التصريحات المفاجئة التي أدلى بها رجل الدين الشيعي اياد جمال الدين، لمحطة "العربية" الفضائية، كانت أكثر من خطيرة وأكثر من مداهمة، إلى الحد الذي اضطر معه مقدم البرنامج إلى تذكير الشيخ بخطورة أقواله، وتنبيهه إلى الضجة السياسية والإعلامية التي ستنتج عنها لا محالة.
والحقيقة أن الشيخ جمال الدين، وهو المفكر الشيعي صاحب الطلة المألوفة على الفضائيات منذ احتلال بغداد.. كان هادئا جدا ومتزنا وهو يدلي بهذه الآراء، وبما أعطى الانطباع بأن حديث الرجل لم يكن "فشة غل" وإنما كان يمثل إصرارا عميقا وواعيا بضرورة "تعليق الجرس"، وتحذير الإيرانيين أنفسهم من مغبة "اللعب" في العراق، وتحويل مأساة الشعب العراقي إلى ورقة سياسية للتفاوض مع الأميركان، وربما لتوظيفها في سياق "مكاسرة الارادات" التي تشهدها المنطقة. وقد أكد الشيخ تحذيره العلني، مستخدما صيغة واضحة جدا عندما قال: إن الإيرانيين "يشترون غضب وحقد العراقيين عموما والشيعة العراقيين خصوصا"!.
ولعل أخطر ما جاء في حديث رجل الدين الشيعي، هو في نفيه صفة الدولة الدينية عن إيران مؤكدا أن النظام الإيراني هو نظام براغماتي، يجيد وعن احتراف أصول اللعب السياسي، ويغلب مصالح بلاده على أي مصلحة أخرى.. وبالتالي، فإن معيار الربح والخسارة هو ما يحكم أداء الدولة الإيرانية وسياساتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية.
هذا المستوى من الحديث الصريح والمباشر وعلى السان رجل دين شيعي عراقي كبير وحاضر في الحياة السياسية في بلاده، هو بالضرورة حديث جدير بالقراءة والتحليل، ومحاولة إعادة رسم الصورة للخارطة الانتخابية والسياسية في العراق على ضوئه، خصوصا وان الرجل يتحدث عن دور إيران رئيس ومباشر في الانتخابات العراقية القادمة، وهناك إرادة سياسية إيرانية ترى ضرورة التدخل وحسم النتائج لصالح حلفائها، والهيمنة على الشيعة العراقيين أنفسهم، الذين يتبعون تقليديا إلى مرجعية محلية مستقلة وسيدة، وليست تابعة لأي مرجعية أخرى.. بل طالما كان التنافس صريحا بين المرجعيتين في "النجف" و "قم" على قيادة وتمثيل شيعة العالم.
وعلى كل حال، فإن هذه التصريحات لا تعد اكتشافا جديدا بحد ذاتها، وإنما هي تأكيد لتحليلات ومعلومات سبق وأن تناولها سياسيون ومحللون، حذروا من خطورة الدور الإيراني في العراق، في حين تكمن أهمية هذه التصريحات والآراء بالنظر إلى شخصية صاحبها ومكانته داخل أوساط الشيعة العراقيين.. وربما هي المرة الأولى التي نسمع فيها صوتا شيعيا عراقيا بمثل هذه الجرأة والصراحة في نقد الأداء الإيراني إزاء القضية العراقية، بما يعني أن ثمة ما هو جديد وخطير دفع الشيخ لاطلاق صيحته.. وعلى قاعدة "طفح الكيل".
وبعد، فربما سيجد الأستاذ حسنين هيكل في لقائه الجديد على فضائية "الجزيرة" فرصة ثمينة للرد على الشيخ جمال الدين، واتهامه بالعمالة للاميركان والتواطؤ على تدمير العراق، وسيكون حريا بالأستاذ هيكل، أن يعيد قراءة موقفه ويعيد النظر بآرائه، وقد يكون لدية متسع كاف للتراجع.. أو مواصلة الهجوم على كل من يحذرون من خطورة إفقاد العراق لعروبته وسيادته الوطنية.
___________________________
عبدالله أبو رمان الرأي 8/ا/2005