يبين الكاتب وجهة نظره في السياسة الإيرانية في العراق والتي تتقاطع مع الاحتلال الأمريكي ضد المصالح العراقية الوطنية....................................الراصد.
على خطين متوازيين, تتحرك السياسة الإيرانية في العراق وحياله.
فهي من جهة, تحشد القوى المؤيدة, وترسل برجالاتها بعشرات الألوف إلى العراق, كما تقول التقديرات العراقية والأمريكية, وتصدر عن مرجعياتها الدينية العليا, إشارات غاضبة ضد الاحتلال وممارساته, ومواقف متماهية مع قوى المقاومة والانتفاضة في العراق, وبصورة تدعو للاعتقاد بأن الجمهورية الإسلامية قد دخلت معركة "كسر عظم" مع الولايات المتحدة, بدءاً من العراق.
بيد أنها من جهة ثانية, تفتح وعلى أوسع نطاق, قنوات الاتصال الديبلوماسية الخلفية, وتهب لمد يد العون للولايات المتحدة, بصرف النظر عن هوية الطرف الذي تقدم بالطلب إلى طهران للقيام "بمساعيها الحميدة" في هذا الصدد, وإذا كانت الولايات المتحدة ذاتها, أم بريطانيا وإيطاليا بالإنابة عنها.
لكأنها تريد ضرب عدة عصافير بحجر واحد: تعزيز نفوذها في العراق ميدانياً وسياسياً... إبقاء قنوات التعاون مفتوحة مع واشنطن لتفادي الأسوأ في مختلف الظروف.. طمأنة الغرب عموماً إلى حقيقة أن فوز المحافظين في الانتخابات الأخيرة, لن يغير أو يبدل في مضامين السياسة الخارجية الإيرانية وأهدافها.
والحقيقة أن الدور الإيراني في العراق القديم المتجدد, يستعير بعض فصول وقصص الدور الإيراني في أفغانستان, حيث اعتمدت طهران مقاربة مزدوجة في التعامل مع الحرب الأمريكية على طالبان والقاعدة, فهي كانت تعارض الحرب وتطلق التصريحات النارية ضد الغطرسة الأمريكية, بيد أنها في واقع الحال, قدمت خدمات جليلة للأمريكان, لم تقو دول صديقة تقليدياً لواشنطن على تقديمها.
الولايات المتحدة التي تواجه مأزقاً صعباً في رمال العراق المتحركة, تبحث عن "الترياق من خارج العراق", وهي لا تمانع من شرائه, حتى وإن كان إيراني المنشأ, ولهذا سارعت إلى الترحيب بالدور الإيراني الجديد, ضاربة مؤقتاً على الأقل صفحاً عن قضايا التسلح وبرامج الدمار الشامل وحقوق الإنسان في الجمهورية الإسلامية!
وإيران, التي تشتهي رحيل اليمين المسيحي والمحافظين الجدد عن البنتاغون والبيت الأبيض, تتحسب كما يبدو لمقبل الأيام, وهي تفترض من بين فرضيات أخرى, احتمال عودة الجمهوريين لولاية ثانية, فتقرر ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه على شتى السيناريوهات.
وأيا يكن من أمر, فإن الحركة الإيرانية الأخيرة, يراد بها البرهنة على أن طهران, هي قوة استقرار إقليمي, وهي وحدها تمتلك الكثير من المفاتيح "الحل والعقد" في الخليج والعراق والشرق الأوسط والجمهوريات الآسيوية, ولا يجوز بحال من الأحوال, تجاهلها أو تغييب دورها تحت شعار أنها "دولة مارقة".
بيد أن ما يفوت صانع القرار الإيراني استذكاره واستحضاره, أن خدمات جليلة قدمت سابقاً للولايات المتحدة, من قبل إيران وغيرها, لم تفلح في "زحزحة" واشنطن عن مواقفها من هذه الدول, إذ سرعان ما كانت تعود لمزاولة "عادتها القديمة" عندما ينتهي أثر الخدمة المطلوبة, وتعود الدول المتبرعة بها لواشنطن للاصطفاف من جديد في خانة "محور الشر".
_______________________
الدستور 16/4/2004