ينسب الصفويون إلى الدولة الصفوية وخليفتها الأول (الشاه) إسماعيل الصفوي الذي حوّل بلاد فارس (منطقة وسط إيران حالياً) ذات الأغلبية الغالبة السنية إلى دولة شيعية قزلباشية بهدف التميّز عن الخلافة العثمانية السنية ، وبالتالي لدعم توجهاته نحو الامتداد والتوسع في مساحة خلافته ، وهذا التشيّع مختلف تماماً عن المذهب الجعفري (نسبة إلى الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه) .
يعود أصل العائلة الصفوية إلى تركيا ، ولقبهم إلى الجد الأكبر (صفي الدين الأردبيلي) ... أما القزلباشية (أو ذوي الطاقية الحمراء) فقد بدأت كحركة تفرعت من البكداشية الصوفية التابعة للدولة العثمانية (السنية) ليحولها حميد بن جنيد بن إبراهيم بن صفي الدين ، والد الشاه إسماعيل الصفوي ، من حركة صوفية بحيثيات باطنية إلى حركة سياسية متطرفة ومغالية في معتقداتها وفي تأويلها الباطني ، متعصبة في الولاء للقائد أو الوالي أو المرجع إلى درجة التقديس والعبادة ، وإلى هذه الحركة ترجع معقتدات التقديس المفرط للمرجعيات الدينية الشيعية ، خلافاً للمنظور الجعفري ... وهكذا تكونت القزلباشية من جماعة من الأتباع والمريدين المتعصبين والغلاة المشعشعين المنتمين إلى مذهب الرفض . أما الشاه إسماعيل الصفوي فقد حوّل بلاد فارس بأكمله إلى التشيّع الصفوي القزلباشي بقوة القانون والتهديد والقتل ، مما دفع أعداد كبيرة من الفرس للهجرة وترك بيوتهم هرباً لرفضهم المذهب الجديد ... وهكذا تمكّن هذا الخليفة الصفوي من الاستفادة من المغالاة والعصبية القزلباشية في العسكرية الفارسية ليخوض حروباً دموية بهدف التوسع والامتداد شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً وضم أراضي شاسعة للخلافة الصفوية . واحتل اسماعيل الصفوي بلاد الرافدين بعد انتصاره على العثمانيين ، ليبدأ حينذاك فرض التشيع القزلباشي على العراقيين ، ومما يذكر عنهم أنهم دمروا مسجد أبي حنيفة النعمان اثناء صراعهم الدموي في بغداد .
إلا إن الشاه إسماعيل الثاني ابن طهمساب اسماعيل الصفوي ، رجع إلى المذهب السني وحاول في عهده إرجاع بلاد فارس إلى هذا المذهب لرفضه المغالاة التي يتصف به التشيع الصفوي القزلباشي ، ولكنه تراجع عن فكرته بعد أن علم من مستشاريه إن هذا التحول يعني دخول بلادهم في نفوذ الخلافة العثمانية السنية المهيمنة على المنطقة العربية حينذاك .
أما الشاه عباس الصفوي ، وهو الخامس في تاريخ الخلافة الصفوية ورجلهم الأكبر ، فيُعرف عنه إنه وضع قوائم طويلة بأسماء أهل السنة في العراق وقتل مئات الألوف منهم في مذابح جماعية ، حيث كان الشيعة العراقيون يخبئون أعداد كبيرة من السنة في بيوتهم ويدّعون أنهم شيعة لحمايتهم من القتل .
في كتابه "أمير كبير" الذي يتحدث عن رئيس الوزراء الإيراني في فترة الدولة القاجارية والاستعمار الإنجليزي بوصفه "قهرمان مبارزه با استعمار" (أي البطل الذي ناضل ضد الاستعمار) يذكر مؤلف الكتاب السيد علي أكبر هاشمي رفسنجاني ، وبالتحديد في الصفحة 248 ، حادثة معبّرة عن نذالة وقذارة الدولة الصفوية ، ويقول "إن الشاه عباس الصفوي الملقب عند المغفلين بالشاه عباس (جنت مكان) أي مكانه الجنة ، كان يشرب كأساً من الخمر في حضور الأخوين شيرلي الإنجليزي (سير أنتوني شيرلي) ويتحدث للحاضرين وهم جميعاً وفود غربية قائلاً "مَن نَعل كفش يَك عيسوي را بَرْ بزرﮔترين مردان عثماني ترجيح ميدهم" بمعنى (إنني أفضل حذاء مسيحي على أكبر رجالات الدولة العثمانية) ..." ، مما يشير إلى مدى احتقار السيد رفسنجاني للصفويين عموماً والشاه عباس خصوصاً ... إذ إنه كان شخصاً دموياً ومكروهاً للناس .
أما الدكتور علي شريعتي ، مُنَظّر الثورة الإيرانية ، فإنه وصف هذا التشيّع الصفوي الفارسي بـ "التشيّع الأسود" ، إذ مارس هؤلاء الصفويون كل أعمال الإرهاب والتدمير والقتل وحرق القرى على مدى مائتي عام لفرض مذهبهم الجديد على المسلمين بهدف توسيع رقعة خلافتهم والتميّز عن المذاهب الإسلامية الأخرى ...فهم من حوّل عشائر القرى العراقية (الفلاحين) ، مثل عوائل بني فتلة ، والعبادي ، وسَكْر ، والبكارة ... وغيرهم ، إلى التشيّع الصفوي في القرن التاسع عشر ، إذ تم استغلال هؤلاء الأعراب عن طريق النداء بمعتقداتهم التي ترجع أصولها إلى تقاليد بابلية قديمة في مفهوم الشفاعة ، بمعنى أن الشفيع يعد جسراً للعبور إلى الجنة ، فأقبلوا على التشيّع الصفوي الذي لم يكن له علاقة بالتشيّع العراقي الأصيل الممثل حالياً في عوائل عراقية معينة مثل الخالصي ، والعطار ، والبغدادي ، والصدر .. وغيرهم .
كما يُذكَر عن الشيعة الصفوية القزلباشية إنهم من ابتدع مظاهر إحياءً ذكرى وفاة ومقتل آل البيت بالممارسات التي نجدها في الوقت الحاضر ، إذ لم تكن معروفة قبل ذلك التاريخ ما بين الشيعة الأصليين في العراق أو في جبل عامل في لبنان . وأوضح تلك المظاهر هي مواكب العزاء والبكاء والضرب والممارسات الدموية المختلفة حباً في آل البيت ، وآخر تلك البدع هو ما ظهر في شهر محرم الماضي في العراق وسمي بـ "كلاب الحسين" ، حيث يزحف الرجال على الأطراف الأربعة والسلاسل في رقابهم وينبحون مثل الكلاب وينادون "يا حسين" ... وكل تلك المظاهر تعد حالة دخيلة على المذهب الشيعي الجعفري في العراق ، وتعد حالة لا يوجد لها ما يقابلها في التاريخ العراقي .
ويقول المؤرخون أنه منذ ظهور التشيع الصفوي في العراق والمناطق القريبة من بلاد فارس وحتى الوقت الحاضر ، كان تصاعد الصفوية المتطرفة يقابله دائماً صعود ظاهرة الحنبلية المتطرفة (السلفية) كحالة دفاعية ، لذلك توالت على العراق عقود من الحروب والمشاحنات تكاتفت فيها كل المذاهب الإسلامية ضد "التشيع الأسود" ، الذي قضى على السماحة المذهبية ، وأوجد شرائع جديدة كتحريم الزاوج المختلط بين المذاهب الإسلامية ، وإلغاء حرية التحوّل من مذهب إلى آخر ، والتعارف على شتم الصحابة والإساءة إلى ذكراهم وتاريخهم الذي لم يكن مسموحاً به أو مقبولاً بين الشيعة .
هؤلاء هم الصفويون ، ولأسباب سياسية كبرى ألقي الظلال على جوانب خطيرة من تاريخهم ، وجيّروا المذهب الجعفري لصالحهم وألصقوا به كل العصبيات الصفوية المتطرفة ، ومع الزمن أصبحت تسمية الشيعة تشمل الجماعتين دون تمييز ، ليجعلوا التمييز فيما بينهم وبين المذاهب الإسلامية الأخرى بالمغالاة في تعَصُبهم الطائفي والمذهبي في تقديس معتقداتهم ومراجعهم ، التي يراد منه تكبيل الإرادة وتكميم العقول والاستسلام للعدو وتحقيق مصالح الأجنبي حتى لو كان الأجنبي صليبياً ...
نعم هؤلاء هم الصفويون ، فإحذروهم
______________________________
[email protected]
شبكة البصرة - السبت 28 شوال 1425 / 11 كانون الاول 2004