الكاتب : أبو أحمد ..
قبل أن نحلل الأسباب التي أدت إلى سقوط الورقة الطائفية السياسية في العراق و التي راهنت سلطة الاحتلال الأمريكي البريطاني الصهيوني عليها كوسيلة لتمزيق العراق و السيطرة عليه ، لابد لنا من أن نستعرض هذه الظاهرة التي رافقت الاحتلال ... فقد تحالفت إدارة الشر الأمريكية قبل العدوان على العراق مع بعض الطائفيين الذين يقبعون في الخارج ، ثم جاءت بهم بعد الاحتلال أعضاء في مجلس الحكم غير الشرعي لتلعب بورقتهم البالية ... وكان أول عمل قام به هؤلاء الخارجين عن القانون استهداف البعثيين وقتلهم غيلة وغدراً متصورين أنهم ومن خلال ما سمي بقانون اجتثاث البعث سيئ الصيت سيحولون العراق إلى مرتع لأفكارهم المتخلفة دون إن يعلموا أن أداره الشر الأمريكية تريدهم وسيلة لمرحلة معينة لتحقيق أهدافها ومن ثم التخلي عنهم و تصفيتهم بعد استعمالهم أداة لاستهداف البعث في العراق .
وعندما فشلت خطتهم و تصاعدت المقاومة المسلحة بقيادة البعث وقف ازلام الطائفية في مجلس الحكم العمل ضد المقاومة ليصفوها تارة بإعمال عنف وأخرى بالإرهاب مرددين ما يقوله أسيادهم من أن حرباً أهلية في العراق واقعة لامحال بين الشيعة والسنة ، فكان رد فعل الشعب العراقي وقواه الوطنية والقومية التأكيد على الوحدة الوطنية الراسخة بمبادئها العروبيه الإسلامية ... ولم يكن ازلام الطائفية في العراق يتوقعون أن ينقلب مخططهم البائس عليهم ليقعوا في حبائله وليعيشوا عزلة تامة عن هذا الشعب الأبي بعد أن أثبتت المقاومة المسلحة جدارتها و شرعيتها فكانت الفلوجة ، تاج المقاومة ودرتها ، مشروعاً نهضوياً التف حوله كل العراق و شعبه في الجنوب والشمال ، وبدأت ند أآت الوحدة الوطنية تعلو أكثر فأكثر لتنعكس في الكوفه والنجف وكربلاء والبصرة والناصرية والعمارة و الحلة والكوت و الشامية إلى مقاومة مسلحة تتحدى و تسقط دعوات ما سمي بالمقاومة السلمية في الجنوب . وفيما أنتخى أهل الجنوب لنجدة الفلوجة و موازاتها ، انتخت الفلوجة و الانبار بأهلها للوقوف إلى جانب النجف و كربلاء و الكوفة بالمال و السلاح والرجال .
أما ازلام الطائفية من عصابات و مرتزقة فيلق بدر و بيشمركة المجرم الطالباني و أقزام اللص العميل الجلبي فقد شاركوا في العدوان على الفلوجة و النجف وكربلاء و الكوفة مع قوات الاحتلال ليلعنهم الشعب و ليقبعوا في مزبلة التاريخ .
وعندما تفجرت مقاومة جيش المهدي انكشف الطائفيون بشكل صارخ أمام الجماهير وهم يحاولون لعب دور الوساطة بين الأحتلال والمقاومة إلى الدرجة التي بدأوا يدعون جيش المهدي من أبناء النجف و كربلاء لمغادرة مدنهم ، فكان جواب المقاومين من على شاشات الفضائيات أن الذي يجب أن يخرج من هم جاؤا من الخارج من غير أهل العراق ، وكانوا يقصدون جماعة فيلق بدر العنصريين ومن لف لفهم . ولكي تؤكد جماهير النجف وكربلاء موقفها العروبي فأنها رفضت دعوات المستسلمين إلى التظاهر ضد قوات الاحتلال وعملائهم لإخراجهم من المدن المقدسة . ولم يجد الطائفيون في مجلس الحكم العميل سوى حفنة من الفرس و أعوانهم ليخرجوا في كربلاء متظاهرين بحراسة عصابة فيلق بدر الفارسي العميل ضد المقاومة .
أن هذه الظاهرة تؤكد أن الصراع في الجنوب هو ليس شيعياً شيعياً كما يحلو لبعض مراسلي الفضائيات وبعض المحللين السطحيين تسميته ، وإنما هو صراع عربي ـ فارسي ظهر على السطح بشكل واضح بعد إن كان مغموراً في الغاطس لفترة من الزمن بانتظار الأحداث الحتمية التي تؤججه ليثبت أن الورقة الطائفية السياسية لا مكان لها على ارض العراق .
ولا يأتي سقوط الورقة الطائفية العنصرية في العراق من فراغ ، وإنما يمتلك جذوراً عميقة في تاريخ العراق منذ أن تصدى لها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور بقطع راس الفارسي الخائن أبو مسلم الخراساني ، ومنذ أن صفى الخليفة هارون الرشيد الطائفيين الذين أطلقوا على أنفسهم أسم ( البرامكة ) و منذ أن وقف الجاحظ وزملائه من العلماء و الأدباء والمفكرين يقاومون الشعوبية الفارسية الطائفية حفاظاً على عروبة العراق وإسلامه من هؤلاء الدخلاء الذين حاولوا باسم الدين تفريسه خدمة لأسيادهم في إيران التي بقيت تحلم بإعادة حكم المجوس الساسانيين الذين قضى على حكمهم الفاسد العرب المسلمين بقيادة الصحابي سعد بن أبي وقاص أيام الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه ) في القادسية الأولى ، قادسية سعد .
لقد ترسخ هذا البناء العروبي الإسلامي في جنوب العراق مع تقادم الصراع العربي ـ الفارسي ليظهر بشكل بارز في عصر النهضة العربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و مطلع القرن العشرين حين جسد النهضة العربية في العراق أدباء و شعراء الجنوب و النجف وكربلاء و الكاظمية أمثال محمد رضا الشبيبي و عبد المحسن الكاظمي و محمد مهدي البصير و غيرهم من أعلام النهضة العربية في العراق .
فأصبح العراق مركزاً للوعي العروبي الإسلامي الذي شارك ضباطه في الثورة العربية عام (1916م) ...... وعند تأسيس الدولة العراقية الحديثة نشأت أجيال عديدة على يد ساطع الحصري و زملائه تتغنى في المدارس بالقومية العربية و الوحدة العربية والعراق الموحد ...... ولم تتمكن الورقة الطائفية رغم تشجيع المحتلين الإنكليز لها من أن تجد موطئ قدم في العراق ، فكان الرد في ثورة العشرين وفي ثورة مايس 1941وفي الانتفاضات الشعبية في العراق عام ( 1948م) وعام ( 1952م) و ضد العدوان الثلاثي على مصر عام ( 1956م) . وكان أحد أهم عوامل قيام الثورة عام (1958م) هو تصاعد الوعي القومي و حركته الثورية العربية التي قادها البعث وجمال عبد الناصر بعد قيام الوحدة بين مصر وسوريا . ولذلك فشل الشيوعيون في أن يجدوا لهم موطئ قدم أمام التيار القومي العربي في العراق . فكان انتصار البعث في ثورة 14 رمضان 1963 و من ثم استلامه للسلطة بعد ثورة 17 ـ 30 تموز 1968 اسطع برهان على قوة العقيدة العروبية السلامية في العراق التي تجاوزت الطائفية و العشائرية و العنصرية . وقد تجسد ذلك أمام الأمة العربية و الإسلامية و العالم اجمع في الحرب العراقيةـ الايرانية عندما وقف العراق بأجمعه و خصوصاً جنوب العراق بوجهه الهجمة العنصرية الطائفية الخمينية ، رافضين كل الدعوات الطائفية مقدمين الدم و المال للحفاظ على عروبتهم و إسلامهم ضد الفرس المعتدين في قادسية صدام المجيدة . لقد رسخ البعث في العراق العروبة كعقيدة و مبدأ لا يمكن لشعب العراق أن يتخلى عنها .
أن هذا البناء العروبي الاسلامي في العراق و الذي تعاقبت عليه وتوارثته أجيال عديدة و لقون طويلة و رسخه البعث بعقيدته الثورية لا يمكن أن تهده أو تزعزعه قوة غاشمة محتلة و أقزام صغار يتقافزون هنا وهناك باسم الطائفية و العنصرية . وسيبقى العراق قاعدة المشروع العربي النهضوي المعاصر بحكم الواقع والتاريخ .
وأن لناظره لقريب.
__________________________
شبكة البصرة
السبت 3 ربيع الثاني 1425 / 22 آيار 2004