الكاتب : يحيى داود عباس ..
يواجه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد شائعات واتهامات عدة منذ فوزه في انتخابات رئاسة الجمهورية، ومن هذه الشائعات شائعة تدور حول صلة الرئيس أحمدي نجاد وحكومته بجمعية الحجتية التي أجبرت على وقف نشاطها في عام 1983، والتي كانت قد كرست نشاطها الثقافي في التصدي للبهائيين وفي عقيدة المهدي المنتظر وظهوره ورجعته.
وقبل مناقشة هذه المسألة ينبغي أن نذكر لمحة تاريخية عن الجمعية، وعن نشاطها، وعن مؤسسها، والهدف من تأسيسها، والدور الذي لعبته، والاتهامات التي وجهت لها، وموقف الإمام الخميني ورجالات الثورة ورموزها منها، ووضع الجمعية في الوقت الراهن.
في مدينة مشهد بمحافظة خراسان بدأت إرهاصات تشكيل جمعية الحجتية، وفي العاصمة "طهران" تم إشهار الجمعية في عام 1955م، وإن كان البعض يرى أنها أسست في عام 1953م، واختير لها اسم: جمعية الحجتية المهدوية الخيرية، ومؤسس الجمعية هو الشيخ محمود الحلبي، وكان واعظاً مشهوراً في الأوساط الدينية في مدينة مشهد، ذاعت شهرته في الخطابة في عام 1941م.
وكان الشيخ الحلبي يشارك في هذه الفترة في محافل البهائيين ويحاورهم ويتصدى لهم مع غيره من الشيوخ، كما شارك في حركة تأميم البترول منذ عام 1951م. وقيل إنه غادر مدينة "مشهد" واتجه إلى طهران في أوائل عام 1952م بعد أن اختلف مع زملائه في كيفية إجراء انتخابات جمعية المؤتلفة الإسلامية، أو بعد فشله في انتخابات هذه الجمعية.
ومذ مغادرة الشيخ الحلبي لمشهد ترك حلبة السياسة للسياسيين، وحصر نشاطه في طهران في التصدي للبهائيين وأفكارهم، وكان يلتقي في منزله في طهران ببعض الأفراد، لتدريبهم على التصدي للبهائيين، وعلى أساليب إجراء المناظرات معهم ومحاورتهم.
وبعد تأسيسه لجمعية الحجتية أصبح رئيساً لمجلس إدارتها، وتقلد هذا المنصب حتى وفاته في عام 1997م، وكان الإعلان عن هذا التشكيل في طهران بمثابة استمرار لنشاط محاربة الجمعية للبهائيين، هذا النشاط الذي كان قد بدأ في مشهد.
وفي سنة 1957م والسنوات التي تلتها اتسعت دائرة نشاط الجمعية، وأسست فروع أخرى في محافظات إيران المختلفة، وكان للجمعية مكتب في كل فرع باسم: بيت إمام الزمان. ومن المراكز الرئيسية التي كانت تمارس الجمعية نشاطها فيها: سبزوار، بجنورد، أصفهان، جيلان، رشت، لنجرود، كرمانشاه.
وكانت الجمعية تدير مؤسسات خيرية كثيرة منها: دور الأيتام، المستشفيات والمراكز الصحية، الجمعيات الخيرية النسائية، جمعيات الزواج، جمعيات القروض الحسنة، المراكز التعليمية والثقافية، كما أنشأت الجمعية بعض الحسينيات والمساجد في بعض المحافظات.
ونصت لائحة تأسيس الجمعية على أن الإطار العام لنشاط الجمعية هو: تبليغ الدين الإسلامي والمذهب الجعفري والدفاع العلمي عنهما، والقيام بنشاط علمي وتعليمي وثقافي، وتقديم الخدمات الاجتماعية، وطبع ونشر الكتيبات والنشرات العلمية والدينية، وعقد المؤتمرات والندوات في جميع أنحاء إيران، وإنشاء المكتبات والنوادي الرياضية والمراكز التعليمية والعلاجية، والاتصال بالجمعيات المناظرة، والتعاون معها ثقافيا.
اللجان التي كانت تمارس نشاطها داخل الجمعية هي:
1ـ لجنة التعليم: وكانت هذه اللجنة مسئولة عن تدريس تاريخ البابية والبهائية. في المرحلة الأولى يتم تدريس كيفية تكوين الفرقتين: البابية والبهائية. وفي المرحلة الثانية يرد المعلمون على الشبهات البهائية حول المهدي المنتظر وقائميته وخاتميته، وينتقل عضو الجمعية إلى المرحلة الأعلى طبقاً لاجتهاده وكفاءته، وتعد أعلى مرتبة في التعليم هي: نقد كتاب (الإيقان) الذي ألفه "البهاء". وكان هذا يتم تحت إشراف الشيخ محمود الحلبي ، الذي ألف كتاباً ضخماً عنوانه: نقد الإيقان.
2ـ لجنة التحقيق والدراسة: كانت مهمة هذه اللجنة تنحصر في جمع الأخبار والمعلومات عن العناصر البهائية، وذلك بعد اختراق أفرادها للأوساط والمحافل البهائية، وبعد حصولها على وثائقهم ومستنداتهم وأخبارهم. ونجحت بعض عناصر هذه اللجنة في تقلد مناصب قيادية في الأوساط البهائية.
3ـ لجنة الكتابة والصياغة: وقد أصدرت هذه اللجنة كتباً ترد فيها على البهائيين وأفكارهم، وتثبت وجود إمام الزمان (المهدي المنتظر).
4ـ لجنة البحث والمناظرة: وهذه اللجنة كانت تعقد جلسات حوار ومناظرة مع عناصر الفرقة البهائية بقصد التصدي لها وإضعافها وإقصائها عن الساحة.
5ـ لجنة العلاقات الخارجية: وكان أعضاء هذه اللجنة يمارسون نشاطهم في دول مثل: الولايات المتحدة ـ أستراليا ـ النمسا ـ بريطانيا ـ الهند.
6ـ لجنة المؤتمرات والندوات: ومهمة هذه اللجنة هي عقد المؤتمرات للحديث عن الإسلام والعقائد الشيعية وبطلان المعتقدات البهائية.
وكان من الضروري أن تختار الجمعية عناصرها من الشباب المتأهب المستعد الملتزم. ومن أشهر المدارس التي أمدت الجمعية بعناصر جيدة: المدرسة العلوية التي أسست عام 1956م، والتي تخرج فيها في العشرين عاماً التي تلت نجاح الثورة الإسلامية شخصيات بارزة منها: كمال خرازي ـ وزير الخارجية الأسبق ـ وعبد الكريم سروش، وغلام علي حداد عادل، رئيس مجلس الشورى الإسلامي الحالي ـ وكان عدد كبير من معلمي هذه المدرسة أعضاء في جمعية الحجتية أو على الأقل كانوا مؤمنين بأفكارها. كما كان يعهد إلى عدد كبير من خريجيها بالتدريس في الجمعية.
وأكدت لائحة تأسيس الجمعية في البند الثاني على أن الجمعية لن تتدخل بأي وجه من الوجوه في الشئون السياسية، وأنها لن تكون مسئولة عن أي نوع من أنواع التدخل في المجالات السياسية من جانب كوادر الجمعية أو الأفراد المنتسبين إلى الجمعية. وكان هذا هو البند الذي أثار حفيظة الثوار واستياءهم ـ قبل الثورة وبعدها ـ من الجمعية وكوادرها وأعضائها.
وكان الشيخ الحلبي يؤكد دائما على أن مهمة الجمعية تنحصر في التصدي للبهائيين، وعلى أن إمام الزمان لن يقبل من أفراد الجمعية الآن سوى هذه الخدمة. وكان يؤمن بأن البهائيين أكبر خطر على إيران. ومما لا شك فيه أن إيمانه هذا التقى مع رغبة نظام الشاه وجهاز الساواك (هيئة الأمن والمعلومات) في محاربة البهائيين بعد أن استفحل خطرهم.
ولم تكن الجمعية تسمح للسياسيين بحضور جلساتهم. كما كانت الجمعية تستكتب أعضاءها تعهداً بعدم ممارسة أي نشاط سياسي. والواقع أن الحجتية كانت تياراً اختار نظرية فصل الدين عن السياسة في مسألة انتظار حكومة المهدي العادلة، وكانت تؤمن بأن أي ثورة أو أي راية ترفع قبل ظهور المهدي المنتظر غير مشروعة ومحكوم عليها بالفشل، وتعد إهداراً لدماء المسلمين.
وكان الحجتيون يرون أن ولاية فقهاء عصر الغيبة على الشيعة ولاية ظاهرية ،وأنه على الأعضاء أن يختاروا بين العمل الثقافي ضد البهائية وبين ممارسة الأنشطة السياسية.
وبعد قيام الثورة الإسلامية في 11/2/1979م أعلن أعضاء الجمعية تأييدهم للثورة وللإمام الخميني ، وحث الشيخ الحلبي المواطنين على التصويت لصالح الجمهورية الإسلامية في 21/3/1979م، وشارك بعض أعضاء الجمعية في الحرب العراقية ـ الإيرانية، وتحدثوا عن مشروعية الحرب والجهاد.
وقيل إن الجمعية بادرت بعد قيام الثورة بخمسة شهور تقريباً إلى إعادة النظر في اللائحة الخاصة بالجمعية، وأنها أضافت بنوداً خاصة بإلغاء بند منع اشتراك أعضاء الجمعية في التشكيلات والجماعات السياسية، وإنه من واجب الجمعية تنفيذ توجيهات القيادة في المجالين: السياسي والاجتماعي، وذلك حتى ظهور إمام الزمان.
وجدير بالذكر أن الجمعية واصلت نشاطها الثقافي ضد البهائيين بعد الثورة الإسلامية. كما أنها واصلت اهتمامها بمسألة انتظار الفرج وظهور المهدي المنتظر ورجعته، وعلم الأبحاث والدراسات الخاصة بهذا الانتظار وهذا الظهور.
والملفت للنظر أن بعض عناصر الجمعية انتقدت الجمعية وانقلبت عليها، وانضمت إلى الثورة والثوار، ومعظم هذه العناصر كانت من المقلدين للإمام الخميني (كان أعضاء الجمعية أحراراً في اختيار مراجع التقليد)، وهي من العناصر المعارضة للخطاب غير السياسي للجمعية، والتي مارست أنشطة سياسية مع قوى الثورة.
وبمرور الوقت اعتبر زعماء الثورة ورموز النظام الجمعية خطراً على الثورة ومسيرتها، وبدأ النظام يمارس الدعاية المضادة ضد الجمعية للحد من نفوذها في المحافظات، وذلك بذريعة الدفاع عن الثورة ومنجزاتها.
وفي أوائل عام 1983م زادت حدة الانتقادات ضد الجمعية، فأصدر عماد الدين باقي كتاباً بعنوان: "في معرفة حزب القاعدين في هذا الزمان". وهذا الكتاب كان قبل صدوره قد نشر في صحيفة "إطلاعات" الإيرانية، وجه لطمة شديدة كان لها تأثيرها السلبي على الجمعية وكوادرها.
كما أصدر محمد رضا أضكري كتاباً بعنوان: "ولايتيون بدون ولاية"، وأصدر جيش الحرس الثوري الإسلامي كتيبات تحتوي على هجوم على الجمعية وأفكارها وكوادرها، وحاربتهم الصحف والجمعيات الإسلامية الأخرى والنقابات المهنية والتنظيمات السياسية.
وفي 27/7/1983 أوقفت الجمعية نشاطها أو أجبرت على حل نفسها بعد أن أشار الإمام الخميني في إحدى خطبه إلى قيام البعض بممارسة نشاط مغاير لأهداف الجمهورية الإسلامية. فقد جاء في البيان الذي أصدرته الجمعية بهذه المناسبة: أنه شاع في أعقاب كلمة الإمام الخميني أن طرف الخطاب المعني هو: جمعية الحجتية. وعلى الرغم من أنه لا يوجد دليل واضح على أن الإمام الخميني أصدر أوامره بحظر نشاط الجمعية، إلا أننا استشرنا بعض الشخصيات الموثوق بها، وتبين لنا أن المخاطب المعني هو: جمعيتنا، وعرض الأمر على حجة الإسلام والمسلمين السيد محمود الحلبي، فقال: في مثل هذه الحالة، يجب علينا شرعاً أن نحل الجمعية ونوقف نشاطنا، وأن نعطل جميع الجلسات والبرامج، وأن نتبع الإمام والمرجعية، وأن نحافظ على وحدة الأمة وتماسكها، وأن نراعي مصلحة البلاد، وأن نحول دون سوء استغلال أجهزة الإعلام الأجنبية للموضوع، وأن نتصدى لأغراض أعداء الإسلام، وأن نعلن عن وقف جميع الجلسات والخدمات الخاصة بالجمعية اعتباراً من تاريخه، كما نعلن أنه غير مسموح لأي شخص أن يمارس أي نشاط تحت اسم هذه الجمعية.
والواقع إن الخطاب غير السياسي لأعضاء جمعية الحجتية أصبح بمرور الوقت من أهم أسباب الصراع بين القوى الثورية وبين أعضاء الجمعية بعد نجاح الثورة الإسلامية واستقرار النظام الجمهوري، فالثوار كانوا يعتبرون أن الطريق الوحيد لمحاربة الطاغوت والظلم هو الوقوف في وجه النظام الاستبدادي والنظام الإمبراطوري، ولم يقبلوا أسباب وتبريرات الجمعية في مسألة عدم تدخلها في السياسة.
والجمعية أيضاً لم تكن لديها نية للتراجع عن موقفها على الرغم من أن البعض أكد على أن الجمعية أعادت النظر في لائحتها وألغت البند الخاص بمنع أعضاء الجمعية من العمل بالسياسة. كما أن الثوار الشباب في الحوزة العلمية الدينية وغيرها من الأوساط الدينية اقتفوا أثر الإمام الخميني ووصفوا أعضاء الجمعية بأنهم رجعيون ومتحجرون ومؤمنون بتفسير متخلف للإسلام، وبأنهم ليست لديهم القدرة على التكيف والتواؤم مع الظروف الجديدة.
وإلى جانب فصل الدين عن السياسة وتحريم النشاط السياسي في عصر الغيبة ثمة اتهامات أخرى موجهة إلى جمعية الحجتية وهي:
1ـ موقفها السلبي من ولاية الفقيه، فالحجتيون يرون أن ولاية عصر الغيبة على الشيعة ولاية ظاهرية وليست ولاية مطلقة، كما هو حادث الآن بالنسبة لولاية آية الله خامنئي المطلقة.
2ـ تعاون الجمعية مع نظام الشاه ومع جهاز (الساواك) ضد البهائية.
3ـ موقفها من الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات. وعلى الرغم من أن البعض يؤكد أن بعض أعضاء الجمعية شاركوا في هذه الحرب، إلا أن البعض الآخر يرى أن الجمعية انتهزت فرصة هذه الحرب وتوسعت في نشاطها، وأن الحجتيين ضموا أعضاء جددا من الجنود إليهم أثناء وجودهم في جبهات القتال.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها وعاد الجنود إلى مدنهم، قام الحجتيون بتكوين تنظيمات سرية في الجيش والتربية والتعليم، وتوسعوا في ضم أعضاء جدد وفي تربية الكوادر، حتى واتتهم الفرصة أثناء انتخابات رئاسة الجمهورية التاسعة، وأوصلوا أحمدي نجاد إلى منصب رئيس الجمهورية .
أ ـ موقف الإمام الخميني من الجمعية ورأي آية الله خامنئي وبعض رموز النظام فيها:
يؤكد البعض على أن الإمام الخميني لم يعترض على نشاط الجمعية في البداية، وأنه عين "أبا القاسم خزعلي" كممثل للإمام في الجمعية، وبعد أن ارتفعت موجة الانتقادات ضد الجمعية قام الإمام الخميني بإبلاغ "أبي القاسم خزعلي" بأنه لم تعد لديه رغبة في حضوره كممثل له في الجمعية، لكنه كلفه بالإشراف على الجمعية وتقديم تقرير له عنها. إلا أنه طلب منه بعد فترة أيضاً التوقف عن الإشراف على الجمعية.
وفي تصريح للإمام الخميني بعد الثورة قال: "إن الأمر الأشد إيلاماً هو الشعار المضلل الذي يرفعه البعض ويقول فيه: إن قيام أي حكومة قبل ظهور إمام الزمان (المهدي المنتظر) باطل. كان الحجتيون يحرمون النضال، والآن أصبحوا أكثر ثورية من الثوار أنفسهم". وقيل إن الخميني في أواخر عمره وصف المتحجرين وأعضاء جمعية الحجتية بأنهما أكبر من أي خطر آخر. وكما ذكرنا من قبل، كان لحديث الخميني عنهم في خطبه وتصريحاته أثر في أن تقرر الجمعية وقف نشاطها دون أن يطلب الخميني منهم ذلك صراحة.
أما آية الله سيد علي خامنئي ـ الزعيم والمرشد الأعلى الحالي ،فقد قال عنهم حينما كان رئيساً للجمهورية: في رأيي أنه يوجد بينهم عناصر ثورية ومؤمنة وصادقة ومخلصة للثورة، ومؤمنة بولاية الفقيه، ومستعدة لخدمة البلاد والجمهورية الإسلامية، كما أن فيهم عناصر سلبية ومتشائمة ومعوجة الفهم وغير مؤمنة وفي حالة استياء واعتراض بصفة مستمرة.
أما السيد هاشمي رفسنجاني ـ رئيس الجمهورية الأسبق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام الحالي ـ فيرى أنهم أناس مسلمون ومؤمنون على الرغم من عدم اعتبارهم من الثوار. ويقول: ومع هذا لا يجب مضايقتهم، بل يجب تشجيعهم والاستفادة من قدراتهم في ظل الظروف الجديدة (انظر أحاديث هاشمي رفسنجاني ومذكراته).
ويدور الهمس الآن في المحافل السياسية الإيرانية حول ازدهار نشاط الجمعية الحجتية مجدداً. وتزخر مواقع شبكة الإنترنت الإيرانية الآن بالحديث عن هذه الجمعية.
واصطلاح جمعية الحجتية ينصرف الآن إلى المجموعة التي تؤمن بقرب ظهور المهدي المنتظر، وتعد نفسها الطائفة الممهدة لظهوره، كما تؤمن بأن القاعدة الرئيسية للمهدي وقت ظهوره هي حكومة إيران بوصفها الحكومة الشيعية الوحيدة في العالم. وقد ترددت في الآونة الأخيرة شائعات في المحافل السياسية الإيرانية عن أن الرئيس أحمدي نجاد عضو في جمعية الحجتية. وبغض النظر عن تكذيب هذه الشائعات من عدمه، فإن تسلل الحجتيين إلى التشكيل الحكومي أمر غير مستبعد، كما أن نفوذ عناصر جمعية الحجتية في التربية والتعليم كبير وقديم.
وفي الآونة الأخيرة نشر موقع أبي الحسن بني صدر (رئيس الجمهورية الأسبق) أنه عندما كان نظام الشاه يرغب في أن يحول الحركة الإسلامية المناهضة له إلى نزاع داخلي، أنشئت جمعية باسم "جمعية الحجتية" تحت شعار: محاربة البهائية، وكان الهدف من إنشاء هذه الجمعية مناهضة الخميني والحركة الإسلامية، ومناهضة الاتجاهات السياسية والنشاط السياسي، وبعد نجاح الثورة الإسلامية كفت الجمعية عن مناهضة الخميني وبدأت في امتداحه.
وعلى الرغم من أن الخميني أجبرهم على حل الجمعية في عام 1983م إلا أنهم انتهزوا فرصة اندلاع الحرب العراقية ـ الإيرانية، وتوسعوا في نشاطهم بين الجنود في جبهات القتال، وقاموا بتجنيد أعضاء جدد وبتربية كوادر جديدة، وقاموا بتوزيع بيانات تتضمن روايات غير صحيحة في جبهات القتال.
وبعد انتهاء الحرب، أنشأت الجمعية تنظيمات سرية في الجيش ووزارة التربية والتعليم، وتوسعت في ضم أعضاء جدد إليها وفي تربية كوادر جديدة، وانتهزوا فرصة انتخابات رئاسة الجمهورية التاسعة وأوصلوا أحمدي نجاد إلى منصب رئاسة الجمهورية.
وادعى مصباح يزدي مع اقتراب انتخابات رئاسة الجمهورية التاسعة أن أحد المواطنين من "الأهواز" رأى في منامة إمام الزمان وهو يدعو من أجل فوز أحمدي نجاد في الانتخابات. وفي أعقاب ذلك نشط الحجتيون في الجيش والأجهزة الأخرى في الدولة في حملة الدعاية لصالح الرئيس أحمدي نجاد والتصويت لصالحه.
ويضيف الموقع قائلاً: وهاهو الرئيس أحمدي نجاد ومستشاروه والمقربون منه يدعون أن الأوامر تصل إليهم من إمام الزمان بشكل مباشر، وأن إمام الزمان هو الذي يختار وزراء حكومة الرئيس أحمدي نجاد وأن الرئيس أحمدي نجاد وأعضاء حكومته وقعوا ميثاقاً مع إمام الزمان في أول جلسة لمجلس الوزراء وقام "السيد صفار هرندي" بإلقاء هذا الميثاق في بئر "جمكران" في مدينة "قم" القريبة من طهران.
وفي جلسة مجلس الوزراء الثانية رأى وزير الطرق والنقل عدم الحاجة إلى تخصيص جزء من ميزانية الدولة لإنشاء سكك الحديد طهران ـ جمكران، وذلك نظراً لكثرة أموال النذور التي تجمعت في "بئر جمكران" إلا أن الرئيس أحمدي نجاد رفض هذا الاقتراح، وقال للوزير: لم نأت من أجل قيادة الشعب، لكننا جئنا من أجل التمهيد لظهور إمام الزمان، وأمر بتوفير 7 مليار تومان من ميزانية الدولة لإنشاء السكك الحديدية سالفة الذكر، كما أن الرئيس أحمدي نجاد أنفق (10 مليار تومان) على احتفالات النصف من شعبان (يوم ميلاد المهدي المنتظر) بذريعة أن آية الله علي خامنئي أوصى بتنفيذ مشروع تعجيل ظهور إمام الزمان.
وذكر مراسل صحيفة "كريستيناينس مونيتور"في يوم 21 ديسمبر أن أحمدي نجاد من المؤمنين بأن دعاء التعجيل في بئر جمكران يؤدي إلى تعجيل ظهور المهدي الموعود، وأنه قبل انتخابه بعدة شهور تنبأ بفوزه بمنصب رئيس الجمهورية على الرغم من أن قياسات رأى الناخبين أظهرت أنه سيحصل على 1% من الأصوات، وأنه يقول إنه وقت دخوله مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة رأى نفسه وسط هالة من النور.
ويتحدث موقع بني صدر عن معتقدات فرقة الحجتية فيقول:
يؤمن الحجتيون بأن إمام الزمان يوجد في صور مختلفة وفي أماكن مختلفة، ويكون دائماً في سن الشباب. وأن إمام الزمان حي ومستعد، وبناء عليه ينبغي استخدام جميع الإمكانيات المتاحة للتمهيد لظهوره، ولهذا صدرت توجيهات لجميع أئمة الجمعة في المدن والقرى بالحديث عن عقيدة إمام الزمان وظهوره.
ويدعي الحجتيون أنهم أدوا الصلاة مع بعض الأئمة الأطهار. وفي الاجتماع الذي يعقد بعد ظهر يوم الجمعة يصلون صلاة التوسل، وينتظرون حضور إمام الزمان، ويدعون أن الإمام يحضر مجالسهم أحياناً، وأنهم يشعرون بحضوره من رائحة عطر الياسمين الذي يفضله الإمام ويتعطر به دائماً، وأن بعضهم يصاب برعشة، ويشعر أن الأرض تهتز من تحته بسبب حضور الإمام. وهم يغتسلون كل ليلة غسل الزيارة، وينامون، حتى يروا الإمام في منامهم.
وهم يدعون أن الإمام اختارهم جميعاً كأعوان له، ويدعي بعضهم أنه قابل الإمام وجهاً لوجه، وأنه تلقى هدايا من الإمام الغائب، وأنه يتلقى حل بعض المسائل والمشكلات من المهدي المنتظر.
كما يدعون أن الإمام سوف يظهر خلال السنوات القليلة القادمة، لهذا يجب أن يكونوا على أهبة الاستعداد دائماً، ولهذا السبب أقاموا في مبان تجاور ثكنات الجيش والمؤسسات الأخرى، حتى يتمكنوا من العثور على أفراد يكون لديهم صلاحية خدمة إمام الزمان وقت ظهوره.
وبناء عليه أعدوا خرائط خاصة بالطرق من أجل اللحاق بالمهدي عندما يظهر، والانضمام إليه. وقالوا إن لديهم دليلين على قرب موعد ظهوره: الدليل الأول: مجيء "سيد" من خراسان، وقد تحقق هذا بمجيء آية الله سيد علي خامنئي من خراسان. الدليل الثاني: تقارن يوم عاشوراء (10 محرم) مع يوم جمعة، وهذا حدث بالفعل منذ عدة سنوات.
وهم يذهبون كل ثلاثاء أو جمعة إلى "بئر جمكران" للدعاء من أجل تعجيل ظهور إمام الزمان، ثم يتوجهون بعد ذلك إلى الجبل الأخضر في قم. وهم يدعون أنهم يعيشون تحت حماية ورعاية إمام الزمان، ويؤمنون بأن إمام الزمان اختار أحمدي نجاد لكي يكون رئيساً للجمهورية، وأن الرئيس أحمدي نجاد يتشاور فقط مع مستشاريه الذين هم موضع تأييد من جانب المهدي المنتظر، وأنه خصص اعتمادات مالية ضخمة لمسجد جمكران.
ونظراً لأن مراجع التقليد أفتوا بأن إدعاء رؤية إمام الزمان يعد كذباً وجرماً، فقد لعبت رؤياً إمام الزمان من المنام دوراً مهماً في تحقيق مقاصد أفراد جمعية الحجتية.
ب ـ أحمدي نجاد والمهدي المنتظر
يلاحظ قارئ الصحف الإيرانية والعربية، والمتابع لمواقع الإنترنت الإيرانية أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يكثر في خطبه وكلماته من الحديث عن المهدي المنتظر وعن عودته وظهوره. فقد ضمن الرئيس أحمدي نجاد خطابه الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دعاءً لله بأن يعجل بظهور المهدي، فقال: "اللهم عجل لوليك الفرج والعافية والنصر، واجعلنا من أعوانه وأنصاره".
وفي الكلمة القصيرة التي وجهها الرئيس الإيراني إلى الشعب الإيراني بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية التاسعة،أشار إلى المهدي المنتظر ثلاث مرات، حيث استهل كلمته بعد البسملة بالدعاء السابق.. (و)أهدى الحضور الحماسي العظيم والمخلص من جانب المواطنين في الجولتين الانتخابيتين إلى ولي العصر (المهدي المنتظر).
وفي نهاية كلمته أعلن عن أمله في أن يحظى بفضل الله وعنايات المهدي المنتظر. كما أنه قال في كلمته التي ألقاها أمام خطباء الجمعة من مختلف أنحاء إيران وفي مناسبات أخرى: "إن المهمة الرئيسية لثورتنا هي تمهيد الطريق لظهور الإمام المهدي، لذلك يجب أن تكون إيران مجتمعاً إسلامياً قوياً ومتطوراً، حتى تصبح نموذجاً تحتذي به جميع الشعوب، وتستحق في النهاية أن تكون ميداناً لظهور إمام الزمان (المهدي المنتظر). وقال في مناسبة أخرى: "نحن مسئولون عن إقامة مجتمع نموذجي في إيران حتى يكون هذا مقدمة لحدوث هذا الحدث العظيم (ظهور المهدي)، ومنطلقاً لإقامة حكومة العدل الإسلامية العالمية".
ومن المعروف أن الإيمان بعودة المهدي المنتظر من أسس التشيع، وأن الشيعة الإثنى عشرية (الإمامية) تؤمن بأن الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري الذي هو من ذرية النبي (صلى الله عليه وسلم) دخل السرداب في دار أبيه في مدينة (سامراء) عام 260 هـ، وله من العمر خمس سنين، وأنه لا يزال حياً، لكنه مستتر عن العيون والأبصار، أي أنه غائب حاضر، وأنه سيظهر بعد شيوع الظلم والفساد في الأرض، ليخلص البشرية من الظلم والفساد، ويقر نظام العدل في الأرض، ويقيم حكومة العدل الإسلامية العالمية.
ويدعو الشيعة الإمامية الله أن يعجل بالفرج أي بعودة المهدي وظهوره، ولديهم أدعية وعبارات يظهرون فيها شوقهم إلى عودته وظهوره، وفقرات يخاطبونه فيها.
الدعاء الأول هو: دعاء الندبة، ويقولون فيه:
أين المعد لقطع دابر الظلمة، أين المنتظر وأين المرتجى لإزالة الجور والعدوان، أين المدخر لتجديد الفرائض والسنن، أين المتخير لإعادة الملة والشريعة، وأين المؤمل لإحياء الكتاب وحدوده؟.
وبعد أن يصف الدعاء المهدي بأوصاف عديدة منها: محي معالم الدين وأهله، قاصم شوكة المعتدين، باب الله، وجه الله، ناشر راية الهدى، الطالب بدم المقتول بكربلاء، ويعدد فضائله، ثم يقول متسائلاً: أين استقرت بك النوى بل أي أرض تقلل أو الثرى... متى نرد مناهلك الروية فنروى، متى ننتفع من عذب مائك فقد طال الصدى، متى نغاديك ونراوحك فتقر عيناً، متى ترانا ونراك وقد نشرت لواء النصر، وقد ملأت الأرض عدلاً، وأذقت أعداءك هواناً وعقاباً؟
أما الدعاء الثاني فهو دعاء الفرج الذي يتوسلون به الله سبحانه وتعالى ـ أن يعجل بالفرج وإظهار الإمام الغائب، وهو دعاء قصير ينتهي بهذه الفقرة التي يطلبون فيها الغوث من صاحب الزمان (المهدي المنتظر): "يا مولاي يا صاحب الزمان، الغوث الغوث الغوث أدركني أدركني أدركني".
ويتوسل الشيعة الإمامية بالمهدي المنتظر ـ إلى جانب توسلهم بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم وبالإمام علي بن أبي طالب وبأئمة الشيعة ـ لكي يشفع لهم عند الله، فيقولون في دعاء التوسل: يا وصي الحسن (العسكري) والخلف الحجة أيها القائم المنتظر المهدي يا ابن رسول الله يا حجة الله على خلقه يا سيدنا ومولانا إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلى الله وقدمناك بين يدي حاجاتنا يا وجيهاً عند الله اشفع لنا عند الله.
إن عقيدة المهدي المنتظر موضع خلاف ونزاع من قديم الزمان، ومن المعروف أن مهدي الشيعة غير مهدي السنة. ومن أسماء المهدي وألقابه: المهدي المنتظر، المهدي الموعود، المخلص الموعود، الإمام المنتظر، إمام الزمان، إمام آخر الزمان، ولي العصر، صاحب الزمان، صاحب الأمر، القائم، قائم آل محمد، منجي آخر الزمان، حجة الله، القطب، بقية الله.
ويؤمن الرئيس أحمدي نجاد ـ شأنه شأن أي شيعي إمامي إثنى عشري ـ بعقيدة المهدي المنتظر، كما يؤمن بعودته وظهوره، وهو ليس أول من قال إن الثورة الإسلامية في إيران تعد من العوامل الأساسية التي تمهد لعودة المهدي وظهوره،
___________________________
أ.د.يحيى داود عباس
أستاذ اللغة الفارسية بجامعة الأزهر
باختصار: مختارات إيرانية ـ العدد 66 ـ يناير 2006