الكاتب : د. طلال صالح بنان
تعيش إيران هذه الأيام مرحلة مخاض سياسي كبيراً.. وتفاعلات سياسية داخلية عميقة تطال حركة الدولة والمجتمع ومستقبل نظام القيم الذي أتت به الثورة الإسلامية في إيران وحكمت بموجبه البلاد طوال ما يقرب من ربع قرن, هذه التحولات التي تتفاعل (ظاهرياً) في حركة لصراع سياسي بين ما يسمى بالإصلاحيين والمحافظين تعكس –في حقيقة الأمر- التحدي الكبير الذي تواجهه إيران في محاولة التحول نحو الديمقراطية مع الإبقاء على دور قوى للإسلام في حركة مؤسسات النظام السياسي الإيراني كأهم مرتكزات نظام القيم الذي يحكم الدولة والمجتمع في إيران بعبارة أكثر تحديداً: مشكلة التعايش بين الإسلام نظرية ولاية الفقيه على وجه الخصوص والديمقراطية([1]) .
وسيترتب على كيفية تعامل النظام السياسي الإيراني مع هذه المشكلة ليس فقط مستقبل نظام الثورة في إيران ومستقبل الاستقرار السياسي في البلاد بصفة عامة… بل نتائج كبيرة في العديد من الدول الإسلامية التي تواجه ولو بدرجات مختلفة مشكلة التحول الديموقراطي بها سواء بسبب ضغوط محلية أو خارجية مع محاولة الاحتفاظ ببعض مظاهر الاتجاهات التقليدية ذات الخلفية الدينية في تلك المجتمعات([2]) .
نتيجة لذلك طرحت في هذا الشأن تساؤلات وإشكاليات حول قدرة الفكر السياسي الإسلامي والنظرية السياسية الإسلامية بشكل عام على التجاوب مع اتجاهات الليبرالية السياسية والديمقراطية, كأحد مظاهر تطور المجتمعات الحديثة والتحول نحو العولمة على صعيد حركة النظام العالمي.
تجربة نظام الثورة الإسلامية في إيران لا يوفر فقط الحركية اللازمة لملاحظة التطور في النظرى السياسية الإسلامية بل إن تعقيدات البيئة الداخلية للمجتمع الإيراني في إطار تعقيدات أوسع على مستوى البيئة الخارجية للنظام الدولي تفرض مثل هذا التطور في النظرية السياسية الإسلامية, مما يزيد من تعقيدات معضلة العلاقة بين الإسلام والديمقراطية في إيران كما هو الحال في معظم المجتمعات الإسلامية وبنسب متفاوتة هناك أكثر من نصف السكان بها ممن أعمارهم تحت 25 سنة.. وهناك 24 مليوناً في مراحل الدراسة ما يقرب من ثلث سكان البلاد مما يفرض ضغوطاً مستقبلية على النظام السياسي للتعامل مع مشكلة البطالة.. وتلبية الحاجات المتزايدة الاقتصادية للمواطنين.. وتكريس المزيد من الحريات الفردية.. والمطالبة باتساع نطاق المشاركة السياسية([3]) .
لقد مثلت نظرية ولاية الفقيه كأطروحة بنيوية في الفكر الإسلامي الشيعي إحدى القضايا الهامة في الجدل حول التجربة السياسية الإيرانية في عهد الثورة.. وهذه النظرية في ظل إفرازاتها التطبيقية في تجربة عهد الثورة الإسلامية في إيران خلقت مجالات كثيرة للنقاش حول أبعادها وإشكالياتها السياسية.. هل أصبحت ولاية الفقيه مطية لرجال الدين في مسعاهم لاحتكار السلطة.. وفرض شرعية حكمهم اعتماداً على ما يدعونه من تفويض إلهي وبالتالي: حرمان الجمهور من ممارسة السلطة أو التحكم في مصير حركتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟ وقد برز من خلال هذا الجدل في إيران منهجان مختلفان.
الأول: منهج يؤيد بشدة ولاية الفقيه: ويرى أنها ولاية تقترب من إرادة ولاية الإمام الغائب وتحضر المجتمع والدولة لعودته المنتظرة وهي لذلك تتمتع بقدسية دينية جليلة خاصة ولا تجب معارضة نظامها وليس هناك حرية للأمة في محاسبة ولي الأمر (الفقيه) والخروج عليه أو محاولة عزله أو حتى دور في اختياره.
الثاني: يناهض بقوة ولاية الفقيه ويعتبرها مرادفاً للاستبداد والديكتاتورية وفساد الحكم واحتكار السلطة بيد الملالي ويراها أنصار هذا المنهج بمثابة عودة لعهود الظلام حيث كانت تسيطر الكنيسة في العصور الوسطى على مجتمعات الغرب([4]) .
وبعد ما يقرب من ربع قرن على الثورة الإسلامية في إيران هناك متغيرات كثيرة جرت على الساحة الإيرانية لعل من أبرزها هذا الجدل حول ولاية الفقيه التي أراد نظام الثورة أن تشكل أيديولوجية متماسكة ومتكاملة لممارسة الإسلام السياسي… وتسلل أفكار حول المجتمع المدني والحكومة المدنية التي جرى استخدامها في حركة الصراع السياسي على السلطة في نظام الثورة الإسلامية في إيران من قبل المعارضين من داخل النظام أو خارجه إما لمواجهة رجال الدين الذين يسيطرون على المؤسسات التي تمتلك عناصر القوة والقهر في المجتمع والدولة (الحرس الثوري – قوات الأمن).. أو بغرض أسلمة المفهوم (ولاية الفقيه) بمعنى: البحث عن مجتمع مدني إسلامي.. أو بهدف تكريس المعنى الغربي خارج نطاق الخلفية التقليدية للمفهوم بمعنى: الحفاظ على حقوق المواطن والدفاع عن الحريات المدنية وخلق مؤسسات سياسية تقوم على أسس التعددية السائدة في المجتمع الإيراني من أجل المزيد من المشاركة السياسية والديمقراطية.
هذه الدراسة تهدف لتأصيل هذه المتغيرات التي تتفاعل على مستوى الدولة والمجتمع وحركة السلطة في إيران لمعرفة ما إذا كانت تمثل مرحلة جديدة مقدمة عليها تجربة عهد الثورة الإسلامية في إيران قد تفقد ذلك النظام أهم خصائص خلفيته الإيدلوجية كما تقول بها نظرية ولاية الفقيه.. أم أن نظام الثورة الإسلامية في إيران يتجه نحو محاولة للتكيف (Adaptation) داخل نطاق حركة مؤسساته السياسية مع الإبقاء على السمات الرئيسية لخلفيته الأيدلوجية (ولاية الفقيه) لتكريس سيطرة مستمرة لرجال الدين.. وما إذا كانت تجربة نظام الثورة الإسلامية في إيران تمثل إضافة منهجية وفلسفية لتطور النظرية السياسية الإسلامية.
أهمية الدراسة:
تعد إيران من دول الجوار العربي التي تؤثر على محيطها, حيث تتأثر مجتمعات وأنظمة الدول المجاورة لإيران بما يحدث فيها من تحولات بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وليس أدل على ذلك من قيام الثورة الإسلامية في إيران في أواخر السبعينات من القرن الماضي وما صاحبه من محاولة قادة إيران تصدير الثورة إلى الدول المجاورة.. واندلاع حرب إقليمية بين إيران والعراق استمرت ثماني سنوات كرد فعل لمحاولة تصدير الثورة للمجتمعات المجاورة كذلك من المحتمل أن يتمخض عن الصراع السياسي الدائر في إيران هذه الأيام بين الإصلاحيين والمحافظين تداعيات سياسية لا تقتصر على المجتمع والدولة في إيران بل قد تمتد إلى مجتمعات إسلامية مجاورة حيث قد تؤثر على شكل العلاقة بين الإسلام وحركة السلطة والقيم التي تستند عليها شرعيتها في عدد من دول العالم العربي والإسلامي المجاورة لإيران. ويزداد الأمر أهمية وتأثيراً عند معرفة مدى الامتدادات العرقية والمذهبية لإيران الفارسية والشيعية في عدد من مجتمعات دول العالم العربي المجاورة لإيران ودول آسيا الوسطى الإسلامية التي قد ترى في النموذج الإيراني تطوراً في النظرية السياسية الإسلامية التقليدية لمفهوم السلطة في المجتمع المسلم ومكانتها الأمر الذي يوفر احتمالاً لقابلية المحاكاة والتطبيق في تلك المجتمعات الإسلامية وغيرها. فإيران تتداخل مع دول الجوار عرقياً ولغوياً ومذهبياً: جزء من سكان أفغانستان شيعة ويتحدثون الفارسية.. وفي طاجكستان أقلية شيعية.. وتتداخل إيران مع أذربيجان من الناحية العرقية والمذهبية.. وفي العالم العربي هناك عدد من الدول العربية خاصة على الخليج العربي توجد بها أقليات شيعية.. يوضح الجدول التالي هذا التداخل بين إيران ودول الجوار عرقياً ومذهبياً ولغوياً.
كانت الثورة الإيرانية مصدر إلهام للنخب الحاكمة في جمهوريات آسيا الوسطى بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي التي رأت في نظام إيران الثورة نموذجاً قابلاً للتطبيق في دولهم ومجتمعاتهم بعد الاستقلال. أما في العالم العربي وبحكم الجوار الجغرافي والامتدادات المذهبية والعرقية في مجتمعات بعض الدول العربية وبصفة خاصة دول الخليج العربية يلاحظ تأثير إيراني بشكل أو بآخر حيث شهدت العلاقات العربية الإيرانية فترات متواصلة من الجزر تراوحت بين مطالبة الشاه بضم البحرين عند استقلالها عام 1971 والاستيلاء على الجزر الإماراتية طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى عند مدخل الخليج العربي.. وزاد من التوتر قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وتبني نظام الملالي الجديد في إيران لشعار تصدير الثورة مما قاد إلى الحرب العراقية الإيرانية 80-1988 وكانت أبرز مظاهر التوتر مع دول الخليج العربية بعد قضية احتلال الجزر الإماراتية في الخليج أحداث الحرم الشريف بمكة المكرمة 1980, وقطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية عام 1988... وأحداث البحرين 94-1996.. واتهام البحرين لإيران بمحاولة قلب نظام الحكم عام 1996([5]) .
ولعل أبرز مثال على التأثير الإيراني في العالم العربي نشأة حزب الله في لبنان عام 1983 بعد الثورة بأربع سنوات مباشرة عقب الغزو الإسرائيلي للبنان واحتلال جنوب لبنان عام 1982.. وقد كانت لبنان قبل الثورة الإسلامية في إيران من أهم مراكز المعارضة الشيعية لحكم شاه إيران التي اندلعت عقب اعتقال الإمام الخميني عام 1963 حيث قاد المعارضة لحكم الشاه الإمام موسى الصدر وحتى اختفائه 1978 في ليبيا وقد أصبح حزب الله في لبنان رقماً مهماً في معادلة حركة الصراع العربي الإسرائيلي بعد اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان عام 1982([6]) .
إلا أنه كان هناك دور إيجابي للإصلاحيين في إحداث نقلة نوعية في علاقات إيران بدول الجوار العربية بعد رحيل الخميني, تطورت بشكل مطرد بتولي الرئيس خاتمي السلطة في إيران. بدأت هذه الحقبة الإيجابية في علاقات إيران بالدول العربية باستئناف العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية عام 1991 ثم مع الكويت 1999 وتهدئة الوضع حول ترسيم الحدود البحرية مع الكويت والمملكة العربية السعودية حول حقل الدرة البحري للغاز الطبيعي.. ووقعت اتفاقية أمنية مع المملكة العربية السعودية في أبريل 2001.. وقام الرئيس خاتمي بزيارة للرياض في 14 سبتمبر 2002 واستقبل الشيخ حمد بن عيسى ملك البحرين في طهران في أغسطس 2002([7]) .
وتتناول هذه الدراسة التطورات الأخيرة في إيران لعلاقتها بموضوع الدراسة الأساسي الخاص بمعضلة التعايش بين نظرية ولاية الفقيه والديمقراطية من خلال معرفة:
أولاً: حقيقة هذه التطورات المتفاعلة على الساحة الإيرانية.
ثانياً: أسباب هذه التطورات.
ثالثاً: تأثير هذه التطورات على مستقبل النظام السياسي الإيراني.
فروض الدراسة:
تنطلق الدراسة من عدد من الفروض
1-أن المجتمع الإيراني يمر بتحولات كبيرة تكاد تكون جذرية تتعدى مسألة الصراع على السلطة بين المحافظين والإصلاحيين لتشمل تهديداً حقيقياً للسلطة الدينية للملالي التي تعبر عنها نظرية ولاية الفقيه.
2-أن شخصية الإمام الخميني الكارزماتية طوال فترة حكمه منعت الجدل بين التيارات والقوى السياسية حول السند الشرعي لولاية الفقيه وأذنت وفاته بإدخال تعديل على نظرية ولاية الفقيه بفعل تنامي دور القوى الاجتماعية الجديدة على الساحة الإيرانية.
3-أن التطورات المتفاعلة على الساحة الإيرانية تعدت مرحلة المساومة السياسية على الحلول الوسط بين التيارين الإصلاحي والمحافظ في سبيل المحافظة على الوضع الراهن إنما ستدفع التطورات بفئة ناشئة جديدة من أجل المزيد من الديمقراطية لتغليب كفة التيار الإصلاحي.
الدراسات السابقة:
نظراً لما لهذه التطورات على الساحة الإيرانية من تأثير مباشر على تيارات الفكر السياسي الإسلامي المختلفة وتطور النظرية السياسية الإسلامية بشكل عام أوجدت التطورات السياسية في تجربة نظام الثورة الإسلامية في إيران اهتماماً ملحوظاً بين الدارسين المهتمين بالشأن الإيراني وبهذه التطورات عبرت عنه دراسات شتى يمكن تصنيفها كالتالي:
النوع الأول: دراسات تاريخية حول الثورة الإيرانية وجذورها النظرية والفكرية وتأثيراتها من أهمها: دراسة فتحي عبد العزيز "الخميني: الحل الإسلامي والبديل". ودراسة إبراهيم الدسوقي شتا "حول الجذور الفكرية للثورة الإيرانية".
النوع الثاني: دراسات حول الانتخابات الإيرانية والظواهر التي صاحبتها والقوى التي أفرزتها أبرزها: دراسات الدكتور حسن أبو طالب وأحمد بهي الدين حول انتخابات عام 2000 ماذا بعد فوز الإصلاحيين ضمن سلسلة كراسات استراتيجية.. ودراسة بولنت أراس وأحمد منيسي حول مؤشرات الانتخابات الإيرانية ضمن نفس السلسلة.
النوع الثالث: دراسات حول التحولات في إيران وعلاقة ذلك بالتحولات في العالم مثل: دراسة محيي الدين قاسم "إيران والعولمة" ودراسة بولنت أراس "التحولات في النظام السياسي الإيراني" مجلة الشئون الدولية للشرق الأوسط عام 2000.
منهج الدراسة:
سوف تعتمد الدراسة على عدد من المناهج الأكاديمية البحثية:
المنهج التاريخي التفسيري: لرصد التيارات السياسية في سياق حركة العملية السياسية في إيران وليس مجرد سرد الأحداث بعيداً عن المنطلقات الفكرية لنصوص وأدبيات نظرية ولاية الفقيه. بمعنى آخر: ربط التطورات السياسية على مسرح الحياة السياسية في إيران قبل وبعد الثورة الإسلامية وما تطور بعد ذلك من توجهات وتطورات بعيداً عن المنطلقات الفكرية والجذور النظرية لعهد الثورة الإسلامية في إيران بما يقود إلى ربط التطورات السياسية بتطور النظرية السياسية لمزيد من الفهم والاستيعاب للحدث وصولاً لرفع كفاءة النظرية السياسية الإسلامية على وجه الخصوص في فهم الواقع.. وتوقع نمط سلوك وحركة الظاهرة السياسية المستقبلية.
المنهج القانوني المؤسساتي: بالتركيز على الأوضاع الدستورية في إيران ومدى استجابة حركة المؤسسات السياسية في علاقتها ببعضها البعض في ما يخص اختصاصاتها ووظائفها بقيم الممارسة السياسية التي جاءت في الدستور([8]) .
المنهج التحليلي: خاصة منهج دراسة النظم كما طورته المدرسة السلوكية ومرحلة ما بعد المدرسة السلوكية وفق رؤية ديفيد إيستون الوظيفية الهيكلية([9]) .
بالإضافة إلى المنهج التحليلي الكمي الإحصائي لرصد التحولات في النظام الإيراني والتطورات الاقتصادية التي حفزت ذلك من خلال تتبع المؤشرات الإحصائية وقراءة مدلولات تلك التحولات.
تقسيم الدراسة:
لدراسة التحولات المتفاعلة في نظام الثورة الإسلامية في إيران وأثر ذلك على مصير مستقبل الخلفية الأيدلوجية للنظام كما صاغتها نظرية ولاية الفقيه تم تقسيم الدراسة إلى عدة أجزاء:
الأول: معالم الظواهر الجديدة في الساحة السياسية الإيرانية.
الثاني: نظرية ولاية الفقيه ومؤسسات الحكم في إيران.
الثالث: مغزى التحولات الجديدة في إيران.
القسم الأول
الظواهر الجديدة في إيران
رغم نجاح الثورة الإسلامية في إيران في إسقاط نظام الشاه واستيلاء الملالي على الحكم في أكثر دول الشرق الأوسط علمانية ليستبد المذهب الشيعي بنظريته في ولاية الفقيه الملامح العامة للدولة في إيران (كما سيأتي تفصيله في القسم الثاني من هذه الدراسة) إلا أن المعارضة لولاية الفقيه كأساس أيديولوجي لعقيدة نظام الثورة الإسلامية في إيران ظهرت مبكراً في زمن الإمام الخميني رغم ما كان يتمتع به من شخصية كارزماتية عبر عن هذا الاتجاه المعارض لنظرية ولاية الفقيه في زمن الإمام الخميني آية الله شريعة مداري([10]) الأمر الذي وسع الفجوة بين هذا الأخير والإمام الخميني فأبعده الخميني عن الحياة السياسية بعد اتهامه في المشاركة في مؤامرة قلب نظام الحكم عام 1983 حتى مماته في الإقامة الجبرية بمنزله عام 1986.
بعد أن تمكن الإمام الخميني من الإجهاز على معارضي نظريته في ولاية الفقيه خبا الخلاف مؤقتاً حول النظرية حتى وفاة الخميني ثم عاد بعد (القائد)([11]) الجديد (الحالي) علي خامنئي لتتسع دائرة الخلاف حول ولاية الفقيه من خلاف فقهي وسياسي حول النظرية إلى خلاف على شخص القائد الجديد علي خامنئي نفسه ليتولد صراع سياسي في داخل مؤسسات الحكم في إيران كان كامناً منذ البداية بسبب شخصية الإمام الخميني الكارزماتية القوية. بعد وفاة الخميني ظهر اتجاه لم يكن معارضاً للحد من صلاحيات القائد الدستورية والدعوة لانتخابه أسوة برئيس الجمهورية فحسب بل وتعديل نظرية ولاية الفقيه نفسها([12]) .
ولم يقف رد فعل النظام العنيف عند مطاردة المعارضين لولاية الفقيه بل لكل توجه إصلاحي يطالب بمزيد من الحريات على حساب نظام القيم الصارم الذي فرضه نظام الثورة, ففي 5 أغسطس 2000 اعتقلت السلطات رجل الدين الإصلاحي حسن يوسف أشكفاري عقب عودته إلى طهران قادماً من فرنسا بتهمة تهديد الأمن القومي لنشره دعاية مضادة لإيران خلال مشاركته في ندوة بألمانيا نادى فيها بحق ارتداء المرأة الزي الذي تريده في الوقت الذي كانت فيه السلطات قد أفرجت في 20 يوليو 2000 عن رجل دين إصلاحي آخر هو محسن قادقار بعد أن أمضى في السجن 18 شهراً بسبب تشكيكه بنظام ولاية الفقيه.
في الآونة الأخيرة زادت المعارضة لولاية الفقيه مما اضطر القائد للمهادنة إزاء تنامي المطالبة بالإصلاحات طمعاً في الدفاع عن مؤسسة القيادة والصلاحيات التي يتمتع بها. وفي 30 يناير 2003 تم الإفراج عن آية الله حسين منتظري بعد أن كان رهن الإقامة الجبرية منذ 1997 بسبب مواصلته لانتقاده العلني للإمام الخميني ونظريته في ولاية الفقيه([13]) .
آية الله منتظري كان متوقعاً له أن يخلف الإمام الخميني إلا أنه استبعد في حينه بسبب انتقاده للخميني بانتهاك حقوق الإنسان([14]) .
وقد وقف عبد الله نوري حين كان وزيراً للداخلية بجانب منتظري وتعرض للإطاحة به كوزير للداخلية من قبل تيار المحافظين المتشدد دخل السجن بسبب موقفه المعارض لولاية الفقيه وقيامه بإدخال تغييرات إصلاحية على الأجهزة الأمنية عندما كان وزيراً للداخلية([15]) .
ومن الشخصيات المعروفة التي عارضت ولاية الفقيه الأكاديمي المعارض هاشم آغا جاري الذي صدر عليه حكم بالإعدام في أواخر عام 2000 بعد أن نادى بإصلاح المؤسسة الدينية.. وأدى صدور الحكم إلى مظاهرات عارمة في نوفمبر 2000 حيث طالب المتظاهرون باستقالة رئيس القضاء الإيراني الذي حمله المتظاهرون مسؤولية صدور حكم الإعدام على آغاجاري([16]) وزاد الضغط الشعبي على القائد علي خامنئي من أجل الإفراج عن زعماء التيار الإصلاحي وإلغاء الأحكام الصادرة بحقهم وما كان له إلا أن يمتثل لتوجه الشارع الإيراني المتعاطف مع التيار الإصلاحي ليستقيل جلال الدين طاهري رئيس القضاء الإيراني من منصبه القضائي الرفيع ويلغي القائد خامنئي حكم الإعدام على آغاجاري في 14 فبراير 2003([17]) .
ما كان القائد علي خامنئي يقدم على هذه التنازلات الكبيرة في مواجهته للتيار الإصلاحي لو كان يتمتع بنفس القدر من إمكانات الزعامة الكارزماتية التي كان يتمتع بها زعيم الثورة الإسلامية في إيران الإمام آية الله الخميني بالإضافة إلى انحسار مد التيار المحافظ في النخبة الدينية الحاكمة في عهده مقارنة بذلك الذي كان يتمتع به هذا التيار في عهد الإمام الخميني.
لم يقتصر الخلاف بين تياري الإصلاح والمحافظة على قضية ولاية الفقيه فهناك مطالب من الإصلاحيين بالديمقراطية والمزيد من الحرية. لقد تظاهر 15 ألف عامل في 16 يوليو 2002 أمام مؤسسة الضمان الاجتماعي للتعبير عن سخطهم على مستويات الفقر المتدنية وسوء الأوضاع الاقتصادية في دولة من أهم الدول المصدرة للنفظ خلال عام 2002 حققت إيران نسبة نمو بلغت 5.6% إلا أن تلك الزيادة لم تغط الزيادة المطردة في السكان كما أن معدل البطالة في نفس السنة بلغ 13% وهناك تقديرات ببلوغ البطالة نسبة 20-25% في السنوات القليلة القادمة وذلك وفقاً للإحصاءات الرسمية. بالإضافة إلى وجود مشكلات عرقية لملايين الآذريين والأكراد والعرب في إيران يطالبون بالمزيد من الحريات السياسية واستيعاب نظام الثورة الإسلامية في طهران لمدخلاتهم في حركة النظام السياسي.
إلا أنه يمكن ملاحظة تطورات إيجابية في نظام الثورة الإسلامية في إيران تعكس قابليتة, ولو في نطاق محدود للتأقلم مع متطلبات عقلانية الدولة بعيداً بعض الشيء عن مثاليات منطق الثورة. لقد كشفت انتخابات 1997-2001 النقاب عن تحولات مهمة في النظام الإيراني ويمثل نجاح الرئيس محمد خاتمي لتولي الرئاسة فترتين متتاليتين بتوجيهاته الإصلاحية تجديداً من الداخل لنظام الثورة الإسلامية في إيران. لقد نجحت الثورة في الحفاظ على تماسك الحكم تحت لواء رجال الدين حتى الآن بالرغم من فشل نظام الثورة في مواجهة مطالب الجماهير الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. إلا أن نجاح الرئيس خاتمي في الاستمرار في الحكم في حد ذاته بعد استجابة من قبل النظام ولو محدودة لمطالب جيل الشباب الذي يمثل أغلبية ساحقة تتطلع إلى مراجعة جذرية لمسار الثورة([18]) .
إن الخلاف على قضية ولاية الفقيه يمثل قمة جبل الجليد الذي يخفي تحته خلافات سياسية جذرية بين التيارين المحافظ والإصلاحي حول قضايا سياسية مهمة تتعلق بهوية النظام السياسي الإيراني.. ومكانة المؤسسة الدينية في أسس شرعيته وحركة مؤسساته.. ونظام القيم العام الذي يحكم سلوك وأخلاقيات أفراد الشعب.. ومدى كفاءة نظام الثورة الإسلامية في إيران في التجارب مع مطالب البيئتين الداخلية والخارجية وتوقعات أفراد الشعب خاصة من فئة الشباب لمزيد من التنمية والحرية كل ذلك لا يمكن فصله عن الأيديولوجية السياسية لنظرية ولاية الفقيه والاتجاه صوب التساؤل حول مدى جدارتها السياسية في تمثيل الأساس الشرعي لدولة عصرية في إيران تستطيع أن تتعامل بكفاءة وفاعلية مع متطلبات التطور العصري للمجتمع المدني الحديث نحو مزيد من الديمقراطية والحرية والمشاركة السياسية لكافة فئات المجتمع الإيراني وطوائفه.
القسم الثاني
ولاية الفقيه ومؤسسات الحكم
تدور نظرية ولاية الفقيه حول قضية من يمتلك المبرر الشرعي والأساس الفلسفي لتولي الإمامة (ممارسة الحكم) في المجتمع الشيعي في فترة الغيبة الصغرى للإمام التي بدأت بغيبة المهدي عام 620 هـ, وقد أثير جدل في المذهب الشيعي حول مسألة الولاية للفقيه.. وأثير السؤال: هل الولاية الممنوحة للنبي والإمام على النفوس قد منحت للفقيه.. أم أن ولاية الفقيه في غيبة المعصوم لا تتعدى الأمور الحسبية (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).. بصفة عامة دار الجدل في الفقه الشيعي حول مسألة ولاية الفقيه في ثلاث نظريات:
1-نظرية إنكار ولاية الفقيه: وهذه النظرية تذهب بتجريد الفقيه من الولاية المطلقة مع الإقرار بنفوذ تصرفاته في الأمور الحسبية من أصحاب هذه النظرية جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري المعروف بالفاضل المقداد وهو صاحب كتاب التنقيح الرائع في شرح الشرائع وقد توفي عام 826هـ.
2-نظرية الولاية المحدودة للفقيه: قال بها الشيخ مرتضى الأنصاري (توفي عام 1281هـ) والشيخ النائيني (توفي عام 1255هـ) وفقاً لهذه النظرية تنحصر ولاية الفقيه في الأمور الحسبية والقضاء والإفتاء والتصرف في الأموال والأنفس للغيب (الغائبين) والقصر وليس في إقامة الحدود.
3-نظرية الولاية المطلقة للفقيه: تقول هذه النظرية بولاية الفقيه الجامع للشرائط من باب ثبوت الولاية له بمعنى: أن تكون له الإرادة والقدرة على إقامة الحدود وتنظيم الحقوق وإدارة القضاء بل عموم الولاية في إدارة المجتمع الإسلامي زمن الغيبة. ومن أشد المتمسكين بهذه النظرية أحمد التراقي المتوفى سنة 1245هـ والحسين المراغي (توفي 1250هـ) والشيخ محمد حسن النجفي صاحب كتاب الجواهر (توفي 660هـ) والإمام الخميني (توفي 1409هـ-1989م).
ويستند أنصار هذه النظرية الأخيرة إلى أدلة لغوية وشرعية وتتمثل الأدلة اللغوية في لفظ ولي وولاء وتوالي.. فالولاية هي تولي الأمر وتدور المعاني كلها حول السلطان والنصرة بمعنى سلطان الولي ونصرة الموالي.. أما الولاية الشرعية فلها بعدان. الأول: التنصيب من أجل الإدارة والإشراف.. وهذا يتطلب لياقة علمية وكفاءة عملية إضافة إلى شروط العدالة والتقوى والطهارة من الذنوب. أما البعد الثاني: يتمثل في توفر الطاعة من قبل الناس وفق نص القرآن بضرورة طاعة ولي الأمر: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء:59]([19]) .
من المعروف أن نظرية ولاية الفقيه اكستبت موقعاً على مستوى النظرية والممارسة عند الشيعة قبل 150 سنة على يد الشيخ أحمد التراقي صاحب كتاب: عوائد الأيام في بيان قواعد الأحكام لينتصر القائلون بالولاية المطلقة للفقيه على ما نادى به السيوري قبل ذلك بنحو أربعة قرون من إنكار ولاية الفقيه.. أو القول بنظرية الولاية المحدودة للفقيه التي قال بها كل من الشيخين الأنصاري والنائي المعاصرين للشيخ التراقي القائل بالولاية المطلقة للفقيه كما سبق ذكره. إلى أن طبقها الإمام الخميني بنفسه لأول مرة في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد نجاح ثورته على نظام الشاه عام 1409هـ-1979م بعد ما يقرب من قرن ونصف من نظرية ولاية الفقيه التي قال بها الشيخ التراقي.
وقد شكلت هذه النظرية القائلة بالولاية المطلقة للفقيه بعد نجاح تجربة نموذجها على أرض الواقع في نظام الثورة الإسلامية في إيران الذي أقامه الإمام الخميني تطوراً كبيراً في نظام المرجعية الدينية الذي نشأ عند الشيعة الإمامية نظراً لتاريخية سلبيتهم السياسية التي تجلت في مقاطعتهم للأنظمة السياسية المختلفة وممارسة السياسة بشكل عام طوال غيبة الإمام الثاني عشر (المهدي المنتظر) في الوقت الذي أخذ بالولاية الفقهية (المرجعية الدينية للفقهاء) ونيابتهم عن الإمام الغائب منذ القرن الخامس الهجري وإن كانت فكرة ولاية الفقيه قديمة قدم الاهتمام الشيعي بالسياسة وضرورات الاهتمام بها.
في القرن العاشر الهجري قلد علي بن علي الكركي (النائب الفقيه) أحد ملوك الصفويين طهماس بن إسماعيل الصفوي إجازة للحكم باسمه باعتباره النائب الفقهي عن الإمام ونشأ بذلك ما يسمى بنيابة الملوك في مقابل ما كان متعارفاً عليه من نيابة الفقهاء وكان ذلك اكتمالاً لما تطور من خمسة قرون في ما سمي بنيابة الفقيه المرجعية ليكون للمرجعية الدينية بعداً سياسياً يتناول الجانب الاجتماعي والسياسي في الحياة العامة للشيعة إلى جانب البعد الديني. أثار هذا التطور السياسي في ما يسمي في ذلك الوقت بالنيابة العامة للإمام جدلاً بين الفقهاء مثل ما أثارت ولاية الفقيه بعد مائتين وخمسين سنة في فكر الشيخ أحمد التراقي. وبعد إحيائها مع محاولة تطبيقها على يد الإمام الخميني في الوقت الحاضر بعد مائة وخمسين سنة أخرى.
ومن أشهر من اعترض على نظرية ولاية الفقيه في عهد الإمام الخميني من المرجعيات الدينية الشيعية السيد الخوئي (المتوفى عام 1412هـ) بعد ثلاث سنوات من نجاح ثورة الإمام الخميني الإسلامية وإقامة نظامها الإسلامي في إيران. وقد جاء انتقاد الإمام الخوئي لنظرية ولاية الفقيه في كتابه: الاجتهاد والتقليد حيث جاء قوله: إن ما أستدل به على الولاية المطلقة للفقيه يقصد قول الخميني بها وتطبيقه إياها غير قابل للاعتماد عليه. ومن هنا قلنا (يعني فتواه): بعدم ثبوت الولاية المطلقة للفقيه يقصد التي جاء بها الإمام الخميني قاصرة السند والدلالة([20]) .
ويواجه القائلون بنظرية ولاية الفقيه الاعتراض عليها والانتقاد لها بسبب ضعف الروايات التي يستندون إليها والمنسوبة إلى الإمام الغائب, إلا أنهم يتشبثون بها كأدلة مساعدة بعد تقريرهم لضرورة إقامة الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة والتخلي عن نظرية التقية والانتظار للإمام الغائب, نظراً لسلبيتها, وقد مثل القول بولاية الفقيه ثورة في الفكر الديني الشيعي يتعلق بعقيدة مذهب الإمامية الاثنى عشرية, يتجاوز الجدل السياسي حول نظرية ولاية الفقيه.. حيث يشترط هذا المذهب العصمة والسلالة العلوية الحسينية, كأهم شروط الإمامة التي جاءت في أصول ذلك المذهب من مذاهب الشيعية, ولا يأخذ بها القائلون بولاية الفقيه.
ورغم تطبيق النظرية في عهد الثورة الإسلامية, الذي أقامه الخميني في إيران, إلا أن النظرية ظلت غامضة خاصة فيما يتعلق بحدود الولاية وعلاقة الفقيه بالأمة.. وأصبحت عرضة لجدال طويل, على النحو سالف الذكر([21]) .
وعند محاولة تضمين النظرية في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ثار الخلاف من جديد حول السلطات التي تمنح للفقيه هل تقتصر على الإرشاد الروحي فقط.. أم يكون للولي الفقيه سلطات دينية وزمنية في التشريع والتنفيذ. وقد عارض البعض صراحة الإمام الخميني عند الدعوة لولاية الفقيه مثل أبي القاسم الخوئي وآية الله شريعة مداري حيث طالب الأخير بنظام حكم ذي طبيعة تمثيلية واسعة تعكس جميع القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة في إيران. وقد انتصرت وجهة النظر التي تقول للولي الفقيه سلطات دينية وزمنية كبيرة([22]) .
وعند البحث في صلاحيات الولي الفقيه في الدستور الذي وضع لاستفتاء عليه سنة 1989 بعد وفاة الإمام الخميني حسب ما جاء في المادة الخامسة لن نخرج بنتيجة حاسمة لتلك الصلاحيات ولكن يمكن الاستدلال على هذه الصلاحيات من رسالة وجهها الإمام الخميني في 31 ديسمبر 1988 إلى الإمام علي خامينئي الذي كان رئيساً للجمهورية آنذاك أظهر فيها الخميني امتعاضه في إحدى خطب الجمعة من إجازة الرئيس خامينئي لوزير العمل تطبيق بعض القوانين التي لم يصادق عليها مجلس المحافظة على الدستور. وقد تضمنت رسالة الخميني لخامنئي ضمن ما تضمنت أن الولي الفقيه له دون سواه أن لا يلتزم بالقوانين البشرية ومن جملتها الدستور.. وأن أوامره مقدمة على جميع القوانين([23]) .
وبعد وفاة الخميني أدخلت ولاية الفقيه في الدستور وفاء للإمام الخميني بعد أن كانت الولاية للإمام الخميني نفسه في دستور 1980 زمن حياة الخميني. (قارن المادة 107 من دستور 1980 ودستور 1989). ونصت المادة الخامسة على أنه: "في زمن غيبة الإمام المهدي (عجل الله فرجه) تكون ولاية الأمر وولاية الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل البصير بأمور العصر القادر على الإدارة والتدبير وذلك وفقاً للمادة 107 من الدستور"([24]) .
ثم جاءت المادة: 108 لتنص على طريقة انتخاب القائد بواسطة الخبراء. وحددت المادة: 108 الشروط الواجب توافرها في الخبراء وكيفية انتخابهم. أما المادة 109 من الدستور فقد نصت على الشروط الواجب توافرها في القائد (الولي الفقيه) وهي:
1-الكفاءة اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقه.
2-العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة([25]) .
3-الرؤية السياسية الصحيحة والكفاءة الاجتماعية والإدارية والتدبير والشجاعة والقدرة والكفاية على القيادة.
أما المادة 110, فقد نصت على صلاحيات ووظائف القائد وهي([26]) :
1-تعيين السياسات العامة للجمهورية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
2-الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة.
3-إصدار الأمر بالاستفتاء العام.
4-القيادة العامة للقوات المسلحة.
5-إعلان الحرب والسلام والنفير العام.
6-تنصيب وعزل وقبول استقالة الآتين:
أ-فقهاء مجلس صيانة الدستور.
ب-أعلى مسؤول في السلطة القضائية.
ج-رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون([27]) .
د-رئيس أركان القيادة المشتركة.
هـ-قائد الحرس الجمهوري.
و-قادة القوات المسلحة وقوات الأمن.
7-حل الخلافات بين السلطات الثلاث.
8-حل مشكلات النظام من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.
9-إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية.
10-عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد بعد صدور حكم المحكمة العليا.
11-إصدار العفو العام.
كل ذلك يعني أن القائد هو أعلى سلطة في إيران وقد منحه الدستور السيادة الزمنية (السياسية) والدينية.. وأن ولاية الفقيه في فترة استتار الإمام تؤول إلى أتقى وأعلم وأعدل رجل في الأمة ليدير شئون البلاد وفق ما جاء في المادة 107 من الدستور التي حددت شروط الإمام..!
وعلى ذلك فإن القائد هو الشخصية القوية في الجمهورية إلا أنه ينتخب من هيئة الخبراء التي بدورها تنتخب من الشعب ولها أيضاً خلعه حيث نصت المادة: 111 من الدستور على أنه: "عند عجز القائد عن أداء وظائفه القانونية.. أو فقده أحد الشروط المذكورة في المادة الخامسة والمادة 109. وعند فقدان بعضها منذ البدء فإنه يعزل من منصبه.. ويعود تشخيص هذا الأمر إلى مجلس الخبراء... وفي حالة وفاة القائد أو استقالته أو عزله من منصبه فإن الخبراء مكلفون بالقيام بأسرع وقت بتعيين القائد الجديد وإعلان ذلك. وحتى يتم إعلان القائد الجديد فإن مجلس شورى مؤلف من رئيس الجمهورية ورئيس السلطة القضائية وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور منتخب من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام يتحمل جميع مسئوليات القيادة بشكل مؤقت كما أن القائد له الكلمة الفصل في الشؤون الداخلية وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة.. ويعين رئيس الأركان ويقيله([28]) .
في ما يخص مؤسسات الحكم الأخرى في النظام الإيراني نجد أن الشخصية الثانية في نظام جمهورية إيران الإسلامية هو رئيس الجمهورية الذي ينتخب طبقاً للدستور من الشعب في انتخابات حرة مباشرة (المادة 114) وقد انتخب الرئيس محمد خاتمي لأول مرة عام 1997 ثم أعيد انتخابه لفترة حكم ثانية عام 2001. وبجانب القائد ورئيس الجمهورية هناك مجلس المحافظة على الدستور الذي يتكون من 12 من رجال الدين من بينهم ستة يعينهم القائد والستة الآخرون من القضاء يعينهم البرلمان من قائمة يعدها رئيس القضاء الذي يعينه في منصبه القائد بموجب الفقرة السادس ب من المادة 110 من الدستور ولمجلس المحافظة على الدستور الاعتراض على القوانين المقدمة للبرلمان.. وإذا رفضها البرلمان مرتين تعرض على مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه الآن رئيس الجمهورية السابق علي أكبر هاشمي رافسنجاني, وهو مجلس مكون من 30 شخصاً يعينهم القائد وحكمه في هذه الحالة نهائي.. وإذا رفض مجلس تشخيص مصلحة النظام القانون يمكن لرئيس الجمهورية أن يعرضه على استفتاء عام([29]) .
أما مجلس الشورى (البرلمان) فيبلغ عدد أعضائه 290 عضواً([30]) ينتخبون جميعاً من الشعب مباشرة لمدة أربع سنوات يتمتع بسلطات دستورية تشريعية واسعة هي: مناقشة خطط وجدول أعمال الحكومة للمصادقة عليها.. ومناقشة أي جدول أعمال مقدم من 15 عضواً على الأقل.. ومناقشة المسائل القومية.. والمصادقة على المعاهدات والبروتوكولات والعقود والاتفاقيات مع الجهات الخارجية.
إلا أن سلطات مجلس الشورى (البرلمان) التشريعية هنا لا تتناسب مع طريقة اختيار أعضائه عن طريق الانتخاب الحر المباشر التي تبدو للوهلة الأولى ديمقراطية إلا أنه تسبقها خضوع الترشيحات لموافقة مجلس صيانة الدستور (المادة: 99). كما أن سلطة البرلمان التشريعية هنا ليست مطلقة كما هو شأن البرلمانات الأخرى التي تأخذ بأسلوب الانتخاب لاختيار أعضاء السلطة التشريعية. وذلك نظراً لما يتمتع به القائد من صلاحيات عن طريق دور مجلسي صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام في العملية التشريعية (المواد: 110-112).. واحتمال تجاوز رئيس الجمهورية لسلطة مجلس الشورى التشريعية بل وتجاوز المجلس في وظيفته التشريعية عن طريق اللجوء للاستفتاء الذي لا يتم بدوره إلا بأمر من القائد (المواد: 59-110 فقرة:3).
يلاحظ على هذه التركيبة المعقدة لمؤسسات الحكم في جمهورية إيران الإسلامية أن نظرية الولاية المطلقة للفقيه تلقي بظلالها ليس على نظام القيم الخاص بالنظام السياسي الإيراني فحسب بل وعلى حركة مؤسساته أيضاً. الولي الفقيه (القائد) يحتل مكانة محورية في النظام السياسي الإيراني. فهو يبقى في السلطة مدى الحياة حيث لا يحدد الدستور فترة زمنية لقيادته مثل ما هو الحال بالنسبة لرئيس الجمهورية ما لم يطرأ ما يوجب عجزه وتخضع هذه الحالة لعملية مؤسساتية معقدة يصعب معها تفعيل عملية العزل في حالة ما عكس ذلك صراع حقيقي على السلطة في إيران([31]) .
كما أن القائد يتمتع بنفوذ على مؤسسات الحكم الأخرى بما فيها رئاسة الجمهورية والبرلمان عن طريق سيطرته على أهم مؤسستين لا يوجد مثيل لهما في أي نظام سياسي: مجلس صيانة الدستور.. ومجلس تشخيص مصلحة النظام اللذان يرجعان مباشرة للقائد نظراً لسلطته الكبيرة في تعيين أعضائهما وعزلهم([32]) .
هذا بالإضافة إلى خضوع سلطة القضاء مباشرة للقائد الذي له أن يعين ويعزل من يتقلد أعلى سلطة قضائية في البلاد الذي بدروه يتحكم في نصف نصاب مجلس المحافظة على الدستور الذي يعين النصف الآخر بصورة مباشرة القائد.
هذا التعقيد في المؤسسات الرسمية لنظام الجمهورية الإسلامية في إيران الذي تتصل خيوط حركته بالقائد لا يفشل في إظهار تأثيره على حركة الصراع على السلطة الدائر بين المحافظين والإصلاحيين طبعاً لصالح التيار المحافظ الذي يحظى بتأييد القائد ومباركته. مثلاً: مجلس صيانة الدستور يرتبط بصورة وثيقة بالقائد لا يتورع من استغلال سلطاته الدستورية في عرقلة وصول الإصلاحيين إلى البرلمان عن طريق التحكم في عملية الترشيح للانتخابات وعند المرحلة النهائية لسن التشريعات في البرلمان يقف مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يرأسه علي أكبر هاشمي رافسنجاني بالمرصاد لعرقلة أية قوانين إصلاحية في حالة ما إذا فشل مجلس صيانة الدستور من الحيلولة دون ذلك ليكون حكم مجمع تشخيص النظام الذي يسطير عليه كلية القائد نهائياً في مرحلة الصياغة النهائية للقوانين. (المواد: 91, 93, 94, 96, 99, 112).
ولكن من جانب آخر تعكس الحركة السياسية النشطة للإصلاحيين في مخاطبة الرأي العام وإدارة العملية السياسية بما في الدستور من قيم ليبرالية تحترم ولو بشكل متواضع مبدأ السيادة الشعبية في اختيار رموز النظام وفعالياته بما فيها اختيار القائد نفسه وليس انتخاب رئيس الجمهورية وأعضاء البرلمان فقط إنجازاً متواصلاً للإصلاحيين في مواجهة تحيز دستوري ومؤسساتي واضح للمحافظين. ولعل نجاح الإصلاحيين بقيادة الرئيس محمد خاتمي في الاحتفاظ بمؤسسة الرئاسة لفترتين متواصلتين.. وقبل ذلك في مرحلة رئاسة هاشمي رافسنجاني لهو أكبر مؤشر على زخم التحولات الليبرالية في النظام السياسي الإيراني.
هذا التحول شجع الإصلاحيين لتعزيز مواقعهم في حركة النظام السياسي وشجعهم على خوض معركة التعديلات الدستورية للحد من سلطات القائد في ظل قيم ولاية الفقيه وما يتمتع به من سلطات واسعة في مؤسسات النظام السياسي الإيراني.. في 26 سبتمبر 2002 قدم الإصلاحيون لمجلس الشورى (البرلمان) لائحتين لتعديل الدستور تتضمن اللائحة الأولى بالصلاحيات المخولة لرئيس الجمهورية بحيث تنقل سلطات تنظيم العلاقة بين السلطات من القائد لرئيس الجمهورية عن طريق قيام الأخير بتشكيل لجنة لتحديد الخروقات التي تحدث للدستور بسبب هذا التركيز للسلطة في يد القائد.. أما اللائحة الثانية فتتضمن اقتراحاً بتعديل النظام الانتخابي بحيث تمنع تدخل مجلس صيانة الدستور في إبعاد مرشحين معينين للانتخابات بسبب توجهاتهم السياسية. وقد اعتبر المحافظون الائحتين بمثابة محاولة لنزع سلطات المحافظين.
القسم الثالث
مغزى التحولات الأخيرة في إيران
أسفرت التحولات السياسية في إيران منذ الثورة عن سمتين أساسيتين. الأولى: إقامة نظام أيديولوجي تحكمه مؤسسات سياسية عقائدية يقودها رجال الدين([33]) .
إلا أن هذا لا يعني قيام دولة إسلامية في إيران بقدر ما يعني سيطرة سياسية لرجال الدين على الدولة والمجتمع في إيران.. فالطابع الأيدلوجي للحكم مكن رجال الدين في إيران من أن تكون لهم اليد الطولى في مؤسسات الحكم دون أن يعكس ذلك مشاركة سياسية حقيقية تعكس واقع التعددية السياسية للمجتمع الإيراني عن طريق حركة حزبية حقيقية وفعالة في البلاد([34]) .
هذا من شأنه وضع قيود فعلية على تطور ممارسة ديموقراطية حقيقية في إيران تأخذ بقيم وحركة المجتمع المدني الحديث لتصبح الديموقراطية في نظام جمهورية إيران الإسلامية مجرد طقوس وشكليات ليس فيها من الديموقراطية إلا حركة مقيدة بإجراءات صارمة لانتخاب رموز مؤسسات الحكم المختلفة بما فيها رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي ومجالس الشورى المحلية دون أن يعكس ذلك بالضرورة تفعيل إرادة حقيقية لخيارات الهيئة الناخبة السياسية من خلال مشاركة سياسية متسعة فاعلة ونشطة في عملية صناعة القرار (ممارسة السلطة) تعكس واقع التعددية السياسية السائدة في المجتمع الإيراني. السمة الثانية لنظام الثورة الإسلامية في إيران ظهور وسيطرة مؤسسات بيروقراطية ترتبط مصالحها بمصالح النخبة الدينية العامة الأمر الذي يساهم في إعاقة أية حركة تقدمية للإصلاح.
ويمكن تقسيم تطور النظام السياسي في إيران منذ الثورة إلى ثلاث مراحل رئيسية تعكس في تاريخ تطورها حركة متواصلة من الصراع بين المحافظين: دعاة التمسك بقيم الثورة الأيدلوجية الصارمة وتكريس فرضها على مؤسسات الدولة وحركة المجتمع.. والإصلاحيين: الداعين إلى التغيير (الإصلاح) نحو قيم الدولة وعقلانية حركة مؤسساتها.. والمزيد من الحرية لأفراد المجتمع من خلال مؤسسات وقيم المجتمع المدني الحديث.
المرحلة الأولى: مرحلة الإسلام الثوري (منطق الثورة) 79-1988.
المرحلة الثانية: مرحلة البناء (الجمهورية الثانية) 88-1997([35]) .
المرحلة الثالثة: مرحلة البحث عن مجتمع أكثر انفتاحاً منذ عام 1997 إلى الآن.
المرحلة الأولى: في بداية نظام الثورة حاولت أن تثبت أنها أكثر ليبرالية مما كان يعتقد.. وأنها ليست معادية لقيم عقلانية الدولة كما يخشى الكثير من مؤيديها الليبراليين الذين تحالفوا معها بسبب معارضتهم لحكم الشاه. وأنه ما كان هناك توجه ديني طاغ لدى زعامة الثورة ممثلة في فكر وفلسفة الإمام الخميني فإن ذلك لا يعني أن الثورة تريد أن تأخذ بحركة مؤسسات الدولة بعيداً عن روح العصر ومعطياته المدنية الحديثة. إلا أنه بعد ثلاث تجارب مع رؤساء وزارات ليبراليين من خارج مجموعة الثورة الدينية مهدي بازرجان.. أبو الحسن بني صدر ومحمد رجائي([36]) .
ظهرت توجهات نظام الثورة الحقيقية في عدم تسامحه بالمساومة على منطق الثورة وأن حركة مؤسسات الدولة والمجتمع يجب أن تخضع لمنطق الثورة وقيمها الدينية.. سرعان ما سيطرت على حركة مؤسسات الدولة والمجتمع والفعاليات الدينية الموالية للإمام الخميني مثل الحرس الجمهوري واتحادات الطلاب والمحاكم الثورية (الشرعية) المتجولة تطبيقاً لنظرية ولاية الفقيه في الحكم إلى أن نجحت هذه الفعاليات في إزالة أي مظهر عصري أو ليبرالي لنظام الثورة حاولت الثورة أن تتزين به في البداية.
وسرعان ما أبدت الثورة الإسلامية في إيران بعد نجاحها في الاستيلاء على السلطة وتهميش العناصر الليبرالية التي استخدمتها في بداية عهدها طموحات على المستوى الإقليمي والدولي وقالت بأهمية فكرها وعالمية ثورتها وعكست مسؤولية نظامها في ما سمي بمشروع تصدير الثورة.. ومعاداة الأمبريالية الأمريكية بقيادة الولايات المتحدة التي حملتها مسؤولية استبداد حكم الشاه للشعب الإيراني.. وإفشالها لثورة مصدق في الخمسينات.. واستغلالها لثروات إيران النفطية في عهد الشاه لتمويل مشاريعه التوسعية الإقليمية.
ولم تمض سنة على الثورة إلا ودخلت إيران في حرب ضروس مع العراق استمرت ثمانية أعوام في ما كان تطبيقاً عملياً لمبدأ تصدير الثورة بمستوى العنف الذي تفاعل من قبل الثورة في داخل إيران بحجة دك أسس نظام الشاه العلماني وبناء مجتمع يقوم على النقاء الثوري.. ويؤمن بسيادة قيم الإسلام كما جاءت في نظرية ولاية الفقيه.
ويلاحظ في هذه الفترة سواء في حركة نظام الثورة الداخلية أو الخارجية اعتماد ما يعرف في الأدبيات السياسية بقيم الشرعية الثورية من أجل حشد تأييد الجماهير الراغبة في التغيير وكانت قد خرجت لتوها من ربقة حكم الشاه الاستبدادي وراء فعاليات الثورة المتحمسة والمشبعة بروح النقاء الثوري للتجاوب مع تطلعات وآمال الجماهير التي كانت لا زالت تحت تأثير فرحة التخلص من حكم الشاه العارمة.
إلا أن كل ذلك لم يدم طويلاً نظراً لعدم كفاءة وفاعلية نظام الثورة المغرق في أيدلوجيته الصارمة في التعامل بإيجابية مع ثورة التطلعات لدى الجماهير بتحسين أوضاعهم مقارنة بما كان عليه الحال وقت حكم الشاه.. ليس على مستوى تلبية الحاجات المعاشية اليومية بل على مستوى الحريات حيث أظهرت فعاليات نظام الثورة عداء للحريات الفردية السياسية والاجتماعية لا يختلف عن ذلك التي كانت تعاني منه في عهد الشاه.. مما أفقد نظام الثورة مع الوقت هيبته وبدأ التساؤل حول مدى الحكمة في تأييده والرضاء به نتيجة لثورة الاحباطات التي ولدتها عدم قدرة النظام للاستجابة مع ثورة التطلعات التي خلقها عند قيامه.
المرحلة الثانية: حاول فيها النظام من خلال رئاسة هاشمي رافسنجاني إعادة البناء لعلاج الاقتصاد المنهار بسبب الحروب والزيادة السكانية والعزلة الدولية نتيجة للسياسة الخارجية المتطرفة والعدائية لبعض القوى والفعاليات الدولية خاصة الولايات المتحدة نتيجة التوجه في العشر سنوات الأولى من عمر الثورة نحو سياسة تصدير الثورة والعداء لما هو غير إسلامي.. في بداية ما سمي بالجمهورية الثانية (1988-1997) حدث تطور على مستوى حركة النظام الدولي بانهيار ما كان يسمى بالكتلة الشيوعية بزعامة الاتحاد السوفيتي مما كان له أثر اقتصادي داخلي في إيران التي اعتمدت الثورة عند بدايتها أسلوب الاقتصاد الموجه والأخذ بمنهجية التخطيط لتفعيل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد.
بانهيار الكتلة الشيوعية انهارت معها المدرسة والفكر الاشتراكي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبدا أن الحل للمشكلة الاقتصادية في إيران لا ينفك عن حل معضلة المشكلة السياسية فيها فأخذ تيار الإصلاح الليبرالي يتنامى في مواجهة مقاومة شديدة من قبل التيار الديني المحافظ الذي شعر بما كان يسميه بإرهاصات الثورة المضادة التي كان يمثلها التيار الإصلاحي المتنامي الذي اتهم من قبل المحافظين بمحاولة عودة عقارب الساعة إلى الوراء بإحياء فلسفة وفكر وسلوك الخيار العلماني بهدف إعاقة جهود التيار الديني في إعادة البناء بعد الحرب وحل المشكلة الاقتصادية في البلاد.
وكانت إدارة رافسنجاني تميل إلى التغيير والبعد عن القوالب الأيدلوجية الجامدة لفكر وحركة الثورة والاقتراب أكثر وأكثر نحو تأسيس شرعية براجماتية للنظام تقوم على منطق الدولة وليس على شرعية الثورة خاصة بعد رحيل الإمام الخميني الذي كان حجر الزاوية ومصدر الشرعية الوحيد لنظام الثورة الإسلامية في إيران.
لم ينفتح النظام في عهد رافسنجاني على الداخل فحسب بل على الخارج أيضاً باتباع سياسة خارجية أكثر براجماتية بعد تخلي نظام الثورة عن القوالب الأيدلوجية الدينية الجامدة التي كانت تتحكم في حركة السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية وفي مقدمتها شعار تصدير الثورة. وتحسنت علاقات إيران مع جيرانها خاصة دول الخليج العربية في هذه الفترة وكذلك مع الكثير من الدول الأوروبية التي وصلت العلاقات معها في بداية الثورة إلى مرحلة قطع العلاقات. إلا أن العداء للولايات المتحدة لم ينته وإن كانت لهجة التطرف تجاه الولايات المتحدة في تلك الفترة قاصرة على المنتمين للتيار المحافظ المتشدد دون أن ينعكس في الخطاب السياسي الرسمي لإدارة الرئيس رافسنجاني بصورة واضحة ولكن حتى ذلك الوقت كان التيار المحافظ على درجة كبيرة من القوة.. إلا أن ذلك لم يحل دون تطور حركة إصلاحية من داخل رحم فعاليات النظام الدينية بدأها رافسنجاني.. وترسخت في عهد محمد خاتمي.
المرحلة الثالثة: تبدأ هذه المرحلة مع انتخاب الرئيس محمد خاتمي في مايو 1997 في مواجهة منافسة شديدة من مرشح المحافظين آية الله ناطق نوري. بانتخاب محمد خاتمي بدأت مرحلة جديدة يمكن وصفها بأنها مرحلة الانتقال من عهد القائد "الكاريزمي" إلى عهد الإرادة الشعبية. لأول مرة تواجه النخبة الدينية بتحد حقيقي بإعطاء خاتمي الأولوية لقضايا المجتمع المدني.. وحكم القانون.. واحترام التعددية.. والحوار مع الغرب.
لم يحاول خاتمي وضع قضية الحرية في مواجهة المحافظين لتمرير الإصلاحات.
ولكنه يحاول التأسيس لقضية الحرية من خلال وجود مؤسسات رسمية وغير رسمية فاعلة وكفؤة تحميها تتفاعل في داخل النظام السياسي الإيراني. هذا التطور في حركة وقيم النظام السياسي الإيراني الذي أتت به حكومة خاتمي يمكن الجدال من أنه تطور نحو مزيد من الديموقراطية ليقترب أكثر نحو حل معضلة العلاقة بين الديموقراطية والإسلام هذا من ناحية من ناحية أخرى يمكن ملاحظة أن إيران في عهد خاتمي خطت خطوة كبيرة نحو الديموقراطية أبعدت النظام عن سيطرة القيم الدينية.. وضعت التيار المحافظ في موقع الدفاع. لكن لم يحدث التحول بعد في التجربة الإيرانية. التحول قد يكون في بدايته ولكنه لم يكتمل بعد. لا يمكن القول باكتمال عملية التحول دون توفر ثلاثة عناصر أساسية.
العنصر الأول: تطوير القوانين الانتخابية الجامدة وغير المتسامحة.
العنصر الثاني: دعم مؤسسات المجتمع المدني.
العنصر الثالث: وجود نظام حزبي قوي.
تطوير القوانين الانتخابية:
هناك غموض في دستور جمهورية إيران الإسلامية حول قضية السيادة في الدولة والمجتمع الفقرة الأولى من المادة الثانية من الدستور تقول: أن الله هو المتفرد بالحاكمية والتشريع. والمادة الثامنة والخمسون أكدت بأن السيادة المطلقة لله إلا أنها قالت: أن الله أعطى الإنسان السيادة على مصيره الاجتماعي. وفي ما يعتبر تفسيراً لمعنى السيادة الاجتماعية للإنسان نصت المادة السادسة من الدستور: يجب أن تدار شؤون البلاد في إيران بالاستناد إلى رأي الشعب الذي يتجلى بانتخاب رئيس الجمهورية.. وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي ونظائرها.. أو عن طريق الاستفتاء العام في الحالات التي نص عليها الدستور.
نظام جمهورية إيران الإسلامية إذاً أخذ بمبدأ تجزئة السيادة بين الله والأمة وإلى حد ما الإمام (القائد) اتباعاً لنظرية ولاية الفقيه في الوقت الذي أخذ بآلية الانتخاب كتعبير عن سيادة الإنسان على مصيره الاجتماعي لاختيار رموز مؤسسات النظام السياسية خاصة التنفيذية والتشريعية بل أنه حتى في حالة اختيار القائد فإن آلية الانتخاب هنا هي التي تحدد شخصية القائد كجزء من السيادة وكتعبير عن استمرار الإمامة والقيادة كأهم ضمان لاستمرار نظام الثورة([37]) .
عدم الحسم هنا في مسألة السيادة ومصدرها بسبب ولاء النظام لنظرية ولاية الفقيه حال دون الشعب والتعبير عن خياراته السياسية بالصورة التي تتفاعل في الأنظمة الديموقراطية التي تأخذ بقيم وحركة النظرية الليبرالية في الحكم. خيارات الناس السياسية بفعل أخذ النظام بنظرية ولاية الفقيه لابد أن تنحصر في نخبة دينية تعكس في توجهها ونهجها السيادة المطلقة لله ومؤسسة الإمامة (ولاية الفقيه) بوصف الأخيرة أهم ضمان لنظام الثورة الإسلامية في إيران على أساس الكتاب وسنة المعصومين (الفقرات 51 و أ من 6 المادة الثانية من الدستور).
لهذا نجد المادة: 91 من الدستور تعطي ما يسمى بمجلس صيانة الدستور([38]) الإشراف على سائر الانتخابات في جميع مراحل العملية الانتخابية للتأكد من أن المرشحين وأن كانوا يتنافسون على خيارات الناخبين السياسية إلا أنهم لابد أن تتوفر فيهم مؤهلات ذلك الجزء من السيادة الخاص بالله ومتطلبات الإمامة مما يعني بالتبعية أن تقلد المناصب العامة في نظام الثورة الإسلامية في إيران يتوقف على مدى أهلية المرشحين من قبل مجلس صيانة الدستور الذي يفاضل بينهم على أسس دينية وإن كانت غير بعيدة عن المصلحة السياسية لمن يعتبرون أنفسهم حامين للشرعية الدينية للنظام الأمر الذي يمثل قيداً حقيقياً على الديموقراطية وإن كان النظام راعي شكليات آليات الانتخاب لتقلد المناصب العامة في الدولة وترجم هذا القيد في استبعاد من يرى النظام عدم أهليته لخوض غمار الانتخابات العامة والمحلية.. وممن لا ترغب النخبة الدينية الحاكمة (المحافظون على وجه الخصوص) مشاركته في الانتخابات بسبب توجهاته الإصلاحية.
ولكن الإصلاحيين ركزوا على حق الهيئة الناخبة الدستوري في اختيار مرشحيهم وإن حاولوا الالتفاف على تمسك المحافظين بأسس الشرعية الدينية للنظام الخاصة بالحاكمية المطلقة لله ومكانة الإمامة الرفيعة في النظام السياسي الإيراني عن طريق التزامهم بالحدود الدنيا من شروط مجلس صيانة الدستور. لهذا تجد أنه منذ عام 1979 ذهب الشعب الإيراني في ظل نظام الثورة إلى صناديق الاقتراع 24 مرة بين استفتاءات انتخابات رئاسية وبرلمانية ومجالس محلية استطاع الإصلاحيون أن يستثمروا حركة الانتخابات ليحققوا مواقع متقدمة في بعض جبهات مؤسسات الحكم مثل مؤسسة الرئاسة.. ومواقع صامدة في مجلس الشورى وحتى اختراق جبهة مجلس الخبراء. فحدثت تحولات هامة في مزاج الشارع الإيراني استغلها الإصلاحيون لتدعيم مراكزهم في مواجهة المحافظين.. وبروز جماعات وأحزاب مؤيدة للديموقراطية كما أن هذا الاحتكار للنخبة الدينية المحافظة المعبرة عن نظرية ولاية الفقيه جوبه برد فعل سلبي من جانب الشعب الإيراني انعكس في خفض مستوى المشاركة السياسية في الانتخابات الرئاسية عام 1993 بعد أن فاز رافسنجاني بـ 15 مليون صوت في انتخابات 1989 فاز في انتخابات 1993 بـ 8 ملايين صوت فقط لم يكن مقصوداً بذلك الرئيس رافسنجاني بقدر ما كان الأمر يعكس امتعاضاً من دور المحافظين في مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور لمشاريع رافسنجاني الإصلاحية التي أدت إلى تفاقم المشكلة الاقتصادية وزيادة حجم الديون الخارجية إلى 30 مليار دولار.
ورغم الزخم الذي شهدته المشاركة الشعبية في انتخابات 1997 ربما تأييداً لتيار الإصلاح الذي استلم لواءه الرئيس محمد خاتمي إلا أن المشاركة في الانتخابات على مستوى المرشحين ظلت محصورة في التيارات الدينية رغم ما بداخلها من تنوع.. ولم تشمل المشاركة التيارات غير الدينية حيث استبعد المثقفون من الترشيح للانتخابات من ضمنهم أعضاء في التنظيمات الدينية أو قريبين منهم بسبب الوضعية الدستورية المتميزة لولاية الفقيه التي يمثلها مجلس صيانة الدستور([39]) .
حتى أن خيار الإرادة العامة السياسية لا يعتد بها عند ممارسة فعاليات النظام ورموزه المنتخبة لوظائفهم السياسية التي انتخبوا من أجلها. نواب الشعب في مجلس الشورى (البرلمان) على سبيل المثال ليسوا بعيدين عن تسلط مؤسسة القيادة المباشر التي تمتلك سلطة الحكم بدستورية القوانين التي تصدر من مجلس الشورى من خلال وظيفة مجمع تشخيص النظام الذي يخضع مباشرة لمؤسسة القيادة([40]) .
وضع مؤسسات المجتمع المدني:
لا يمكن الأخذ بمشاركة شعبية نشطة وفاعلة بعيداً عن حركة حقيقية لمؤسسات المجتمع المدني التي تعمل في جانب مدخلات النظام السياسي بصورة غير رسمية تكتيلاً لمصالح الجماعات السياسية المختلفة.. وتجنيداً لرموز النظام السياسي وقياداته. ودعماً لآليات الاتصال بين فعاليات النظام السياسي المختلفة انعكاساً لظروف التعددية السياسية السائدة في المجتمع.. وضماناً لتحكم أكثر لمؤسسات السلطة في الدولة من قبل القاعدة العريضة للأمة.
تتمثل مؤسسات المجتمع المدني في الأحزاب السياسية وجماعات الضغط والمصالح من نقابات عمال ونقابات مهنية واتحادات طلبة ووسائل اتصال ورأى عام وجماعات رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال والتنظيمات النسوية وجماعات حماية البيئة. وجود هذه المؤسسات غير الرسمية للمجتمع المدني ضرورية لأي نظام سياسي لكسر احتكار السلطة من قبل النخبة الحاكمة وتوفير نظام أكثر إحكاماً للسيطرة في المجتمع حتى لا تحيد السلطة عن الغاية من وجودها وتجنح للاستبداد.
إيران لا زالت تفتقد مثل هذه النوعية لمؤسسات المجتمع المدني بسبب الخلفية الأيدلوجية للنظام الذي يعتمد على سيطرة النخبة الدينية الحاكمة التي تتمتع بامتيازات دستورية واسعة وبسيطرة فعلية كاملة على حركة مؤسسات النظام السياسي الإيراني بغض النظر عن تعددية التيارات السياسية في داخل هذه النخبة الدينية الحاكمة سواء كانت إصلاحية (تحريرية) أو محافظة (متشددة).
إلا أنه خلال عقدين من الزمن منذ تفجر الثورة الإسلامية في إيران فإن حركة النظام السياسي للثورة من خلال شكليات الممارسة الديموقراطية التي تتفاعل بدورها من خلال آلية الانتخاب لرموز مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية وما كفله الدستور من هامش للحرية في مجالات الصحافة وحرية تشكيل الأحزاب والجمعيات والهيئات السياسية والأقليات الدينية والعرقية وإن كان كل ذلك مشروطاً بأن لا يتناقض مع أساس الدولة الديني قاد إلى إنشاء طبقة وسطى عريضة. ومجتمع من المهنيين والمثقفين عبروا عن آرائهم من خلال الصحف وعن مصالحهم وميولهم السياسية من خلال النشاطات النقابية.
ولكن كل ذلك لا يعني وجود حركة نشطة وفاعلة لمؤسسات المجتمع المدني في النظام السياسي الإيراني يمكن أن تتحكم بصورة فعلية في حركة مؤسسات السلطة الرسمية تجاوباً مع وضع التعددية السياسية السائدة في المجتمع الإيراني.
هذا الفراغ المؤسساتي غير الرسمي في جانب مدخلات النظام السياسي الإيراني انعكس في تفاعل معارضة ضعيفة مشتتة وغير منظمة لفئات محبطة من المجتمع مثل الشباب والعمال والطلبة والمرأة والفنانين في مواجهة وجود مؤسسات قوية ومنظمة مؤيدة للنظام تعمل في البيئة الداخلية للنظام السياسي بصورة شبه رسمية مثل الحرس الثوري ومؤسسة المفقودين ومؤسسة الشهيد تخضع للدولة([41]) .
ولم يكتف النظام بوجود مؤسسات شبه رسمية تتمتع بامتلاك آليات قسرية مثل الحرس الثوري.. أو جمعيات يغدق عليها النظام من موارد الدولة مثل مؤسسة المفقودين ومؤسسة الشهيد لتعمل من خلال البيئة الداخلية لتأييد النظام بل أن النظام طور جمعيات أخرى محافظة تعكس ولاء عقائدياً لنظرية ولاية الفقيه والمؤسسة الدينية المحافظة في النظام السياسي الإيراني بعضها ترتبط مباشرة بالقائد مثل: جمعية المؤتلفة الإسلامية التي تسيطر على بازار طهران وتتكون من أشخاص عاديين وعلماء دين وأنضم إليها أعضاء جمعية الحجتية المعادلة للبهائية بعد إيقاف أنشطتها عام 1983 وهذه مؤيدة للقائد. وهناك أيضاً رابطة الأطباء الإسلاميين.. ورابطة أرباب العمل بازار طهران.. والرابطة الإسلامية للجامعيين الإيرانيين.. والرابطة الإسلامية للمعلمين.. والرابطة الإسلامية للموظفين.. ورابطة وعاظ طهران.. ورابطة زينب النسائية.. والرابطة الإسلامية لأطباء الأسنان والأطباء البيطريين وغيرها وكل تلك الجمعيات الأهلية مؤيدة للمحافظين([42]) .
نظام حزبي منغلق:
كما أنه لا يمكن تصور ممارسة حقيقية للديموقراطية بدون مؤسسات فاعلة للمجتمع المدني لا يمكن تصور ديموقراطية بدون نظام حزبي حر يعكس حركة حقيقية للمشاركة الشعبية في عملية صناعة القرار. حتى مع توفر آليات لانتخاب رموز مؤسسات السلطة المختلفة من قبل أفراد الجماعة السياسية فإن النظام الديموقراطي لا يكتمل بدون منافسة حقيقية على تولي المناصب العامة في الدولة تعكس وضعية التعددية السائدة في المجتمع.. والأفكار السياسية المختلفة تجاه القضايا المثارة سواء على مستوى البيئة الداخلية أو الخارجية للنظام السياسي.. وتطور حلول متضاربة لمشاكل التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية لجني أكبر عائد ممكن لموارد المجتمع الحقيقية والمحتملة.
هذا كله لا يتآتى من غير تفاعل نظام حزبي حر وحقيقي يجمع مصالح الأمة بأسرها عن طريق تحقيق مصالح من ينتمون إلى حزب سياسي بعينه أو عن طريق مشاركة أكثر من حزب في السلطة إذا ما رأت الهيئة الناخبة ذلك (الشعب) وصولاً لتداول سلمي للسلطة بعيداً عن أي احتكار لها يتفاعل بعيداً عن إرادة الجماهير وذلك عن طريق منافسة حزبية سلمية.
هذا لا يمكن أن يتوافر في نظام عقائدي (ديني) مثل نظام الثورة الإسلامية الذي يربط شرعية الممارسة السياسية فيه ومن ثم مصير حركة السلطة بقيم أيدلوجية تستمد أصولها من الاعتقاد بالإمكانات المبتافيزيقية لشخص القائد طبقاً لنظرية ولاية الفقيه.. أو مراعاة خط أيدلوجي (ديني في حالة النظام الإيراني) معين عند اختيار رموز مؤسسات السلطة المختلفة. حتى ولو كانت عملية الاختيار هنا تعتمد على آليات الانتخاب من قبل الجماهير طالما أن المنصب السياسي نفسه لا يعكس حقيقة التعددية السائدة في المجتمع وبدلاً عن ذلك يعكس احتكاراً للسلطة من قبل نخبة دينية غير متسامحة مع تطور أي شكل من أشكال الخلاف السياسي معها وإن كان بالفعل له صدى لدى الجماهير.
تاريخياً: شهدت إيران تنظيمات حزبية منذ وقت مبكر قبل قيام الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني.. وشهد نظام الشاه معارضة حزبية رغم قمع النظام لها مما دفعها إلى خيار العمل السياسي السري في الوقت الذي كان هناك حزب واحد يعمل في العلن حزب السلطة رستاخير (البعث). وشملت أحزاب العمل السري في عهد الشاه تيارات دينية وقومية وماركسية. ولم يختلف الوضع كثيراً في عهد نظام الثورة الإسلامية في طهران. لقد عمد نظام الثورة الإسلامية إلى حظر جميع الأحزاب غير الإسلامية. ولم تستطع بقية الأحزاب غير الدينية أن تشق طريقها للبرلمان بسبب عدم توفر شروط أهليتها للاشتراك في انتخابات مجلس الشورى أو مجالس شورى الأقاليم وأهمها الإيمان الأيديولوجي بالإسلام ونظام ولاية الفقيه.. وهي الشروط التي تراقب مدى توفرها في المرشحين ما يسمى بـ "لجنة أهلية المرشحين" في وزارة الداخلية وهي لجنة منبثقة عن مجلس صيانة الدستور الذي يهيمن عليه القائد.
منذ البداية أبدى نظام الثورة عدم تسامحه مع أي حركة حزبية غير إسلامية وإن كان غض الطرف عن عمل بعض الأحزاب غير الإسلامية التي تفاءلت بقيام الثورة وحتى يظهر نظام الثورة خلافاً جذرياً عن مرحلة حكم الشاه خاصة أن الثورة في بدايتها كانت في حاجة لدعم كل القوى السياسية التي كانت تعمل في الخفاء في عهد الشاه لذا نجد هناك نشاطاً حزبياً متنوعاً في العالم الأول من الثورة جذب أحزاباً غير إسلامية وعلمانية بل وشيوعية وماركسية مثل حزب تودة الشيوعي.. وحركة مجاهدي خلق.. ومنظمة فدائيان خلق حتى اصطدمت هذه الأحزاب مع السلطة وتم اعتقال عدد كبير من أعضائها ولم تكتمل الثورة عامها الأول بعد.. وعند إقالة بني صدر 1981 تم رسمياً إزاحة التيار الليبرالي التي كانت حركة الحرية بزعامة رئيس الحكومة المؤقت مهدي بازرجان.. وبعد ذلك اضطرت تلك الأحزاب وغيرها إلى اللجوء إلى خيار العمل السياسي السلبي في ما ظلت الأحزاب السياسية الدينية فقط هي التي على الساحة.
وبعد انتهاء الحرب مع العراق عام 1988 برزت إرهاصات التيار الإصلاحي من داخل النخبة الدينية الحاكمة بفعل التطورات التي حدثت على ساحة الشارع الإيراني مطالبة بالمزيد من الحرية وتحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بعد أن عانى الشعب الإيراني كثيراً بسبب الحرب. وبدأ مفكرون ليبراليون من أمثال البروفيسور عبد الكريم سروش في طرح نظريات حول المجتمع المدني وعلاقة الدين بالدولة وانتهى الأمر بطلب الرئيس رافسنجاني من محمد خاتمي (وزير الثقافة آنذاك) الاستقالة لأنه أفسح المجال لمثل هذه الأفكار التي تتعارض مع شرعية النظام كما تحددها نظرية ولاية الفقيه.
إلا أن ذلك لم يمنع المد الإصلاحي خارج سيطرة التيار المحافظ المتشدد في النظام السياسي الإيراني من أن يزحف بقوة وثبات منذراً بتحولات كبيرة في قيم النظام وحركة مؤسساته. وبدأت تيارات سياسية كانت تعمل في الخفاء أو كانت مجمدة نشاطاتها بسبب ظروف الحرب وبسبب شدة وطأة التيار الديني المحافظ على النظام تخرج للعمل السياسي في العلن وتشكل نواة التيار الإصلاحي في مواجهة التيار الديني المتشدد المسيطر على مجلس الشورى ومجالس شورى الأقاليم بدعم مباشر ومباركة من القائد.
نشطت من جديد حركات وتنظيمات سياسية مثل: كوادر البناء وحركة مجاهدي خلق انقلاب إسلامي التي كانت نشطة أيام حكم الشاه وحزب جمهوري إسلامي الذي كان قد تأسس بأمر الخميني عام 1981 وأوقف نشاطه بسبب توجهاته اليسارية. في عام 1997 في بداية الفترة الأولى من حكم الرئيس خاتمي الذي جاء إلى السلطة بسبب توجهاته الليبرالية حيث كان للتنظيمات اليسارية دور في حشد الجماهير لدعمه في مقابل مرشح المحافظين طارق نوري أخذت الجماعات والقوى الليبرالية في تنظيم نفسها من جديد والانخراط في مرحلة جديدة يمر بها نظام الثورة الإسلامية في إيران يقترب فيه أكثر من عقلانية الدولة بعيداً عن منطق قيم الثورة التي تمثلها نظرية ولاية الفقيه. فعادت منظمة انقلاب إسلامي اليسارية من جديد وبقوة هذه المرة.. وانضم تجمع كوادر البناء والإعمار الذي أسسه رافسنجاني إلى التيار الإصلاحي الصاعد إضافة إلى اندماج عدة تيارات تندرج تحت تيار خرداد (نسبة إلى شهر خرداد في التقويم الإيراني الذي انتخب فيه خاتمي إشارة إلى بداية لعهد جديد تمر به إيران بعد الثورة الإسلامية التي قادها الخميني بعيداً عن قيم وتعاليم نظرية ولاية الفقيه). على رأس هذه التنظيمات الإصلاحية الجديدة التي تنضوي تحت تيار خرداد: منظمة انقلاب إسلامي. وجبهة المشاركة.. وحزب التضامن.. وتجمع روحانيون مبرز إضافة إلى التنظيم الطلاب وحركة الحرية وكلها أقرب لنهج الرئيس خاتمي الإصلاحي([43]) .
ويمكن أن يضاف إلى القوى السياسية الجديدة في إيران التي كان للتيار الإصلاحي دور في بروزها تيار المستقلين الذي اكتسب أهمية بعد أول انتخابات بلدية شهدتها إيران منذ الثورة عام 1999 إذ أكدت النتائج أن 45% من الفائزين في تلك الانتخابات البلدية من المستقلين الذين باتوا يشكلون شريحة جديدة في المجتمع الإيراني بعيداً عن خط الثورة الأيدلوجي كما تحدده نظرية ولاية الفقيه.
طبيعة التحولات السياسية ومستقبلها:
يمكن تلخيص التحولات التي يشهدها نظام الثورة الإسلامية في إيران هذه الأيام بعيداً عن الخط الأيدلوجي للثورة كما تحدده نظرية ولاية الفقيه وكما كان الأمر قبل ظهور التيار الإصلاحي بقوة في عهد رئاسة خاتمي في النقاط التالية:
أولاً: كان نظام الثورة في بدايته يركز على حكم القانون الديني (الشريعة) والتنمية الاقتصادية ولكن تحولت الاهتمامات في الفترة الأخيرة إلى التخطيط الشامل.. والعلاقات الخارجية.. والاهتمام بقضايا الحريات السياسية والفردية.. مثل ذلك إرهاصات لتطور قيم للمجتمع المدني في شكل ممارسة لجمعيات وتنظيمات سياسية واجتماعية بعيداً عن الخط الديني المتشدد. وإن كانت السيطرة لا زالت بيد النخبة الدينية التي تطور من خلالها التيار المحافظ الذي لا زال متمسكاً بقيم ومنطق الثورة مقاوماً أي انفتاح من قبل النظام في ما يخص قضايا الحريات السياسية والانفتاح على الخارج وإن لم يعد غير متحمس لشعار تصدير الثورة في علاقاته الخارجية وإن ظل متمسكاً بخطه المتشدد تجاه الولايات المتحدة. بالإضافة إلى هذين التيارين هناك مؤشرات إلى ظهور تيار ثالث ضعيف تعبر عنه فئات شعبية تخوض مرحلة انتقالية نحو عملية تنظيمية من خلال محاولة دعم الاتجاه لتطوير مؤسسات المجتمع المدني.
ثانياً: من هذه القوى التي تشكل تياراً ثالثاً مستقلاً وتقف بين التيارين الرئيسيين مثل حزب التضامن الإسلامي وجماعة مكافحة الملالي وحزب المشاركة. وهناك منها من يتخذ موقفاً قريباً من الإصلاحيين مثل حركة الحرية. ومنها من يبحث عن التحول الراديكالي للمجتمع الإيراني إلا أن كل تلك القوى التي تمثل التيار الثالث هذا تتجه لتغليب التيار الإصلاحي ووضع المحافظين في موقع الدفاع.
ثالثاً: أثبت نظام الثورة الإسلامية في إيران أنه حل معضلة الديموقراطية في ما يخص طقوس شكليات حركتها بأخذه بآلية الانتخابات لاختيار رموز مؤسسات الحكم في البلاد على مستوى السلطة التنفيذية والتشريعية بل وعلى مستوى اختيار القائد من خلال انتخاب مجلس الخبراء الذي ينتخب ويعزل القائد. وقد كسبت إيران في هذا الأمر مكانة عالمية خاصة مقارنة بمستويات التنمية السياسية القائمة في كثير من الدول الإسلامية التي لم تتطور إلى مستوى الأخذ بآليات الممارسة الديموقراطية كما هو الحال في إيران الثورة الإسلامية.
ولكن هذا التطور لم يطل جوهر الديموقراطية وإن اهتم بمظهرها. لا زال نظام الثورة الإيرانية متخلفاً من ناحية القيم ولا زال يعكس في قيمه وحركة مؤسساته نموذج الدولة الثيوقراطية التي يحدد الدين شرعية الحكم فيها ويسيطر رجال الدين على مؤسسات الحكم في النظام السياسي على مستوى الحركة لم يكن نظام الثورة الإيرانية أحسن حالاً. آلية الانتخابات عند مشاركة سياسية حقيقية إن هي تحكمت في حركة الانتخابات عند المنبع وقيدت الممارسة السياسية لتعكس مصلحة نخبة دينية عند المصب بعيداً عن ظروف التعددية السياسية السائدة في المجتمع.
كما أن حركة النظام بأسره تتحكم فيها مؤسسة ثيوقراطية قوية ومهيمنة. القائد بوضعه الثيوقراطي المتميز على رأس النظام يتحكم في حركة الانتخابات عن طريق سيطرته على مجلس صيانة الدستور الذي بدوره يضع شروط الترشيح للمناصب العامة في الدولة كما أنه حتى عند ممارسة الأعضاء المنتخبين لمهامهم السياسية ليسوا بعيدين عن هيمنة القائد السياسية. عن طريق مجمع تشخيص مصلحة النظام([44]) على سبيل المثال يمارس القائد عن طريق مجمع تشخيص النظام سلطة الفصل بدستورية القوانين التي يجيزها مجلس الشورى بالرغم من ميوله الدينية وبالرغم من مرحلة التصفية السابقة للمرشحين من خلال مجلس صيانة الدستور.
لذلك من الصعب القول بديموقراطية نظام الثورة الإيرانية لأنه يأخذ بآليات الانتخابات لاختيار رموز وفعاليات مؤسسات السلطة في الوقت الذي يخضع النظام بأسره لقيم وتعاليم ولاية الفقيه سواء من حيث السلطات الواسعة التي يتمتع بها القائد ويهيمن بواسطتها على مؤسسات النظام السياسي الرسمية. أو من حيث الخلفية الثيوقراطية للنظام الذي يجعل السلطة حكراً على نخبة دينية حتى ولو برزت بينها تيارات إصلاحية تظل شرعية النظام مرتبطة بالقيم الدينية التي تنادي بها نظرية ولاية الفقيه.
عندما نتحدث عن الديموقراطية فإننا نتحدث عن مجموعة قيم سياسية تتحكم في حركة الممارسة السياسية في المجتمع نتحدث عن: تداول للسلطة على أساس سلمي يأخذ بمبدأ المشاركة السياسية من خلال انتخابات حرة... وتوازن فعلي بين السلطات.. ورقابة متبادلة بينها خاصة على السلطة التنفيذية.. وحركة نشطة لمؤسسات المجتمع المدني غير الرسمية.. مع وجود صحافة حرة مستقلة وإيران لازالت تمر بمرحلة مخاض في كل هذه الأمور وإن كانت مكانة نظرية ولاية الفقيه كأساس لشرعية النظام تظل أهم عقبة في إحداث تحول ديموقراطي حقيقي في إيران.
إلا أن هناك من يرى إمكانية التعايش بين الإسلام والديموقراطية دون المساومة في منطلقات نظرية ولاية الفقيه الفكرية والفلسفية وذلك بجعل مؤسسات الحكم التي تمثلها خاضعة لإرادة الجماهير أكثر منها خاضعة لكارزمية القائد أو إمكاناته الفقهية ومرجعيته الدينية مع الحد من هيمنة القائد على بقية مؤسسات الحكم في الدولة. الإصلاحات التي ينادي بها هذا البعض تقول بانتخاب القائد من قبل الشعب مثله مثل رئيس الجمهورية لا عن طريق مجلس الخبراء الذي يهيمن عليه القائد عن طريق التحكم في اختيار مرشحيه من خلال عمل مجلس صيانة الدستور. كما لابد أن تكون ولاية القائد محدودة ولا تخضع عملية عزلة لتعقيدات إجراءات ذلك التي جاءت في الدستور([45]) , وعلى أن يخضع القائد لآلية محاسبة رقابية تعكس الإرادة العامة للأمة.
يجادل هذا الفريق القائل بإصلاح مؤسسة القيادة أن تلك المطالب يمكن تحقيقها طالما أن الأسانيد الشرعية لولاية الفقيه لازالت أسانيد عامة ومثيرة للجدل وليست حاسمة وجرى انتقادها دينياً وفقهياً كما قال بذلك شريعة مداري ومنتظري وغيرهما كما سبق ورأينا. وإن كانت هذه الإصلاحات ليس من المحتمل الأخذ بها في عهد خامنئي المرشد الحالي لافتقاره القدرة والشجاعة والنية والرغبة لفعل ذلك فإن ذلك من المحتمل الأخذ به إذا جاء قائد جديد يميل للإصلاح حيث الكثيرون من دعاة الإصلاح يأملون أن يحدث ذلك إذا ما تولى المنصب علي أكبر هاشمي رافسنجاني الرئيس الحالي لمجمع تشخيص النظام([46]) .
مشاكل إيران ليست سياسية في مجملها. هناك أبعاد اقتصادية واجتماعية لمعضلة التعايش بين الإسلام والديموقراطية في إيران. عدم كفاءة النظام وفاعليته في التعامل مع مشاكله السياسية بسبب خلفيته الدينية الجامدة انعكس على قدرته في احتواء مشاكله الاجتماعية والاقتصادية. إيران تعاني من مشكلة اقتصادية متفاقمة تعجز موارد البلاد عن الوفاء بالحاجات المتزايدة للسكان الذين ينمون بمعدلات قياسية. إيران رغم ثروتها النفطية الهائلة حيث تمتلك 90 بليون برميل من النفط في باطن أرضها يمثل 9% من احتياطي العالم المعروف من النفط.. وتنتج 3.6 مليون برميل يومياً.. كما تمتلك 812 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي([47]) تعتبر دولة متوسطة النمو بسبب الزيادة السكانية المطردة حيث يبلغ سكانها 68 مليون نسمة ينمون بنسبة 2% سنوياً 53% منهم تحت مستوى خط الفقر.. ويبلغ مستوى التضخم 30% سنوياً.. وتبلغ ديونها الخارجية 22 مليار دولار (إحصاءات 1996) في الوقت الذي يبلغ إنفاقها العسكري 5787 مليون دولار سنوياً يمثل 2.7% من دخلها القومي([48]) .
ورغم التوجه الإصلاحي لرئاسة خاتمي الذي كان وراء شعبيته وانعكس في فوزه بفترتين رئاسيتين متتاليتين (1997-2001) إلا أن عهده شهد أكبر مظاهرات طلابية في اكتوبر 2001 بسبب تفاقم المشكلة الاقتصادية في البلاد. بالرغم من زيادة أسعار النفط إلا أن معدلات التضخم بلغت عام 2000 – 20% كما أن هناك نصف مليون عامل ينضمون إلى قائمة العاطلين عن العمل سنوياً.. وترتفع البطالة إلى 60% بين النساء وفقاً لما صرحت به زهرة شوجاري مستشارة الرئيس خاتمي لشئون المرأة في تقرير لها أصدرته في فبراير 2001([49]) .
إيران من ناحية أخرى دولة متعددة القوميات والأعراق واللغات. 51% من سكانها فرس, 24% أذاريون, 7% أكراد, 3% عرب, 2% من البلوش.. وبها تعدد لغوي بجانب الفارسية هناك اللغات التركية والعربية والكردية والبلوشية.. مذهبياً: يمثل الشيعة 89% من السكان والسنة 10%([50]) .
ولذلك تشكل قضية التكامل القومي قضية سياسية هامة في إيران تزيد من تعقيدات نظامها السياسي وتفاقم من مشاكلها الاجتماعية والسياسية.. وإن كانت إيران تستفيد من هذا التعدد العرقي لخريطتها الديموغرافية في خدمة مصالحها بالدول الإسلامية في وسط آسيا([51]) .
الخاتمة:
في العقد الأول من عهد الثورة الإسلامية في إيران حاول النظام السياسي الحفاظ على تماسكه من خلال أيدلوجية الإمام الخميني في ولاية الفقيه.. وساعدت الحرب مع العراق التي استمرت ثماني سنوات في عدم نقاش ولاية الفقيه بالإضافة إلى ما كان يتمتع به الإمام الخميني من زعامة سياسية وروحية كاريزماتية. بعد وفاة الإمام الخميني عمد النظام إلى التمسك بشرعية ولاية الفقيه وترسيخ قيمها بتأصيل مؤسسة القيادة دستورياً ومؤسساتياً بعيداً عن شرعية زعامة الإمام الخميني التي كانت طاغية زمان عهده.
ولكن بالرغم من هذا التحيز القيمي والمؤسساتي لنظرية ولاية الفقيه من قبل النظام السياسي الإيراني إلا أن ذلك لم يمنع ظهور تيارات سياسية من داخل النخبة الدينية الحاكمة في طهران مستغلة آليات الممارسة الديموقراطية على مستوى اختيار رموز وفعاليات مؤسسات النظام الرسمية مطالبة بالإصلاح.. والمزيد من الحريات.. والاقتراب أكثر من عقلانية الدولة.. بل والبعد عن منطق الثورة مع تنامي المطالبة بتحديد صلاحيات وسلطات وطريقة اختيار القائد لتقترب من تلك التي يتمتع بها رئيس الجمهورية مع محاولة استيعاب كل التيارات السياسية المتفاعلة في الشارع السياسي الإيراني لكسر احتكار النخبة الدينية للسلطة في جمهورية إيران الإسلامية.. هذا بالإضافة لجعل نظام الثورة الإسلامية في إيران أكثر كفاءة وفاعلية لمواجهة مطالب البيئة الداخلية والخارجية من حركته.. خاصة تلك التي لها علاقة بالمشكلة الاقتصادية وحركة السياسة الخارجية الإيرانية.
لذا نجد هناك ثلاثة تيارات أساسية تطورت من تجربة نظام الثورة الإيرانية تتجاذب في ما بينها حول قضية شرعية النظام التي تمثلها نظرية ولاية الفقيه ومتطلبات التحول نحو نظام أكثر عصرية وفاعلية وكفاءة في تحقيق الغاية من حركته في مواجهة ضغوط من البيئتين الداخلية والخارجية للإصلاح والاقتراب أكثر نحو قيم الممارسة الديموقراطية.. وهذه التيارات هي:
الأول: تيار براجماتي (إصلاحي) يركز على عقلانية الدولة بعيداً عن منطق الثورة. يتجاوب بمرونة مع مدخلات البيئتين الداخلية والخارجية.. ولا ينظر لشرعية النظام من منظور أيدلوجي ضيق كذلك الذي تفرضه نظرية ولاية الفقيه. بل ينادي بقيم أكثر عصرية لتحديد شرعية النظام بربطها بإرادة الشعب بعيداً عن أية اعتبارات غيبية أو "ميتافيزيقية".
الثاني: تيار راديكالي يتمسك بقوة بنظرية ولاية الفقيه كأساس لشرعية النظام.. ويعارض كل توجه من شأنه تقليص سيطرة النخبة الدينية خاصة المحافظة على مؤسسات النظام السياسي الرسمية وغير الرسمية.. ويعتمد هذا التيار على دعم رجال الدين المتشددين المدعومين من قوى تمتلك أدوات القسر والعنف في النظام مثل: الحرس الثوري.. وقوات الأمن.. والطلبة المؤيدين للثورة.. ويعارض هذا الاتجاه التقارب مع الغرب ولازال يتمسك بمبدأ تصدير الثورة.
الثالث: تيار محافظ يتخذ موقفاً وسطاً بين الاتجاهين وإن كان يميل إلى التيار الراديكالي في ما يخص شرعية النظام المرتبطة بولاية الفقيه وإن كان يتجاوب مع مطالب البيئة الداخلية للنظام الاقتصادية ولا يتحمس لمطالب الحريات السياسية خاصة تلك التي تقود إلى كسر احتكار النخبة الدينية للسلطة.. ويؤيد هذا التيار البازار التقليدي والطبقة الوسطي([52]) .
هناك ميل متزايد في الشارع الإيراني نحو التيار البراجماتي الإصلاحي على حساب التيارين الآخرين خاصة التيار المحافظ الذي يعتبر المنافس الرئيسي للتيار الإصلاحي. رئاستاً كل من هاشمي رافسنجاني ومحمد خاتمي أثبتتا أن هناك تزايداً لتأييد التيار الإصلاحي متى ما توافر حد أدى من مدخلات الهيئة الناخبة في اختيار رموز وفعاليات مؤسسات النظام بعيداً عن سيطرة النخبة الدينية المحافظة على العملية الانتخابية. وقد أثبتت تجربة نظام الجمهورية الإسلامية في إيران أن ولاية الفقيه لا تعكس شرعية النظام الحقيقية كما أنها عاجزة عن جعل النظام أكثر فاعلية وكفاءة في أداء وظائفه أو الاستجابة لتوقعات الجماهير من حركته بالإضافة إلا أنها مسئولة عن بقاء تيار راديكالي متطرف يعيق أية محاولة للإصلاح متمسكاً بقيم الثورة وتهورها رافضاً لعقلانية الدولة ومنطقها.
ولاية الفقيه لم تعد نظرية تؤسس لشرعية النظام السياسية بقدر ما أضحت أداة لإدارة حركة الصراع من قبل الراديكاليين والمحافظين للإبقاء على نفوذهم السياسي في مواجهة تهديد حقيقي لمصالحهم يمثله التيار الإصلاحي الذي خرج هو الآخر من رحم النخبة الدينية الحاكمة التي أفرزتها تجربة نظام ولاية الفقيه.
إذا ما حدث انفتاح فعلي من قبل نظام الثورة الإسلامية في طهران على واقع التعددية السياسية في المجتمع الإيراني فإن النظام السياسي الإيراني سيتجه إلى المزيد من الديموقراطية على حساب مصالح النخبة الدينية الحاكمة في طهران ومعها كل مظاهر الشرعية التي تفرضها قسراً نظرية ولاية الفقيه.
([1]) Startfor Foundation, Where is Iran Headed? Startfor Foundation, Iran Expert, September 2002.
([2] ) هناك 50% من سكان الدول الإسلامية من الشباب تحت سن 30 سنة يعيشون في عصر السماوات المفتوحة ويتعرضون لكافة مظاهر الحياة في المجتمعات الديموقراطية المتقدة ويتطلعون نحو المزيد من المشاركة السياسية في مجتمعاتهم. أنظر: Radwan Massoudi, "Islam and Democracy Between The Past, The Present, and the Future": International Conference on Islam and Democracy, Algeria, March 20-22, 2002.
([3] ) هناك من يرى وجود ثلاثة أجيال في إيران الآن: جيل قام بالثورة وشارك في الحرب مع العراق.. وجيل ثان قام بإعادة بناء ما دمرته الثورة والحرب معاً.. وجيل ثالث (يمثل ثلثي سكان إيران) تمتع بمنجزات الثورة وعانى من سلبياتها ويتطلع إلى التغيير وبدأ –بالفعل- بمحاسبة رموز الثورة التقليديين ويتطلع لتحقيق طموحاته السياسية في الحرية الفردية والمشاركة السياسية في عالم يتطور بعنف من حوله. يؤيد هذا التيار الأخير الرئيس محمد خاتمي ويعتمد عليه الرئيس خاتمي في مواجهته للتيار التقليدي المحافظ انظر: بيزن إيزدي مدخل إلى السياسية الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية ترجمة سعيد الصباغ (القاهرة: الدار الثقافية لنشر 2000) ص14.
([4] ) مرتضى معاش "حقيقة العلاقة بين ولاية الفقيه والحرية" مجلة النبأ العدد 41 شوال 1420 يناير 2000ص3.
([5] ) أحمد سعيد عبد المؤمن البحرين وإيران: صفحة جديدة في صيف ساخن إسلام أون لاين 25/8/2002.
([6] ) شمعون شابيرا حزب الله بين لبنان وإيران (بيروت: مركز الإعلام الفلسطيني 2000).
([7] ) رمضان عويس "إيران والخليج": نقلة نوعية في العلاقات إسلام أون لاين 20/9/2002.
([8] ) انظر: محمد نصر مهنا الوجيز في مناهج البحوث السياسية والإعلامية (القاهرة: دار الفجر للنشر والتوزيع 1996) ص 9-30.
([9] ) انظر: محمد أحمد مفتي "المنهجية السياسية الغربية تحليل نقدي" مجلة العلوم الاجتماعية المجلد الخامس عشر العدد الثاني صيف 1987 (الكويت: جامعة الكويت 1987) ص 65-82.
([10] ) مشكلة آية الله شريعة مداري أنه كان الوحيد من بين المرجعيات الدينية في قم الذي عارض ولاية الفقيه التي يقول بها الإمام الخميني من منطلق فقهي ومذهبي ولم يتحرج من تسجيل معارضته علناً وهو أمر لم يجرؤ عليه أحد غيره من المرجعيات الدينية الأخرى في قم, رغم معارضتهم لنظرية ولاية الفقيه من أمثال آية الله مرعشي نجفي وآية الله محمد رضا كلبكاني الذين يمثلون مع آية الله شريعة مداري قمة المرجعيات الدينية في قم ويتقدمون من حيث المرجعيات العلمية على الإمام الخميني مما أثار نقمة الخميني على آية الله شريعة مداري وفرض عليه الإقامة الجبرية حتى وفاته بزعم اتهامه في مؤامرة قلب نظام الحكم عام 1983. انظر فهمي هويدي إيران من الداخل مركز الأهرام للتنمية والنشر (القاهرة 1988) ص 142-146.
([11] ) سوف تأخذ هذه الدراسة بالمصطلح الذي جاء لهذه المؤسسة السياسية والدينية الرفيعة في الدستور وهو القائد إذا ما رمز إلى شخص القائد والقيادة إذا ما رمز إليها كمؤسسة سياسية ودينية تفضيلاً عن ما هو متداول من استخدام مصطلح المرشد العام أو المرشد الأعلى للثورة لأسباب تتعلق بطبيعة الدراسة الأكاديمية التزاماً باستخدام المصطلحات الصحيحة والدقيقة.
([12] ) بيزن يزدي "مرجع سابق" ص6.
([13] ) آية الله منتظري كان منتقداً لمفهوم الولاية المطلقة للفقيه التي يقول بها الإمام الخميني مؤكداً أن الولاية المطلقة لله وحده. ويجب أن لا تتعدى ولاية الفقيه صلاحيات النظارة والإشراف والمراقبة على سير الحكومة المنتخبة التي تكون مسئولة أمام الشعب لا أمام القائد الذي عليه أن لا يتدخل في شئون الحكومة. المفترض في رأي منتظري أن يكون القائد مع الحكومة لا ضدها. نظرية ولاية الفقيه بالنسبة لمنتظري وحسب فهمه لما جاء بشأنها في الدستور تقود إلى قيام الجمهورية الإسلامية وليس لتنصيب حكومة إسلامية. انظر نص خطاب آية الله منتظري المفتوح للقائد علي خامنئي الذي تسبب في وضعه رهن الإقامة الجبرية في منزله عام 1997 جريدة الحياة العدد: 12697 في 12 أبريل 1997.
([14] ) إذاعة البي بي سي في 30/1/2003.
([15] ) بيزن إيزدي "مرجع سابق" ص15.
([16] ) إذاعة البي بي سي في 8/12/2002.
([17] ) إذاعة البي بي سي في 14/2/2003.
([18] ) إسماعيل حامد خليل إيران بين المحافظين والإصلاحيين (القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات 2001) ص2.
([19] ) سيد زهير الأعرجي, نظرية ولاية الفقيه والإدارة الاجتماعية موقع الولاية على الانترنت.
([20] ) ولاية الفقيه بين الشورى والاستبداد, صحيفة الحياة في: 8/12/1997.
([21] ) نظرية ولاية الفقيه لم تشكل خطراً سياسياً على التيارات السياسية غير الدينية والقوى الليبرالية فحسب بل وعلى المرجعيات الدينية نفسها. القول بولاية الفقيه المطلقة تسلب المرجعيات الدينية حق إصدار الفتاوى خاصة تلك التي قد تعارض توجهات الدولة والقائد (الوالي الفقيه) على وجه الخصوص. كما أن الخلط بين وظيفة الدولة الجبائية وما اعتاد عليه تقاليد المرجعيات من جباية الأخماس الزكاوات وتوزيعها على الفقراء والمساكين وطلبة العلم ورعاية المشاريع الخيرية يأتي على حساب نفوذ المرجعيات الدينية الاجتماعي والسياسي في المجتمع الشيعي. ولعل هذا ما دفع أحد كبار الحوزة العلمية في قم الشيخ آذري قمي أن يطالب صراحة القائد علي خامنئي وهو أحد أنصار الولاية المطلقة للفقيه أن يحتفظ بالقيادة ويترك ساحة المرجعية للفقهاء التقليديين. أنظر: أحمد الكاتب الوجه الآخر للصراع بين المرجعية والقيادة السياسية في إيران, جريدة الحياة 10/2/1996.
([22] ) ولاية الفقيه بين الشورى والاستبداد, "مرجع سابق".
([23] ) أصبح علي خامنئي أكثر تشدداً في التمسك بشرعية ولاية الفقيه بعد أن أصبح قائداً لنظام الثورة وبالسلطات الدستورية التي يتمتع بها القائد حتى في مواجهة المرجعيات الدينية التي تعارض الولاية المطلقة للفقيه في أجوبة الاستفتاءات يقول خامنئي في المسألة رقم 65: يجب على كل المسلمين إطاعة الأوامر الولائية الشرعية الصادرة من ولي أمر المسلمين (الولي الفقيه) والتسليم لأمره ونهيه حتى على سائر الفقهاء العظام, فكيف بمقلديهم (يعني عامة الناس) ولا ترى الالتزام بولاية الفقيه قابلاً للفصل عن الالتزام بالإسلام وبولاية الأئمة, أحمد الكاتب, "مرجع سابق".
([24] ) يبدو أن مسألة القائد الحاكم الفعلي في إيران الثورة ورمز مؤسسة ولاية الفقيه كانت مثار جدل حتى مع وجود الإمام الخميني نفسه. في دستور 1980 مع وجود الإمام الخميني تتحدث المادة 107 عن احتمال وجود هيئة جماعية مجلس للقيادة في حال فشل مجلس الخبراء في اختيار أحد للقيادة وتقديمه للشعب بوصفه القائد دون أن يكون واحداً منهم بالضرورة, أما نفس المادة في دستور 1989 فإنها وإن أبقت صلاحية اختيار القائد لمجلس الخبراء إلا أنها لم تتحدث عن القيادة الجماعية لمؤسسة القيادة وإن كانت قد تحدثت عن احتمال أن يكون القائد من فقهاء مجلس الخبراء, إلا أن كلتا المادتين تحدثتا عن دور لمجلس الخبراء في انتخاب القائد الأمر الذي يختلف في حالة قيادة الإمام الخميني الذي كانت عملية اختياره تعكس إرادة مباشرة من الشعب أمراً لا يتسنى لأحد من بعده..! وقد أكدت هذه الخاصية الفريدة لقيادة الإمام الخميني بوصفه تعبيراً مباشراً عن إرادة الأمة المادة الخامسة من دستور 1980 بصورة لم تتضمنها نفس المادة دستور 1989. قارن المادتين الخامسة والسابعة بعد المائة في دستوري 1980 – 1989.
([25] ) لم تتضمن هذه الفقرة في نفس المادة من دستور 1980, ربما لأن هذه الصفة متأصلة في شخصية الإمام الخميني التي يجب أن يتحرى عنها في أي قائد يأتي بعده كأساس في المفاضلة من قبل مجلس الخبراء بين من يستحقون القيادة ويتنافسون عليها وتتوافر بينهم الشروط الأخرى. وربما لأن اختيار الإمام الخميني كان يعكس إرادة الأمة بصورة مباشرة في اختياره مما يفوق أي تقدير لهيئة أخرى (مجلس الخبراء) مع وجوده بأحقية الإمام الخميني للقيادة. وفي النهاية فإن الولاية عن الإمام الغائب (ولاية الفقيه) في بعدها الغيبي لن تتحقق في أية شخصية قيادية أخرى عدا الإمام الخميني مما يجعل الخميني نفسه ونهجه أساساً للشرعية في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران حتى بعد رحيله عقبة لا يمكن الاستهانة بها أمام أي تطور إصلاحي للنظام.. وواحد من أمضى الأسلحة السياسية في ترسانة المحافظين.
([26] ) الفقرات 1, 2, 3, 7, 8 من دستور 1989 لم تكن واردة في نفس المادة من دستور 1980, وهذا راجع لتطور مؤسسة القيادة وتأكيد هيمنتها على نظام الجمهورية الإسلامية في إيران بعد أن كان الأمر في عهد الإمام الخميني يعتمد بصورة أساسية على شخصية الإمام الخميني "الكارزماتية".. وجزء من شرعيته السياسية بوصفه مفجر الثورة ومؤسس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. والتجسيد العملي لتطبيق نظرية ولاية الفقيه. ولعل أهم تطور هنا هو: جعل مؤسسة القيادة مرجع جميع السلطات الفقرتان: 7, 8 وإنشاء ما يسمى بمجمع تشخيص النظام للتأكد من ممارسة سلطات الدولة لمهامها وفقاً لأسس الشرعية الدينية للدولة خاصة ما يتعلق بعملية سن القوانين أيضاً لمقاومة أي تطور إصلاحي في مجلس الشورى يمكن أن يحد من سلطات وصلاحيات مؤسسة القيادة ولتأكيد هيمنة مؤسسة القيادة على العملية التشريعية تم ربط مجمع تشخيص النظام مباشرة بالقائد من حيث تشكيله ومن حيث مرجعيته مباشرة للقائد حتى في الفصل بينه وبين مجلس الشورى تأكيداً للفقرة 8 من المادة: 110, انظر المادة 112 من دستور 1989.
([27] ) يحس نظام الثورة الإيرانية بأهمية وخطورة الأداة الإعلامية لخلفيتها الاتصالية الاستراتيجية واحتمال استخدام المعارضة لها لاستمالة توجهات الجماهير وتعبئتها ضد النظام. في هذا يرى خامنئي كما جاء في المسألة رقم 61 من أجوبة الاستفتاءات: يجب أن تكون وسائل الإعلام تحت أمر وإشراف ولي أمر المسلمين (الولي الفقيه). أحمد الكاتب, "مرجع سابق".
([28]) “How Iran’s Political System Works”, Reuters, 19 Septemper 2002, P.1.
([29] ) المرجع السابق, ص2, ولكن إجراء الاستفتاء يحتاج إلى ثلث أعضاء مجلس الشورى المادة 59, كما أن الاستفتاء لا يجري إلا بأمر من القائد. المادة: 110 فقرة: 3, بالإضافة إلى أن الاستفتاء يشرف عليه مجلس صيانة الدستور المادة 99 الذي يسيطر عليه القائد. المادة: 91, 110 فقرة: 6 أ ب, وإذا أضفنا إلى ذلك ما يتمتع به القائد من هيمنة على النظام عن طريق مجمع تشخيص النظام بالإضافة إلى المكانة الروحية التي يتمتع بها بموجب نظرية ولاية الفقيه نتلمس محدودية خيار الاستفتاء العام بالنسبة لرئيس الجمهورية أو أية مؤسسة سياسية أخرى منتخبة من الشعب بما فيها مجلس الشورى, كل ذلك يعكس ضيق حيز المناورة الذي يوفره النظام لتطور أي حركة ديموقراطية حقيقية.
([30] ) كان 270 عضواً عند بداية وضع الدستور. لمعرفة كيفية تحديد نصاب المجلس بالنسبة لعدد السكان مواكبة للزيادة السكانية المطردة بمعدل عشرين نائباً كل عشر سنوات انظر المادة: 64 من الدستور.
([31] ) قارن المادة 111 في كل من دستور 1980, 1989 خاصة ما جاء في دستور 1989 في ما يخص ملء فراغ القيادة في حالة شغرها بسبب العزل أو الوفاة أو عدم القدرة في ممارسة مهام القيادة, أمر لا نجده في دستور 1980 بالرغم من نصه على احتمال عزل القائد مع عدم التعرض لمسألة ملء فراغ القيادة حتى تتم عملية اختيار القائد الجديد بواسطة مجلس الخبراء. دليل آخر على المكانة الروحية للإمام الخميني.. وتكريس شرعية النظام في شخصه طبقاً لنظرية ولاية الفقيه.
([32] ) القائد يعين أعضاء مجمع تشخيص النظام الدائمين والمؤقتين بأمر منه (المادة:112) من دستور 1989, ويعين نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور (ستة أعضاء من الفقهاء) والنصف الآخر يعينهم القائد من قائمة يقدمها له رئيس السلطة القضائية الذي يعين مباشرة من قبل القائد المواد: 91 أ ب من الفقرة 6, مادة: 110.
([33] ) انظر Bulent Aras, "Information of The Iranian Political System", Journal of Middle East Review of International Affairs. Vol. 5 No: 3, September, 2001.
([34]) Khlifa Adul Karim, Islam and Democracy (Pakistan: The Institute of Islamic Culture, 1987), P.5.
([35]) Bulent Arass, Op-cit, P.1.
([36] ) في البداية لم يشأ الإمام الخميني لرجال الدين أن يمارسوا السلطة بصورة مباشرة من خلال مؤسسات الدولة خاصة مؤسسة الرئاسة ويكتفوا فقط بما سمي بولاية الفقهاء لضمان توجه الدولة وتمسكها بقيم الثورة الإسلامية عن كثب من خلال سيطرتهم على السلطة التشريعية ورقابة مجلس صيانة الدستور ربما بسبب المعارضة الشديدة من قبل المرجعيات الدينية لنظرية ولاية الفقيه.. وربما حتى يعطى الانطباع الخارجي عن تسامح نظام الثورة الإسلامية في إيران وليبراليته. ولكن ما لبث الإمام الخميني أن رفع الحظر المفروض عن رجال الدين لتقلد المناصب العامة خاصة في مؤسسة الرئاسة بعد اغتيال علي رجائي ليكشف النظام عن تحيزه السياسي لصالح النخبة الدينية ويكون الحسن بني صدر ومن قبله رئيس الوزراء مهدي بازرجان ثم علي رجائي آخر عهد الجمهورية الإيرانية الأولى من رؤساء الوزراء, ورؤساء الجمهورية غير المنتمين للنخبة الدينية ليأتي عصر الجمهوريات الدينية بتقلد رجال دين من أمثال علي خامنئي وعلي أكبر هاشمي رافسنجاني وأخيراً محمد خاتمي لرئاسة الجمهورية لتسيطر النخبة الدينية في نظام الثورة الإسلامية على مؤسسات الحكم في إيران بصورة مطلقة.
([37] ) انظر ما جاء بشأن مجلس الخبراء في ما يخص انتخاب القائد وعزله المواد: 107, 108, 111. كذلك في ما يخص القائد من السيادة انظر: الفقرة الخامسة من المادة الثانية من الدستور.
([38] ) مجلس صيانة الدستور (12 عضواً) يهيمن عليه القائد الذي يعين نصفهم بصورة مباشرة (6 أعضاء من الفقهاء) ويصادق عليه ترشيح رئيس السلطة القضائية للستة الآخرين.. وبيده عزلهم أيضاً.. وإذا ما عرفنا أن القائد هو الذي يعين رئيس السلطة القضائية فإن السيطرة على مجلس صيانة الدستور تكون للقائد. أي للتيار المحافظ في النخبة الدينية الحاكمة في نظام الثورة الإيرانية. انظر المواد: 191 و ب من الفقرة 6 مادة 110 من الدستور.
([39] ) قناة الجزيرة المشاركة السياسية في إيران, ملف خاص عن إيران في 6/5/2001.
([40] ) انظر المادة 112 من دستور عام 1989, هذه المادة من أهم المواد التي أضيفت لدستور 1989 ولم يكن لها ولا للمؤسسة السياسية التي تتحدث عنها (مجمع تشخيص النظام) وجود في دستور 1980 الذي صدر في بداية الثورة وفي عهد الإمام الخميني.. وتعكس هذه المادة أيضاً تكريساً دستورياً ومؤسساتياً لنظرية ولاية الفقيه وهو أمر لم تدعو الحاجة إليه في عهد الإمام الخميني ربما بسبب شخصية الإمام الخميني الكارزماتية الطاغية.. أو بسبب المعارضة الشديدة من قبل المرجعيات الدينية لنظرية ولاية الفقيه في بداية عهد الثورة حتى مع وجود الإمام الخميني في كل الأحوال تجسد هذه المادة في الدستور الإيراني التوجه الثيوقراطي لنظام الثورة الإسلامية في إيران وسيطرة النخبة الدينية الحاكمة مما يقف عائقاً أمام أية محاولة حقيقية للإصلاح حتى ولو جاءت من النخبة الدينية الحاكمة نفسها وهذه واحدة من أشد العقبات وعورة التي تواجه التيار الإصلاحي الذي يقوده الرئيس محمد خاتمي هذه الأيام.
([41]) Ali Abootalebi, “The struggle Democracy In The Islamic Repuplic of Iran”, Journal of Middle East Review of International Affairs. Vol. 4. No: 3, September, 2000.
([42] ) إسماعيل حامد خليل, مصدر سابق, ص13.
([43] ) قناة الجزيرة, مصدر سابق.
([44] ) كما جاء في هامش رقم 38 من أهم الإضافات التي جاء بها دستور 1989 المعدل إنشاؤه لما يسمى بمجمع تشخيص النظام الذي أعطى القائد هيمنة مباشرة على مجلس الشورى الإسلامي تتعلق بوظيفته التشريعية عن طريق ممارسة رقابة دستورية على ما يصدره من قوانين وتشريعات بالإضافة إلى ما يتمتع به القائد من صلاحيات لتحديد نوعية ومواصفات المرشحين عن طريق مرجعية مجلس صيانة الدستور له. انظر المادة: 112 من دستور 1989.
([45] ) انظر المادة 111 من الدستور.
([46] ) بيرن أيزدي مصدر سابق, ص6-7.
([47] ) تعتبر إيران ثاني دولة منتجة للنفط في منظمة الأوبك بعد المملكة العربية السعودية. وثالث دولة في العالم تمتلك احتياطياً نفطياً بعد المملكة العربية السعودية والعراق.. وثاني دولة في العالم من حيث احتياطاتها من الغاز بعد روسيا.
([48] ) قناة الجزيرة, مصدر سابق.
([49]) Michael Rubin, What Are Iran’s Domestic Priorities, Journal of Middle East Review of International Affairs, Vol. 6 No: 2, June, 2002.
([50] ) الدستور الإيراني لا يخفي الخلفية الدينية للدولة فحسب بل نراه يفصح عن تحيزه للمذهب الشيعي الجعفري الاثنى عشري باعتبار ما يخص هذه المسألة غير قابل للتغيير للأبد..! عقبة دستورية كأداء في مواجهة أي تحول حقيقي نحو الديموقراطية .. وترسيخاً لشرعية نظرية ولاية الفقيه. انظر المادة: 12 من دستور 1989.
([51]) Oil Survey On line.
([52] ) انظر: "Revolution At Crossroad: Iran Domestic Politics And Regional Ambitions", Washington Institute For Near East Policy, 2002.
_______________________________
د. طلال صالح بنان
كلية الاقتصاد والإدارة – جامعة الملك عبد العزيز
السياسة الدولية – العدد 155 يناير 2004