آخر تحديث للموقع :

الجمعة 2 رمضان 1444هـ الموافق:24 مارس 2023م 02:03:48 بتوقيت مكة

جديد الموقع

البراءة من الشيعة المزورة : ثقافة المفاسد (1-2) ..
الكاتب : عبدالهادي التميمي ..

عرف الانسان أنواعا متعددة من العقائد والتيارات الفكرية في مناحي الحياة المتنوعة والكثيرة، منها السياسية، كالشيوعية والرأسمالية مثلا، والاقتصادية، مثل الفكر الرأسمالي والاشتراكي، والفني والادبي، كالواقعية والسريالية والالتزام والتجريد والحداثة، وغيرها بالعشرات. ومنها العقائد الدينية التي أوحى بها رب العالمين الى رسل وأنبياء فأنزل الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والاسلام، وبعضها معتقدات صاغها رجال خارقو الذكاء لتنظيم مجتمعاتهم في سياقات تنشد الخير وسلاسة الحياة فيها، كالبوذية والهندوسية وغيرها. ولعل الديانات السماوية هي الوحيدة المعصومة القدسية التي لا يمكن لبشر أن يعدلها أو يغيرها لتناسب الاهواء والمصالح. وحتى طوائف الاديان، السنة والشيعة مثلا، لا يمكن أن تغير في أساس الدين ورسالته ونهج نبيه [ وسنته التي تشكل دستورا متكاملا لحياة انسانية على الارض.

غير أن المسرح السياسي والديني في العراق يقدم لنا منذ عامين، بل ومنذ أكثر من عشرين عاما، مشاهد تستعصي على الفهم والتصديق وتتعارض مباشرة، بل تنتهك العقيدة الدينية، في الاساس والطائفة، التي تحرم، مهما كانت المبررات والحجج، مساندة أجنبي ضد المسلمين وبلاد المسلمين. وقد نكون، نحن الشيعة العراقيين، من أشد "المعذبين" الذين يشعرون بمرارة ذلك التعارض والانتهاك الذي يمارسه أشخاص نصبوا أنفسهم "قادة" للشيعة العراقيين ويتخذون قرارات ويعقدون تحالفات باسم "الشيعة"، جلبت أغلبها وبالا على "الشيعة" والعراق بأجمعه. بل ان تلك القرارات التي تنتهك أحكام الدين الاسلامي "تحشرنا"، نحن الشيعة، من العامة والمثقفين، في زاوية الاتهامات وترهقنا تساؤلات أبناء ديننا وجلدتنا المرتابة، ليس دينيا فحسب، وانما وطنيا وانسانيا. وقبل الاسترسال: ما هي خريطة الشيعة سكانيا وجغرافيا في العراق؟

يوجد الشيعة، وهم أساسا من الطائفة التي تسمى أحيانا الامامية أو الجعفرية، في جميع انحاء العراق من أقصى نقطة في أم قصر على ثغر الخليج جوار الكويت وحتى أبعد نقطة في الشمال ومن الشرق حيث تخوم ايران والحدود السورية الاردنية. ولكن كثافتهم السكانية تتفاوت بين غالبية قد تصل الى %98 في النجف، حيث ضريح الامام علي بن ابي طالب الخليفة الرابع، والكوفة، حيث دار الامام علي وآخر بيت للخلافة الراشدية، و%95 في كربلاء، حيث مرقد الامام الحسين بن علي بن أبي طالب، والمناطق المحيطة بها، وبضعة أفراد في الرطبة والرمادي والفلوجة وهيت وعانة والقائم على الحدود الغربية، مرورا بالعاصمة التي يصل تعداد الشيعة الى النصف أو أكثر من سكانها الذين يقدرون بخمسة ملايين نسمة، والبصرة التي يصل تعداد سكانها الى مليوني نسمة. وبذلك لا توجد منطقة محددة جغرافيا محصورة على السكان الشيعة مثلما لا توجد مناطق مخصصة أو محددة حصرا للسنة أو الاكراد، رغم ان غالبيتهم يعيشون شمال العراق، أو المسيحيين أو غيرهم من الطوائف والعرقيات.

ومن الناحية العرقية هناك ثلاثة أنواع من الشيعة: أولها وأكثرها عددا وكثافة سكانية هم الشيعة من العرب االذين يشكلون الغالبية العظمى من الطائفة الشيعية في العراق، ويقال إن الشيعة عموما يشكلون ما بين 60 و%65 من سكان العراق، أي حوالي 15مليون نسمة. والنوع الثاني هم الشيعة الاكراد، أو ما يسمى الاكراد الفيلية، وعددهم قد لا يتجاوز المليون نسمة ومناطق تواجدهم الرئيسية في الكوت والعمارة في وسط العراق وديالى، كلها متاخمة لايران. واعتبرتهم الحكومات العراقية على انهم أكراد ايرانيون أقاموا في العراق عبر العصور. وقد تعرضوا لموجتي تسفير الى ايران الاولى في بداية السبعينيات إثر المحاولة الانقلابية التي أعدتها إيران والولايات المتحدة الامريكية مع شخصيات عراقية، والثانية في بداية الثمانينيات عقب التفجيرات التي قام بها اتباع حزب الدعوة، الذي يرأسه الآن ابراهيم الجعفري - ومجموعات شيعية ضد مرافق حكومية ودور سينما في الاعظمية واجتماعات طلابية في الجامعة المستنصرية وموكب تشييع جنازة القتلى في الوزيرية عام 1980.

أما أصول النوع الثالث من الشيعة من سكان العراق فتعود الى ايران والفرس. ولايوجد أي شك أو اعتراض على ذلك. ولكن هذا النوع ينقسم الى فئتين: الاولى الذين اكتسبوا الجنسية العراقية، مثل البعض من أفراد عائلة الحكيم، والطباطبائي وكاشف الغطاء، والثانية من الذين احتفظوا بجنسيتهم الايرانية ولكنهم عاشوا في العراق وانتفعوا من خدماته ومؤسساته التعليمية والتجارية والصحية، مثل علي السيستاني. ويصل عدد الفئتين الى حوالي نصف مليون نسمة وكانوا يسيطرون على اهم المفاصل التجارية في العراق وخصوصا في منطقة الوسط والجنوب ذات الاغلبية الشيعية اضافة الى السيطرة على الحوزة الدينية في النجف التي تعتبر مرجع الطائفة الشيعية. وباستثناء مرجع عربي أصيل واحد هو السيد محمد صادق الصدر والد السيد مقتدى الصدر الحالي، فان محسن الحكيم والخوئي والسيستاني هم من هذه الفئة. لابد من الاشارة الى ان التقارير تتحدث عن أربعة مراجع حاليين في العراق، جميعهم غير عرب أو عراقيين، أحدهم إيراني هو السيستاني وآخر متجنس هو محمد سعيد الحكيم واثنان اخران احدهما أفغاني الاصل والآخر باكستاني الاصل. وقد قامت الحكومة العراقية السابقة، إثر أحداث 1980 بتسفير حوالي مئة ألف من اتباع الفئة الثالثة من الشيعة في العراق "الفئة الايرانية"، الى ايران على أساس أنهم ايرانيون أو أصولهم ايرانية واعتبرتهم طابورا خامسا للحكومة الاسلامية الايرانية بقيادة الخميني.

ومما يثير الانتباه أن "الفئة الايرانية" هي التي تسيطر على الشؤون الدينية للشيعة مستغلين العواطف الدينية تجاه حوادث النزاع الديني على الخلافة في عهد الامام علي والامام الحسين ومقتلهما، ومستثمرين الشعور "بالمظلومية" السياسية والتحريض ضد الدولة وانظمة الحكم وتعميق ذلك الشعور بالمظلومية. كما انها تحتفظ بروابط وثيقة وتنسيق مع ايران كمؤسسة حكم ودين على حد سواء. والملاحظة الاخرى ان هذه الفئة كانت دائما تتوصل الى اتفاقات مع الاجنبي، البريطانيين في عام 1923 التي عاد على اثرها رجال الدين الشيعة من ايران الى النجف وكربلاء بشرط ان لا يبتعدوا عن السياسة، والاتفاق الحالي مع الولايات المتحدة الامريكية على غزو العراق واحتلاله.

البراءة من الشيعة المزورة: ثقافة المفاسد (2-2)

تسيطر على مقدرات الشيعة في العراق اقتصاديا ودينيا وسياسيا الفئة الثالثة من أنواع الشيعة, أي الفئة الايرانية التي لم تحصل على الجنسية العراقية أو متجنسة, وتشكل قيادات تلك الفئة حاليا, مثل السيستاني, غير المتجنس, وعبدالعزيز الحكيم, رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية, الذي أسسته المخابرات الايرانية في طهران عام 1982 بعد تسفير علئلة الحكيم لتبعيتها الايرانية اثر سلسلة الاعمال الارهابية والتفجيرات التي ارتكبتها مع حزب الدعوة, رئيسه الحالي ابراهيم الجعفري, ضد دور السينما والجامعات وحتى مواكب تشييع الطلبة في بغداد وغيرها من المدن العراقية عام 1980, تحالفا وثيقا مع النظام الايراني.

وأحدث الادلة على ارتباط تلك الفئة ايرانيا ان عبدالعزيز الحكيم صرح في المانيا عندما كان رئيسا دوريا لمجلس الحكم الانتقالي الذي عينته قوات الاحتلال الاميركية, انه يجب على العراق أن يدفع الى ايران مئة مليار دولار تعويضات عن حرب السنوات الثماني 1980-1988. لا أعتقد أن انسانا عاقلا يمكن ان يصدق ان رئيس دولة يقدم ثروات بلده وقوت شعبه دون وجه حق , لبلد اخر بالمجان. ربما السبب الرئيسي ان العراق ليس بلد الحكيم والشعب العراقي ليس شعبه. وعندما انتقد وزير دفاع الحكومة المؤقتة حازم الشعلان المد الايراني ودور المخابرات الايرانية في العراق ووصف القائمة الانتخابية الموحدة التي جمعت قادة الفئة الايرانية من الشيعة مع أحمد الجلبي, بانها قائمة ايرانية, سارع عبدالعزيز الحكيم بجولة زيارات الى سوريا والسعودية والكويت "لتطمينها" على نوايا القائمة الموحدة ودورها المستقبلي في العراق.

وكي لا ننسى: ان المفاوض الرئيسي الذي قام بالمباحثات والاتفاقات مع الادارة الاميركية في واشنطن وطهران, اضافة الى محمد باقر الحكيم, هو عبدالعزيز الحكيم, وشارك معه حامد البياتي (وهو أسم حديث للتغطية على اسمه الايراني الاصلي) الذي يشغل منصب وكيل وزارة الخارجية العراقية. قد يجد البعض الامر غريبا ولكنها حقيقة ان الجمهورية الاسلامية التي تصف الولايات المتحدة لفظيا بالشيطان الاكبر استضافت لقاءات احمد الجلبي والقادة الاكراد, جلال الطالباني ومسعود البارزاني, و محمد باقر الحكيم وعبدالعزيز الحكيم ومسؤلين ايرانيين, للتنسيق وحشد امكانيات لتسهيل الغزو الاميركي للعراق والمساهمة الفعالة عسكريا وسياسيا واعلاميا في احتلاله. وقد أجريت لقاءات اعلامية مع محمد باقر وعبدالعزيز والمدعو البياتي والجعفري, أوضحوا خلالها مناقشاتهم وخططهم المساندة للاحتلال, وبينها ارسال قوات فيلق بدر, الذي يسميه العراقيون الان فيلق غدر لاغتياله العلماء والشخصيات العراقية, الى الجبهة الشمالية من السليمانية الى دوكان وحشدها في مواجهة خانقين وديالى والعمارة والكوت والبصرة عند منطقة الشلامجة.

 في الوقت نفسه كانت شخصية اخرى من شخصيات الفئة الايرانية من الشيعة في العراق, عبدالمجيد الخوئي, يتفق مع البريطانيين على غزو العراق واحتلاله. ولكن الخوئي قتلته, حال احتلال العراق, مجموعة هائجة من الشيعة في النجف بعد وصوله اليها على متن طائرات عسكرية بريطانية خاصة نقلته الى الناصرية ومن ثم الى النجف, اثر لقاءه الاخير مع رئيس وزراء بريطانيا توني بلير.

والقائمة التي قدمها "الشيعة" لخوض ما يسمى بالانتخابات يرأسها عناصر الفئة الايرانية مثل الحكيم والجعفري وحسين الشهرستاني. وقد ساند السيستاني هذه القائمة وأفتى بان عدم التصويت في الانتخابات حرام. وطالما ان الاكراد والشيعة "الايرانيون" هم الذين سيصوتون في الانتخابات فان البرلمان العراقي سيكون كرديا لشمال العراق وايرانيا بالانابة لعموم العراق. وقائد العراق القادم ايراني اسمه, على الاغلب, حسين الشهرستاني الذي قدمته الفئة الايرانية على أنه عالم نووي عراقي ومعارض سياسي لحكم الرئيس صدام حسين. ولدى الكاتب معلومات موثقة ان الشهرستاني ايراني الاصل وأن الرئيس صدام حسين أرسله في بعثة دراسية على حساب الحكومة العراقية الى كندا للحصول على شهادة الدكتوراة. وعندما عاد الى العراق عمل في معهد الطاقة الذرية, وليس في المفاعل الذري, ولكن تسفير ذوي الاصول الايرانية عام 1980 شمل عائلته. ولم يسفر الشهرستاني وانما احتجز في العراق مع عدد أخر من الشخصيات ذات المواقع الحساسة من ذوي الاصول الايرانية, الذين سفرت عوائلهم, حفاظا, كما كان يقول النظام السابق, على سرية أمن العراق. لم يكن معارضا سياسيا وأطلق سراحه في عفو عام 1991 فانضم الى عائلته في ايران التي عمل في مفاعلها النووي قبل ان يغادر للعيش في بريطانيا.

ان تصرفات وسياسات الفئة الثالثة من الشيعة "الفئة الايرانية" تتعارض دينيا ووطنيا واخلاقيا مع تعاليم الاسلام, ولم تنهج مسيرة قادة شيعة اخرين, مثل المرجع اللبناني محمد حسين فضل الله, الذين أفتوا بتحريم مساعدة الاجنبي ضد العراق وبلاد المسلمين. وللمقارنة لا يمكن على الاطلاق أن يتصور انسان سوي أن يقف الامام علي (رض) أو الامام الحسين (رض) مسرورا مع جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة, مثلما فعل محمد بحر العلوم, الايراني الاصل, في عامي 1990 و1991 والى جوار بول بريمر, الحاكم الاميركي للعراق, مثلما فعل بحر العلوم وعبدالعزيز الحكيم, وهو الاخر ايراني الاصل, في مجلس حكم نصبه الاحتلال بعد احتلال العراق في ابريل من عام 2003, والقوات الاميركية تدمر بلاد المسلمين وتفتك برجالها ونسائها وأطفالها في العراق وغير العراق.

وانا برئ من هذا النوع من الشيعة ولو كانت الشيعة حزبا سياسيا لتبرأت منها بالمطلق ولكنها عقيدة تقع في جوهر الايمان بالاسلام والله والرسول. وبالتاكيد ان الفئة الايرانية لا تمثل مصالح أو طموحات الشيعة العراقيين الدينية والوطنية والاخلاقية, وسنبقى محشورين في زاوية الاتهام الوطني بفعل فئة أجنبية ضالة. انها فئة أقلية تسيطر على مقدرات الشيعة والعراق, ولكن شيعيتهم مزيفة وتفسد الدين والاخلاق.

__________________________

* كاتب ومحلل سياسي
[email protected]

عدد مرات القراءة:
2253
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :