تعتبر قضية المشاركة الشعبية في إدارة شئون الدولة إحدى المحددات الأساسية للتمييز بين النظم الديمقراطية والديكتاتورية، ويعتبر نظام القيادة الشعبية المتبع في إيران إحدى صور النظم الديمقراطية الحاكمة في العالم، حيث يسمح للشعب بالمشاركة في إدارة شئونه المختلفة من خلال اختيار الحكام. وتعتبر المشاركة أساس هذا النظام ومحور مشروعيته وثمة ارتباط وثيق بين التنمية السياسية وترسيخ دعائم الديمقراطية والمشاركة الشعبية في الإدارة السياسية، وما من شك في أن فعالية المؤسسات من ركائز التنمية السياسية، وتعتبر المشاركة هامة لدرجة أنها تمثل الأساس عند وضع الاستراتيجيات القومية، وقد ورد في المادة 56 من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما يلي:
"استخلف الله الإنسان على مصيره الاجتماعي، ولا يحق لأي إنسان سلب هذه الحق الإلهي أو توظيفه لخدمة مصالح فردية أو جماعية".
على هذا الأساس طرحت شعارات من قبيل "تسليم مصير الأمة لأيدي أبنائها" و "الحكومة مكلفة بتوفير الإمكانيات من أجل مشاركة شعبية شاملة تعمل على تحديد مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي". و "تتم إدارة شئون الدولة اعتمادا على الرأي العام"، و "المجالس محور اتخاذ القرار وإدارة شئون الدولة".
وفي هذا السياق تأتي قضية الأقليات المنتشرة في دول كثيرة من العالم لتطرح نفسها، والأقلية هي المجموعة التي لا تشارك في السلطة وهي من الناحية العددية أقل من باقي سكان الدولة، كما أنهم يتمتعون بخصائص متفاوتة قوميا ودينيا أو لغويا مع باقي سكان الدولة، ولديهم أيضا شعور بوحدة المصالح والتضامن في سبيل المحافظة على الثقافة والعادات والديانة واللغة.
إيران من ضمن الدول التي يوجد بها أقليات عدة، ويمكن الإشارة إلى القوميات الرئيسية كالفرس والبلوتش والأكراد والآذار والتركمان والعرب واللور وجميعهم على الرغم من أنهم ينتمون إلى أصل مشترك إلا أنهم متفاوتون من حيث اللغة أو الدين عن بعضهم البعض، وعلى الرغم من انخفاض أعداد الآذار والكرد والبلوتتش واللور والتركمان مقارنة بالأغلبية الفارسية إلا أن نسبة المحافظة على الهوية ليست متشابهة عند جميع تلك الأقليات ومثلما يلاحظ فالآذريون والأكراد والعرب يتمتعون بدرجة تميز أقل مقارنه بالبلوش والتركمان.
وتعتبر إيران من ضمن الدول التي تتمتع فيها الأقليات بحقوق كثيرة فثمة مواد كثيرة من الدستور تدعم ذلك، حيث تؤكد جميعها على المحافظة على كرامة وقيمة الإنسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتساوي حقوق الإنسان وتساوي الحقوق بين المرأة والرجل وحرية المشاركة في الأحزاب والاجتماعات. وفي المادة 12، 13، 51، 64 من الدستور ورد تعريف محدد بشأن الأقليات المذهبية والدينية واللغات المحلية والقومية، بالإضافة إلى تحديد عدد النواب من الأقليات الدينية بمجلس الشورى، كما كان الاهتمام بحق تدريس اللغات المحلية والقومية في المدارس، بالإضافة إلى حرية إجراء المراسم المذهبية والدينية في المناطق التي يشكلون بها أغلبية من أهم ما أكدت عليه مواد الدستور الخاصة بالأقليات القومية والدينية والمذهبية.
لكن ثمة حقائق عدة ينبغي أخذها في الاعتبار أهمها أن الأقليات القومية لا تتمتع بسلطة قوية من أجل اتخاذ القرار في المواقف الخاصة بها بسبب ضعف نفوذها داخل مؤسسات الدولة، كما أن الأقليات الدينية والمذهبية محرومة من تحقيق مناصب قيادية كرئاسة الجمهورية والسلطة القانونية ولا يوجد من بين الأقليات القومية الدينية أي وزير أو نائب وزير أو رئيس هيئة أو محافظ، ولا يوجد أي شخص من الأقليات القومية غير الشيعية في مجمع تشخيص مصلحة النظام أو مجلس صيانة الدستور، أو المجلس الأعلى للأمن القومي أو مجلس الثورة الثقافية أو رؤساء الجامعات، كما لم يتم الاعتراف رسميا بالأحزاب المستقلة المرتبطة بالأقليات القومية الرامية إلى الدفاع عن حقوق الأقليات في أي منطقة، بالإضافة إلى أن الصحف المحلية الخاصة بالأقليات لا يتم الاهتمام بها مقارنة بباقي صحف الدولة.
وبنظرة عامة على وضع الأقليات في إيران يمكن القول أن ثمة عقبات عدة تقف حائلا أمام مشاركتهم الفعالة في اتخاذ القرار القومي والمحلي أهمها ما يلي:
أولا: لم بتم تطبيق مواد الدستور الخاصة بقضية الأقليات القومية، كما أن هذه المواد التي وردت تحت عنوان الأقليات القومية ضئيلة جدا مقارنة بما ورد في القانون الدولي بشأن الأقليات.
ثانيا: انخفاض تمثيل الأقليات في مجلس الشورى الإسلامي جعل من المستحيل امتلاك الأقليات قوة مؤثرة في اتخاذ القرارات ووضع السياسات القومية.
ثالثا: ليس لدى الأقليات أي دور في مؤسسات هامة مثل مجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس صيانة الدستور والمجلس الأعلى للأمن القومي. ومن الملاحظ أنه بالرغم مما تم إدراجه في الدستور إلا أن الأقليات القومية الكردية والبلوتشية والتركمانية والأقليات الدينية لا زالت محرومة من فرصة المساواة مع مختلف المواطنين في تولي مناصب عليا وهامة أو حتى العضوية في بعض المؤسسات والهيئات وبات عمق التمييز جليا بالنظر إلى أعداد هذه الأقليات في القوات العسكرية والشرطة ووزارة الاستخبارات.
والسؤال الأجدر في هذا الصدد مفاده، هل هذه السلبيات ناتجة عن عدم الخبرة بمكانة الأقليات أم أنه يمثل سياسة متعمدة؟
يمكن القول انه طالما أن متخدي القرار في الدولة لا ينظرون إلى مسألة الأقليات القومية في إيران من منظور سياسي، فإن إمكانية وضع سياسة هادفة لتفعيل نشاط هذه الأقليات تبدو ضعيفة.
_____________________________
مجلة مختارات إيرانية – عدد 50 – أغسطس 2004
عن مجلة التضامن الإيرانية