آخر تحديث للموقع :

الأربعاء 29 شعبان 1444هـ الموافق:22 مارس 2023م 02:03:41 بتوقيت مكة

جديد الموقع

صراع المرجعية والاحتلال ..
الكاتب : ظافر العاني

ترى هل يستطيع شيخ جاوز الثمانين من عمره، ويقبع في زاوية بأحد البيوت العتيقة في النجف الأشرف، أن يقف نداً لقوى الاحتلال في العراق بكل أسلحتها وجنودها ودهاتها؟ وما هي تلك القوة الطاغية التي يمتلكها بحيث أن واشنطن باتت متهيبة من كلمة قد يقولها هذا الشيخ فيقلب الموازين كلها؟ ولذا تبادر الإدارة الاميركية إلى الإسراع باستدعاء السفير بول بريمر للتشاور وإياه عن السبل التي تكفل لها تجاوز أزمة خلقها لها أية الله العظمى السيد علي السيستاني.

مع أن الكثيرين يعتبرون السيستاني من المرجعيات التي تنتمي إلى المدرسة الفقهية «الإخبارية» التي ترى وجوب أن يقتصر عمل رجال الدين على شئون الوعظ والإرشاد، والتأني عن السياسة وأحابيلها، إلا أن السيد يبدو وكأنه اقتنع بأن الأمور وصلت إلى حد لا يمكن السكوت عنه، خصوصاً في ظل فراغ السلطة والفوضى الضاربة إطنابها في العراق والذي أصبح مفتوحاً على كل الاحتمالات، الأمر الذي دعاه لان يستثمر موقعه الديني الجليل لتثبيت مطالب سياسية وطنية إزاء قوى الاحتلال. خصوصاً وان سماحته كان قد صرح في الأيام الأولى للاحتلال بأنه سيمنح المحتلين فرصة للثبات حسن طويتهم في تحقيق الأهداف التي أعلنوا عنها في الديمقراطية والرخاء. ويبدو أن قوات الاحتلال قد فشلت في اختبار النوايا الحسنة، مما حدا بالسيستاني إلى المبادرة بإعلان رؤيته لمستقبل العراق السياسي.

وجوهر ألازمة الراهنة، هو أن السيستاني يعتقد بأن آليات خطة نقل السلطة للعراقيين التي اتفق عليها مجلس الحكم وقوات الاحتلال منتصف نوفمبر الفائت لا تحوز الشروط الموضوعية لانتقال السلطة للعراقيين على نحو شرعي وعادل. إذ أن آلياتها تعتمد التعيين وليس الانتخاب، وتجري بإشراف مباشر وسيطرة من قوى الاحتلال ومجلس الحكم، وبالتالي لا يمكن الاطمئنان إلى نتائجها، والى المؤسسات التي ستنبثق عنها. من هنا يأتي إصرار السيستاني على ضرورة نقل السلطة من خلال انتخابات حرة ومباشرة، وبأنه لن يقتنع باستحالة إجرائها إلا إذا أصدر أمين عام الأمم المتحدة توصية بذلك.

وقد خيل إلى السفير بريمر أن من السهولة بمكان إقناع السيستاني وحمله على تغيير موقفه خصوصاً وان أعضاء مجلس الحكم ظلوا يرددون تباعاً مقولة دونما ملل «إن الانتخابات مطلب الجميع، لكن الظروف الأمنية والفنية تحول دون ذلك» كما وأنهم دأبوا على زيارة السيد في محل أقامته لثنيه عن موقفه.

وقد فاجأ السيستاني الجميع بإصراره على موقفه دونما نكوص مدعماً رأيه بأن المشكلات الأمنية والفنية من الممكن تجاوزها، فغياب الأمن في بعض مناطق العراق لا ينبغي أن يعتبر الشماعة التي تعلق عليها مبررات رفض الانتخابات، إذ كثيراً ما جرت الانتخابات في دول تعاني ظروفاً كالتي يعيشها العراقيون إن لم تكن أسوأ. ثم أن البطاقة التموينية التي عملها نظام صدام تضمن إحصاء دقيقاً لا يتجاوز الخطأ فيه نسبة 5,0%، أما العراقيون في الخارج فإنهم يستطيعون الإدلاء بأصواتهم لدى الممثليات العراقية، قد لا تكون الانتخابات مثالية لكنها بالقطع أفضل بكثير من فكرة التعيين التي يمكن أن تدخل البلد في نفق مشاحنات ومنافسات وطعون في شرعية المعنيين وصدق تمثيلهم للجمهور.

لكن الإدارة الاميركية لا تبدو مرتاحة لفكرة الانتخابات لأنها على الأرجح ستأتي بمرشحين لا تسهل السيطرة عليهم وربما يربكون خططها المقبلة، خصوصاً وان من أوائل مهام الحكومة المقبلة توقيع اتفاقية لتحويل قوات الاحتلال إلى «قوات صديقة». والظروف الراهنة للعراق قد تولد لهم ألف سيستاني وستدفع بالقوى الدينية إلى واجهة العملية السياسية فيما سيتراجع دور الشخصيات والأحزاب الممثلة حالياً في مجلس الحكم.

وكم كان مثيراً للاهتمام أن تحظى تصريحات السيستاني بهذا التأييد الجماهيري الواسع بحيث خرج في البصرة لوحدها مئة ألف متظاهر يعلنون تأييدهم لمواقفه. وكان هذا أشبه بناقوس خطر، إذ أن القوى الدينية لوحدها اليوم في العراق التي تستطيع تعبئة الحشود الجماهيرية. فيما لم نشاهد حتى اليوم مظاهرة واحدة تبنتها الأحزاب السياسية.

واللافت للنظر، هو أن من ينادي بالانتخابات والديمقراطية في العراق هم رجال الدين الذين لطالما صورتهم أميركا باعتبارهم إرهابيين واستبداديين، في حين أن من يطالب بتأجيلها هي الإدارة الاميركية ذاتها التي أعلنت بأنها ستجعل من العراق أمثولة لسواه في الديمقراطية ومع ذلك فان الرئيس بوش يبدو حريصاً على أن تتم الاتفاقية في موعدها بتشكيل حكومة مؤقتة أوائل يوليو يجري وصفها بأنها ستكون ذات سيادة!! لأنه سيكون بحاجة إلى هذه أللفتة لأغراض انتخابية ليست إلا.

ألازمة الراهنة بين السيستاني وقوات الاحتلال قد تنجلي على نحو آخر، لكنها برهنت بأن المرجعية الدينية ستكون الرقم الأصعب في المعادلة العراقية.

عدد مرات القراءة:
2114
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :