رحمان قهرمانبور(باحث في مركز البحث العلمي والدراسات الاستراتيجية الشرق أوسطية)
المؤلف: محمود سريع القلم
اسم الكتاب: السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية الايرانية تجديد نظري ونموذج في الإئتلاف.
الناشر: (طهران, مركز البحوث الاستراتيجي 2000) 172 صفحة.
يعرض رحمان قهرمانبور كتاباً للباحث والكاتب الشيعي محمود سريع القلم - وهو رئيس تحرير مجلة إيران والعرب –, والكتاب حول سياسة إيران الخارجية من منظور إيراني إصلاحي, وذلك لنتعرف على طريقة عملهم وفلسفتهم...........................................................المحرّر.
يقول المؤلف ان هذا الكتاب ليس أكاديمياً فحسب, فهو نتاج حواراته ومناظراته مع أكثر من 85 شخصية من صانعي السياسة المحترفين, وكذلك مشاركته خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة في مؤتمرات محلية ودولية مختلفة, وهكذا فإن الكتاب يمثل خطوة أخرى في تجسير البون التاريخي بين النخبتين الفكرية والعلمية في إيران المعاصرة.
يقع الكتاب في ثمانية فصول, الفصل الأول عبارة عن مقدمة يتبعها سرد للنصوص النظرية حول السياسة الخارجية, والإطار النظري للمؤلف, وأربعة فصول عن مشاكل وإمكانات النجاح الكامنة لإئتلاف إيران مع دول في الجنوب, وفي الشمال, ومع الكتلة الاسلامية, وشرق آسيا, وفصل ختامي موجه سياسياً. ويستخدم المؤلف تقديرات إحصائية في بعض الفصول لإثبات ادعاءاته, وقد تكون هناك بعض الصعوبات في فهم الفروقات الدقيقة للمقترحات بالنسبة لمن ليس لديهم إطلاع وافٍ على آراء المؤلف الثابتة, وإلى حد ما يكمن ما يظهر أنه غموض في الإطار النظري في انعدام ذلك الاطلاع الوافي, لهذه المراجعة أربعة أقسام, القسم
* شؤون الأوسط العدد 110 ربيع 2003
الأول مخصص للإطار النظري الذي يسميه المؤلف "عرضية السياسة الخارجية" والقسم الثاني مكرس لمستويات التحليل والميثودولوجيا, أما القسم الثالث فيتألف من الافتراضات والافتراضات المسبقة, والقسم الأخير يتضمن التوصيات المتعلقة بالسياسة, والإشارة إلى أعمال المؤلف الأخرى قد تساعد القارئ على إدراك دقة الكتاب.
تفوق الثقافة السياسية
التفوق الفعلي للثقافة السياسية والجيوبوليتيكا الإيرانيتين هو لب مفهوم الإطار النظري الذي له قاعدتان:
القاعدة الأولى هي المتغيرات الثابتة للسياسة الخارجية والثانية هي طبيعة النظام السياسي ورجال الدولة, والأخيرة تعتمد على نوع الدولة.
فئات القاعدة الأولى هي: تركيبة النظام الدولي: النظام الاقتصادي والمواصفات الجغرافية, الثقافة العامة والسياسة, وتتكون القاعدة الثانية من: تحديد المصالح، نظام المعتقد، صنع القرار ومعالجة المعلومات, ومن وجهة نظر المؤلف فإن المتغيرات الثابتة أكثر أهمية وتأثيراً في السياسة الخارجية من طبيعة النظام السياسي, فلا تستطيع أي حكومة تجاهل هذه المتغيرات, والجمهورية الاسلامية الايرانية ليست استثناءً, على أن عناصر عدة تجعل من إيران بلداً دولياً, موارد إيران للطاقة والجيوبوليتيكا الخاصة بها, والتوجه الغربي الأساسي في بنيتها الاجتماعية والاقتصادية يقود السياسة الخارجية لطهران نحو التعاون مع القوى العظمى.
وبدلاً من افتراض تفاعل بين مجموعتي المتغيرات, يعتقد المؤلف ضمناً بعلاقة أحادية تكون للمتغيرات الراسخة فيها اليد العليا, وينتج عن هذه النظرة الغائية مبالغة حول الثقافة السياسية والجيوبوليتيكا الايرانيتين, وكأحد أبناء الجيل السياسي الإيراني الناشىء, لا زلت أشك بتفوق الثقافة السياسية الإيرانية مقارنة بدول كتركيا أو مصر في منطقة الشرق الأوسط وفيما يرى المؤلف أن الأحداث السياسية الأكثر ضخامة في تاريخ إيران المعاصر, وهي الثورة الدستورية وطموح الشاه محمد رضا في أن يتحول إلى القوة الخامسة في سياسة العالم, والصحوة السياسية الاسلامية, والخصخصة الاقتصادية وتطور المجتمع المدني والسياسي, هي تجليات للمثالية في النظام السياسي الإيراني, إلا أن ثمة شك في وجود مظاهر ثقافة سياسية إيرانية.
في الواقع, من الصعوبة بمكان معرفة الدليل الذي ارتكز عليه في طرحه, وماهية التجليات الحقيقية لذلك التفوق لسوء الحظ, إن الدليل السياسي لا يؤكد هذا التفوق على الإطلاق, وكما يقول المؤلف نفسه في عمل آخر فإن الأسس القبلية لهذه الثقافة السياسية هي المصدر الأساس لفقدان الإجماع بين النخب, وحتى في الأمة وهكذا, فإن تفوق الثقافة السياسية الايرانية في " عرضية السياسة الخارجية" تشبه النموذج الفيبري (Weberian) المثالي.
ورغم أن المبادىء الثابتة يفترض بها أن تكون قوى محركة للسياسة الخارجية الإيرانية, فإن هذا لايكفي لتفسير المبادىء الموجودة في الكتاب, فالمؤلف يحقق في طموحات مختلفة – وحتى متناقضة – للسياسة الخارجية لجمهورية إيران الاسلامية, بيد أنه من المفترض أن تلك الطموحات مقتصرة على النظام السياسي في مرحلة ما بعد الثورة, وليس لها سابقة تاريخية, ويمكن الزعم أن بعض الطموحات هي نتاج الجمهورية الاسلامية, إلا أن بعضها الآخر كالعداء لإسرائيل والتمسك بالإستقلال والحرية, ليس كذلك, ويتوقع القارىء المتخصص أن يقرأ شيئاً حول دور الأمن أو الجماعات الإثنية في السياسة الخارجية, ولكن بسبب التركيز على المتغيرات غير الراسخة, تم تجاهل هذين العاملين التاريخين, أخيرا, فإن الإطار النظري للمؤلف موجّه اقتصاديا بشكل غائي, وهو يلمّح إلى أن النظرة العالمية للغرب على أنه مركز النفوذ في العالم تتشكل بفعل عوامل اقتصادية وليس عوامل ايديولوجية أو أخلاقية, وعلى هذا الأساس على الثقافة ان تعبد الطريق لانبثاق هذا النوع من النظرة العالمية, ففي المجتمع الدولي, تشكل الثقافة أداة وليس غاية, والهدف الأسمى لمعظم الدول في عالم اليوم هو تحسين نوعية المعيشة, وعليه, فإن السياسة الخارجية ينبغي أن تُرتب للسعي لهذا الهدف, وأعتقد أن هذا لا ينسجم مع مقارنة المؤلف السيكو-ثقافية التي تسلم بهيمنة العوامل الثقافية في المستقبل المنظور, والعلاقة الوثيقة بين النفط والاسلام تعزز هذا الاتجاه.
إذا ما تم اعتماد مقاربة المؤلف الثقافية, فعليه أن يقدر تركيز الرئيس محمد خاتمي على المسائل الثقافية الداخلية, بيد أن سريع القلم يعتقد أنه " في ما يختص بالجوهر فإن السياسة الخارجية الإيرانية لم تتغير كثيراً " منذ انتخابات العام 1997 ".
مستويات التحليل
القسم الثاني من المراجعة يتضمن مستويات التحليل والميثودولوجيا, ومع أن المؤلف لا يذكر مستويات التحليل صراحة, إلا أنه يمكن استنتاج وجود أربعة مستويات تحليل في " عرضية السياسة الخارجية " هذه المستويات هي الدولي والإقليمي والقومي والدون قومي أو الفردي ومقاربته الخاصة تقوده إلى أخذ المستوى القومي في الاعتبار, وهذا يؤثر على كل من طبيعة النظام السياسي الإيراني والآراء الثابتة لصانعي القرار فيه, لأن الثقافة الإيرانية جزء من الثقافة الشرق أوسطية, وربما يمكن القول إن الثقافة الشرق أوسطية القديمة هي البنية الثقافية الأكثر تميزاً في العالم لدى مقارنتها بالنماذج الغربية الأساسية.
في الكتاب رأي لافت, وهو أنه يعتبر الثقافة الشرق أوسطية عاملاً مهماً في التعامل مع السياسة الخارجية الإيرانية, لقد أهمل العديد من العلماء خصوصيات هذه المنطقة إلى حد بعيد, على الرغم من أهمية كونها المصدر الأول للنفط والغاز في العالم.
النقطة الثانية مكرسة للدور الذي يقوم به الفرد في السياسة الخارجية الإيرانية, فرغم أن بعض النقاد يلاحظون أن هذا الجانب متأثر بنموذج روزينو (Rosenau) يبدو للمراجعة أنها نتاج للحوارات المذكورة آنفاً والتي أجراها المؤلف, وليس نتاج المنظور النظري, وعلى هذا النحو, القادة -وخصوصاً الكاريزميون منهم –مهمون للغاية في الشرق الأوسط وعلى الرغم من هذا, ليس واضحاً كثيراً أي موقع يشغل الأفراد في " السياسة الخارجية العرضية " هل هم صانعو نظام المعتقد أو الثقافة السياسية".
إيران والغرب
لدى الإجابة على هذا السؤال: لماذا على إيران ضبط مشاكلها مع الغرب, يذكر المؤلف علاقة النفوذ – الهوية في النظام الدولي, والذي يعني ضمناً هيمنة الهوية الغربية, وبحسب المؤلف, ثمة ميل طبيعي للغرب لدى الإيرانيين, هم من يمكن أن يقبل ويُعجب بالغرب العلمي الصناعي, بيد أن هناك ميلاً قوياً لمقاومة اختراق الثقافة الغربية, وبالتالي اخلاقياتها وقيمها, هذا الميل المتناقض متجذر في الثقافة السياسية والهوية القومية الإيرانيتين, وهنا يمزج المؤلف المستويين الإقليمي والقومي.
إن مقاومة الثقافة الغربية هي – إلى حد ما – مجازفة سياسية شرق أوسطية وهي أقوى في أوساط العرب مما هي لدى الإيرانيين والأتراك, برأيي الغرب كل واحد وفصل جوانبه المختلفة بهدف ضبط المشاكل ممكن نظرياً فحسب, فالسوق الحرة والديموقراطية وحقوق الإنسان متلازمة بشكل متزايد, وكل هذه مظاهر مختلفة للهوية والتنوير –في الواقع- الغربيين, واليوم علينا أن نؤكد بقوة أكبر تخطي الحدود القومية – وحتى عولمة – هذه الهوية وأثرها في الهوية القومية لدول الشرق الأوسط (قد يجادل البعض أنه في السرد المستقبلي للهويات القومية سواء كان ذلك من قبل الدولة النخب في هذه المنطقة كدور تقسيم العمل والثقافة القوية الغربية – وخصوصاً الأمريكية).
وظيفة الثقافة كمصدر للمصالحة والتضامن ستتغير في الأعوام القادمة, وهذا قد يكون مؤشراً على ثقافة سياسية متحولة قد تؤدي دور مبدأ راسخ, إني أوافق المؤلف رأيه بأن العلاقة الوثيقة بين النفط والاسلام هي السبب الرئيسي لعزل الشرق الأوسط بالمقارنة مع المناطق الأخرى,بيد أني أجد أنه من الصعب اعتبار القوى الأجنبية, وخصوصاً الوجود الأمريكي في المنطقة, بداية واعدة تبعها فشل, هذا يعني أن النفوذ المتعاظم للغرب في القرن الحادي والعشرين سيؤثر على المستوى الإقليمي بطريقة مختلفة.
صحيح أن سياسة الشرق الأوسط, وبالتالي ثقافته السياسية ستتغير, إلا أن هذا لا يعني أن المقاربة المتكاملة والمثيرة التي قدمها المؤلف لا علاقة بها بالحاضر. عوضاً عن دمج المقاربة الثقافية –التاريخية البريطانية بتلك الأمريكية العلمية, انتجت هذه إطاراً شاملاً يقول العلماء البريطانيون إن السلوك المتعلق بالسياسة الخارجية يتشكل ثقافياً, أن على المرء أن يكون عالماً بتاريخ وتقاليد ثقافة معينة كي يتمكن من فهم سلوكها في السياسة الخارجية. مقاربة السياسة الخارجية المقارنة في الولايات المتحدة تسعى لتوليد نظرية حول صنع السياسة الخارجية يمكن أن تستخدم عندئذ لفهم –وحتى توقع- السلوك المتعلق بالسياسة الخارجية لدول مختلفة.
ومع أن العديد من الافتراضات والافتراضات المسبقة للمؤلف مثيرة للجدل ومفتوحة أمام التحدي إلا أنه من الصعب للغاية رفضها كلياً والعلماء الذين ينتقدون آراء المؤلف المتشائمة حول السياسة الخارجية بعد الانتخابات الرئاسية عام 1997 يقبلون أن فقدان الإجماع في أوساط النخب, ودور الأفراد وتفوق الأيديولوجية والمثالية, ولا فاعلية الآلة الديبلوماسية, وإهمال العوامل الإقتصادية والاتكال الاستثنائي على الثقافة وخصوصاً الثقافة الشيعية, لم تتم إزالتها, وهي قد ضعفت, ويبدو أن علينا ان نعترف أن العديد من الافتراضات المسبقة للمؤلف ليست نظرية فحسب, بل تجريبية وإلى حد ما يمكن ملاحظتها. وعلى الرغم من أنه كي يتم تأكيد هذه الافتراضات بشكل كامل من الضروري أن نتكهن, ولكن إذا ما أخذنا في الحسبان تطورات العقد الماضي من السياسة الخارجية, فقد نؤكد انتصار الماهيويين (أنصار الماهية) الذين يعتقدون أن التغيير الراديكالي في السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية أمر مستحيل قد يكون الافتراض الأكثر أهمية هو التمييز بين الداخلي (السياسي) والخارجي (الدولي) وقد يجادل البعض بأن العولمة قد جعلت الحدود بينهما مبهمة, ويجادل البعض أيضاً بأن هذه هي نتيجة التحول في نموذج الدولة –الأمة الوستفالية. وإذا لم نقبل بهذا الافتراض, بمقدورنا أن نشك في دور القوى العظمى في السيطرة على المخيلة في الشرق الأوسط, وأيضاً في انعزال هذه المنطقة, ويبدو للمراجع أنه من الأفضل استخدام مفهوم المقاومة, وخصوصاً المقاومة الثقافية, التي ليست بالضرورة ضد عولمة اقتصاد السوق الحرة النيوليبرالي. هذه المقاومة متعمدة إلى حد معين, فيما قد يكون الانعزال غير مقصود. من الصعب أن نتجاهل تدخلية القوى الكبرى في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية وخصوصاً بعد الغزو العراقي للكويت, فكيف يمكن أن نقلل من شأن البعد الثقافي لهذه القطبية الأحادية بعد الحرب الباردة.
التوصيات
أخيراً, تبدو توصيات المؤلف حول السياسة طموحة, مع الأخذ في الاعتبار الاتجاهات العامة للنظام السياسي الإيراني الحالي. التوصيات الرئيسة للكتاب هي: التعامل مع الاتجاهات المتضاربة في دستور الجمهورية الاسلامية, إيجاد تسوية حول الهوية القومية الإيرانية, ضبط المشاكل ازاء الغرب, وخصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل, جعل النظرة العالمية الدينية معتدلة, وإدراك دور الاقتصاد في المجتمع الدولي الحالي من قبل نخب الدولة, ومن الصعب إثبات امكانية, بل وحتى إحتمالية, هذه التوصيات في الأعوام القادمة, كما أن غموض جعل المسائل نظامية واضح إلى حد ما, ما هي خاصيته الرئيسة؟من هم داعموه؟ أي من جوانبه فاعلة؟ والأهم: هل يمكن لدولة قوتها وسطى كإيران ضبط مشاكلها مع مصدر القوة المتعاظمة في النظام الدولي الفوضوي, برأيي, ما هو موجود في لب هذا الكتاب هو دعوة لإعادة التركيز على السياسة الخارجية كميدان متخصص.
السياسات الخارجية في دول العالم الثالث وإيران غير حصينة, والسبب في ذلك يعود إلى حد ما لإهمال هذه النقطة المنهجية, معظم صانعي السياسة الخارجية ليس لديهم إطلاع كاف على تعقيد هذا الميدان, وهذا قد يكون ناجماً عن إضعاف الطبقة الوسطى في إيران ما بعد الثورة, وبسبب الصلة الوثيقة بين السياستين الخارجية والداخلية في إيران, يتسم هذا الأمر بأهمية بالغة وينبغي أن ينظر إليه كأحد أصول الديبلوماسية سريعة الاستجابة في الأعوام الأخيرة, وليس من المبالغة الزعم أن هذا الكتاب هو أول عمل أكاديمي وموجّه تطبيقياً حول السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية باللغة الفارسية وبقلم باحث معروف.