مقدمة:
يضعنا كاتب المقال شاكر الجوهري أمام بعض الأسباب التي تمنع الشيعة من مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق, مع ملاحظة أن هذه الأسباب المشار إليها مثل الخشية من عودة نظام صدام أو أن مقاومة الشيعة للأمريكان ستؤدي إلى حرمانهم من الامتيازات التي منحها الشيعة لهم بعد إسقاط صدام, لا تعكس الصورة الكاملة, فإن رفض مقاومة الشيعة للأمريكان ينطلق من موقف عقائدي شيعي يعتبر أن أهل السنة أشد كفراً وخطراً من اليهود والنصارى, وأن راية الجهاد لا يجوز أن تقوم قبل قيام المهدي المنتظر عندهم.
وليت الأمر اقتصر على عدم المقاومة, بل إن علاقات الشيعة بالأمريكان تشهد تحالفاً حقيقياً, موجهاً في جزئه الأكبر ضد أهل السنة في العراق, فالسنة في نظر الشيعة هم العدو الأول والخطر الأكبر, وفي نظر الأمريكان هم الذين يقودون أعمال المقاومة ضدهم, وهي التي تعتبرها الولايات المتحدة تخريباً وتمرداً مسلحاً.
وفي المقال الذي ننقله إليكم بتصرف يضعنا المؤلف أمام حقيقة أن رفض الشيعة لأي حكم غير شيعي هو الذي سبب الانقسام في العراق, وقد تم تكرار هذا المبدأ في دول الخليج, حيث كان الشيعة بدعم من إيران يقاتلون حكومات وشعوبات بلدانهم, ويرفضون أن يحكمهم سني...........................................................................الراصد.
إن بعض حلقات النظام العربي أصبحت تعبر عن قناعة صحيحة, بقدر ما هي مستغربة, تقول بأن خروج القوات الأميركية من العراق الآن, من شأنه أن يدمر العراق, ويشعل فتنة داخلية تقود إلى تقسيم هذا البلد, والأخطر من ذلك, إن هذه الفتنة قابلة لأن تنتقل عدواها إلى بعض دول الجوار...!
تبدو المسألة غاية في التشابك والتعقيد, خاصة ونحن نقف أمام جملة حقائق تتصل بالوضع العراقي والإقليمي ممثلة فيما يلي:
أولاً: إصرار الرئيس العراقي السابق صدام حسين على العودة إلى السلطة في العراق. وتنبع أهمية هذا الإصرار من حقيقة أن صدام حسين يقود القسم الأكبر من المقاومة العراقية
ثانياً: أن المقاومة العراقية غير موحدة, وغير متجانسة من حيث التنظيم والعقيدة والسياسات والغايات والأهداف, فإلى جانب صدام حسين الذي يقود مقاومة حزب البعث, هناك مجموعات من المقاتلين السلفيين القريبين من فكر أسامة بن لادن, وهناك كذلك مجاميع من الإخوان المسلمين العراقيين الذين لم يرتضوا مشاركة أمين عام حزبهم الإسلامي العراقي في عضوية مجلس الحكم الانتقالي, وهم يشكلون القاعدة الرئيسية للجماعة والحزب في العراق.
ثمّ إن كل هذه المجاميع غير قابلة للتوحّد في إطار جبهة وطنية موحّدة لتحرير العراق, ذلك أن مرارات الماضي تزيد من تعقيد الأمور, إضافة إلى الاختلاف البيّن في الأهداف والغايات, إذ لا يمكن لغير البعثيين أن يؤيدوا عودة صدام حسين إلى السلطة, كما أن قطاعات واسعة من البعثيين قد لا تؤيد ذلك أيضاً, لكنها قد تكون الأقل فعلاً الآن, مقارنة بالمقاومة التي يقودها الرئيس السابق.
ثالثاً: وعلى الصعيد الطائفي والعرقي, فإنّه يكاد يكون هناك إجماع في صفوف الشيعة والأكراد على رفض عودة النظام السّابق, بل إن عدم مشاركة الشيعة في المقاومة على نطاق واسع حتى الآن مرده عاملان, أولهما الخشية من أن تؤدي المقاومة إلى عودة النظام السابق, وثانيهما إن الشماتة بسقوط ذلك النظام أخذت بالتفاعل مع المزاعم الأمريكية بشأن إقامة نظام حكم ديمقراطي في العراق يعتقد –خاصة الشيعة- أنه سيؤدي بشكل تلقائي إلى توليهم السلطة في عراق المستقبل.
هذا الاعتقاد تحديداً هو ما يقف وراء إصرار آية الله علي السيستاني, المرجع الأعلى للشيعة في العراق على ضرورة إجراء الانتخابات أولاً, ومن ثم نقل السّلطة للعراقيين, لكي يضمن تأثير الدور الشيعي في صياغة نظام الحكم المقبل, وخشية من أن يؤدي نقل السلطة أولاً إلى تفصيل ديمقراطية خاصة تكون وظيفتها بالأساس تحجيم الدور الشيعي في عراق الغد.
رابعاً: المخاوف التي يعبر عنها السيستاني, وهو بالمناسبة إيراني, تقابلها مخاوف معاكسة لدى دول الجوار "باستثناء إيران" وكذلك لدى الولايات المتحدة الأمريكية. وتتمثل هذه المخاوف في أن سيطرة الشيعة على نظام الحكم في العراق من شأنه أن يكرّس لحمة التحالف الإيراني-السوري, ويوسعه ليشمل العراق, مع الأخذ بعين الاعتبار امتداد هذا التحالف في لبنان من خلال حزب الله, وعدم تجاهل التحفظ السوري -لحسابات داخلية محضة- على مسألة الانقسام الطائفي, لكن مع الأخذ بعين الاعتبار إن هذا التحفظ لم يحد من تأثيرات الثورة الإيرانية على أمن دول الجوار نهاية سبعينيات القرن الماضي, وأوائل الثمانينات, إذ لعب صدام يومها الدور الحاسم والأساس لهذه الجهة, لحسابات عدة تجدر بأن تعالج يوماً بعمق.
ولئن كان الطرف الشيعي الأبرز سياسياً في العراق ممثلاً في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق يبدو الآن في موقع الحليف للولايات المتحدة من خلال مشاركته في عضوية مجلس الحكم الانتقالي, فإن ذلك يجب أن لا يغفل العيون عن حقيقتين هامتين:
-إن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق هو الأقرب من بين ممثلي الشيعة الآخرين لإيران, ذلك أنه الوحيد الذي يؤمن بنظرية ولاية الفقيه, وهو الإيمان الذي يجعل من علي خامنئي المرجعية الدينية والسياسية لهذا المجلس.
-إن الحقيقة السابقة تكمن وراء العلاقات الممتازة والمميزة التي تربط المجلس بحزب الله في لبنان, على الرغم من الافتراق الشكلي بينهما لجهة طبيعة علاقة كل طرف منها بالولايات المتحدة. ذلك أن مشاركة المجلس في عضوية مجلس الحكم الانتقالي لا يجوز النظر إليها خارج عملية التزاوج ما بين "التقية" الشهيرة, وتكتيكات تضع السلطة المستقبلية في العراق باعتبارها الهدف الأول أمام المجلس.
ثم إن الأكثر خطورة من توسع التحالف السوري-الإيراني هو تأثيراته المستقبلية المتوقعة على دول الجوار, وهي تأثيرات يجب أن تأخذ معالجتها بعين الاعتبار حقيقة أن قسوة النظام السابق في العراق لم تكن العامل الوحيد الذي أنتج الانقسامية في العراق, إذ سبقها ابتداء, ثم تفاعل معها, إصرار بعض الأطراف الشيعية في رفض ومقاومة ومعارضة أي حكم غير شيعي, وهذا يشمل العديد من دول الجوار العراقي التي سبق للثورة الإيرانية إن حركات معارضات طائفية داخلها.