بسم الله الرحمن الرحيم
الرد على عدم تواتر روايات أن المهدي (عج) هو بن الحسن العسكري
1 –
تكرر دعوات المهدوية هي بنفسها دليل على أن عقيدة المهدي المصلح هي عقيدة تلقاها المسلمون من النبي (ص) وأخبر عنه متواتراً كما هو الحال كذلك.
لا كرد فعل كما هو زعمك بل المفروض في رد الفعل المجرد عن عقيدة المهدي من ذرية الرسول (ص) هو مجرد الثورة والعصيان على السلطات.
2 –
وليس من الصدفة والاتفاق العفوي التوسل في كثير من الثورات باسم المهدي بمجرد تصوير أنها فكرة اختلقها الثوار، بل المفروض أن العقيدة بالمهدي كانت عقيدة متجذرة بين المسلمين حاولت الثورات الاستمداد من تلك العقيدة.
والصدمة والمفآجأة التي تنتاب الثوار بتوسلهم بعقيدة المهدي يدل على وجود مسبق لتلك العقيدة لا وجود مخترع جديد أحدثوه إذ الروايات النبوية المبشرة بالمهدي عن النبي موجود في مصادر المسلمين الروائية – إلا على مسلك العلماني الرافض لتراث السنة النبوية برمّته .
وفي خطبة الإمام السجاد (ع) في مسجد الأمويين في الشام قال فيها (منّا الطيّار..... والمهدي).
نعم لابد أن يتأكد الكاتب من ذهاب السجاد إلى مسجد الشام فلعله لم يؤسر ويذهب به إلى الشام.
ثم أن إصرار كافة طبقات المسلمين والثورات المتلاحقة على التشبث بعقيدة المهدي هي أولّ دليل على بداهة تلك العقيدة بين المسلمين وضرورتها وأن الاسم الشريف مقترن في أذهانهم بمعنى المصلح والمنقذ الموعود بالظفر والنصر على لسان النبي (ص) كما أن اتفاق الثورات المتكررة على دعوى غياب قائدهم وأنه يرجع، دال هو الآخر على بداهة واقتران اسم المهدي بالغيبة التي أنبأ بها النبي (ص) عن المهدي، وكذلك اتفاق الطبقات في القرون في الثورات المختلفة وغيرها على جملة : (يظهر فيملأها قسطاً وعدلاً) دال هو الآخر على تواتر وضرورة هذا الخبر عن النبي (ص) كبشارة للمسلمين.
ومن ثم كانت عقيدة المهدي من ذرية الرسول وغيبته عقيدة تلقاها المسلمون جيلاً بعد جيل عن نبيهم وأخذ يعقدون الآمال عليها، مما ورّث حالة الاستنفار القصوى لدى الدولة الأموية والعباسية كما في عهد العسكريين.
والغريب أن الكاتب يعترف أن عقيدة المهدي والأحاديث فيه طبقها عدّة من الثوار في ثوراتهم على قائدهم كما في اتباع النفس الزكية.
وهذا العدد الكبير الذي يعترف به الكاتب من دعوات المهدوية لهي أدلّ على أن عقيدة المهدي وكونه مصلحاً يملأ الأرض قسطاً وعدلاً ضرورة عند المسلمين يستند إليها كل الثوار في ثوراتهم، للتدليل على مشروعية حركاتهم تلك.
فكل ذلك التعدد والتنوع في الحركات المهدوية يدل على مسلمية البشارة بالمهدي وغيبته لدى المسلمين وأن الثورات المختلفة أو الفرق المنقرضة السابقة كانت تتذرع بتلك العقيدة الضرورية لتبرير مشروعيتها، وقد ذكر ذلك أكثر من تناول موضوع الثورات في التاريخ الإسلامي.
نعم روايات النبي (ص) حول المهدي المملوء كتب عامة أهل السنة بها متواترة عندهم باللفظ فضلاً عن المعنى مثل لفظ ذريتي يواطئ اسمه اسمي وكنيته كنيتي وخلقه دون خلقي، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ونحو ذلك.
فضلاً عن تواتر ذلك عند الإمامية وأنه ابن الحسن العسكري كما ذكرت ذلك في الرد على نقاش الكاتب في مقالة الشيخ الآصفي والرد على النقاش التاريخي.
وأكرر لك ما كتبته عن التواتر في موضوع الشورى قبل قليل:-
فأعلم أن التواتر ينقسم إلى تواتر لفظي ومعنوي وإجمالي، ويقسم تارة أخرى بلحاظ سعة وضيق دائرة التواتر وقد شرحت لك تقسيمات التواتر في مقالة سابقة وأعيد ذلك للتكرار لعلك تذّكر أو تنفعك الذكرى – وإني أشعر أن كثيراً مما أنت مقيم عليه نتيجة الغفلة عن قواعد العلوم الدينية – فالتواتر تارة بدائرة وسيعة كما في تواتر الخبر بوقوع الحرب العالمية الأولى والثانية، وثانية بدائرة أضيق كتواتر الخبر بواقعة الطف وكربلاء، وثالثة بدائرة أضيق كتواتر قواعد علوم اللغة العربية من مفردات اللغة والنحو والصرف والاشتقاق والبلاغة وغيرها فإن أبناء اللغة العربية ليس كلهم مطلعين على تمام خصائص اللغة العربية بل الحامل لتواتر تلك الخصائص هم علماء الأدب العربي وثلة بدائرة ضيقة، لكن ضيق هذه الدائرة لا يمنع تحقق ضابطة التواتر الرياضية والعقلية وهي تصاعد حساب الاحتمال من الجهة الكيفية والكمية، كما هو الحال في اختلاف وتعداد درجات اليقين في نفس الوقت الذي يصدق اليقين على كافة درجاته، ولا يستغرب ولا يتوهم التنافي بين تواتر اللغة العربية بعلومها وبين جهل أكثر أبناء اللغة العربية في كل قرن قرن بكثير من خصائص علوم اللغة، بل إن الطفل من أبناء اللغة في بداية نشوءه لا يعلم من اللغة إلا شيئاً يسيراً، ثم يأخذ في التعرف عليها بشكل تدريجي أوسع مما سبق، لكنه يبقى لا يحيط بتمام خصائص اللغة وعلومها حتى يتخصصّ في علوم اللغة العربية وإلا فسوف لن يرتفع إلى سقف التواتر المنقول عند أهل الاختصاص، وكل واحد من أبناء اللغة العربية هذا شأنه فترى هناك اختلاف في اطلاعهم على مفردات اللغة وقواعدها بحسب اتصالهم بدائرة التواتر المنقول عند علماء اللغة، لكن كل ذلك لا ينافي حصول التواتر ولو بأدنى درجاته، إذا عقلت ما ذكرت لك من بيان اختلاف دوائر التواتر وأن ضابطة حصول تصاعد حساب الاحتمال العامل الكيفي والعامل الكمي لصدور الغير، وفهمت المثال يسهل عليك فهم الأخبار المتواترة عن النبي (ص) أو عن الأئمة السابقين (ع) من أن الحامل لتواتر الخبر ثلة بعد ثلة من الرواة في الطبقات من دون لزوم اطلاع كافة الأمة أو كافة الطائفة أو كافة الرواة ولكن ذلك لا ينافي حصول دائرة وضابطة التواتر بعد تحققها نعم غاية ما يدل عدم اطلاع الكثير من الرواة عليه هو أن هذا التواتر ليس بدائرة وسيعة جداً بل هو بدائرة متوسطة أو مضيقة لا ينافي ضيقها حصول أدنى درجات التواتر بضابطته الرياضية. بل إن في عدة من أقسام التواتر هو سلاسل آحاد متفرقة لم يطلع بعضها على بعض أصلاً كما لم يطلع عليها الكثير من الرواة المعاصرين لطبقات تلك السلاسل، ولكن كمية تلك السلاسل الروائية والعوامل الكيفية المصعدة لاحتمال الصدور توجبان حصول ضابطة التواتر، ومن الغفلة والجهالة بمكان حسبان أن طبيعة التواتر هي من قسم واحد أو دائرة واحدة.
وأما تواتر روايات أن المهدي هو ابن الحسن العسكري فقد ذكرت لك نموذجاً من المصادر بفهرسة ببليوغرافية في الرد على نقاشك لمقالة الشيخ الآصفي من كتب الصدوق ومنهجه في إثبات ذلك الرد وعدد الروايات التي ذكرها وكذلك النعماني والطوسي والكليني والمفيد في الإرشاد وغيرهم في كتب أخرى تربوا على المئات. نعم أنت تطعن في وثاقة الكتب الإمامية ورواتها بالاختلاق وأنهم وضّاعين واستدلالك على ذلك هو طعنك في عقيدة الإمامية الإلهية، فأنت تقحم وتستعين بالبحث الكلامي أو النقلي في الخدشة في الدليل التاريخي أو النقلي على التقريبين في صياغة الاستدلال بتلك الروايات، بل إنك تخدش في قائمة علماء العامة التي تربو على (38) الذين ذكروا ولادته وأنه ابن الحسن العسكري وأنه ولادته كانت خفية تحت وطأة الإرهاب العباسي لكنك تتردد في اليد البيضاء لبني العباس.
وأما كلام السيد المرتضى فقد تبين لك بحسب ما جاء في كلامك الفرق بين وجود الشخص وكونه إماماً بعهد من الله تعالى كما في إبراهيم (ع) والذي يتوقف على الإيمان بعقيدة الإمامة هو إمامة الشخص المستتر المهدي بن الحسن العسكري (ع)، وأما أصل ولادته فيكفي في ذلك الروايات المتواترة المودعة في كتب الإمامية وكتب العامة الذين أشرت إلى قائمة أسمائهم ممن قرب عهده إلى عصر ولادته.
وها أنت تعاود تسمية الدليل الواحد أنه اعتباري وعقلي وانبهك مرة بعد أخرى أن الدليل الاعتباري يستخدم في العلوم الإعتبارية كعلم القانون والفقه والنحو والصرف ونحوها من العلوم وأما الدليل العقلي فستخدم في العلوم الحقيقية والضابطة في حجيته برهانيته، وقد نبهتك من قبل أن أدلة الإمامية على كبرى الإمامة بعضها عقلي محض وبعضها نقلي محض وبعضها مركب منهما وكذلك الصغرى وقد ذكر علماء الإمامية ما يربوا على عشرة مناهج لإثبات إمامة العترة من آل محمد (ص) ومع كل ذلك أنت مقيم على دعواك من عدم الدليل التاريخي ولعلك غافل عن معنى الدليل التاريخي، وكيف لا وأنت تدعي أن الإمام الهادي والعسكري وجودهما في سامراء لم يكن بضغط واحبار السلطة العباسية وأنت تتردد أمام كل التاريخ في إرهاب الدولة العباسية المتخذ تجاه الإمامين العسكريين وربما تتردد في كون القبرين في سامراء هما للعسكريين أم لا وأن سامرا عاصمة الدولة العباسية آنذاك أم لا.
وأن الإقامة الجبرية تحت وطأة السلطة كانت أم لا، ولا أدري أي مصدر تاريخي تريد اتخاذه.
ثم كيف تطالب بالبحث عن وجود المهدي (عج) بن الحسن العسكري أولاً ثم تبحث عن إمامته وأنت لا تذعن ولا تؤمن بإمامة علي بن أبي طالب والحسنين والذرية من عترة آل محمد (ص) وأنت لا تؤمن بكبرى الإمامة، فهل وجدت في علم المنطق الأرسطي أو الرياضي أو الوضعي أو النفسي أو غيرها أن البحث عن النتيجة قبل الكبرى وكيف لي بإفهامك بهذا الترتيب، هذا مع أنك ذكرت كرّات في مقالاتك أنك لا تستوثق بأيّ حديث يروى من السنة أو من الشيعة كما أنك ذكرت في كتابك حول المهدي أنك لا تحتج بأحاديث أهل السنة في المهدي فليس لك ضابطة في تصحيح واعتبار الأخبار تؤمن بها هو إنَّما حسب دعواك تؤمن بفهمك للقرآن الكريم بمقدار لا يبتعد عن أصالة الحس في المنهج الغربي العلماني الممزوج بالتحليل التخيلي.
------------------
البحراني
|