لم تكن مصادفة ابدا ان يختار شاه ايران المخلوع، «محمد رضا بهلوي»، عام «1975م»، للاحتفال بمرور «2500» عام على ظهور الامبراطورية الفارسية، فالامبراطورية الفارسية كانت قد ظهرت قبل ذلك بخمسة وسبعين عاما وفي عهد «قمبيز الاول» مؤسس السلالة الاخمينية حوالي «6000» قبل الميلاد، لكن الشاه اختار عهد «قمبيز الثاني»، خليفة «قورش» الذي أعاد اليهود من بابل الى فلسطين عام «534» قبل الميلاد، ولم يكن الاختيار خافيا على قراء التاريخ، وكذلك السنة التي ابتدأ بها الشاه حسابه للألفين والخمسمائة عام، فقد بدأت هذه الحسبة بالعام «525»، وهو احتلال مصر من قبل «قمبيز الثاني» هذا، حيث اتسعت رقعة الامبراطورية الفارسية آنذاك من اسيا الصغرى وحتى اليمن السعيد!!
كان الشاه مصرا على احياء الروح الفارسية القديمة، ومع أنه مسلم، واسمه محمد، الا ان الشعور القومي كان طاغيا ومتجذرا في الوجدان الايراني، ولم يكن الشعور الديني او النزعة الايمانية من القوة بحيث تلغي دوافع الايرانيين الدنيوية، واعتقادهم ـ ربما الخاطئ ـ بأن اختفاء امبراطوريتهم القديمة لم يكن على يد المسلمين العرب، بل على يد العرب المسلمين، والفرق بين تقديم الاسلام على العروبة او العروبة على الاسلام كبير جدا، وتأسيسا على ذلك فقد كان توجيه الثأر التاريخي للعروبة من قبل الايرانيين، متلفعا دائما بالعباءة الدينية!!. من جانب آخر، وانصافا للحقيقة، فإن عربا كثيرين قد سيسوا الدين، ولم يرتفع منسوب إيمانهم الى المستوى الذي يلغي عنصريتهم العربية، وقد تعاملوا مع المسلمين من غير العرب بنظرة فيها شيء من الدونية الاجتماعية والسياسية، فاطلقوا عليهم اسم «الموالي»، وبسبب رسوخ مفهوم القبيلة والنسب لدى العربي، واعتزازه بالاصل والفصل والاصالة ونقاء الدم، فقد كان على هؤلاء المسلمين من غير العرب، ان يوالوا قبيلة او زعامة سياسية، ليحتموا بها ويتجنبوا مهانة الدونية الاجتماعية امام العرب، الذين تسلحوا بالقوة العسكرية وبالدين الذي جاء بلغة اعجازية هي لغتهم، حتى بلغ اعتزازهم بأنفسهم شأنا لم تبلغه أمة من الأمم، واستمر الصراع القومي يدور في الخفاء، يهدأ حينا ويثور حينا آخر، حتى برزت «الشعوبية» وهو المصطلح الذي اطلقه العرب على صراعهم مع القوميات الاخرى. لا بد من القول ان المسلمين الحقيقيين من عرب وغير عرب، لا يؤمنون بأكثر من نموذج واحد للاسلام، وهو اسلام محمد «صلى الله عليه وسلم» الذي حمل الرسالة وبلغ الأمانة ونشر الدعوة ونال شرف المعجزة، كما ان المسلمين جميعا هم شيعة النبي ولا يجوز ان يكونوا شيعة شخص غيره، مهما علا قدره وجلت مكانته، لأن الله لا يفرق بين عبد وآخر الا بالتقوى، واكرم الناس عنده اتقاهم، واي تسخير للدين في سبيل المكاسب الدنيوية هو زيف وباطل، لذلك فإن الطائفية السياسية وحرب المذاهب، ليست من الدين في شيء!!. تصر ايران على تخصيب اليورانيوم لإنتاج القنبلة الذرية، وتدعي ان ذلك لنصرة الاسلام والدفاع عن مقدسات المسلمين واراضيهم المغتصبة، وللوقوف في وجه الصليبيين الجدد الذين يشنون حربا لا هوادة فيها على الإسلام، وهذا كلام جميل، فيه دغدغة للمشاعر ورفع للمعنويات، لكن الواقع ينبئ بغير ذلك، فما معنى ان تحتل ايران، التي تدعي الدفاع عن الاسلام، ثلاث جزر اسلامية في الخليج العربي؟!، ولماذا لا تدعو الخليج العربي بالخليج الاسلامي بدلا من الخليج الفارسي؟!، ثم لماذا تنشر اللغة الفارسية في جنوب العراق المسلم، بدلا من اللغة العربية لغة القرآن؟! والاكثر ايلاما من ذلك كله دعمها القوي والمكشوف لدمج محافظات الجنوب العراقي، ذي قار والبصرة وميسان على غرار المحافظات الكردية في الشمال، وهي تسعى جاهدة لتقسيم ارض المسلمين العرب، بالهلال الشيعي السياسي، الذي يبدأ طرفه الاول بلبنان وينتهي طرفه الثاني بباب المندب على البحر الأحمر!!. واذا كانت ثورة ايران اسلامية، وموظفة لصالح المسلمين، وهو ما نتوخاه ونأمله، فلم السعي الحثيث لاقصاء السنة وتهميشهم، وما ذنبهم جميعا اذا كان بعضهم قد ناصر «صدام» عندما قمع الشيعة المسيسين المتواطئين مع ايران، والذين ما ان تنفسوا الآن، تحت مظلة الاحتلال، حتى انكشفت نواياهم وتطلعاتهم المختبئة خلف ستار الدين، ليعلنوا من خلف بنادق الغزاة حرب الطوائف الدينية وحرب العرقيات التي اندثرت، باسم الاسلام وضد المسلمين!!.
____________________________
الرأي 29/12/2004
To view this video please enable JavaScript, and consider upgrading to a web browser that supports HTML5 video