لم يدر بخلدي يوماً أن تحتضن البحرين صحافة محلية طائفية، ولا تجد غضاضة في الإعلان عن طائفيتها.. فإن كنا ندرك أسباب الإساءة للبحرين ممن هم غير بحرينيين وأجانب لا صلة لهم ولا انتماء لهذه الأرض التي احتضنت مختلف الطوائف والأديان والجنسيات على مدار التاريخ، إلا أن ما هو ليس في الحسبان والإدراك أن يسيء إليها أبناؤها.. في جانب آخر لم يكن ليخطر في مخيلتي أن يتدنى الإعلام في البحرين إلى مستوى يسمح لأن تحتضن الصحافة البحرينية أناسا يَدّعُون أنهم "صحفيون" و"كتّاب" مقالات وهم يمارسون الكتابة بأسلوب حديث المقاهي والتباهي وأحاديث الملالي والإملاءات الخارجية..
أناس يعلنون عن تطاولهم على الحقائق ويعاندوها، عندما تكون فاضحة للواقع الطائفي الذي يتبنوه ويدعموه وينفخون في ناره رغم محاولاتهم بإنكاره وإخفائه خلف مظاهر ولبوس الورع والتدين.. وخصوصاً عندما لا تتناسب عمق تلك الحقائق مع قدراتهم "الثقافية" والمهنية المزيفة.. والأغرب من هذا وذاك أن هؤلاء ليس بقدرتهم، وهم يقومون بالدفاع عن توجهاتهم الطائفية والمذهبية الخيانية التي لم يعد يجدي التنكر منها، لم يعد بقدرتهم تشويه أو إنكار الحقائق ولو قليلاً، لقصورهم السياسي والمهني والمعرفي في الغوص في قضايا بحاجة لإمكانيات معرفية وثقافية عالية، وملكات حرفية أصيلة، والأهم من كل ذلك امتلاك القدر الكافي من سعة الأفق والإطلاع والمقدرة على التجرد من الولاء الطائفي الحاقد والانتماء المذهبي الأعمى على حساب الولاء للوطن والأمة العربية، وعلى حساب الإسلام الذي أنزلت آياته بلسان عربي، وعمل العرب على نشره والحفاظ على أصوله ومبادئه، فحفظت هذه اللغة للقرآن مكانته وحفظ القرآن للغة مكانتها.. وليس هذا كل شيء، فهم لم يتمكنوا حتى من اختيار الوقت المناسب الذي قد يساعد، أحياناً، مثل هؤلاء على أن يدسوا السم بالعسل، حيث أن الطائفية قد كشفت، في العقد الأخير وبعدما استخدمها الأمريكان كسلاح من أسلحة تدمير النسيج البنيوي لمجتمعاتنا العربية، كشفت عن وجهها القبيح وباتت مفضوحة ومقيتة لكل من له بصر وبصيرة، بحيث إن كتابات هؤلاء تدعو إلى السخرية والاستهزاء إن لم تدعو للقرف.
لذلك أعزو ما نشر مؤخراً من مقالات طائفية في تقديس بعض المرجعيات الدينية المساندة لاحتلال عراق العروبة والإسلام، وخصوصاً ذوي الأصول غير العربية، ورفعهم إلى مواقع الأنبياء المعصومين، وصحابة رسول الله (صلعم)، والعشرة المبشرين بالجنة إلى جهل مطبق بطبيعة موضوع الحديث، إضافة إلى جهل بمبادئ الدين الإسلامي السمح، إن لم نعزوه إلى الخيانة الوطنية والمواقف المدفوعة الأجر.. وأعزو كذلك ما كتب في مجال التهديد بعدم المساس بهذه المرجعيات أو نقدهم إلى استخدام لغة الإرهاب الفكري والتلاعب على الحقائق التاريخية التي تمارسها السياسة الأمريكية ومن تدربهم إدارتها من الإعلاميين الطائفيين للإنابة عنهم في أداء هذا الدور في المنطقة العربية.. ولكنهم أخطأوا العنوان والاتجاه، فهذا الإرهاب لا يرعب إلا ضعاف النفوس من الخائنين لأوطانهم وأديانهم.. فمن ينكر ذاته في سبيل رفعة وطنه، ومن يضع مبادئه الوطنية والقومية والإسلامية فوق كل المصالح الذاتية والولاءات الطائفية والمذهبية الخيانية، لن توقفه كل تلك الأبواق البذيئة والتهديدات الإرهابية عن الكتابة والاستمرار في كشف الحقائق التي يراد طمسها خدمة للأطماع الخارجية في القضاء على العروبة والإسلام..
إن الجهل بالحقائق وتحريفها يعدان أهم أسلحة العدو، وهذا ما يدعو الشرفاء من أبناء هذه الأمة للتصدي لموجة الإرهاب الفكري والكشف عن دوافعها وأهدافها وما تخفيه وراءها من مؤامرات ودسائس يترفع عنها حتى أصحاب السوابق، وإلى اعتبار هذا السلوك الإرهابي الذي يفصح عن طائفيته عاملا إضافيا يدعو للمزيد من العمل على تعرية المواقف الخيانية والتآمرية على هذا الوطن وهذه الأمة وهذا الدين الذي لن نقبل لهم بديلاً.. الأهم من كل ذلك، إن ما يعزز الإصرار على فضح الطائفية هو أن ما يجري من خلال هذه الصحافة يأتي في وقت تمر به أوطاننا ومنطقتنا العربية لمؤامرات كبرى، يتحالف فيها المستعمر الجديد مع العدو التاريخي للعنصر العربي، ويتفق فيها الصليبي مع الطائفي، وأخضعت لها آليات وأسلحة خطيرة ومستترة، من أهمها آليات الإعلام والعصبية الطائفية للدعوة إلى إعلاء شأن الانتماء الطائفي على الوطني، والتضحية بالوطن وتقسيمه إلى فئات متحاربة من أجل الطائفة، وخلق أسس تفتيتية في كل المجتمعات العربية وتسهيل تفكيك هذه المنطقة وإعادة تركيبها بأشكال تحقق مصالح الصليبي والطائفي العنصري معا، فهم يعملون على تقسيم المُقَسّم وتجزئة المجزأ بالمزيد من الإضعاف والاقتتال الداخلي.
والخطير أن هذه الهجمة الطائفية التفتيتية، ليست محصورة في حدود البحرين أو منطقة الخليج العربي، بل هم يمتدون اليوم ويتسعون لبناء الدويلات الطائفية في كل المنطقة، من الخليج إلى المحيط، وفي هذا الصدد نعلن ظاهرتين لهذه المؤامرة، الأولى هو صعود "الدولة الفاطمية" في شمال أفريقيا كظاهرة أخذت تتضح أبعادها في التغيّر الديموغرافي للمذاهب وزيادة خطيرة في عدد الشيعة الصفوية في تونس التي تعد المحطة الثانية لهذا المشروع في منطقة المغرب العربي.. أما الظاهرة الثانية فتتمثل في حركة الحوثي وجماعته التي لا تزال تستعر لهيبها تحت جمر النار في اليمن، رغم التعتيم الإعلامي حولها.. تابعوا في المقال القادم حقيقة التشيّع الصفوي ودوره القديم الجديد في التاريخ العربي..
___________________________
شبكة البصرة - الخميس 26 شوال 1425 / 9 كانون الاول 2004