تمهيد
قبل موته في شهر إبريل (نيسان) الماضي, كان عبد المجيد الخوئي مدير مؤسسة الخوئي في لندن ونجل المرجع الشيعي السابق أبي القاسم الخوئي, يسعى خلال العامين الماضيين إلى إنشاء "المجلس الشيعي العراقي" ليكون بمثابة المرجع للشيعة في العراق. وقد قطع فيه شوطاً كبيراً, ووضعت لهذا المجلس الأهداف والهيكلية, وآلية العمل.
وبالرغم من أن وفاة الخوئي أدت إلى تعثر إنشاء المجلس, إلا أن تسلم الشيعة لمناصب هامة في عراق ما بعد صدام حسين, وهيمنتهم على جزء من مؤسسات الدولة يجعل المجال مهيئاً لإنشائه, وهو الأمر الذي يدفعنا لنشر هذا المقال للتعرف على العمل الشيعي وأساليبه وأدواته, خاصة وأن المتغيرات في العراق والمنطقة تدفع باتجاه أخذهم لدور كبير.
ويعود الاهتمام بموضوع إنشاء مجلس أعلى للشيعة في العراق إلى فترة الثمانينات حيث اجتمع مجموعة من علماء الشيعة والكتاب المهتمين لمناقشة مقترحات تقدم بها علاء الجوادي, ومرت الأيام والسنوات حتى عقد لقاء في رمضان سنة 1421هـ (ديسمبر 2000) ضم عبد المجيد الخوئي ومحمد بحر العلوم وحسن بحر العلوم وإبراهيم بحر العلوم ومحمد عبد الجبار وأكرم الحكيم وغانم جواد, وجرى النقاش حول مفهوم التنمية وكيف يتم توظيفه لخدمة جماهير الشيعة.
وفي تلك الجلسة, ركز عبد المجيد الخوئي على ضرورة القيام بعمل جدي لخدمة شيعة العراق.
ثم عقدت الجلسة الثانية في منزل محمد بحر العلوم في 6/1/2001, وكان كاتب المقال علاء الجوادي يرى أن الأهم هو التركيز على أمرين هما:
1-حفظ كيان الشيعة في العراق. 2-ضمان حقوقهم الأساسية.
وفي جلسة لاحقة بتاريخ 29/1/2001 قدم الخوئي تصوره عن طبيعة ما يؤمن به من أن العمل ينبغي أن يكون من خلال الأسلوب السلمي وليس السياسي العسكري, وأن الحكم ليس هدف الشيعة, وبيّن أن أقرب مثال لذلك هو عمل مؤسسة الخوئي الخيري في لندن, التي تقوم بنشاطاتها بعيداً عن الممارسة السياسية.
وفي 13/2/2001 عقدت جلسة أخرى, أشار فيها محمد بحر العلوم إلى أن حفظ كيان الشيعة لا يتم إلا من خلال الوصول إلى السلطة, واستبعد إمكانية العمل بدون الوصول إلى السلطة, لكن أكرم الحكيم كان يرى أن كيان الشيعة حفظ وهم ليسوا في السلطة لقرون طويلة. أما محمد عبد الجبار فرأى أن الكيان الشيعي محفوظ بالمرجعية وليس بالسلطة, أما الحقوق فغير محفوظة إلا بالدولة والسلطة, لذلك من الضروري التفكيك بين الأهداف.
وكاتب المقال علاء الجوادي هو أحد الذين شاركوا الخوئي في الإعداد للمجلس الشيعي العراقي, وقد كتب عن مراحله المختلفة والتصورات التي عرضت فيه ننقله إليكم بتصرف.........................................................................المحرر.
تداخل السياسي بالديني:
أمام هذه الرؤى في علاقة السياسي باللاسياسي كان رأيي هو أن التداخل بين السياسية والدين وأمور الحياة الأخرى من البديهيات والمحسوسات, فعملية الفصل لا تكون سهلة وإن لكل إنسان أو مجموعة عمل اهتماماتها وإمكاناتها ولا يستطيع أي فرد أو مجموعة القيام بجميع الأعمال, لذلك فالتخصص هو العلاج. إضافة إلى أن هناك العديد من الفعاليات والممارسات المعارضة لصدام منها حقيقية مرتبطة بوضع الداخل أو لها قوتها ضمن تأثير العامل الدولي والإقليمي وهؤلاء يعملون في الساحة ولا ينتظرون الإذن من أحد ومنهم الإسلامي ومنهم العلماني ومنهم البين بين. وانطلاقاً من هذا الفهم فإنني أرى وضمن التأكيد على حفظ كيان الشيعة وضمان الحقوق أن هناك ثمة حاجة في نظري في هذه المرحلة إلى نوعين على العمل أو المشاريع هما:
1-مشروع سياسي وطني غير طائفي يتبناه الشيعة بالعراق بصفته الوطنية العراقية, يضمن حقوقهم من خلال ضمان حقوق كل العراقيين.
2-مشروع حضاري يعبر عن واقع مدرسة أهل البيت في العراق وآفاقها, وهو مشروع غير سياسي)).
في العام نفسه توصل مجموعة من الشيعة إلى صياغة أفكار حول المجلس:
ويضيف الجوادي:
((أ-المقصود بالمجموعة: هم الأخوة الذين تعاقبوا في الاجتماعات المذكورة وأعدوا وأقروا هذه الورقة وهم: السيد عبد المجيد الخوئي والسيد محمد بحر العلوم والشيخ إبراهيم النصيراوي, وكل من السادة: أكرم الحكيم وحسن بحر العلوم وعلاء الجوادي وغانم جواد ومحمد عبد الجبار, قد تم لاحقاً إشراك آخرين ضمن المجموعة.
ب-المقصود من الكيان الشيعي في العراق: هو ذلك الوجود البشري الحضاري الاجتماعي الديني الممتد منذ صدر الإسلام الذي وضع أسسه وبذوره الأولية الرسول الأكرم محمد (ص) في ضرورة اتباع الإسلام قرآناً وسنة من بعده (ص) في نهج وصيه وخليفته الإمام علي بن أبي طالب والأئمة الميامين من ولده عليهم السلام ذلك الوجود الذي طبع العراق بوجهه الحضاري وهويته الدينية لغالبية أبنائه, والمتمثل ببنيته التحتية في:
1-العنصر البشري المتمثل في الفرد والأسرة والعشيرة والوجوه والشخصيات العلمية والدينية والاجتماعية والتكتلات والفعاليات الشيعية.
2-المرجعية الدينية المتمثلة في العتبات المقدسة والمساجد والحسينيات والأوقاف العامة والمدن والآثار العمرانية والفنية.
3-الثقافة المتمثلة في الجامعات والمؤسسات العلمية والمراكز التربوية والثقافية والمنتديات الفكرية والمكتبات والكتب والشعائر الحسينية ومراسيم الاحتفال في ذكرى ولادة ووفاة الرسول الأكرم (ص) والأئمة وأهل بيته الكرام (ع) والمناسبات الإسلامية والوطنية العامة.
4-الموارد المالية متمثلة بالمؤسسات الاقتصادية والحقوق المالية الدينية وخيرات البلاد ومنافعها العامة.
ج-أهداف المجموعة:
1-تنمية وعي الفرد والمجتمع بالثقافة الإسلامية الصحيحة, عبر الوسائل التعليمية والتربوية والإعلامية كالكتاب, الفيديو, الانترنت, الخطابة…الخ.
2-رفع المستوى الحياتي والتقني للفرد والمجتمع وتأهيله للقيام بالأعمال النافعة بما يتضمن ذلك من إعداد الكوادر المتخصصة في مجالاتها وعلى الأصعدة المختلفة.
3-تقريب الرؤى ووجهات النظر بين العاملين في الحقل الشيعي عموماً والتأكيد على ضرورة توجيه الأمور من خلال الأفراد المخلصين والملتزمين الساعين إلى حفظ الكيان الشيعي وتأمين حقوق أفراده.
وقد وضعت المجموعة أمامها جملة من الأفكار والأعمال لتحقيق الأهداف, وهي:
1-التأكيد على عروبة التشيع –كما هو الواقع- وإبراز الخصوصية العربية لشيعة العراق.
2-التأكيد على دور المرجعية الدينية والثقافية الشيعية في حفظ الكيان الشيعي وهوية التشيع.
3-التأكيد على الانتماء الإسلامي العام واعتباره مرتكزاً للتحرك والتكامل مع بقية المسلمين من خلال نهج التقريب بين المذاهب.
4-التأكيد على ضرورة العناية بالجوانب الثقافية والاجتماعية والتربوية والدينية والإعلامية والفنية في البناء الحضاري للمسلمين الشيعة ودور الحوار في التعايش وتكامل الحضارات.
5-السعي في سبيل إيجاد أفضل العلاقات الإيجابية والحسنة مع الأطراف الأخرى على الصعيد الوطني والقومي والإسلامي والعالمي.
6-التأكيد على ضرورة نبذ العنف واستخدام القوة والسلاح لتحقيق المقاصد, وضرورة الإيمان بالحوار والتفاهم السلمي والعمل الحضاري لنيل الحقوق لجميع الأطراف.
7-العمل على إبراز الصورة المشرقة والإيجابية للمسلمين الشيعة, والسعي لإزالة العقبات التي تقف حائلاً أم معرقلاً في طريق التطور الحضاري والتكامل الثقافي والاجتماعي مع غيرهم من قبيل الطعن في إسلامهم أو عروبتهم أو وطنيتهم أو تحضرهم.
8-تشجيع الأطراف الأخرى من غير الشيعة في العراق ودعوتهم للحوار والقيام بالأعمال النافعة تجاه الشيعة, ويدخل في ذلك دعم المراكز الاجتماعية العامة ومنظمات حقوق الإنسان والدفاع عن حرية الفرد والمعتقد)).
المجلس الأعلى وباقر الحكيم:
توقفت اجتماعات اللجنة فترة من الوقت, وانشغل الناس بأحداث الحادي عشر من سبتمبر, وبعد ذلك بالإعداد لمؤتمر المعارضة العراقية في لندن.
ومع الإحساس بقرب تغيير الولايات المتحدة لنظام صدام حسين وأن الظروف الحالية باتت في صالحهم, صار المجلس الأعلى للثورة الإسلامية هو المحور الأساسي للشيعة العراقيين.
ويواصل الجوادي سرده فيقول:
((اتصل بي السيد عادل عبد المهدي وأخبرني أن السيد عبد المجيد الخوئي تحدث معه, معرباً عن دعمه لقيادة السيد محمد باقر الحكيم, وأن السيد الحكيم اليوم هو القائد العراقي الأبرز دولياً وإقليمياً, ودعاني لضرورة دعم هذا التوجه التوحيدي الذي ظهر عند عبد المجيد الخوئي. قلت له أنا مع أي جهد لجمع أطراف الساحة الشيعية, وخاصة الشخصيات المعروفة. بعد ذلك عقدت جلسة في مجلة النور وكان الحاضرون هم السادة الجوادي وأكرم الحكيم وعبد المجيد الخوئي وعادل عبد المهدي وممثل المجلس الأعلى الدكتور حامد البياتي وكان أخونا العزيز السيد عبد الحسن الأمين في لندن رئيس تحرير مجلة النور حاضراً بصفته المضيف وصديق كل الحاضرين. طرح الخوئي موضوعاً لم يكن هو الموضوع الذي أخبرني به عادل, بل كان عن المجلس الشيعي العراقي وقال أنه سيسافر إلى إيران لطرح الموضوع على السيدين محمد باقر الحكيم وعبد العزيز الحكيم, وكان يقول إن على السيد الحكيم أن يعتزل قيادة المجلس الأعلى وأن يحل محله أخوه السيد عبد العزيز ويكون هو القائد الاجتماعي السياسي لعموم شيعة العراق. وذكر الخوئي كذلك أنه طرح مشروع المجلس الشيعي على بعض العلماء الشيعة في لندن وعلى رأسهم العلامة السيد محمد بحر العلوم. كما صاغ السيد الخوئي ورقة خطاب مقتبسة من الأوراق المقررة للمجموعة التنموية لشيعة العراق مستبدلاً بها اسم "المجموعة التنموية لشيعة العراق" باسم "المجلس الشيعي العراقي".
قرأت الورقة وتم التأكيد على ضرورة بلورة رؤية واضحة حول بعض الأساسيات من قبيل أن اسم المجلس هو المجلس الشيعي العراقي وهويته هي هوية إسلامية شيعية عراقية وإن للمجلس عدداً من المكاتب وإن هذا العمل يستوعب الإسلامي والعلماني وأن للمجلس هيئة قيادية وجمعية عمومية والباب مفتوح لكل شيعي عراقي ضمن ضوابط محددة لعضوية هذه الجمعية وإن المقر المؤقت للمجلس هو لندن لكن مقر المجلس الدائم له هو العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري. وأن للمجلس رئيساً من علماء الدين.
في الجلسة الثالثة 12/11/2003 كنت صريحاً مع الأخوة المجتمعين وقلت لهم أن المجموعة التنموية لشيعة العراق هو الأنسب في هذه المرحلة وهي البداية التي ينبغي أن نبدأ بها وقلت في اعتقادي أن الساحة لا تتحمل المجلس الشيعي الآن وإنما يجب أن نمهد لها.
كان تصور السيد الخوئي أن الوضع السياسي المستقبلي المجهول للشيعة في العراق يقتضي صيغة المجلس ليكون محوراً للشيعة. في هذا المجال قدم غانم جواد فكرة مهمة مفادها ضرورة العمل الجدي من أجل أن يكون مفهوم حفظ كيان شيعة العراق وصيانة حقوقهم واضحاً كوضوح مفهوم الفيدرالية بالنسبة للكرد في العراق. وكان اعتقاد محمد عبد الجبار أن المجموعة التنموية كانت صياغة مقبولة لمرحلة ما قبل 11 أيلول (سبتمبر) والوضع يومذاك كان يتسم بالاستقرار أما الوضع الآن فيحتاج إلى جدية وتحرك جديد وصيغة المجلس الشيعي هي الأنسب.
كما قدمت ملاحظات حول النظام الداخلي أوجزها بما يلي:
يتكون الهيكل التنظيمي من المواقع التالية:
1-رئيس المجلس وله صلاحيات بشكل معقول فلا هي مطلقة لا يمكن محاسبته عليها ولا هي مضيقة تعيقه عن ممارسة عمله بصورة جيدة وإيجابية. وتحدد واجباته وحقوقه بشكل واضح من خلال نظام داخلي. وينتخب الرئيس من خلال مجلس القرار.
2-مجلس القرار يتشكل من القطاعات والأوساط المذكورة أعلاه. ويمكن الشروع به في هذه المرحلة من خلال صيغة انتخابية أو توافقية أو مزدوجة. ويحدد عدد معقول لأعضاء مجلس القرار, على أن تحدد مدة مسؤولية لجنة القرار بفترة محددة مناطة بتثبيت الأسس والأطر العامة للمشروع (المرحلة التأسيسية). وعند نهايتها تدعو إلى انعقاد الهيئة العامة لانتخاب مجلس القرار.
3-مكاتب العمل ترتبط برئيس المجلس. ويراعى في مسؤول كل مكتب الكفاءة والتخصص, ويرشح رئيس المجلس مسؤول المكاتب ويثبت ترشيحه مجلس القرار. والمكاتب المقترحة هي:
أ-مكتب العتبات المقدسة والأوقاف الجعفرية.
ب-مكتب رعاية شؤون الشعائر الدينية.
ج-مكتب رعاية شؤون المساجد والحسينيات.
د-مكتب رعاية الثقافة والتعليم والمدارس.
هـ-مكتب رعاية الشؤون الاجتماعية والقانونية.
و-مكتب شؤون التخطيط والتنمية.
ز-مكتب الشؤون الحضارية والفنية والتراثية.
ح-مكتب التوثيق والإحصاء والمعلومات.
ط-مكتب الشؤون الإدارية والإعلامية للمجلس....الخ.
4-الهيئة العامة بحدود 150-200 من شخصيات الشيعة العراقية, الذين تحدد مواصفاتهم بالنظام الداخلي. وأهم أعمالهم انتخاب مجلس القرار والمصادقة على النظام الداخلي المقدم من قبل مجلس القرار ولهم الأولوية في إشغال مواقع العمل في المجلس الشيعي العراقي وحلقة صلة مهمة مع القاعدة العامة للمجلس.
5-القاعدة العامة للمجلس الشيعي العراقي وتتكون من كل شيعي يدعم المشروع. ويتكفل النظام الداخلي ببيان مواصفاتهم العامة كذلك تحديد طبيعة العلاقة المتبادلة معهم)).
_________________________________
([1] ) لا يخفى أن هذه مغالطة كبيرة بنسبة التشيع إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فالمعروف أن التشيع بدأ من أفكار اليهودي عبد الله بن سبأ, الذي كان له دور كبير في قتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه والتسبب في الفتنة في أواخر عهده.
([2] ) هذه العبارة توحي بأن الشيعة حريصون على وحدة الصف مع السنة, وأن السنة هم من يقومون "بأعمال غير نافعة" تجاه الشيعة على حد تعبير الكاتب, لكن الذي تبين بعد سقوط نظام صدام وظهور الشيعة في هذا البلد مقدار ما اقترفوه من إساءات للسنة, ومقدار ما مارسه السنة من ضغط النفس.
([3] ) أحد مسؤولي المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي كان يقوده آنذاك محمد باقر الحكيم الذي قتل فيما بعد في انفجار النجف.
([4] ) الحاضرون في الجلسة السابقة أنفسهم.