"الصفويون اقتبسوا "مسرحة" الذكرى من احتفالات آلام المسيح في القرم"
تحقيق سلوى فاضل
بمناسبة بدء ذكرى عاشوراء واقتراب موعد الاحتفال باليوم العاشر... هنا "استفتاء" لعدد من رجال الدين الشيعة حول الطقوس العنفية المرافقة له.
كيف يحيي الشيعة ذكرى استشهاد الحسين؟ ما الدوافع وراء استمرار احياء مراسم هذه الذكرى، رغم طول الزمن وبُعد المسافة؟ ما هي اشكال هذه المراسم؟ هل تم تجييرها لمصلحة طرف دون آخر؟ وكيف هي هذه الاشكال والصور من التأسّي بالحسين وأهله؟ وهل تختلف من بلد الى آخر؟
من اجل الاطلاع استطلعنا آراء علماء معروفين في لبنان حول هذا الموضوع وهم السيد محمد حسين فضل الله والسيد محمد حسن الامين و السيد هاني فحص والشيخ عبد الامير شمس الدين والشيخ نعيم قاسم والشيخ يوسف عبد الساتر والشيخ مرتضى عياد والسيد جعفر مرتضى.
وكان لكل منهم رأيه الخاص. انقسموا فريقين دونما اتفاق. فريق مع مؤيد للشعائر والطقوس العنفية الممارَسَة على مسرح عاشوراء، وفريق رافض لها. وكان السؤال واحداً موحداً ومحصوراً ب: ما هو رأيكم بالطقوس العنفية على مسرح عاشوراء؟
ولا بد من ذكر ان الطقوس العنفية هي الممارسات المعروفة بالتطبير وضرب حيدر بالسيوف على مقدم الرأس والضرب بالسلاسل الحديدية على الجسد واللطم العنيف والمشي حفاة مسافات طويلة وفي شمس حارقة مع الامتناع عن الطعام أو الشراب...
يمارس الشيعة في انحاء العالم هذه الشعائر بتنوع مختلف. وقد خفّت تدريجياً في لبنان بعد رفض رجال دين شيعة لبنانيين لها ومنع مؤيديهم من ممارستها، وكذلك مع اصدار كل من الامام الخميني وبعده الخامنئي فتوى تحرم هذه الممارسات.
لكن قسماً لا بأس به من "العلماء" ما زال يعلن تأييده له، وهم على سبيل المثال لا الحصر: الشيخ عبد الحسين صادق في النبطية، الشيخ مرتضى عياد في خندق الغميق بيروت، الشيخ عبد الحسين عبد الله في الخيام بالجنوب، السيد جعفر مرتضى في بيروت، السيد محمد عسيران في صيدا، الشيخ محمد كوثراني في الغسانية بالجنوب وآخرون. في حين انه بين الرافضين لهذه الشعائر يمكن تعداد بعض الاسماء امثال السيد محمد حسين فضل الله، السيد محمد حسن الأمين، السيد هاني فحص، الشيخ عبد الامير قبلان، الشيخ نعيم قاسم اضافة الى علماء راحلين كالشيخ محمد مهدي شمس الدين...
هذه المروحة الواسعة من المختلفين ما بين التأييد والرفض ليست وليدة هذه الايام او هذه السنوات بل تمتد الى زمن مضى حيث يعتبر السيد محسن الامين من ابرز من وقف في وجه هذه الممارسة الى العلامة هبة الدين الشهرستاني والشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ محسن شرارة والسيد مهدي القزويني اضافة الى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والسيد هاشم معروف الحسيني، والشيخ محمد جواد مغنية اضافة الى الإمام الخميني والإمام الخامنئي...
وبحسب العلامة السيد محمد حسن الأمين إن أشكال احياء عاشوراء متعددة ومتغيرة وذلك وفقاً للقيم والاعتبارات التي تحكم عقلية الاجيال التي تحييها وتقاليدها، لذلك نجد ان استخدام العنف في احياء هذه الذكرى من طريق ضرب الجسد وجرحه ولطمه بعنف تحمل تعبيراً خاصاً عن الاحتجاج وان كنت ارى ان الاصول التي تستند اليها اشكال العنف هذه مع الذات انما تعود الى مرحلة الندم.
في حين يعتبر مدير مركز العلامة الشيرازي في بيروت الشيخ يوسف عبد الستار ان "ممارسة هذه الشعائر متروكة للناس ولا نسميها عنفاً فهي طقوس ما لم تدخل في محرم، والمسائل التي تثير شجون الناس وآلامها لا مشكلة فيها" ويضيف انه "لولا نداء يا حسين، يا حيدر لم يكن هناك تحرير للجنوب والدول العربية لن تعرف معنى النصر الا مع هذا النداء. وهؤلاء الفلسطينيون من يدافع عنهم؟ لا نرى سوى الشيعة، فلولا عاشوراء لم يكن هناك تحرير... ورغم التضليل والتعتيم الذي لحق بالشيعة استطاع المذهب الجعفري الانتشار. اضافة الى ان العالم العربي يعيش الانهزام منذ العام 1948 بسبب بعده عن خط الامام الحسين، والمنبر الحسيني... لذا نترك لكل شخص رأيه الخاص في ممارسة هذه الشعائر ما لم يكن في ذلك ضرر والضرر هو الموت".
لكن نائب الأمين العام ل"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم يتساءل عن مشروعية هذه الطقوس؟ فهل تناسب تعزيز موقع الامام الحسين في النفوس؟ وهل يجوز ايذاء النفس؟ وهل يمكننا التعويض بالشعائر الأخرى للوصول الى الهدف؟
يضيف الشيخ قاسم قائلاً: "لم يرد في مسألة التطبير (ادماء الرأس) نص يثير اليه في دائرة الثواب او العقاب، لكن الامام الخميني واجه واقعاً صعباً في وقت انتشار التطبير، فاصدر فتوى قال فيها: "في الوقت الحالي لا تفعلوا ذلك (التطبير)، لكنه الشبيه اذا لم يكن مشتملاً على المحرمات ولم يكن موجباً للاستهانة بالمذهب فلا بأس به وإن كانت التعزية أفضل..." كما ان الخامنئي، بما يمثل لعدد كبير من الشيعة، اعتبر ان هذه الاعمال بدعة وليست من الدين، و"لا شك في ان الله لا يرضى على ذلك وانا ايضاً غير راض بالتطبير من صميم قلبي".
مقابل موقف "حزب الله" وايران يعترض العلامة المحقق السيد جعفر مرتضى على منع ممارسة هذه الشعائر ويرد على ذلك من طريق احد اساتذة حوزته الشيخ محمد حيدر قائلاً: "ان مراسم عاشوراء ومنها التطبير كانت، ولا تزال، من هم اسباب حفظ التشيّع على مر التاريخ". ولا يرى صواباً في "الاعتراضات والاشمئزازات التي لا تستند الى حجة او دليل بل هي مجرد استحسانات عقلية وانفعالات نفسية شخصية لا يمكن الاستناد اليها في مقام اثبات او نفي مشروعية أمر من الامور.
ويعدد الشيخ محمد حيدر المؤيدين امثال: الميرزا ابي القاسم القمي في ايران والميرزا محمد حسين النائيني في العراق والمجتهد الأكبر المرحوم الشيخ عبد الحسين صادق في لبنان. اضافة الى ان كتاب "مراسم عاشوراء شبهات وردود" للمحقق السيد جعفر مرتضى يعالج مسألة المشروعية بطريقة موضوعية وعلمية.
ويرى الشيخ حيدر ان ادعاء الحرص على المذهب من التشويه ليس الا خدعة مفضوحة ومنع هذه الشعيرة سوف يؤدي الى التطاول على غيرها، كالبكاء، الى ان يتم الغاء المراسم العاشورائية كلية. ويتساءل الشيخ حيدر: لماذا يريدون منا الانقطاع عن ممارسة هذه الشعائر في حين نرى ان اتباع الديانة المسيحية يحيون اسبوع الآلام وصلب الجسد وتعذيبه تآسياً بالسيد المسيح على مرأى من رجال دينهم ومثقفيهم ومسمع منهم؟
الطرف الذي يحرّم هذه الشعائر داعياً الى الاهتمام باهداف ثورة الحسين الانسانية كثورة ضد الظلم ودفاع عن الارض والوطن والانسان ودعوة الى الاقتداء بالمقاومة الاسلامية، والطرف الذي يرى في طقوس عاشوراء حفظاً لخط اهل البيت والمذهب الشيعي، يقفان مقابل بعضهما وجهاً لوجه ونداً لند. ويمكن التأكيد على ان الفئة الاولى المناهضة للعنف تنظر بعين واحدة جامعة الى المسلمين والاسلام والى تجيير الممارسات لمصلحة الأمة جمعاء، في حين يقف اصحاب الموقف الثاني موقف المحافظة على التشيّع والشيعة في وسط متحفّظ على الاقل...
يؤكد الشيخ مرتضى عياد: ان كل الشعائر في اجراء العقيدة والايمان بأهل البيت مسندة ومتفق عليها عند عامة المسلمين... وكل ما يكون في عاشوراء من لطم ومواكب ضرب على الرؤوس وبالجنازير جائز حلال ليس فيه شك ولا ريب بدليل فتوى المراجع العظام انطلاقاً من قول الامام الصادق "احيوا امرنا رحم الله امرأ احيا أمرنا" ويبتعد سماحة الشيخ عياد عن عاشوراء ليصل الى ان أهم ما في مراسم عاشوراء هو عدم تجييرها لحزب او تنظيم.
لكن الشيخ عبد الامير شمس الدين يرفض صيغة السؤال فيقول: هذا السؤال وبهذه الصيغة لا يتفق مع ما اصطلح عليه سياسياً بالاعمال العنفية. هو لا يتفق مع ما يصدر من الذين يعملون على احياء ذكرى نهضة الحسين (ع) من اعمال يتصور البعض انها لا تليق بقدسية الذكرى مثل اللطم ومواكب الرثاء والتطبير. فالعنف في المصطلح الأمني انما هو السلوك العدواني ضد الآخر ويمكن ان ينطبق على من يتصرف ضد شخصه تصرفاً يؤدي الى إلحاق الضرر به. اما ما يقوم به الموالون لأهل البيت فهو نوع من احياء ذكرى النهضة الحسينية وذلك عبر الحزن واظهار التفجع بقصد الحصول على الثواب. وليس هناك دليل على تحريمه كما يقول الشيخ شمس الدين لأنه في مجرى ما يسمى عند الفقهاء باصالة الاباحة. اما اذا ادى الى الاضرار بصاحب الذكرى فيصبح محرماً شرعاً بالعرض لا بالذات. وتجيير هذه الشعائر لمصلحة الانسانية ندعو الى انشاء بنك للدم باسم "بنك سيد الشهداء" كي يتبرع محبو الحسين لمساعدة المحتاجين.
ولا يرى الأمين مجرى لاحياء الثورة الحسينية سوى في ابداع اشكال جديدة لهذه الشعائر تعبر عن الشوق لاستحضار النهج الحسيني من خلال مواجهة الظلم السياسي، او اشكال الظلم الاجتماعي والفكري وتالياً ابتداع اشكال فنية تحمل اكبر قدر من تمجيد حرية الكائن الانساني التي هي في جوهر الاهداف التي قامت على اساسها حركة الامام الحسين وهي رسالته الى المسلمين والانسانية جمعاء.
ويرى الشيخ نعيم قاسم ان مساهمة المجاهدين من ابناء المقاومة الاسلامية ما هي الا نموذج تعبيري عن التفاعل العاطفي مع ذكرى الامام الحسين اضافة الى ان قوافل التبرع للجرحى على يد العدو الاسرائيل منسجمة مع التكليف ولا حاجة ساعتئذ "للمظاهر الخارجة عن هذه الدائرة".
السيد محمد حسين فضل الله يعتقد ان "الارتباط الروحي والانساني والصفوة الطيبة من اهل البيت لا بد ان يكون ارتباطاً شعورياً اضافة الى الارتباط العقلي الايماني لأن مسألة ان تحب الثائر يعني ان تتجذر الثورة في نفسك اضافة الى تجذرها الفكري... ولو سألنا الذين يضربون رؤوسهم بالسيف لأجابوا لأن الحسين ضرب بالسيف ولكن نقول هل ضرب الحسين بعقل بارد ام انه جرح وهو يجاهد في سبيل الله؟ هل ابناؤنا في المعتقلات يُضربون بالسياط بعقل بارد حتى نضرب انفسنا مثلهم ام لأنهم يجاهدون؟ اذا اردنا الاقتداء فعلينا بالعمل وبالحزن لا بالتماثل لا بالاستعراض. فالذين يلطمون حسب قواعد وحركات خاصة لا يعتبر لطمهم معبراً عن الحزن، بل المعبّر هو الحزن الهادئ الذي يجعل الناس يتأثرون فيعيشونه في انفسهم...".
اما السيد هاني فحص فقد قال حول الطقوس العنفية في عاشوراء: "لا اعتقد ان المطلوب مني الادلاء برأيي الفقهي لأن المسألة خلافية كأي مسألة فقهية، ويمكن الفقيه ان يجد الدليل على حرمة الممارسات العنفية في عاشوراء كما يمكن فقيهاً آخر ان يجد الدليل على اباحتها او وجوبها. من هنا اصبح من اللازم ان نطرح السؤال على انفسنا: الى أين ستمضي بنا حالة التربية على العنف وهل وجود الاعداء كاسرائيل كافٍ كي نستحضر كربلاء من خلال مظاهر العنف. في تقديري اننا بحاجة الى تربية اجيالنا على الحق اكثر من التربية على إلغاء الآخر الذي يؤدي الى الغاء الذات... وهذا الانقسام حول عاشوراء يتسع عاماً بعد عام دون ان يظهر أثر الممارسة على موقفنا وصراعنا الا اذا تم على اساس الوحدة...".
ومظاهر العنف بحسب السيد فحص "تؤدي الى جعل المسألة وكأنها شأن حصري بمذهب واحد وهذا ما يؤدي الى اقالة الآخرين من مسلمين ومؤمنين في شكل عام من المشاركة، وهذه مفارقة كبيرة لأن ثورة الحسين لم يكن لها منشأ مذهبي. كانت قبل المذاهب. وبُعدها الانساني هو الاظهر فيها".
ولا يمكن بحسب السيد فحص نسيان ما تعرض له السيد محسن الأمين وما دفعه ثمناً لموقفه الفقهي العميق، و"سوف يبقى صوته الى ان يأتي يوم يتحول الحسين من صعيد العنف الى صعيد الحزن المقدس الذي يطهّر ويجمع ويصل الذاكرة بالحلم".
يرجع السيد فحص الى التاريخ ليذكر ان مظاهر العنف مستودرة وتعود بحسب الوثائق الى الصفويين الذين حوّلوا ايران من مذهب الى مذهب فاحتاجوا في تحولهم الى مغيرات للسلوك الديني فأرسلوا في عهد الشاه طهماز بعثة الى بلاد القرم نقلت تفاصيل الاحتفال السنوي بآلام المسيح. ويؤكد ان من نقلها (مظاهر العنف) الى الجنوب اللبناني هو الدكتور ميرزا وهو مهاجر ايراني الى لبنان هو والد الدكتور بهجت ميرزا. علماً بأن ايران الدولة والمجتمع تعاني من بقايا هذه العقلية التي تمارس العنف.
* * *
يبقى القول ان الجزء الأكبر من الشيعة الممارسين ديننا يلتزمون بالحد الادنى وهو حضور مجالس العزاء يومياً وعلى مدى عشرة ايام وارتداء اللباس الاسود والابتعاد عن مظاهر الفرح، اضافة الى استحضار الأهل وخصوصاً الامهات، السيدة زينب، بنت الامام علي.