1- يشكل نهر هلمند "1295 كم" وروافده الكثيرة والذي ينبع من منطقة بهسود الهزارة ليصب في إيران مسألة مهمة جدا للمناطق الزراعية والتنموية للحدود الإيرانية الغربية وخصوصا فيما يخص العمل على ترميم طريق هرات - إسلام قلعة، وإيجاد جسر على نهر هلمند وفتح ميناء جديد بالتعاون مع الهند لنقل البضائع إلى الأسواق الأفغانية من ميناء بندر عباس الإيراني بدلا عن ميناء كراتشي الباكستاني .
وكذلك العمل على بناء طريق يربط إيران بأوزبكستان وطاجيكستان عبر الشمال الأفغاني، يضاف إلى كل ذلك فإن الأرض الأفغانية لاتزال بكرا من ناحية الطبيعة الجغرافية والاقتصادية والتجارية، فالأراضي الزراعية المزروعة لا تتجاوز 22% من مجمل الأراضي الصالحة للزراعة، كما أن أرض أفغانستان غنية بخمسين نوعا من المعادن كالحديد "بها أكبر مخزون من الحديد النادر في العالم يبلغ أكثر من مليوني طن منها 63% حديد خالص" والنحاس والفحم والرصاص والذهب والكروم والأمنيوم والفضة والجير والرخام والياقوت، وبالتالي تصبح السوق الأفغانية مكانا خصبا لأي مشروعات اقتصادية وتنموية وخصوصا ما يتعلق بالوكالات والوساطات التجارية .
لذلك فقد جاء إعلان الحكومة الأفغانية عن برنامج شامل لإعادة إعمار البلد على ستة محاور أساسية هي التعليم والصحة والمواصلات والري والتنمية الريفية وبناء المؤسسات الحكومية فرصة تاريخية للنفوذ التجاري والسياسي الإيراني في أفغانستان, إذ قامت الشركات الإيرانية بإنشاء طريـق دوغـارون هرات وتأهيل شبكه الكهرباء لمدينه هرات، كما بدأت تدريب قوات الأمن والدفاع وهو ما عرضه شمخاني (وزير الدفاع الإيراني) على وزير الدفاع الأفغاني الجنرال قاسم فهيم .
2- تعاني إيران كثيرا من تجارة المخدرات القادمة من حدودها الغربية عن طريق عصابات تهريب مسلحة تنشط على طول الحدود الممتدة بطول 850 كم مربعا، إذ ان خريطة الإنتاج والتوزيع مقسمة على محورين: الأول: الإنتاج وقلاعه في المثلث الذهبي الذي يتألف من لاغوس وتايلند وكمبوديا ثم المنطقة التي اشتهرت بالهلال الذهبي في باكستان وأفغانستان والمحور الثاني يتركز في التوزيع، أي نقل الإنتاج إلى مراكز الاستهلاك وأسواقه الرئيسية، وهي الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا الغربية التي يصلها 90 في المئة من المواد المخدرة، علما بأن أميركا وحدها تستهلك 80 في المئة من الإنتاج العالمي من الكوكايين ويأتيها عبر كمبوديا.
وفي أفغانستان يبلغ إنتاج الترياك والأفيون 2000 طن سنويا "بلغ إنتاج الأفيون العام 2002 أكثر من 3400 طن" وأمام تلك الخريطة الجغرافية الخطيرة لتهريب المخدرات باتت تلك التجارة تمثل تهديدا جديا للأمن القومي الإيراني ولمئات الآلاف من الشباب الإيراني([10]) الذين تورطوا في عمليات إدمان قاتلة وخصوصا في المحافظات المتاخمة للحدود مع أفغانستان "إقليم خراسان"
3- انتبهت إيران إلى أن المستطيل الجغراسي من طوروس إلى المحيط الهندي الذي تشكل أفغانستان خاصرته الجنوبية الشرقية هو مفتاح آسيا ويتضمن مواقع تاريخية ودينية واقتصادية واستراتيجية مهمة، وقد قال شاعر باكستان الكبير محمد إقبال: "آسيا جسد من طين وماء، أفغانستان قلبه، من صلاحه تصلح آسيا كلها، ومن فساده فساد آسيا" وهي مقولة تستحق التمعن والقراءة، وأعتقد أن الإيرانيين قرأوها جيدا وخصوصا أنهم يتطلعون إلى مد ذراعهم نحو شبه القارة الهندية صاحبة الرقعة الجغرافية الضخمة "3.3 ملايين كم2" وثاني أكبر تعداد للسكان في العالم بعد الصين "1.1 مليون إنسان" وثالث أكبر اقتصاد في آسيا لإيصال الغاز المسال إليها وكذا بغرض الاستقواء بها لرفض الوجود الأميركي في منطقة الخليج بسبب تخوف الهند من أن ذلك الوجود قد يقلص حرية حركتها، وأن أي صراع قد ينشب في غرب آسيا وتشترك فيه قوى دولية عدة قد ينعكس سلبا على مصالحها وهو ما يتوافق مع سياسة إيران الخارجية ومخاوفها الأمنية، كما أن طهران تطمح إلى جعل الهند مصدرا مهما للتكنولوجيا العسكرية وتكنولوجيا المعلومات الكمبيوترية الرائجة لدى الهنود، وهو ما يحتاج إلى تأمين ممرات وطرق وأجواء يمكن الوثوق بها من قبل رؤوس الأموال وكانت الهند ساعدت إيران على إعادة برمجة الغواصات الروسية الثلاث "التي قامت إيران بشرائها من روسيا" على نظام السير في المياه الدافئة.
كما أن تقريب التعاون الهندي الإيراني جغرافيا سيساعد على ترتيب الملف الأفغاني بما يتوافق وأجندة دول جنوب شرق القارة الآسيوية، وهو ما رأيناه جليا في ندوة إعمار أفغانستان التي نظمتها الخارجية الإيرانية إذ كان الحضور الهندي واضحا وبجلاء أكثر من أية دولة أخرى .
كما أن الإيرانيين باتوا يعتمدون بشكل استراتيجي على دول جنوب شرق آسيا ككتل نشطة في السياسة الدولية، وبالتالي فإن الاعتماد عليها في التوازنات الإقليمية له ما يبرره، وخصوصا في ظل تنافر إيراني أميركي صاعد، يضاف إلى كل ذلك أن التقارب يأتي في ظل قناعة إيرانية راسخة بأن التوجه شرقا "في عمق القارة الآسيوية" هو سياسة استراتيجية لإيران فمعدلات النمو الاقتصادي المتصاعدة في الصين والهند وفي منطقة جنوب شرق القارة وتحديدا النمور الآسيوية تعطي مؤشرات جيدة لأي شراكة اقتصادية مستقبلية، وأن القارة القديمة تمتلك ما لا يمتلكه الآخرون من مساحة هائلة تصلح لأن تكون مرتعا تجاريا محوريا لإيران وهي بالإضافة إلى كل ذلك تعتبر منبعا وافرا للعمالة الرخيصة، وخصوصا أن الهند تستورد أكثر من 70 في المئة من احتياجات مصافيها التي يمكنها معالجة 3.2 ملايين برميل يوميا ويأتي ثلثا تلك الواردات من منطقة "الشرق الأوسط".
كما أن إيران تحاول أن تلعب دورا ما عبر تلك المسالك "الأفغانية والباكستانية" والهنود يدركون ذلك جيدا، فإيران وباكستان وأفغانستان دول مسلمة ولها مصالح مشتركة وتداخل إثني وعرقي كبير، فالشيعة الباكستانيون يمثلون أكثر من 20 في المئة من السكان أي ما يعادل 28.3 مليون نسمة، وفي باكستان أكثر من 12 مليون من البلوشستان وهم من أصول إيرانية ويشكلون 8.5 في المئة من تعداد السكان، والأفغان يتكلمون الفارسية والتداخل البشتوني والطاجيكي مع حدود إيران الغربية واضح بجلاء, لذلك فإن الهند تعول على إيران في لعب دور مهم في الصراع بينها وبين باكستان وكذا الأمر بالنسبة إلى دول آسيا الوسطى وروسيا.
___________________________
16/12/2003