آخر تحديث للموقع :

الأربعاء 29 شعبان 1444هـ الموافق:22 مارس 2023م 02:03:41 بتوقيت مكة

جديد الموقع

إتفاق النجف: هدنة مؤقتة أم حل دائم؟ ..
الكاتب : محمود كَعْوَش

إتفاق النقاط الخمس يترك الكثير من المسائل معلقةً برهن الإنفجار في أية لحظة

أرجحية المقاومة الصدرية هي للمرجعية الشيعية لا للمرجعية الوطنية العراقية
بيان لحزب "البعث": الإحتلال وسلطته العميلة نجحا في جعل التيار الصدري تياراً إنطباعياً
للمرجعية السيستانية

أكثر من أسبوع مضى على وقف معركة النجف التي استمرت ثلاثة أسابيع متواصلة بين قوات الإحتلال وعملائها من قوات الحرس والشرطة العراقية من جهة و"جيش المهدي" الذي يشكل الجناح العسكري للتيار الصدري الذي يتزعمه مقتدى محمد باقر الصدر من جهة ثانية. وقد توقفت المعركة بموجب إتفاق تم التوصل إليه بين الصدر وآية الله علي السيستاني أبرز أربعة رجال يشكلون المرجعية الشيعية في المدينة المشرفة، في 26 آب الماضي. وبموجب ذلك الإتفاق الذي باركه الإحتلال وسلطته العميلة في بغداد، تأكد للمرة الثانية خلال خمسة شهور فقط أن الأرجحية في مقاومة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر هي للمرجعية الشيعية لا المرجعية الوطنية العراقية. فمعركة النجف بكل ما تمخضت عنه من نتائج أمنية وسياسية وإدارية، بدءاً بنيسان وانتهاءً بآب الماضيين، جاءت لتصب في المصلحة المشتركة للإحتلال وسلطته العميلة في بغداد والمرجعية السيستانية.
الإتفاق شمل النقاط الخمس التالية:* نزع السلاح من مدينتي النجف والكوفة ورحيل كل العناصر المسلحة من هاتين المدينتين وعدم العودة إليهما نهائياً.
* تولي الشرطة العراقية مسؤولية الأمن وحفظ النظام في المدينتين.
* ترحيل القوات متعددة الجنسيات من المدينتين.
* تدفع الحكومة العراقية تعويضات للأشخاص المتضررين من المعارك الأخيرة.
* على كل الأطراف والأحزاب السياسية والإجتماعية والفكرية أن تكون جزءاً من العملية السياسية التي ستؤدي الى الإنتخابات العامة وصولاً إلى السيادة الكاملة.
أهم الملاحظات التي يمكن إيجازها حول الإتفاق أنه أهمل الكثير من المسائل وتركها معلقةً برسم إثارتها في أية لحظة، ربما لغايات في نفس يعقوب!! فالإتفاق لم يؤشر إلى ما كان سيسمح للصدر أن يستأنف نشاطه كخطيب لمسجد الكوفة، وهو المكان الذي اعتاد أن يحرك أتباعه وأنصاره منه. كما ولم يأتِ على ذكر مصير الشخصيات التي قام عناصر "جيش المهدي" باختطافهم وبالأخص صهر وزير الدفاع حازم الشعلان والذي اختطف قبل يومين من نهاية المعركة. هذا وأغفل الإشارة إلى إمكانية المصالحة بين الصدر وبعض القيادات العميلة في مدينة النجف التي اصطفت إلى جانب تيار الصقور في حكومة علاوي العميلة وأظهرت عداوة كبيرة له ولتياره وأبرزها محافظ المدينة عدنان الزرفي وقائد شرطتها غالب الجزائري.
وبموجب الإتفاق، أعاد مقتدى الصدر الصحن العلوي ومفاتيح مرقد الإمام علي رضي الله عنه للمرجعية الشيعية بزعامة السيستاني، وأصبح لزاماً عليه وعلى أتباعه أن يتخلوا بصورة نهائية عن مدينتي النجف والكوفة وعن أسلحتهم أيضاً، وأن يجمدوا مواجهاتهم للإحتلال وسلطته العميلة إلى ما بعد الإنتخابات المفترض أن تجري قبل نهاية كانون الثاني القادم، وذلك استناداً لقرار مجلس الأمن واتفاق بريمر – علاوي الذي قضى بتسليم السلطة للأخير. وبذلك تكون المرجعية الشيعية التي تتحرك من داخل عباءة علي السيستاني، قد نجحت بدورها في تجميد عمل الصدر وتياره العسكري وعزلهما بشكل نهائي عن المقاومة الوطنية العراقية المسلحة واحتوائهما نيابة عن الإحتلال والسلطة العميلة في بغداد.

التيار الصدري يعيش حالة من الإرتباك

ومما تكشَّف عن معركة النجف الأخيرة من نتائج وأبعاد وإفرازات، ربطاً بالمعركة التي سبقتها في نيسان الماضي، فقد أصبح جلياً أن التيار الصدري بجناحيه السياسي والعسكري إما أن يكون قد تأسس على قاعدة لا تتصل بمقاومة الإحتلال وتحرير العراق بل على قاعدة المشاركة السياسية في إطار هيمنة المرجعية الشيعية، وإما أنه ما يزال يعيش حالةً من الإرتباك والإشتباك السياسي لم تؤهله بعد لاستقراء وتشخيص ما حدث في العراق بعد التاسع من نيسان 2003.
بغض النظر عن ما آلت إليه معركة النجف الأخيرة، فإن من الحكمة الإقرار بأن مقتدى الصدر وتياره "المقاوم" قد فرضا نفسيهما على المشهد العراقي. ومن الحكمة الإقرار ايضاً بأنه لم يعد جائزاً لا للإحتلال ولا سلطته العميلة إغفال دوريهما. لكن من السذاجة إدراج الحديث عن الصدر وتياره في سياق تعميمي يشمل جميع الشيعة العرب في العراق. فحدوث مثل هذا، إنما يخدم ما سبق أن روجت له بعض الدوائر السياسية والإعلامية الغربية، وبالأخص الأميركية، وما تبناه كتاب المارينز في وسائل الإعلام العربية المأجورة. فمثل هذا الحديث يستخف بمواقف الكثيرين من أبناء المذهب الشيعي "الجعفري" الذين عُرفوا بمواقفهم الوطنية والقومية والذين يقومون الآن بمهام مشرفة في معركة التحرير، بعيداً عن العباءة الصدرية وجميع العباءات التي لم تقم وزناً لمصلحة العراق والأمة وتغلب مصالحها الذاتية وربما الإقليمية على هذه المصلحة.

ظاهرة همشت الأحزاب الشيعية العميلة.. ولكن!!

ويسجل المهتمون بالشأن العراقي لظاهرة الصدر نجاحها، عن عمد أو ربما بمحض الصدفة، في تقليص وتهميش أدوار كثير من الأحزاب الشيعية التي ارتضت لنفسها أن تكون أدوات طيعة ورخيصة بيد الإحتلال وسلطته العميلة ونظام الآيات في طهران. ولعل حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية كانا من أبرز الخاسرين في معركة النجف، بنتيجة تنامي وتظافر قوة هذه الظاهرة التي التفت حولها تيارات وقوى شيعية كثيرة معادية للإحتلال لم تكن قد حسمت أمرها بشكل نهائي قبل هذه المعركة.
وكان يمكن لهذه الظاهرة أن تستقطب أعداداً أكبر من أبناء المذهب الشيعي، لو أن التيار الصدري إستمر في معركته بمثل ما بدأها في 5 آب الماضي. كما وكان بمقدورها أن تترك بصمتها الإيجابية على جبهة المقاومة العراقية المسلحة وتكون شريكاً رئيسياً فيها. لكن وللأسف فقد بدأ هذا التيار معركته الأخيرة تحت يافطة تحرير العراق من الإحتلال، ورفع سقفها عندما طالب بحكومة إياد علاوي العميلة، إلا أنه عاد وتراجع ليتقوقع في النهاية ويتربع في الدائرة المرسومة له عندما حصر نفسه في الصحن الحيدري وحصر قضيته بمفاتيح مرقد الإمام علي. فهل يُغني الحصن الحيدري عن كل العراق؟ وهل كانت مفاتيح المرقد بالنسبة للتيار الصدري هي مفاتيح تحرير العراق؟ أم أن الصدر أراد أن يتمثل بمن يرون تحرير القدس وفلسطين عبر النجف والعراق؟ ومن يا ترى الذي وضع المفاتيح وديعةً في جيب الصدر، ولماذا كان السكوت على ذلك طوال تلك المدة؟

حزب "البعث" يشخص الحالة خير تشخيص

ولعل ما جاء في بيان لحزب البعث أصدره عشية إتفاق النجف يشكل استقراءً وتشخيصاً حقيقين للصدر وتياره ومعركة النجف الأخيرة.
فقد جاء في البيان:* إن الإحتلال وسلطته العميلة نجحا في ضبط إيقاع التحرك السياسي والعسكري لتيار مقتدى محمد باقر الصدر بحيث جعلاه تياراً إنطباعياً للمرجعية السيستانية التي تمثل بدورها إنطباعية سياسية لواقع الإحتلال، كما أكدت مواقفها وتعاملها مع برامج الإحتلال منذ وقوعه وحتى اللحظة.
* لقد قدم هذا التيار الدفاع عن المذهب على الدفاع عن العراق وتحريره، لأنه تشكل بالأصل في رحم الحوزة أنبوبياً ولم يكن له جدية التحرك خارج بيئة حملهِ الصناعي.
* لقد انجر هذا التيار إلى ما افترضته قوات الإحتلال وسلطتها العميلة كمسرح للعمليات، يوقع كل من يتقابل به بالمحظور الديني والمذهبي، ويحد من حركته وقدرته على المناورة والتأثير في قوات الإحتلال.. التي افترضت بدايةً أنها لا تدخل الحرم العلوي... لكنها تطوقه وتعزله لتبقى معركة النجف مؤجلةً ومفتوحةً على استحقاقات سياسية ذات أهمية من حيث أهدافها المركبة لكل من الإحتلال وسلطته العميلة والمرجعية السيستانية.
* وعندما كانت أهداف تيار الصدر لا تؤسس على قاعدة المقاومة والتحرير، وتسمح بتمفصلٍ طوعي مع المقاومة العراقية المسلحة، وله مساحاته المتباينة وفقاً لرغبات سياسية خاصة به أو بقوى أخرى داعمة له، ووفقاً لما يمكن أن تسمح به السلطة المعينة من الإحتلال ومكوناتها السياسية من استيعاب سياسي للصدر وتياره، فإن مآل هذه المعركة كان مرسوماً خارج سياق التقابل القتالي للمقاومة العراقية المسلحة مع الإحتلال وسلطته العميلة.
وقد أكد البيان على ألآتي:* كان تيار الصدر مستدرجاً في المعركة في تقابلات قتالية لها أهدافها السياسية اليومية والمتغيرة وفقاً لمسعى الإحتلال وسلطته العميلة في تأكيد أو إلغاء حالة إختبارية معينة.
* إن استدراج تيار الصدر كان مدروساً ومصمماً سياسياً، وساهمت به قبلاً أطراف ما يُسمى بـ "البيت الشيعي"... أتبعتها لاحقاً المرجعية اليستانية... ويمكن أن تختمها السلطة العميلة، مما جعل من معركة النجف واقعةً جهاديةً معزولة وغير مستمرة على المسرح النجفي الذي هيأته وأدارته قوات الإحتلال وسلطتها العميلة، مؤملةً من تكراره على مسارح تقابلٍ أخرى.
وخلص البيان البعثي إلى ما يلي:"إن البعث وقيادة المقاومة والتحرير لا ولن تعتبرا أبداً أن المحتل وسلطته العميلة، بناءً على ما آلت اليه معركة النجف، قد نجحا في إحداث قطعٍ مذهبي أو جهوي في جسم المقاومة العراقية المسلحة. فحالة التمفصل الطوعي من قبل قيادة تيار مقتدى الصدر مع المقاومة المسلحة كانت متموضعة أصلاً، تأسيساً على تباين الأهداف والاستهداف الاستراتيجي، وتحسب البعث وقيادة المقاومة والتحرير كان أسبق وأوعى مما يرسم له المحتل وسلطته العميلة والمرجعية السيستانية. إن الأيام القادمة سوف تعمق لدى الشعب العراقي حقيقة أن معركة النجف، التي أرادت أطرافها السياسية المتقابلة من جعلها معزولةً وغير مندمجة قتالياً وسياسياً مع جهد المقاومة العراقية المسلحة في سياق معركة التحرير، ستجسد الروح الاستشهادية للعراقيين الأباة التي لا تُشترى بثمنٍ ولا مكسبٍ سياسي، ولا تُعوض نقداً بمنة من الاحتلال وسلطته العميلة، ولا تُنذر إلا لتحرير الوطن من الاحتلال وسلطته العميلة، ولا تُستغل من دُعاة الشعوبية وكهنوت الرجعية الدينية".
الاتفاق السيستاتي- الصدري أوقف المعركة في النجف مرحلياً، لكنها ستظل مؤجلةً ومفتوحةً على الاستحقاقات السياسية ذات الاهداف المركبة للاحتلال وسلطة اياد علاوي العميلة والمرجعية السيستانية. وبرهن نضوج هذه الاستحقاقات، من المرتقب أن يفتعل الاحتلال وسلطته العميلة معارك أخرى تكون هذه المرة في منطقة الأنبار بأكملها ومناطق أخرى يتواجد فيها السنة العراقيون بحيث تشمل بغداد والفلوجة وبعقوبة وسامراء على وجه الخصوص، ويأمل الاحتلال وسلطته من وراء ذلك تحقيق مكاسب عسكرية وسياسية يصلان معها الى موعد الانتخابات العامة المرتقبة وهما في وضع قوي يستطيعان معه منح رئيس الحكومة المعينة العميل اياد علاوي "شرعية"الاستمرار على رأس السلطة خدمةً للاحتلال وإطالة عمره في العراق. وأخبار نقل أكثر من عشرين الفا من جنود الاحتلال وأدواتهما من قوات الشرطة والحرس الوطني الى منطقة الأنبار قبل أيام، يؤشر الى قرب اندلاع هذه المعارك، التي يتوقع المراقبون أن تكون أشد وأعنف من معركة النجف بفعل تموضع أعدادٍ كبيرةٍ من المقاومين العراقيين فيها.

______________________________________

شبكة البصرة

السبت 19 رجب 1425 / 4 أيلول 2004

عدد مرات القراءة:
2051
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :