون أن يأخذوا منه في مقابله شيئا الا الوعد بتنظيم أمورهم في الدنيا الفانية، ولا يتم له الوفاء بهذا الوعد الا بعد اجتماعهم عليه ونصحهم وطاعتهم له، فأصبحت بيعتهم هذه لا هي بيعة واقعية دينية ولا بيعة سوقية صحيحة يستوفى فيها الثمن والمثمن، ولا هو استجار وقع على شرائطه حتى نعرج على انفاذه شرعا. فما الذي يوجب على المؤمنين الموحدين أن يلتزموا بهذه الصفقة الغاشمة، وهم لا يريدون الا الدين ولا يبغون لأنفسهم ثمنا الا الجنة ورضوان من الله أكبر لو كانوا يعقلون. " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب " ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم([641]). لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع) - قم (محمود اللطيفي، السيد علي رضا الجعفري، محمود الشريفي، محمود احمديان - معاصرون) : كل ذلك مما أوجب أن يكون فراق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثقيل على فاطمة عليها السلام مع ما أحست من ارتداد الناس وعود الجاهلية ومعالمها ونسيانهم مأثر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومأسيه وشدائده، ومن انحراف الأمة عن سياستها الإلهية التي رسمها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبلغها عن الله تعالى إلى سياسة رجعية قومية عربية، بما أنها أول من أحس الانحراف وقامت تعارضها وتدافع عن الحق. أضف إلى كل هذه ما أصابها من أهل الجفاء والغلظة من قريش، أصحاب البذخ والكبر والحسد وما تحمل منهم من الظلم والاعتداء وأخذ حقها ونحلة أبيها ونقض حريمها([642]). محمد الحسيني الشاهرودي (معاصر) : ان الأخبار الواردة حول ما لاقته أم الأئمة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها، من ممارسات تعسفية على أيدي الحاكمين، مثل كسر ضلعها وإسقاط جنينها المسمى بمحسن بن علي، ولطمها على خدها ومنعها من البكاء وما الى ذلك، أخبار كثيرة متظافرة متواترة إجمالا([643]). علي الميلاني (معاصر) : إن إحراق بيت الزهراء من الأمور المسلمة القطعية في أحاديثنا وكتبنا، وعليه إجماع علمائنا ورواتنا ومؤلفينا، ومن أنكر هذا أو شك فيه أو شكك فيه فسيخرج عن دائرة علمائنا، وسيخرج عن دائرة أبناء طائفتنا كائنا من كان([644]). حسين الأعلمي (معاصر) : ان سبعين رجلا من رؤوس المعاندين وأصول الكفر والنفاق منهم الأول والثاني لما عرفوا هذا الأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورغبته في علي عليه السلام وا في أنفسهم وبعضهم انا إنما آمنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ظاهرا لجلب الرياسة ونظم أمر دنيانا والآن قد ترد الأمر على ابن عمه وقطع رجاءنا فما الحيلة ولا يسعنا طاعة علي عليه السلام فتوطئوا أو تحالفوا على دفع هذا الأمر وعلاجه ولو تقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا دفعوا السم اليهما فدستا في اللبن واستقاه واجتمعوا في السقيفة وأوحى إليهم الشيطان وأفسدوا ما أفسدوا قال يعني الإمام محمد بن علي الباقر فذهب على الناس الا شرذمة منهم آه يعني ضاع واختفى عليهم أمر الصحيفة فلم يدروا ما في الصحيفة ولم يعرفوا أربابها فاغتروا بهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واما الشرذمة فهؤلاء المتحالفون وبعض خواص النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين اعلمهم النبي بفعل هؤلاء وما عقدوا عليه وما يريدون وسيركبونه في تخريب الدين وافساد أمور المسلمين([645]). الأحمدي الميانجي (معاصر) : الذين نفروا برسول الله ناقته في منصرفه من تبوك أربعة عشر : أبو الشرور، وأبو الدواهي، وأبو المعازف، وأبوه، وطلحة، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة، وأبو الأعور، والمغيرة وسالم مولى أبي حذيفة، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري، وعبد الرحمن بن عوف... والذي يؤيد قول الشيعة أن هؤلاء مذكورة أسماؤهم في المعارضين، وفي مبغضي علي وشانئيه، وهم الذين تسنموا عرش الخلافة، وأخذوا الولايات، وأحرزوا المناصب، وتمتعوا في حياتهم الدنيا بعد عزل علي عن الخلافة... وعلى كل حال إخفاء أسماء هؤلاء من حذيفة وعمار إما لمفسدة اجتماعية إسلامية في ذكر أسمائهم أو خوفا من أن يقتلهم الجن كما قتلت سعد بن عبادة، أو من جهة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمصلحة في الإخفاء أو لمفسدة في الإجهار. وبالجملة كان أصحاب العقبة من المعروفين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكونوا من الذين ذكرهم ابن القيم أو ابن كثير ورشيد رضا من المجهولين الذين لا يعبأ بهم، ولم يكن لذكر أسمائهم أي أثر اجتماعي([646]). المظفر (معاصر) : قوله تعالى : أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ. أن الصحابة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعدلوا عن الشهادتين فيتعين أن يراد به أمر آخر، وما هو إلا إنكار إمامة أمير المؤمنين عليه السلام إذ لم يصدر منهم ما يكون وجها لانقلابهم عموما غيره بالاجماع، فإذا كان إنكار إمامته عليه السلام انقلابا عن الدين كانت الإمامة أصلا من أصوله([647]). مرتضى الرضوي (معاصر) : ... ما جرى على أهل البيت عليه السلام من بعد رسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم من ظلم، وجفاء، وعدوان، وتعد، واضطهاد، بعد تلك الوصاة، حتى قالت بضعته الزهراء عليها السلام : صبت علي مصائب لو أنها * صبت على الأيام صرن لياليا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين([648]). جواد جعفر الخليلي (معاصر) : إن السقيفة كانت أم الفتن ومنبع ظلم، تلتها مظالم إلى اليوم، وأنها لم تكن فيها لا صفة جماعية ولا بعض إجماعية، بل قامت على أكتاف أفراد رجال ونساء لا يعدون العشرة فيهم مكر وخداع، وتلاها قتل وجور وسلب ونهب وسبي وكل ما يتصوره المرء من المظالم، وتلا الغصب غصب مكرر على مر العصور والأحقاب، والقسر قسر متكرر بدأ بإجبار علي عليه السلام وبني هاشم والصحابة المقربين على البيعة، وغصب نحلة فاطمة الزهراء عليها السلام بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الطاهرة فدك... وهكذا تعلن الزهراء عليها السلام وتفضح خططهم، وتفند دعواهم من أنهم عملوا ما عملوا خوف الفتنة بل هي الفتنة، ثم تعلن ارتدادهم بقولها " وإن جنهم لمحيطة بالكافرين "، وتعلن استبدادهم وبعده خسرانهم ومنقلبهم، وقد أقامت الحجة، وأثبتت غصبهم لحقوق آل البيت عليه السلام في غاياتهم الوضيعة ونتائجهم المريعة، وما سيلقونه يوم الجزاء من الأهوال الفظيعة من مركز العدل والقضاء الفصل([649]). جواد جعفر الخليلي (معاصر) : مظلومية أهل البيت.. ما جرى عليهم من عدوان ومصائب عظام، واضطهاد وويلات من أمراء عصورهم بعد رحيل الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عنهم عليه السلام. واجتماع بعض الصحابة في السقيفة لأجل تحقيق غايتهم المشؤومة التي تواطؤوا عليها في حياة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وحققوها من بعد وفاته في السقيفة، والرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد لم يدفن ومسجى على فراشه، وبذلك حرفوا الإسلام عن مسيره الصحيح، والمسلمين عن الصراط المستقيم، والنهج النبوي القويم، فزاغوا عن أهل البيت عليه السلام، ووقعوا في الضلال إلى الأبد([650]). عبدالرسول الغفار (معاصر) : لا يخفى أن بعض من ذكرنا من الصحابة ساءت عاقبته، فاستحب العمى على الهدى، وزلت قدمه لما اعتزل أمير المؤمنين، بل أن لفيفا منهم ركن إلى معاوية، أو كان عينا له في حكومة أمير المؤمنين ; كالأشعث وآخرين، إذ كانوا يتربصون الدوائر بالامام أمير المؤمنين، ويكيدوا له الدسائس، ويحيكوا ضده الفتن، بل كان شأنهم خلق المتاعب والمصاعب وإظهار البلبلة والهرج([651]). عبدالله السبيتي (معاصر) : واضح ان معدن الترقيم سياسي ومن الميسور للباحث ان يلتمس العلل التي كانت تبعث على الاصطناع، ويسير عليه إذا رجع إلى العصر الأموي والى أحوال الصحابة الذين اصطنعهم الأمويون. ولم يأت الوقت لدرس هذه الناحية([652]). هاشم معروف الحسني (معاصر) : يدعى الجمهور من السنة، ان للصحبة شرفا عظيما يمنح المتصف بها امتيازا يجعله فوق مستوى الناس أجمعين، ولو باشر المنكرات، وأسرف في المعاصي واتباع الشهوات، وينطلقون من هذا الغلو إلى انهم عدول مجتهدون في جميع ما صدر منهم. فمن أصاب في آرائه واعماله الواقع فله ثواب من أدرك الحق وعمل به، ومن أخطأ فله أجر المجتهدين العارفين فعدالتهم ثابتة بتعديل الله لهم وثنائه عليهم على حد تعبير الغزالي في المستصفى، وعندما تنتهي الرواية إليهم يجب الوقوف عندها، وليس لاحد ان يطبق عليها أصول علم الدراية وقواعده، ولو كان الراوي لها مروان بن الحكم أو أبو سفيان أو غيرهما ممن وصفهم القرآن بالنفاق والرسول الكريم بالارتداد([653]). هاشم معروف الحسني (معاصر) : ولو أردنا ان نستقصي البدع والمنكرات التي أحدثها جماعة من الصحابة وماتوا وهم مصرون عليها لخرجنا من ذلك بمجلد أضخم من كتاب السباعي (السنة ومكانتها من التشريع)([654]). علي أكبر غفاري (معاصر) : الإرجاء مذهب سياسي مخترع ابتدع لكف السنة عن الاعتراض بعمل الصحابة الذين فعلوا ما فعلوا بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الأعمال التي هي خلاف ما أمروا به، والوقيعة بهم حيث قالوا : انهم كانوا مؤمنين وماتوا على ايمانهم فلا ينبغي لأحد أن يتعرض لهم ويغتابهم بسوء اعمالهم إنما حسابهم على الله وليس لنا أن نذكرهم بسوء. فتأمل جيدا لكي يظهر لك معنى الارجاء والمرجئة كاملا([655]). أبوالفضل حافظيان (معاصر) : كان في أصحاب النبي المنافقون والمرتدون والفسقة - كما بينه أصحابنا في كتب الرجال([656]). علي بن أحمد الحسيني الأميني (معاصر) : حكم الصحابة عندنا حكم غيرهم، لا يتحتم الحكم بإيمانهم وعدالتهم ونجاتهم بمجرد صحبتهم، بل لا بد مع ذلك من تحقق إيمانهم وعدالتهم وحسن صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحفظهم وصيته في أهل بيته وتمسكهم بالثقلين بعده. وأما من انقلب على عقبيه وأظهر العداوة لأهل البيت عليه السلام فهو هالك لا محالة، بل تجب عداوته لله تعالى والبراءة إلى الله منه، خلافا للعامة والحشوية القائلين بوجوب الكف والإمساك عن جميع الصحابة وعما شجر بينهم، واعتقاد الإيمان والعدالة فيهم جميعا، وحسن الظن بهم كلهم([657]). صاحب مصباح الشريعة (معاصر) : فأما ما ورد في القرآن من قوله تعالى : لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ... [الفتح : 18] وقوله سبحانه : مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ... [الفتح : 29] فمشروط بسلامة العاقبة، وكيف يجوز أن نحكم حكما جزما أن كل واحد من الصحابة عدل.. وفي الصحابة كثير من المنافقين لا يعرفهم الناس، ومن ذا الذي يجترئ على القول بأن أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم لا يجوز البراءة من أحد منهم وإن أساء وعصى([658]). مرتضى العسكري (معاصر) : إن ما وصفوه بالردة في عصر أبي بكر لم يكن بالارتداد عن الاسلام، وإنما كانت مخالفة لبيعة أبي بكر وامتناعا من دفع الزكاة إليه، وبما أن المعارضين لبيعة أبي بكر من القبائل العربية قد غلبوا على أمرهم وبقي الحكم للغالب المتنفذ وأنصاره وأحفاده، وأن الروايات التي بأيدينا عن حروبهم وما كانوا عليه جاءتنا عن طريق هؤلاء الغالبين فيلزمنا والحال هذه التثبت والتحري الدقيق عن صحة ما نسب إلى المعارضة المغلوبة على أمرها([659]). مرتضى العسكري (معاصر) : يأخذ أتباع مدرسة أهل البيت بعد عصر الرسول معالم دينهم من أئمة آل البيت الاثني عشر في مقابل أتباع مدرسة الخلفاء الذين يأخذون معالم دينهم من أي فرد من أصحاب رسول الله دونما تمييز بينهم فان جميعهم عدول عندهم، بينما لا يرجع أتباع مدرسة أهل البيت إلى صحابة نظراء مروان وعبد الله بن الزبير اللذين حاربا عليا يوم الجمل، ولا معاوية وعمرو بن العاص اللذين حارباه في وقعة صفين، ولا ذي الخويصرة وعبد الله بن وهب اللذين حارباه يوم النهروان. وكذلك لا يأخذون من نظرائهم من أعداء علي سواءا كانوا معدودين من الصحابة أو التابعين أو اتباع التابعين أو من سائر طبقات الرواة([660]). مرتضى العسكري (معاصر) : هكذا خنقت مدرسة الخلفاء أنفاس الصحابة والتابعين وقضت على من خالف سياستهم، وفي مقابل ذلك فتحت الباب لآخرين أن يتحدثوا بين المسلمين كما يشاؤن([661]). مرتضى العسكري (معاصر) : هكذا أجمع اتباع مدرسة الخلفاء منذ القرن الثاني الهجري حتى اليوم - أوائل القرن الخامس عشر - على أن الصحابة كلهم مجتهدون، وان الله سبحانه يثيبهم على كل ما فعلوا من خصومات وإراقة دماء لم يقتصر على رفع القلم عنهم، بل يثيبهم على سيئاتهم. وعلى ما يزعمون ! ما أعدله من حاكم ديان حين يجازينا بسيئاتنا سيئات ويجازيهم بها حسنات([662]). الزنجاني (معاصر) : الصحابة كغيرهم من الرجال فيهم العدول من الرجال والفساق([663]). حسن الشيرازي (معاصر) : لم يكن من صالح النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ فجر الإسلام أن يقبل المخلصين فقط ويرفض المنافقين وإنما كان عليه أن يكدس جميع خامات الجاهليه ليسيج بها الإسلام عن القوى الموضعية والعالمية التي تظاهرت ضده فكان يهتف : "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".... إلى أن قال : - ولم يكن للنبي أن يرفضهم وإلا لبقي هو وعلي وسلمان وأبو ذر والعدد القليل من الصفوة المنتجيين"... غير أنهم تكاثروا مع الأيام وعلى إثر كثرتهم استطاع رؤوس النفاق أن يتسللوا إلى المراكز القيادية فخبطوا في الإسلام خبطا ذريعا كاد أن يفارق واقعه لولا أن تداركه بطله العظيم علي بن أبي طالب عليه السلام([664]). محمد باقر الخالصي (معاصر) : وليعلم أن الذي يظهر من السير والتواريخ أن كثيرا من الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعده وأصحاب الجمل وصفين بل كافة أهل الشام وأكثر أهل المدينة ومكة كانوا في أشد العداوة لأمير المؤمنين وذريته عليهم السلام مع أن مخالطتهم ومشاورتهم لم تكن منكرة عند الشيعة أصلا ولو سرا ولعلهم لاندراجهم فيمن أنكر الإجماع أو مصلحة. ولعل الأصح أن ذلك لمكان شدة الحاجة لمخالطتهم ووفور التقية. والحاصل أن طهارتهم مقرونة إما بالتقية أو الحاجة وحيث ينتفيان فهم كافرون قطعا([665]). عباس محمد (معاصر) : والحق في سبب غلوهم في الصحابة وادعائهم العصمة لهم، هو لما لم يكن عندهم دليل صحيح على صحة مذهبهم، وكان اساس مذهبهم هؤلاء الفئة الخاصة، وهو الخلفاء الثلاثة، وكان تسلمهم لذلك المقام والمنصب من غير الطريق الصحيح، وهو بما وقع من الغدرة في السقيفة، فأرادوا سد باب البحث والتنقيح عن ما شجر فيها، ولأجل عدم البحث عن ما فعلوه مع إمامهم إمام الحق عليه السلام وبنت رسولهم سلام الله عليها ادعوا عدالة الصحابة، فألزموا اتباعهم بالسكوت إذا وصل الكلام إلى ما شجر بين الأصحاب، لأجل الخلوص إلى عصمة هؤلاء من باب أولى، لأنهم بحسب زعمهم أفضل الصحابة، وإلا ما ذكروه من الأسباب لا تقنع طفلاً لم يبلغ الحلم، فضلاً عمن عرف الحق وعرف أهله([666]). عبدالله الكربلائي (معاصر) : إن ليلة وفاة النبي هي ليلة قتل الحسين، وفي هذه الليلة ضرب أبوه أمير المؤمنين على رأسه بالسيف ودس للإمام الحسن السم وقتل زين العابدين والإمام محمد الباقر عليه السلام. لقد حصلت في هذه الليلة أكبر مؤامرة في التاريخ على الإطلاق([667]). جمعية المعارف (معاصرة) : ما ان التحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالرفيق الأعلى حتى ثار الخلاف بين المسلمين واشتد النزاع بينهم. وانحرفت التجربة الإسلامية عن مسارها الإلهي الذي يخطط له النبي صلى الله عليه وآله وسلم ([668]). حسن عبدالله (معاصر) : إن الفتوحات المنتسبة إليهم - الصحابة - يحتاج الأمر فيها إلى إثبات عدالتهم قبلها وبعدها، إذ ليس من شرائط الفاتح لبلدٍ أن يكون عدلاً متقياً، إذ أن الله ينصر هذا الدين ولو بالرجل الفاسق أو الكافر ؟!([669]). يحي عبّود (معاصر) : لما آلت الخلافة إلى الإمام علي بن أبي طالب بنفس الوسائل والطرق التي أوجدتها بطون قريش، ونفس المبررات التي تولى فيها الخلفاء الثلاثة الحكم وقفت بطون قريش وقفة رجل واحد، ورفضت خلافة الإمام علي ثم قتلته، ثم رفضت خلافة ابنه ولم تقبل إلا بعد هزيمة آل محمد وعودة منصب الخلافة للبطون. لأنها لا تقبل بحكم آل محمد وترفض رفضا قاطعا أن تكون لهم دولة. ولا مانع لدى بطون قريش من أن تتكون دولة للموالي، وللأنصار، ولأي مسلم لكنها لا تقبل بدولة آل محمد، قال الخليفة الثاني وهو على فراش الموت : لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته واستخلفته. وسالم هذا من الموالي ولا يعرف له نسب في العرب، فالخليفة الثاني يتمنى حياة الموالي الأموات ليوليهم الخلافة، ويتجاهل وجود آل محمد تجاهلا تاما من الناحية العملية، ولا يرى أن فيهم من هو أهل لتولي الخلافة([670]). علي الكوراني (معاصر) : بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم وأحداث السقيفة وبيعة أبي بكر، فقد جاءهم علي عليه السلام بنسخة القرآن بخط يده حسب أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فرفضوا اعتمادها لأنه كان فيها تفسير كل الآيات أو كثير منها لمصلحة علي برأيهم، فأخذها علي وقال لهم إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرني أن أعرضها عليكم فإن قبلتموها فهو، وإلا فإني أحفظها وأقرأ النسخة التي تعتمدونها، حتى لا يكون في أيدي الناس نسختان للقرآن !([671]). نبيل فياض (معاصر) : تحوّل كبار الصحابة إلى رأسماليين وإقطاعيين، بعد غزو البلاد الغنية المحيطة بجزيرة العرب وقهر أهلها واستعبادهم وسرقة أراضيهم. يبقى زمن أبي بكر استثناء : فظروف أبي بكر لم تمكنه من غزو البلاد المحيطة، بعد أن تفجرت أمام خلافته مشاكل ما عرف بحروب الردة([672]). نجاح الطائي (معاصر) : كان اعتماد الدولة الاستراتيجي في المسائل الخطيرة ونشر الثقافة العامة والأحاديث الدينية يتم أسبوعيا بالاعتماد على كعب وتميم. وهذا لا ينافي اعتقاد الدولة بأفضلية علي عليه السلام على غيره من أمثال كعب وتميم. لكن كعبا وتميما في خط الحزب القريشي، ومن ضمن رموزه، بينما كان الإمام علي عليه السلام من الخط المنافس لهم، فكان أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية وآخرون من أعضاء الدولة، بينما كان علي عليه السلام والعباس وابنه وأبو ذر وسلمان وعمار من خط المعارضة ([673]). نجاح الطائي (معاصر) : من قتل طبيب أبي بكر ؟ بعد ما أكل أبو بكر سما ومرض عرضوه على طبيب العرب الشهير الحارث بن كلدة، إذا سألوا أبا بكر : " لو أرسلت إلى الطبيب فقال (أبو بكر هـ) : قد رآني، قالوا : فما قال لك ؟ قال : إني أفعل ما أشاء " وقال ابن كلدة لأبي بكر : " أكلت طعاما مسموما سم سنة ". وبعد شهادة الطبيب ابن كلدة بذلك سقوه سما أيضا فكف ومات ثم دفنت الدولة أبا بكر ليلا قبل أن يصبح الناس وكتبت وصيته بخط عثمان([674]). نجاح الطائي (معاصر) : أفلح كعب في ايجاد نظرية عدالة الصحابة المستمدة من أحاديثه الداعية الى عدم التعبد بالنصوص الشرعية([675]). نجاح الطائي (معاصر) : أفلح كعب الأحبار في ضرب الخلافة الإسلامية في الصميم بترشيحه معاوية لها، وتحويل الخلافة إلى قضية وراثية وهرقلية وفي إيجاد أحاديث وقصص مزورة ملأت كتب الحديث والسيرة. وأفلح كعب في الانتقال مع اليهود إلى فلسطين في ظل سلطة معاوية. وتمكن كعب وصحبه وتلاميذه وسلطانه معاوية من السكن في دولة فضلها على بلدان الله تعالى، دون دليل. ونجح في تحريف حديث اثني عشر خليفة عند بعض المسلمين من بني هاشم إلى بني أمية. ونجح في بلورة نظرية المصلحة في مقابل النص فآمن بها كثير من المسلمين. ونجح في تربية بعض الطلاب المؤمنين بنهجه مثل عبد الله بن عمرو بن العاص وأبي هريرة وعبد الله بن عمر وغيرهم، الساعين إلى نشر تراثه اليهودي باسم تراث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ! ! ونجح في عمله مع قريش في تثبيت نظرية حصر الخلافة في النسب القرشي إلى يومنا هذا ! وأفلح في إيجاد نظرية عدالة الصحابة المستمدة من أحاديثه الداعية إلى عدم التعبد بالنصوص فالنظريتان متضادتان. وقد بين عمر هذا المطلب بصورة جلية وواضحة لا لبس فيها. إذ قال : كرهت قريش أن تجتمع لكم النبوة والخلافة فتجحفوا الناس جحفا، فنظرت قريش لأنفسها فاختارت ووفقت فأصابت. إذن قيادة الحزب وأدبياته ترفض قيادة الإمام علي وقيادة أبنائه :، ولو كانت هذه القيادة تستند إلى نص إلهي أو وصية إلهية أو بيعة شعبية. لذا لم يطع رجال الحزب بيعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام في الغدير، ورفضوا وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم له في يوم الخميس، ورفضوا بيعة الناس لعلي عليه السلام بعد مقتل عثمان أيضا. فالمصلحة عندهم إبعاد أهل البيت عليهم السلام عن الحكم، ولو اجتمعت في شخصهم النصوص الإلهية والبيعة الشعبية ! فبقي أفراد هذا الحزب ضد ولاية أهل البيت عليهم السلام، وهم أبو سفيان وأولاده وعكرمة بن أبي جهل، وعتاب بن أسيد، وعبد الله بن عامر، وسعيد بن العاص، وعمر وأولاد (عبد الله وعبيد الله وحفصة)، وأبو بكر، وعائشة، وبشير بن سعد وابنه النعمان، وزيد بن ثابت، ومحمد بن مسلمة، وسعد بن أبي وقاص، وابنه عمر، وعمرو بن العاص وابناه، والمغيرة بن شعبة، وأبو موسى الأشعري، وعبد الله بن الزبير، وأبو هريرة، وعشرات آخرون. فرغم اجتماع النص الإلهي، وبيعتين شعبيتين لعلي عليه السلام، رفض رجال الحزب القرشي ذلك ؟ ! ! ([676]). نجاح الطائي (معاصر) : كانت أفكار ذلك الحزب ضد ولاية أهل البيت عليهم السلام تحت شعار حسبنا كتاب الله، وتحت ظل هذا الشعار، منع بنو هاشم من تولي أي منصب في الدولة الإسلامية. ومنع تدوين ونشر حديث زعيم أهل البيت محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لعدم اعتقاد رجال الحزب بقول الله تعالى في رسوله صلى الله عليه وآله وسلم : إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم : 4]، وقد صرحوا بذلك وقالوا إنه صلى الله عليه وآله وسلم رجل يسهو ويخطأ، وبلغ الكره القرشي لأهل البيت عليهم السلام أن وصفوا زعيمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالهجر([677]). نجاح الطائي (معاصر) : وفي مدة الثلاث سنوات الأخيرة من حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، الممتدة من زمن فتح مكة إلى تاريخ وفاته، تبلورت حركة تأسيس الحزب القرشي. وبينما تمثلت حركة قبائل قريش قبل الإسلام في أطروحة القضاء على الرسول والرسالة، تمحورت في المرحلة الثانية في أطروحة السيطرة على الخلافة الإسلامية. وكلما ازداد تأكيد النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خلافة علي بن أبي طالب عليه السلام، ازداد تمحور قبائل قريش حول نفسها ونشط سعيها لقبض السلطة. وبينما اشتدت حالة التحالف بين الأنصار وبني هاشم، اشتدت في الناحية الأخرى حالة التحالف بين المهاجرين والطلقاء باستثناء مجموعة من المهاجرين بقيت مع بني هاشم. وقد انفجر ذلك الوضع بعد بيعة أبي بكر، بين قريش من جهة وبني هاشم والأنصار من جهة أخرى، وكادت أن تقع حرب طاحنة بين الطرفين تضع الإسلام في موقف حرج، لولا حكمة علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي غض النظر عن حقوقه في الخلافة وهجوم قريش على منزله قائلا : " فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجا أرى تراثي نهبا ". فانحسرت عامة الأنصار عن أبي بكر وتجمع طلقاء قريش مع أبي بكر، فقاد عمرو بن العاص بعد مجيئه من السفر فتنة عظمى ضد الأنصار إذ بدأ بمهاجمتهم وذمهم مع باقي عتاة قريش من أمثال عكرمة بن أبي جهل والوليد بن عقبة بن أبي معيط. وهكذا أصبح عكرمة بن أبي جهل وابن العاص والوليد بن عقبة من رؤوس الحزب القرشي ومن الطبيعي انضمام أبي سفيان وأولاده إلى صفوف ذلك الحزب لمحاربة بني هاشم والأنصار فعادت الحرب إلى ما كانت عليه في الجاهلية ولكن بلباس إسلامي لقريش. ولما كان أبو سفيان قائدا لطلقاء مكة، وزعيما لهم، يتوضح لنا بأن خلافة عثمان لم تأت بطريق الصدفة، بل جاءت أثر تحالفات قبلية قرشية غايتها السيطرة على خلافة المسلمين([678]). نجاح الطائي (معاصر) : بعد فتح مكة في السنة الثامنة هجرية تبلورت تدريجيا فكرة تأسيس الحزب القرشي، الهادف للسيطرة على الخلافة لصالح قبائل قريش. وكما هو شأن أي حزب في التعصب لأفكاره، وأهدافه، وأشخاصه، ونبذ أفكار وأهداف وأشخاص التجمعات الأخرى، كذلك كان الحزب القرشي. وفعلا كان أفراد الحزب القريشي أوفياء لمبدأ توزيع السلطة على قبائل قريش، فكان المرسوم أولا خلافة أبي بكر ثم عمر ثم ابن الجراح، أي خلافة تيم ثم عدي ثم فهر. ولكن حصل تعديل في الخطة بحذف ابن الجراح ليحل محله عثمان الأموي ليتبعه ابن عوف من بني زهرة. وكانت أم المؤمنين عائشة ركنا مهما في هذا الحزب، لفعاليتها الدائمة، وقدراتها الشخصية القوية. وبالرغم من عدم إعلان الحزب عن نفسه، إلا أن الشواهد كلها تؤيد تأسيسه، وعمله في الأحداث الخطيرة، قبل وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. ولأن معظم قيادة هذا الحزب كانت من قريش، فقد غلب عليه طابع التجمع القرشي. وكان أهالي قريش هم المؤسسون الأوائل لهذا الحزب، وعقله المفكر وقيادته الأساسية. وفي زمن الخليفة أبي بكر برز نجم عثمان بن عفان في قيادة الحزب، ممثلا لبني أمية ومدعوما من قبل أبي سفيان وقريش، حتى بلغ الأمر به أن كتب وصية أبي بكر لعمر بن الخطاب وأصبح معاوية واليا على الشام([679]). نجاح الطائي (معاصر) : وكانت جماعة قريش قبل فتح مكة، قد أعلنت كفرها ووقوفها ضد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأهل بيته، بينما وقفت جماعة الأنصار معه. ولم يقتصر أفراد حزب قريش على القرشيين، بل انضم إليهم عدة أفراد يشتركون مع رجال قريش في الأهداف. ومن هؤلاء الرجال : المغيرة بن شعبة الثقفي، أبو موسى الأشعري اليمني، سالم مولى أبي حذيفة العجمي، أبو هريرة الأزدي، أسيد بن حضير الأوسي، بشير بن سعد الخزرجي، محمد بن مسلمة الأوسي، معاذ بن جبل الخزرجي، وزيد بن ثابت المسلم اليهودي الأصل. ومع وجود هؤلاء الأفراد القادمين من مناطق وقبائل مختلفة لا يمكننا أن نسمي هؤلاء بقبيلة قريش، بل نسميهم بحزب قريش، أو حزب أبي بكر وعمر. ولم يصرح ذلك الحزب بوجوده الرسمي، ولكن وجوده الفعلي ظاهر وأعمال الحزب التي ثبتها تشير إلى وجوده، والقرائن كثيرة. قال المستشرق لانس : " إن الحزب القرشي الذي يرأسه أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح لم يكن وليد الساعة، أو ارتجالا، وإنما كان وليد مؤامرة سرية مجرمة، حيكت أصولها، ورتبت أطرافها، بكل أحكام واتقان، وإن أبطال هذه المؤامرة أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة بن الجراح، وسالم مولى أبي حذيفة، وعائشة، وحفصة، وغيرهم ". والقرائن التي تشير إلى وجود حزب قريش كثيرة منها : سعي ذلك الحزب للتسلط على الحكم وتعيين أفراده، وفعلا سيطر حزب قريش على السلطة في زمن الخلفاء وفي زمن الأمويين. : حصر الخلافة في قريش إلى الأبد. وقد اضطر رجال قريش لإثبات هذا الجانب إلى إجراء تغيير في الحديث النبوي القائل : الخلفاء من بعدي اثنا عشر، لتنطبق على رجال الحزب. وذلك للحصول على تأييد وسند ديني لأهدافهم وأعمالهم وحذف النص الديني الخاص بأهل البيت عليهم السلام([680]). نجاح الطائي (معاصر) : فمن أدلة وجود حزب قريش على الأرض السياسية في تلك الحقبة التاريخية، هو تناوب رجال الحزب للسلطة دون غيرهم من الخطوط والاتجاهات السياسية من مثل بني هاشم والأنصار وباقي عرب الجزيرة المسلمين. وظاهر الأمر، أن حزب قريش قد تأسس في زمن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم نضج بعد أمرين : الدار لم يكن شاهرا سيفه، ولو كان بيده السيف، لما تمكن هؤلاء من أخذه عليه السلام إلى أبي بكر. فكانت حركة هؤلاء سريعة وغير متوقعة من قبل علي وفاطمة (عليهما السلام) والمسلمين، وهذه الحركة السريعة والخاطفة، تشبه الحركة السريعة لعمر وأبي بكر في الانسحاب من مراسم غسل ودفن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والذهاب إلى سقيفة بني ساعدة لإنجاز البيعة، فكانت بيعة السقيفة أسرع من عملية غسل جثمان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟ ! ([681]). نجاح الطائي (معاصر) : بعد الهجوم على دار فاطمة عليها السلام، بقيت طريحة فراش تشكوا مرضها، بعد اجتماع عدة مصائب عليها، موت أبيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وأخذ الخلافة من زوجها علي عليه السلام، وإهانتها، وحرمانها من فدك، وتكذيبهم لها، وجرح كرامتها في دخولهم بيتها من دون إذنها، وقتل ابنها (محسن) واستمرار مرضها بضربة الباب وإسقاط جنينها. فتسببت هذه الأحداث الكثيرة والمرة في سرعة وفاتها عليها السلام، ولحوقها بأبيها، المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم([682]). نجاح الطائي (معاصر) : لقد رضي الطلقاء وأمثالهم من العرب الداخلين في الإسلام عن دولة الخلافة بعد تحقق ما كانوا يصبون إليه، وكان الفائز الأول في ذلك هم طلقاء قريش الذين أعادوا إلى الوجود حكمهم. ومن جملة ما نجح الطلقاء في تنفيذه هو : 1 - تزوير نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خلافة الأئمة الاثني عشر للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. 2 - إبعاد قبيلة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم (بني هاشم) عن الخلافة والمرجعية الدينية الرسمية. 3 - إبعاد باقي العرب عن سدة الزعامة السياسية والدينية وهذه من أهم مطالب قريش في الجاهلية. 4 - تناوب قبائل قريش، وإلى الأبد. 5 - الحفاظ على شروط قريش المعتبرة في منزلة الإنسان والمتمثلة في كونه عربيا، قرشيا، حرا. والغاء شروط الإسلام القائمة على السابقة في الدين والتقوى وفضيلة في علوم الإسلام. وشروط قريش مشهودة في ولاة الدولة. 6 - إعادة مجد بني أمية كما كان في الجاهلية. 7 - فصل عمرة التمتع عن الحج. 8 - إبعاد مقام إبراهيم عن الكعبة، كما كان في الجاهلية. 9 - منع تدوين الحديث النبوي ومنع تفسير القرآن، مثلما قالت قريش عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنه يخطأ ويسهو([683]). نجاح الطائي (معاصر) : وكانت عصبة قريش قد شخصت اثنين من زعماء المسلمين المنافسين لها على حكم البلاد. الأول علي بن أبي طالب عليه السلام زعيم بني هاشم ووصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والثاني سعد بن عبادة زعيم الأنصار. ولما كان علي بن أبي طالب عليه السلام مشغولا بمراسم دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقي سعد بن عبادة. فاستعدت عصبة قريش له جيدا بمفاجئته ورده ببعض الأنصار الموالين لها والمتفقين معها من أمثال أسيد بن حضير وبشير بن سعد ومحمد بن مسلمة ومعاذ ابن جبل. وكان سعد بن عبادة يومها مريضا لا يقوى على الحركة. وبسبب مرض سعد وعدم استعداده لهذا الانقلاب المفاجئ فقد سيطرت عصبة قريش على سقيفة بني ساعدة، فتمت بيعتهم لأبي بكر بتأييد مجموعة من الأنصار المنضمين إليهم. وكانت المجموعة التي بايعت أبا بكر تضم عشرات الأفراد من الحزب القرشي وقبيلة أسلم، فوطأت سعد بن عبادة وكسرت أنف الحباب بن المنذر. وكانت خطة عصبة قريش تهدف إلى ضرب الزعيمين بضربة واحدة. فتمكنت من القضاء على سعد بن عبادة قضاء معنويا عبر اتهامه بمحاولة اغتصاب السلطة، فبقي سعد محكوما في التاريخ إلى يومنا هذا بمحاولة ليس لها واقع. وبواسطة هذا الاتهام سلبت منه أي محاولة لاحقة لإبعاد عصبة قريش عن الخلافة. ورغم ترك سعد للسياسة والمدينة لم يسلم بجلده إذ قتل في حوران الشام. والظاهر إن عمر كان مصرا على قتل سعد في السقيفة إذ قال : اقتلوه قتله الله ثم قام على رأسه فقال : لقد هممت أن أطأك حتى تندر عضوك. فقال أبو بكر : مهلا يا عمر الرفق ههنا أبلغ. لكن عمر بقي مصرا على رأيه، فلما انتهت مدة خلافة أبي بكر بوفاته أرسل محمد بن مسلمة إلى الشام فقتله هناك. لقد وقع سعد بن عبادة ضحية السياسة حيا وميتا. فلقد ألصقوا به (حيا) تهمة سعية لغصب الخلافة. وألصقوا به ميتا تهمة مقتله بأيدي الجن ؟ ! إذاً كانت تهمة قريش لسعد باطلة، ولا أصل لها من الصحة، فالرجل لم يستغل فترة انشغال الناس بجهاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقبض السلطة كما ادعوا : ولقد كان سعد في ذلك اليوم مريضا مشغولا بنفسه. ولو كانت عنده رغبة في قبض الخلافة لقبضها قبل مجيء أبي بكر وعمر وصحبهم إلى السقيفة. إذن كيف اتهموه واتهموا الأنصار بمحاولة السيطرة على السلطة ؟ إنها السياسة تفعل ما تريد ولا تتوانى عن التضحية بما تشاء لما تشاء. وهكذا تفعل حكومات العالم ؟ ! وفي حادثة السقيفة كان كبش الفداء سعد بن عبادة الذي ذهب ضحية الانقلاب العسكري المدبر من قبل حزب قريش ([684]). نجاح الطائي (معاصر) : لقد أدى عصيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في يوم رزية الخميس، إلى غضبه وأمره بطرد العاصين لكلامه من بيته. فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم الحليم والكريم الأخلاق والواسع الصدر، لم يتحمل ذلك الوضع المزري، والمعارضة المتوجه في الواقع إلى الله سبحانه وتعالى، لأن معارضة أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تعني معارضة الله في واقع الحال. إذ قال الله سبحانه وتعالى : { إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم : 4-5] }. فكلامه كلام الله عز وجل، لا يخالفه إلا من خالف الرحمن، وشذ عن الإسلام، والله العظيم يقول في كتابه الشريف : ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة : 44-46])([685]). نجاح الطائي (معاصر) : لقد استمر عصيان البعض لحملة أسامة مدة أسبوعين، وفي هذه الفترة طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المسلمين بإلحاح الالتحاق بغزوة أسامة، فلم ينفع معهم ؟ فخطب بهم ثانية ولعن العاصين منهم فلم ينفع ذلك ؟ فطلب منهم في الثالثة المجيئ بلوح ودواة ليكتب لهم كتابا لن يضلوا بعده أبدا، فقالوا : النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهجر، حسبنا كتاب الله ؟ ! إن تلك المجموعة العاصية لحملة أسامة، والملعونة من قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هي التي منعت دفن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أيام، وأسست السقيفة، وهاجمت بيت علي وفاطمة عليهما السلام، ونجحت في فرض خلافة دورية لقبائل قريش، دون بني هاشم والأنصار([686]). نجاح الطائي (معاصر) : إشتهر علماء الحزب القرشي بذكر الأكاذيب على النبي الأعظم وأهل بيته الكرام بمحو مناقبهم وسرقتها لصالح أعدائهم من الصحابة مثل أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية. وتواتر عنهم الإفتراء على الأنبياء والأوصياء على نهج أسيادهم اليهود، فكل مثلبة يضعونها على عاتق النبي لإبعادها عن الخلفاء مثلما أبعدوا قضية عبس وتولى القرآنية عن عثمان إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم !!!([687]). نجاح الطائي (معاصر) : لقد إعتاد بعض الطغاة على إحراق كتب الدول الشيعية وكتب الحضارات الإنسانية للقضاء على الحديث النبوي الشريف ومحو حقائق السيرة النبوية الشريفة وطمس حقائق التاريخ لإبقاء الشعوب الإسلامية جاهلة بالإسلام ومعارفة والإخلاق المحمدية وغافلة عن تراجم المنحرفين من الصحابة والتابعين([688]). نجاح الطائي (معاصر) : وأخطر شيء رفضة الحزب القرشي هو الخلافة النبوية لعلي عليه السلام لذلك أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حملة تبوك بعدما خلّف الإمام علي على المدينة([689]). نجاح الطائي (معاصر) : طغاة قريش غازلت بعض الصحابة، لماذا؟ ومن العبر أن المنافقين من جواسيس قريش ومنافقي الأنصار لم يشتركوا في معركة أحد إلى جانب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفروا وكانت قريش لا تقتل جواسيسها في الجيش الإسلامي، فبينت الحرب الصادقين وفضحت الفاسقين... ولم يقتل سعيد بن العاص الكافر عمر بن الخطاب في معركة بدر، ولم يقتل خالد بن الوليد عمر في معركة أحد، ولم يقتله ضرار بن الخطاب الفهري الكافر في معركة الخندق، وقتلوا باقي المسلمين([690]). نجاح الطائي (معاصر) : كان أبوبكر وعمر وسالم مولى أبي حذيفة وعثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وسعيد بن زيد التيمي وطلحة بن عبيدالله مجموعة متجانسة في مكة. منهجها واحد وأهدافها في الوصول إلى السلطة واضحة. لذا بقيت تنتظر أعمال النبي في مكة عن كثب فلم تدخل الإسلام إلا متأخراً قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بسنة ونصف. أي بعد إثني عشر سنة من البعثة النبوية الشريفة بعدما تيقنت من إنتصار الإسلام والمسلمين. بالضبط بعد رحلة الإسراء والمعراج. أي أسلم أبوبكر وسن علي عليه السلام واحد وعشرون سنة وكان ذلك قبل الهجرة بسنة ونصف. وقد تمكنت هذه الجماعة من القبض على السلطة بقوة السيف والنار وبذل المال والمناصب دون رعاية منها لسيدة النساء وخليفة النبي([691]). نجاح الطائي (معاصر) : لم يشترك رجال السقيفة في حرب قط فقد فروا وتركوا النبي في سوح القتال. وهذه الجماعة الفارة هي التي أيدت أبابكر في السقيفة وجاءت به إلى الخلافة معاندة منها لوصي النبي علي بن أبي طالب عليه السلام([692]). نجاح الطائي (معاصر) : ومن الكبائر الأخرى التي ارتكبها رجال السقيفة الهجوم علي دار فاطمة الزهراء وفيه الحسن والحسين بالنار والحطب بجيش قوامه أربعة آلاف رجل متسببين في قتلها وهي سيدة نساء أهل العالمين، وسيدة نساء أهل الجنة([693]). نجاح الطائي (معاصر) : إستطاع رجال الحزب القرشي من الطلقاء والأعراب وحلفاؤهم من الإستيلاء على الخلافة الإسلامية([694]). علي الميلاني (معاصر) : فالإمام جاء بالقرآن إليهم، فرفضوه([695]). محمد الوحيدي (معاصر) : إن حديث ارتداد الناس بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأحاديث المتواترة، ووجهه : أن إنكار ضروري الدين والمذهب يوجب الإرتداد، فلما كانت الإمامة والخلافة أصلاً من أصول الدين، ومما آتاه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بالقطع، فمن ردّ على الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأنكر ماجاء به يكون مرتداً بإجماع المسلمين. وهذا معنى ارتداد الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا الثلاثة المذكورة([696]). أبو الحسين الخوئيني (معاصر) : قولهم : فلما وجد الهرمزان حد السيف قال : لا إله إلا الله، أرادوا إثبات أن الهرمزان كان كافراً إلى ذلك الحين. ولعلهم أرادوا ان يقيسوا الهرمزان الذي أسلم بإختياره على رؤساء حزب السقيفة الذين كان جماعة منهم كعمر وأبي بكر وعثمان وإبن عوف وسعد بن أبي وقاص وإبن الجراح أظهروا الإسلام طمعاً فيما سمعوه من علماء اليهود في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغلبته على العرب كما روي الإعتراف به عن عمر وأبي بكر وجماعه أخرى من أصنامهم مثل أبي سفيان ومعاوية وخالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة وأكثر بني أمية والمهاجرين الذين كانوا من الطلقاء ومسلمة الفتح، أو فقل مستسلمة الفتح. والحاصل : ان حزب السقيفة بأجمعهم، بل أكثر القبائل من المهاجرين أسلموا بعدما يئسوا من الكفر بالكلية، ولم يبق أمامهم إلا القليل أو إظهار الإسلام حقنا لدمائهم، فهؤلاء هم الذين يناسبهم ما ذكروه في حق الهرمزان، من أنهم وجدوا حد السيف قالوا : لا إله الا الله. ولكن أتباع مدرسة الخلفاء مع علمهم بنفاق هؤلاء وأنهم كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : ما أسلموا بل استسلموا. يصرون على إيمانهم ويختلقون أحاديث في فضلهم من أجل شيء واحد ألا وهو : محاربتهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولإيذاؤهم له، وعداوتهم لأمير المؤمنين عليه السلام. كما ان إصراراهم على كفر الهرمزان وأبي لؤلؤة رضي الله عنهما وأمثالهما ليس إلا لأنهم كفروا بالجبت والطاغوت وآمنوا بمن نصبه الله تعالى وهو أمير المؤمنين عليه السلام([697]). حسين الخرساني (معاصر) : أن لعن الشيعة للصحابة أسوة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واقتفاء لأثره... وإنهم مطرودين من الحضرة النبوية وملعونين من الله على لسان سفيره([698]) زهير بيطار (معاصر) : جمع - علي - القرآن على أسباب النزول لما لذلك من علاقة بالتأويل، فرفضوه - أي الصحابة - لما يظهر من حقائق لا توافق ما بنوا عليه، ولما عرض عليه عبد الرحمن بن عوف أن يبايعه على كتاب الله وسنة رسوله وسنة الشيخين، رفضه قائلا تبايعني على كتاب الله وسنة رسوله، إيذانا بأن لا حجة لسنة الشيخين أو غيرهما من الشيوخ إن خالفت الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك إحياء للسنة بعد أن انتهكت، ثم أنه عليه السلام قد أعاد خلال السنوات الخمس التي تولى فيها الخلافة والتي كانت مفعمة بالأحداث، أعاد إلى الذاكرة كثيرا من السنة في الممارسة، وجدد التذكير بالنصوص([699]). زهير بيطار (معاصر) : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عالم بكثرة الكذب عليه في حياته وبعد وفاته لم يهمل الحفاظ على سننه ولا على كتاب الله، فهو صلى الله عليه وآله وسلم قد استودع كل ذلك لدى وصيه علي عليه السلام وأمر الناس باتباعه، لكنهم لما تنكروا له، كان عليهم أن يعملوا برأيهم، فرفضوا القرآن الذي جمعه لهم عليه السلام على أسباب النزول لكي لا يختلف في التأويل، وجمعوه على النحو المعلوم، - أما السنة فبدلا من جمعها وتدوينها لكي لا يختلف فيها بعد ذلك، أحرقوها ومنعوا تداولها، ما ذلك إلا لأنها مليئة بالنصوص التي لا يمكن تأويلها فيما يخص ولاية علي وأهل البيت عليهم السلام([700]). مركز الرسالة - قم (معاصر) : ما جاء من ثناء على الصحابة مشروط بشروط، منها : الإيمان الحقيقي، فلا يكون من في قلبه مرض مرادا قطعاً، والاستقامة على المنهج الإسلامي وحسن العاقبة؛ لأن بعض الصحابة ارتدوا ثم عادوا إلى الإسلام، وبعضهم منافقون أسروا نفاقهم، ولكنه ظهر من خلال أعمالهم ومواقفهم([701]). ياسر الحبيب (معاصر) : أحاديث النهي عن سب الأصحاب المقصود بها الأصحاب المؤمنين لا الأصحاب المنافقين، أي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن سب أصحابه المؤمنين أمثال سلمان والمقداد وعمار وأبا ذر وخالد بن سعيد بن العاص وعثمان بن مظعون وجابر بن عبد الله الأنصاري رضوان الله عليهم، وليس ينهى عن سب أصحابه المنافقين الذين خانوه وعصوا أوامره وبدّلوا بعده([702]). ياسر الحبيب (معاصر) : وقد سئل : وجدت في احدا مقالات هذا الموقع المبارك أنتقادا حادا لسماحة المرجع السيد علي خامنائي وذالك لتحريمه الجهر بالبرائه او الاستهزاء باي رمز من رموز اي دين وليس فقط البكريين وذالك أن كان بالعلانيه وله اهداف واسعه فنحن ان اردنا ان نعلم الطفل القراه لا نعطيه كتب بحار الانوار أو الموسوعه الشامله بل نبدأ معه بالحروف فان نجح بها اعطيناه الكلمات فان نجح بها بدأ بالجمل وهكذاوأقسم بالله العظيم ان الكثيرين من مصر والجزائر والخليج قد تشيعو بفعل هذا النظام ثم تركوا ما كانو عليه من حب لأبي بكر وعمر لعنهما الله وأصبحوا يلعنونهما ليل نهار كيف لا وجرائمهم معروفه وانا من هؤلاء وكوني قد كنت سنيا فاني والله لابكي بدل الدموع دما لما رايته من شق لوحدة الصف الشيعي فان أختلفنا ببعض الاراء لا يعني هذا أننا اعداء يرحمكم الله ان السيد علي خامنائي لديه مقصد ومرى بعيد من فتواه وهو ترقيق قلوب اهل السنه حتى يأتي بالتدريج معهم ألى نور محمد وال محمد وسؤالي هنا وأنا من مؤيدي الشيخ ياسر الحبيب أنا أعيش بين عائلته بكريه سنيه فهل أمضي معهم بالقدح برموزهم علانيه ودون سابق أنذار ام امشي معهم بالتدرج؟ فأجاب : قبل كل شيء إن الشيخ يرفض أن يتبوأ شخص مقام المرجعية وهو فاقد للشرائط الشرعية. فالمذكور فاقد لشرط الإيمان، كما أنه فاقد لشرط الاجتهاد فإنه ليس فقيها قادرا على استنباط الحكم الشرعي، كما أنه فاقد لشرط العدالة كون كثير من الدماء سفكت بأمره وكثير من المظالم التي طالت المراجع والعلماء كان وراءها. ولذلك لا يحق له أن يفتي. وحتى لو كان فقيها - جدلا - فلا يجوز له أن يحرّم ما سمّاه «النيل من رموز إخواننا السنة» لأن هذا التحريم بلا دليل شرعي على هذا الإطلاق، ولو أخذنا به لكانت النتيجة تخطئة أئمتنا الأطهار عليهم الصلاة والسلام لأنهم قد نالوا من رموز المخالفين سرا وعلانية. أن من سيرة الأئمة الطاهرين عليهم السلام النيل من الرموز المنافقة التي قامت بتحريف الدين الإسلامي حتى لو كان هذا النيل أمام مرأى المخالفين. وعليه فإن زعم هذا الشخص أنه لا يجوز مطلقا النيل من رموز الآخرين هو رد على الله ورسوله وأهل البيت عليهم السلام، ولا ينفع ما قلتموه تبريرا له، فهو لم يقيد فتواه بأنه لا يجوز ذلك علانية، كما لم يقيد فتواه بأنه لا يجوز ذلك النيل فجأة ولكن يجوز بالتدريج مثلاً حتى يصح التبرير الذي قلتموه، وإنما هو أطلق القول جزافاً وأفتى بغير علم جرأة على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم. ومن المعلوم أن هذه فتوى سياسية أراد المذكور بها أن يستأنس أهل الخلاف ويكسب ودهم من أجل مصالح حكومته، أي من أجل الدنيا لا الآخرة. وهذا بحد ذاته يعتبر خروجاً عن منهاج الحق والاستقامة الذي وُصف به الشيعة الأبرار. من المهم العلم بأن النيل من الرموز المنحرفة هو من الضروريات. ولا يمكن تعطيل هذه الوظيفة لمجرد أن فئة من البشر تؤمن بهذه الرموز، فهذا معناه احترام حتى (إبليس) لأن هناك فئة من البشر تعبده وهم (عبدة الشيطان) فهل يقول بهذا عاقل؟ وعليه فإن هذه الفتوى - التي صدرت أساسا من شخص لا يملك صلاحية الإفتاء - مرفوضة تماما. نعم الصحيح القول بأن للنيل من الرموز المنحرفة مواضع وأساليب، فتارة يكون بالصدمة وتارة يكون بالتدريج بحسب الظروف والمقتضيات وقابلية القابل. هذا صحيح، أما تحريم ذلك جملة وتفصيلا فهذا ما لا يجوز. وعليه فتعلم جواب مسألتك عندما تفضلت بالقول أنك تعيش في وسط عائلة بكرية فهل تمضي معهم بالقدح برموزهم علانية أم لا.. فالجواب هو أن ذلك موكول إليك فاختر أفضل الأساليب، إذا كان التدريج ينفع فبها وإلا «فآخر الدواء الكي» وكم من مصدوم رجع للحق بعد الصدمة. المهم أن لا تتخلى عن وظيفتك في الدعوة للولاية لآل محمد الطاهرين عليهم السلام والبراءة من أعدائهم المنافقين عليهم اللعنة، أما اختيار الأسلوب فهو أمر راجع إليك بشرط عدم التجاوز على الحدود الشرعية([703]). ياسر الحبيب (معاصر) : تنبّأ النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بارتداد أصحابه من بعده، وحكم بأن معظمهم سيردون جهنم وبئس المصير، وذلك في روايات وأحاديث مستفيضة... فها هي الأحاديث تنص صراحةً على ارتداد معظم من يسمّيهم الجهلة (صحابة) وأنه لن ينجو منهم إلا القليل كهمل النِّعَم، فكيف يقولون أن كل هؤلاء ناجون ردّا على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؟!([704]). ياسر الحبيب (معاصر) : ما زعمه المذكور يخالف اعتقادات الشيعة الأبرار فقد صحّ عن الأئمة الأطهار عليهم الصلاة الحكم بكفر وارتداد معظم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين خانوه وانحرفوا بعده([705]). ياسر الحبيب (معاصر) : وقد سئل : ما رأيكم في كتاب بحار الأنوار الذي طبعته إيران في 99 مجلد وحذفت منه 3 مجلدات؟ وما هي الأشياء التي حذفت منه؟ تخص أي المواضيع؟ ولماذا تم الحذف؟ فأفاد : بأن الحذف مخالفة شرعية وأدبية، والمحذوف هي الأجزاء 29 و30 و31 من الموسوعة وهي المتضمنة لأبواب المطاعن على أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة وسائر المنافقين المجرمين عليهم لعائن الله تعالى مما ورد في أحاديث أهل بيت العصمة عليهم السلام. وسبب الحذف هو إرضاء النواصب وأهل الخلاف على حساب دفن تراث آل محمد عليهم السلام، وهي جريمة كبرى من جرائم هذا النظام الجائر الحاكم في إيران عجّل الله في زواله([706]). ما جاء في العشرة المبشّرين بالجنة رضي الله عنهم علي عليه السلام : لما التقى أهل البصرة يوم الجمل. نادى الزبير يا أبا عبد الله أخرج إلي : فخرج الزبير ومعه طلحة. فقال لهما والله إنكما لتعلمان وأولوا العلم من آل محمد وعائشة بنت أبي بكر : أن كل أصحاب الجمل ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقد خاب من افترى. قالا كيف نكون ملعونين ونحن أصحاب بدر وأهل الجنة ؟ ! فقال عليه السلام : لو علمت أنكم من أهل الجنة لما استحللت قتالكم، فقال له الزبير : أما سمعت حديث سعيد بن عمرو بن نفيل وهو يروي : أنه سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : " عشرة من قريش في الجنة " ؟ قال علي عليه السلام : سمعته يحدث بذلك عثمان في خلافته، فقال الزبير أفترا كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ فقال له علي عليه السلام : " لست أخبرك بشئ حتى تسميهم " قال الزبير : أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وأبو عبيدة بن الجراح، وسعيد بن عمرو بن نفيل. فقال له علي عليه السلام : " عددت تسعة فمن العاشر ؟ " قال له : أنت قال علي عليه السلام : قد أقررت أني من أهل الجنة، وأما ما ادعيت لنفسك وأصحابك فإنا به من الجاحدين الكافرين، قال له، أفتراه كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ قال عليه السلام : ما أراه كذب، ولكنه والله اليقين. فقال علي عليه السلام : والله إن بعض من سميته لفي تابوت في شعب في جب في أسفل درك من جهنم، على ذلك الجب صخرة إذا أراد الله أن يسعر جهنم رفع تلك الصخرة. وفي رواية : إن سبعة ممن ذكرتهم في تابوت من نار في أسفل درك الجحيم، على ذلك التابوت صخرة إذا أراد الله عز وجل عذاب أهل الجحيم رفعت تلك الصخرة، سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإلا أظفرك الله بي وسفك دمي على يديك، وإلا أظفرني الله عليك وعلى أصحابك وسفك دمائكم على يدي وعجل أرواحكم إلى النار، فرجع الزبير إلى أصحابه وهو يبكي([707]). الباقر عليه السلام : في قول الله : (الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ [النساء : 137]) قال : هما والثالث والرابع وعبد الرحمن وطلحة، وكانوا سبعة عشر رجلا قال : لما وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر (ره) إلى أهل مكة قالوا : بعث هذا الصبي ولو بعث غيره يا حذيفة إلى أهل مكة وفى مكة صناديدها وكانوا في مكة يسمون عليا الصبي لأنه كان اسمه في كتاب الله الصبي، لقول الله عز وجل : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت : 33]) والله الكفر بنا أولى مما نحن فيه فساروا فقالوا لهما وخوفوهما باهل مكة فعرضوا لهما وخوفوهما وغلظوا عليهما الامر، فقال علي عليه السلام : حسبنا الله ونعم الوكيل ومضى، فلما دخلا مكة أخبر الله نبيه بقولهم لعلى وبقول على لهم فأنزل الله بأسمائهم في كتابه وذلك قول الله ؟ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران : 173]) إلى قوله : (وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران : 174]) وانما نزلت ألم تر إلى فلان وفلان لقوا عليا وعمارا فقالا ان أبا سفيان وعبد الله بن عامر وأهل مكة قد جمعوا لكم فاخشوهم فقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، وهما اللذان قال الله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ [النساء : 137]) إلى آخر الآية، فهذا أول كفرهم والكفر الثاني قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم يطلع عليكم من هذا الشعب رجل فيطلع عليكم بوجهه، فمثله عند الله كمثل عيسى لم يبق منهم أحد الا تمنى أن يكون بعض أهله فإذا بعلى قد خرج وطلع بوجهه، قال : هو هذا فخرجوا غضبانا وقالوا : ما بقي الا ان يجعله نبيا والله الرجوع إلى آلهتنا خير مما نسمع منه في ابن عمه وليصدنا على أنه دام هذا، فأنزل الله. (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ [الزخرف : 57]) إلى آخر الآية، فهذا الكفر الثاني وزادوا الكفر حين قال الله (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة : 7]) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا علي أصبحت وأمسيت خير البرية فقال له أناس. هو خير من آدم ونوح ومن إبراهيم ومن الأنبياء ؟ فأنزل. (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ... [آل عمران : 33]) إلى (سَمِيعٌ عَلِيمٌ) قالوا فهو خير منك يا محمد قال الله (إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف : 158]) ولكنه خير منكم وذريته خير من ذريتكم، ومن اتبعه خير ممن اتبعكم، فقاموا غضبانا وقالوا زيادة. الرجوع إلى الكفر أهون علينا مما يقول في ابن عمه، وذلك قول الله. (ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً)([708]). الصادق عليه السلام : وقد قال بعض المخالفين، بحضرته لرجل من الشيعة : ما تقول في العشرة من الصحابة ؟ قال : أقول فيهم الخير الجميل، الذي يحط الله به سيئاتي ويرفع به درجاتي، فقال السائل : الحمد لله على ما أنقذني من بغضك، كنت أظنك رافضيا تبغض الصحابة، فقال الرجل : الا من أبغض واحدا من الصحابة فعليه لعنة الله. قال : لعلك تتأول ما تقول، قل : فمن أبغض العشرة من الصحابة، فقال : من أبغض العشرة فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فوثب الرجل وقبل رأسه وقال : اجعلني في حل مما قرفتك به من الرفض قبل اليوم، قال : أنت في حل وأنت أخي، ثم انصرف السائل، فقال له الصادق عليه السلام : جودت لله درك لقد عجبت الملائكة في السماوات من حسن توريتك، وتلطفك بما خلصك، ثم لم تثلم دينك، وزاد الله في مخالفينا غما إلى غم، وحجب عنهم مراد منتحلي مودتنا في تقيتهم فقال بعض أصحاب الصادق عليه السلام : يا بن رسول الله، ما عقلنا من كلام هذا الا موافقة صاحبنا لهذا المتعنت الناصب. فقال الصادق عليه السلام : لئن كنتم لم تفقهوا ما عنى، فقد فهمناه نحن، وقد شكر الله له، ان ولينا الموالي لأوليائنا المعادي لأعدائنا، إذا ابتلاه الله بمن يمتحنه من مخالفيه، وفقه لجواب يسلم معه دينه وعرضه، ويعظم الله بالتقية ثوابه، ان صاحبكم هذا قال : من عاب واحدا منهم فعليه لعنة الله، أي من عاب واحدا منهم وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. وقال في الثانية : من عابهم أو شمتهم فعليه لعنة الله، وقد صدق لان من عابهم فقد عاب عليا عليه السلام لأنه أحدهم([709]). الكاظم عليه السلام : في قوله تعالى : " وإذا لقوا " هؤلاء الناكثون للبيعة، المواطؤن على مخالفة علي عليه السلام ودفع الامر عنه. (الذين آمنوا قالوا آمنا) كايمانكم، إذا لقوا سلمان والمقداد وأبا ذر وعمار قالوا لهم : آمنا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وسلمنا له بيعة علي عليه السلام وفضله، وانقدنا لامره كما آمنتم. وإن أولهم، وثانيهم وثالثهم إلى تاسعهم ربما كانوا يلتقون في بعض طرقهم مع سلمان وأصحابه، فإذا لقوهم اشمأزوا منهم، وقالوا : هؤلاء أصحاب الساحر والأهوج - يعنون محمدا وعليا صلوات الله عليهما -. ثم يقول بعضهم لبعض : احترزوا منهم لا يقفون من فلتات كلامكم على كفر محمد فيما قاله في علي، فينموا عليكم فيكون فيه هلاككم، فيقول أولهم : انظروا إلي كيف أسخر منهم، وأكف عاديتهم عنكم([710]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : واعلم أن الدلائل على بطلان ما ادعوا من ورود الحديث ببشارة العشرة انهم من أهل الجنة كثيرة، والعشرة بزعمهم أمير المؤمنين عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل العدوي وعبد الرحمان بن عوف وأبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح على التسعة اللعنة([711]). نجاح الطائي (معاصر) : صحة رواية العشرة المبشرة بالجنة ؟ لاحظ الناس ارتكاب البعض منهم أفعالا غير مقبولة، مثلما فعل طلحة والزبير من أمرهما بقتل عثمان ثم المطالبة بدمه، وخروجهما على علي بن أبي طالب عليه السلام بعد بيعتهما له، وامتناع سعد بن أبي وقاص عن بيعة علي عليه السلام وبيعته لمعاوية ! وخروج عبد الرحمن بن عوف على عثمان ومطالبته بالثورة عليه وقتل الأمويين له. وقد اجتمع المسلمون على ضرورة عزل عثمان بن عفان لأفعاله المخالفة للدين، وإصرارهم على منع دفنه في مقبرة المسلمين بعد موته، فدفن في مقبرة اليهود (حش كوكب المجاورة لمقبرة البقيع). ولم يحتج هؤلاء العشرة بهذا الحديث في مخاصماتهم ! وخاف البعض منهم عند الموت خوفا شديدا، وفسق طلحة والزبير وابن عوف وعائشة عثمان بن عفان، وقال عمر عن ابن عوف أنه فرعون هذه الأمة. ولا يقبل عقل إنسان تخصيص العشرة بهؤلاء وإخراج باقي المسلمين من أنصار ومهاجرين. ولماذا لم يدخل في هؤلاء حمزة سيد الشهداء وجعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة وسعد بن معاذ وعمار بن ياسر وسلمان الفارسي ! والنفس القومي الأموي واضح على الرواية، ففي هؤلاء العشرة القرشيين لا يوجد أنصاري ولا غيره ! فالقرشيون لم يكفهم السيطرة على الدنيا وملذاتها واحتكارهم للخلافة فتخيلوا سيطرتهم على الجنة واحتكارهم لها ! ([712]). ياسر الحبيب (معاصر) : وأنت عالم بما ترتّب على حديث العشرة الباطل من آثار جعلت الأمة تنخدع بالمنافقين والمرتدّين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما زالت الأمة تدفع ثمن تصديقها لكذبة سعيد بن زيد التي هي إحدى أسباب بقائها على الضلال إلى اليوم! فانظر أي ذنب عظيم ارتكبه سعيد هذا ببضع كلمات وضعها زورا على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!([713]). ما جاء في أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لعلي عليه السلام : يا علي ، لا يتقدمك بعدي إلا كافر، وإن أهل السماوات ليسمونك أمير المؤمنين([714]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لما نزلت هذه الآية : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران : 106]) قال : يرد علي أمتي يوم القيامة على خمس رايات، فراية مع عجل هذه الأمة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر فحرفناه ونبذناه وراء ظهورنا واما الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه، فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم يرد علي راية مع فرعون هذه الأمة، فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر فحرفناه ومزقناه وخالفناه واما الأصغر فعاديناه وقاتلناه، فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم، ثم ترد علي رأيه مع سامري هذه الأمة فأقول لهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر فعصيناه وتركناه واما الأصغر فخذلناه وضيعناه وصنعنا به كل قبيح فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم ثم ترد علي راية ذي الثدية مع أول الخوارج وآخرهم فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي فيقولون اما الأكبر فمزقناه وبرئنا منه واما الأصغر فقاتلناه وقتلناه، فأقول ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم([715]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إذا ظلمت العيون العين كان قتل العين على يد الرابع من العيون، فإذا كان ذلك استحق الخاذل له لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فقيل له : يا رسول الله ما العين والعيون ؟ فقال : أما العين فأخي علي بن أبي طالب، وأما العيون فأعداؤه، رابعهم قاتله ظلما وعدوانا. وفي رواية : قال حذيفة بن اليمان له لما سار من عثمان : اني والله ما فهمت قولك، ولا عرفت تأويله حتى بلغت ليلتي هذه أتذكر ما قلت لي بالحرة وأنت مقبل ! كيف أنت يا حذيفة إذا ظلمت العيون العين ؟ ! والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ بين أظهرنا، فلم اعرف تأويل كلامك، ونسيت أن أذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ، فلما كان من أمري ما أراد الله بي، اذكرني الله كلمتك في ليلتي، ورأيت ابن أبي قحافة قد قام مقام رسول الله واسمه عبد الله أول اسمه عين، ثم الذي كان من بعده عمر وأول اسمه عين، ثم الذي كان من بعده عثمان وأول اسمه عين، وأنت علي المظلوم وأول اسمك العين، فعلمت أن هذا تأويل كلمتك، فقال له : يا حذيفة أين أنت عن عبد الرحمان بن عوف حين مال بها إلى عثمان ! ! وجاء في بعض الشروح : عين عتيق وعمر وعبد الرحمن بن عوف، وعين عثمان وستضم إليها عين عائشة، وعين معاوية وعين عمرو بن العاص، وعين عبد الرحمن بن ملجم، وعين عمر بن سعد. وقال المجلسي : المراد بالعيون من ابتداء اسمه العين، وأبو بكر اسمه : عتيق أو عبد الله، والرابع القاتل عبد الرحمن بن ملجم لعنهم الله([716]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ان أبا بكر منى بمنزله السمع وان عمر منى بمنزله البصر وان عثمان منى بمنزله الفؤاد قال : فلما كان من الغد دخل عليه الحسين بن علي عليه السلام وعنده أمير المؤمنين عليه السلام وأبو بكر وعمر وعثمان فقلت له : يا أبت سمعتك تقول في أصحابك هؤلاء قولا فما هو فقال صلى الله عليه وآله وسلم : نعم ثم أشار إليهم فقال : هم السمع والبصر والفؤاد وسيسألون عن وصيي هذا وأشار إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ثم قال إن الله عز وجل يقول : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء : 36]) ثم قال عليه السلام : وعزه ربى أن جميع أمتي لموقوفون يوم القيامة ومسؤولون عن ولايته وذلك قول الله عز وجل : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ [الصافات : 24])([717]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : وقد دخل عليه علياً عليه السلام يوماً ورآه كئيبا حزينا ؟ فقال له : مالي أراك يا رسول الله كئيبا حزينا ؟ فقال : وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه إن بني تيم وبني عدي وبني أمية يصعدون منبري هذا، يردون الناس عن الاسلام القهقرى، فقلت : يا رب في حياتي أو بعد موتي ؟ فقال : بعد موتك([718]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا بني عبد المطلب، إني رأيت على منبري اثني عشر من قريش، كلهم ضال مضل يدعون أمتي إلى النار ويردونهم عن الصراط القهقرى : رجلان من حيين من قريش عليهما مثل إثم الأمة ومثل جميع عذابهم، وعشرة من بني أمية. رجلان من العشرة من ولد حرب بن أمية وبقيتهم من ولد أبي العاص بن أمية. وفي رواية : لأمتي اثنا عشر إمام ضلالة، كلهم ضال مضل عشرة من بني أمية، ورجلان من قريش، وزر جميع الاثنا عشر وما أضلوا في أعناقهما، ثم سماهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسمى العشرة منهما. قال : فسمهم لنا. قال : فلان وفلان، وصاحب السلسلة وابنه من آل أبي سفيان، وسبعة من ولد الحكم بن أبي العاص، أولهم مروان. قال معاوية : لئن كان ما قلت حقا هلكت، وهلكت الثلاثة قبلي، وجميع من تولاهم من هذه الأمة، ولقد هلك أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار والتابعين غيركم أهل البيت وشيعتكم، قال ابن جعفر : فان الذي قلت والله حق سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم([719]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : وقد نظر إلى رجل من المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة - أي يوم أحد -، فناداه : " يا صاحب الترس ألق ترسك ومر إلى النار " فرمى بترسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يا نسيبة خذي الترس، فأخذت الترس، وكانت تقاتل المشركين. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " لمقام نسيبة - أي نسيبة بنت كعب - أفضل من مقام فلان وفلان وفلان. قال المجلسي : والمراد بفلان وفلان وفلان أبو بكر وعمر وعثمان. وقال في موضع آخر رداً على إبن أبي الحديد الذي قال : ليت الراوي لم يكن هذه الكناية وكان يذكر من هما بأسمائهما حتى لا يترامى الظنون إلى أمور مشتبهة ومن أمانة الحديث أن يذكر الحديث على وجهه ولا يكتم منه شيئا، فما باله كتم اسم هذين الرجلين ؟ ! أقول - أي المجلسي- : إن الراوي لعله كان معذورا في التكنية باسم الرجلين تقية، وكيف كان يمكنه التصريح باسم صنمي قريش وشيخي المخالفين الذين كانوا يقدمونهما على أمير المؤمنين عليه السلام ؟ مع أن كنايته أبلغ من الصريح، إذ ظاهر أن الناس كانوا لا يبالون بذكر أحد من الصحابة بما كان واقعا إلا بذكرهما وذكر ثالثهما، وأما سائر بني أمية وأجداد سائر خلفاء الجور فلم يكونوا حاضرين في هذا المشهد في عسكر المسلمين حتى يكنى بذكرهم تقية من أولادهم وأتباعهم، وقد تقدم في رواية علي بن إبراهيم ذكر الثالث أيضا معهما، وذكره كان أولى، لان فراره كان اعرض([720]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من ظلم عليا مقعدي هذا بعد وفاتي، فكأنما جحد نبوتي ونبوة الأنبياء قبلي. ومن تولى ظالما فهو ظالم([721]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : يا علي ويا خديجة أسلمتما لله وسلمتما له، وقال : إن جبرئيل عندي يدعو كما إلى بيعة الاسلام فأسلما تسلما، وأطيعا تهديا، فقالا : فعلنا وأطعنا يا رسول الله فقال : إن جبرئيل عندي يقول لكما : إن للاسلام شروطا وعهودا ومواثيق... فذكر منها : وطاعة ولي الأمر بعدي، ومعرفته في حياتي وبعد موتي، والأئمة من بعده واحد بعد واحد، وموالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله والبراءة من الشيطان الرجيم وحزبه وأشياعه، والبراءة من الأحزاب : تيم وعدي وأمية وأشياعهم وأتباعهم([722]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : في وصيته لعلي : يا علي اصبر على ظلم الظالمين، فإن الكفر يقبل والردة والنفاق مع الأول منهم، ثم الثاني وهو شر منه وأظلم، ثم الثالث، ثم يجتمع لك شيعة تقابل بهم الناكثين والقاسطين والمتبعين المضلين وأقنت عليهم، هم الأحزاب وشيعتهم([723]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنا رسول الله إلى الناس أجمعين ولكن سيكون بعدي أئمة على الناس من أهل بيتي من الله، يقومون في الناس فيكذبونهم ويظلمونهم أئمة الكفر والضلال وأشياعهم، ألا فمن والاهم واتبعهم وصدقهم فهو مني ومعي وسيلقاني، ألا ومن ظلمهم وأعان على ظلمهم وكذبهم فليس مني ولا معي وأنا منه برئ([724]). النبي صلى الله عليه وآله وسلم : في قوله تعالى : (فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ [الأعراف : 30]) يعني أئمة الجور دون أئمة الحق([725]). علي عليه السلام : وقد ذكرت الخلافة عنده فقال : والله لقد تقمصها أخو تيم وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جزاء أو أصبر على طخية عمياء، يشيب فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرأيت أن الصبر على هاتي أحجى، فصبرت وفي القلب قذا، وفي الحلق شجا، أرى تراثي نهبا، حتى إذا مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان بعده، عقدها لأخي عدي بعده، فيا عجبا بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها الآخر بعد وفاته، فصيرها والله في حوزة خشناء، يخشن مسها، ويغلظ كلمها، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها، فصاحبها كراكب العصبة، إن عنف بها حرن وإن أسلس بها غسق، فمني الناس - لعمر الله - بخبط وشماس، وتلون واعتراض، وبلوى وهو مع هن وهني، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم اني منهم، فيالله وللشورى ! متى اعترض الريب في مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ؟ فمال رجل بضعبه، وأصغى آخر لصهره، وقام ثلث القوم نافجا حضنيه بين نشيله ومعتلفه، وقاموا معه بني أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبت الربيع، حتى أجهز عليه عمله، وكسبت به مطيته([726]). علي عليه السلام : إن في التابوت الأسفل ستة من الأولين وستة من الآخرين، فأما الستة من الأولين فابن آدم قاتل أخيه وفرعون الفراعنة والسامري والدجال كتابه في الأولين ويخرج في الآخرين، وهامان وقارون، والستة من الآخرين فنعثل ومعاوية وعمرو بن العاص وأبو موسى الأشعري، ونسي المحدث اثنين. قال المجلسي : نعثل : كناية عن عثمان كما سيأتي، والمنسيان الأعرابيان الأولان ([727]). علي عليه السلام : لست بقائل غير شئ واحد. أذكركم بالله أيها الأربعة - يعنيني وأبا ذر والزبير والمقداد - : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن تابوتا من نار فيه اثنا عشر رجلا، ستة من الأولين وستة من الآخرين، في جب في قعر جهنم في تابوت مقفل، على ذلك الجب صخرة. فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعرت جهنم من وهج ذلك الجب ومن حره. قال علي عليه السلام : فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنتم شهود به - عن الأولين، فقال : أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة، والذي حاج إبراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم وغيرا سنتهم، أما أحدهما فهود اليهود والآخر نصر النصارى، وإبليس سادسهم. وفي الآخرين الدجال وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة والكتاب وجبتهم وطاغوتهم الذي تعاهدوا عليه وتعاقدوا على عداوتك يا أخي، وتظاهرون عليك بعدي، هذا وهذا حتى سماهم وعدهم لنا. قال سلمان : فقلنا : صدقت، نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ([728]). علي عليه السلام : أنه كان يخرج كل ليلة جمعة إلى ظاهر المدينة ولا يعلم أحد إلى أين يمضي فتبعه عمر حتى وصل إلى بلدة عظيمة تبعد مسيرة سنتين عن المدينة.. فدخل عمر إلى المدينة فرأى الناس كلهم يلعنون ظالمي آل محمد عليه السلام ويسمونهم بأسمائهم واحدا واحدا، وكل صاحب صناعة يفعل ذلك اللعن وهو على صناعته، فلمأ سمع عمرذلك ضاقت عليه الأرض بما رحبت. فلما عاد عمر أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فقال له رسول صلى الله عليه وآله وسلم : لا تنس ما شهدت بنظرك. فلما سأله من سأله عن ذلك، قال : نفذ في سحر بني هاشم([729]). علي عليه السلام : قد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عهده حتى قام خطيبا فقال : أيها الناس قد كثرت علي الكذابة فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعده، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس : رجل منافق يظهر الإيمان، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متعمدا، فلو علم الناس أنه منافق كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل : (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ [المنافقون : 4]) ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله. قال المازندراني : (ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة) وهم الخلفاء الثلاثة وامراء بني امية. وقال محقق الكتاب الشعراني معقباًً : إن كان هذا كلام أمير المؤمنين عليه السلام لا يمكن أن يريد به بني امية لأنهم لم يكونوا متولين للأمر بعد... فالواجب حمل أئمة الضلال على الثلاثة فقط([730]). علي عليه السلام : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : كل امام ضلالة كان قبلك أو يكون بعدك له مثل ذلك من خزى الله وعذابه ([731]). علي عليه السلام : إن فلانا وفلانا وفلانا غصبونا حقنا واشتروا به الإماء وتزوجوا به النساء، ألا وأنا قد جعلنا شيعتنا من ذلك في حل لتطيب مواليدهم([732]). علي عليه السلام : وقد دخل عليه رجلاً ومكث عنده مليا يسأله فقال : يا أمير المؤمنين لقد ألبست الخلافة بهاء وزينة وكمالا ولم تلبسك ولقد افتقرت إليك أمة محمد وما افتقرت إليها ولقد تقدمك قوم وجلسوا مجلسك فعذابهم على الله وانك لزاهد في الدنيا وعظيم في السماوات والأرض وان لك في الآخرة لمواقف كثيرة نقر بها عيون شيعتك وانك لسيد الأوصياء وأخوك سيد الأنبياء، ثم ذكر الأئمة الاثني عشر فانصرف واقبل أمير المؤمنين على الحسن والحسين عليهم السلام فقال : تعرفانه ؟ قالا : ومن هو يا أمير المؤمنين ؟ قال : هذا أخي الخضر([733]). علي عليه السلام : لما واريته - أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم - في قبره سمعت صارخا يصرخ من خلفي : يا آل تيم ويا آل عدي، يا آل أمية، أنتم تدعون إلى النار، ويوم القيامة لا تنصرون، اصبروا يا آل محمد تؤجروا، ولا تجزعوا فتوزروا (مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ [الشورى : 20]) ([734]). علي عليه السلام : وقد سئل عن الخمس فقال : الخمس لنا فمنعنا فصبرنا([735]) الحسن عليه السلام : ويل لك يا معاوية وللثلاثة قبلك الذين أجلسوك هذا المجلس، وسنوا لك هذه السنة([736]). الباقر عليه السلام : ضربوكم على دم عثمان ثمانين سنة وهم يعلمون أنه كان ظالما فكيف إذا ذكرتم صنميهم([737]). الباقر عليه السلام : وقد سأله سائل : يا ابن رسول الله! مررت اليوم بالكرخ فقالوا : هذا نديم محمد بن علي إمام الرافضة، فاسألوه : من خير الناس بعد رسول الله؟ فإن قال : علي، فاقتلوه، وإن قال : أبو بكر فدعوه، فانثال علي منهم خلق عظيم وقالوا لي : من خير الناس بعد رسول الله؟ فقلت مجيباً : أخير الناس بعد رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان، وسكت ولم أذكر علياً. فقال بعضهم : قد زاد علينا، نحن نقول ههنا : وعلي. فقلت : في هذا نظر، لا أقول هذا، فقالوا بينهم : إن هذا أشد تعصباً للسنة منا قد غلطنا عليه، ونجوت بهذا منهم. فهل علي يا ابن رسول الله في هذا حرج؟ وإنما أردت (أخير) الناس، أي أنه (أخير) استفهاماً لا إخباراً. فقال الباقر عليه السلام : قد شكر الله لك بجوابك هذا لهم، وكتب لك أجره وأثبته لك في الكتاب الحكيم، وأوجب لك بكل حرف من حروف ألفاظك بجوابك هذا لهم ما تعجز عنه أماني المتمنين ولا يبلغه آمال الآملين([738]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : (َبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ... [المائدة : 13]) قال : يعني نقض عهد أمير المؤمنين، وجعلنا قلوبهم قاسية، يحرفون الكلم عن مواضعه قال : من نحى أمير المؤمنين عن موضعه، والدليل على ذلك أن الكلمة أمير المؤمنين عليه السلام قوله : (وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً... [الزخرف : 28]) يعني به الإمامة([739]). الباقر عليه السلام : في قول الله : (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى [النحل : 90]) قال. العدل شهادة أن لا إله إلا الله، والاحسان ولاية أمير المؤمنين عليه السلام : (وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل : 90]) الفحشاء : الأول، والمنكر : الثاني، والبغي : الثالث([740]). وفي رواية : ! (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فمن أطاعه فقد عدل، (وَالإِحْسَانِ) علي عليه السلام، فمن تولاه فقد أحسن، والمحسن في الجنة (وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى) قرابتنا، أمر الله العباد بمودتنا وإيتائنا ونهاهم (عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ) فمن بغى علينا أهل البيت ودعا إلى غيرنا([741]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : (وَجَاء فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ [الحاقة : 9] )قال : يعني الثالث، (ومن قبله) الأوليين (والمؤتفكات) أهل البصرة، (بالخاطئة) الحميراء. وفي رواية عن أبي عبد الله عليه السلام : (وجاء فرعون) يعني الثالث (ومن قبله) يعني الأولين (بالخاطئة) يعني عائشة. قال شرف الدين في تفسيره تأويل الآيات : (وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة) في أقوالها وأفعالها، وفي كل خطأ وقع فإنه منسوب إليها، وكيف جاءا بها، بمعنى أنهم وثبوها وسنوا لها الخلاف لمولاها ووزر ذلك عليهم وفعل من تابعها إلى يوم القيامة. وقوله : والمؤتفكات : أهل البصرة، فقد جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام لأهل البصرة يا أهل المؤتفكة ! ائتفكت بأهلها ثلاث مرات، وعلى الله تمام الرابعة. ومعنى ائتفكت باهلها أي خسفت بهم. وقال المجلسي : فالمراد بمجئ الأولين والثالث بعائشة أنهم أسسوا لها بما فعلوا من الجور على أهل البيت عليه السلام أساسا به تيسر لها الخروج والاعتداء على أمير المؤمنين عليه السلام، ولولا ما فعلوا لم تكن تجترئ على ما فعلت([742]). الباقر عليه السلام : وقد سئل حين قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمن كان الامر بعده ؟ فقال لنا أهل البيت قلت : فكيف صار في غيركم ؟ قال إنك قد سألت فافهم الجواب ان الله تبارك وتعالى لما علم أنه يفسد في الأرض وتنكح الفروج الحرام ويحكم بغير ما انزل الله تبارك وتعالى أراد ان يلي ذلك غيرنا([743]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَقٍ [الانشقاق : 19]). قال : يا زرارة أو لم تركب هذه الأمة بعد نبيها طبقا عن طبق في أمر فلان وفلان وفلان([744]). الباقر عليه السلام : في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل : 20-21]) قال : الذين يدعون من دون الله : الأول والثاني والثالث، كذبوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله : والوا عليا واتبعوه، فعادوا عليا ولم يوالوه ودعوا الناس إلى ولاية أنفسهم، فذلك قول الله : [ والذين يدعون من دون الله ]، قال : وأما قوله : [ لا يخلقون شيئا ] فإنه يعني لا يعبدون شيئا [ وهم يخلقون ] فإنه يعني وهم يعبدون، وأما قوله : [ أموات غير أحياء ] يعني كفار غير مؤمنين، وأما قوله : [ وما يشعرون أيان يبعثون ] فإنه يعني إنهم لا يؤمنون أنهم يشركون (إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النحل : 22]) فإنه كما قال الله، وأما قوله : (فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ) فإنه يعني لا يؤمنون بالرجعة أنها حق، وأما قوله : (قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ) فإنه يعني قلوبهم كافرة، وأما قوله : (وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ) فإنه يعني عن ولاية علي عليه السلام مستكبرون، قال الله لمن فعل ذلك وعيدا منه (لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ [النحل : 23]) عن ولاية علي عليه السلام([745]). الباقر عليه السلام : أن المهدي مولى عثمان، أتي فبايع أمير المؤمنين، ومحمد بن أبي بكر جالس، قال : أبايعك على أن الامر كان لك أولا وأبرأ من فلان وفلان وفلان، فبايعه([746]). الباقر عليه السلام : يا با حمزة إنما يعبد الله من عرف الله فاما من لا يعرف الله كأنما يعبد غيره هكذا ضالا قلت : أصلحك الله وما معرفة الله ؟ قال : يصدق الله ويصدق محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في موالاة على والايتمام به، وبأئمة الهدى من بعده والبراءة إلى الله من عدوهم، وكذلك عرفان الله، قال : قلت : أصلحك الله أي شئ إذا عملته انا استكملت حقيقة الايمان ؟ قال : توالي أولياء الله، وتعادى أعداء الله، وتكون مع الصادقين كما أمرك الله، قال : قلت : ومن أولياء الله ومن أعداء الله ؟ فقال : أولياء الله محمد رسول الله وعلى والحسن والحسين وعلي بن الحسين، ثم انتهى الامر الينا ثم ابني جعفر، وأومأ إلى جعفر وهو جالس فمن والى هؤلاء فقد والى الله وكان مع الصادقين كما أمره الله، قلت : ومن أعداء الله أصلحك الله ؟ قال : الأوثان الأربعة، قال : قلت من هم ؟ قال : أبو الفصيل ورمع ونعثل ومعاوية ومن دان بدينهم([747]). الباقر عليه السلام : لما كثر قول المنافقين وحساد أمير المؤمنين عليه السلام فيما يظهره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فضل علي عليه السلام وينص عليه ويأمر بطاعته ويأخذ البيعة له على كبرائهم ومن لا يؤمن غدره ويأمرهم بالتسليم عليه بإمرة المؤمنين ويقول لهم : إنه وصيي وخليفتي وقاضي ديني ومنجز عدتي والحجة لله على خلقه من بعدي من أطاعه سعد ومن خالفه ضل وشقي قال المنافقون : لقد ضل محمد في ابن عمه علي وغوى وجن ! والله ما أفتنه فيه وحببه إليه إلا قتل الشجعان والاقران والفرسان يوم بدر وغيرها من قريش وسائر العرب واليهود، وأن كل ما يأتينا به ويظهر في علي من هواه، وكل ذلك يبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى اجتمعت التسعة المفسدون في الأرض في دار الأقرع بن حابس التميمي - وكان يسكنها في ذلك الوقت صهيب الرومي - وهم التسعة الذين إذا عد أمير المؤمنين معهم كان عدتهم عشرة، وهم : أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف الزهري وأبو عبيدة بن الجراح، فقالوا : لقد أكثر محمد في حق علي حتى لو أمكنه أن يقول لنا : اعبدوه لقال !. فقال سعد بن أبي وقاص : ليت محمدا أتانا فيه بآية من السماء كما آتاه الله في نفسه من الآيات مثل انشقاق القمر وغيره، فباتوا تلك ليلتهم. فنزل نجم من السماء حتى صار في ذروة بجدار أمير المؤمنين عليه السلام متعلقا، يضئ في سائر المدينة حتى دخل ضياؤه في البيوت وفي الآبار وفي المغارات وفي المواضع المظلمة من بيوت الناس، فذعر أهل المدينة ذعرا شديدا وخرجوا وهم لا يعلمون ذلك النجم على دار من نزل ؟ ولا أين هو متعلق ؟ ولكن يرونه على بعض منازل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضجيج الناس خرج إلى المسجد ونادى في الناس : ما الذي أرعبكم وأخافكم ؟ هذا النجم على دار علي بن أبي طالب ؟ فقالوا : نعم يا رسول الله، قال : أفلا تقولون لمنافقيكم التسعة الذين اجتمعوا في أمسكم في دار صهيب الرومي فقالوا في وفي علي أخي ما قالوه، وقال قائل منهم : ليت محمدا أتانا فيه بآية من السماء كما أتانا بآية في نفسه من شق القمر وغيره ؟ فأنزل الله عز وجل هذا النجم متعلقا على مشربة أمير المؤمنين عليه السلام وبقي إلى أن غاب كل نجم في السماء، وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة الفجر مغلسا وأقبل الناس يقولون : ما بقي نجم في السماء وهذا النجم معلق ! فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هذا حبيبي جبرئيل قد أنزل على هذا النجم قرآنا تسمعونه، ثم قرأ (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم : 1-5]) ثم ارتفع النجم وهم ينظرون إليه، والشمس قد بزغت، وغاب النجم في السماء. فقال بعض المنافقين : لو شاء الله لأمر هذه الشمس فنادت باسم علي وقالت : هذا ربكم فاعبدوه، فهبط جبرئيل فخبر النبي بما قالوا، وكان ذلك في ليلة الخميس وصبيحته فأقبل بوجهه الكريم على الناس وقال : استدعوا لي عليا من منزله، فقال له : يا أبا الحسن إن قوما من منافقي أمتي ما قنعوا بآية النجم حتى قالوا : لو شاء محمد لأمر الشمس أن تنادي باسم علي وتقول : هذا ربكم فاعبدوه ! فإنك يا علي في غد بعد صلاة الفجر تخرج معي إلى بقيع الغرقد، فقف نحو مطلع الشمس فإذا بزغت الشمس فادع بدعوات أنا ألقنك إياها وقل للشمس : السلام عليك يا خلق الله الجديد، واسمع ما تقول لك وما ترد عليك، وانصرف إلي به، فسمع الناس ما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : وسمع التسعة المفسدون في الأرض فقال بعضهم : لا تزالون تغرون محمدا بأن يظهر في ابن عمه علي كل آية، وليس مثل ما قال محمد في هذا اليوم، فقال اثنان منهم - وأقسما بالله جهد أيمانهما وهما أبو بكر وعمر - : إنهما ليحضران البقيع حتى ينظرا ويسمعا ما يكون من علي والشمس. فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الفجر وأمير المؤمنين معه في الصلاة أقبل عليه وقال : قم يا أبا الحسن إلى ما أمرك الله به ورسوله فأت البقيع حتى تقول للشمس ما قلت لك، وأسر إليه سرا كان فيه الدعوات التي علمه إياها، فخرج أمير المؤمنين عليه السلام يسعى إلى البقيع حتى بزغت الشمس، فهمهم بذلك الدعاء همهمة لم يعرفوها، وقالوا : هذه الهمهمة ما علمه محمد من سحره ! وقال للشمس : السلام عليك يا خلق الله الجديد، فأنطقها الله بلسان عربي مبين وقالت : السلام عليك يا أخا رسول الله ووصيه، أشهد أنك الأول والآخر والظاهر والباطن، وأنك عبد الله وأخو رسوله حقا، فارتعدوا واختلطت عقولهم وانكفؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسودة وجوههم، تفيض أنفسهم، فقالوا : يا رسول الله ما هذا العجب العجيب ؟ لم نسمع من الأولين ولا من المرسلين ولا في الأمم الغابرة القديمة، كنت تقول لنا : إن عليا ليس ببشر وهو ربكم فاعبدوه ! فقال لهم رسول الله بمحضر من الناس في مسجده : تقولون ما قالت الشمس وتشهدون بما سمعتم ؟ قالوا : يحضر علي فيقول فنسمع ونشهد بما قال للشمس وما قالت له الشمس، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لابل تقولون، فقالوا : قال علي للشمس : السلام عليك يا خلق الله الجديد، بعد أن همهم همهمة تزلزلت منها البقيع، فأجابته الشمس وقالت : وعليك السلام يا أخا رسول الله ووصيه أشهد أنك الأول والآخر والظاهر والباطن، وأنك عبد الله وأخو رسول الله حقا. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فماذا تنكرون فقالوا بأجمعهم : نحن نستغفر الله يا رسول الله، لو علمنا ما تعلم لسقط الاقرار بالفضل لك ولعلي، فاستغفر الله لنا، فأنزل الله سبحانه (سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [المنافقون : 6]) وهذا في سورة المنافقين فهذا من دلائله عليه السلام([748]). الباقر عليه السلام : ينادي مناد يوم القيامة : أين المحبون لعلي ؟ فيقومون من كل فج عميق فيقال لهم : من أنتم ؟ قالوا : نحن المحبون لعلي الخالصون له حبا. قال : فيقال لهم : فتشركون في حبه أحدا من الناس ؟ فيقولون : لا. فيقال لهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ [الزخرف : 70])([749]). الصادق عليه السلام : قال : ان خلف مغربكم هذا تسعة وثلثين مغربا أرضا بيضاء ومملوة خلقا يستضيئون بنورنا لم يعصوا الله طرفة عين لا يدرون اخلق الله آدم أم لم يخلقه يبرؤون من فلان وفلان قيل له كيف هذا يتبرؤن من فلان وفلان - لعنهما الله - وهم لا يدرون أخلق الله آدم أم لم يخلقه فقال للسائل أتعرف إبليس قال لا الا بالخبر قال فأمرت باللعنة والبراءة منه قال نعم قال فكذلك امر هؤلاء ([750]). الصادق عليه السلام : في قول الله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً [النساء : 137]) قال : نزلت في فلان، وفلان، وفلان آمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم في أول الأمر وكفروا حيث عرضت عليهم الولاية، حين قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من كنت مولاه فهذا علي مولاه، ثم آمنوا بالبيعة لأمير المؤمنين عليه السلام، ثم كفروا حيث مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقروا بالبيعة، ثم ازدادوا كفراً بأخذهم من بايعه بالبيعة لهم، فهؤلاء لم يبق فيهم من الإيمان شيء([751]). الصادق عليه السلام : وقد أنشد الحميري شعراً قال فيه : فالناس يوم البعث راياتهم * خمس فمنها هالك أربع قائدها العجل وفرعونها * وسامري الأمة المفظع وراية قائدها حيدر * كالشمس إذا تطلع ومخدع عن دينه مارق * جد عبد لكع أوكع.. فقال الصادق عليه السلام : من قال هذا الشعر؟ قلت (أي الراوي هـ) : السيد محمد الحميري، فقال رحمه الله، قلت : أني رأيته يشرب نبيذ الرستاق، قال تعني الخمر؟ قلت نعم، قال رحمه الله وما ذلك على الله أن يغفر لمحب علي([752]). الصادق عليه السلام : في قول الله : (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [الفاتحة : 7]) قال : (غير المغضوب عليهم وغير الضالين) قال : هكذا نزلت، وقال : المغضوب عليهم فلان وفلان وفلان، والنصاب و(الضالين) الشكاك الذين لا يعرفون الامام([753]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ (يعني الامام) وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف : 157]) يعني الذين اجتنبوا الجبت والطاغوت أن يعبدوها والجبت والطاغوت فلان وفلان وفلان والعبادة طاعة الناس لهم([754]). الصادق عليه السلام : قال الله عزوجل لآدم وحواء بعد ان نظرا إلى منزلة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم فوجداها أشرف منازل أهل الجنة، فقالا : يا ربنا لمن هذه المنزلة ؟ فقال الله جل جلاله : ارفعا رؤوسكما إلى ساق عرشي فرفعا رؤوسهما فوجدا اسم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة بعدهم صلوات الله عليهم مكتوبة على ساق العرش بنور من نور الجبار جل جلاله، فقالا : يا ربنا ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك، وما أحبهم إليك، وما أشرفهم لديك ! فقال الله جل جلاله : لولا هم ما خلقتكما، هؤلاء خزنة علمي، وأمنائي على سري، إياكما أن تنظرا إليهم بعين الحسد وتتمنيا منزلتهم عندي ومحلهم من كرامتي فتدخلا بذلك في نهيي وعصياني فتكونا من الظالمين ! قالا : ربنا ومن الظالمون ؟ قال : المدعون لمنزلتهم بغير حق. قالا : ربنا فأرنا منازل ظالميهم في نارك حتى نراها كما رأينا منزلتهم في جنتك. فأمر الله تبارك وتعالى النار فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النكال والعذاب وقال عز وجل : مكان الظالمين لهم المدعين لمنزلتهم في أسفل درك منها كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وكلما نضجت جلودهم بدلوا سواها ليذوقوا العذاب يا آدم ويا حواء لا تنظرا إلى أنواري وحججي بعين الحسد فأهبطكما عن جواري وأحل بكما هواني([755]). الصادق عليه السلام : أنه كان يعلن في دبر كل مكتوبة أربعة من الرجال وأربعة من النساء : التيمي والعدوي - أبا بكر وعمر - وعثمان ومعاوية يسميهم، وعائشة وحفصة وهندا وأم الحكم أخت معاوية([756]). الصادق عليه السلام : في دعاء زيارة قبر الحسين عليه السلام : اللهم العن الذين بدلوا نعمتك وخالفوا ملتك ورغبوا عن أمرك واتهموا رسولك وصدوا عن سبيلك، اللهم احش قبورهم نارا وأجوافهم نارا واحشرهم وأشياعهم إلى جهنم زرقا، اللهم العنهم لعنا يلعنهم به كل ملك مقرب وكل نبي مرسل وكل عبد مؤمن امتحنت قلبه للايمان، اللهم العنهم في مستسر السر وفي ظاهر العلانية، اللهم العن جوابيت هذه الأمة والعن طواغيتها والعن فراعنتها والعن قتلة أمير المؤمنين والعن قتله الحسين وعذبهم عذابا لا تعذب به أحدا من العالمين([757]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ [الحج : 24]) قال : ذاك حمزة وجعفر وعبيدة وسليمان وأبو ذر والمقداد بن الأسود وعمار هدوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقوله : (حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات : 7]) (يعني أمير المؤمنين) (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ [الحجرات : 7]) الأول والثاني والثالث. المازندراني : قوله (قال الأول والثاني والثالث) وإنما نسب الأول إلى الكفر لأنه باني الكفر أصله وبداية الخروج عن الدين منه، والثاني إلى الفسوق لأنه باني الفسوق كلها مع مراعاته لظاهر الشرع في الجملة، والثالث إلى العصيان لأنه باني العصيان وهو الخروج عن الحق بالطغيان وقد بلغ طغيانه إلى حيث أجمعت الصحابة على قتله. وقال المجلسي : التعبير عن الثلاثة ب : الثلاث - لكونهم أصلهما ومنشؤها ومنبتها وكمالها فيهم، وكونهم سببا لصدورها عن الناس إلى يوم القيامة، لعنة الله عليهم وعلى أشياعهم. ([758]). الصادق عليه السلام : في قول الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ [محمد : 25]) فلان وفلان وفلان، ارتدوا عن الايمان في ترك ولاية أمير المؤمنين عليه السلام قلت : قوله تعالى : " ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الامر " قال : نزلت والله فيهما وفي أتباعهما وهو قول الله عز وجل الذي نزل به جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وآله وسلم : " ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله (في علي عليه السلام) سنطيعكم في بعض الامر " قال : دعوا بني أمية إلى ميثاقهم ألا يصيروا الامر فينا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يعطونا من الخمس شيئا وقالوا إن أعطيناهم إياه لم يحتاجوا إلى شئ، ولم يبالوا أن يكون الامر فيهم، فقالوا : سنطيعكم في بعض الامر الذي دعوتمونا إليه وهو الخمس ألا نعطيهم منه شيئا وقوله " كرهوا ما نزل الله " والذي نزل الله ما افترض على خلقه من ولاية أمير المؤمنين عليه السلام وكان معهم أبو عبيدة وكان كاتبهم، فأنزل الله (أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم [الزخرف : 80]). يقول المجلسي : ظاهر السياق أن فاعل قالوا الضمير الراجع إلى الذين ارتدوا، فلو فسرنا الكنايات الثلاث الأول بأبي بكر وعمر وعثمان - كما هو ظاهر - لا يستقيم النظام، ويمكن توجيهه بوجهين : الأول : أن يكون المراد بالكنايات بعض بني أمية كعثمان وأبي سفيان ومعاوية، فالمراد ب (الذين كرهوا ما نزل الله) أبو بكر وأخواه. الثاني : أن يكون المراد بالكنايات أبا بكر وعمر وأبا عبيدة، وضمير (قالوا) راجعا إلى بني أمية، والمراد ب (الذين كرهوا) الذين ارتدوا، فيكون من قبيل وضع المظهر موضع المضمر([759]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم [محمد : 25]) عن الايمان بتركهم ولاية أمير المؤمنين عليه السلام : (الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ) يعني الثاني([760]). الصادق عليه السلام : في قول الله عز وجل : (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ [الحج : 25]) قال : نزلت فيهم حيث دخلوا الكعبة فتعاهدوا وتعاقدوا على كفرهم وجحودهم بما نزل في أمير المؤمنين عليه السلام، فألحدوا في البيت بظلمهم الرسول ووليه فبعدا للقوم الظالمين([761]). الصادق عليه السلام : لا يرفع الامر والخلافة إلى آل أبي بكر أبدا، ولا إلى آل عمر، ولا إلى آل بني أمية، ولا في ولد طلحة والزبير أبدا، وذلك أنهم بتروا القرآن وأبطلوا السنن، وعطلوا الاحكام([762]). الصادق عليه السلام : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقرأ : (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ * بِأَييِّكُمُ الْمَفْتُونُ [القلم : 5 : 6])، فلقيه الثاني، فقال له : تعرض بي وبصاحبي ؟ !. فقال له أمير المؤمنين عليه السلام- ولم يعتذر إليه - : ألا أخبرك بما نزل في بني أمية ؟ نزل فيهم : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ [محمد : 22]..) الآية، قال : فكذبه، وقال : هم خير منكم، وأوصل للرحم([763]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر : 60]) قال : من زعم أنه إمام وليس بإمام. قيل : وإن كان علويا فاطميا ؟ قال : وإن كان علويا فاطميا([764]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ) يعني الموت والقيامة : (فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً [الجن : 24]). يعني فلان وفلان وفلان ومعاوية وعمرو بن العاص وأصحاب الضغائن من قريش([765]). الصادق عليه السلام : أنه لما بلغ غدير خم قال : هذا موضع قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أخذ بيد علي عليه السلام وقال " من كنت مولاه فعلي مولاه " وكان عن يمين الفسطاط أربعة نفر من قريش - قال الراوي : سماهم لي -. فلما نظروا إليه وقد رفع يده حتى بان بياض إبطيه، قالوا : انظروا إلى عينيه قد انقلبتا كأنهما عينا مجنون ! فأتاه جبرئيل فقال : اقرأ (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ [القلم : 51 : 52]) والذكر : علي بن أبي طالب عليه السلام([766]). الصادق عليه السلام : أنه قال : إذا لاذ الناس من العطش قيل لهم : (انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ [المرسلات : 29]) يعني أمير المؤمنين عليه السلام فيقول لهم : (انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ [المرسلات : 30]). قال : يعني الثلاثة فلان وفلان وفلان. معنى هذا أن أعداء آل محمد صلوات الله عليهم يوم القيامة يأخذهم العطش فيطلبون الماء فيقال لهم " انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون " أي بولاية علي عليه السلام وإمامته، فإنه على حوض الكوثر يسقي أولياءه، ويمنع أعداءه، فيأتون إليه ويطلبون منه الماء فيقول لهم " انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب ". ويعني بالظل - هنا - ظلم أهل البيت عليه السلام، ولهذا الظل ثلاث شعب، لكل شعبة منها رب وهم أصحاب الرايات الثلاثة، وهم أئمة الضلال، ولكل راية منها ظل يستظل به أهله. ثم أوضح لهم الحال فقال : إن هذا الظل المشار إليه لا ظليل يظلكم ولا يغنيكم من اللهب أي العطش، بل يزيدكم عطشا، وإنما يقال لهم هذا استهزاء بهم وإهانة لهم، وكانوا أحق بها وأهلها([767]). الصادق عليه السلام : إذا كان يوم القيمة يخرج مناد من عند الله فيقول يا معشر الخلايق أليس العدل من ربكم ان يولى كل فريق من كانوا يتولون في دار الدنيا فيقولون : بلى وأي شئ عدل غيره ؟ فيقوم شيطان فيتبعه من كان يتولاه، ثم يقوم شيطان فيتبعه من كان يتولاه، ثم يقوم شيطان ثالث فيتبعه من كان يتولاه ثم يقوم معاوية فيتبعه من كان يتولاه ويقوم على فيتبعه من كان يتولاه ثم يقوم يزيد بن معاوية فيتبعه من كان يتولاه ويقوم الحسن فيتبعه من كان يتولاه ويقوم الحسين فيتبعه من كان يتولاه.. ألخ([768]). الصادق عليه السلام : يؤتى بجهنم لها سبعة أبواب، بابها الأول للظالم وهو زريق وبابها الثاني لحبتر، والباب الثالث للثالث، والرابع لمعاوية، والباب الخامس لعبد الملك والباب السادس لعسكر بن هوسر، والباب السابع لأبي سلامة فهم أبواب لمن اتبعهم. قال المجلسي : الرزيق كناية عن أبي بكر لان العرب يتشأم بزرقة العين. والحبتر هو عمر، والحبتر هو الثعلب، ولعله إنما كني عنه لحيلته ومكره، وفي غيره من الاخبار وقع بالعكس وهو أظهر إذا الحبتر بالأول أنسب، ويمكن أن يكون هنا أيضا المراد ذلك، وإنما قدم الثاني لأنه أشقى وأفظ وأغلظ. وعسكر بن هو سر كناية عن بعض خلفاء بني أمية أو بني العباس، وكذا أبي سلامة، ولا يبعد أن يكون أبو سلامة كناية عن أبي جعفر الدوانيقي، ويحتمل أن يكون عسكر كناية عن عائشة وسائر أهل الجمل إذ كان اسم جمل عائشة عسكرا، وروي أنه كان شيطانا([769]). الصادق عليه السلام : في قول الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ [البقرة : 165]) قال : هم أولياء فلان وفلان وفلان اتخذوهم أئمة من دون الامام الذي جعل للناس اماما فلذلك قال الله تبارك وتعالى : (وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ * إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ [البقرة : 165-166]) إلى قوله (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة : 167]) قال : ثم قال أبو جعفر عليه السلام : والله يا جابر هم أئمة الظلم وأشياعهم. وفي رواية : قال الصادق : (وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ). قال : أعداء علي عليه السلام هم المخلدون في النار أبد الآبدين ودهر الداهرين([770]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـاء النَّاسِ [النساء : 38]) فلان وفلان وفلان ومعوية وأشياعهم([771]). الصادق عليه السلام : للفيض ابن المختار : كيف تقرأ (وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ [التوبة : 118]) قال : لو كان خلفوا لكانوا : في حال طاعة ولكنهم " خالفوا " عثمان وصاحباه أما والله ما سمعوا صوت حافر ولا قعقعة حجر إلا قالوا : أتينا، فسلط الله عليهم الخوف حتى أصبحوا. قال المازندراني : قوله عليه السلام : وقال لو كان خلفوا لكانوا في حال الطاعة إذ التخليف يشعر بأنه صلى الله عليه وآله وسلم خلفهم فكانوا في طاعته فلا يتوجه إليهم اللوم والطعن ولكنهم أي الثلاثة في الآية خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دعوى الولاية وانتحال الخلافة وهم (عثمان وصاحباه)([772]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى عز وجل : (هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ [آل عمران : 7])، قال : أمير المؤمنين والأئمة (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)، قال : فلان وفلان وفلان (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ [آل عمران : 7]) وهم أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام([773]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (أَوْ كَظُلُمَاتٍ) فلان وفلان (فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ) يعنى نعثل (مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ)([774]). الصادق عليه السلام : وقد سئل عن عما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " إن ولد الزنا شر الثلاثة " ما معناه ؟ قال : عنى به الأوسط أنه شر ممن تقدمه وممن تلاه([775]). الصادق عليه السلام : من قال : من قال : اللهم إني أشهدك واشهد ملائكتك المقربين وحملة عرشك المصطفين أنك أنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم وأن محمدا عبدك ورسولك وأن فلان بن فلان إمامي ووليي وأن أباه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليا والحسن والحسين وفلانا وفلانا حتى ينتهي إليه أئمتي وأوليائي على ذلك أحيا وعليه أموت وعليه ابعث يوم القيامة وأبرأ من فلان وفلان وفلان. فإن مات في ليلته دخل الجنة. قال المازندراني في شرحه : (وأبرأ من فلان وفلان وفلان) ويسميهم بأسمائهم ولا ينفع التولي بدون البراءة منهم كما دل عليه بعض الاخبار([776]). الصادق عليه السلام : في قول الله عز وجل : (فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الحج : 50]) قال : أولئك آل محمد عليهم السلام، (وَالَّذِينَ سَعَوْا)] في قطع مودة آل محمد (فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [الحج : 51])، قال : هي الأربعة نفر، يعني التيمي والعدي والأمويين([777]). الصادق عليه السلام : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : أين خليفة الله في أرضه ؟... فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فيأتي النداء من قبل الله عز وجل : يا معشر الخلائق هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه وحجته على عباده، فمن تعلق بحبله في دار الدنيا فليتعلق بحبله في هذا اليوم ليستضئ بنوره، وليتبعه إلى الدرجات العلى من الجنان. قال : فيقوم أناس قد تعلقوا بحبله في الدنيا فيتبعونه إلى الجنة، ثم يأتي النداء من عند الله جل جلاله : ألا من ائتم بإمام في دار الدنيا فليتبعه إلى حيث شاء ويذهب به، فحينئذ : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة : 166- 167])([778]). الصادق عليه السلام : في قول الله عز وجل : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى [طه : 54]) قال نحن والله أولى النهى قال قلت ما معنى أولى النهى قال ما أخبر الله عز وجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما يكون بعده من ادعاء أبي فلان الخلافة والقيام بها والآخر من بعده والثالث من بعدهما وبني أمية ([779]). الصادق عليه السلام : في قوله تعالى : (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى [الليل : 5-6]) قال : بالولاية (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى [الليل : 7-9]) قال : بالولاية - وفي رواية - بولاية علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى [الليل : 10]). يعني النار([780]). الصادق عليه السلام : من أعطى الخمس، واتقى ولاية الطواغيت، وصدق بالحسنى بالولاية، (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) قال : لا يريد شيئا من الخير إلا تيسر له (وَأَمَّا مَن بَخِلَ) بالخمس (وَاسْتَغْنَى) برأيه عن أولياء الله (وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى) الولاية، فلا يريد شيئا من اليسر الا تعسر له([781]). الصادق عليه السلام : في قول الله : (غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [الفاتحة : 7]) قال : (غير المغضوب عليهم وغير الضالين) قال : هكذا نزلت، وقال : المغضوب عليهم فلان وفلان وفلان، والنصاب و(الضالين) الشكاك الذين لا يعرفون الامام([782]). الكاظم عليه السلام : في قول الله تبارك وتعالى : (إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف : 33]) فقال : إن القرآن له ظهر وبطن، فجميع ما حرم في الكتاب هو الظاهر والباطن من ذلك أئمة الجور، وجميع ما أحل في الكتاب هو الظاهر والباطن من ذلك أئمة الحق([783]). الصادق عليه السلام : وقد سئل : قال : قلت له ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم يقاتل فلانا وفلانا وفلانا ؟ قال لآية في كتاب الله عز وجل : (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً [الفتح : 25]) قال قلت وما يعني بتزايلهم ؟ قال ودائع مؤمنين في أصلاب قوم كافرين وكذلك القائم عليه السلام لن يظهر ابدا حتى تخرج ودائع الله تعالى فإذا خرجت ظهر على من ظهر من أعداء الله فقتلهم([784]). الصادق عليه السلام : علي باب هدى، من تقدمه كان كافرا ومن تخلف عنه كان كافرا([785]). الصادق عليه السلام : خرج الحسين بن علي عليهما السلام على أصحابه فقال : أيها الناس ان الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه، فقال له رجل : يا بن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله ؟ قال معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته. قال الصدوق : يعني ذلك ان يعلم أهل كل زمان ان الله هو الذي لا يخليهم في كل زمان عن إمام معصوم، فمن عبد ربا لم يقم لهم الحجة فإنما عبد غير الله عز وجل. وقال الكراجكي قدس الله روحه : إعلم أنه لما كانت معرفة الله وطاعته لا ينفعان من لم يعرف الإمام، ومعرفة الإمام وطاعته لا تقعان إلا بعد معرفة الله صح أن يقال : إن معرفة الله هي معرفة الإمام وطاعته([786]). الرضا عليه السلام : في قول الله تبارك وتعالى : (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ... [النساء : 108]) قال : يعني فلانا وفلانا وأبا عبيدة بن الجراح. وفي رواية عن أبي جعفر عليه السلام قال : فلان وفلان وفلان وأبو عبيدة بن الجراح. وفي رواية : هما وأبو عبيدة بن الجراح. وفي رواية عمر : الأول والثاني وأبو عبيدة بن الجراح. وقال المازندراني : تعاهدوا على أن يخرجوا الخلافة من آل الرسول وشاركهم في ذلك عبد الرحمن بن عوف وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن شعبة([787]). الرضا عليه السلام : في قول الله عز وجل : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب : 72]) فقال : الأمانة : الولاية، من ادعاها بغير حق فقد كفر([788]). الرضا عليه السلام : في هذه الآية (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ). قال : يعني الأول والثاني، ( ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ) قال : الثالث والرابع والخامس، (كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [المرسلات : 18]) من بني أمية، وقوله : (فوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ [المرسلات : 15]) بأمير المؤمنين والأئمة عليه السلام([789]). الرضا عليه السلام : في قوله تعالى : (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ [القارعة : 6-7]). قال : نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام، (وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ [القارعة : 8-9]). قال : نزلت في الثلاثة([790]). العسكري عليه السلام : جاء رجل من المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له : كيف تجد قلبك لاخوانك المؤمنين الموافقين لك في محبة محمد وعلي وعداوة أعدائهما ؟ قال فإني أراهم كنفسي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويسرني ما يسرهم، ويهمني ما يهمهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنت إذا ولي الله لا تبال، فإنك قد يوفر عليك ما ذكرت، ما أعلم أحداً من خلق الله له ربح كربحك إلا من كان على مثل حالك، فليكن لك ما أنت عليه بدلا من الأموال فافرح به، وبدلا من الولد والعيال فأبشر به، فإنك من أغنى الأغنياء، وأحي أوقاتك بالصلاة على محمد وعلي وآلهما الطيبين، ففرح الرجل وجعل يقولها، فقال ابن أبي هقاقم وقد رآه : يا فلان قد زودك محمد الجوع والعطش، وقال له أبو الشرور : قد زودك محمد الأماني الباطلة، ما أكثر ما يقولها ولا يحلى بطائل وقد حضر الرجل السوق في غد وقد حضراه، فقال أحدهما الآخر : هلم نطنز بهذا المغرور بمحمد، فقال له أبو الشرور : يا عبد الله قد اتجر الناس اليوم وربحوا، فماذا كانت تجارتك ؟ قال الرجل : كنت من النظارة ولم يكن لي ما أشتري ولا ما أبيع ولكني كنت أصلي على محمد وعلي وآلهما الطيبين، فقال له أبو الشرور : قد ربحت الخيبة، واكتسبت الحرمان، وسبقك إلى منزلك مائدة الجوع عليها طعام من المنى وإدام وألوان من أطعمة الخيبة التي تتخذها لك الملائكة الذين ينزلون على أصحاب محمد بالخيبة والجوع والعطش والعرى والذلة، فقال الرجل : كلا والله إن محمدا رسول الله، وإن من آمن به فمن المحقين السعيدين، سيوفر الله من آمن به بما يشاء من سعة يكون بها متفضلا، ومن ضيق يكون به عادلا ومحسنا للنظر له، وأفضلهم عنده أحسنهم تسليما لحكمه، فلم يلبث الرجل أن مر بهم رجل بيده سمكة قد أراحت فقال أبو الشرور وهو يطنز : بع هذه السمكة من صاحبنا هذا، يعني صاحب رسول الله، فقال الرجل : اشترها مني فقد بارت علي، فقال : لا شئ معي، فقال أبو الشرور : اشترها ليؤدي ثمنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يطنز، ألست تثق برسول الله ؟ أفلا تنبسط إليه في هذا القدر ؟ فقال : نعم بعنيها، قال الرجل : قد بعتكها بدانقين فاشتراها بدانقين على أن يجعله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبعث به إلى رسول الله، فأمر رسول الله أسامة أن يعطيه درهما، فجاء الرجل فرحا مسرورا بالدرهم، وقال : إنه أضعاف قيمة سمكتي، فشقها الرجل بين أيديهم، فوجد فيها جوهرتين نفيستين قومتا مأتي ألف درهم، فعظم ذلك على أبي الشرور وابن أبي هقاقم، فتبعا الرجل صاحب السمكة فقالا : ألم تر الجوهرتين ؟ إنما بعته السمكة لا ما في جوفها فخذهما منه، فتناولهما الرجل من المشتري فأخذ إحداها بيمينه، والأخرى بشماله فحولهما الله عقربتين لدغتاه، فتأوه وصاح ورمى بهما من يده، فقالا : ما أعجب سحر محمد، ثم أعاد الرجل نظره إلى بطن السمكة فإذا جوهرتان أخريان، فأخذهما فقال لصاحب السمكة : خذهما فهما لك أيضا، فذهب يأخذهما فتحولتا حيتين ووثبتا عليه ولسعتاه فصاح وتأوه وصرخ، وقال للرجل : خذهما عني، فقال الرجل : هما لك على ما زعمت وأنت أولى بهما، فقال الرجل : خذ والله جعلتهما لك، فتناولهما الرجل عنه وخلصه منهما، وإذا هما قد عادتا جوهرتين، وتناول العقربتين فعادتا جوهرتين، فقال أبو الشرور لأبي الدواهي : أما ترى سحر محمد ومهارته فيه وحذقه به ؟ فقال الرجل المسلم : يا عدو الله أو سحرا ترى هذا ؟ لئن كان هذا سحرا فالجنة والنار أيضا يكونان بالسحر ؟ فالويل لكما في مقامكما على تكذيب من يسحر بمثل الجنة والنار، فانصرف الرجل صاحب السمكة وترك الجواهر الأربعة على الرجل، فقال الرجل لأبي الشرور وأبي الدواهي : يا ويلكما آمنا بمن آثار نعم الله عليه وعلى من يؤمن به، أما رأيتما العجب ؟ ثم جاء بالجواهر الأربعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجاءه تجار غرباء يتجرون فاشتروها منه بأربعمأة ألف فقال الرجل : ما كان أعظم بركة اليوم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هذا بتوقيرك محمدا رسول الله، وتعظيمك عليا أخا رسول الله ووصيه. قال المجلسي : لعل المراد بابن أبي الهقاقم وأبي الدواهي كليهما عمر، ويحتمل أن يكون المراد بابن أبي الهقاقم عثمان ([791]). العسكري عليه السلام : كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما جالسا هو وأصحابه بحضرة جمع من خيار المهاجرين والأنصار إذ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن شدقي يتحلب، وأجدني أشتهي حريرة مدوسة ملبقة بسمن وعسل. فقال علي عليه السلام : وأنا أشتهي ما يشتهيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي الفصيل : ماذا تشتهي أنت ؟ قال : خاصرة حمل مشوي. وقال لأبي الشرور وأبي الدواهي : ماذا تشتهيان أنتما؟ قالا : صدر حمل مشوي. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أي عبد مؤمن يضيف اليوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه ويطعمهم شهواتهم ؟ فقال عبد الله بن أبي : هذا والله اليوم الذي نكيد فيه محمدا وصحبه ومحبيه ونقتله، ونخلص العباد والبلاد منه، وقال : يا رسول الله أنا أضيفكم، عندي شئ من بر وسمن وعسل، وعندي حمل أشويه لكم. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فافعل. فذهب عبد الله بن أبي، وأكثر السم في ذلك البر الملبق بالسمن والعسل، وفي ذلك الحمل المشوي، ثم عاد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال : هلموا إلى ما اشتهيتم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أنا ومن ؟ قال ابن أبي : أنت وعلي وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار. فأشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي الشرور وأبي الدواهي وأبي الملاهي وأبي النكث وقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا بن أبي دون هؤلاء ؟ فقال ابن أبي : نعم دون هؤلاء. وكره أن يكونوا معه لأنهم كانوا مواطئين لابن أبي على النفاق. والقصة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة([792]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : قال : سمعت سلمان الفارسي قال : لما أن قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصنع الناس ما صنعوا... أتيت عليا وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأخبرته بما صنع القوم، وقلت إن أبا بكر الساعة لعلى منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يرضون أن يبايعوا له بيد واحدة، وإنهم ليبايعونه بيديه جميعا بيمينه وشماله ؟ فقال علي عليه السلام : يا سلمان وهل تدري من أول من بايعه على منبر رسول الله ؟ قلت : لا إلا أني رأيته في ظلة بني ساعدة حين خصمت الأنصار وكان أول من بايعه المغيرة بن شعبة ثم بشير ابن سعد ثم أبو عبيدة بن الجراح ثم عمر بن الخطاب ثم سالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل. قال : لست أسألك عن هؤلاء، ولكن تدرى من أول من بايعه حين صعد المنبر ؟ قلت : لا، ولكن رأيت شيخا كبيرا يتوكأ على عصاه بين عينيه سجادة شديد التشمير، صعد المنبر أول من صعد وخر وهو يبكي ويقول " الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك في هذا المكان، أبسط يدك " فبسط يديه فبايعه، ثم قال : " يوم كيوم آدم " ثم نزل فخرج من المسجد. فقال على عليه السلام : يا سلمان أتدري من هو ؟ قلت : لا، ولقد ساءتني مقالته كأنه شامت بموت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال علي عليه السلام : فان ذلك إبليس لعنه الله، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن إبليس ورؤساء أصحابه شهدوا نصب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إياي يوم غدير خم بما أمره الله، فأخبرهم بأني أولى بهم من أنفسهم، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب فأقبل إلى إبليس أبا لستة ومردة أصحابه، فقالوا إن هذه الأمة أمة مرحوم معصومة فما لك ولا لنا عليهم سبيل، وقد أعلموا مفزعهم وإمامهم بعد نبيهم، فانطلق إبليس كئيبا حزينا. وقال أمير المؤمنين عليه السلام : فأخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لو قبض أن الناس سيبايعون أبا بكر في ظلة بني ساعدة بعد تخاصمهم بحقنا وحجتنا، ثم يأتون المسجد فيكون أول من يبايعه على منبري إبليس في صورة شيخ كبير مشمر يقول كذا وكذا، ثم يخرج فيجمع شياطينه وأبالسته ; فيخرون سجدا ويقولون يا سيدهم يا كبيرهم أنت الذي أخرجت آدم من الجنة، فيقول أي أمة لم تضل بعد نبيها ؟ كلا زعمتم أن ليس لي عليهم سبيل، فكيف رأيتموني صنعت بهم حين تركوا ما أمرهم الله به من طاعته، وأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك قوله تعالى " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين. قال سلمان : فلما أن كان الليل، حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام، فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتاه في منزلة، فذكرهم حقه، ودعاهم إلى نصرته، فما استجاب له منهم إلا أربعة وأربعون رجلا، فأمرهم أن يصبحوا بكرة محلقين رؤوسهم، معهم سلاحهم، ليبايعوه على الموت، فأصبحوا فلم يواف منهم أحد إلا أربعة فقلت لسلمان : من الأربعة ؟ فقال : أنا وأبو ذر والمقداد والزبير بن العوام، ثم أتاهم علي عليه السلام من الليلة المقبلة، فناشدهم فقالوا نصبحك بكرة، فما منهم أحد أتاه غيرنا، ثم أتاهم الليلة الثالثة : فما أتاه غيرنا. فلما رأى علي عليه السلام غدرهم، وقلة وفائهم له، لزم بيته، وأقبل على القرآن يؤلفه ويجمعه، فلم يخرج من بيته حتى جمعه، وكان في الصحف والشظاظ والأكتاف والرقاع، فلما جمعه كله وكتبه بيده : تنزيله وتأويله، والناسخ منه والمنسوخ، بعث إليه أبو بكر اخرج فبايع، فبعث إليه علي عليه السلام أني مشغول وقد آليت على نفسي يمينا أن لا أرتدي برداء إلا للصلاة حتى أولف القرآن وأجمعه. فسكتوا عنه أياما فجمعه في ثوب واحد وختمه، ثم خرج إلى الناس وهم مجتمعون مع أبي بكر في مسجد رسول الله عليه السلام، فنادى علي عليه السلام بأعلا صوته : أيها الناس إني لم أزل منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشغولا بغسله، ثم بالقرآن حتى جمعته كله في هذا الثوب الواحد، فلم ينزل الله على رسوله آية منه إلا وقد جمعتها وليست منه آية إلا وقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلمني تأويلها ثم قال علي عليه السلام لئلا تقولوا غدا أنا كنا عن هذا غافلين. ثم قال لهم علي عليه السلام : لا تقولوا يوم القيامة إني لم أدعكم إلى نصرتي، ولم أذكركم حقي، ولم أدعكم إلى كتاب الله من فاتحته إلى خاتمته، فقال له عمر : ما أغنانا بما معنا من القرآن عما تدعونا إليه، ثم دخل علي عليه السلام بيته وقال عمر لأبي بكر : أرسل إلى علي فليبايع، فانا لسنا في شئ حتى يبايع، ولو قد بايع أمناه، فأرسل إليه أبو بكر أجب خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه الرسول فقال له ذلك فقال له على عليه السلام : سبحان الله ما أسرع ما كذبتم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه ليعلم ويعلم الذين حوله أن الله ورسوله لم يستخلفا غيري، وذهب الرسول فأخبره بما قال له، فقال : اذهب فقل له أجب أمير المؤمنين أبا بكر، فأتاه فأخبره بما قال : فقال على عليه السلام : سبحان الله ! ما - والله - طال العهد فينسى، والله إنه ليعلم أن هذا الاسم لا يصلح إلا لي، ولقد أمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو سابع سبعة فسلموا على بإمرة المؤمنين فاستفهم هو وصاحبه من بين السبعة فقالا : أمر من الله ورسوله ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : نعم حقا من الله ورسوله، إنه أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وصاحب لواء الغر المحجلين يقعده الله عز وجل يوم القيامة على الصراط فيدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار فانطلق الرسول فأخبره بما قال فسكتوا عنه يومهم ذلك. قال : فلما كان الليل حمل علي عليه السلام فاطمة عليها السلام على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام فلم يدع أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أتاه في منزله فناشدهم الله حقه، ودعاهم إلى نصرته فما استجاب منهم رجل غيرنا أربعة فانا حلقنا رؤسنا وبذلنا له نصرتنا، وكان الزبير أشدنا بصيرة في نصرته، فلما أن رأى علي عليه السلام خذلان الناس إياه وتركهم نصرته، واجتماع كلمتهم مع أبي بكر، وتعظيمهم إياه، لزم بيته. فقال عمر لأبي بكر : ما يمنعك أن تبعث إليه فيبايع، فإنه لم يبق أحد إلا وقد بايع غيره وغير هؤلاء الأربعة، وكان أبو بكر أرق الرجلين وأرفقهما وأدهاهما وأبعدهما غورا، والاخر أفظهما وأغلظهما وأجفاهما، فقال له أبو بكر : من نرسل إليه ؟ فقال عمر نرسل إليه قنفذا فهو رجل فظ غليظ جاف من الطلقاء، أحد بني عدي بن كعب، فأرسله وأرسل معه أعونا، وانطلق فاستأذن على علي عليه السلام فأبي أن يأذن لهم فرجع أصحاب قنفذ إلى أبى بكر وعمر وهما جالسان في المسجد والناس حولهما، فقالوا : لم يؤذن لنا. فقال عمر : اذهبوا فان أذن لكم وإلا فأدخلوا بغير إذن فانطلقوا فاستأذنوا فقالت فاطمة عليها السلام أحرج عليكم أن تدخلوا علي بيتي بغير اذن، فرجعوا وثبت قنفذ الملعون، فقالوا : ان فاطمة قالت كذا وكذا، فتحرجنا أن ندخل بيتها بغير اذن. فغضب عمر وقال مالنا وللنساء ثم أمرا ناسا حوله بتحصيل الحطب وحملوا الحطب وحمل معهم عمر فجعلوه حول منزل على عليه السلام وفيه على وفاطمة وابناهما عليه السلام ثم نادى عمر حتى أسمع عليا وفاطمة : والله لتخرجن يا علي ولتبايعن خليفة رسول الله وإلا أضرمت عليك النار، فقامت فاطمة عليها السلام فقالت : يا عمر مالنا ولك ؟ فقال افتحي الباب وإلا أحرقنا عليكم بيتكم، فقالت : يا عمر أما تتقي الله تدخل علي بيتي ؟ فأبى أن ينصرف ودعا عمر بالنار فأضرمها في الباب ثم دفعه فدخل. فاستقبلته فاطمة عليها السلام وصاحت يا أبتاه يا رسول الله ! فرفع عمر السيف وهو في غمده فوجأ به جنبها، فصرخت يا أبتاه، فرفع السوط فضرب به ذراعها، فنادت يا رسول الله لبئس ما خلفك أبو بكر وعمر، فوثب علي عليه السلام فأخذ بتلابيبه فصرعه ووجأ أنفه ورقبته، وهم بقتله، فذكر قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أوصاه به، فقال : والذي كرم محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة يا ابن صهاك لولا كتاب من الله سبق، وعهد عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلمت أنك لا تدخل بيتي. فأرسل عمر يستغيث فأقبل الناس حتى دخلوا الدار، وثار علي عليه السلام إلى سيفه فرجع قنفذ إلى أبي بكر وهو يتخوف أن يخرج علي عليه السلام بسيفه، لما قد عرف من بأسه وشدته، فقال أبو بكر لقنفذ ارجع فان خرج فاقتحم عليه بيته، فان امتنع فأضرم عليهم بيتهم النار فانطلق قنفذ الملعون فاقتحم هو وأصحابه بغير إذن، وثار على عليه السلام إلى سيفه فسبقوه إليه وكاثروه، فتناول بعض سيوفهم فكاثروه، فألقوا في عنقه حبلا وحالت بينهم وبينه فاطمة عليها السلام عند باب البيت فضربها قنفذ الملعون بالسوط، فماتت حين ماتت وان في عضدها مثل الدملج من ضربته لعنه الله ثم انطلقوا بعلي عليه السلام يتل حتى انتهى به إلى أبي بكر، وعمر قائم بالسيف على رأسه، وخالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة ومعاذ بن جبل والمغيرة بن شعبة وأسيد بن حضير وبشير بن سعد وساير الناس حول أبي بكر عليهم السلاح. قال : قلت لسلمان : أدخلوا على فاطمة بغير اذن ؟ قال أي والله، وما عليها خمار فنادت يا أبتاه يا رسول الله فلبئس ما خلفك أبو بكر وعمر، وعيناك لم تتفقأ في قبرك، تنادي بأعلى صوتها، فلقد رأيت أبا بكر ومن حوله يبكون ما فيهم الا باك غير عمر وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وعمر يقول : انا لسنا من النساء ورأيهن في شئ، قال : فانتهوا بعلي عليه السلام إلى أبى بكر وهو يقول : أما والله لو وقع سيفي في يدي لعلمتم أنكم لم تصلوا إلى هذا أبدا، أما والله ما ألوم نفسي في جهادكم، ولو كنت استمسك من أربعين رجلا لفرقت جماعتكم، ولكن لعن الله أقواما بايعوني ثم خذلوني. ولما أن بصر به أبو بكر صاح : خلوا سبيله، فقال علي عليه السلام : يا أبا بكر ما أسرع ما توثبتم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأي حق وبأي منزلة دعوت الناس إلى بيعتك ؟ ألم تبايعني بالأمس بأمر الله وأمر رسول الله ؟ وقد كان قنفذ لعنه الله ضرب فاطمة عليها السلام بالسوط حين حالت بينه وبين زوجها وأرسل إليه عمر إن حالت بينك وبينه فاطمة فاضربها فألجأها قنفذ إلى عضادة بيتها ودفعها فكسر ضلعا من جنبها فألقت جنينا من بطنها فلم تزل صاحبة فراش حتى ماتت - صلى الله عليها - من ذلك شهيدة. قال : ولما انتهى بعلي عليه السلام إلى أبي بكر انتهره عمر وقال : له بايع ودع عنك هذه الأباطيل فقال له علي عليه السلام : فإن لم أفعل فما أنتم صانعون ؟ قالوا نقتلك ذلا وصغارا، فقال إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر أما عبد الله فنعم وأما أخو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما نقر لك بهذا، قال أتجحدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخا بيني وبينه ؟ قال : نعم، فأعاد ذلك عليه ثلاث مرات ثم أقبل عليهم علي عليه السلام فقال : يا معشر المسلمين والمهاجرين والأنصار أنشدكم الله أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم غدير خم كذا وكذا وفي غزوة تبوك كذا وكذا، فلم يدع على عليه السلام شيئا قاله فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علانية للعامة الا ذكرهم إياه، فقالوا اللهم نعم، فلما تخوف أبو بكر أن ينصره الناس وأن يمنعوه بادرهم، فقال : كلما قلت حق قد سمعناه بآذاننا ووعته قلوبنا ولكن قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : بعد هذا إنا أهل بيت اصطفانا الله وأكرمنا، واختار لنا الآخرة على الدنيا، وان الله لم يكن ليجمع لنا أهل البيت النبوة والخلافة فقال على عليه السلام : هل أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهد هذا معك ؟ فقال عمر : صدق خليفة رسول الله، قد سمعنا هذا منه كما قال وقال أبو عبيدة وسالم مولى أبى حذيفة ومعاذ بن جبل قد سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال على عليه السلام لقد وفيتم بصحيفتكم الملعونة التي قد تعاقدتم علينا شفى الكعبة : ان قتل الله محمدا أو مات لتزون هذا الامر عنا أهل البيت، فقال أبو بكر : فما علمك بذلك ما أطلعناك عليها؟ فقال على عليه السلام : أنت يا زبير وأنت يا سليمان وأنت يا أبا ذر وأنت يا أبا ذر وأنت يا مقداد أسألكم بالله وبالاسلام أما سمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك وأنتم تسمعون أن فلانا وفلانا حتى عد هؤلاء الخمسة قد كتبوا بينهم كتابا وتعاهدوا فيه وتعاقدوا على ما صنعوا ؟ فقالوا اللهم نعم، قد سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك لك : إنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا على ما صنعوا وكتبوا بينهم كتابا إن قتلت أومت أن يزووا عنك هذا يا علي فقلت : بأبي أنت يا رسول الله فما تأمرني إذا كان ذلك أن افعل ؟ فقال لك : ان وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم ونابذهم، وان لم تجد أعوانا فبايعهم واحقن دمك، فقال علي عليه السلام : أما والله لو أن أولئك الأربعين رجلا الذين بايعوني وفوا لي لجاهدتكم في الله... فقام عمر فقال لأبي بكر وهو جالس فوق المنبر : ما يجلسك فوق المنبر وهذا جالس محارب لا يقوم فيبايعك ؟ أو تأمر به فنضرب عنقه، والحسن والحسين عليهما السلام قائمان، فلما سمعا مقالة عمر بكيا فضمهما إلى صدره فقال : لا تبكيا فوالله ما يقدران على قتل أبيكما، وأقبلت أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا أبا بكر ما أسرع ما أبديتم حسدكم ونفاقكم، فأمر بها عمر فأخرجت من المسجد وقال : ما لنا وللنساء.. ثم قال قم يا بن أبي طالب فبايع فقال عليه السلام : فإن لم أفعل قال : إذا والله نضرب عنقك، فاحتج عليهم ثلاث مرات ثم مد يده من غير أن يفتح كفه فضرب عليها أبو بكر ورضي بذلك منه، فنادي علي عليه السلام قبل أن يبايع والحبل في عنقه " يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني ". وقيل للزبير : بايع، فأبي فوثب عمر وخالد والمغيرة بن شعبة في أناس فانتزعوا سيفه فضربوا به الأرض حتى كسروه، ثم لببوه فقال الزبير وعمر على صدره يا ابن صهاك أما والله لو أن سيفي في يدي لحدث عني فبايع. قال سلمان : ثم أخذوني فوجأوا عنقي حتى تركوها كالسلعة، ثم أخذوا يدي وفتلوها فبايعت مكرها ثم بايع أبو ذر والمقداد مكرهين، وما بايع أحد من الأمة. مكرها غير علي وأربعتنا، ولم يكن منا أحد أشد قولا من الزبير، فإنه لما بايع قال يا ابن صهاك أما والله لولا هؤلاء الطغاة الذين أعانوك لما كنت تقدم على ومعي سيفي، لما أعرف من جبنك ولؤمك، ولكن وجدت طغاة تقوى بهم وتصول فغضب عمر وقال أتذكر صهاكا ؟ فقال : ومن صهاك وما يمنعني من ذكرها، وقد كانت صهاك زانية، أو تنكر ذلك ؟ أو ليس قد كانت أمة حبشية لجدي عبد المطلب فزنا بها جدك نفيل فولدت أباك الخطاب، فوهبها عبد المطلب له بعد ما زنا بها، فولدته، وإنه لعبد جدي، ولد زنا فأصلح بينهما أبو بكر وكف كل واحد منهما عن صاحبه. قال سليم : فقلت لسلمان : فبايعت أبا بكر يا سلمان ولم تقل شيئا ؟ قال : قد قلت بعد ما بايعت : تبا لكم ساير الدهر، أو تدرون ما صنعتم بأنفسكم ؟ أصبتم وأخطأتم، أصبتم سنة من كان قبلكم من الفرقة والاختلاف، وأخطأتم سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم حتى أخرجتموها من معدنها وأهلها، فقال عمر يا سلمان أما إذ بايع صاحبك وبايعت، فقل ما شئت، وافعل ما بدا لك، وليقل صاحبك ما بدا له، قال سلمان : فقلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن عليك وعلى صاحبك الذي بايعته مثل ذنوب أمته إلى يوم القيامة، ومثل عذابهم جميعا، فقال : قل ما شئت أليس قد بايعت ؟ ولم يقر الله عينك بأن يليها صاحبك، فقلت أشهد أني قد قرأت في بعض كتب الله المنزلة أنه باسمك ونسبك وصفتك باب من أبواب جهنم، فقال لي : قل ما شئت أليس قد أزالها الله عن أهل البيت الذين اتخذتموهم أربابا من دون الله فقلت له : أشهد أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : وسألته عن هذه الآية " فيومئذ لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد " فأخبرني أنك. أنت هو، فقال لي عمر : اسكت أسكت الله نأمتك، أيها العبد ابن اللخناء فقال لي علي عليه السلام : أقسمت عليك يا سلمان لما سكت، فقال سلمان : والله لو لم يأمرني علي عليه السلام بالسكوت لخبرته بكل شئ نزل فيه، وكل شئ سمعته من رسول الله فيه، وفي صاحبه، فلما رآني عمر قد سكت قال إنك له لمطيع مسلم. فلما أن بايع أبو ذر والمقداد ولم يقولا شيئا قال عمر : يا سلمان ألا تكف كما كف صاحباك، والله ما أنت بأشد حبا لأهل هذا البيت منهما، ولا أشد تعظيما لحقهم منهما وقد كفا كما ترى وبايعا، قال أبو ذر أفتعيرنا يا عمر بحب آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمهم ؟ لعن الله - وقد فعل - من أبغضهم، وافترى عليهم وظلمهم حقهم، وحمل الناس على رقابهم، ورد هذه الأمة القهقرى على أدبارها، فقال عمر : آمين، لعن الله من ظلمهم حقوقهم، لا والله مالهم فيها حق وما هم فيها وعرض الناس إلا سواء، قال أبو ذر : فلم خاصمتم الأنصار بحقهم وحجتهم ؟ فقال علي عليه السلام لعمر : يا ابن صهاك فليس لنا فيها حق وهي لك ولابن آكلة الذبان ؟ قال عمر : كف الان يا أبا الحسن إذ بايعت، فان العامة رضوا بصاحبي ولم يرضوا بك فما ذنبي، قال علي عليه السلام : ولكن الله ورسوله لم يرضيا إلا بي فأبشر أنت وصاحبك ومن اتبعكما ووازركما بسخط من الله وعذابه وخزيه، ويلك يا ابن الخطاب لو تدرى مما خرجت وفيما دخلت وماذا جنيت على نفسك وعلى صاحبك ؟ فقال أبو بكر : يا عمر أنا إذ قد بايعنا وأمنا شره وفتكه وغائلته، فدعه يقول : ما شاء. فقال علي عليه السلام : لست بقائل غير شئ واحد أذكركم الله أيها الأربعة قال لسلمان وأبي ذر والزبير والمقداد : أسمعتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إن في النار لتابوتا من نار أرى فيه إثنا عشر رجلا ستة من الأولين، وستة من الآخرين، في جب في قعر جهنم، في تابوت مقفل، على ذلك الجب صخرة، فإذا أراد الله أن يسعر جهنم كشف تلك الصخرة عن ذلك الجب فاستعرت جهنم من وهج ذلك الجب ومن حره، قال علي عليه السلام فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم وأنتم شهود، فقال صلى الله عليه وآله وسلم أما الأولون فابن آدم الذي قتل أخاه، وفرعون الفراعنة، والذي حاج إبراهيم في ربه، ورجلان من بني إسرائيل بدلا كتابهم، وغيرا سنتهم، أما أحدهما فهود اليهود، والاخر نصر النصارى، وإبليس سادسهم، والدجال في الآخرين، وهؤلاء الخمسة أصحاب الصحيفة الذين تعاهدوا وتعاقدوا على عداوتك يا أخي، وتظاهروا عليك بعدي، هذا وهذا حتى سماهم وعدهم لنا. قال سلمان : فقلنا صدقت نشهد أنا سمعنا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عثمان يا أبا الحسن أما عند أصحابك هؤلاء حديث في ؟ فقال له علي عليه السلام : بلى سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلعنك ثم لم يستغفر الله لك بعد ما لعنك فغضب عثمان، ثم قال مالي ومالك لا تدعني على حالي على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا بعده فقال الزبير : نعم فأرغم الله أنفك، فقال عثمان : فوالله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الزبير يقتل مرتدا على الاسلام. قال سلمان : فقال لي علي عليه السلام فيما بيني وبينه : صدق عثمان وذلك أن الزبير يبايعني بعد قتل عثمان فينكث بيعتي، فيقتل مرتدا قال سليم ثم أقبل على سلمان فقال : إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أربعة، إن الناس صاروا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة هارون ومن تبعه، ومنزلة العجل ومن تبعه فعلي في سنة هارون، وعتيق في سنة العجل، وعمر في سنة السامري([793]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : قال أبو ذر : رحمة الله عليه : أنا أحدثكم بحديث قد سمعتموه أو من سمعه منكم قال : ألستم تشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : شر الأولين والآخرين اثنا عشر ستة من الأولين وستة من الآخرين ثم سمى الستة من الأولين... وأما الستة من الآخرين : فالعجل وهو نعثل، وفرعون وهو معاوية، وهامان هذه الأمة زياد، وقارونها وهو سعد، والسامري وهو أبو موسى عبد الله بن قيس لأنه قال كما قال سامري قوم موسى : " لا مساس " أي لا قتال، والأبتر وهو عمرو بن العاص، أفتشهدون على ذلك ؟ قالوا : نعم، قال : وأنا على ذلك من الشاهدين. ثم قال : ألستم تشهدون أن رسول الله قال : إن أمتي ترد علي الحوض على خمس رايات أولها راية العجل فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده اسود وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ومن فعل فعله يتبعه، فأقول : بماذا خلفتموني في الثقلين من بعدي ؟ فيقولون كذبنا الأكبر ومزقنا، واضطهدنا الأصغر وأخذنا حقه، فأقول، اسلكوا ذات الشمال، فينصرفون ظماء مظمئين قد اسودت وجوههم ولا يطعمون منه قطرة. ثم ترد علي راية فرعون أمتي وهم أكثر الناس ومنهم المبهرجون - قيل يا رسول الله وما المبهرجون بهرجوا الطريق ؟ قال : لا ولكن بهرجوا دينهم وهم الذين يغضبون للدنيا ولها يرضون - فأقوم فآخذ بيد صاحبهم فإذا أخذت بيده اسود وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ومن فعل فعله يتبعه، فأقول : بما خلفتموني في الثقلين بعدي ؟ فيقولون : كذبنا الأكبر ومزقناه وقاتلنا الأصغر فقتلناه، فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم، فينصرفون ظماء مظمئين مسودة وجوههم لا يطعمون منه قطرة. قال : ثم ترد علي راية هامان أمتي فأقوم فآخذ بيده فإذا أخذت بيده اسود وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ومن فعل فعله يتبعه، فأقول : بما خلفتموني في الثقلين بعدي ؟ فيقولون : كذبنا الأكبر وعصيناه وخذلنا الأصغر وخذلنا عنه فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم، فينصرفون ظماء مظمئين مسودة وجوههم لا يطعمون منه قطرة. ثم ترد علي راية عبد الله بن قيس وهو إمام خمسين ألف من أمتي، فأقوم فآخذ بيده، فإذا أخذت بيده اسود وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ومن فعل فعله يتبعه فأقول : بما خلفتموني في الثقلين من بعدي ؟ فيقولون : كذبنا الأكبر ومزقناه وعصيناه وخذلنا الأصغر وخذلنا عنه فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم، فينصرفون ظماء مظمئين مسودة وجوههم لا يطعمون منه قطرة. ثم ترد علي المخدج برايته فآخذ بيده فإذا أخذت بيده اسود وجهه ورجفت قدماه وخفقت أحشاؤه ومن فعل فعله يتبعه، فأقول : بما خلفتموني في الثقلين بعدي ؟ فيقولون : كذبنا الأكبر وعصيناه وقاتلنا الأصغر وقتلناه، فأقول : اسلكوا سبيل أصحابكم فينصرفون ظماء مظمئين مسودة وجوههم لا يطعمون منه قطرة. قال المجلسي : لعل هذه التفسيرات من الرواة تقية وإلا فانطباق العجل على أبي بكر وفرعون على عمر وقارون على عثمان كما هو المصرح به في أخبار أخر([794]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : قال سلمان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن عليا مع القرآن والحق، حيثما دار دار. إنه أول من آمن بالله وأول من يصافحني يوم القيامة من أمتي، وهو الصديق الأكبر والفاروق بين الحق والباطل، وهو وصيي ووزيري وخليفتي في أمتي ويقاتل على سنتي. فقال لهم الرجل : فما بال الناس يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق ؟ فقالوا له : نحلهما الناس اسم غيرهما كما نحلوهما خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإمرة المؤمنين، وما هو لهما باسم لأنه اسم غيرهما. وفي رواية : فقال رجل فما بال الناس يسمون أبا بكر الصديق وعمر الفاروق ؟ فقالوا له جهل الناس حق علي كما جهلوا خلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجهلوا حق أمير المؤمنين عليه السلام ومالك لهما باسم لأنه اسم غيرهما والله ان عليا هو الصديق الأكبر والفاروق الأزهر([795]). سليم بن قيس (ت : 76 هـ) : تحذير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر وعمر من غصب الخلافة أما إني سأخبرك : قال علي عليه السلام : دعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده سلمان وأبو ذر والمقداد، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة إلى أبيها وحفصة إلى أبيها وأمر ابنته فأرسلت إلى زوجها عثمان، فدخلوا. فحمد الله وأثنى عليه وقال : يا أبا بكر، يا عمر، يا عثمان، إني رأيت الليلة اثني عشر رجلا على منبري يردون أمتي عن الصراط القهقرى. فاتقوا الله وسلموا الأمر لعلي بعدي ولا تنازعوه في الخلافة، ولا تظلموه ولا تظاهروا عليه أحدا. قالوا : يا نبي الله، نعوذ بالله من ذلك أماتنا الله قبل ذلك([796]). محمد بن مسعود العياشي (ت : 320 هـ) : في قوله تعالى : (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة : 124]). قال : يا رب ويكون من ذريتي ظالم ؟ قال : نعم فلان وفلان وفلان ومن اتبعهم. ولما قال الله : (وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [البقرة : 126]) قال : يا رب ومن الذين متعتهم ؟ قال : الذين كفروا بآياتي فلان وفلان وفلان([797]). محمد بن يعقوب الكليني (ت : 328 هـ) : عند قبر أمير المؤمنين عليه السلام تقول : السلام عليك يا ولى الله، السلام عليك يا حجة الله، السلام عليك يا خليفة الله، السلام عليك يا عمود الدين، السلام عليك يا وارث النبيين، السلام عليك يا قسيم الجنة والنار وصاحب العصا والميسم، السلام عليك يا أمير المؤمنين أشهد أنك كلمة التقوى وباب الهدي والعروة الوثقى والحبل المتين والصراط المستقيم وأشهد أنك حجة الله على خلقه وشاهده على عباده وأمينه على علمه وخازن سره وموضع حكمته وأخو رسوله عليه السلام وأشهد أن دعوتك حق وكل داع منصوب دونك باطل مدحوض، أنت أول مظلوم وأول مغصوب حقه فصبرت واحتسبت، لعن الله من ظلمك واعتدي عليك وصد عنك لعنا كثيرا يلعنهم به كل ملك مقرب وكل نبي مرسل وكل عبد مؤمن ممتحن، صلى الله عليك يا أمير المؤمنين وصلي الله على روحك وبدنك...آمنت بالله وما انزل إليكم وأتولى آخركم بما توليت به أولكم وكفرت بالجبت والطاغوت واللات والعزى([798]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : الفلق جب في نار جهنم يتعوذ أهل النار من شدة حره، فسأل الله من شدة حره أن يتنفس فأذن له فتنفس فأحرق جهنم. قال : وفي ذلك الجب صندوق من نار يتعوذ أهل الجب من حر ذلك الصندوق، وهو التابوت وفي ذلك التابوت ستة من الأولين وستة من الآخرين، فأما الستة من الأولين فابن آدم الذي قتل أخاه، ونمرود ابراهيم الذي ألقى ابراهيم في النار، وفرعون موسى، والسامري الذي اتخذ العجل، والذي هودّ اليهود والذي نصر النصارى، وأما الستة الذين من الآخرين فهو الأول والثاني والثالث والرابع وصاحب الخوارج وابن ملجم لعنهم الله. يقول المجلسي : بيان : الذي هود اليهود هو الذي أفسد دينهم وحرفه وأبدع فيه كما فعل الأول والثاني في دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا الذي نصر النصارى هو الذي أبدع الشرك وكون عيسى ابن الله وغير ذلك في دينهم، والرابع معاوية، وصاحب الخوارج هو ذو الثدية([799]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : في قوله تعالى : (فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْراً [المرسلات : 5]) هي الملائكة تلقي الذكر على الرسول والامام، عليهما الصلاة والسلام. وقال : قوله عز وجل : (أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ [المرسلات : 16- 17]) قال " نهلك الأولين " أي الأمم الماضية قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ثم نتبعهم الآخرين الذين خالفوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كذلك نفعل بالمجرمين " يعني بني أمية وبني فلان([800]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : في قوله تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا [النمل : 52]) لا تكون الخلافة في آل فلان ولا آل فلان ولا آل فلان ولا آل طلحة ولا آل الزبير. يقول المجلسي : على هذا التأويل يكون المعنى بيوتهم خاوية من الخلافة والإمامة بسبب ظلمهم، فالظلم ينافي الخلافة، وكل فسق ظلم، ويحتمل أن يكون المعنى أنهم لما ظلموا وغصبوا الخلافة وحاربوا إمامهم أخرجها الله من ذريتهم ظاهرا وباطنا إلى يوم القيامة([801]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : في قوله تعالى : (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ [الزمر : 45]) قال : نزلت في فلان وفلان وفلان([802]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً [النساء : 49]). قال : هم الذين سموا أنفسهم بالصديق والفاروق وذي النورين. قوله : (ولا يظلمون فتيلا) قال : القشرة التي تكون على النواة، ثم كنى عنهم فقال : (انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الكَذِبَ [النساء : 50]) وهم هؤلاء الثلاثة([803]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال : (نتلوا عليك - يا محمد - من نبأ موسى وفرعون - إلى قوله - انه كان من المفسدين) فأخبر الله نبيه بما لقي موسى وأصحابه من فرعون من القتل والظلم ليكون تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته من أمته ثم بشره بعد تعزيته انه يتفضل عليهم بعد ذلك ويجعلهم خلفاء في الأرض وأئمة على أمته ويردهم إلى الدنيا مع أعدائهم حتى ينتصفوا منهم فقال : (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا [القصص : 5- 6]) وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم وقوله (مِنْهُم) اي من آل محمد (مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) اي من القتل والعذاب ولو كانت هذه الآية نزلت في موسى وفرعون لقال ونري فرعون وهامان وجنودهما منه ما كانوا يحذرون اي من موسى ولم يقل منهم فلما تقدم قوله (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) علمنا أن المخاطبة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وما وعد الله به رسوله فإنما يكون بعده والأئمة يكونون من ولده وإنما ضرب الله هذا المثل لهم في موسى وبني إسرائيل وفي أعدائهم بفرعون وهامان وجنودهما فقال : إن فرعون قتل بني إسرائيل وظلم من ظلمهم فأظفر الله موسى بفرعون وأصحابه حتى أهلكهم الله وكذلك أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصابهم من أعدائهم القتل والغصب ثم يردهم الله ويرد أعداءهم إلى الدنيا حتى يقتلوهم([804]). علي بن إبراهيم القمي (ت : 329 هـ) : قوله : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة : 18]) قال إذا كان يوم القيامة جمع الله الذين غصبوا آل محمد حقهم فيعرض عليهم أعمالهم فيحلفون له انهم لم يعملوا منها شيئا كما حلفوا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدنيا حين حلفوا أن لا يردوا الولاية في بني هاشم، وحين هموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العقبة، فلما أطلع الله نبيه وأخبره حلفوا له انهم لم يقولوا ذلك ولم يهموا به حتى انزل الله على رسوله " يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ خَيْراً لَّهُمْ [التوبة : 74] ([805]). بابويه القمي الملقب بالصدوق (ت : 381 هـ) : واعتقادنا في البراءة أنها واجبة من الأوثان الأربعة ومن الأنداد الأربعة ومن جميع أشياعهم وأتباعهم، وأنهم شر خلق الله. وجاء في تفسير الأوثان الأربعة أنهم أبو الفصيل ورمع ونعثل ومعاوية. قال المجلسي : أبو الفصيل أبو بكر لان الفصيل والبكر متقاربان في المعنى، ورمع مقلوب عمر، ونعثل هو عثمان([806]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : وقد سئل : لم صلى أمير المؤمنين عليه السلام خلف القوم ؟ قال : جعلهم بمثل سواري المسجد([807]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : قيل لعلي بن ميثم : لم صلى علي خلف القوم ؟ قال : جعلهم بمنزلة السواري، قيل : فلم ضرب الوليد بن عقبة بين يدي عثمان ؟ قال : لان الحد له واليه فإذا أمكنه إقامته إقامة بكل حيلة، قيل : فلم أشار على أبى بكر وعمر ؟ قال : طلبا منه أن يحيي أحكام الله وأن يكون دينه القيم كما أشار يوسف على ملك مصر نظرا منه للخلق ولان الأرض والحكم فيها إليه فإذا أمكنه أن يظهر مصالح الخلق فعل وان لم يمكنه ذلك بنفسه توصل إليه على يدي من يمكنه طلبا منه الاحياء لأمر الله، قيل : لم قعد في الشورى ؟ قال : اقتدارا منه على الحجة وعلما بأنهم ان ناظروه وأنصفوه كان هو الغالب ومن كان له دعوى فدعى إلى أن يناظر عليه فان ثبتت له الحجة أعطته فإن لم يفعل بطل حقه وأدخل بذلك الشبهة على الخلق وقد قال عليه السلام يومئذ : اليوم أدخلت في باب إذا أنصفت فيه وصلت إلى حقي - يعني ان الأول استبد بها يوم السقيفة ولم يشاوره -، قيل فلم زوج عمر ابنته ؟ قال : لاظهاره الشهادتين واقراره بفضل رسول الله وارادته استصلاحه وكفه عنه وقد عرض نبي الله لوط بناته على قومه وهم كفار ليردهم عن ضلالتهم فقال هؤلاء بناتي هن أطهر لكم ووجدنا آسية بنت مزاحم تحت فرعون([808]). محمد بن النعمان الملقب بالمفيد (ت : 413 هـ) : القول في المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام - واتفقت الإمامية وكثير من الزيدية على أن المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام ضلال فاسقون، وأنهم بتأخيرهم أمير المؤمنين عليه السلام عن مقام رسول الله صلوات الله عليه وآله عصاة ظالمون، وفي النار بظلمهم مخلدون([809]). علي بن الحسين المعروف بالشريف المرتضى (ت : 436 هـ) : وأي امارة للخوف هي أقوى من الاقدام على خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أوثق عهوده وأقوى عقوده، والاستبداد بأمر لاحظ لهم فيه. وهذه الحال تخرج من أن يكون امارة في ارتفاع الحشمة من القبيح إلى أن يكون دلالة، وإنما يسوغ أن يقال لا امارة هناك تقتضي الخوف وتدعو إلى سوء الظن إذا فرضنا ان القوم كانوا على أحوال السلامة متضافرين متناصرين متمسكين بأوامر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، جارين على سنته وطريقته. فلا يكون لسوء الظن عليهم مجال ولا لخوف من جهتهم طريق. فأما إذا فرضنا انهم دفعوا النص الظاهر وخالفوه وعملوا بخلاف مقتضاه، فالامر حينئذ منعكس منقلب وحسن الظن لا وجه له، وسوء الظن هو الواجب اللازم. فلا ينبغي للمخالفين لنا في هذه المسألة ان يجمعوا بين المتضادات، ويفرضوا ان القوم دفعوا النص وخالفوا موجبه، وهم مع ذلك على أحوال السلامة المعهودة منهم التي تقتضي من الظنون بهم أحسنها وأجملها على أنا لا نسلم انه عليهالسلام لم يقع منه إنكار على وجه من الوجوه، فإن الرواية متظافرة بأنه عليه السلام لم يزل يتظلم ويتألم ويشكو أنه مظلوم ومقهور في مقام بعد مقام وخطاب بعد خطاب... فأما محاربة أهل البصرة، ثم أهل صفين، فلا يجري مجرى التظاهر بالانكار على المتقدمين عليه عليه السلام، لأنه وجد على هؤلاء أعوانا وأنصارا يكثر عددهم ويرجي النصر والظفر بمثلهم، لان الشبهة في فعلهم وبغيهم كانت زايلة عن جميع الأماثل وذوي البصائر، ولم يشتبه امرهم إلا على اغنام وطغام ولا اعتبار بهم ولا فكر في نصرة مثلهم. فتعين الغرض في قتالهم ومجاهدتهم للأسباب التي ذكرناها. وليس هذا ولا شئ منه موجودا فيمن تقدم، بل الامر فيه بالعكس مما ذكرناه لان الجمهور والعدد الجم الكثير، كانوا على موالاتهم وتعظيمهم وتفضيلهم وتصويبهم في أقوالهم وافعالهم. فبعض للشبهة وبعض للانحراف عن أمير المؤمنين عليه السلام والحبة لخروج الامر عنه، وبعض لطلب الدنيا وحطامها ونيل الرياسات فيها. فمن جمع بين الحالتين وسوى بين الوقتين كمن جمع بين المتضادين. وكيف يقال هذا ويطلب منه عليه السلام من الانكار على من تقدم مثل ما وقع منه عليه السلام متأخرا في صفين والجمل، وكل من حارب معه عليه السلام في هذه الحروب، إلا القليل كانوا قائلين بامامة المتقدمين عليه عليه السلام ومنهم من يعتقد تفضيلهم على سائر الأمة، فكيف يستنصر ويتقوى في اظهار الانكار على من تقدم بقوم هذه صفتهم، وابن الانكار على معاوية وطلحة وفلان وفلان من الانكار على أبي بكر وعمر وعثمان لولا الغفلة والعصبية، ولو أنه عليه السلام يرجو في حرب الجمل وصفين وسائر حروبه ظفرا، وخاف من ضرر في الدين عظيم هو أعظم مما ينكره، لما كان إلا ممسكا ومحجما كسنته فيمن تقدم([810]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : وممّا يقدح في عدالة الثلاثة، قصدهم أهل بيت نبيّهم عليه السلام بالتخفيف والأذى، والوضع من أقدارهم، واجتناب ما يستحقّونه من التعظيم، فمن ذلك أمان كلّ معتزل بيعتهم ضررهم، وقصدهم عليّا عليه السلام بالأذى لتخلّفه عنهم، والإغلاظ له في الخطاب والمبالغة في الوعيد، وإحضار الحطب لتحريق منزله، والهجوم عليه بالرجال من غير إذنه، والإتيان به ملبّبا، واضطرارهم بذلك زوجته وبناته ونساءه وحامته من بنات هاشم وغيرهم إلى الخروج عن بيوتهم، وتجريد السيوف من حوله، وتوعّده بالقتل إن امتنع من بيعتهم، ولم يفعلوا شيئا من ذلك لسعد بن عبادة ولا بالخبّاب بن المنذر.. وغيرهما ممّن تأخّر عن بيعتهم حتى مات أو طويل الزمان. ومن ذلك ردّهم دعوى فاطمة عليها السلام وشهادة عليّ والحسنين عليه السلام وقبول شهادة جابر بن عبد اللّه في الخبيثات، وعائشة في الحجرة والقميص والنعل، وغيرهما. ومنها تفضيل الناس في العطاء والاقتصار بهم على أدنى المنازل. ومنها عقد الرايات والولايات لمسلميّة الفتح والمؤلّفة قلوبهم ومكيدي الإسلام من بني أميّة، وبني مخزوم، وغيرهما، والإعراض عنهم واجتناب تأهيلهم لشيء من ذلك. ومنهم منها موالاة المعروفين ببغضهم وحسدهم وتقديمهم على رقاب العالم كمعاوية، وخالد، وأبي عبيدة، والمغيرة، وأبي موسى، ومروان، وعبد اللّه بن أبي سرح، وابن كريز.. ومن ضارعهم في عداوتهم، والغضّ من المعروفين بولايتهم وقصدهم بالأذى كعمّار، وسلمان، وأبي ذرّ، والمقداد، وأبي بن كعب، وابن مسعود.. ومن شاركهم في التخصّص بولايتهم عليهم الصلاة والسلام ومنها قبض أيديهم عن فدك مع ثبوت استحقاقهم لها على ما بيّناه. وإباحة معاوية الشام، وأبي موسى العراق، وابن كريز البصرة، وابن أبي السرح مصر والمغرب.. وأمثالهم من المشهورين بكيد الإسلام وأهله. وتَأَمَّلْ هذا بعين إنصاف يَكْشِفْ لك عن شديد عداوتهم وتحاملهم عليهم كأمثاله من الأفعال الدالّة على تميّز العدوّ من الوليّ، ولا وجه لذلك إلّا تخصّصهم بصاحب الشريعة صلوات اللّه عليه وعلى آله في النسب، وتقدّمهم لديه في الدين، وبذل الجهد في طاعته، والمبالغة في نصيحته ونصرة ملّته بما لا يشاركون فيه، وفي هذا ما لا يخفى ما فيه على متأمّل. ثم قال وممّا يقدح في عدالتهم ما حفظ عن وجوه الصحابة وفضلاء السابقين والتابعين من الطعن عليهم وذمّ أفعالهم والتصريح بذمّهم وتصريحهم بذلك عند الوفاة، وتحسّرهم على ما فرّط منهم، فأمّا أقوال الصحابة والتابعين ما حفظ عن أمير المؤمنين عليه السلام من التظلّم منهم والتصريح والتلويح بتقدّمهم عليه بغير حقّ في مقام بعد مقام([811]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : عن حذيفة بن اليمان : ولي أبو بكر فطعن في الاسلام طعنة أوهنه، ثم ولي عمر فطعن في الاسلام طعنة مرق منه. وفي رواية أخرى عنه رضي الله عنه، قال : ولينا أبو بكر فطعن في الاسلام طعنة، ثم ولينا عمر فحل الازرار، ثم ولينا عثمان فخرج منه عريانا([812]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : المعلوم من دينهم لكل متأمل حالهم، وأنهم يرون في المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام ومن دان بدينهم أنهم كفار([813]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : وأما محاربوه عليه السلام، فبرهان كفرهم أظهر من برهان كفر المتقدمين عليه، لأن كل شئ دل على كفر أولئك دل على كفر هؤلاء([814]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : (عدم تكامل صفات الإمامة للقوم) أما الحرية والقرشية وظاهر الإسلام : فقد علم ما يقدح به الشيعة في أنسابهم وإسلامهم، ويرديه من حيث ميلادهم، وصحة ذلك يوجب القطع على نفي الحرية والقرشية والاسلام، ووروده فقط يمنع من القطع بثبوت ذلك المفتقر صحة الإمامة إلى ثبوته قطعا. وأما العدالة : فقد وقع منهم في حال حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يمنع منها، لفقد العلم بحصول التوبة منه، وثبت من أحداثهم بعده عليه السلام المعلوم حصول الاصرار عليها ما يمنع كل واحد من ذلك على أيسر الأمر من العدالة، ويقتضي فساد الولاية ؟ أما الواقع منم في حياته عليه السلام : فما روي من قصة التنفير به عليه السلام ليلة العقبة، والمعاهدة على نزع الأمر من أهله، وقد ورد ذلك من طريقي الخاصة والعامة، وعن جميع المنفرين والمعاقدين، والثلاثة من جملتهم، وذلك ضلال لم تثبت منه توبة. ومنه : انهزامهم يوم أحد وخيبر وحنين، وكون المنهزم فاسقا، والنص بالتوبة عن المنهزمين في أحد وحنين مختص بالمؤمنين، وليسوا كذلك قطعا، وإن قطعنا نحن على نفي الإيمان عنهم بالأدلة، ولفقد ذلك في هزيمة خيبر. ومنه : إحجامهم عن الحرب في جميع المواطن المحتاج فيها إلى معاونة النساء والصبيان، وذلك إخلال بواجب. ومنه : تعقب عمر ما قاضي عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنها ليست دينه، بل هو خير لك يا عمر وللمسلمين، وقوله أثر ذلك : ألم تعدنا دخول مكة آمنين محلقين، ورده عليه : لم أعدكم العام وستدخلها إن شاء الله، ومضيه إلى أبي بكر منكرا بعد ما قال وقيل له بقوله له : أرأيت ما فعل صاحبك - يعني رسول الله عليه السلام - والله لو أن لي سيفه لضربت به وجهه. ولا شبهة في كفر المتعقب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والشاك في وعوده، أو المنكر لما شرعه، والمضيقة بالصحبة على المخاطب، وبمثل هذه الكلمة الأخيرة حكموا على بني حنيفة بالكفر والردة على المسلمة([815]). أبو الصلاح الحلبي (ت : 447 هـ) : (ذكر القبائح الواقعة منهم حال ولايتهم المقتضية لفسخها) وتأمل هذا الكلام يغني عن إسقاط ما يتعلقون به في إمامة القوم من إجماع وغيره بالأحداث الواقعة منهم في حال ولايتهم، فهو إنا لو تجاوزنا لهم عن جميع ما قدمناه، لكانت القبائح الواقعة منهم في حال تعليمهم كافية في فساد إمامتهم على كل حال، لأن ثبوت فسقهم في حال الولاية تعليمهم الولاية كافية تمنع من ثبوت إمامتهم وصحة العقد بها قبل وقوع هذه الأحداث، فيقتضي فسخها لو كان العقد صحيحا بها، إذ لا أحد من الأمة أثبت فسقهم في حال ولايتهم إلا حكم بفساد عقدها وفسخ العقد الصحيح بالفسق الواقع بعده...إلى ان قال في باب (بيان كفر القوم ومناقشة الزيدية) وإذا ثبت حدوث ما ذكرناه من القبائح الواقعة من الثلاثة في حال ولايتهم بطلب إمامتهم بها لاتفاقهم على ذلك، وإذا بطلت في حال بطلت في كل حال باتفاق. وإذا ثبتت إمامة أمير المؤمنين عليه السلام عقلا وسمعا، واقتضى ثبوتها ثبوت الصفات الواجبة للإمام له، وفسدت إمامة المتقدمين عليه على أصولنا وأصولهم. ثبت أن الواقع منهم وممن اتبعهم متدينا بإمامتهم من محاربته عليه السلام وغيرهم كفر، لأنه لا أحد قال بوجوب عصمة الإمام إلا قطع بكفر القوم ومن دان بإمامتهم، ولأن كل من أثبت النص على أمير المؤمنين عليه السلام قال بذلك([816]). محمد بن جرير بن رستم الطبري الشيعي (ت : 525 هـ) : قال عمار قال : الذين تجسسوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة الثلاثة وصاحبا البصرة (وفي رواية : الأول والثاني والثالث وطلحة والزبير) وعمرو بن العاص، وأبو مسعود، وأبو موسى([817]). أحمد بن علي الطبرسي (ت : 548 هـ) : عن سلمان الفارسي قال : الله أكبر الله أكبر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهاتين الأذنين وإلا صمتا يقول " بينا أخي وابن عمي جالس في مسجدي مع نفر من أصحابه إذ تكبسه جماعة من كلاب أصحاب النار يريدون قتله وقتل من معه، فلست أشك إلا وأنكم هم " فهم به عمر بن الخطاب فوثب إليه أمير المؤمنين عليه السلام وأخذ بمجامع ثوبه ثم جلد به الأرض ثم قال : يا بن صهاك الحبشية لولا كتاب من الله سبق وعهد من رسول الله تقدم لأريتك أينا أضعف ناصرا وأقل عددا([818]). إبن شهر آشوب (ت : 588 هـ) : قال النبي لعلي : قم بنا إلى الصنم في أعلى الكعبة لنكسره فقاما جميعا فلما أتياه قال له النبي : قم على عاتقي حتى أرفعك عليه، فأعطاه علي ثوبه فوضعه رسول الله على عاتقه ثم رفعه حتى وضعه على البيت فأخذ علي الصنم وهو من نحاس فرمى به من فوق الكعبة فنادى رسول الله أنزلت فوثب من أعلى الكعبة كأنما كان له جناحان، ويقال ان عمر كان تمنى ذلك فقال صلى الله عليه وآله وسلم : ان الذي عبده لا يقلعه، ولما صعد أبو بكر المنبر نزل مرقاة فلما صعد عمر نزل مرقاة فلما صعد عثمان نزل مرقاة فلما صعد علي صعد إلى موضع يجلس عليه رسول الله فسمع من الناس ضوضاء فقال : ما هذه الذي أسمعها ؟ قالوا : لصعودك إلى موضع رسول الله الذي لم يصعده الذي تقدمك، فقال : سمعت رسول الله يقول : من قام مقامي ولم يعمل بعملي أكبه الله في النار وأنا والله العامل بعمله الممتثل قوله الحاكم بحكمه فلذلك قمت هنا، ثم ذكر في خطبته : معاشر الناس قمت مقام أخي وابن عمي لأنه أعلمني بسري وما يكون مني، فكأنه قال : أنا الذي وضعت قدمي على خاتم النبوة فما هذه الأعواد أنا من محمد ومحمد مني([819]). رجب البرسي (ت : 813 هـ) : إن لله مدينتين، إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب، يقال لهما جابلصا وجابلقا طول كل مدينة منها اثنا عشر ألف فرسخ، في كل فرسخ باب يدخل في كل يوم من كل باب سبعون ألفا ويخرج منها مثل ذلك ولا يعودون إلا يوم القيامة لا يعلمون أن الله خلق آدم ولا إبليس ولا شمسا ولا قمرا، هم والله أطوع لنا منكم يأتونا بالفاكهة في غير أوانها موكلين بلعنة فرعون وهامان وقارون([820]). علي بن يونس العاملي البياضي (ت : 877 هـ) : فكن من عتيق ومن غندر * أبيا بريئا ومن نعثل كلاب الجحيم خنازيرها * أعادي بني أحمد المرسل([821]). علي بن يونس العاملي البياضي (ت : 877 هـ) : لما نزلت فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد : 22-23]. دعا النبي الثلاثة وقال : فيكم نزلت هذه الآية([822]). علي بن الحسين الكركي (ت : 940 هـ) : وأي عاقل يعتقد تقديم ابن أبي قحافة وابن الخطاب وابن عفان الأدنياء في النسب، والصعاب، الذين لا يعرف لهم تقدم ولا سبق في علم ولا جهاد، وقد عبدوا الأصنام مدة طويلة، وفروا من الزحف في أحد وحنين، وأحجموا يوم الأحزاب ونكست رؤوسهم الراية وبراءة، وظلموا الزهراء بمنع إرثها ونحلتها، والبسوا أشياء أقلها يوجب الكفر، فعليهم وعلى محبيهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين([823]). محمد بن مرتضى المعروف بالفيض الكاشاني (ت : 1091 هـ) : قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [البقرة : 8]). أقول كابن أبي وأصحابه وكالأول والثاني واضرابهما من المنافقين الذين زادوا على الكفر الموجب للختم والغشاوة والنفاق ولا سيما عند نصب أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة والإمامة([824]). محمد طاهر القمي (ت : 1098 هـ) : أنه علمنا وجود المنافقين في الصحابة بمقتضى الآية والرواية، وأئمة المخالف ممن اختلف في نفاقهم، وليس في الأدلة ما يشهد ببراءتهم منه، بل القرائن الواضحات على نفاقهم كثيرة([825]). الحر العاملي (ت : 1104 هـ) : قال مولانا محمد طاهر : الخلفاء الثلاثة والأئمة الأربعة أعداء آل البيت([826]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : جعل في بحاره باب أسماه : كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم وقبائح آثارهم وفضل التبري منهم ولعنهم([827]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : ومن ضروريات دين الإمامية البراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية([828]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : انظروا بعين الإنصاف إلى الخلافة الكبرى ورئاسة الدين والدنيا كيف صارت لعبة للجهّال وخلسة لأهل الغيّ والضلال، بحيث يلهم بها الفاسق الفاجر اللئيم عثمان ويكتبها برأيه بدون مصلحة الخليفة الخوّان، ثم يمدحه هذا الشقيّ ويشكره ويجزيه خيرا عن الإسلام وأهله... وكيف اجترأ أبو بكر على ربّه في تلك الحالة التي كان يفارق الدنيا ويرد على ربّه تعالى فحكم بكون عمر أفضل الصحابة مع كون أمير المؤمنين عليه السلام بينهم... وهل يريب لبيب في أنّ تلك الأمور المتناقضة، والحيل الفاضحة الواضحة لم تكن إلّا لتتميم ما أسّسوه في الصحيفة الملعونة من منع أهل البيت عليه السلام عن الخلافة والإمامة، وحطّهم عن رتبة الرئاسة والزعامة، جزاهم اللّه عن الإسلام وأهله شرّ الجزاء، وتواتر عليهم لعن ملائكة الأرض والسماء([829]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : ومنها ما فعله الأول من التآمر على الأمّة من غير أن أباح اللّه له ذلك ولا رسوله، ومطالبة جميعهم بالبيعة له والانقياد إلى طاعته طوعا وكرها، وكان ذلك أوّل ظلم ظهر في الإسلام بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، إذ كان هو وأولياؤه جميعا مقرّين بأنّ اللّه عزّ وجلّ ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لم يولّياه ذلك ولا أوجبا طاعته ولا أمرا ببيعته. وطالب الناس بالخروج إليه ممّا كان يأخذه رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم من الأخماس والصدقات والحقوق الواجبات. ثم تسمّى بخلافة رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد علم هو ومن معه من الخاصّ والعامّ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يستخلفه، فقد جمع بين الظلم والمعصية والكذب على رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيُتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، ولمّا امتنع طائفة من الناس في دفع الزكاة إليه وقالوا إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمرنا بدفع ذلك إليك، فسمّاهم أهل الردّة، وبعث إليهم خالد بن الوليد رئيس القوم في جيش، فقتل مقاتلهم، وسبى ذراريهم، واستباح أموالهم، وجعل ذلك فيئا للمسلمين، وقتل خالد بن الوليد رئيس القوم مالك بن نويرة، وأخذ امرأته فوطأها من ليلته تلك واستحلّ الباقون فروج نسائهم من غير استبراء... وكان هذا فعلا فظيعا في الإسلام وظلما عظيما، فكفى بذلك خزيا وكفرا وجهلا، وإنّما أخذ عليه عمر بسبب قتل مالك بن نويرة، لأنّه كان بين عمر وبين مالك خلّة أوجبت المعصية له من عمر([830]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : في مسألة الصلاة على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته : أن الصلاة الحقيقة هي التي كان أمير المؤمنين عليه السلام صلاها أولا مع الستة المذكورين في خبر سليم، ولم يدخل في ذلك سوى الخواص من أهل بيته وأصحابه، لئلا يتقدم أحد من لصوص الخلافة في الصلاة، أو يحضر من هؤلاء المنافقين فيها، ثم كان عليه السلام يدخل عشرة عشرة من الصحابة : فيقرأ الآية ويدعون ويخرجون من غير صلاة([831]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : انظروا بعين الانصاف إلى الخلافة الكبرى ورئاسة الدين والدنيا كيف صارت لعبة للجهال وخلسة لأهل الغي والضلال، بحيث يلهم بها الفاسق الفاجر اللئيم عثمان ويكتبها برأيه بدون مصلحة الخليفة الخوان، ثم يمدحه هذا الشقي ويشكره ويجزيه خيرا عن الاسلام وأهله، ولا يقول له : لم اجترأت على هذا الامر الكبير والخطب الخطير الذي يترتب عليه عظائم الأمور بمحض رأيك وهواك، مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يجترئ أن يخبر بأدنى حكم بدون الوحي الإلهي... والعجب من عمر كيف لم يقل لأبي بكر - في تلك الحالة التي يغمى عليه فيها ساعة ويفيق أخرى - إنه ليهجر، ويمنعه من الوصية كما منع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ونسبه إلى الهجر ؟ !. وكيف اجترأ أبو بكر على ربه في تلك الحالة التي كان يفارق الدنيا ويرد على ربه تعالى فحكم بكون عمر أفضل الصحابة مع كون أمير المؤمنين عليه السلام بينهم([832]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : كتبت الاخبار لا سيما أصولنا الأربعة مشحونة بقضاياه صلوات الله عليه وغرائب أحكامه، وهي كفاية لمن له أدنى فطرة لتفضيله عليه السلام على من تقدم عليه من الجهال الذين كانوا لا يعرفون الحلال من الحرام ولا الشرك من الاسلام([833]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : في تفسير قول الله عزوجل : (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [النحل : 76]) أنه علي عليه السلام. قال : لا يبعد أن يكون ظهورها للأصنام الظاهرة التي عبدت من دون الله، وبطنها للأصنام التي نصبوها للخلافة في مقابل خليفة الله، فإنه نوع من العبادة، وقد سمى الله طاعة الطواغيت عبادة لهم في مواضع كما مر مرارا، ويظهر من الخبر أن الرجل الأول من كان معارضا لأمير المؤمنين عليه السلام من عجلهم وسامريهم وأشباههما فإنهم كانوا بكما عن بيان الحق، لا يقدرون على شئ من الخير، ولا يتأتى منهم شئ من أمور الدين وهداية المسلمين، هل يستوون ومن يأمر بالعدل وهو في جميع الأقوال والأحوال على صراط مستقيم ؟([834]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : إتباع القرآن أو الإمام لا يتم إلا بالبراءة من أئمة الضلال([835]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : في رواية الباقر عليه السلام أن زائدة عن حمران سأله عن قول الله عز وجل : (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ [الحج : 40]) الآية، فقال : كان قوم صالحون هم مهاجرون قوم سوء خوفا أن يفسدوهم فيدفع الله بهم من الصالحين ولم يأجر أولئك بما يدفع بهم، وفينا مثلهم. قال : أي كان قوم صالحون هجروا قوم سوء خوفا أن يفسدوا عليهم دينهم فالله تعالى يدفع بهذا القوم السوء عن الصالحين شر الكفار، كما كان الخلفاء الثلاثة وبنو أمية وأضرابهم يقاتلون المشركين ويدفعونهم عن المؤمنين الذين لا يخالطونهم ولا يعاونونهم خوفا من أن يفسدوا عليهم دينهم لنفاقهم وفجورهم ولم يأجر الله هؤلاء المنافقين بهذا الدفع لأنه لم يكن غرضهم إلا الملك والسلطنة والاستيلاء على المؤمنين وأئمتهم، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : (إن الله يؤيد هذا الدين بأقوام لأخلاق لهم)([836]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : أن ما ذكره سبحانه في القرآن الكريم من القصص إنما هو لزجر هذه الأمة عن أشباه أعمالهم وتحذيرهم عن أمثال ما نزل بهم من العقوبات، ولم يقع في الأمم السابقة شئ إلا وقد وقع نظيره في هذه الأمة، كقصة هارون مع العجل والسامري، وما وقع على أمير المؤمنين عليه السلام من أبي بكر وعمر، وكقارون وعثمان، وصفورا والحميراء([837]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : عدم استحقاقهم للإمامة، بل كفرهم ونفاقهم ووجوب لعنهم إذ تبين بالمتفق عليه من أخبارهم وأخبارنا أن عمرهم باحراق بيت فاطمة عليها السلام بأمر أبي بكر أو برضاه، وقد كان فيه أمير المؤمنين وفاطمة والحسنان صلوات الله عليهم وهددهم وآذاهم مع أن رفعة شأنهم عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم مما لا ينكره إلا من خرج عن الاسلام، وقد استفاض في رواياتنا بل في رواياتهم أيضا أنه روع فاطمة حتى ألقت ما في بطنها، وأن إيذاءها صلوات الله عليها ايذاء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وآذيا عليا عليه السلام وقد تواتر في روايات الفريقين قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم من آذى عليا فقد آذاني وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً [الأحزاب : 57]) وهل يجوز عاقل خلافة من كان هذا حاله ومآله([838]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : لا ينافي كون سابق آية المدح ذكر موسى وبني إسرائيل، وفي موضع آخر ذكر سائر الأنبياء، وكون سابق آية الذم ذكر فرعون وجنوده، وكون الأولى في الأئمة والثانية في أعدائهم، لما مر مرارا أن الله تعالى إنما ذكر القصص في القرآن تنبيها لهذه الأمة، وإشارة لمن وافق السعداء من الماضين، وإنذارا لمن تبع الأشقياء من الأولين، فظواهر الآيات في الأولين، وبواطنها في أشباههم من الآخرين، كما ورد أن فرعون وهامان وقارون كناية عن الغاصبين الثلاثة، فإنهم نظراء هؤلاء في هذه الأمة، وإن الأول والثاني عجل هذه الأمة وسامريها، مع أن في القرآن الكريم يكون صدر الآية في جماعة وآخرها في آخرين([839]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : في تعليقة على رواية الصادق عليه السلام في دعائم الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله، والايمان برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والاقرار بما جاء به من عند الله، ثم قال : الزكاة والولاية شئ دون شئ فضل يعرف لمن أخذ به، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من مات لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية وقال الله عز وجل : (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ [النساء : 59]) وكان علي عليه السلام، وقال آخرون لا بل معاوية، وكان حسن، ثم كان حسين، وقال آخرون : هو يزيد بن معاوية لا سواه. قال المجلسي : كان الامر مرددا بين علي ومعاوية، ثم بين الحسن وبنيه، ثم بين الحسين وبنيه وبين يزيد والعقل يحكم بعدم المساواة بين الأولين والآخرين، ولم يذكر الغاصبين الثلاثة تقية وإشعارا بأن القول بخلافتهم بالبيعة يستلزم القول بخلافة مثل معاوية ويزيد وبالجملة لما كان هذا أشنع والتقية فيه أقل خصه بالذكر، مع أن بطلان خلافة معاوية يستلزم بطلان خلافتهم لاشتراك العلة([840]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : في قول الباقر عليه السلام حق الامام على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا، وأن يقسم بينهم بالسوية ويعدل في الرعية فإذا كان ذلك في الناس فلا يبالي من أخذ ههنا وههنا. قال : أن الامام إذا عدل في الرعية وأجرى حكم الله فيهم وقسم بالسوية فلا يبالي بسخط الناس وخروجهم من الدين وذهاب كل منهم إلى ناحية بسبب ذلك كما تفرق الناس عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه بسبب ذلك، حيث سوى بين الرؤساء والضعفاء في العطاء. وهذه كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد غيرها خلفاء الجور بعده تأليفا لقلوب الرؤساء والاشراف، فلما أراد أمير المؤمنين عليه السلام تجديد سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صار الامر إلى ما صار([841]). محمد باقر المجلسي (ت : 1111 هـ) : في قول الباقر عليه السلام : إن عثمان قال للمقداد : أما والله لتنتهين أو لأردنك إلى ربك الأول، قال فلما حضرت مقداد الوفاة قال لعمار : أبلغ عثمان عني أني قد رددت إلى ربي الأول. قال : أي عما كان يقول من حقية أمير المؤمنين وخلافته، وغصب الثلاثة وكفرهم وبدعهم. قوله : " إلى ربك الأول" أي الرب تعالى، أو الصنم الذي كانوا يعبدونه قبل الإسلام([842]). <