الأخ : قاسم جبر الله
أولا :
بخصوص الفتوى التي نقلتها عن الشيخ محمد أمين زين الدين :
الفتوى تتناول أصل توجه الوجوب ، لا شرائط الأداء . بمعنى أن صلاة الجمعة متوجة في وجوبها إلى الفقيه العادل ، مقابل توجهها إلى غيره من عامة الناس ، وهو عدم الوجوب هنا .
فإقامتها ، في نظر الشيخ ، هو تكليف الفقيه . وهذا شيء آخر غير أدائها ، إذ قد يعين الفقيه شخصا آخر ( غير فقيه ) ليؤم المسلمين في صلاتهم .
والشيخ ينطلق في تبني هذا الوجوب على دليل " النيابة " ، وان الجمعة أصلا من وظائف الإمام المعصوم ، ومنه تسري إلى الفقيه العادل .
والنتيجة واحدة ، فالأمير عليه السلام كان يؤدي الجمعة في الكوفة ، وهناك من يؤديها ( وهو غير إمام طبعا ) في المدينة ومكة ومصر وسائر البلاد التابعة لخلافته .
والأمر كذلك هنا ، إذ قد يقوم الفقيه بتعيين أئمة الجمعة في مختلف المدن والبلاد التي تحت سلطته وتشمل ما انبسطت يده عليه .
والمقطع الذي حذفته جنابك عند نقل الفتوى ، فيه ما يفيد هذا المعنى ، ويوجه الفتوى إلى وجهتها الحقيقية ، أي أن الفتوى بصدد بيان وظيفة الفقيه وتوجّه التكليف إليه ، وهذا هو المقطع المحذوف : " حين يجتمع له العدد والأمن من الخوف ، وتتوفر بقية الشروط المعتبرة في هذه الصلاة " . فكأن الفتوى جواب سؤال : متى تجب صلاة الجمعة وعلى من تجب ؟ أما سؤال : ما هي شرائط إمام الجمعة ؟ فهذا مما لم يتعرض له سماحة الشيخ رضوان الله عليه لا في هذه الفتوى ولا في غيرها !
وأنا لازلت على ما فهمته جنابك متحديا ، أن تأتيني بفقيه واحد يشترط أن يكون إمام الجمعة مجتهدا . هذا أولا.
ثانيا :
منذ متى يعمل الإيرانيون – حكومة وشعبا – بآراء الشيخ زين الدين وفتاوى الشيخ حسين العصفور ؟! بالله عليك هل هذا منطق أن تستدل على اجتهاد أئمة الجمعة في جميع مدن وقرى إيران بشرط تفرضه وتأتي به من جيبك ؟ ثم تفتري على فقيه لا يعرفه في إيران حتى هؤلاء الذين تقول عنهم مجتهدون ناهيك عن الشعب الإيراني ؟
حقّ لك يا أخي أن تدافع عن الخامنئي وفضل الله ، فهذه العقليات هي " كفوه " وهذه المستويات هي التي تنجذب إليه ، فالطيور على أشكالها تقع ، فالمتعلمون على سبيل نجاة صوب الأئمة والعلماء ييممون ، والهمج الرعاع صوب أدعياء العلم ومنتحلي الفقاهة يهيمون .
واترك الحكم في هذه المسألة للقراء الكرام ، خصوصا المتواجدين داخل إيران ، في قم وغيرها ، ممن يخشون المشاركة ويحذرون " الاطلاعات " فهؤلاء أدرى ببواطن الأمور وأعرف بخفايا ما يجري وأكثر تلمسا للحقيقة من قروي مسكين مغلوب على أمره ينتظر القرار والتعليمات الحزبية ، ويتغذى بالاعلام الحزبي وكأنه يتلقى وحيا منزلا .....
ثالثا :
الآن اجلس يا أخي على الكرسي والرحل أمامك وكتف يديك حتى تتلقى هذا الدرس ، فأنت بحاجة ماسة إليه ، ولا يمكنك أن تستفيد إلا إذا تأدبت والتزمت آداب المتعلمين ، وإلا فسوف تستمر في لغوك وخبطك .
المجتهد لا يجوز له أن يقلد غيره ، والسيد الخامنئي قال بمليء فمه أثناء رئاسته للجمهورية،( والكلام محفوظ بشريط مسجل بصوته ، واحتفظ شخصيا بالصحف الايرانية التي نقلت تصريحه هذا وقد ألقاه في خطاب عام في مشهد ) انه مقلّد للإمام الخميني ، بل وقال انه يرجع في احتياطات الإمام إلى الشيخ المنتظري !!
فكيف صار هو مجتهدا يقلده الناس ! هل يملك عصا سحرية ؟ هل نزل عليه الوحي ؟ إن بين هذا التصريح وبين "مرجعيته" فترة زمنية محدودة ( ثلاث سنوات ) ومحصورة ، ومعروف كل ساعة ودقيقة فيها وكيف وبم قضاها ، فمتى درس ومتى اجتهد ؟؟!!
الإجتهاد يا أخ جبر ملكة . هل تعرف ما هي الملكة وما الفرق بينها وبين الصفة مثلا أو المهنة ؟! هل تعرف كيف تتحصل الملكة والممارسة والجهد وسهر الليالي والتفرغ التام الذي تحتاجه لكي تترسّخ في النفس ؟ أم انك تحسب الاجتهاد شوربة عدس وحلوى مسقطية يمكن لأي هندي أن يتقن صنعها ؟!
لا يا أخي ، اتق الله في دينك وفيما تعرضه على الناس ، ولا تتحمل اصرا أنت في غنى عنه ؟! إنك تدعو إلى مرجعية ، والمرجعية والفقاهة تتعلق بالدماء والأعراض والأموال ، وكلها حرمات يهتز لها عرش الله ، ولا يقبل فيها أي خطأ ( إلا إذا كان ناتجا عن مسوغات علمية ) ، ماذا لو صدقك شخص وقسم تركة ميت بين ورثته بفتوى الخامنئي ، أو حج أو خمّس أو صام أو ........ ، هل تتحمل المسؤولية الشرعية ؟ المرجعية دين ، لا تدخلها في التجاذبات السياسية ...
نعم ، المرحوم الشيخ محمد أمين زين الدين فقيه وعالم ورع وعادل ، يتسالم العلماء وتتفق الحوزة على فقاهته وعدالته ، يمكنك أن تنقل رأيه إلى الناس ( إن اعتقدت أعلميته ) ، انه رجل قضى عمره في العلم والعمل ، فحق أن يرتدي هذا الرداء ويتلبس بهذا الزي ، ولكن الخامنئي … لا يقف حتى على الدرجة الأولى من هذا السلم العالي ، الخامنئي في واد والفقاهة والاجتهاد في واد آخر ..
واضح جدا انك لا تفهم ولا تعي ما هو الاجتهاد ، وما هي الفقاهة وكيف تتحصل ؟ ولا تعرف حجم الجهد ومقدار العمل الذي يبذله الفقيه حتى يتمكن من الوقوف على دليل مسألة واحدة . وللتوضيح أشبه لك ، أ, للقراء فلا أظنك تفهم ما أقول ، هل تتصور حجم الجهد والعمل العلمي الذي يبذل في المختبرات التي تكتشف الأدوية أو تطور الالكترونيات أو تتعامل مع الذرة و ........
ان التعامل مع الأدلة الفقهية وفهم القرآن والسنة وانتزاع رأي الاسلام منها هو عملية أصعب وأكثر مشقة مما يفعله علماء الطبيعة والكيمياء والطب والهندسة .
إن مسألة واحدة في فرع من فروع الفقه قد تحتاج إلى أشهر من المثابرة والجد في فحص الأدلة وتنقيحها ومعالجة التعارض فيها واستقصاء ارتباطاتها وتتبعه في مظانه وغير مظانه من هذا البحر المتلاطم والمحيط العميق المسمى " تراث آل محمد " ...
أنا لا أقول أن السيد الخامنئي رجل عابث قضى عمره في اللعب ولذلك لم يتفرغ للعلم ولم يحصل عليه ، كلا ... أنا أقول انه رجل شريف ونزيه ولكنه ليس بعالم ، ومشكلته الكبرى بدأت عندما وضع نفسه في مكان العالم فتورّط ! لم يكن يلعب ، ولكنه لم يكن يدرس ويحصل ، وإن انشغل بمواد علمية فهي ليس بالفقه والأصول ، بل بالأدب والشعر والثقافة والفكر السياسي ، وهي أمور جيدة ومفيدة ، ولكنها شيء والفقاهة شيء آخر .
لم يكن يلعب ، ولكنه كان منشغلا بالجهاد والنضال ضد الشاه ، فقد كان مطاردا ولاجئا وفاراً أو معتقلا ... ولم تسمح له الظروف بالتفرغ والاستقرار للعلم ، فجزاه الله خيرا على جهوده تلك ، ولكنها شيء والفقاهة شيء آخر !
لم يكن يلعب ، ولكنه ترأس الجمهورية . هل تعرف ماذا تعني رئاسة الجمهورية ؟ في لقاء صحفي معه هو شخصيا ذكر فيه برنامجه اليومي من لحظة استيقاظه حتى ساعة نومه ، فهو بين جلسات واجتماعات ولقاءات ومتابعة تقارير ودراسة مشاريع عمل ، وفي أوقات " الاستراحة " يقوم بمطالعة الصحف ومشاهدة البرامج التلفزيونية الهامة ذات المدلول السياسي أو الاجتماعي المرتبط بصميم عمله ومسؤوليته . هذا غير الاحتفالات العامة والمشاركة فيها .....
متى يمكنه أن يدرس ويستنبط ؟
هل تعتقد أن الإجتهاد لعبة ؟ يبدو انك كذلك ! وإلا لما قلت أن جميع أئمة الجمعة في إيران ( بمدنها وقراها ، أي حوالي ألف ويزيد ) هم مجتهدون ! وتحديت أن أذكر لك واحدا منهم ليس بمجتهد !! هزلت والله ... أنا لا أدري في أي كهف تعيش جنابك ومن أين تستقي معلوماتك ؟! " جميع أئمة الجمعة في جميع المدن والقرى الايرانية مجتهدون " ! والله إنها وصفة إن لم تكن تكفي لدخول مستشفى المجانين فهي كافية للخروج من طائفة العقلاء ...
وقد ذكرني توزيعك للإجتهاد على أئمة الجمعة في إيران ، بتعليق صدام أنواط الشجاعة على صدور أبطال قادسيته ، فالجبان يمنح وسام الشجاعة لمن أجبن منه ، وأمثالك يوزعون الإجتهاد على طلبة صغار .
هل هي أنواط " شجاعة " من التي وزعها صدام على أبطال قادسيته ؟! هل لديك إرث من أحد تبعثره بهذا الشكل ؟ لا أدري والله ، أنا كنت أعتقد الجهل في أنصار الخامنئي ولكن ليس إلى هذه الدرجة ! كنت أعتقد أنهم مسيّرون ومستغفلون بالإعلام الإيراني ولكن ليس إلى هذا الحد ، فأنت تجازوزت الإعلام الايراني ، وصرت ملكياٌ أكثر من قيصر ! هؤلاء أئمة الجمعة في إيران هم لا يدّعون لأنفسهم الإجتهاد ، وفيما عدى 7-10 من مجموع 1200 فإن الباقي لا يرون في أنفسهم الإجتهاد وهم مقلدون لمراجع وفقهاء الحوزة ويصرحون بذلك ويعلنون ، وحتى هؤلاء العشرة لا يكاد المنصف أن يجزم إلا بإجتهاد واحد أو أثنين منهم فقط لا غير ......
إبقوا في هذا الجهل واستمروا في هذا العناد ، حتى يأتي غضب الله عليكم على يد الخاتمي وينسفكم نصفكم في الخليج ونصفكم في بحر قزوين ، وينقذ الأمة من هذا العبث ويريحنا ........
بخصوص التأخير .. أعتذر ، لأن لدي ظروفي الخاصة في استعمال الخط وامكانية ذلك ، لأنه مشترك مع أثنين من الأخوة .
|