الكاتب : د. نوري المرادي
راقبوا المصطلحات المتداولة!
حين يخوض وطنك حرب تحرير فحيادك، أو إستحيادك، إنحياز للغزاة!
قبل سنين، تداولت الصحافة العالمية تسمية غريبة عن أحد الساسة الروس ممن أريد له أن يشكل الخط التالي ليلتسن فيما إذا عجز أو اقتضت الضرورة إقصاءه. وهذا السياسي هو رئيس حزب (التفاحة) السيد يافلينسى الذي غالبا ما أرفق إسمه بجملة (الإقتصادي الروسي المعروف). ومعلوم أن صفة أو مهنة بهذا التوصيف غير موجودة. وحتى أستاذ الجامعة المتخصص بالإقتصاد لا يسمى إقتصاديا. ناهيك عن أن السيد يافلينسكي هو أمريكي من أصل روسي وصاحب شركة إستثمار ورثها عن أبيه وحسب. ولا إسمه أكثر لمعانا في عالم المال من غيره، ولا كان أحد أصلا يعرفه قبل أن يؤسس حزب يابلكو (التفاحة) عندما عاد إلى روسيا عام 1993. والظاهر أن إقران إسمه بهذه الجملة الصفة، توخى ترسيخ أعلميته، وبالتالي إلغاء أي تساؤل عن ماضيه فيما إذا تقرر وضعه فجأة في الواجهة.
وهذه الأيام، ومنذ بدأ الإمام مقتدى الصدر مقاومة الإحتلال سياسيا أولا ثم عسكريا، صارت ترفق بإسمه جملة (الزعيم الديني المتشدد). مع أن المتابع سيتسائل بم مقتدى متشدد عما سواه؟ أبإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أم بأصول مذهبه وفروعه؟؟ فإن كان الجواب بنعم، فغرماؤه من المرجعيات إذن متساهلون. ولا متساهل في فروض الدين وشروعه إلا خارج عن الدين والملة.
ومعلوم إن إقران هذه الجملة بإسم الإمام مقتدى ومذ بدأ مقاومة الإحتلال، يتوخى التقليل من شأنه، أو شأن موقفه، والإيحاء بأنه لا يهدف إلى طرد الإحتلال من العراق، وإنماه مجرد زعيم ديني متشدد، نشاطه لن يتعد مشروعا طائفيا ضيقا. ومعلوم أيضا أن مصدر توصيف (الزعيم الديني المتشدد) ليس عراقيا وليس عربيا بله من ماكنة الدعاية ذاتها التي أنتجت توصيف (الإقتصادي الروسي المعروف). ومعلوم أيضا أيضا أن توصيفة الإمام مقتدى ستلحق بزميلتها عن هذا الإقتصادي المعروف الذي أسس حزبا، وبما له من ذكاء خارق، سماه (التفاحة) كدليل على مدنيته ورقة قلبه وحزبه. فإرتدت هذه التسمية الخرقاء على مبدعها، فكان عدد ما جذب من أصوات الناخبين أقل بكثير من عدد موظفي وعمال شركات حزب التفاحة ذاته.
ما أريد قوله هنا، أن الإمام مقتدى الصدر ليس متشددا دينيا ولا مشروعا طائفيا، رغم كل ما يظهر على المقاومين الذين يقودهم – جيش المهدي من إنتماء وتدين. مقتدى الصدر بكل بساطة هو أحد قادة المقاومة الوطنية العراقية الباسلة، شأنه في ذلك شأن إخوته في جيش المقاومة. وإن كان جند شيعة، فتحصيل حاصل وحسب. ومقتدى لم يؤسس جيشه لأجل طائفة ولا بسبب رد فعل على تصرف الجنود الأمريكان أو بسبب إقصائه مما يسمى بالعملية السياسية – ذلك المصطلح القميء الجديد الذي يراد به التورية على جيشس الإحتلال. سلوك مقتدى ومن يتبعه، تأسس لمقاومة الإحتلال عسكريا، أيا كان تصرف جنود الإحتلال، وكذلك مقاومة حكومة الإحتلال أكان المطهمون من أعضائها حوزويين أم ليسوا. وجيش مقتدى هم أبناء الطبقات المسحوقة المستضعفة بغض النظر عن طائفتهم. والفرق شاسع وغير قابل للترقيع بين طبقة هؤلاء الجند المستضعفين المسحوقين وبين مؤسسة الحوزة والتي يرأسها السيد السستاني حصرا. وإذا جاز لنا إستخدام كلمة بروليتاريا هنا، فجند مقتدى هم حصرا هذه البروليتاريا، أو منها، وهم بالتالي لا ولن يدافعوا عن طائفة معينة أو توجه محدود. إنهم جند عراقيون وهم كتيبة من كتائب المقاومة العراقية، حالهم في ذلك حال الكتائب الأخرى من رفاقهم.
ومقتدى ومساعدوه أول من يستنكر تسمية (الزعيم الديني المتشدد) هذه، وأول من يكفر إعتباره بغير (قائد عسكري وسياسي في آن من قادة المقاومة الوطنيية العراقية). ومن هنا، وحيث الصراع بين المستضعفين من جهة وبين الإمبريالية والأمريكية بالذات من جهة أخرى فهو إذن صراع تناحري شرس لا مجال فيه لغير الإحتراب. وبناءً فمقتدى وجيشه، لا ولن، ولا يجب أن يرد بخيال أحد، يتهاون في مسألة تحرير العراق من المحتلين. وتناحر المقاومة الوطنية العراقية مع المحتلين الأمريكان وحلفائهم تناحري قتالي لا هوادة فيه وغير خاضع لزمن. وإن كان محصورا الآن برقعة العراق فالله وحده يعلم ما سيكونه غدا. أي رب مكان سيدخل هذا الصراع بما لم يحتسب. وقد رأينا كيف تململت الشعوب، ولابد من منظمات فيها تتشكل على هذا الأساس.
ومقتدى الصدر وجنده، وحيث هو فصيل من فصائل المقاومة العراقية ذات الثقل الكبير على الساحة، وحيث هو قالها مرات ومرات من أنه ليس بوارد ترشيح نفسه لمنصب ما وأنه على العكس عازف عن هذه الأمور. إذن فلا مجال للتخيل بأنه سينخدع بهذا المصطلح القميء الذي يسمونه (العملية السياسية) ويدخل بها. وإن فكر يوما لأن يكون سياسيا فليس تحت الإحتلال، بل وفي العراق المتحرر الذي لا ولن يتواجد على أرضه ولا جندي أجنبي حتى ولو لمراقبة الإنتخابات.
هذا، ولم نتحدث عن أن ما يعنيه هذا مصطلح (العملية السياسية) هو تشريع الإحتلال وتشريع حكومته المطهمة ومجلس إمعاته الذي رأينا كيف تشكل وتحت أية آلية. لم نتحدث عن هذا، لأننا أولا لا نعطي أي إعتبار لحكومة مطهمي الإحتلال ولا لغلمانهم الوزراء ولا لمجلس إمعاتهم، ثانيا، فجوهر هذه المؤسسات ليس بخاف عن أعين وألباب العامة، والحديث عنه إذن سيكون تكرارا ممجوجا وحسب.
ملخصه، فالإمام مقتدى وجنده لا بوارد الكف عن قتال المحتلين ولا بوارد الإنخراط بلعبتهم السياسية، التي وبطبيعة الحال تقف وراؤها الحوزة المقطوعة اللسان.
ومن هنا أيضا، فما حلمه زرازير الإحتلال ممنوع وباطل، وما تصوروه خيال ممنوع ومريض أيضا. وهو أساسا ما بينته نتائج موقعة النجف الثانية هذه. وهي نتائج ظاهرة ولاشك، ويمكننا القول على أساسها إن ما جرى ليس سوى إستراحة لمقاتلي المهدي، قاب قوسين أو أدنى من النهاية.
هذه هي النتائج المباشرة، أي أن ما يعكسه إعلام الإحتلال هراء وقبض ريح. بل وعلى العكس، هناك إستحقاقات نالتها المقاومة الوطنية العراقية بموقعة النجف الثانية، منها مثلا:
1 – إن السيد السستاني أعلن إنتماءه، وهو منذ اللحظة مع حكومة الإحتلال وطرح ما أرادته حكومة الإحتلال، وسيطرح ما تريده حكومة الإحتلال بما فيها موضوعة الإنتخابات وسكوته اللاحق عنها إذا سكت عنها المحتل ذاته. ومن فعلها مرتين سيفعلها الثالثة. ومن هنا، فمنذ اللحظة هناك للشيعة مرجعيتان، وطنية عراقية مقاومة للإحتلال بقيادة مقتدى، وأخرى أنجلوصهيونية متعاونة مع الإحتلال ومؤسساته، بقيادة السيد السستاني.
2 – لم يعد من وزن لآل الحكيم والجعفري مطلقا، ما بلك ببحر العلوم ومن لف لفه. فهاهم في ساعة الشدة إنضووا تحت عباءة السستاني، وهم الذين ما اعتبروا السستاني سابقا. إن قبل الغزو أو في الأيام الأولى من الإحتلال. وكم من مرة عارض باقر حكيم السستاني وكم من مرة تمرد الإشيقر عليه. وكل ما تظاهروا به ما بعد الإحتلال من ود أو إستشارة، هو حقيقة ليس إلا محاولة منهم للإيحاء لأسيادهم الأمريكيان أنهم قد جيروا هذا السيد لمصلحتهم. طبعا فاتهم، أو هم أصلا لا يعون، أن انتماء السستاني المعلن ليس وليد ساعته، وإنما تربيات اقتضت سنين. وإلا كيف تسنى لشخص بمثل عمره ومقامه أن يأتمر بأمرهم حين قالوا له أخرج فخرج، وحين قالوا له عد فعاد؟! ولم سافر إلى لندن حصرا؟ وكيف قبل وهو مرجع ديني أعلى ليس أن يسكت عن كذبة عملية القسطرة والفحوصات وحسب بل ويشترك في تمثيلها وتنفيذها.
3 – نزل ممثل الطرف الغريم لشروط مقتدى وليس العكس. فالسيد السستاني قبل مكرها بالإحتقار الذي يكنه ويعلنه مقتدى لحكومة المطهمين ومؤسساتهم وجيش الإحتلال من خلفهم. وهذا لا تثبته الخطب الإنشائية بل يثبته الواقع في موضوعة تسليم الأسلحة أو إخفائها. فلم يسلم سلاح لحكومة المطهمين مطلقا، ولن.
4 – سيستعر الصراع داخل حكومة المطهمين. وحيث هم بإعتبارنا مماليك يتنافسون على الحضوة، فليس بواردنا الإهتمام بمن سينتصر منهم. كلهم دون البشر، وأيهم انتصر فسينتظره العقاب الإليم على يد المقاومة على أية حال، وعاجلا. لكن الضربة التي وجهتها المقاومة للمملوك الشعلان، حين سرقت صهره ومساعده وكل أسراره وأرغمته على إطلاق السيد سميسم، هذه الضربة ربما سترسم نهايته، كما رسمت تصريحات شهبوري النارية نهايته.
5 – لقد قبرت وإلى الأبد مشاريع تقسيم العراق. وهذا نصر عظيم للمقاومة الوطنية. فأبطال تقسيم العراق – وهم شهبوري وعبدحكيم والطرزان، رجعوا للمرتبة الثالثة من الأهمية بالتأثير على الأحداث حتى على مستويات حكومة المطهمين. ففي الحالة الشيعية وحيث خرج تيار توحيد العراق منتصرا في موقعة النجف وأعني تيار المقاومة الوطنية العراقية، فكل رموز التقسيم ومهما فعلوا فهم يعون أن النهاية حليفة مشاريعهم. خصوصا وموقعة النجف الثالثة ستأخذ بالحسبان كلما يوازيها مع معركة بغداد القادمة من معطيات. ما بالك وأمريكا بدأت تنشد الإعذار للخروج بجلدها.
6 – أما موت حشرات المستنقعات فهو ما ماتته مجموعة أبي رغال حميد مجيد. فهذه المجموعة ومن كل الأحداث والمعارك التي جرت، خرجب بجملة واحدة وهي أن رأي الحزب كان صائبا، وأن موقفه معروف وثابت. أما بماذا أصاب، وكيف هو معروف وثابت، وهل اشترك بالقضال (قتال + نضال) أم لا، فهذه أسئلة لم يكونوا بوارد الإجابة عليها سابقا ولن يكونوا بوارد دراستها لاحقا.
7 – لقد خرجت المقاومة الوطنية العراقية من موقعة النجف كأقوى ما يكون، عسكريا. وحققت للعراق وللبشرية مأثرة ستذذكر على مر الأجيال، ألا وهي دفاعها المستميت على خزان التراث في الصحن الحيدري. المقاومة هي التي حفظتها، بينما حكومة المطهمين أرادت إهدائها لسيدها المحتل. لولا أن صمود المقاومة ودفاعها المستميت، لما تحول الأمر إلى قضية عالمية، لم يعد الأمركيان وهم بهذا الضعف التغافل عنها. ولولا دفاع المقاومة عن الصحن لما تهيج إبناء العراق وتأهبوا للمسيرات نحو الصحن.
8 - سيبقى المحتل وحكومة مطهميه تجتر الدعايات السفيهة. كجثث المحكمة الشرعية أو غيرها. إنماها دعايات لا تغني ولا تنفع، خصوصا والحدث الأساس آت لا ريب فيه – تحرير العراق!
المجد لكم أيها المقاومون!
المجد للنجف والفلوجة المقدستين!
المجد لأرض شنعار!
____________________________
شبكة البصرة
السبت 12 رجب 1425 / 28 آب 2004