آخر تحديث للموقع :

الأربعاء 12 ربيع الأول 1445هـ الموافق:27 سبتمبر 2023م 06:09:26 بتوقيت مكة

جديد الموقع

عثمان درأ القصاص عن عبيد الله بن عمر وقد قتل الهرمزان ..

عثمان درأ القصاص عن عبيد الله بن عمر وقد قتل الهرمزان

قال الحلي: [أسقط عثمان القود عن ابن عمر، والحد عن الوليد مع وجوبهما][1].

وقال في موضع آخر يحكي عن عثمان رضي الله عنه: [وضيّع حدود الله فلم يقتل عبيد الله بن عمر حين قتل الهرمزان مولى أمير المؤمنين بعد إسلامه، وكان أمير المؤمنين يطلب عبيد الله لإقامة القصاص عليه، فلحق بـ معاوية، وأراد أن يعطل حد الشرب في الوليد بن عقبة، حتى حده أمير المؤمنين وقال: لا يبطل حد الله وأنا حاضر][2]وبنحو قوله قال التستري[3].

المناقشة:
كان وقع مقتل عمر رضي الله عنه في نفوس المسلمين عظيماً، حتى لكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ[4]؛ فلم تكن الحادثة بعد مرض ألمّ بالخليفة، بل وقعت فجأة أمام نظرهم فهالهم ما رأوا، ومما زاد الأمر هَوْلاً وقوع الحادثة في المسجد وعمر رضي الله عنه يؤم الناس لصلاة الصبح.

ومن الذين بلغ بهم الهول مبلغه: عبيد الله بن عمر بن الخطاب الذي تأثر بمقتل أبيه، وعلم أن مقتله كان بمؤامرة مدروسة، فعمد إلى قتل من اعتقد أنهم خيوط هذه المؤامرة.

فلماذا قتل عبيد الله الهرمزان وجفينة؟ وما هو موقف الصحابة من صنيعه هذا؟ ولماذا ترك عثمان تنفيذ القصاص في عبيد الله بن عمر؟

روى الطبري بسنده عن سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر[5] قال غداة طعن عمر: مررت على أبي لؤلؤة عشي أمس، ومعه جفينة والهرمزان وهم نجيّ[6]، فلما رهقتهم[7] ثاروا، وسقط منهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، فانظروا بأي شيء قتل؟ وقد تخلل أهل المسجد وخرج في طلبه رجل من بني تميم، فرجع إليهم التميمي، وقد كان أَلَطَّ[8] بـ أبي لؤلؤة منصرفه عن عمر، حتى أخذه فقتله، وجاء بالخنجر الذي وصفه عبد الرحمن بن أبي بكر. فسمع بذلك عبيد الله بن عمر، فأمسك حتى مات عمر، ثم اشتمل على السيف فأتى الهرمزان فقتله... ثم مضى حتى أتى جفينة... فلما علاه بالسيف صَلّبَ بين عينيه...[9]-أي رسم الصليب على جبينه-.

فهذا هو الدافع الذي دفع عبيد الله إلى قتل الهرمزان وجفينة النصراني، وهذا الصنيع منه لا يسلّم له، وقد وصفه عثمان رضي الله عنه بأنه فَتْق، وأراد أن يقتص منه، لولا أنه رأى أن جمهور الصحابة لا يقرونه على قتله، وقد احتج عليه بعضهم بأن عبيد الله إنما قتل الهرمزان وجفينة وليس على المسلمين سلطان، فإن ترك قصاصه فلا شيء عليه؛ روى ابن سعد والطبري أن عثمان رضي الله عنه جمع الصحابة واستشارهم في قضية عبيد الله، وقال لهم: أشيروا عليّ في هذا الذي فتق في الإسلام ما فتق، فقال علي: أرى أن تقتله، وقال بعض المهاجرين: قتل عمر بالأمس، ويقتل ابنه اليوم، فقال عمرو بن العاص: لقد أعفاك الله من هذا الحادث يا أمير المؤمنين؛ فقد كان وليس على المسلمين سلطان[10].

وقد ظهر لـ عثمان رضي الله عنه أن الأغلبية من الصحابة كانوا يرون عدم قتله، ولم يخالف في ذلك أحد منهم إلا علي رضي الله عنه، فأخذ عثمان برأي عمرو بن العاص، ووداهما من ماله رضي الله عنه[11].
وقد عقّب ابن كثير رحمه الله على هذه الرواية بقوله: [والإمام يرى الأصـلح في ذلك][12].

على أن هناك رواية أخرى عند الطبري أفادت أن عثمان طلب من ابن الهرمزان أن يقتل قاتل أبيه؛ عبيد الله، ولكن ابن الهرمزان كما حكى عن نفسه لما رأى رغبة الصحابة في عدم قتله تركه ولم يقتله إكراماً لهم[13].

فلا مأخذ على عثمان رضي الله عنه في حادث قتل الهرمزان ومن معه، وخاصة إذا علمنا أن قتل عبيد الله لهم كان تأولاً؛ لأنه كان يعتقد أن الهرمزان وجفينة أعانا على قتل أبيه، وأنه يجوز له قتلهما، فصارت هذه شبهة يجوز أن يجعلها المجتهد مانعة من وجوب القصاص، فإن مسائل القصاص فيها مسائل كثيرة اجتهادية[14].

فلا تسلم مزاعم الشيعة في كون عثمان رضي الله عنه ضيّع حدود الله في عدم قتله لـ عبيد الله بن عمر لما تقدم.

أما عن زعمهم أن علي بن أبي طالب طلبه ليقتله في أيام خلافته، فهو يعارض معتقدهم في كون علي لم يغيّر شيئاً مما فعله أسلافه من الخلفاء مخافة تخطئتهم[15]، فكيف يريد الاقتصاص من عبيد الله بن عمر مخطئاً بذلك عثمان رضي الله عنه الذي حكم بعصمة دم عبيد الله، وهو لم يفكر في تخطئته وتخطئة أبي بكر وعمر في أمور يعد الاقتصاص من عبيد الله إذا قيس بها أمراً تافهاً؟

على أن هذا الزعم منهم أقرب إلى ذم علي من مدحه.

أما ما زعموه من كون الهرمزان مولى لـ علي: فقد كذّب هذا الزعم شيخ الإسلام ابن تيمية، وساق أدلة قوية تبطله[16].

ومن العجب أن دم الهرمزان المتهم بالنفاق، والمحاربة لله رسوله، والسعي في الأرض بالفساد تقام فيه القيامة، ودم عثمان رضي الله عنه يُجعل لا حرمة له، وهو إمام المسلمين والمشهود له بالجنة، الذي هو -وإخوانه- أفضل الخلق بعد النبيين[17].
عبدالقادر صوفي ..


 [1] كشف المراد للحلي ص:406.
[2] 
منهاج الكرامة للحلي ص:141.
[3] 
إحقاق الحق للتستري ص:257.
[4] 
صحيح البخاري 5/ 85، ك. فضائل الصحابة، باب قصة البيعة والاتفاق على عثمان.
[5] 
صحابي. مات سنة خمسين ونيّف. الإصابة 2/ 407-408.
[6] 
أي يتحدثون سراً. الصحاح للجوهري 6/ 2503.
[7] 
أي اقتربت منهم وضيّقت عليهم. الصحاح 4/ 1486.
[8] 
أي أمسكه. الصحاح 3/ 1178.
[9] 
تاريخ الطبري 5/ 42.
[10] 
طبقات ابن سعد 3/ 356، وتاريخ الطبري 5/ 41.
[11] 
طبقات ابن سعد 3/ 356، وتاريخ الطبري 5/ 41.
[12] 
البداية والنهاية لابن كثير 7/ 162.
[13] 
تاريخ الطبري 5/ 43-44.
[14] 
منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/ 281.
[15] 
تلخيص الشافي للطوسي ص:342-343.
[16] 
منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/ 276-277.
[17] 
منهاج السنة النبوية لابن تيمية 6/ 286

عدد مرات القراءة:
12809
إرسال لصديق طباعة
السبت 27 شعبان 1437هـ الموافق:4 يونيو 2016م 10:06:17 بتوقيت مكة
علاء الجبالي  
كيف يعني الرجل قتل بالامس فلا يقتل ابنه اليوم ثم كيف وربنا قال ومن قتل نفسا بغير نفس فكانما قتل الناس جميعا اليست بنت فيروز نفس اليس الهرموزان نفس ليس عندنا اصنام تعبد ولا احد معصوم بعد الانبياء
 
اسمك :  
نص التعليق :