الكاتب : أحمد منيسي ..
مر الموقف الإيراني من الأزمة العراقية بتطورات متعددة ومتناقضة منذ دخلت هذه الأزمة مرحلتها الدقيقة بعد تصاعد التهديد الأمريكي بغزو العراق, إلى أن وقعت الحرب الأمريكية بالفعل على العراق في العشرين من مارس الماضي.
فبعد أن كانت إيران قد أعلنت أكثر من مرة أنها ترفض الغزو الأمريكي للعراق, وكان هناك نهج متشدد شديد الوضوح ضد هذا الغزو في السياسة الخارجية الإيرانية, عادت إيران لتلتزم الصمت حيال التطورات الأخيرة في تلك الأزمة, وقبل أن تقع الحرب, الأمر الذي تم تفسيره على أنه تراجع في هذا النهج, على خلفية توافق ربما يكون قد حدث بينها وبين الولايات المتحدة استناداً إلى توافقها السابق في الحرب الأمريكية ضد أفغانستان. ثم جاءت المبادرة الأخيرة التي أعلنتها طهران في أوائل الشهر الماضي لتعود بالموقف الإيراني مرة أخرى إلى قلب الأحداث.
هذا الغموض والتناقض في الموقف الإيراني يجد تفسيره في طبيعة الإشكاليات القائمة في العلاقات الإيرانية العراقية من جهة, وإشكاليات العلاقات الإيرانية الأمريكية من جهة أخرى.
إشكاليات العلاقات العراقية الإيرانية:
مثلت إيران والعراق إضافة إلى السعودية ثلاثة محاور متنافسة على زعامة النظام الإقليمي الخليجي, وقد حاول العراق أكثر من مرة خلال النصف الثاني من القرن الفائت تكريس وضعه كقائد لهذا النظام على حساب القوتين الأخريين, وظل هذا الهدف أحد أهم أولويات السياسة الخارجية العراقية برغم تغير شخوص من يحتلون قمة النظام السياسي في بغداد, وقد انبثق هذا المسعى العراقي عن شعور عميق لدى الدولة العراقية بأحقيتها وجدارتها في تبوء هذه المكانة استناداً إلى جملة
*مختارات إيرانية: العدد 33 ابريل 2003.
من الحقائق الموضوعية على الأرض ترجح كفة العراق بالمقارنة مع دول الخليج الأخرى, وهو الشعور الذي تصاعد بعد أن انتقل العراق من نظام ملكي محافظ إلى آخر ثورى في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
فبعد تأسيس النظام الثورى في العراق عام 1958 على خلفية الثورة التي أطاحت في ذلك العام بالنظام الملكي – الذي كان قد طالب في أواخر عقد الثلاثينات هو الآخر بضم الكويت – عمل العراق على توسيع نفوذه الإقليمي في منطقة الخليج التي كانت دولها ما زالت ترزح تحت الاستعمار البريطاني, وقد جاءت محاولة العراق لضم الكويت في العام 1961 ضمن هذا المسعى العراقي.
انقلاب جزب البعث
وفي العام 1968, وعندما شهد العراق الانقلاب الذي قام أحمد حسن البكر ضد حكم الرئيس عبد الرحمن عارف, جاء في البيان الأول لقادة الانقلاب في صدد تحديد سياساتهم الخارجية: " إن حزب البعث لديه مسئولية تاريخية في الانطلاق بالوحدة العربية الشاملة من منطقة الخليج, والانقضاض على رموز التبعية والعمالة وكل من تسول له نفسه الوقوف في وجه المشروع النهضوى البعثي, وأن على أنظمة الخليج أن تتهيأ للتعامل مع عراق آخر غير الذي درجت عليه ". وكان هذا النهج الجديد في السياسة الخارجية العراقية يحمل في الوقت نفسه تهديداً للدولة الإيرانية التي كانت في ذلك الوقت تمثل مرتكزاً قوياً للنفوذ الأمريكي في المنطقة.
ومن هنا, فقد دخل العراق الثورى في مصادمات قوية مع كل من السعودية وإيران, الأمر الذي جعله في مواجهة مع الولايات المتحدة التي طرحت نفسها كوريث شرعي للنفوذ البريطاني في المنطقة بعد اضمحلال هذا الأخير منذ نهاية الستينات, واختفائه تماماً مع مطلع السبعينيات تاركاً المجال للولايات المتحدة الأمريكية.
وقد حاول العراق في مطلع السبعينيات استغلال حالة الفراغ الأمني التي نجمت عن الانسحاب البريطاني من الخليج, لتمديد نفوذه خارج حدوده الإقليمية, الأمر الذي أدخله طيلة عقد السبعينيات في صراع مع السعودية وإيران, وحاول كل طرف من هذه الأطراف الثلاثة توسيع رقعة نفوذه الإقليمي, على حساب الطرف الآخر.
التمدد الإيراني
وانتهى هذا العقد بتفوق كفة الجانب الإيراني, الذي استطاع – بعد أن فشلت مطالباته بضم البحرين – أن يمدد نفوذه في مناطقه الحدودية مع العراق بموجب اتفاقية الجزائر الموقعة بين الطرفين عام 1975, بعد أن كانت إيران قد احتلت الجزر الإمارتية الثلاثة: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسي, وعمقت نفوذها في منطقة المدخل الجنوبي للخليج بعد أن كانت قد ساعدت سلطنة عمان في القضاء على ثوار ظفار.
وقد كان هذا التفوق الإيراني يصب في صالح تدعيم النفوذ الغربي في المنطقة, باعتبار أن إيران كانت في هذا الوقت حليفاً للغرب, ومن ثم, فإن هذا التفوق الإيراني لم يسبب إزعاجاً لهذا النفوذ, بيد أنه ومع قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979, والتي كانت بمثابة الزلزال في منطقة الخليج, خرجت إيران من تحالفها مع الغرب, وقد ظلت في نفس الوقت بعيدة عن أي ارتباط بالسوفييت, حيث رفعت الثورة شعار " لا شرقية ولا غربية " وقد اعتبرت الولايات المتحدة أن إيران, حليفتها السابقة، قد أصبحت مصدر خطر كبيراً على مصالحها في الخليج, خاصة بعد أن رفع الإمام الخميني شعار تصدير الثورة إلى الخارج.
وهنا, وجد العراق الفرصة سانحة للانقضاض على الجمهورية الإسلامية الطامحة، بدعم من الولايات المتحدة وبتأييد من دول الخليج التي خشيت تمدد النفوذ الإيراني إليها, ولكنه خرج من حرب الثماني سنوات ضد إيران منهك القوة بعد أن كان قد أنهك أيضاً القوة الإيرانية, ولكن توازن القوة بين الطرفين ظل قائماً وظل العراق طامحاً لتوسيع نفوذه الإقليمي.
مجلس التعاون
وقد خرج العراق من حربه مع إيران ليجد دول الخليج الست قد أسست فيما بينها ومنذ العام 1981 مجلس التعاون الخليجي, وقد تجاهل العراق أو لم يدرك حقيقة كون مجلس التعاون يقف ضد طموحاته الإقليمية وحصره داخل حدوده إبان تفرغه للحرب مع إيران والدعم الكامل الذي لاقاه من دول الخليج لصد المد الثورى الإيراني.
غزو الكويت
وعاد العراق مع مطلع التسعينيات, ليمارس مغامرة أخرى بغزوه للكويت من أجل تزعم النظام الإقليمي الخليجي. وهنا وجدت إيران نفسها مرة أخرى أمام تحدي توسع النفوذ الإقليمي للعراق. ولكن لأن المتضرر الأكبر من هذا التوسع كانت الولايات المتحدة فإن إيران لم تجد نفسها في حاجة حتى للمشاركة في التحالف الدولي لتحرير الكويت, فاكتفت بجانب الحياد, وتكفل هذا التحالف برد النفوذ العراقي وحصره داخل حدوده.
وعلى الرغم من أن العراق وفي غمار الحصار الذي فرض عليه عقب حرب الخليج الثانية قد حاول تطبيع علاقاته مع إيران, وخطى البلدان خطوات ملموسة في هذا الاتجاه، فإن الملفات الموروثة عن الحرب بينهما, قد حالت دون المضي بعيداً في هذا الاتجاه.
ملفات عالقة
ويأتي في مقدمة هذه الملفات الرؤية الإيرانية لتطبيع العلاقات استناداً إلى القرار رقم 598 الذي ترى طهران أن العراق لم يطبق إلا أجزاء قليلة منه.. فالقرار ينص على دفع تعويضات تقدرها طهران بـ تريليون دولار, وتقدرها الأمم المتحدة بـ 116 مليار دولار, وفي هذا السياق نجد أن طهران تعتبر الطائرات العراقية التي لجأت إليها خلال حرب تحرير الكويت جزءاً من التعويضات, بينما يطالب العراق بعودتها إليه. أما الملف الثاني فهو ملف الحدود المشتركة بين البلدين, حيث تريد إيران العودة إلى اتفاق الجزائر عام 1975 وترسيم الحدود لتشمل مناطق كثيرة تعتبر أنها ضمن حدودها مثل سيف سعد أو تلك المناطق الغنية بالنفط وجزء منها في جزر مجنون. والملف الثالث هو ملف الأسرى لدى العراق حيث تقدر طهران عدد الأسرى الموجودين حالياً في العراق بخمسة آلاف أسير. ومن جانبه يقدر العراق عدد أسراه في إيران بـ 29 ألفاً منهم غير مسجلين " فيما يقدر عدد المفقودين بستين ألفاًُ تقريباً ". ويؤكد في المقابل أن عدد المفقودين الإيرانيين في سجونه لا يتجاوز الـ 400 أبلغوا اللجنة الدولية للصليب الأحمر برفضهم العودة إلى إيران.
وبالإضافة إلى هذه الملفات هناك ملف شائك يتمثل في أن كلا من العراق وإيران يؤوى تنظيمات معارضة للنظام في البلد الآخر حيث تؤوى بغداد منذ عام 1986 منظمة مجاهدى خلق التي يصل عدد مقاتليها إلى حوالي 30 ألف عنصر تدعمهم دبابات وطائرات هليوكوبتر, بينما يوجد في إيران أهم حركات المعارضة الشيعية العراقية ممثلاً في المجلس الأعلى لثورة الشيعة في العراق.
إيران الخاسر الأكبر:
هذه الإشكاليات التي تغلف العلاقات العراقية الإيرانية كانت تدفع بالضرورة في سبيل تبنى موقف داعم للإطاحة بنظام صدام حسين, أي تأييد الحرب الأمريكية على العراق للتخلص من هذا العدو اللدود ولكن ومن ناحية أخرى, فإن إيران تدرك أنها من أكبر الخاسرين من هذه الحرب, حيث أن ضرب العراق وإن كان هدفاً بذاته للولايات المتحدة إلا أنه سوف يؤدي إلى استكمال عملية حصار إيران غرباً على النحو الذي تسعى إليه واشنطن بعد أن أحكمت الولايات المتحدة حصارها لإيران من الجهات الثلاث الأخرى, ففي الغرب والجنوب ترسو حاملات الطائرات الأمريكية في مواجهة السواحل الإيرانية, وفي الشرق استطاعت الولايات المتحدة بعد الإطاحة بحركة طالبان تكريس نفوذها في الأراضي الأفغانية وبالقرب من الحدود الأفغانية الإيرانية,ومن الشمال ثمة نفوذ أمريكي كبير من خلال تغلغل الولايات المتحدة في دول آسيا الوسطى.
وفي السياق نفسه, فإن إيران – وعلى الرغم من عدم ارتياحها لوجود صدام حسين عدوها اللدود على رأس السلطة في العراق – تشعر بالقلق الشديد لحدوث أي تغيير في العراق في الوقت الحاضر لأنه حتى في حالة إذا ما أدت الحرب الأمريكية على العراق إلى تفكيكه, فإن ذلك لن يعني تحقيق الحلم الإيراني بدولة شيعية في جنوب العراق تناصر نظامها, لأن الولايات المتحدة لن تسمح بتمدد النموذج الإيراني خارج حدوده, ناهيك عن أن العراق يتخذ الموقع الأول في " محور الشر " الذي رتبته الولايات المتحدة, وإيران المرتبة الثانية, ما يعني أنها الهدف المقبل للولايات المتحدة, حال أنجزت مهمتها في العراق.
وبالإضافة إلى ذلك, فإن الولايات المتحدة وفي سياق رغبتها في التمكين للتفوق الإسرائيلي في المنطقة, وبعد أن تتخلص من القوة العراقية, من المتوقع أن ينصب اهتمامها على إيران, لتسييد إسرائيل, بما يمكن من فرض شروطها للتسوية وإيجاد حل للصراع العربي الإسرائيلي.
كل هذه العوامل المعقدة دفعت طهران إلى اتخاذ موقف متشدد في بداية الأمر تجاه الحملة الأمريكية ضد العراق, ولكن هذا الموقف المتشدد التزم الصمت في مرحلة لاحقة كما سبقت الإشارة ما فهم ضمناً على أنه تأييد لهذه الحملة جاء على خلفية توافق لابد أن يكون قد حدث بين طهران وواشنطن.
المبادرة الإيرانية:
وفي الواقع, فإنه كانت هناك عدة مؤشرات تدعم مثل هذا التكهن, حيث شاركت المعارضة الشيعية التي تحتضنها طهران مع باقي فصائل المعارضة العراقية المدعومة من قبل الولايات المتحدة في عدة اجتماعات, بعضها عقد في واشنطن, وربما كانت إيران تسعى إلى أن تتعامل مع الولايات المتحدة هذه المرة بالطريقة نفسها التي تعامل بها الطرفان في الحرب الأمريكية على أفغانستان, أي أن يتم تنحية الخلافات جانباً لتحقيق هدف الطرفين في الإطاحة بنظام صدام حسين دون أن يعني ذلك حصار إيران في مرحلة ما بعد صدام.
السياسة البراغماتية
ولكن يبدو أن هذه الصيغة لم يكن من الممكن تطبيقها من جديد, فالولايات المتحدة ليست في حاجة إلى الدعم الإيراني بشدة كما كان حالها في الحرب ضد طالبان, حيث كانت تتمتع بنفوذ قوى في أفغانستان غير متوافر لها في العراق, كما أن القوات الأمريكية التي تنوي غزو العراق لديها جبهات أخرى لشن الحرب على العراق أكثر أهمية من الجبهة الإيرانية التي سوف تقدم في نهاية المطاف دعماً لا يقارن بالمميزات الهائلة التي توفرها تلك الجبهات. ومن ناحية أخرى, فإن الولايات المتحدة تخشى بالفعل من أن تنجح إيران في استغلال حالة الفراغ الذي قد ينجم عن الإطاحة بصدام حسين لتدعيم نفوذها في العراق والخليج معتمدة على الطائفة الشيعية, هذا على جانب الرؤية الأمريكية, أما فيما يتعلق بالبعد الخاص بالرؤية الإيرانية نفسها, فإنه وعلى الرغم من غلبة الطابع البراجماتي على السياسة الخارجية الإيرانية, فإن ملف العلاقة مع الولايات المتحدة مازال محل شد وجذب بين الإصلاحيين والمحافظين, وهذا من شأنه أن يعرقل من إمكانات إقدام إيران على فتح حوار مع الولايات المتحدة, أضف إلى هذا أن الولايات المتحدة قد أعلنت بشكل صريح في الأسابيع التي سبقت الغزو أنها تعتزم حكم العراق بعد صدام بشكل عسكري مباشر, ما يعني العدول عن خيار تنصيب المعارضة بالسلطة, وما يعني أيضاً أن المعارضة الموالية لطهران سوف يتم تهميشها.
ومن هنا فقد جاءت المبادرة الإيرانية التي تم طرحها على لسان وزير الخارجية كمال خرازى كمؤشر على تحول لافت في الموقف الإيراني, جاء بالضرورة على خلفية فشل واشنطن وطهران في الاتفاق على صيغة للتعاون الثنائي.
وقد تمحورت هذه المبادرة حول إجراء استفتاء تشرف عليه الأمم المتحدة بشأن انتقال السلطة في العراق في إطار خطة لتجنب شن حرب على بغداد ودعوة المعارضة العراقية للمصالحة مع الرئيس صدام حسين لتجنب إراقه الدماء.
ويمكن القول أنه كانت هناك عدة عوامل قد دفعت طهران إلى إطلاق هذه المبادرة, فضلاً عن فشلها في التوصل إلى صيغة للتعاون بينها وبين واشنطن كما حدث في أفغانستان وتتمثل أهم هذه العوامل فيما يلي:
1-أرادت إيران الخروج من العزلة التي يمكن أن تفرض عليها بسبب تأييدها للحرب أو حتى التزامها الصمت في ضوء وجود توجه عربي وإسلامي ودولي مناهض للحرب.
2-ضغوط الرأي العام الداخلي, فالتوجه العام في إيران كما في غيرها من الدول العربية والإسلامية هو ضد الحرب الأمريكية المحتملة على العراق،وما يذكى هذا التوجه موروث العداء الشديد بين طهران وواشنطن.
3-انحسار الموقف الدولي المؤيد للحرب بعد التعاون الجيد الذي أبداه العراق مع القرار رقم 1441, وهو ما أفرغ الحجج الأمريكية لهذه الحرب من مضمونها, وكشف في الوقت نفسه عن الأجندة الخفية للولايات المتحدة من حربها ضد العراق, ومثل هذا الأمر يعد مقلقاً جداً لإيران.
وقد تلى هذه المبادرة إقدام إيران على مجموعة من الخطوات لها مغزاها الهام, في مقدمتها استضافتها لمؤتمر للقوى الشيعية العراقية المعارضة عقد في 6 مارس الماضي, على الرغم من أن الإعلام الإيراني أكد أن هذا المؤتمر لا يعقد بضوء أخضر من إيران. وتزامن مع هذه الخطوة تحرك قوات لواء بدر إلى شمال العراق, حيث تمركزت في هذه المساحة الواقعة ضمن مناطق شمال العراق الكردية التي تتمتع بالحكم الذاتي, وتتشكل هذه القوات من عناصر من شيعة العراق الذين تدعمهم إيران والتي تعهدت بمقاومة نظام الرئيس صدام حسين, فقد ظل أفراد هذا اللواء ينتظرون منذ عقدين, وعلى وجه الخصوص منذ الانتفاضة التي شهدتها مناطق الشيعة في جنوب العراق ضد صدام حسين عقب حرب عام 1991. تلك الانتفاضة التي سحقتها قوات بغداد، بينما لم تحرك الولايات المتحدة ساكناً.
وفي سياق هذه المرحلة الجديدة لتقلب الموقف الإيراني, عملت الولايات المتحدة على إرسال مجموعة من الإشارات المتناقضة إلى إيران. ففي الوقت الذي جددت فيه واشنطن اتهاماتها لطهران بامتلاك أسلحة نووية, على لسان وزير الخارجية كولن باول، أعلن في 9 مارس الماضي أن الولايات المتحدة والدول الأخرى اكتشفت فجأة أن إيران متقدمة في برنامجها لتطوير أسلحة نووية أكثر مما كان العالم يعتقد, وكان باول يعلق على مقال نشرته صحيفة تايمز جاء فيه أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ترى أن إيران استخدمت اكزافلورور اليورانيوم في محركات الطرد لديها لاختبار قدرة هذه المحركات. في هذا الوقت أعلنت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا أن عراق ما بعد صدام حسين لا مكان فيه لمنظمة مجاهدى خلق.
وهذا الموقف الذي يبدو متناقضاً أيضاً من قبل الولايات المتحدة تجاه إيران, هدفه تطمين هذه الأخيرة لكسب جانبها, أو بمعنى أدق تأمين جانبها عن طريق سياسة العصا والجزرة, وهو ما يضع الجانب الإيراني في التحليل الأخير في ورطة حقيقية حيال التطورات الحالية والمستقبلية للأزمة العراقية.
رد الفعل على الحرب:
وفي سياق هذا الموقف الإيراني الرافض للحرب الأمريكية على العراق, جاء الإعلان عن رفضها حينما اندلعت فعلاً في العشرين من مارس الماضي, فعقب بدء هذه الحرب مباشرة أعلن وزير الخارجية كمال خرازى أن هذه الحرب تفتقد إلى أي شرعية دولية ولا يمكن تبريرها بأي حال من الأحوال وأكد أنها يجب أن تتوقف فوراً وقال خرازي أن تلك الحرب سوف تضيع جهود نصف قرن بذلتها كافة شعوب العالم لتعزيز دور الأمم المتحدة، مؤكداً على أن بلاده لن تدعم أياً من الطرفين المتصارعين.
أما المرشد الروحي للثورة الإسلامية السيد علي خامنئى, فقد أكد على أن الهدف من هذه الحرب هو احتلال العراق والسيطرة على المنطقة, والهيمنة على مصادر النفط فيها, والحفاظ على الكيان الصهيوني غير المشروع وشدد على ضرورة الوقف الفوري لهذه الحرب وضرورة يقظة الشعب الإيراني حيال الأساليب التي تعتمدها الولايات المتحدة وبريطانيا.
ومن ناحيته قال الرئيس محمد خاتمي أن الولايات المتحدة تجد نفسها وحيدة وممارساتها لا تتمتع بأي شرعية وهي المسئولة عن تهديد السلام الدولي.