الكاتب : د. سليمان أبو سويلم
في زمن التردي العربي اضاعت العراق حضارة بلاد ما بين النهرين، وقبلها ضاعت فلسطين وامعن الاسرائيليون قتلا وتدميراً في اهلها، وفوق ذلك لا زالت الامم تتداعى علينا من ضعفنا وفرقتنا كما تتداعى الأكلة على قصعتها، ونحن في غفلة من امرنا.
ان تصريح المسؤولين الايرانيين المفاجىء من ان الخليج العربي هو خليج فارسي وتهديدهم بأنهم سيقاطعون كل نشاط او مناسبة في محيطهم الاقليمي، ومهما كان نوع هذا النشاط او المناسبة سياسياً ام ثقافياً ام رياضياً، اذا اشار المنضمون لمثل هذه النشاطات من قريب او بعيد الى عروبة الخليج، يجيء ايضاً في سياق هذا الوضع العربي المتردي، في الوقت الذي لم يقل العرب انفسهم مثل هذا القول، حينما غيرت ايران تسمية عربستان التي كانت الى وقت قريب يسميها الايرانيون انفسهم بعربستان - اي بلاد العرب - الى خوزستان، فهم بهذا التصريح يقطعون اكثر الجسور امتداداً مع جيرانهم العرب والمتأصلة منذ القدم بأواصر الدين والتاريخ.
ان هذا الاعلان المفاجىء من قبل ايران حول فارسية الخليج هو مقدمة اولى لما يجري من محاولة لطمس الهوية العربية في العراق، والذي وفر لنا الرؤية الواضحة للأهداف والنيات والمخططات الايرانية التي تجري وفقها هندسة اوضاع المنطقة برمتها الآن. والتي كرسها احتلال القوات الاميركية للعراق، والذي استشعره بفراسة جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين ونبه اليه بكل صراحة ووضوح حينما اشار الى انشاء هلال اقليمي تحت نفوذ شيعي يضم العراق وايران وسوريا ولبنان.
ان من يقرأ التاريخ يجد ان الارض دائماً هي التي تكسب الشعب المقيم عليها الجنسية، وليش الشعب الذي يكسب الجنسية على الارض، وهذا ما اكده المؤرخ الانجليزي «رودريك اوين» الذي زار الخليج العربي واصدر عنه كتاباً عام 1957 بعنوان «الفقاعة الذهبية - وثائق الخليج العربي» والذي يقول فيه، انه زار الخليج العربي وهو يعتقد بأنه خليج فارسي، لانه لم يرَ على الخرائط الجغرافية سوى هذا الاسم، ولكنه ما كاد يتعرف عليه عن كثب حتى ايقن بأن الواقع والانصاف يقتضيان بتسميته الخليج العربي، لأن العرب يسكنون شاطئيه الشرقي والغربي، وان الفرس لم يركبوا البحر حتى في اوج عظمتهم فاذا ما انشأوا في الخليج اسطولاً كان بحارته من غير الفرس.
اذا كانت ايران التي نحب في الاردن ان نسميها بالشقيقة لنا كلما ورد ذكرها في اعلامنا، تريد ان تغير اسم الخليج العربي الى الخليج الفارسي وقد فعلت في العديد من الاطالس المشتراة، فالاولى لها وهي دولة اسلامية ان تحوله الى خليج اسلامي يجمعنا ويجمعها، بعد ان تحرر بره، وبحره، وجوه.
على الايرانيين الذين يتطلعون الى ثقافة احادية لاحتكار الماء والارض والتاريخ والمستقبل، ان يعلموا ان القياس الذي تستعمله الولايات المتحدة الاميركية والدول الغربية المتحالفة معها في المنطقة برمتها، قياس واحد بغض النظر عن التسمية وهو اشبه بالمسطرة التي يضعها مهندسو ومساحو الارض في حالة تعاملهم مع الشكل الهندسي وهي مسطرة القتل والتدمير، والاحتلال ونهب الثروات، التي جاءت بها الولايات المتحدة والتي لن تفرق بينهما سواء اسمي بالخليج الفارسي ام بالخليج العربي لأن الاسلام يجمعهما وهو الهدف الواحد بالنسبة لهم .
_____________________________
المصدر: الرأي 9/1/2005