الحرص على ضمان مشاركة السنة في الانتخابات
العراقية بين الرغبة الأمريكية والعربية!
في ظل تزايد الدعوات العراقية والإقليمية والدولية إلى إرجاء الانتخابات المقرر تنظيمها في نهاية شهر كانون الثاني المقبل، أظهرت دول عربية وغربية شاركت في مؤتمر شرم الشيخ حول العراق اهتماماً لافتاً بمشاركة العراقيين السنة في هذه الانتخابات.
ولا يخفى على المراقبين السياسيين لما يجري على الساحة السياسية الشرق أوسطية أن حرص بعض الدول العربية على إجراء الانتخابات العراقية مع ضمان مشاركة سنية واسعة وفاعلة، يعود إلى خشية هذه الدول من أن تنتج هذه الانتخابات سلطة في العراق تتحالف لاحقاً مع إيران وحزب الله، وهو "ما يسمح بزيادة النفوذ الإيراني في المنطقة" حسب رأيهم.
وتخشى الدول العربية في الخليج حيث يعيش الكثير من الشيعة أن يؤدي قيام سلطة لا يشارك فيها السنة بفاعلية في العراق إلى آثار بالغة السلبية في استقرار هذه البلدان قد يؤثر في وضعها الأمني.
ويسود الاعتقاد داخل الأوساط السياسية والدولية أن دولاً عربية وخاصة دول الخليج العربي تخشى من سيطرة الشيعة على العراق مستفيدين من عوامل موضوعية عديدة، أبرزها الاستعداد المبكر للانتخابات والدعم الذي تقدمه المرجعية الدينية للعملية، فضلاً عن التحالفات التي عقدتها أطراف شيعية مع الأحزاب الكردية الكبيرة لضمان اقتسام المقاعد في المجالس المحلية والمجلس الوطني العراقي. ولذلك فإن هذه الدول تسعى لإبعاد شبح غياب السنة عن السلطة.
وعبر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عن قلق دول الخليج من نتائج الانتخابات في حال عدم مشاركة السنة فيها، وقال الوزير السعودي في هذا الإطار أن موعد الانتخابات ليس مقدساً وأن الالتزام بالموعد أقل أهمية من تامين مشاركة كل القوى السياسية العراقية فيها.
وشارك الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى الدول الخليجية مخاوفها، فقد أكد ضرورة مشاركة جميع العراقيين في الترشيح والانتخاب، في دعوة ضمنية وإن كانت واضحة إلى تسهيل مشاركة العراقيين السنة وتذليل العقبات التي تقف حائلاً دون هذه المشاركة، واعتبر موسى أن مشاركة السنة "تضيف للانتخابات شمولاً وتأكيداً وطنياً عاماً يسهم في نجاحها ويبني مصداقيتها".
ومن جهتها تركيا اعتبرت أن المسألة الأكثر استراتيجية بالنسبة لها على المدى المتوسط هي ضمان المشاركة التامة للعراقيين السنة في العملية السياسية وتمثيلهم بشكل تام في البرلمان المستقبلي. وقال وزير الخارجية التركي "عبد الله غول": "إذا لم يتم تمثيل السنة بشكل مناسب في الانتخابات، فربما يتسبب ذلك في خلل في الموازين السياسية مما سيثير المشاكل"، وحث غول السنة في العراق على التخلي عن خططهم لمقاطعة الانتخابات، وأكد أن مشاركتهم في العملية السياسية ستضمن أن يكون الدستور العراقي الجديد "متوازناً ويحمي وحدة أراضي العراق والوحدة السياسية".
فرنسا ودول عربية أخرى أبدت قلقها من إجراء الانتخابات العراقية دون مشاركة السنة العراقيين، ووفق المصادر الغربية فإن دولاً عديدة تشاطر دول المنطقة مخاوفها من سيطرة فئة دون أخرى على العراق.
وحاول وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري طمأنة الدول التي تخشى من أن يكون الإصرار على الإسراع في إجراء الانتخابات يهدف إلى استبعاد السنة وعلى حساب التمثيل النسبي لهم الذي أعلنت مجموعات من ممثـليهم مقاطعتها للانتخاب وهددت مجموعات أخرى باتخاذ الموقف ذاته إذا تواصل استهداف المناطق التي يشكلون الغالبية فيها.
وجدد قادة السنة الأسبوع الماضي دعواتهم لمقاطعة الانتخابات احتجاجاً على الهجوم المدمر الذي قادته قوات الاحتلال الأمريكي على مدينة الفلوجة.
وحتى الآن أعلن 47 حزباً سنياً أنه لن يشارك في الانتخابات، وفي رأي المراقبين، أن استمرار مهاجمة المدن السنية ومداهمة المساجد، إنما يأتي ضمن الخطة الأمريكية لمحاربة سنة العراق، الذين ما زالوا يشكلون العقبة الكبيرة بوجه المشروع الأمريكي في العراق، بعد أن فشل الاحتلال في احتوائهم أو إنهاء مقاومتهم، مما صعد من التوتر في أنحاء العراق وجعل مصير الانتخابات مجهولاً قبل شهرين من موعدها.
واتساقاً مع هذا الحديث، تقول المقاومة العراقية أنها ستلعب دوراً سلبياً في إنجاح هذه الانتخابات، ولن تدعها تمر بسلام، مشيرة إلى نتائج استطلاع للرأي اجرى مؤخراً عن إمكانية مشاركة العراقيين في الانتخابات مع أوضاع أمنية سيئة، كانت نتيجته أن غالبية الشعب لن تذهب إلى صناديق الاقتراع لان الطريق المؤدي إليها غير مأمونة، في ظل التهديدات الصادرة عن غير جهة مقاومة باستهداف المرشحين ومراكز الاقتراع.
وقبل الموعد المقرر لإجراء الانتخابات، فإن موقف العرب السنة يبقى متأرجحاً حول المشاركة بصورة كلية أو جزئية أو ربما مقاطعتها على خلفية التهديدات التي تواجهها المدن السنية والتي لم يكن أولها الاستهدافات المتكررة لمناطقهم وليس آخرها استهداف العلماء المسلمين السنة بالاغتيال والاعتقال.
_____________________________
السبيل 30/11/2004