آخر تحديث للموقع :

الأحد 9 ربيع الأول 1445هـ الموافق:24 سبتمبر 2023م 12:09:03 بتوقيت مكة

جديد الموقع

أن عثمان رضي الله عنه ضرب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه حتى كسر أضلاعه ..

أن عثمان ضرب عمار بن ياسر حتى أصابه الفتق وكسر ضلع من أضلاعه

وقد اختلفوا في كيفية وقوع هذه القصة، وفي سببها اختلافاً بيّناً:
ففريق منهم زعم أن سبب ضرب عثمان لـ عمار: هو اعتراض عمار على عثمان لأخذه من بيت مال المسلمين؛ فقد روى المفيد بسنده أن عثمان أخذ من بيت مال المسلمين ألف ألفَ درهم، فاعترض عليه كثير من الصحابة، وكان أشدهم اعتراضاً عمار بن ياسر، فلما رأى عثمان شدة اعتراض عمار نزل عن المنبر، فجعل يتوطأه برجله حتى غشي على عمار، واحتمل وهو لا يعقل إلى بيت أم سلمة، فأعظم الناس ذلك، وبقي عمار مغمى عليه لم يصل يومئذ الظهر والعصر والمغرب... وبلغ عثمان أن عماراً عند أم سلمة فأرسل إليها فقال: ما هذه الجماعة في بيتك مع هذا الفاجر؟ فزجرته أم سلمة، وطلبت منه أن يكف أذاه عنه، ثم لما صلح عمار من مرضه، وخرج إلى المسجد، دخل على عثمان ناعي أبي ذر قادماً من الربذة، فاسترجع عثمان وقال: رحمه الله، فقال عمار: رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا، فقال له عثمان: وإنك لهناك بعد يا عاض أير أبيه، أتراني ندمت على تسييري إياه؟ فقال له عمار: لا والله ما أظن ذاك. قال: وأنت أيضاً فالحق بالمكان الذي كان فيه أبوذر، فلا تبرحه ما حيينا، فتوسط بنو مخزوم ومعهم علي بن أبي طالب له عند عثمان حتى لا يسيّره، فأجابهم إلى ذلك[1].

وأما السبب الآخر الذي ذكروه: فهو دفنه لـ عبد الله بن مسعود دون أن يعلم عثمان ؛ فقد رووا أن عثمان مر بقبر جديد، فسأل عنه، فقيل: عبد الله بن مسعود، فغضب عثمان على عمار لكتمانه إياه موته؛ إذ كان المتولي للصلاة عليه والقيام بشأنه، وعندها وطأه عثمان، وداس على مذاكيره بنعل حذائه حتى أصابه الفتق[2].

وأما السبب الثالث الذي ذكروه: فهو إنكاره على عثمان ما أحدثه في الدين من مخالفات-كما زعموا-.

وقد ذكر الشيعة في هذا السبب العديد من الأمور التي زعموا أن عثمان رضي الله عنه خالف بفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه[3].

وذكروا في سبب ضرب عثمان لـ عمار أنه اجتمع قرابة الخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار، فكتبوا كتاباً عددوا أحداث عثمان وما نقموا عليه، وخوفوه به، وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع، وقالوا لـ عمار: أوصل هذا الكتاب لـ عثمان حتى يقرأه، فلعله أن يرجع عن هذا الذي ننكره، فلما قرأ عثمان الكتاب طرحه، ثم قال: أعليّ تقدم من بينهم؟ فقال: إني لأنصحهم لك، قال: كذبت يا ابن سمية، فقال عمار: أنا ابن ياسر. فأمر عثمان غلمانه فمدوا بيديه ورجليه، وضربوه حتى أغمي عليه، وكان ضعيفاً كبيراً، وقام إليه عثمان بنفسه ووطئ بطنه ومذاكيره برجليه وهما في الخفين حتى أصابه الفتق، فأغمي عليه أربع صلوات فقضاها بعد الإفاقة... إلخ[4]والاختلاف بين هذه القصص التي أوردها الشيعة واضح ظاهر، وهم يعترفون بذلك، ولكن يدعون أن أصل القصة ثابت؛ قال المرتضى: وهذا الذي فعله من ضرب عمار لا يختلف الرواة فيه، وإنما اختلفوا في سببه[5]، وقال الطوسي بمثل قوله[6].

ولهذا الاختلاف الواضح في سبب هذه الواقعة عدل كثير من مصنفي الشيعة عن ذكر القصة مفصّلة، واكتفوا بذكر ضرب عثمان لـ عمار مع عدهم هذا الفعل من منكراته.

وقد اجتمعوا على أن عثمان ضرب عمار بن ياسر بنفسه، أو أمر غلمانه بذلك، وأن عمار قد تضرر من هذا الضرب فأصابه الفتق، أو كُسر ضلع من أضلاعه، أو أصابه الأمران معاً، على اختلاف بين الشيعة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك[7].

ويزعم الشيعة أن عمار بن ياسر حمل الضغينة في قلبه على عثمان، وألب الناس عليه، وشاركهم في قتله، وكان يقول عنه: قتلناه كافراً[8]، وكان يقول: ثلاثة يشهدون على عثمان أنه كافر، وأنا الرابع، وأنا أسمي الأربعة، ثم يقرأ هؤلاء الآيات في المائدة: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]، والظَّالِمُونَ [المائدة:45] والْفَاسِقُونَ [المائدة:47][9].

المناقشة:
إن هذه القصص التي أوردها الشيعة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، وهي تخالف الثابت الصحيح من الروايات العديدة في ذلك، واختلاف هذه القصص وتضارب أخبارها من الدلائل على اختلاقها وكذبها.

وقد ذكر بعض الشيعة أن عمدة أسانيد هذه القصص على اختلافها: هو أبو مخنف لوط بن يحيى[10] وهو شيعي محترق، وأخباري تالف، لا يعز عليه أن يظهر عثمان بمظهر الخليفة الذي كثرت سقطاته فاستحق ما أصابه.

ولم أقف على أحد من أهل السنة ذكر ما يشبه هذه القصص إلا البلاذري[11] فإنه قد ذكر اختلاف عثمان مع عمار حتى أمر به فضُرب حتى غُشي عليه، وحتى أصابه الفتق. ولكن هذه الرواية مروية من طريق أبي مخنف لوط بن يحيى أيضاً، وقد تقدم أنه عمدة الروايات الشيعية السالفة الذكر، وقد نسب هذه الروايات إلى الكذب عدد من علماء أهل السنة، أمثال القاضي ابن العربي، فقد قال عن زعم الشيعة أن عثمان ضرب عمار حتى أصابه الفتق بأنه إفك، وعقّب على ذلك بقوله: [ولو فتق أمعاءه ما عاش أبداً][12].

ومما يدلل أيضاً على كذب هذه الروايات ما ورد فيها من ألفاظ نابية لا تجري إلا على ألسنة الرعاع، ولكن الشيعة زعموا أنها جرت على لسان أصدق الأمة حياء عثمان رضي الله عنه، فإن كان أصدق الناس حياء يقول هذا كما زعم الشيعة، فماذا يقول من هو دونه في صدق الحياء؟!

ولكن كذب هذه الروايات التي أوردها الشيعة كلها لا يحملنا على تكذيب بعض الروايات الصحيحة التي وردت في بعض كتب أهل السنة، والتي أشارت إلى وجود خلاف بسيط بين عثمان وعمار رضي الله عنهما، دون أن تذكر أنه ضربه أو أمر غلمانه بضربه حتى أصابه الفتق، أو كسرت أضلاعه كما زعم ذلك الشيعة في كتبهم؛ فقد روى الطبري بسنده عن سعيد بن المسيب قصة ملخصها أن عمار بن ياسر وعباس بن عتبة بن أبي لهب[13] استبا يوماً، وحصل بينهما خلاف اضطر عثمان رضي الله عنه معه إلى تأديبهما، والأخذ لكل واحد منهما بحقه من الآخر[14]، ولم يفعل في ذلك إلا ما يجب على ولي الأمر أن يفعله في مثل هذه الأحوال.

وكأن عماراً وجد في نفسه من ذلك فأراد السمح الحيي عثمان رضي الله عنه أن يزيل ما علق في نفسه من آثار تلك الحادثة، فعاتبه عتاباً لطيفاً بيّن له فيه أنه فعل ما يرضي الله، ومما قاله: [يا أبا اليقظان قذفتَ ابن أبي لهب أن قذفك، وغضبت عليّ أن أخذت لك بحقك وله بحقه، اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة، اللهم أني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي، اخرج عني يا عمار][15].

ولم يذكر في هاتين الروايتين أن عثمان ضرب عماراً فكسر ضلعاً من أضلاعه، أو داس عليه ففتق له أمعاءه، أو ناله بأي نوع من أنواع الأذى.

ولعل الشيعة تمسكوا بما جاء في هاتين الروايتين من الاختلاف بين عثمان وعمار، وبنوا على هذا الاختلاف قصصهم المكذوبة التي سبق ذكرها.

أما ما نسبه الشيعة إلى عمار من تكفير عثمان: فهو من الكذب، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن طائفة من العلماء أنكروا أن يكون عمار قال ذلك[16].

وقد رأى رحمه الله أن تكفير عمار لـ عثمان رضي الله عنهما لو صحّ، فليس فيه ما يقدح في واحد منهما؛ لأن [الرجل المؤمن الذي هو ولي الله قد يعتقد كفر الرجل المؤمن الذي هو وليّ الله، ويكون مخطئاً في هذا الاعتقاد، ولا يقدح هذا في إيمان واحد منهما وولايته][17].

واستدل على قوله هذا بما ثبت في الصحيح من قول أسيد بن حضير لـ سعد بن عبادة في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إنك منافق تجادل عن المنافقين][18]، وبما قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه لـ حاطب بن أبي بلتعة: «دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فأجابه النبي عليه السلام: إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»[19].

وقد عقب شيخ الإسلام ابن تيمية على هذا الاستدلال بقوله: [فـ عمر أفضل من عمار، وعثمان أفضل من حاطب بن أبي بلتعة بدرجات كثيرة، وحجة عمر فيما قال لـ حاطب أظهر من حجة عمار، ومع هذا فكلاهما من أهل الجنة، فكيف لا يكون عثمان وعمار من أهل الجنة، وإن قال أحدهما للآخر ما قال؟!][20].

وقد تقدم الكلام على أن طائفة من علماء أهل السنة أنكروا أن يكون عمار بن ياسر قال ذلك.
عبدالقادر صوفي ..


 [1] الأمالي للمفيد ص:96-72. وانظر: الشافي للمرتضى ص:278، وتلخيص الشافي للطوسي ص:456، والدرجات الرفيعة للشيرازي ص:262.
[2] 
الشافي للمرتضى ص:278، وتلخيص الشافي للطوسي ص:456، والدرجات الرفيعة للشيرازي ص:262-263، وفصل الخطاب للنوري الطبرسي 121.
[3] 
سيأتي الكلام عنها ص 882.
[4] 
الجمل للمفيد ص:99، والشافي للمرتضى ص:278، وتلخيص الشافي للطوسي ص:456، والدرجات الرفيعة للشيرازي ص:263.
[5] 
الشافي للمرتضى ص:278.
[6] 
تلخيص الشافي للطوسي ص:456.
[7] 
راجع للاطلاع على موقف الشيعة من ذلك المصادر الشيعية التالية: تاريخ اليعقوبي 2/ 171، والأمالي للمفيد ص:96-72، والجمل له ص:99، والشافي للمرتضى ص:263، 278-279، وتلخيص الشافي للطوسي ص:445، 456، ومنهاج الكرامة للحلي ص:140-141، وكشف المراد له ص:406، والاستغاثة للكوفي 1/ 53، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20/ 20، والطرائف لابن طاوس ص:496، ونفحات اللاهوت للكركي ق:36/ أ، 55/ ب، 56/ أ، 57/ ب، 58/ أ، 64/ ب، والصراط المستقيم للبياضي 3/ 33، 238، وعلم اليقين للكاشاني 2/ 700، وإحقاق الحق للتستري ص:252، 255، والمصباح للكفعمي ص:555، والدرجات الرفيعة للشيرازي ص:255، 262-263، وعقائد الإمامية للزنجاني 3/ 49-50، وفي ظلال التشيع لمحمد علي الحسني ص:66، وأعيان الشيعة لمحسن العاملي 42/ 213، والشيعة في الميزان لمحمد جواد مغنية ص 28، وسيرة الأئمة الاثني عشر لهاشم الحسيني 1/ 410، 537-538، وأحاديث أم المؤمنين للعسكري 1/ 117-121.
[8] 
راجع: الجمل للمفيد ص:195، وإحقاق الحق للتستري ص:255، وعقائد الإمامية للزنجاني 3/ 49-50، وفي ظلال التشيع لمحمد علي الحسني ص:66.
[9] 
تفسير العياشي 1/ 323. وانظر: البرهان للبحراني 1/ 476، وبحار الأنوار للمجلسي 24/ 7.
[10] 
راجع: الشافي للمرتضى ص:278، وتلخيص الشافي للطوسي ص:456، والدرجات الرفيعة للشيرازي ص:262-263.
[11] 
أنساب الأشراف للبلاذري 5/ 48-49.
[12] 
العواصم من القواصم لابن العربي ص:77-78.
[13] 
صحابي. الإصابة 2/ 271-272.
[14] 
تاريخ الطبري 5/ 99.
[15] 
تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر 7/ 429، والتمهيد والبيان للمالقي ص:89-90.
[16] 
منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/ 255.
[17] 
منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/ 254-255.
[18] 
صحيح البخاري 4/ 5، ك. الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضا، و5/ 254، ك. المغازي، باب حديث الإفك، و6/ 190، ك. التفسير، باب ومن سورة النور، وصحيح مسلم 4/ 2134، ك. التوبة، باب في حديث الإفك، ومسند أحمد 6/ 196.
[19] 
سيأتي تخريجه ص 927.
[20] 
منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/  255

عدد مرات القراءة:
11988
إرسال لصديق طباعة
 
اسمك :  
نص التعليق :