تولية عثمان للظالمين
منها ان عثمان ولى وأمر من صدر منه الظلم والخيانة وارتكاب الأمور الشنيعة كالوليد ابن عقبة الذي شرب الخمر وأم الناس في الصلاة وهوسكران وصلى الصبح أربع ركعات ثم قال: هل ازيدكم؟ وولي معاوية الشام التى هي عبارة عن أربع ممالك فتقوى حتى انه نازع الأمير وبغي عليه في ايام خلافته. وولى عبد الله بن سعد مصر فظلم أهلها ظلماً شديداً حتى اضطرهم إلى الهجرة إلى المدينة وخرجوا عليه. وجعل مروان وزيره وكاتبه فمكر في حق محمد بن أبي بكر وكتب مكان اقبلوه أقتلوه. ولم يعزلهم بعد الاطلاع على أحوالهم حتى تضجرت الناس منه فآل أمره إلى أن قتل، ومن كان في هذا حاله فهوغير لائق بالإمامة.
والجواب أن الإمام لابد له ان يفوض بعض الأمور إلى من يراه لائقاً لما هنالك بحسب الظاهر إذ ليس له علم الغيب، فإنه ليس بشرط في الإمامة عند أهل الحق. وقد كان عماله ظاهراً مطيعين له منقادين لأوامره. وقد ثبت في التاريخ أنهم خدموا الإسلام وشيدوا الدين، فقد فتحوا بلاداً كثيرة حتى وصلوا غرباً إلى الأندلس وشرقاً إلى بلخ وكابل وقاتلوا براً وبحراً، وأستأصلوا أرباب الفتن والفساد من عراق العجم وخراسان، وقد عزل بعض من تحقق لديه بعد ذلك سوء حاله كما عزل الوليد. ومعاوية لم يبلغ في زمنه حتى يستحق العزل، بل قد أجرى خدمات كثيرة، كما غزا الروم وفتح منها بلاداً متعددة. وأما الشكايات التى وقعت على عبدالله بن سعد فمن تزوير عبدالله ابن سبأ وتسويلاته. وبالجملة لم يكن لعثمان قصور مما هنالك، وحالة مع عماله كحال الأمير مع عماله، إلا أن عمال عثمان كانوا منقادين لأوامره ومطيعين له، بخلاف عمال الأمير ومن راجع ما سلف منا من خطب الأمير في حق أتباعه وجنده وأشياعه تبين له صدق هذا الكلام، وأن لا عتب على ذى النورين في ذلك ولا ملام. وقد كتب الأمير كرم الله تعالى وجهه إلى المنذر الجارود العبدى (أما بعد فصلاح أبيك غرني وظننت انك تتبع هداه وتسلك سبيله، فإذا أنت - فيما نما إلى عنك - لا تدع لهواك أنقياداً، ولا تبقى لآخرتك عتاداً. تغمر دنياك بخراب آخرتك، وتصل عشيرتك بقطيعة دينك) إلى آخر ما قال. ومثل هذا كثير في ذلك الكتاب. فكما أن الأمير لا يلحقه طعن بسبب ما وقع من عماله، كذلك عثمان. وإلا فما الفرق؟ والله سبحانه الموفق للهداية وبه نستعيذ من الضلالة والغواية.