الكاتب : عبدالله شمس الحق ..
لايمكن لشعب العراق أن يديم بقاءه في الضلالة بين رحيل المرجع الفلاني وعودة المرجع السيستاني , فأن أي مرء على قدر بسيط من الفهم والعقل, يمكنه أن يدرك أن هذا العزف الثلاثي الأمريكي/العلاوي/ السيستاني على مدى العام والنصف لايخرج من إطار اللعبة السياسية التي ترمي لأعادة تنظيم وتنسيق وترتيب العلاقات ونصوص السيناريوهات المعدّة والمشاهد السياسية المفتعلة وبين الحين والحين الآخر, ووفقآ للمد والجزرالحاصلين لحركة المقاومة الشعبية العفوية وبغية إمتصاص قوتها ومحاولة منعها من أن تنتظم بالمعنى الكامل مع المقاومة العراقية الوطنية التي مازالت تقود إدارتها النخب العسكرية والسياسية والأجتماعية والثقافية والدينية وبأداء متوازن مع فعل وأمكانات وواقع الأحتلال وذيوله من العملاء المتوزعين في الميدان الجغرافي العراقي . وبغية إستنتاج مايمكن إستنتاجه تحت هذا القسروالتعتيم الأعلامي وسيل من الألغاز السلوكية السياسية والدينية التي تتم في جنح الظلام , على العاقل أن يتسآل- ماهي مظاهرهذه المغادرة المفاجئة ( للسيستاني ) ولماذا ؟ و ماهي مظاهر هذه العودة المفاجئة ولماذا بعد حوالي أسبوعين من المواجهات المتصاعدة بين أتباع الصدر والقوات الأمريكية والعملائية ؟! بادئ ذي بدئ نود الأجابة على هذين السؤالين بتعليقات طبية ,لأن مغادرة( السيستاني )الى( لندن ) المفاجئة كانت قد جاءت تحت مبررات طبية! من هنا أننا لم نسمع من الأنباء حول حالته الصحية سوى عبارة(إجراء فحوصات) ألا أنها مغادرة جرت بصمت وسكون سريعين وملفتين للنظر.. بل وحتى نزوله من الطائرة في مطار( لندن ) لم تكن تنقل لولا تلك اللقطة اليتيمة التي إلتقطتها ( كاميرا مجهولة ) عن مسافة بعيدة , كما هو واضح من أسلوب التصوير ! وهذه على عكس ماجرى في عودته ومارافقتها من مظاهرالتأبه المقصود وغيرها والتي أعلن للأعلام عنها سلفآ وقبل أكثر من (24) ساعة ... وفيما لو إستسلمنا الى مشيئة الله ونقول فعلآ أن ( السيستاني ) كان قد أصيب ( بوعكة صحية ! كما تناقلتها الأنباء ) ورغم أنها لاتستحق السفر والى( لندن ) بالذات وهي الطرف الرئيسي الثاني فيما حلّ بالعراق دولة" وشعبآ ...!! ولكن عودته لايمكن أن تكون كذلك لأنها تمت بمشيئته- وهي مشيئة بشرية - وهي كذلك عودة متناغمة مع التصعيد الجاري في النجف الأشرف .. ! وأن خارطة طيران عودته هي غير خارطة المغادرة التي تمت عبر ( لبنان) , بل وسبقت عودته بيوم واحد نبأ الزيارة المفاجئة للعميل ( الجعفري ) الى أيران .. والشيئ الملفت للنظر أيضآ, هي تلك الدعوة التي تسارع ( السيستاني ) الى إصدارها والتي تناقلتها وكالات الأنباء بسرعة البرق! - دعوة الشيعة في التوجه للنجف- يوم 26 / من الشهرالجاري في حين أن ( مقتدى )* هو الذي كان سباقآ الى هذه الدعوة يوم 25 / آب* - إذ دعا أنصاره الى مثل هذا التوجه لكسر الحصار القائم على (الحضرة الحيدرية ) وبالفعل بدأ أنصاره بالتحشد للأستعداد الى المسير صوب النجف منذ بدء سماعهم لنداء (مقتدى ).. وإن دلت دعوة ( السيستاني ) التي تم مداخلتها بذكاء وحنكة مع دعوة ( مقتدى ) إسلوبآ وتوقيتآ على شئ , إنما تدل على تدبير عاجل أراد منه موجهي ( السيستاني ) ,على أن الجموع التي ستزحف نحو النجف جاءت تلبية" لدعوته, وفي نفس الوقت تقديمها كظاهرة إعلامية ( مغشوشة ) أمام عودة ( السيستاني ) على أنه مازال يتمتع بشعبية واسعة والتي فقدها بمغادرته! , ولهذا تم تدبير الموكب الأمبراطوري المصطنع الذي سلك خارطة الطريق الذي رسم لعودته والذي لم يقدم عليه ( رئيس جمهورية العراق - صدام حسين - فك الله اسره ) على مدى السنوات التي قضاها في زياراته المتواصلة الى النجف الاشرف أوفلنقل على هذا القدر من الظهور للعيان الواضح فيما لو تعامى الحاقدون على رؤية الحقائق كما هي ! .. بل علينا أن ندرك ايضآ أن هذه العودة التي تم ترتيبها بشكل سريع اصبحت بمثابة الأحتواء السريع لدعوة ( مقتدى ) لأنصاره من جهة وعلى تفتيت الجهد الصدري الشعبي من جهة أخرى . وبكلمة أوضح أحتواء" لأنصاره من بين عموم الشعب و كي تبدو على انها تلبية لدعوة ( سيستانية ) وليست ( صدرية ) .. ! ولقد تم هذا فعلآ بتمرير موكب العودة بين عفوية الجموع الشعبية السالكة للطرق المؤدية نحو النجف الأشرف !. بل ولضمان الدعوة (السيستانية ) الأحتوائية هذه حتى الساعة الأخيرة من تنفيذ مخطط العودة , طالب (السيستاني ) بدعوة أخرى , مشروطية مغادرة الحشود البشرية التي توجهت الى ( الحضرة الحيدرية ) في اليوم التالي لوصوله وبتوقيت محدد !!.. وفي مثل هذه الدعوة الثانية كشف ( السيستاني ) عن تناقضه الصارخ مع دعوته الزائفة الأولى والتي تدعو( الشيعة ) الى التوجه الى (الروضة الحيدرية )! . كما في الدعوة الأخيرة الكثير من الدلالات الواضحة من خشية إحتمال أختلال الأمن لمصلحة( الصدرية ) في الساحة النجفية -الحيدرية- من الناحية الأمنية, كذلك أن التواجد الشعبي المؤازر والذي في حقيقته إحتشدّ تلبية" لنداء(مقتدى ) يمنح الأخير شعورآ بالقوة في فرض شروطه على ( السيستاني) الذي لايمثل في حقيقته الجوهرية سوى رأي الحكومة العملائية ومطامعه الشخصية الفارسية , أما من الناحية ألأعلامية إذ أن بقاء الحشود الشعبية بحجمها الصحيح ستسهل الفرصة للقنوات الفضائية والأعلامية المتنوعة التي ستعاود نشاطاتها الطبيعية مرة" أخرى , أن تنقل مشاهد الهتافات والهوسات الشعبية العفوية لهذه الحشود بأسم ( مقتدى ) الأمر الذي سيؤدي من الناحيتين الى كشف القناع عن دعوته الماكرة في المسير الى النجف وعلى أنها جاءت تلبية ( لمقتدى) وليست تلبية" له كما أرادها بدعوته من خلط للأوراق أمام عفوية العامة ! وكذلك كلا الأمرين يكونا غير مريحين (للمرجع الكبير ) و خصوصآ أنه بحاجة الى التفاوض مع ( مقتدى ) على طريقة أحلى من العسل من دون أي إزعاج تعيده الى مستشفى آخر في ( لندن )! كما كل هذا بحاجة الى وقت كافي لأقناع شاب ثائرمثل ( مقتدى ) على الوضع النجفي بمساندة الأحتلال على تقبل أفتراضات التسوية التي يحملها(السيستاني ) تحت عباءته السياسية الأمريكية/الفارسية للأزمة من غير جموع بشرية مثيرة لمشاعرهذا الشاب غير المنضبط مع ما هو مطلوب من( البيت الشيعي ) , التي بدأ ( قاسم داوود ) بتسميتها بمسيرة ( المبادرة السلمية !!) هذه من جهة, أما من جهة أخرى , بقي ان نقول عن هذه المغادرة الثعلبية ( السيستانية) والعودة الأفعوية في غاياتها المرسومة ! . هي ان المغادرة كانت قد دبرت بتحايل سياسي كان المطلوب منه (أغتيال الصدرية ) وحينئذ يكون الثعلب ( السيستاني ) قد كان في عذر بالغيبة عن ساحة الأغتيال وهو برئ منه, والوضع لا يتطلب عندئذ منه سوى العودة لمواساة الموقف مع أتباعه بطريقة أمريكية / علاوية / سيستانية- فارسية, ومن ثم تخريم التيار الصدري بعملية سياسية , خصوصآ أن هذا التياركان قد تم الأطلاع عليه ودراسة أوضاعه وأمكاناته عن قرب في فترة المهادنة الأولى بين ( التيار الصدري ) والفئات الشيعية الموالية للأحتلال التي أدت الى بروز ماسمي ( بالبيت الشيعي ) . بما في ذلك الأطلاع على حقيقة ( جيش المهدي) الذي يجتمع لنصرة ( مقتدى ) عند الطلب, والذي تبين ما هو إلاعبارة عن إلتفاف شعبي تستوجبه الظروف حول شخصية ( مقتدى ) ولأسباب عدة !.. لذلك فهو يفتقر الى التنظيم بمعنى التنظيم على المستوى السياسي والعسكري بل وحتى الفكري إذا جاز التعبير.. وهذا مايؤكده (الصدر) ومساعديه بأستمرار منذ أن بدأ ( مقتدى) بحملته المعادية للعملائية المرجعية المشربة بالأمريكية الممزوجة بالفارسية في السيطرة على ( الروضة الحيدرية ) تحت مظلة الأحتلال!
أما العودة الأفعوية رتبت وطبخت في دهاليز مستشفيات ( لندن ) المعروفة والمشهورة بمطابخها السياسية منذ الحرب العالمية الأولى, بعد أن فشل المخطط الأول في أغتيال ( مقتدى ) ومن ثمّ العناصر البارزة في تياره بالطريقة التي لايترتب عليها نتائج وخيمة و كما كان مؤملآ منها في برمجتها الأولى ! وهذه العودة التي لاتقبل
الشك بأنها جاءت لتعبر بتوقيتها ومظاهرها السياسية المصاحبة لها عن تبديل خطة أغتيال( الصدرية ) عن طريق المعركة (( التي شدد وقسم وزيرالدفاع الخائب الخائن على أنها لاتتجاوز ساعات معدودات منذ بدء الأزمة حتى ساعة الأعلان عن العودة السيستانية )) بخطة تسميم ( الصدرية) بالمعالجة السياسية والتي مهما طال زمنها أو قصر فأنها أيضآ ستؤدي الى نهاية(الصدرية ) على شاكلتين لاثالث لهما - أما الى إستيعاب (مقتدى ) في الحالة السياسية القائمة اليوم في العراق , وفي هذا مكسب سياسي أمريكي / علاوي / سيستاني لأنه يعني نهاية الزوبعة ( الصدرية ) في التأثير على الملف الأمني الذي تشدقت به الحكومة العملائية - العلاوية - منذ أن تم ما سمي مسرحية ( نقل السلطة الزائفة ) . أو أنها ستؤدي الى عملية أغتيال حقيقي ( للصدرية ) في حالة ظهور أية بوادر توحي بأنه سيعاود الخروج عن الأتفاق الذي سيبرم حول تسيس المقاومة ( الصدرية ) ! . وإذا ذكرنا كلمة إغتيال حقيقي فأنه قد يأخذ منحآ آخر من خلال ما سيترتب من نتائج وخيمة على المستوى التأييد الشعبي ( لمقتدى ) الذي حاز عليها منذ أن بدأ حملته في المقاومة التي باتت هدف العراقيين الحقيقي أمام إفرازات الأحتلال على مدى العام والنصف ..! وأبرز تلك النتائج الوخيمة, هو أنه سيفقد مصداقيته أمام أنصاره ومؤيديه, بعد لعبة التصعيد والمهادنة بين الحين والحين .. ولأن حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ( لايلدغ المؤمن من جحر مرتين ) سيجعل المؤمنين الى أن لا يعاودوا التضحية في النفوس حول جحر لدغوا منها لمرتين وهم خرجوا بذلك عن نص حديث الرسول الكريم ( ص ) .. !!!
______________________________
شبكة البصرة
الجمعة 11 رجب 1425 / 27 آب 2004