الكاتب : د. نبيل العتوم
من خلال تحليل للأحداث والوقائع التي عصفت بالمنطقة, تبرز العديد من التساؤلات المهمة والخطيرة وهي: لماذا لم يشارك الشيعة في مقاومة الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان؟ ولماذا لم تبرز حركات مقاومة مسلحة أو حركات احتجاج تلجأ إلى العنف للتعبير عن غضبها ضد السياسة الأمريكية من رحم المذهب الشيعي على عكس المذهب السني الذي جاءت منه معظم الحركات التي هددت مصالح أمريكا والغرب وإسرائيل؟ وهل من مصلحة هذه الأطراف دعم الأقليات الشيعية والدول التي تدعمها "إيران" بهدف الحد من ظاهرة العنف التي باتت تهدد دعائم وأسس الاستقرار في المنطقة وتعديل الميزان المذهبي، وبالتالي تحقيق أهداف أمريكا والغرب في المنطقة؟ وهل من مصلحة أمريكا تبني هذه الاستراتيجية ولماذا ؟
من الواضح للعيان أن الولايات المتحدة بدأت تسمح لإيران بممارسة استراتيجية تُسهل بموجبها لإيران التمدد مذهبياً في الدول العربية، فالولايات المتحدة الأمريكية عانت من الحركات الإسلامية المسلحة التي ولدت من رحم المذهب السني، وباتت تضرب أمريكا في عقر دارها "تنظيم القاعدة"، وتكبدت الدولة العبرية خسائر فادحة من جانب حماس، الجهاد الإسلامي"، هذا عدا ضرب مصالح الغرب في مناطق مختلفة من دول العالم، هذه الجوانب طرحت تساؤلات مهمةً، لماذا لم تنشأ حركات إسلامية مسلحة أو احتجاجية من رحم المذهب الشيعي "مع استثناء" ظاهرة حزب الله الذي كان عبارة عن ردة فعل طبيعية للاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان؟ ولماذا مارست إيران والأقليات الشيعية في العالم العربي سياسة ضبط النفس تجاه استهداف الغرب للمنطقة العربية ولم تخرج عن إطار ضبط النفس وتحاول التعبير عن نفسها عن طريق التظاهرات الاحتجاجية ؟.
ثم لماذا لم ينتفض الشيعة ضد أمريكا وبريطانيا احتجاجاً على استهداف إخوانهم وشركائهم في المذهب في كل من العراق وأفغانستان؟
وهذا الأمر يقود إلى تساؤل مهم وهو هل رسمت إيران استراتيجية للتعامل الهادئ مع هذه الملفات لتحقيق مكاسبها وبشكل ذكي، وحيدت أي نشاط للشيعة، سواء في إيران أو خارجها لجني المكاسب التي تسعى إليها؟
إن أمريكا قد أدركت بما لا يدع مجالاً للشك أهمية الدور المستقبلي للطائفة الشيعية في العالم، وضرورة تعزيز دورها داخل هذه المجتمعات، وهذا بدوره يحقق لها عدة مكاسب:
1- ستكون الطائفة الشيعية بديلاً جيداً عن أهل السنة للتعامل معها للحد من نفوذ الحركات الإسلامية السنية.
2- لن تُمثل هذه الطوائف الشيعية خطراً حقيقياً على مصالح أمريكا ومصالح الغرب عموما،ً وهذا ما أثبتته التجارب العملية من خلال التعامل معها كطوائف كفئات شيعية أو تنظيمات، وليس لدى هذه الطوائف أية امتدادات مقاومة لتمارس من خلالها عنفاً مسلحاً ضد العرب وأمريكا على عكس الحركات السنية.
3- لتحقيق ذلك سوف تسعى امريكا الى تبني مجموعة من الاستراتيجيات:
أ- الضغط على الأنظمة والحكومات العربية بهدف منح الاقليات الشيعية الموجودة في هذه الدول مزيداً من الحريات والحقوق.
ب-توجيه هذه الحكومات لدعم مطالب الشيعة في هذه الدول لضمان مشاركتهم الفاعلة في مؤسسات الحكم ولنشر مذهبهم وتوسيع قاعدتهم الشعبية.
جـ- دعم تمثيل الشيعة في الدول التي أصبحت تشكل بشكل مباشر مناطق النفوذ الأمريكي، وهذا ما حصل بالفعل في العراق وأفغانستان، ومحاولة استرضائهم بمختلف الُسبل، من خلال إسناد وظائف مرموقة لهم في مؤسسات الحكم في كلا الدولتين بالضغط، والشروع بالضغط على حكومات دول الخليج وسائر الدول الأخرى التي يوجد فيها حضور للشيعة وهذا ما حدث فعلاً في المملكة العربية السعودية.
د- إن الضغط على هذه الدول قد أوجد حالة من المصالحة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث نجحت الولايات المتحدة جراء ذلك في تعديل السلوك الإيراني. وإن كان هذا التصالح يقوى ويضعف بين فترة وأخرى مع الأخذ بعين الاعتبار إرضاء إيران لبيئتها الداخلية، وتفهمها لمشكلات أمريكا الأمنية ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة على صعيد بيئتها الخارجية.
هـ- الضغط على الدول الأوربية لإعطاء هامش واسع من الحركة للأقليات الشيعية الموجودة على أراضيها، ودعم مؤسساتها الثقافية والدينية، وعلى هذا الأساس يلاحظ أن أمريكا والغرب لم يبدوا حرصهم على إخضاع هذه المؤسسات لنوع من المراقبة الدقيقة، أو تجفيف مصادر تمويلها على غرار ما حدث بالنسبة للحركات الإسلامية والجمعيات السنية.
النتيجة أن إيران والشيعة عموماً سيحققون كثيراً من المكاسب إذا نجحوا في التعامل مع أمريكا وفق المنظور السابق، وسوف يُعزز نجاح هذا السيناريو مفهوم الطوق الشيعي الذي تحاول إيران تحقيقه، ولكنها لن تنجح إذا لم تعزز أواصر التفاهم مع أمريكا، ومن المؤكد أن إيران قد أدركت فعلاً مغزى السياسة الأمريكية، وتتبنى استراتيجية غير معلنة لتحقيق مكاسبها، وكذلك فإن تحقيق إيران لهذا الهدف هو رهن باستمرار سلوكها لدبلوماسيتها الهادئة في تعاملها مع الملفات المتفجرة في أفغانستان والعراق، وفي تعاملها مع الملفات الشائكة خصوصاً مسيرة السلام في الشرق الأوسط والتنظيمات المعارضة لها، هذا عدا عن قضايا أخرى مثل الملف النووي وحقوق الإنسان.