الثورة الإسلامية انحرفت ولابد من التغيير!
أجرى الحوار في مدينة قم: محمود صادق
آية الله العظمي حسين علي منتظري. فقيه الثورة الإسلامية، كان في ما مضى بمثابة ولي للعهد لزعامة الثورة الإسلامية التي قامت في عام 1979، اصطدم مع آية الله روح الله الخميني في عام 1988 قبل وقت قصير فقط من وفاة الزعيم الثوري، وذلك لانتقاده انتهاكات حقوق الإنسان من قبل النظام، وتم استبدال منتظري على وجه السرعة كخليفة لآية الله الخميني بالمرشد الأعلى الحالي، آية الله على خامنئي ولكنه بقي في منصبه الديني كآية الله، متمتعا بعدد كبير من الأتباع في صفوف المتدينين الإيرانيين وبمسؤولية تفسير أحكام المرشد الأعلى.
ولكن منتظري أغرق في انتقاداته للنظام في عام 1997 ووضع قيد الإقامة الجبرية في مدينة قم المقدسة، وكانت جنايته التشكيك في الحكم غير الخاضع للمحاسبة الذي يمارسه المرشد الأعلى، وجردت وسائل الإعلام المحافظة في إيران منتظري من لقبه الديني كآية الله العظمي واصفة إياه بأنه رجل دين "بسيط".
ولم تؤد فترة احتجاز طال أمدها أكثر من خمس سنوات إلى إسكات منتظري، وهو في الثمانينات من عمره، بل دائما ما تؤدي أفكاره المثيرة للجدل إلى إثارة مشاكل على الدوام لناشريها ومحرري المطبوعات التي تنشرها مع السلطات، ونفوذه المتواصل يمكن أن نلاحظه في الاضطرابات التي أثارها بين الفينة والأخرى عبر توجيهه توبيخات لاذعة لآية الله خامنئي، وأعضاء مجلس صيانة الدستور المحافظين الذين يرون أن عملهم هو وقف تقدم اتجاه أكثر ليبرالية وحداثة في الحياة السياسية الإيرانية.
وعلى الرغم من تردي وضع منتظري الصحي فإنه ما زال غير متهيب رغم تقدمه في السن والوهن الذي دب في أوصاله، "الوطن العربي" التقت آية الله العظمى منتظري في مقر إقامته بمدينة قم في أول لقاء علني له مع مطبوعة عربية بعد رفع الإقامة الجبرية عنه، ورغم أن مساعديه اشترطوا علينا عدم إجهاده وألا تزيد مدة الحوار على نصف ساعة، إلا أن الوقت جاوزنا ومن العراق إلى الثورة وتداعيات الداخل في إيران جاءت حصيلة اللقاء الذي قارب الساعة ولولا أن ملامح الإجهاد كانت قد بدأت تدب في أوصاله ما تركناه ولا تركنا ولامتد اللقاء ليتنوع في قضايا أخرى.
تحرير العراق
لا يمكن أن نبدأ إلا من العراق، كيف ترى أسلوب تحرير العراق وحل مشاكله؟
إن حل مشاكل العراق إنما يتيسر بالتبادل الفكري بين النخب والإفادة من قوة نفوذ المرجعية الشيعية وبمشاركة كل القوى والطاقات والطوائف وبتشكيل دولة شاملة من خلال انتخابات حرة، أما أن تعمد بعض القوى المتشددة، ومع إساءة الإفادة من اسم الإسلام والدين، إلى ممارسة القتل والاغتيال والأعمى والطائش وتلجأ إلى عمليات الاختطاف فذلك لن يكون دافعا لتحرير العراق، وكذلك ما يفعلونه من اتخاذ العتبات الشريفة خنادق لهم فيسببون بذلك هتكا لتلك العتبات المقدسة، إن كل ذلك ليس من الدين في شئ ولا يوجب خروج قوات الاحتلال من البلاد بل يتضرر بمثل هذه الحركات الإسلام والدين والشعب العراقي، إن من الواجب واللازم الجهاد الدفاعي أمام المحتلين بعد إعداد الإمكانيات والوسائل اللازمة، إلا أن الجهاد ليس باختطاف الأفراد الأبرياء واغتيالهم.
وأضرب لذلك مثالا بما حدث لامرأتين من أتباع إيطاليا كانت قد دخلتا العراق للخدمات الإنسانية، إن لم تكن التبشيرية، واختطفتا وقتلتا احتجاجا على حضور القوات الأجنبية، في حين لو كان هناك احتجاج على الاحتلال فالمسؤولية على الدول لا أتباعها، فالقرآن الكريم يقول "ولا تزر وازرة وزر أخرى" وهذه الآية من الآيات المحكمات في القرآن الكريم ولا تتحمل أي توجيه أو تأويل.
لكن المقاومة لا شك تفيد في إشعار قوات الاحتلال أن بقاءها في العراق مستحيل؟
ـ نعم ولكن أي شكل من أشكال المقاومة، إن ذلك ممكن أيضا بالأساليب العقلانية وعلى القوات الأجنبية أن تعلم أن بقاءهم الطويل في العراق ليس من صالحهم عليهم أن يتركوا البلد بأسرع ما يكون ذلك أن البقاء الطويل يضر بهم مئة بالمئة.
بقايا ثورة
بالنسبة للوضع الداخلي في إيران، هل ما زالت الثورة الإسلامية باقية؟
ـ ظاهريا، ما زالت الثورة باقية، لكن السؤال هل حققت مطالب الشعب؟، في رأيي أنهم لم يحققوا ما وعدوا به الجماهير، وحتى هذه الشعارات الإصلاحية التي رفعها السيد خاتمي خلال فترة توليه المسؤولية لم يستطيعوا أن يحققوا منها شيئا رغم أنها ليست بجديدة على المجتمع الإيراني وسبق أن رفعها أيضا منفذو الثورة الإسلامية من لحظة قيام الثورة، والحريات العامة التي هي حق مكتسب للجميع لم يتحقق منها شئ حتى اليوم ولذلك نجد الشعب الإيراني قد صار محبطا بعد أن خيبت كل آماله السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
كانت لكم العديد من الملاحظات على ممارسات المسؤولين منذ أيام الثورة الأولى ولذلك كان قرار تحديد إقامتكم الجبرية، هل ما زلتم على موقفكم، البعض يسجل ذلك بأنه دليل على معارضتكم الثورة الإسلامية وعدم تأييدها؟
ـ نعم ما زلت على موقفي فالمشكلة في رأيي عدم الوفاء بالوعود ولذلك كنت دائما ما أتساءل من لحظة انتصار الثورة عن الذي يمنع من تحقيق مطالب الجماهير، لقد كان ذلك أحد أهم أسباب قيام الثورة الإسلامية، بل لقد كنت واحدا من هؤلاء الذين اختلفت معهم من لحظة دخول أول سجين سياسي المعتقل وكنت دائما ما أسألهم ما دمنا قلنا إنها ثورة إسلامية فما حاجتنا إلى استخدام أساليب القمع؟! هل كان يوجد أيام الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد من الصحابة سجناء رأي سياسي! إن التاريخ يذكر لنا أن شخصا اسمه عبد الله بن كوار انتقد علي بن أبي طالب علنا لكنه لم يدفع به إلى المعتقل، فلماذا إذن نتجرأ اليوم على من يخالفنا في الرأي ونرمي به في ظلمات السجون! إذا كنا ندعى أننا نسير على خطى أسلافنا فلنفعل ما كانوا يفعلون ولا ننتقي منه ما يعجبنا ويأتي ليدعم مصالحنا الشخصية ونترك ما فيه الصالح العام الذي هو من جوهر الإسلام، إن أمير المؤمنين سيدنا علي بن أبي طالب يقول في نهج البلاغة خطبة 216 "شوروا على وقولوا لي قول الحق، وأنا لست أعلى من الحق ولست أكبر من أن أخطئ إلا أن يكفيني الله "، إن المشورة إذن واجبة على حكام المسلمين والخطأ وارد في أفعالهم " إلا أن يكفيهم الله"، ونحن أهل الشيعة نعتبر عليا من المعصومين ونقرأ هذا الذي قاله ونزعم أننا بشر ولسنا من المعصومين، ثم نفعل ما كان (سيدنا) علي يتبرأ من فعله!، هذا هو اعتراضي الرئيسي على قادة الثورة الإسلامية فهم ليسوا آلهة وليسوا من المعصومين فلماذا يتجرأون على دين الله الذي أمرهم بالشورى؟!
هل هذه الاعتراضات تتعلق بالشق التنفيذي من الثورة!، أم بجانبها الروحي وما يتعلق بالولي الفقيه أو قائد الثورة والمرشد كما يطلق عليه أيضا؟
ـ احتجاجي موجه ضد أصحاب القرار النهائي في إيران، وهؤلاء عادة ما يكونون في أعلى سلم السلطة، والولي الفقيه يعتبر نفسه فوق القانون مع أن الدستور الإيراني الذي وضعته الثورة الإسلامية ينص على أن المرشد مثله مثل أي مواطن عادي ولا يكفل له الدستور حقوقا مميزة فلماذا يرفض أن يسأل عما يفعل، ألا يجب أن يخضع كل الشعب الإيراني للقانون! فلماذا يعتبر خامنئي نفسه فوق القانون!، إن آية الله خامنئي قد تجاوز صلاحياته وعليه أن يخضع نفسه لانتخابات شعبية، وأن يقيد من صلاحياته، وأن يكون خاضعا للمحاسبة ومنفتحا للنقد العام لأعماله، إن الله العلي القدير منح جميع المؤمنين سلطة القيادة الدينية لكن هذه السلطة ليست مطلقة إنها محدودة، وفي اعتقادي أن المؤسسة الدينية الحاكمة في البلاد حاليا أكثر من ديكتاتورية ولا فرق هذه الأيام بين رجال الدين الحاكمين وزمن الشاه.
هل يعني ذلك أن أحد مبادئ الثورة الإسلامية قد انتفى؟
ـ إنهم لا يسيرون على مبادئ الإسلام، لقد صارت الثورة عنيفة، إنهم يستخدمون العنف والقسوة رغم أن الإسلام دين الرحمة والله سبحانه وتعالى يستفتح كل سور القرآن، باستثناء سورة التوبة، بآية بسم الله الرحمن الرحيم وليس بسم الله المنتقم الجبار، 113 سورة تبدأ بالرحمة وليس بالقوة والانتقام والعنف، والله يقول لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، ويقول أيضا "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم وشاورهم في الأمر"، والثورة قامت لتعامل الناس بالحسنى وتقضي على التمييز والعنف السائد بالمجتمع فإذا بها تقع في أخطاء السابقين ذاتها، ورغم أنني من مؤسسي الثورة إلا أنه منذ 7 سنوات انتقدت فقط الممارسات التي تتم فما كان منهم إلا أن أجبروني على الإقامة الجبرية في هذا المنزل لمدة خمس سنوات، بل لقد قيدت حركتي في هذه الغرفة فقط ولم يسمحوا لي بالخروج منها إطلاقا... فهل هذا معقول أو حتى مقبول؟!
إنني لست ضد مبدأ إشراف رجال الدين على الحكم لضمان أن يظل التشريع وسياسة الحكومة متوافقين مع المبادئ الإسلامية، لكني أعارض بشدة تدخل رجال الدين في شؤون الحكومة، كما أنني أطالب بتعديل دستور الجمهورية الإسلامية، الذي شاركت في وضعه، ليمنح رئيس الجمهورية مزيداً من الصلاحيات ويعطيه حق السيطرة على القوات العسكرية والأمنية.
تصدير الثورة
يبدو أن العنف لم يكن فقط ممارسة داخلية، لكنه أيضا كان شعارا للثورة التي أخذ قادتها على عاتقهم مسؤولية تصدير الثورة إلى خارج إيران حتى ولو كان ذلك عن طريق العنف؟
ـ هؤلاء الذين تحدثوا عن تصدير الثورة الإيرانية لو كانوا يعملون بإخلاص وكان عملهم مميزا لأصبح ذلك عاملا على انتشارها وتصديرها دون حاجة لاستخدام العنف الذي نرفض اللجوء إليه حتى ولو كان بهدف نشر أفكارنا ومعتقداتنا.
هل ترفض أيضا الارتباط الذي نشأ بين إيران الثورة وبعض الجماعات الإسلامية خارج إيران بدعوى مساندتهم على الانقلاب على حكوماتهم وإقامة الدولة الإسلامية؟
ـ لا علم لي بهذا الاتصالات التي إن حدثت تكون من الأخطاء الكبيرة التي وقع فيها المسؤولون عنها، فنحن ضد العنف أيا كان الهدف من ورائه، وتاريخيا هناك في عصور الإسلام الأولى، خاصة في التاريخ الشيعي الكثير من المواقف التي ترفض استخدام العنف حتى ولو كان الهدف منه إنهاء فتنة ناشئة، فالإسلام كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قيد الفتك، ولا يفتك المؤمن، بمعنى أن الإسلام ضد الإرهاب فكيف بنا نشجعه! إن الدين والسياسة معا يدفعاننا لعدم ممارسة هذا العنف والقرآن الذي نقول إننا نحكم به يذكر في واحدة من آياته أنه "لا إكراه في الدين"، والسياسة باستخدام الإرهاب لا تصل إلى هدفها بل تصل عندما تكون عاقلة وحكيمة ومدروسة، ولو كانت الثورة الإيرانية في أيد حكيمة وأناس عقلاء ولو لم يسلطوا على بلادنا العراق في حرب طويلة منهكة لتم تصدير ثورتنا الإسلامية إلى بلاد كثيرة دون الحاجة للجوء إلى العنف.
يعتبرك المراقبون السياسيون فقيه الثورة الإسلامية، لماذا أطلقتم اسم جمهورية إسلامية على بلادكم رغم أن الأولى تعنى الحكم للشعب، بينما كلمة الإسلامية تعني أن الحكم لله؟
ـ حينما نقول جمهورية فهي تعني مطالب الشعب، أما الإسلامية فتعني أن الحكم في هذه المطالب سيكون بالإسلام، لذلك لا يوجد تناقض بين الكلمتين فالجمهورية قامت على أساس الإسلام وغالبية الشعب والإيراني من المسلمين، نحن نؤمن بأن الإسلام لا يختص بالمسائل التعبدية فقط، بل يتسع ليشمل كل شؤون الحياة من مسائل اقتصادية وعلاقات اجتماعية وأمور سياسية وغير ذلك مما يتعلق بمناحي الحياة المختلفة.
يقال إن الثورة الإسلامية لم تحدث تغييرا هيكليا في بنيان المجتمع بدليل انقلاب شباب اليوم على بعض شعارات وأفكار الثورة؟
ـ وهذا يرجع أيضا إلى سوء الإدارة من جانبنا، ليس العيب في الأفكار والمعتقدات بل في إدارتها وتطبيقها و علاقاتها مع الواقع الإيراني ، العيب فيهم هم المسؤولون عن إدارة الثورة بعد قيامها والتفاف الشعب حول أهدافه.
ما رأيك في الصراع الدائر حاليا بين المحافظين والإصلاحيين، وهل ترى فرقا بين الفصيلين؟
ـ لا أرى فرقا يستدعي الاختلاف، لكنه مجرد تباين في "السلائق".
دليل ضعف
منذ أيام هاجمت إحدى المجموعات المسلحة المتشددة أستاذا جامعيا كان يحاضر في إحدى جلسات مدينة قم، أشبعته ضربا وتركته بين الحياة والموت بأحد الشوارع في وقت متأخر من الليل، كانت حجتهم أنه من المنتقدين للثورة والنظام!، ما تعليقك على تلك الحادثة التي تتكرر بشكل ملحوظ؟
ـ من المؤسف أن حركات جماعات الضغط والإرهاب المخالفة للقانون، ضد النخب والعلماء ما زالت مستمرة، فقبل عدة أسابيع هاجمت فرقة، أطلقت على نفسها اسم حزب الله، جلسة محاضرة علمية للدكتور عبد الكريم سروش الذي هو عالم متعبد ففرقت الجمع واعتدت عليه بالضرب والسب! فمن الذي أجاز لهؤلاء القيام بهذا العمل غير المبرر وما هو دليلهم الشرعي على ذلك!، إن ما حدث من الأعمال اللامنطقية!، فهذا مجلس علمي خاص فلماذا تهاجمه هذه المجموعات المعروفة للدولة وقوى الأمن لا يواجهونهم! إن فلسفة وجود الدولة والقوات هي المحافظة على الأمن والسلام في المجتمع، والتأمين على أمن النخب في رأس تلك التكاليف، وإذا لم تحاول الدولة والقوى الأمنية مواجهة عناصر الشغب فذلك علامة ضعفهم وهذا ما يشكل علامة استفهام على مكانة الدولة وكرامتها.
وهل هذه الأوضاع جديدة على الجمهورية الإسلامية؟
ـ إن هذه الأوضاع كانت في النظام السابق أيضا، فكلما كانوا يحتاجون شيئا في الساحة السياسية أو على الصعيد الاجتماعي كانوا يدفعون إلى الساحة عناصر الشغب السفلة لضرب الناس وسبهم وشتمهم.
هل تعتقد أن الثورة الإسلامية في حاجة إلى ثورة حتى تعود إلى أهدافها؟
ـ بلا شك لقد انحرفت الثورة الإسلامية عن مبادئها، لكنها ليست في حاجة إلى ثورة بالمفهوم المتعارف عليه، لكنها تحتاج إلى تغييرات ضرورية حتى تعود إلى أصولها وأهدافها.
______________________________
المصدر: الوطن العربي ـ العدد 1449ـ الجمعة 10/12/2004