الكاتب : د. غالب الفريجات
ثورة الخميني المجوسية جاءت وفق سيناريو غربي ، بعد شعور تام بان نظام الشاه قد فقد قدرته على اداء دوره في خدمة اهداف سادته في واشنطن وتل ابيب ، فكان لا بد من التحول عنه الى قوى سياسية ايرانية تسير في ركب السياسات الامبريالية الصهيونية على حساب المنطقة والاهداف العربية ، بحيث تم التغيير في الشكل لا في المضمون السياسي للنظام ، ولا مانع من ان يطرح هذا الشكل السياسي نفسه باللغة التي يراها قادرة على تحقيق اهدافه ، سواء لبست هذه اللغة الثوب الديني او الثوب الماركسي ،او ثوب ثوري مزركش بالالفاظ والجمل الثورية الفارغة من المحتوى والمضمون .
جاء نظام الخميني في ظل رعاية وحماية امبريالية غربية كانت واضحة اشد الوضوح وبشكل خاص بعد مغادرة الخميني ارض العراق وحماية فرنسا له في احدى ضواحيها ، وقد تطوعت الاذاعة البريطانية B.B.Cلخدمته في نشرواذاعة كل ما يصدر عنه في معقله الجديد في باريس ، ورفضت الولايات المتحدة الوقوف الى جانب الشاه ، وحتى استقباله ، وهو الذي وضع كل مقدرات ايران تحت تصرفها ، ورحلة الطائرة من باريس الى طهران والتي حلقت في سماء طهران دون ان تخشى رصاصة من جندي من جنود خامس جيش في العالم ، ودولة ومؤسسات في كل مفصل من مفاصلها هناك عميل للمخابرات الامريكية المركزية و قد بلغ عدد هؤلاء العملاء ما يزيد عن اربعين الفا .
الشعوب الايرانية كانت ترزح تحت خط الفقر والامية ، فالثروة النفطية الايرانية يلعب بها الشاه لخدمته واسياده في البذخ والانفاق على التسليح ليكون الخط الدفاعي الاول للولايات المتحدة الامريكية في موا جهة الاتحاد السوفيتي ، ورجال البازار ، ورجال الدين هم المنتفعون من الثراء الايراني بعد الشاه وحاشيته ، وامام هذا الوضع الماساوي للشعوب الايرانية برز التاييد الكبير للاحزاب والحركات التقدمية وذات الطابع الاشتراكي وفي مقدمتها حركة مجاهدي خلق ، وبدلا من ان يلتفت النظام الى اوضاع الشعوب الايرانية ، اخذ يفتعل المواقف ويبتدع الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من فقر وجوع جماهير الشعب التي تاقت للخلاص من النظام الملكي وتحملت في سبيل ذللك الكثير من التضحيات ، ولان ثورة الخميني لا يهمها الشعب ولا مصالحه ، حيث اهم اهدافها هو المحافظة على مصالح الاسياد في واشنطن ولكن في ثوب جديد مزركش بالجمل الثورية والشعارات الرنانة التي تبهر الجماهير وتعمل على تخديرها ليسهل قيادتها وتوجيهها بالاتجاه المرسوم ، فمن غير المعقول ان تاتي اول حكومة للثورة وفيها اهم ثلاثة مناصب هي وزارة الخارجية ، ووزارة الدولة والناطق الرسمي ، ووزارة الدفاع ، لاشخاص يحملون الجنسية الامريكية ، هذه حكومة لا يمكن ان تضع خطط وبرامج تاتي على انقاض نظام الشاه تخدم غير اسياد الشاه انفسهم وهم الامريكان ، هؤلاء هم اسياد الثورة ذاتها ، وامريكا لا يهمها اي تغيير الا اذا كان هذا التغيير لخدمة مصالحها وبشكل خاص في بلد مثل ايران بموقعه وامكانياته المادية والبشرية .
بدات الثورة بدلا من الالتفات الى مصالح الناس التي جاءت كما تدعي لمصلحتهم ، بالاهتمام بما هو يبعد كل البعد عن هذه المصالح ، فافتعلت حادثة الرهائن لتبقى الجماهير الايرانية مشدودة بالاتجاه الذي تريد ، وما يقرب من عام ونصف على موضوع الرهائن في السفارة الامريكية قد افاد وخدم السياسة الامريكية ، وجاء بنتائج سلبية على مصالح الشعوب الايرانية ، وان من قام بعملية الرهائن هم من اكثر الناس بعدا عن فهم رسم وتحقيق الاهداف التي ترنو اليها الشعوب الايرانية ، اذ كانت النتيجة صفقة بين رموز الثورة والحزب الجمهوري اليميني في امريكا لخدمة اسوا رئيس في حياة الولايات المتحدة واكثر رئيس جهالة في السياسة والمعرفة – دونالد ريجان – الذي حمل اكثر المشاريع العسكرية عدوانية اتجاه العالم ، والذي مهد لبداية بروز اسوا حركة سياسية تقود البيت البيض والمتمثلة بالمسيحية الصهيونية .
استفادت الولايات المتحدة من عملية الرهائن التعاطف الدولي ، واعطتها الفرصة في مصادرة الاموال الايرانية في البنوك الامريكية ، ومطاردة كل العناصر الايرانية التقدمية ومحاصرة ايران اقتصاديا ، وكانت فوائد الشعوب الايرانية من تلك العملية المزيد من المعاناة على الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
بعد ان استنفذت الدولة شعاراتها في عملية الرهائن ، جاء شعار تصدير الثورة ، حيث يهم الثورة ان تضم خيراتها وبركاتها على الجيران ، وهي التي زادت في بؤس الشعوب الايرانية ، وارادت من ذلك الانتقام من العرب والمسلمين خدمة لمصالح الاسياد في واشنطن وتل ابيب في حرب دامت ثماني سنوات ، رفضت الثورة فيها كل منادات العراق بوقف اطلاق النار ، ولكن دون جدوى ، حتى كانت النهاية تجرع كاس السم من قبل الخميني نفسه لاضطراره الموافقة على وقف اطلاق النار بعد ان انهزمت جيوش مفاتيح الجنة امام الجيش العراقي في معارك المواجهة بين الجانبين، وقد تخلل هذا الحرب كشف العلاقات التسلحية بين نظام الثورة في طهران والكيان الصهيوني في تل ابيب ، ومدى الحقد الفارسي الذي كان لدى الخميني وزمرته على العرب والمسلمين في السعي للسيطرة على المنطقة العربية من خلال الهيمنة على العراق كاكبر قوة عربية في مواجهته ، كما كشفت الحرب ان الرموز الطائفية ذات اهداف مشتركة في المنطقة وقد اصطفت معا وبشكل خاص في منطقة آسيا العربية ، و كانت تحت الستار من السرية و تعمل لخدمة المصالح الأمريكية ، حيث كانت رموزها تطرح الشعارات الثورية العلنية ضد أمريكا ، و لكن هناك الاتفاقيات السرية مع الولايات المتحدة في لبنان و غيرها ، و كشفت الحرب زيف الشعارات التي كان الخميني يطلقها ضد الشاه بعد احتلاله للجزر العربية الثلاث ، طنب الكبرى ، طنب الصغرى ، أبو موسى ، التابعة لدولة الامارات العربية المتحدة ، و التي أعلى النظام الخميني تمسكة بها و رفض الأنسحاب بها ، و فيما يتعلق بفلسطين كانت عملية اغلاق السفارة الاسرائيلية و احلال السفارة الفلسطينية اكثر عمليات النظام كذبا و افتراء على الحقيقة ، حيث لم يسمح للسفارة الفلسطينية ممارسة أي دور على ارض ايران بالاضافة الى أن العلاقات السرية التي كان يقيمها مع تل أبيب و تلقي السلاح من الكيان الصهيوني لمحاربة العراق قد كشفت زيف هذه المحاولة الاعلامية البهلوانية التي أراد منها التقرب الى العرب و المسلمين في الوقت الذي يعمل على محاربتهم وعدم السماح لوجود اي تفاهم عربي اسلامي لخدمة القضايا العربية و الاسلامية ، فكيف سيحرر فلسطين ، وبني صدر رئيس جمهوريته يقول اذا اراد الجيش الايراني أن يزحف على بغداد فلن يستطيع أحد أن يمنعه ، هذا الجيش الذي وجد لخدمة أسياده في واشنطن وتل ابيب ، ثم من قيام الثورة الايرانية وما يقرب من ربع القرن ، هل يستطع أحد أن يؤشر على أي دعم للثورة الفلسطينية أو الشعب الفلسطيني باستثناء الكلام الفارغ الخالي من أي مضمون ، أما دعم حزب الله في جنوب لبنان فهناك أحاديث سرية تكشف زيف هذا الادعاء في الدعم ، و الأهداف الايرانية من وراء ذالك ، و حزب الله نفسه ولامجال للحديث فيها. مع انهاء الحرب الايرانية ضد العراق و هزيمة زمرة الخميني في عام 1988، بدأ النظام الايراني يرسم سياسات جديدة لخدمة ذات الأهداف ، و هي اختراق الدول العربية ، و خلق القاعدة من النفوذ للهيمنة و السيطرة على مجريات الأحداث في هذه الدول ، و لهذها فقد اعتمدت هذه السياسات جانبين : الدبلوماسية و العسكرية ، فقد أخذت البعثات الدبلوماسية الايرانية تتحرك في هذه الدول تحت يافطة المعارض التجارية أو الثقافية لنشر أفكار و مبادئ النظام الايراني _ الفارسي المجوسي _ لأنه لو كان ايرانيا حقيقيا لاعترف بحقوق الشعوب الايرانية الأخرى من غير الفرس ، ولهذا فانه نظام فارسي أكثر منه ايراني ، و لأنه يعادي الاسلام و يعمل على ضرب الدول العربية و محاولة الهيمنة و السيطرة عليها ، فانه ليس للاسلام في شيء ، و هوأقرب لعقيدة الفرس قبل الاسلام – وهي المجوسية - .
ان نشاط البعثات الدبلوماسية الفارسية ليس له مثيل في النشاط الا نشاط البعثات الصهيونية والامريكية ، وهذه ذات اهداف واضحة ومحددة ولها برامج وسياسات تريد تطبيقها على اراضي الدول التي تقيم عليها
واية دولة لا تسعى لتحقيق اهداف سياسية من وراء اقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الاخرى لا تسعى لا نشطة ثقافية ومعارض تجارية وبرامج دينية ، فالبعثات الدبلوماسية الفارسية على نهج وخطى حليفتها الامريكية والصهيونية وهي جميعها ذات اهداف ومطامع في المنطقة العربية ، وقد تلتقي اهدافها ومصالحها بدلا من ان تتعارض فيمنع احداها الاخرى امام تضارب المصالح .
لننظر ماهو موقف ايران الفارسية اثناء الحرب مع العراق في الساحة الاردنية، وما هو الدور الذي تلعبه البعثة الدبلوماسية ، مغلفا بالالفاظ المعسولة الذي يسير على نهج المدرسة الباطنية التي تظهر خلاف ما تبطن ولننظر السياسة البراجماتية مع مصر ،فايران تعرف حجم مصر ولابد من اختراق الجبهة المصرية ، واي سياسة يمكن ان يطمئن لها الانسان القابلة للتبدل والتغيير وفقا لما يخدم المصالح بعيداعن الشعارات التي تم طرحها في الماضي ، انظر الى شارع خالد الاسلامبولي وتغييره الى شارع فلسطين حرة ، وشارع محمد الدرة ،وقد يأتي اليوم الذي تتم فيه تسميته بشارع شارون .
اما عن دول مجلس التعاون فالاختراق جارعلى قدم وساق، في البحرين بشكل واضح ومكشوف ، وكذلك في الكويت والامارات وقطر،اما عن السعودية فالمنطقة الشرقية يتم اعدادها لاخراج حزب الله الجديد كما هو في لبنان ليمثل واجهة الاختراق الفارسي في السعودية .
أمام تنامي القدرات العسكرية بعد هزيمة ايران أمام العراق ، سعت ايران لاسلوب آخر غير اسلوب المواجهة ، فاذا كانت غير معنية لا بالولايات المتحدة و لا بالكيان الصهيوني ، لتحدي مخططاتهما في المنطقة ، فلماذا لا يتم اقتسام النفوذ معهما و بشكل علني وبدون مواربة كما حصل مع الخميني ، و بعد انتهاء الحرب مع العراق ، أخذت خيوط اللعبة الامريكية الايرانية الصهيونية تتكشف ، و يمكن رصدها من خلال مايلي :-
· بدأ الغزل الأمريكي الايراني مبكرا و لكن ظهر بشكل واضح في زمن كلنتون .
· قدمت ايران خدمات جليلة للولايات المتحدة في حربها الأولى ضد العراق عام 1991 ، من خلال استغلال الحرب لدفع آلاف من الغوغائيين عبر حدودها الى المحافظات العراقية الجنوبية من اجل القتل و التدمير ، و شل قدرة الدولة العراقية اثناء العدوان .
· رفضت اعادة الطائرات العراقية الحربية المودعة لديها قبل بدء العدوان .
· ساهمت و بشكل كبير في الحصارعلى العراق .
· قدمت خدمات كبيره جدا للولايات المتحدة في حربها ضد أفغانستان و ضد حكومة طالبان و منظمة القاعدة .
· اتفقت سرا مع الولايات المتحدة و عبر وكالة المخابرات الامريكية المركزية في جنيف على دعم غزو العراق عام 2003
· دفعت بالآلآف من المخابرات الايرانية لعبور الحدود مع العراق تحت سمع وبصر قوات التحالف .
· عطلت دور منظمة المؤتمر الاسلامي و هي التي رأستة ولمدة ثلاث سنوات لاتخاذ أي موقف ايجابي في رفع الحصار الاقتصادي عن العراق .
· دفعت بعملائها من آل الحكيم و تنظيمهم و حزب الدعوة و عناصره الى العراق تحت سمع و بصر قوات التحالف .
· تقوم بتعطيل دور الطائفة الشيعية في جنوب العراق من خلال الرموز الدينية و السياسية المرتبطين بسياساتها بعدم التعرض لقوات التحالف .
· أول من أعترف بمجاس الحكم العراقي العميل الذي قامت حكومة الولايات المتحدة بتشكيله في العراق .
كل ذلك و هي ترفع يافطة الشيطان الأكبر قاصدة بذلك الولايات المتحدة الأمريكية .
هذا النوع من الحكومات وهذا النمط من السياسات لا يملك من الاسلام الذي يدعيه ما يعادل خردلة ، فالممارسات الفارسية اكثر خطورة من الامريكية والصهيونية ، حيث هذه الاخيرة تم تشخيصها بانها معادية للامة في دينها وعروبتها ، اما السياسات الفارسية فلا تزال ترفع الشعارات الدينية على الطريقة الباطنية التي تظهر خلاف ما تبطن ولا بد من الحذر الشديد من مثل هذه السياسات المعادية ، سواء في دول الخليج العربي والجزيرة او بلاد اسيا العربية ، سوريا ، والاردن ، ولبنان ، وفي مصر ، ولا اعتقد ان تلهف النظام الفارسي لاقامة علاقات مع مصر،الا محاولة مستميتة لاختراق الجبهة المصرية، حيث ان مصر ذات ثقل كبير في النظام العربي الرسمي ولا بد من اختراقه ان لم يكن السيطرة عليه ، فعلى الاقل يتم تحييده في عدم وقوفه في وجه المخططات الفارسية بحق دول المنطقة ، وقد تكون هناك استرتيجية جديدة للتحالف معه لخدمة المصالح الامبريالية الامريكية في المنطقة العربية .
لقد تم اختراق سوريا و لبنان منذ فترة طويلة ، و الأردن على قدم وساق تقوم البعثة الدبلوماسية الفارسية في تحقيق أهدافها ، وعلى صعيد الثورة الفلسطينية يتم الغزل مع حماس وحركة الجهاد الاسلامي ، وفي دول مجلس التعاون مثل الكويت و البحرين و الى حد ما الامارات فالقاعدة الفارسية للاختراق ذات قدرات لا يستهان بها ، وا ما السعودية فالمنطقة الشرقية لها دور مع حزب الله جديد كما اسلفنا سابقا، لذا لابد من اختراق مصر ، و سنرى في الأيام القادمة نشاطات اعلامية و تجارية و ثقافية و سياسية على أرض الكنانة ، لخدمة السياسة الفارسية ، او نوعا جديدا من التحالفات في المنطقة تشمل كلا من مصر وايران والكيان الصهيوني تحت الرعاية الامريكية ، يتم فيها تقاسم الادوار والخدمات ، بحيث يكون النظام المصري عرابا للسياسة الصهيونية في المجال الفلسطيني ، والنظام الفارسي عرابا للسياسةالامريكية في المجال العراقي ولدى حزب الله في لبنان ، وفيما يتعلق بسوريا فان العرابين كثر ومن كل الاطراف الايرانية والمصرية والمحطة الجديدة تركيا الاسلامية، فهل نحن واعون لهذه المخططات التامرية ذات الابعاد الامريكية والصهيونية وفي جانب كبير فارسية .