آخر تحديث للموقع :

الأثنين 16 ذو القعدة 1444هـ الموافق:5 يونيو 2023م 01:06:54 بتوقيت مكة

جديد الموقع

نشوء الفرضية المهدوية في أحضان الغلو والغلاة ..

نشوء الفرضية المهدوية في أحضان الغلو والغلاة

دور الغلاة الباطنيين في صنع الفرضية المهدوية

لا أحد ينكر الأزمة التي مر بها الشيعة الامامية بعد وفاة الامام الحسن العسكري دون ان يخلف ولدا ظاهرا تستمر الامامة فيه ، ولا أحد ينكر الحيرة التي عصفت بالشيعة ومزقتهم الى أربعة عشر فرقة قالت كل فرقة منهم بقول من الأقوال ، وان فرقة منهم قالت بفرضية وجود ولد للامام العسكري هو الامام من بعده وهو المهدي المنتظر الغائب
وبالرغم من عدم وجود أدلة كافية وقاطعة فاننا نلاحظ اكتناف القول بوجود الامام المهدي وولادته بعدد كبير من مقولات الغلو والغلاة

و يمكن الرجوع الى الوراء وقراءة التاريخ الشيعي العام خلال القرون الثلاثة الأولى ، والإطلاع على جذور الحركات المهدوية السابقة وعلاقتها بالفرق الباطنية الغالية التي كانت تحاول إلصاق نفسها بأهل البيت (عليهم السلام) .
العلاقة بين الغلو والمهدوية في التجارب السابقة
حيث كانت هنالك حوالي عشرين حركة مهدوية ، وكان معظمها وليد الحركات المغالية ، وقد رأينا ان أول نظرية مهدوية في التاريخ الشيعي كانت تدور حول الامام أمير المؤمنين (ع) وقد اختلقها الغلاة (السبئية) الذين كانوا يغالون في شخصية الامام علي ويرفعونه الى درجة الربوبية .
اما النظرية الثانية فقد كانت حول محمد بن الحنفية ، وقد اختلقها الكيسانية المتأثرين بالسبئية الغلاة ، وخاصة (الكربية( منهم .
وكان رجل من الكيسانية الغلاة اسمه ( حمزة بن عمارة البربري ) قد طور نظرية مهدوية ابن الحنفية ، فقال بألوهيته وبنبوة ابن كرب ، وجعل من نفسه إماما مرتبطا بالسماء .
وقد تناسلت تلك الحركة المغالية ، بعد ذلك ، الى عدة فرق ، وقالت فرقة منهم تعرف بـ البيانية) بزعامة (بيان النهدي) قالت: بمهدوية ابي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية ، وغلت فيه ، وادعى (بيان) النبوة عن ابي هاشم.
كما قال قسم آخر من الكيسانية الغلاة يعرف بـ الجناحية) بـ مهدوية الثائر الطالبي عبد الله بن معاوية بن جعفر الطيار .
وقد انتقلت عدوى الغلو من الكيسانية الى بعض الزيدية الذين قالوا بمهدوية (ذي النفس الزكية : محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن) حيث رفض قسم منهم الاعتراف بوفاته وقالوا بغيبته ، وحدث فيهم ما حدث في الحركة الكيسانية ، عندما قام رجل يدعى (المغيرة بن سعيد) بتطوير النظرية المهدوية وادعى الإمامة لنفسه في ظل (غيبة) ذي النفس الزكية ، ثم ترقى به الأمر الى ان ادعى انه رسول نبي ، وان جبرائيل يأتيه بالوحي من عند الله ، كما يقول النوبختي والاشعري .
وتسربت روح الغلو من ( المغيرية) الى (الخطابية) أصحاب ابي الخطاب محمد ين ابي زينب الأجدع ، الذين كانوا يغالون في الامام الصادق (ع) ويؤلهونه ، وقد قالوا بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق ورفضوا الاعتراف بوفاته في حياة أبيه ، وقالوا بمهدويته وغيبته .
وبالقرب من أجواء الغلو اللامنطقية تلك ، قال فريق آخر من الشيعة الامامية الفطحية بمهدوية (محمد بن عبد الله ألا فطح بن جعفر الصادق) وكان هذا اغرب قول بالمهدوية في ذلك الزمان ، حيث نسب ذلك الفريق (المهدوية) الى شخص وهمي ليس له وجود ، نتيجة المرور في أزمة نظرية بعد وفاة (الامام عبد الله الأفطح) دون عقب يخلفه في الإمامة ،وذلك بسبب إيمانهم بضرورة استمرار الإمامة في الأعقاب واعقاب الأعقاب الى يوم القيامة ، وعدم جواز الجمع بين أخوين في الامامة .
وقد كان القول بوجود (محمد بن عبد الله ألا فطح) في البداية ، مجرد فرضية فلسفية ، ولكنهم قاموا بعد ذلك بحياكة مجموعة من القصص الأسطورية حول اللقاء به ومشاهدته هنا وهناك ، واختلقوا بعض المعاجز للاستدلال الغيبي على وجوده.
والى جانب هؤلاء وأولئك.. كان فريق آخر من الشيعة الامامية المتأثرين بالغلاة وهم (الواقفية) يقولون بمهدوية الامام موسى الكاظم (ع) وغيبته واستمرار حياته الى أمد غير منظور. وكان بعضهم يزعم ان الكاظم مات ثم قام بعد موته واختفى في موضع من المواضع السرية .
وكما حدث في الحركتين الشيعيتين الكيسانية والزيدية من استغلال بعض أقطابها لفكرة المهدوية وادعاء الامامة او النبوة ، قام واحد من (الواقفية) اسمه ( محمد بن بشير الكوفي) بادعاء الخلافة و (النيابة الخاصة) عن الامام الكاظم والالتقاء به في (غيبته) . وذلك من اجل الحصول على منافع مالية وسياسية ضخمة ، ثم نقل الخلافة الى ولده سميع والى من أوصى اليه سميع من بعده . وقال : ·انه الإمام المفترض الطاعة على الامة الى وقت ظهور موسى ، فما يلزم الناس من حقوقهم في أموالهم مما يتقربون به الى الله عليهم أداؤه اليه الى قيام القائم .
ويقول النوبختي والاشعري : ان محمد بن بشير كان على قدر كبير من الغلو والقول بالتناسخ والتفويض والإباحة.
التفسير الباطني
الى جانب القول بالمهدوية والغلو في الأئمة ، الذي طبع قسما من المنتسبين للحركة الشيعية العريضة ، كان يوجد أيضا القول بالتفسير الباطني ، وفي الحقيقة ان كثيرا من المقولات الباطلة لم تكن تستقيم الا بهذا التفسير الباطني المقلوب للأحداث والأقوال ، ورفض الاعتراف بالحقائق التاريخية الظاهرية ، او اختلاق حوادث وأشخاص لا وجود لهم ، كعدم الاعتراف بوفاة الامام أمير المؤمنين ، او وفاة محمد بن الحنفية ، او وفاة ابنه ابي هاشم ،او وفاة ذي النفس الزكية ، او وفاة الامام الصادق ، او وفاة ابنه إسماعيل ، او وفاة الامام الكاظم ، واختلاق ولد لعبد الله الأفطح الذي مات دون خلف ظاهر ، والقول بوجود ولد له في السر أخفاه للتقية .
وقد كان (الخطابية ) أتباع ( محمد بن ابي زينب الأجدع ) ينسبون الى الامام الصادق معاني الغلو الفاحشة ويقولون انه الله ، وقد حج جماعة منهم الى بيت الله الحرام ولبوا هكذا  لبيك يا جعفر لبيك) فارتعش الامام الصادق من قولهم وخرّ ساجدا الى الأرض واستنكر قولهم اشد استنكار ، ثم لعن أبا الخطاب ، فذهب أصحابه اليه واخبروه بلعن الامام الصادق له ، فأجابهم بأن الامام لا يلعنه شخصيا وانما يلعن رجلا آخر يحمل نفس الاسم في البصرة ، وقد كان هو يعيش في الكوفة.
فعاد أصحابه الى الامام الصادق في المدينة واخبروه بمقالة ابي الخطاب الكوفي ، فحدده الامام بالاسم واللقب والمكان وجميع المواصفات الخاصة وكرر لعنه والبراءة من قوله.وعندما اخبره أصحابه بذلك لم يتراجع وظل مصرا على دعواه بالانتماء الى الشيعة والى الامام الصادق ونسبة أقواله الى الامام سرا ، وقال: ان الامام لم يلعنه بهذه الصورة الدقيقة العلنية الا لكي يحافظ على بقية الشيعة من آثار قول الألوهية ، تماما كما فعل الخضر الذي خرق السفينة لينقذها من الغصب والمصادرة ، وقرأ قوله تعالى:· وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت ان أعيبها وكان من ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا .
وكان الباطنيون ينسبون كثيرا من الأقوال والآراء الى أئمة اهل البيت (ع) سرا وخلافا لما كان يعلن به اهل البيت ويقولونه أمام الملأ من الناس ، وبشكل يتعارض مع مواقفهم الحقيقية ، ولما كان الأئمة ينفون تلك الأقوال الغريبة ويستهجنونها او يرفضونها ، كان الباطنيون يتشبثون بأقوالهم ويفسرون نفي الأئمة لادعاءاتهم بالتقية وبخوف الأئمة من إعلان الحق والتحدث بما لا يحتمله الناس !.
وبغض النظر عن مناقشة دعوى ( التقية ) ونسبتها الى اهل البيت بهذه الصورة المناقضة لأمانة الكلمة والمحافظة على الرسالة ، فان الباطنيين استطاعوا لعب أدوار كبيرة في التاريخ الشيعي وتحريف الناس عن خط أهل البيت ، في كل زمان ، حتى جاء عهد الامام الحسن العسكري ، الذي توفي عن دون ولد ظاهر ، أوصى بأمواله الى أمه (حديث) ولم يتحدث عن وجود ولد له في حياته . وقد قبل جميع المسلمين هذه الحقيقة كما قبلها معظم الشيعة الامامية وذهبوا الى القول بإمامة جعفر بن علي الهادي ، او القول بانقطاع الإمامة ، او القول بالشورى .. ولكن فريقا من الغلاة والباطنيين رفض التسليم بهذه الحقيقة الظاهرية ، وأصر على اختلاق قصة سرية ووجود ولد مكتوم ومخفي لم يعلن عنه الامام العسكري خوفا عليه من القتل ، وتقية . وارتد قسم منهم عن القول بإمامة الحسن العسكري ، وراح يقول بمهدوية محمد بن علي الهادي الذي كان قد توفي في حياة أبيه ، ويرفض الاعتراف بهذه الحقيقة ، ويصر على اختفائه واستمرار حياته الى يوم الظهور ، تماما كما فعل قسم من الإسماعيلية الذين رفضوا التسليم بوفاة إسماعيل بن جعفر الصادق ، وفسروا عملية الدفن التي قام بها الامام الصادق بأنها مسرحية من قبل الامام !
وقد رفض مشايخ الطائفة الامامية الاثني عشرية كالشيخ المفيد والمرتضى والطوسي منهج الفرق الشيعية الأخرى الباطنية التي ترفض الاعتراف بوفاة الامام علي او ابنه محمد بن الحنفية او ابنه ابي هاشم او وفاة الامام الصادق او ابنه إسماعيل او وفاة الامام موسى الكاظم ، او وفاة الامام العسكري او أخيه محمد ، وذلك لمخالفة منطقها الباطني للظاهر ، الذي يشكل حجة لله على الناس . ولكن جميع القائلين بوجود (الامام محمد بن الحسن العسكري) ينتهجون بدورهم المنطق الباطني حيث يعترفون بعدم إعلان الامام العسكري لولادة (ابنه) ووصيته لوالدته عند وفاته ، ويفسرون ذلك بالخوف و التقية . وبغض النظر عن مناقشة هذه الدعوى والتأكد من حقيقة الظروف المحيطة بوفاة الامام العسكري ، فان القول بوجود ولد له في السر ، هو إذن قول باطني سري مخالف للظاهر.
(
النميرية)
وقد رأينا أيضا : ان معظم الروايات التي تتحدث عن ولادته ومشاهدته في حياة أبيه تتضمن معاني الغلو الفاحشة والعلم بالغيب وما الى ذلك ، من مقولات الغلاة المتطرفين ، ويجدر بنا ان نتوقف قليلا عند الحركة المغالية (النميرية) التي كانت قد نشأت حول الامام علي بن محمد الهادي ، على يدي محمد بن نصير النميري الذي كان من أقطاب الشيعة في البصرة . وكان هذا قد رفع الامام الهادي الى درجة الألوهية ، وادعى لنفسه مرتبة النبوة والرسالة من قبل الامام ، وكان يقول بالتناسخ .
وقد التف هذا الغالي (النميري) بعد وفاة الامام الهادي حول ابنه الامام الحسن العسكري ، وكان بعد وفاته من ابرز القائلين بوجود (ولد) له في السر ، هو : ( محمد بن الحسن العسكري) وقد ادعى البابية و(النيابة الخاصة) عنه ، ثم ادعى النبوة وأورثها الى عدد من أصحابه .
المخمسة
والى جانب النميرية كان يوجد في تلك الأيام تيار آخر من الغلو والغلاة في صفوف الشيعة الامامية ، هم : (المخمسة) الذين يعتقدون - كما يقول سعد بن عبد الله الأشعري القمي في المقالات والفرق) - : · ان الله عز وجل هو محمد ، وانه ظهر في خمس صور مختلفة .. ظهر في صورة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وان أربعة من هذه الصور الخمسة تلتبس لا حقيقة لها ، والمعنى شخص محمد وصورته لأنه أول شخص ظهر وأول ناطق نطق ، لم يزل بين خلقه موجودا بذاته يتكون في أي صورة شاء ، يظهر نفسه لخلقه في صور شتى من صور الذكران والإناث والشيوخ والشباب والكهول والأطفال ، يظهر مرة والدا ومرة ولدا وما هو بوالد ولا بمولود ، ويظهر في الزوج والزوجة ، وانما اظهر نفسه بالإنسانية والبشرانية لكي يكون لخلقه به انس ولا يستوحشوا ربهم.
وان محمدا كان آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى لم يزل ظاهرا في العرب والعجم.. وانه كان يظهر نفسه لخلقه في كل الأدوار والدهور ، وانه تراءى لهم بالنورانية ، فدعاهم الى الإقرار بوحدانيته فأنكروه فتراءى لهم من باب النبوة فأنكروه فتراءى لهم من باب الإمامة فقبلوه ، فظاهر الله عز وجل بالإمامة وباطنه الله الذي معناه محمد يدركه من كان من صفوته بالنورانية ، ومن لم يكن من صفوته بدرجة بالبشرانية اللحمانية الدموية ، وهو الامام ...وان كل من كان من الأوائل مثل ابي الخطاب وبيان وصائد والمغيرة وحمزة وبزيع والسري ومحمد بن بشير هم أنبياء أبواب بتغيير الجسم وتبديل الاسم ، وان المعنى واحد ، وهو سلمان وهو الباب الرسول يظهر مع محمد في كل صورة ظهر ، وهو رسول محمد متصل به ، ومحمد الرب... .
ويقول الأشعري القمي : انهم ( لعنهم الله ) اظهروا دعوة التشيع واستبطنوا المجوسية فزعموا ان سلمان (رحمه الله ) هو الرب ، وان محمدا داعٍ اليه ، وان سلمان لم يزل يظهر نفسه لأهل كل دين . وذهبوا في جميع الأشياء مذهب المجوس .
.
كما يقول الشيخ الطوسي في الغيبة) .
وكان شيخ الشيعة بالكرخ يوم ذاك احمد بن هلال العبرتائي) وهو من اعظم الغلاة -وقد اخرج الحسين بن روح النوبختي (النائب الثالث) توقيعا بلعنه بشدة والتبرؤ ممن لا يلعنه - وقد كان قطبا رئيسيا في عملية اختلاق نظرية (وجود ولد مخفي ) للامام الحسن العسكري ، ومن اقرب المساعدين لعثمان بن سعيد العمري (النائب الأول) وقد أيده في دعوى (الوكالة عن المهدي) ثم اختلف مع ابنه محمد (النائب الثاني) وادعى النيابة لنفسه .
المفوضة
والى جانب أولئك الغلاة النميرية والمخمسة كان يوجد في صفوف الشيعة تلك الأيام صنف آخر من الغلاة هم (المفوضة) الذين كانوا يعتقدون:· ان الله أقام شخصا واحدا كاملا لا زيادة فيه ولا نقصان ، ففوض اليه التدبير والخلق ، فهو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين وسائر الأئمة ، ومعناهم واحد ، والعدد يلبس ، وان هذا (الواحد الكامل) - أي محمد - هو الذي خلق السماوات والأرضين والجبال والإنس والجن والعالم بما فيه .
وقد اضطر هؤلاء (المفوضة ) بعد وفاة الامام الحسن العسكري الى افتراض (وجود ولد ) له في السر ، لكي تستمر نظرية (الواحد الكامل) الذي يدبر الكون ويخلق ويرزق ..
ولكن بقية الشيعة لم يكونوا يؤمنون بأفكارهم الغالية ، وقد حدث بين الفريقين نوع من التنازع والاختلاف ، وقاموا بالاحتكام الى محمد بن عثمان العمري ، باعتباره (نائبا عن صاحب الزمان) وطلبوا منه ان يحسم النزاع ، فأخرج لهم (توقيعا) يتضمن رفض نظرية (التفويض الكامل) ، ويؤكد تدخل الأئمة في السؤال من الله ان يخلق فيخلق او يرزق فيرزق .
ولم يخلُ جواب العمري لهم ، في الواقع ، من درجة مخففة من القول بالتفويض ، وهو ما يدل على ارتباطه وارتباط القول بوجود (ابن الحسن ) بالغلاة.
وهذا ما يؤكده الحسين بن روح النوبختي في حديثه عن اختلاف الشيعة في ذلك الزمان حول مسألة التفويض ، وذهابه الى ابي طاهر ابن بلال (أحد أقطاب النظرية المهدوية) ومناقشته في الموضوع ، وإخراجه حديثا عن ابي عبد الله (ع) يذكر فيه:· ان الله اذا أراد أمرا عرضه على رسول الله ثم أمير المؤمنين ثم الأئمة واحدا بعد واحد .. الى ان ينتهي الى صاحب الزمان ، ثم يخرج الى الدنيا . واذا أراد الملائكة ان يرفعوا الى الله عز وجل عملا عرض على صاحب الزمان ثم يخرج على واحد واحد من الأئمة الى ان يعرض على رسول الله ثم يعرض على الله عز وجل ، فما نزل من الله فعلى أيديهم ، وما عرج الى الله فعلى أيديهم ، وما استغنوا عن الله عز وجل طرفة عين .
وهو ما يوحي بمشاركة الأئمة مع الله في إدارة الكون ، وهذا نوع من (التفويض) غير الكامل .
وكان محمد بن الحسن الصفار القمي - صاحب كتاب (بصائر الدرجات ) - الذي كان معاصرا لفترة الحيرة ، وكان أحد أقطاب (النظرية المهدوية الاثني عشرية )، يعتقد بنوع من التفويض للأئمة في التشريع وادارة الحياة ، وهو يقول: · وجدت في كتاب قديم في نوادر محمد بن سنان ، قال قال أبو عبد الله: لا والله ما فوّض الله الى أحد من خلقه ، الا الى رسول الله والأئمة ، فقال  انا أنزلنا الكتاب لتحكم بين الناس بما أراك الله ) وهي جارية في الأوصياء .
ومن الواضح ان هذه النظرية تحتوي على درجة من الغلو ، وان لم تصل الى درجة القول بالتفويض في الخلق والرزق و إدارة الكون . وقد كان الصفار يتطرف في الغلو في الأئمة ، يشهد على ذلك كتابه (بصائر الدرجات) المليء بالأفكار المرفوضة من الشيعة اليوم .
وكان بعض اهل نيسابور من الشيعة على درجة كبيرة من الغلو والارتفاع والتفويض ، كما يقول الكشي في ترجمة الفضل بن شاذان . وعموما فقد كان الغلو بمختلف مدارسه ومذاهبه ينتشر بين الشيعة في منتصف القرن الثالث الهجري ، كما يقول السيد هبة الدين الشهرستاني في مقدمته لكتاب الشيخ المفيد أوائل المقالات ) .
وقد لعب جعفر بن محمد بن مالك الفزاري وآدم البلخي واحمد الرازي و الحسين بن حمدان الخصيبي دورا كبيرا في نشر نظرية (وجود الامام المهدي) ونسج الروايات الأسطورية حول مولده واللقاء به وكيفية نموه وعلمه بالغيب ، وكان هؤلاء من أعاظم الغلاة الذين يجمع علماء الحديث الشيعة على رفض أحاديثهم .
واذا نظرنا الى الى القول بتبوء الامام المهدي محمد بن الحسن العسكري لمقعد الامامة وهو ابن خمس سنين والادعاء بعلمه للغيب وتعلمه للعلوم الدينية عن طريق الوحي والالهام كما يقول الذين يفترضون وجوده لعلمنا ان القول بوجوده وامامته ومهدويته لا ينفك عن نوع من الغلو.

أحمد الكاتب

بسم الله الرحمن الرحيم


الكاتب يصادم ضرورة ظهور المهدي الموعود
على لسان النبي (ص) عند المسلمين بكونها فرضية مختلقة.

إذ كان الكاتب يفترض اختلاق روايات ظهور المهدي بيد الغلاة الباطنيين فماذا يصنع بروايات أهل السنة في صحاحهم وكتبهم الأخرى المعتمدة وماذا يصنع بحديث الثقلين هل هو من وضع الغلاة الباطنيين قبل زمن النبي (ص) أو في زمن النبي (ص) أو أن القرآن وسورة الكهف والخضر من وضع الغلاة.
وماذا يصنع بحديث الأئمة اثنا عشر كلهم من قريش، وبحديث من مات ولم يعرف أو يبايع إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وحديث لا تخلو الأرض من حجة، وهل النبوة باطنية وبطون، وهل الوحي النازل على النبي غلو باطني ؟
والذي يظهر من الكاتب أن عقلية السرية في نظام المخابرات الدولية وقوى المال والسلاح في العصر الحديث هي عقلية غلو وغلاة باطنيين لأن الباطنية تدعو إلى السرية والتستر ففرق المخابرات فرق غلاة باطنية، والمنهج الصحيح أن يخرجوا إلى السطح في العمل شاهر ظاهر بكل أوراقهم وقواهم، ويظهر من الكاتب أن اتفاق المسلمين على وجود الخضر المذكور في سورة الكهف مع موسى، وقيامه بالوظائف الإلهية أن السورة من وضع الغلاة الباطنية وكذلك اتفاق المسلمين على بقاء الخضر في السرية والتستر حياً إلى يوم القيامة غلو باطني من جميع المسلمين.
ثم إنه يدعي اتفاق الكل على إنكار ولادة الإمام الثاني عشر بن الحسن العسكري وأنه لا ينكر هذا الاتفاق أحد، ولا أدري كيف لا يحترم الكاتب أبسط درجات العقل للقارئ وأن المخاطب له أدنى درجات الشعور والفهم، فكل الطائفة الإمامية المتفقة لا تملأ عيناه وكل ما ذكرناه في مقالة سابقة رداً عليه من قائمة ما يزيد على السبعة والثلاثين من عمدة علماء أهل السنة في كتبهم ذكروا ولادة وشدة الخوف المحيطة بها مع ذكر أسماء كتبهم وصفحاتها كل ذلك ربما لم يستطع الكاتب أن يبصره، ولكن القارئ بصير.


وكأن الكاتب يسبح في بحر الخيال الشعري ونغمات الألفاظ من دون معاينة المعاني التي يمرّ بها، ثم أنه يقرّ بمقام أهل البيت وأن الغلاة حاولوا أن يلصقوا أنفسهم بأهل البيت وهذا مناقضة لنفسه، فإنه لا يعترف بتراث أهل البيت وأقوالهم المتواترة في إمامتهم وإمامة المهدي ابنهم قبل تولده بقرنين إلى نصف القرن ثم أن الكاتب أراد تصوير اتحاد التأليه عند الغلاة بالمهدوية، بأن المهدوية طور من الأطوار السابقة على الألوهية، ولكن القارئ لا يجد إلا مداعبة الألفاظ الاطوارية في سجع الكلام.
والسبب في توحيده بين الاعتقاد بالمهدي في روايات الفريقين وبين الغلو والباطنية ولو كانت الروايات من طرق أهل السنة هو أن الكاتب يرى أن القول بظهور المهدي كمصلح للعالم يستلزم القول بالإمامة الإلهية ومن ثم يحتج على علماء السنة الذين يثبتون ولادة الإمام الثاني عشر بن الحسن العسكري بأنهم إما شيعة أو كلامهم ذكروا كافتراض فهو يرى التلازم بين الإقرار بوجود أو ظهور المهدي كمصلح إلهي للبشرية وبين الإمامة الإلهية، وحيث أنه يرى أن الإمامة الإلهية عين القول بالغلو وتأليه الأئمة أو القول بنبوتهم، فيرى أن المهدوية عين الغلو والتأليه ومن يرى أن روايات ظهور المهدوي وجدت في صحاح أهل السنة من قبل الغلاة أو أن علماء السنة الذين كتبوا الصحاح شيعة أو أن ذكرهم لتلك الروايات افتراض افترضوه لا إسناد خبر للنبي (ص).


أما سبب رأي الكاتب أن الإمام المعهودة إمامته من الله هي غلو ونبوة أو تأليه فيستدل عليه بما يلي :-

1 –

أنكم تقولون بأنه يعلم الغيب.
2 –

أنه يوحى إليه أو يلهم.
3 –

أن تعرض عليه الأعمال.
4 –

أنه أعلم من الملائكة.
5 –

يقدر على التصرفات التكوينية فهو شرك مع الله تعالى.
6 –

أن الإمام الثاني عشر ابن خمس سنين كيف تعلّم العلوم الدينية ويعلم الغيب.


لكن يجيبه الإمامية بقوله تعالى {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من إرتضى من رسول} وعن الثاني بقوله تعالى { قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي} وقوله تعالى {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم} وقوله تعالى {إني جاعل في الأرض خليفة.... وعلم آدم الأسماء كلها} فعهد الله في سورة البقرة الإمامة لإبراهيم تعنى أن الإمامة عهد إلهي، وهو جاعل في الأرض خليفة فلم يكن التعبير جاعل نبياً أو رسولاً، وقوله تعالى بنحو التأبيد لهذا الجعل في الأرض.
وجوابهم عن الثالث: قوله تعالى {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون} وقوله تعالى {كلا إن كتاب الأبرار لفي علييّن وما أدراك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون} وعن الرابع قوله تعالى {وعلم آدم الأسماء كلها.... قال يا آدم أنبئهم بأسماء هؤلاء...... وقال للملائكة اسجدوا لآدم}، وعن الخامس {وقال الذي عنده علم الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} وقوله تعالى {وكفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب}، وعن السادس {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبياً}، وقوله تعالى {أشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً، قال إني عبد الله آتاني الكتاب صبياً}، فكل هذه الأمور يثبتها القرآن لأفراد من البشر ولم تستلزم الوهية هؤلاء الأفراد وما ذكرناه نموذج من الآيات وإلا فهي كثيرة جداً في هذا الصدد، ولعل الكاتب لا يجرء على التصريح بالقول بأن في القرآن غلو ورائحة باطنية، وعلى كل حال فاللازم على الكاتب هوتركيزالحوارعلى البحث في مايثبته القرآن هل هو الامامة الالهية أم سلطة الجماعة بعد كون منهجه على عدم الوثوق بأي رواية من طرف السنة ولا من طرف الشيعة مضافاً إلى لزوم المنهج الحسي عنده وان كان غاب عن الحس فهو باطنية وغلو وتأليه.

ثم إن الكاتب يدعي اتفاق الكل على عدم ولادة الحجة ويعلل ذلك بان علماء السنة في مجموع مقالاته أن من ذكر ولادته من علماء السنة لعلهم شيعة والشيعة الذين ذكروا ولادته وضاعين ومختلقين.

ثم إنه يطعن على الإسماعيلية مع أنه يطالب الآصفي في نقاشه له باحتمال انطباق العترة في حديث الثقلين على أئمة الإسماعيلية، ولعله يؤمن بمنطق التضاد الديالكتيكي.

ثم أنه يكرر بأمانة وصفاء أنه لابد من التأكد من حقيقة الظروف المحيطة بوفاة الإمام فهو لم يتيقن من جور بني العباس.
ويدعي أن السرية في الولادة مذهب باطني، وهذا يستلزم أن ما في القرآن الكريم من خفاء وسرية ولادة موسى مذهب باطني تسلل إلى القرآن الكريم، ولن ابتعد عن الحقيقة إذا قلت أن منهج الكاتب يتطابق مع العلمانيين في عدم الوثوق بأي حديث مروي عند أهل السنة والشيعة كما لا يثق بما وراء الحس الظاهري حتى في إخبارات القرآن الكريم.

ولعله من هذا الباب حكمه بالغلو على مفاد الآية {إنا أنزلنا الكتاب لتحكم بين الناس بما أراك الله} وأن في الآية نحو شرك بالله.
ثم أنه ادعى أن الشيعة ترفض كتاب الصفار وما أدري من الذي روى الكتاب عن الصفات أليس هم أعلام ومراجع الطائفة فكيف رفضوا الكتاب!!.

ثم ادعى أن كل ما روى عن المهدي فهي الفزاري وآدم البلخي والرازي والخصيبي، ثم يناقض نفسه على منطق الديالكتيك بأن علماء الشيعية يرفضون أحاديث هؤلاء الأربعة.

فلا أدري كيف يجمع بين حصة الروايات حول المهدي في كتبنا عن هؤلاء الأربعة ويقرر بأن الشيعة يرفضون أحاديث الأربعة، كما في قوله أن العبرتائي شيخ الشيعة وإقراره بأن الشيعة لعنته وأن العبرتائي اختلق ولادة الإمام الثاني عشر، ولعله يرى شيخ القوم هو الذي يلعن من قومه وأن الذي يختلق مذهب يتبعه جماعه في مذهبه متابعتهم له هي بلعنه.

والحاصل أن المتراآى من منهج الكاتب هو عدم وثوقه بأي حديث مروي عن طرق أهل السنة والشيعة، عدم وثوقه بأي عقيدة ما وراء الحس الظاهري تحمل في طياته الغيب والغيبوبة عن الحس، أن ما يوجد في الشريعة مطلقاً من وراء الحس هو من صنع الغلاة والباطنية، وما أدري إذا وصلت النوبة إلى القرآن الكريم فماذا سيكون كلامه.
وعلى أية حال فالحوار معه في الروايات نقلية كانت أو تاريخية هو حوار في حلقة مفرغة لأنه يشكك في كل ذلك ولا يذعن بأي دليل وبرهان على حجية الخبر ولو المتواتر.

ثم انه يشكل على نظرية التقية وأنها خلاف الأمانة ومن مذهب الباطنية أيضاً ولا أدري ماذا يقول في الآيات الكريمة {بل فعله كبيرهم إن كانوا ينطقون} {أيتها العير إنكم لسارقون} {فلما رأى الشمس قال هذا ربي هذا اكبر} {إلا أن تتقوا منهم تقاة} ولعل التقية عنده تسربت إلى الآيات بفعل الغلاة الباطنية.

------------------
البحراني

محمد منصور




عدد مرات القراءة:
3207
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :