مفكرة الإسلام: 'دولة الاستكبار العالمي' 'الشيطان الأكبر' مسميات شيعية دأبت إيران الثورة على الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى الجانب الآخر، فالدولة الإيرانية في الخطاب الرسمي الأمريكي تصنف على أنها أحد الأركان الثلاثة لما يسمى بـ 'محور الشر' التي انهار أحد ركنيها الآخرين وهو العراق.
الخطابان الإعلاميان التصادميان بين الولايات المتحدة الأمريكية والدولة الشيعية لا يعكسان بالضرورة الطبيعة 'الخاصة' للعلاقات الأمريكية /الإيرانية. ويمكن تلمس هذه الطبيعة من خلال [الحياد الإيجابي] الذي تبديه إيران تجاه معظم مصالح الولايات المتحدة وصراعاتها في منطقة نفوذ الدولة الإمامية.
[الحياد الإيجابي] بدا جليًا من خلال استراتيجية إيرانية لا تمانع في استمرار تمدد رقعة وعمق النفوذ الأمريكي في تلك المنطقة مادام لا يتصادم مع المصالح الشيعية العليا.
فإيران تعاونت تعاونًا كاملا مع الولايات المتحدة لإطاحة نظام طالبان السني في أفغانستان، وبادرت بتقديم مساعدات لوجيستية لجيش الغزو الأمريكي في أفغانستان، وأمنت للأمريكان ـ بقدر ما تستطيع ـ منطقة الحدود الغربية الوعرة لأفغانستان لمنع تسلل مقاتلي طالبان إليها، ونجحت ـ مع الولايات المتحدة ـ في إطاحة نظام طالبان المعادي لها في مقابل ضمان مشاركة أكبر لحزب الوحدة الشيعي في الحكم الأفغاني العميل، وضمان عودة اللاجئين الأفغان في إيران إلى بلادهم.
وفيما يخص العراق، فقد التزمت إيران 'الإسلامية' بحيادها في الحرب التي شنتها دولة 'صليبية' ضد دولة العراق 'المسلمة' وهي جنت من تعاونها المريب مع الولايات المتحدة ثمارًا تتلخص في تخلصها من نظام لم يخف عداءه لإيران، وفي تعزيز مكانة إيران بإتاحة فرصة للشيعة للتغول في العراق استنادا إلى نسبة تعدادهم في العراق إلى باقي السكان؛ والتي تخضع لمبالغة الولايات المتحدة وإيران على السواء، وفي خضوع النظام السياسي العراق الجديد ـ الذي يحتمل أن يكون شيعيا ـ لإيران، أو على الأقل يتقارب مع نظام إيران، وفي زيادة المساحة التأثيرية لإيران بين دول الخليج التي بها أقليات شيعية أو حتى داخل مصر التي يكن أهلها لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم مكانة خاصة؛ ويحاول نظام الملالي في طهران استثمار هذه المكانة.
الولايات المتحدة من دون شك أفادت من 'الحياد الإيراني الإيجابي' في سرعة التهام العراق. ووجه 'الإيجابية' في حيادية طهران لا يعود إلى سكوتها على الغزو الأمريكي للعراق فحسب؛ بل يتعدى ذلك إلى المشاركة في الغزو ذاته من خلال فيلق بدر الذي تقول مصادر صحفية رسمية في القاهرة أنه قام بدور محوري في عمليات السلب والنهب إبان سقوط بغداد مما ساعد الولايات المتحدة على تأجيل قضية الديمقراطية لأجل غير مسمى بحجة الفوضى التي تضرب بأطنابها في ربوع العراق! من جهة، ومن جهة أخرا لمساعدة دولة الاحتلال ذاتها على ممارسة النهب والسلب. وكذا الدور الذي مارسه شيعة بغداد والناصرية والبصرة في سقوط تلك المدن والامتناع عن تدمير جسور النهرين بإيعاز من إيران.
لذا، فإن المراقبين لا يولون التهديدات الأمريكية لإيران اهتماما كبيرا بالنظر إلى معطيات تشي بأن العلاقة بين الدولتين لما تصل إلى حد الصدام، ومن هذه المعطيات:
1ـ استمرار الحوار بين الولايات المتحدة وإيران إلى مدة قريبة، إذ بدأ الحوار مواكبا للعدوان على أفغانستان واستمر حتى العدوان على العراق.
2ـ امتناع حزب الله عن إثارة غضب الولايات المتحدة حتى مع تفجير سيارة أحد نشطاء الحزب في بيروت في 4/ 6/ 2003 وهذا من شأنه أن يسحب البساط من تحت أقدام الأمريكيين في تحميل الحزب أي دور 'إرهابي' أو حتى 'نضالي' في المنطقة.
3ـ عدم إبداء الولايات المتحدة لمخاوف من المناورات العسكرية المتكررة التي تقوم بها طهران في مياه الخليج.
4ـ استجابة إيران الفوري لطلبات الهيئة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش على منشآتها، وفي المقابل عدم تشدد الولايات المتحدة في هذه القضية مثلما كانت متشددة حين عزمت على غزو العراق.
ربما كانت إيران تواجه بعض مصاعب من الولايات المتحدة خصوصًا بعد تغيير معادلة القوى في المنطقة لصالح الولايات المتحدة، لكن هذه المصاعب أقرب أن تتمثل ضغوطًا من الولايات المتحدة على إيران لتطويعها منها أن تكون إرهاصات حرب..