من هو الخميني
الخميني في قم .
الخميني في العراق .
الخميني والمتناقضات .
الخميني والبدع في الدين .
الخميني بين القول والفعل .
الخميني والشيوعية .
انا والخميني .
(إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً (72))
من هو الخميني
قبل كل شئ يجب أن نعرف شخصية الخميني وهو جواب لأسئلة كثير تطرح نفسها .
1- الخميني الذي يمجد نفسه يقدسها بحيث يجازي فخر الحجازي كثيرة الذي قال أن الخميني أعظم من النبي موسى وإبراهيم نائبا عن طهران ورئيسا لمؤسسة المستضعفين، أعظم مؤسسة مالية في البلاد .
2- الخميني الذي جعل نفسه أعظم من النبي الكريم وأدخل اسمه في أذان الصلاة .
3- الخميني الذي يرى نفسه حارسا إلهيا أرسله الله لإنقاذ البشرية ونصب نفسه وخلفائه في الدستور الإيراني الجديد متصفا بهذه الصفة، كما احتكر لشخصه كل الصلاحيات التي احتكرها المستبدون الطغاة .
4- الخميني هذا الذي ترمز وتطبل له كل أجهزة إعلامه والصحف التي استولى عليها من الصباح إلى المساء وتصفه بالصفات البطولية العظمى وتنسب إليه الكرامات والمعاجز لماذا هذا الإعلام وهذه الصحف نست أو تناست تماما أسرة خميني ونسبة وموطنه قبل أن يهاجر إلى إيران وهكذا الحالة الاجتماعية التي كانت أسرته تعيس فيها أن الذي يعرفه الجميع هو أن جدّ الخميني أحمد قدم من الهند إلى إيران، وذلك قبل مائة عام وسكن قرية خمين ووالد أباه مصطفى الذي قتل في أبان الشباب في تلك القرية، وهذا كل ما يعرفه الشعب الإيراني من نسب الرجل والقه أما من هم أسرته وأين كان موطنها في الهند قل الهجرة إلى إيران فهذا شئ لا يعرف أحد شيئا عنها ولا هو أشار إليها لا من القريب ولا البعيد ولا أجهزة الإعلام أشارت شيئا إلى هذا الموضوع الحيوي من حياة أسرته خميني، وكما أشرنا قبل قليل بما أن هجرة جدّ خميني إلى :غيران كانت قبل مائة عام، والمائة من السنين في حياة الأسرة يعتبر تاريخا لثلاثة أجيال فقط، فإذاً لا يمكن أن نصدق أن صلة الخميني مقطوعة بأسرته في الهند وقد نساهم، فإذاً ما هو السر لدفين تناسي أسرته وأقربائه وقطع الصلة بهم، أليس هناك ما يعتبر غريبا وخطيرا في هذا الكتمان الشديد وهذا التعميم غير طبيعي على نسب خميني ومؤسسي الجمهورية الإسلامية ومرشد الثورة الإسلامية في إيران . أبرك الجواب للمعجبين بالرجل ومريديه وصحافته وزمرته في أرجاء إيران وكل أملي أن لا يهمس بعضهم في أذن البعض الآخر قوله تعالى((لا تسئلوا عن شيئا أن تبد لكم تسوءكم )) صدق الله العظيم.
وهنا أورد أن أعرج إلى موضوع خطير له علاقة مباشرة بالحالة الراهنة في إيران المنكودة الحظ، وهذا أهم بكثير من معرفة نسب الخميني لأن هذا الأخير، سواء كان من سلالة الإمام موسى بن جعفر كما يحمل توقيعه أو لا يكون فالإنسان مسؤول أما الله بأعماله وبما يصدر منه من خير أو شر، (( يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خير يره ومن يعمل مثقال ذرة شر يره )) . فقد يكون الإنسان منحدرا من أرفع السلالات ولكن عنصره سيئ لا يساوي خردلة، وقصة ابن نوح والتي جاءت في القرآن الكريم تغنينا عن الإسهاب في هذا الموضوع: (( ونادى نوح ربه فقال إن أبني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين، قال يا نوح أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين)) . وتقول الآية الكريمة في مكان آخر "" فإذا نفح في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون )) .صدق الله العظيم .
فالمهم إذاً تقيم الخميني بأعماله التي تحكى عن سريرته ودخائل نفسه.
إن ما يحدث الآن في إيران من كرب وبلاء ومحنة هو من أزمة نفسية داخلية أو من تعقيدات في تركيب شخصية وبحكم اللقاءات الكثيرة معه والأحاديث المختلفة التي كانت تدور بيننا وما لمست فيه من تناقضات صارخة بين القول والفعل أدت إلى قطعية التي أشر إليها في مكان آخر من هذا الكتاب فقد كان تقييمي لرجل حسب قناعتي الخاصة كما يلي:
الخميني شديد التعلق بنفسه وبكل ما يتعلق به من القريب وأو البعيد ولا يأنف أن يفني العالم في سبيل أنانيته التي جعلت منه الرجل الذي لا يرى إلا شخصية وما يتعلق بشخصه، وهذه الصفة من أخطر الصفات لدى الحاكم المستبد ولا سيما إذا كان ذلك الحاكم يزعم بأنه له السلطة الإلهية في معاملة العباد .
وكل الصفات الأخرى التي تتناقض مع الزعامة الروحية وعلو الرتبة، تتبع من الأنانية وحب النفس ولذلك إذا أرتاي الخميني شيئا لا يحيد عنه قيد النملة ولو انقلبت ذي على ذه ، ومن هنا لا يتعامل معه إلا المطيعين والمتقادين، ثم أن الرجل شديد الظن بلك شئ ومن الصعب عليه أن يسمع كلاما ويحمله على الصحة أو الإخلاص، ومن هنا جاءت معاملته لكثير من المتعاونين معه سيئة بل اقتدى كثيرا منهم لفظ سمعته ونقاء صورته، وإن من أهم الصفات السيئة التي يحملها هو حقده الدفين على كل من أساء إليه ولو قبل نصف قر، فهو لا ينسى الإساءة ولا بد أن ينتقم لها عندما تسنح له الظروف، ولذلك نرى أنه أمر بإعدام علامة الوحيدي والدكتور جمشيد أعلم وهما عضوان من أعضاء مجلس الشيوخ الإيراني في عهد الشاه من بين 60 عضوا آخر لأنهما تطاولا في الكلام عليه في المجلس عندما كان يعارض حكم الشاه، أما سائر أعضاء مجلس الأعيان فلهم مطلق الحرية يسرحون ويمرحون في إيران، وأغرب من هذا أن أحد أقربائه المتصلين به سألني يوما هل تذكر يوم كنا في بيتك مع الخميني وتغذينا على مائدتك ؟
قلت: نعم أنه كان في عام 1955 وعندما كنت مقيما في طهران فأضاف محدثي معلقا فإذا كان صحيحا ما سمعناه عن أيام إقامته في العراق ومن أنه كان يطلب منك العون في بعض الحالات .
فكن على حذر منه فإنه سيقتلك إذا ظفر بك، لأن الخميني يحقد على شخصين ويريد أن يزجهما من الوجود إذا استطاع، شخص أساء غليه وشخص أحسن إليه لأنهما يذكر إنه بأيام ضعفه وهو لا يريد ان يذكر تلك الأيام حتى ولو كانت له. وقد ثبت لي صحة كلام الرجل بعد أن قتل الخميني الجواهريان ودستمالجي وكلاهما من أخلص المخلصين له، وكانا قد قدما له عشرات الملايين لنجاح ثورته عندما كان في العراق وفي باريس، أما التهمة الموجهة إليهما فكانت اتفه من التافه ، أنها مساعدة بني صدر الموقوف ضد الملالي والزمرة .
كما أن قتل الشباب المجاهدين الذين على أكنافهم وبنضالهم وصل إلى سدة الحكم، وحربه مع العراق الذي أواه واسنده وقدم له العون طيلة 15عاما خير دليل على سداد رأي الرجل وصوابه، ورحم الله المتنبي الذي قال: " إذا أنت أكرمت الكريم ملكته … وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا "
أما حبه للحياة وشهوته إلى الحكم وهو في أرذل العمر، وما ارتكب في سبيله من الأثام فإنه فريد في التاريخ، لقد قلت لبني صدر عندما التقيت به في باريس، أن سبب عداء الخميني لك هو إنك أظهرت نفسك بالشخصية التي يحبها الشعب أكثر من الخميني، وجهازك نشر إحصائية للرأي العام تؤكد أن شعبيتك 57 بالمائة وشعبية الخميني 47 بالمائة أن هذا التحدي كان انتحارا لك، ألم تكن تعرف الخميني، أنه يفتي الدنيا في سبيل أنانيته النابغة من جنون العظمة، وقلت له أيضا عندما قرأت في الصحف هذه الإحصائية تنبأت أن أيامك في الرئاسة معدودة، وهكذا كانت . أيد السيد بني صدر هذا الرأي قائلا أن صهر الخميني الشيخ الإشراقي كان ينصحني دوما أن لا أظهر بمظهر الزعيم الذي يحبه الناس لأن الخميني لا يتحمل أن يرى غيره زعيما يتعلق به الشعب .
والخميني لا يهمه إراقة الدماء والعتل بالجملة والجماعات، فقد سمعت منه وهو يحاور الإمام الحكيم في النجف ويقول له قتل أتاتورك تسعين عالما دينيا في واقعة واحدة وزرت مقابر هؤلاء عندما كنت المنفى في تركيا، فماذا لا نضحي نحن بالجملة على غرار أولئك ليبقى اسمنا في التاريخ مخلدا، فأجابه الإمام الحكيم بابتسامة ساخرة، هل نقتل ليبقى اسمنا في التاريخ فقط ؟
وضحك الحاضرون وامتقع لون الخميني وقال من جديد وكأنه يريد أن يدفع عن نفسه هذه السخرية لما لا لماذا لا تذكر الإمام الحسين عليه السلام الذي قتل لأنه حارب الظلم …… فقال له الإمام الحكيم بنفس للهجة والابتسامة ، لماذا لا نذكر الإمام الحسن عليه السلام الذي صالح معاوية حقنا للدماء وجلس في البيت. وساد المجلس سكوت وصمت رهيب، خرج الخميني أثره من منزل الإمام الحكيم ولم يودعه الحكيم التوديع اللائق .
والرجل لا يعرف الرحمة والعفو، فحتى الصخرة بكث ورقت بإعدام ثلاثة آلاف شاب وشابة من المجاهدين وكلهم في ريعان الشباب وفي غضون ثلاثة أشهر فقط، ولكن الرحمة والرقة لم تجد إلى قلبه سبيلا. فلم يصدر العفو حتى على واحد من هذا الجمع الغفير الذي أعدمته محاكمة الثورية بالتهم السياسية .
والخميني لا يأبى من الكذب أمام الخاصة والعامة على السواء، وإذا كذب يصر في الكذب ما استطاع إلى الإصرار سبيلا، فقد رأينا كيف أن كل أجهزته عندما اعترفت بشراء الأسلحة من إسرائيل أنكر الخميني ذلك أكثر من مرة، حينما ثبت ذلك أمام العالم بعد سقوط الطائرة الأرجنتينية وانكشفت حقيقة النظام الحاكم في إيران واعترفت إسرائيل بذلك في آخر الأمر، كرر الخميني إنكاره لشراء السلاح وبإصرار وعناد وكأنما هذا الشيخ العجوز يعيش في عالم آخر لا يرى الشمس حتى في رائعة النهار.
والخميني دوانيقي في كرمه، ولا تزال الأزمات الخانقة المالية والفقر المدفع الذي لمّ به عندما كان طالبا بسيطا في قم مسيطر على تفكيره وعظمائه، وقد قال أحد المقربين منه أن الإمام إذا أراد أن يعطي أحدا ما يكفيه لشروة نقير ارتجفت يداه حتى الكتف، فالحوزة العلمية الدينية في قم بطلابها البالغ اثني عشر ألف طالب تعيش في حالة مالية مؤسفة بسبب جشع الخميني في تكديس الأموال في البنوك وعدم صرفها عليهم وكلما حاولت زعماء الحوزة الكبار أمثال الإمام السيد كاظم شريعتمادري وكلبايكاني والمرعشي أن يحسنوا الوضع المالي للطلبة رفض الخميني ذلك ووقف ضد الإصلاح المالي بإصرار وعناد، قائلا أن الله قد جعل العلم في الجوع. وطلب الدين في الحوزة الدينية في قم تقاضى ما يعادل مائة دولار شهريا فقط حتى إذا كانت في عنقه عائلة تتجاوز أفرادها العشرة أو العشرين، يجزي هذا الظلم القادح على كل الحوزات الدينية في إيران وطلابها يأتون من أذى الفقر والجوع لأن الخميني لا يريد الرفاهية لهم وهو يملك مئات الملايين التي كدسها في البنوك باسمه وهذه الأموال أعطيت له كي يعطيها إلى الذين حرمهم منها، وهكذا أمام الأمة يخفون أموال الأمة .
والخميني مغرم بمظاهر التكبر والجبروت وأذكر هنا ما حدث أمامي في مستشفى الأمراض القلبية الذي كان الخميني راقد فيه . كانت هناك غرفة صغيرة ملاصقة بالغرفة التي كان الخميني راقد فيها وهذه الغرفة كانت مخصصة لكبار زائريه . كنت أنا والمهندس بازركان وصهره الإشراقي وابنه أحمد والشيخ أحمد المولائي سادن الحضرة في مدينة قم في تلك الغرفة عندما دخل عليه صادق قطب زاده وزير خارجية إيران آنذاك وكان قد رشح نفسه لرئاسة الجمهورية فقاطعة الإشراقي قائلا ما هذا السؤال لابد أنه صوت لنفسه .
فقلت أنا ضاحكا: إذا كان لقطب زاده ضمير حي فلا يختار نفسه لمثل هذا المنصب .
وهنا ضح الحاضرون بصوت عال جدا . وبعد قليل جاء المرافق وقال للإشراقي ( أجب الإمام) وعندما عاد الإشراقي أخبرنا أن الإمام سأله عن أسباب الضجيج الذي أقلق مضجعه وقد بلغني بعد ذلك أنه أمر بغلق تلك الغرقة واستقبال الزائرين جميعا في الصالون العام .
واختم هذا الفصل بقصة هدم مقبرة رضا بهلوي، تلك المقبرة التي كلفت الشعب 200مليون دولار في وقته، وكانت من البنايات الأثرية في إيران . لقد أمر الخميني بهدمها كي يثبت للشعب الإيراني أن تنبؤاته صادقة وأنه يلهم من عالم الغيب، فقد سبق وأنه قال في عهد الشاه وفي إحدى خطبه ( أنه يأتي اليوم الذي يهدم الشعب مقبرة بهلوي ) وعندما بلغني أن الشيخ الخلخالي جلاد الثورة بدأ يهدم المقبرة اتصلت به هاتفيا…
وقلت له: كما يعلم الجميع فإن جثمان بهلوي خرج من إيران بصحبة ابنه الشاه وهذه البناية هي ملك الشعب وليست ملكا لأسرة بهلوي وكنت قد اقترحت أن تكون متحفا لجرائم بهلوي الأب والابن فلماذا تهدم بناءا شاهقا هو من أجل المباني في هذه البلاد والشعب هو الذي دفع ثمن هذه البناية من عرقه وقوته، وهل تريد أن ينظر العالم إليكم كما ينظر إلى جنكيز وتيمور ويصفكم بهدام الحضارة .
وبعد يومين أعلن الشيخ الجلاد أن الشعب هدم مقبرة بهلوي ليعلم الناس أن تنبؤات الإمام الخميني صادقة دوما .
على مثل هذا الزيف والدجل والتلاعب بمعتقدات الناس وسذاجتهم بني الخميني صرح إمامته . وحول هذا الصرح يزمر ويطيل قوم ذكرهم الله تعلى في كتابه الكريم (( أولئك كالأنعام بل هم أضل سبيلا )) ووصفهم الإمام علي بقوله: " همج رعاع يميلون مع كل ريح، أتباع كل ناعق لم يستضيؤوا بنور الله " .
الخميني في قم
لم يكن يفكر أحد قط أن شيخا بلغ الثمانين وهو متلبس الزهد والتقوى وقد عمم بالسود إشعارا بأنه من أبناء الرسول الكريم(ص) وهو يدعي التفقه في الدين وقد سمعه العالم أكثر من مرة يندد بالظلم والاستبداد الذي يجري في إيران على يد الشاه محمد رضا بهلوي، إن هذا الرجل نفسه وبهذه الميزات عندما ألت إليه السلطة يرتكب من الجرائم ما تقشعر من سماعه الأبدان، ويرتكب باسم الإسلام فسادا ونكرا يبقى وصمه عار في تاريخ البشرية ما شاء الله أن يبقى .
إذاً من هو هذا الزاهد الطاغوت وهذا الفقيه الجبار وهذا الثائر المستبد وهذا العجوز الذي اتكل من الأمهات وأيتم من الأولاد وقتل من أبناء الشعب الإيراني بقومياته المختلفة في أربع سنوات عشرة أضعاف ما قتل سلفه في ثلاثين سنة، من هو هذا الذي يكون أعظم خداع في التاريخ بحق، وأكثر ممثل على مسرح الزمان منذ بداية إلى نهايته .
كان روح الله الخميني مغمورا في أوائل الخمسينات عندما كان في قم يقوم بتدريس الفلسفة الإسلامية وكلما كان يعرف عنه أن الإمام البروجردي زعمي إيران الديني آنذاك غاضب عليه بسبب تطرفه الديني وقد قال الإمام عنه أن هذا الرجل سيهدم الحوزة الدينية ويكون على الإسلام وبالا، وتوفى الإمام البروجردي في عام 1961 وقد خلفه في الزعامة الإمام الشريعتمداري والكلبايكاني والنجفي المرعشي وكلهم الآن على قيد الحياة ولم يذكر أحدا الخميني في عداد خلفاء الإمام الراحل ولم يفكر أحد قط أن الخميني سيكون في عداد الزعماء الدينيين الجدد في قم، لأن الحوزة الدينية كانت تنظر إلى الخميني كأستاذ في الفلسفة ولم تكن تنظر إليه كفقيه مجتهد يحق له تصدير الفتوى ومن شروط الزعامة الدينية هو التفقه في الدين والاجتهاد في الأحكام غير أن هذا الوضع لم يدم طويلا فقد أعلن الشاه تقسيم الأراضي الزراعية على الدهاقين فثار ثائرة رجال الدين وكان أكثرهم تحمسا وشدة في الكلام وهجوما على الشاه هو الخميني فاشتهر اسمه واعتلى نجمه ولا سيما أن الزعماء الدينيين الثلاث مع مخالفتهم لقرار التقسيم لم يخرجوا م طور المجاملة في التخاطب مع الشاه، ومع أن الخميني في بادئ البدء كان يخاطب الشاه في رسائله وأحاديثه بحضرة صاحب الجلالة والملك المعظم وكان يقول أنه لا يرى لإيران بديلا من الملكية إلا أنه يريد الإصلاح ولكنه عندما رأى أنه خرج من العزلة بسبب خطبه العنيفة، واشتهر صيته في البلاد واصبح يذكر مع الزعماء الثلاثة الآخرين فأراد أن يسبق الرهان فبدأ يتحرك في كل محور من محاور العمل الشعبي الجاد ضد الشاه فاجتمع على بابه رهط كبير من الناقمين والساخطين والمعجبين بخطبه الحماسية التي كانت تلهب مشاعر الشعب الإيراني واستغل هو وجماعته عنه المقربين هذا الإقبال الجماهيري لينادون به فقيها يستطيع تصدر الفتوى فكان لهم ما أرادوا وبعد تطاول على الشاه عاد إلى قم وهو يسير في نفس الطريق فنفاه الشاه بعد تسعة أشهر إلى تركيا ليظل تحت الرقابة في بورما سنة كاملة وقد تركها بعد ذلك إلى العراق بموافقة الشاه واستئذان الحكومة العراقية وبقى في العراق 15 عاما يأكل من قمح العراق وملحه،وقد شاءت الأقدار والظروف السياسية التي ذكرناها في هذا الكتاب أن يزاح الشاه عن عرشه ويحل الخميني عنه وكما قال لويس الرابع عشر( إذا مت فليكن الطوفان وقد كان ) .
الخميني في العراق
وصل الخميني إلى العراق في أيلول من عام 1965 واتخذ من النجف الأشرف مقرا له واجتمع حول نفر من مريديه ثم انضم إليه رهط من إيران . وبقى الخميني في النجف حتى نهاية عام 1978 حيث غادرها إلى باريس في قصة يعرفها العالم .
كان الخميني في النجف منطويا على نفسه له برنامج خاص يتبعه كل يوم لم يكن له نشاط يذكر ضد الشاه حتى عام 1968 أي سنة التي وصل حزب البعث إلى الحكم فلم يمض شهور قلائل على تسلم الحكومة الحاضرة لمقاليد الأمور حتى نشب نزاع مرير بين الحكومة العراقية والشاه بسبب المساعدات التي كان يقدمها هذا الأخير للملا البرازاني والانفصاليين الأكراد، وبدأت أجهزة إعلام الدولتين حرابا إعلامية ضد الدولة الأخرى وأعلنت الحكومة العراقية أنها تساعد وتأوي كل لاجئ يصل إلى العراق هاربا من حكم الشاه فوصلت إلى العراق جماعات كثيرة من مختلف الأحزاب والاتجاهات في المعارضة الإيرانية، وفي ضمن هذه مجموعات رجال من مؤيدي الخميني فأكرمهم العراق وأواهم وأعطى الأولوية للخميني في العناية ولجماعته .
وعندما بدأت الإذاعة الفارسية في بغداد تشن هجوما عنيفا ضد حكم الشاه خصصت قناتا خاصة للخميني كان يقوم البث فيها رجل من أنصاره يدعى محمود دعائي وكان اسم البرنامج ( النهضة الروحية)، وحصل تعاون وثيق بين الخميني والحكومة الحاضرة بحيث كان ابنه مصطفى يزور شخصيات السياسية في بغداد حاملا إليهم رسالة أبيه وثنائه وشكره على الحكومة التي أوتهم وأعطتهم كل الإمكانيات للانطلاق السياسي الذي ما كانوا يحملون بمثله في أي مصر وعصر .
ولكي أضع النقاط على الحروف أود أن أسجل هنا للتاريخ قائمة بتفاصيل المساعدات التي كان يتلقاها الخميني من الحكومة العراقية التي هو اليوم في حرب معها، ليعلم الشعب الإيراني قبل الشعب العراقي حجم المساعدات التي تلقاها الخميني من الحكومة العراقية طيلة العشر سنوات التي قضاها في كنفها ليعود بعد ذلك إلى إيران ويجازي العراق وشعبه جزاء سنمار .
(1) أعطت الحكومة العراقية الأولوية القصوى بين اللاجئين السياسيين المتواجدين آنذاك في العراق للخميني وحاشيته وسهلت لهم العيش والحياة وزودت كثيرا منهم بالجوازات العراقية بعد أن حرمهم الشاه من هويتهم الإيرانية فسهلت له التنقل بين البلاد والاتصال بالعباد .
(2) خصصت وزارة الإعلام للخميني قناتا خاصة في القسم الفارسي بإذاعة بغداد كان يبث منها لكما يتصل بالخميني ونضاله ضد الشاه وكان المذيعون فيها جماعته والمنتسبين إليه وكان يذاع منها برنامجا يوميا اسمه ( النهضة الروحية ) .
(3) كان مصطفى ابن الخميني على اتصال وثيق بالحكومة العراقية وكان يجري الاتصال بأركان الدولة مباشرة أو عن طريق المرحوم جنرال بختيار ويطلب المساعدات المختلفة لجماعة أبي وكانت طلباته لا ترد .
(4) كانت الجهات المعينة بشئون التدريب العسكري تدرب جماعة الخميني خارج مدينة النجف وكان ممثل الخميني لدى الحكومة للإشراف على التدريب هو الشيخ يزدي زاده الموجود حاليا في إيران وكانت الحكومة تعطي لهم المال والسلاح .
(5) كان الخميني يستقبل شخصيات كبيرة في الدولة وكانت أحاديثه معهم هو التغيير عن الشكر والامتنان للحكومة مع الدعاء لها بالتوفيق والتسديد .
(6) كان الخميني يقدم الرجاء إلى الرئيس العراقي في القضايا المتعلقة به وكان رجائه يقبل حتى في المناسبات الخطيرة كما جدث ذلك في عام 1970 عندما حكمت محكمة الثورة على السيد حسن الشيرازي الإعدام لاتهامه التجسس لصالح دولة أجنبية وكان هذا الشخص محسوبا على الخميني ومن حاشيته فكتب رسالة بخطه إلى الجنرال تيمور بختيار الموجود آنذاك في بغداد يطلب منه نقل رجائه إلى الرئيس صدام الحسين الذي كان آنذاك نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة يطلب الرحمة العفو عن المتهم فقبل رجائه وأعفى عن الشيرازي وأطلق سراحه بعد شهرين الأمر الذي لم يحدث له نظير من قبل .
(7) عندما توفى ابنه مصطفى قدم الخميني رجاءا إلى الرئيس العراقي يطلب إصدار الأمر بدفن ابنه ( بصورة استثنائية ) في الروضة الحيدرية الأمر الذي كان ممنوعا بقرار من مجلس قيادة الثورة، ورفع الخميني هذا الرجاء عن طريقي فرفعه إلى الرئيس العرقي عن طريق وزير الأوقاف فقبل الرجاء ودفن ابنه حيثما أراد الخميني .
(8) كان أحمد ابن الخميني يقدم الرجاء الحكومة يطلب حماية أبيه من اغتيال السافاك فكانت حكومة تجند لحماية الخميني رجالها وبالتنسيق مع أحمد .
(9) عندما غادر الخميني العراق إلى الكويت ولم تسمح له السلطات الكويتية بالدخول إلى أراضيها بقي في الحدود الكويتية حيرانا لا يدري ماذا يفعل فعلمت حكومة العراق بذلك فوافقت لعودته إلى العراق وقبل له عندما وصل إلى بغداد أنه يستطيع العودة إلى النجف والعيش فيها إذا شاء على شرط أن يحترم قوانين العراق .
وبعد كل هذا ليت شعري كيف يبرر الخميني والخمينيون حربهم مع العراق وكيف يبررون هذا الموقف العدائي لهذه الدولة التي أكرمتهم وأوتهم وأحسنت وفادهم ثم هم يعبرون عن حكومة العراق في خطبهم وأجهزة أعلامهم ( بالكافرة) فليت شعري أن أعرف متى أصبحت الدولة هذه كافرة يجب محاربتها وقبل أبنائها وتدمير أرضيها، هل كانت كافرة وهو في كنفهم يدعو لها بالتأكيد والعمر المديد أم أصبحت كافرة بعد أن قبلت له كلمتان ( احترم قوانيننا أو اذهب إلى حيث ما شاء ) ولا اعتقد أنه يوجد ( ما عدا السذج الغفل ) من الناس من لا يعرف أن هذه الحرب إنما هي كما سميناها ( حرب الأحقاد ) وليست حرب المبادئ والمصالح .وهنا أورد أن اكشف سرا للشعب الإيراني والعراقي معا وبذلك أكون قد أديت واجبي أمام الله والتاريخ ليعلم المسلمون في كل مكان وزمان فداحة الخطر الذي يحدق بالإسلام من هذه الطغمة الحاقدة التي آلت على نفسها القضاء على الإسلام باسم الإسلام، وخراب بلاد المسلمين باسم مصالح المسلمين، لقد حضرت حوار بين المرحوم جنرال بختيار ومصطفى ابن الخميني وأن كشف مضمونها بوضع للرأي العام الانحدار الخطير الذي وصل إليه الخميني وجماعته بعد وصولهم إلى السلطة وتحكمهم في رقاب الأمة وهذا تفصيل الحوار: لقد قطعت الحكومة العراقية علاقتها الدبلوماسية مع حكومة الشاه في عام 1970 وبعد أن احتلت إيران الجزر الثلاثة أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى وتدهورت العلاقات وصلت إلى الصفر وأمر الشاه جيشه بالتحرك إلى الحدود المتاخمة للعراق وكانت هناك نذرا تنذر بنشوب الحرب بين الدولتين فحضر مصطفى ابن الخميني إلى بغداد والتقى بالجنرال بختيار في قصر السلام ليطلب منه أن يبلغ الحكومة العراقية أن والده بصفته الزعيم الروحي لإيران قد أعد البيان الذي سيقرأه على الجيش الإيراني إذا ما أراد الشاه الهجوم على العراق وأنه يقول في خطابه " أن الواجب المحتم على الجيش الإيراني هو أن يحارب الشاه لا العراق لأن الشاه خارج عن ربقة الإسلام إذا ما تسبب في حرب وقودها المسلمون وأن عرش الرحمن سيهتز كما أراق مسلم دم أخيه جار شقيق دم جاره الشقيق " .
هكذا كان الخميني عندما كان في العراق بعيدا عن السلطة وهكذا يكون اليوم في إيران وهو على رأس السلطة حقا أن هذا الانحراف في تفكير الرجل الذي يقود إيران كارثة ليست بعدها كارثة .
الخميني والبدع في الدين
إن البدع التي أبدعها الخميني في الدين كثيرة أشرت إليها عبر خطاب إذاعي وجهته إلى الشعب الإيراني، وهنا أعدد تلك البدع ليعلم علماء الإسلام في العالم والمصلحين من رواد الأمة الإسلامية. أنهم إذا سكتوا أمام هذه البدع التي تلطخ اسم الإسلام وسمعته فإن أمة الإسلام ستشهد مذهبا جديدا باسم الخمينية يضاف إلى البهائية والقادرية، وإني أدعو علماء الإسلام لعقدوا محكمة إسلامية كبرى تضم رجال الدين الكبار من مختلف طوائف المسلمين لمحاكمة الخميني وإبداء رأي الإسلام فيه وفي بدعه حتى يعلم المجتمع البشري أن ما يحدث في ظل الخمينية في إيران المسلم ليس من الإسلام بشيء بل أن الإسلام برئ منه، أن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قال: " إذا ظهرت البدع في أمتي فعلى العالم أن يظهر عليه وإلا فعليه لعنة الله " ويقول صلى الله عليه وآله وسلم في مقام آخر : " الساكت عن الحق كشيطان أخرس " .
وإن الوقت قد حان على العلماء أن يظهروا علمهم ورأيهم في أخطر مرحلة عصيبة تمر على الإسلام في العصر الحديث وما تعرض إليه من البدع والزيف وزور القول والضلال على يد جماعة تنسب نفسها إلى الإسلام . وإلى العلماء الإسلام أرفع هذا النداء وأعدد لهم بدع الخميني في الدين :
(1) أدخل الخميني اسمه في أذان الصلوات وقدم اسمه حتى على اسم النبي الكريم، فأذان الصلوات في إيران بعد استلام الخميني لحكم وفي كل جوامعها كما يلي :
الله أكبر الله أكبر( خميني رهبر) أي أن الخميني هو القائد، ثم أشهد أن محمدا رسول الله … الخ .
نستثني جامع كوهو شهادة في المشهد الرضوي، حيث لم يسمح الإمام الطباطبائي القمي أن تدخل هذه البدعة إلى الجامع الذي يصلي فيه، وأبلى البلاد حسنا في مقاومته لهذه البدعة، ولكن الله كتب له النجاح فتغلب على زمرة الخميني في آخر المطاف "1".
(2) لقد جرت العادة في البلاد الإسلامية إذا ذكر اسم النبي الكريم صلّى الله عليه وسلم صلّى الحاضرون عليه إجلالا وإكبارا ، وفي إيران اليوم إذا ذكر اسم الخميني صلّى الحاضرون ثلاث مرّات، وقال بازركان في خطاب جماهيري ( ماذا تقولون لرسول الله إذا قال لكم تصلون عليّ مرّة إذا ذكرت وثلاثة مراّت إذا ذكر ابني ) وكان البازركان يقد من (ابني) الخميني الذي يدعي أنه من أولاد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم وكاد البازركان يدفع حياته ثمنا لهذا الكلام .
(3) رفض الخميني الصلح مع العراق الجار المسلم حيث تنص الآية الكريمة في القرآن الكريم على وجوب الصلح في كل الأحوال وبغض النظر على أسبابها والبادئ بها ويأمر بمقاتلة الرافضين للصلح حيث يقول تعالى (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )) (( وإن بغت إحداهما على الآخر فقاتلوا التي تبغي حتى تفي إلى أمر الله)).
(4) قتل المرابي كما حكمت به محاكمة الشرعية .
(5) قتل الآلاف من المعارضين السياسيين باسم المفسدين في الأرض.
(6) قتل الآلاف من الأقليات القومية التي كانت تطالب بحقوقها المغتصبة باسم الكفار الذين شهروا السلاح في وجه الدولة الإسلامية .
(7) المحاكمات الثورية الارتجالية التي تحاكم 100 شخص في مائة دقيقة .
(8) قتل المهربين للمواد المخدرة .
(9) مصادرة أموال الناس زورا وبهتانا باسم حماية المستضعفين .
(10) تبني فكرة ولاية الفقيه وجعل نفسه حاكما بأمر الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .
(11) تعيين ولي عهد لنفسه يدعى حسين علي منتظري بالطريقة التي سلكها معاوية بن أبي سفيان في تعيين ابنه يزيد وليا لأمور المسلمين، وجعل الزعامة الدينية والتي كانت الانتخاب المباشر ملكا عضوضا .
(12) بث الفرقة وإيجاد القلاقل بين صفوف المسلمين في البلاد المجاورة والتي أدت إلى مئات الضحايا وإراقة الدماء .
الخميني والمتناقضات
أما التناقضات التي تصدر من الرجل في القول والعمل فهي محيرة للعقل .
(1) فعندما كنت في العراق وصلتني رسالة من الملا مصطفى البارزاني يدعوني إلى ( كلالة) عاصمته التي كان يعيش فيها حتى يبحث معي سبل التعاون ضد الشاه . وعجبت من مضمون الرسالة لأنني كنت أعلم أن البارزاني هو عميل الشاه ولولا هذا الأخير لم يكن للبارزاني شأن. كما ثبت فيما بعد .
وبما أنني لم أكن اشك بأن كاتب الرسالة هو الملا البارزاني لأن السيد مهدي الحكيم ابن الإمام الحكيم والذي كان على اتصال بالبارزاني هو الذي طلب مني أن أقاتل رسول البارزاني حامل الرسالة المذكورة .
ومع الشكوك حول نوايا الرجل إلا أني فكرت بجد أنه ليس من الأخلاق أن يقوم زعيم يرى نفسه قائدا لأمته بدور رديء في حق رجل لم يعرف ولم يصدر منه أية إساءة بالنسبة إليه وذلك في سبيل إرضاء مخلوق آخر .
فذهبت إلى مقابلة الرئيس العراقي أحمد حسن البكر رحمه الله وأطلعته على الرسالة وقلت له قد يكون من المصلحة الاستجابة لدعوة البارزاني لعلي أستطيع القيام بدور الوفاق بينكم وبينه إذا ما التقيت بالرجل .
فضحك الرئيس البكر وقال إنها خدعة.ثم أضاف لقد سلّم البازراني خمسة أشخاص من المناضلين الإيرانيين الذين لجأوا إليه من بطش الشاه إلى هذا الأخير وقد أعدمهم الشاه فورا .
ثم أضاف الرئيس قائلا إياك والذهاب إليه فإنه خبيث مخادع يريد قتلك .
وبعد أيام رأيت الخميني وقد علم بالموضوع فقال لي لا يخدعنك البارزاني أنه يريد تسليمك إلى الشاه وأضاف أن البارزاني وأولاده عملاء مزدوجين للشاه وللمخابرات الأمريكية .
وبعد عشر سنوات من ذلك التاريخ صافح الخميني ابني البارزاني العملاء المزدوجين على حد تعبيره وزدهم بالسلاح والمال لقتل الشعب العراقي الجار المسلم .
(2) والتناقض الثاني في سياسة الخميني هو أن فئة من أصحاب الإمام الحكيم اصدروا بيانا بعد وفاته بتوقيع شخصيات بارزة دينية من علماء النجف الأشرف جاء فيه أن الشخص المؤهل للزعامة الدينية بعد الإمام الحكيم هو الإمام السيد أبو القاسم الخوئي وليس غيره، وفي وقته اعتبر هذا البيان طعنا لاذعا في الخميني الذي كان في النجف أيضا ينافس الإمام الخوئي على الزعامة . وقد أعلن الخميني وأنصاره أن هذا البيان إنما صدر باعاز من السفارة الإيرانية في بغداد بتوجيه السافاك الإيراني لتحطيم الخميني وكان الحرب سجالا بين الخمينيين وحكيمين بعد صدور ذلك البيان الذي قام بتوزيعه في العراق عناصر من حزب الدعوة.
وكان هذا الحرب يلقب الخميني المفسد الأكبر ومخرب الإسلام والحوزة العلمية وقد شكا الخميني عندي مرّة من الأذى الذي يلاقيه من أفراد هذا الحرب وعبّر عنهم بعملاء الشاه الحقراء المأجورين وخلايا النحل الذي يمده السافاك بالمال والتوجيه .
وإذا بالخميني نفسه وبعد أن يعتلي سدة الحكم يصافح تلك الأيدي التي كان ينعتها بتلك النعوت ويقربهم إليه ويعطي لهم المال والسلاح يشكل منهم خلايا لمحاربة العراق . أنه مدعاة للسخرية حقا .
(3) والتناقض الثالث الذي لا بد من الإشارة إليه: لقد ذهب السيد موسوي الصدر إمام الشيعة في لبنان إلى ليبيا وبدعوة من العقيد القذافي ولم يعد منها أبدا .وقال الخميني إني ربيب الصدر وأدبته وهو بمثابة ابني ولا بد أن انتقم له . وعندما كنت في طهران قال لي أحمد ابن الخميني أنه سأل من ياسر عرفات عن مصير الصدر فكان جوابه: إنه طار . وإنه أخبرناه بمقتل الصدر في ليبيا ومع كل هذا قال الخميني أعلن الولاء للرجل الذي قتل تلميذه وأحب الناس إلى قلبه لأن يغدق بالأموال الكثيرة .
على خليفته حسين علي المنتظري. والمنتظري هو الشيخ الذي قال للصحفيين بكل وقاحة. أنه يأخذ المال من العقيد القذافي لأنه أخيه ولا كلفه بين الأخوة ( والجيب واحد ) .
وبهذه المناسبة أذكر هذه القصة الطريقة عن حياة هذا الشيخ العميل: عندما كنت في طهران زارني سعد مجبر سفير ليبيا في داري ليسلمني دعوة من العقيد القذافي لزيارة ليبيا وفي أثناء الحديث أخبرني أنه كان في قم في زراية المنتظري وتغذى على مائدته الخبز والتمر واللبن ثم أشاد يزهد الشيخ وورعه . وهنا سألت السفير الليبي هل أن المنتظري يزهد أيضا في الدولارات التي تسلمها إليه أم يبتلعها حتى الثمالة ؟ فقال السفير ضاحكا ولا والله أنه يكاد يطير فرحا عندما أسلّمه الأموال .
(4) وتناقض رابع في حياة الرجل لا ينساه التاريخ فالرجل الذي يدعي أنه جاء لحماية الإسلام يتعاون مع أعداء الإسلام الحقيقيين وهو على أحسن العلاقات وأتمها من الاتحاد السوفيتي في حين أن أن الحرب سجال بين الإسلام والإلحاد في أفغانستان، ومئات الآلاف من المسلمين قتلوا ويقتلون على يد الجيش الأحمر بقنابل النابالم وبلغت الوقاحة إلى الشيخ الرفنسجاني رئيس مجلس الشورى أنه منع من الكلام واحد النواب الذي كان يريد الهجوم على الاتحاد السوفيتي بسبب الحرب التي يخوضها ضد الشعب الأفغاني الأمن ، وقال له تريد أن تفسد علاقتنا الحسنة مع الاتحاد السوفياتي، والخميني نفسه الذي يهجم دوما على البلاد الإسلامية وزعماء المسلمين ويحارب الجار الشقيق المسلم العراق ساكت على ما يجري في أفغانستان من إراقة الدماء ولم يذكر الاتحاد السوفياتي إلى الآن بكلمة غير سليمة .
(5) ومن المتناقضات الصارخة في سياسة الرجل وعمله هو موقعه العدائي من كثير من دول المنطقة وتعاونه الحميم مع البعض الآخر، لقد قمت له في آخر لقاء تم بيننا في قم، لماذا تعادي دول المنطقة والخليج وكلهم جيران والجار لا يستطيع أن يعادي الجار بما في ذلك العداء يكمن أخطارا جسيمة لإيران والمنطقة بكاملها، فكان جوابه أنه لا يستطيع أن يصافح حكام هذه الدول لأن شعوبها من المستضعفين الذين وجدوا في الثورة الإيرانية أملا لمستقبلهم وهم لا يحبون حكامهم .
قلت له: إذا قبلت كلامك جدلا، فهل تعتقد أن الشعب السوري يحب حكامه ؟ وهل أن الشعب الليبي يحب حكامه ؟ وأنت مددت بد الصداقة إليهم وترتبط معهم بأوثق الصلات. لم يتفوه الخميني بكلمة وقد طأطأ رأسه وامتقع لونه، وبدأ ينظر إلى الأرض شزرا .
ولذلك لم يستغرب أحد من الضالعين بشئون التناقضات الخمينية عندما سمع من الرجل إن حزب البعث العربي في العراق كافر يجب محاربته،ولكن حزب البعث العربي في سوريا مسلمي يجب مصادقته .
صدق الله العظيم حيث يقول (( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين )).
لقد سألت مصطفى ابن الخميني يوما ، لقد كان والدك قبل الزعامة وفي أيام إقامته في قم هنا بشا لم تغادر الابتسامة شفتيه وكان لطيف المعشر حلو الحديث لم يسأم الإنسان من محادثة وقد أصبح الآن قاسيا غليظا متعجرفا شائكا كظهر القنفذ، فما عدا مما بدا ؟ فأجابني: عندما دخل أبي معمعمة السياسة كثر النقاش والجدال عنده حول طريقته في معالجة الأمور وآرائه السياسية، وتفاديا للنقاش والجدال بدأ يعبس ويقلل من الحديث حتى يسأم الزائرون من الجلوس عنده، وقد أصبحت هذه الحالة المصطنعة عادة ثانوية عنده لا تغادره حتى في حياته العائلية. أن أبي يعتقد أن الزعيم يجب أن يأمر فيطاع وإذا حلوا فقد أكله الناس وفقد سيطرته عليهم .
(6) والتناقض الآخر في سياسة الخميني هو موقفه الشائن من فرنسا البلد الذي وفر له الحماية وكل الوسائل اللازمة للانطلاق ضد الشاه. فعندما كان الخميني في باريس كان يمجد بفرنسا ويعبر عنها بمهد الحرية وبعد أن وصل إلى سدة الحكم ملك طريق العداء معها. لأن فرنسا أوت المناضلين الإيرانيين الذين فرّوا من جحيم الجمهورية الإسلامية كما أوت الذين فرّو من جحيم الشاه من قبل .
والخميني الذي أدخل الرعب في قلوب شعب إيران بقسوته التي تفوق القساوة النازية يزعم أنه سيرعب فرنسا أيضا بتهديداته الجوفاء الحمقاء وبالسب والشتائم والكلام البذيء وهذا هو شأن كل متكبر جبار يحاط به أقوام جبناء يصيرون له أن العالم يتحرك حسب إرادته وهواء، فهو لا ولن يفهم معنى الحرية والديمقراطية وسيادة الشعب على مقدراته. إن كل ما يعلمه المستبد الظالم هو الإسراف في القتل والتعذيب والمزيد من إراقة الدماء حتى أن يلمس نهايته الكئيبة التعيسة التي يعض يده عليها ويقول ياليتني مت قبل هذا وكنت ترابا .
وأنني عندما استمع إلى التهديدات الجوفاء الحمقاء التي يطلقها الخميني زمرته ضد دول العالم أذكر قصة تلك الفأرة التي قالت للجبل: سأرحل عنك حتى تستريح قليلا من عنائي . فأجابها الجبل: أيتها المسكينة أنا لم أعرف بغدوك كيف برواحك .
الخميني والشيوعية
ليس الشبه الوحيد بين السيد الخميني مرشد الثورة في إيران والسيد لينين مرشد الثورة الشيوعية في روسيا، أن كليهما بدا بالعمل لإسقاط نظام بلديهما من باريس، ودخلا بلديهما بعد أن سقطت في إيران أسرة بهلوي الملكية وفي روسيا أسرة رومانوف القيصرية، كما أن الشبه بين الرجلين ليس أن كلا منهما كانت تحركه روح الانتقام الشخصي، فالخميني أراد أن ينتقم من الشاه لأنه قتل ابنه على حدّ زعمه ولينين أراد أن ينتقم من قيصر لأنه قتل أخاه ولكن وجه الشبه الحقيقي هو :
1- إن الشيوعية اتخذت كلمة الفقراء ( برولتراليسم ) شعارا للثورة الشيوعية، وأخذ الخميني كلمة المستضعفين شعار للثورة الإسلامية الإيرانية .
2- النظام الشيوعي لا يؤمن بالملكية المطلقة، ولذلك صودرت أموال كبار التجار والمعامل والأراضي في ظل الشيوعية، وخلقت من الأغبياء طبقة فقيرة تضاف إلى الفقراء، والخميني ونظامه صادروا أموال التجار وأراضي الناس والمعامل الكبيرة وأضافوا طبقة فقيرة إلى الفقراء وشعارهم أن الإسلام لا يؤمن بالملكية المطلقة المحدودة كما قال كارل ماركس .
3- النظام الشيوعي يعتقد بأن الصحافة والإعلام يجب أن يعبر عن سياسة الحزب ويجب أن تكون في خدمة النظام الحاكم وتكون بوقا من أبواقه، ونظام الخميني صادر الصحف واستولى على الإعلام واستعمله في صالح حزبه .
4- الحزب الشيوعي هو الذي يحكم في النظام الشيوعي ، ويحكم الحزب الجمهوري الإسلامي إيران بقيادة الخميني .
5- الشعب ممنوع من السفر إلى خارج البلاد في الأنظمة الشيوعية، والسفر ممنوع على شعب إيران في نظام الخميني .
6- الشيوعية تدعو إلى الأممية ونبذ القومية، وأول شعار نادى به الخميني هو الأممية واعتبار القومية كفرا وإلحادا .
7- في الأنظمة الشيوعية يؤلّه الحاكم كما إلّه ستالين في روسيا، وماوتسي تونغ في الصين وتيتو في يوغسلافيا، وفي نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية ألّه الخميني أكثر من أي إله آخر .
8- في كثير من الدول الشيوعية تتخذ كلمات الحاكم إنجيلا واجب اتباعه، ويرددها الشعب في كل مناسبة ومكان، وكلمات الخميني اعتبرت إنجيلا يرددها اتباعه وأعوانه في كل مكان .
9- النظام الشيوعي هو النظام القائم على القيادة الجمعية في حكم البلاد على شرط أن يكون القادة من المؤمنين بالماركسية، ونص دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على القيادة الجماعية شريطة أن يكونوا من المؤمنين بالخميني، وشعارهم " حب خميني حسنة لا تضر معها سيئة " .
10- في النظام الشيوعية تخضع كل دائرة للجنة شيوعية تنبثق من داخل تلك الدائرة، وفي نظام الخميني تخضع كل دائرة للجنة خمينية تنبثق من داخل تلك الدائرة .
11- النظام الشيوعي يتخذ الفلسفة المكيافيلية ( النتائج تبرر أساسا للمقدمات ) دعامة للعمل السياسي، والنظام الخميني اتخذ الفلسفة نفسها أساسا للقمع الدموي .
12- النظام الشيوعية يرى من واجبه مساعدة الشيوعية في الدول الأخرى لاستلام السلطة بأي ثمن ونظام الخميني يرى من واجبه مساعدة أنصار ( ولاية الفقيه) في أي مكان من العالم لاستلام السلطة .
13- النظام الشيوعي قسم الشعب إلى البرجوازية والفقراء واستغل هذا التقسيم في بسط نفوذه، والخميني قسم الشعب إلى أهل الشمال والجنوب، أي الأثرياء القاطنين في شمال طهران والفقراء الساكنين في جنوبها، واستغل هذه التفرقة لبسط سلطانه على الشعب .
14- النظام الشيوعي يرى التصفية الجسدية لأعدائه ضرورة في بعض الأحيان كما تعرض لها تروتسكي أحد بناة الشيوعية وقادتها عندما كان لاجئا في المكسيك، ونظام الخميني اتخذ التصفية الجسدية شعارا له وهدد به المناوئين بكل وقاحة .
15- في النظام الشيوعي كل حزب مكلف بأدلاء المعومات عن أعداء النظام، والخميني سن هذا القانون عندما طلب من كل أبناء الشعب أن يتجسسوا لصالح نظامه ولو على أقرب المقربين .
16- قال لينين اعطني مرحا أعطيك شعبا، وقال الخميني اعطني الإعلام أعطيك شعبا. وبعد هذه المقارنة، لابد من الإشارة إلى عدة حقائق، هل أن تعاون المخابرات الروسية ( ك ج ب ) مع المخابرات الخمينية وتعليم الحرس الثوري طرق التجسس أمرا اعتباطي ؟ وهل أن مصافحة الخميني للدول الشيوعية واستخدام الخبراء من كوريا الشمالية أمر اعتباطي ؟
وكيف يمكن تفسير الحرية التي يتمتع بها الحزب الشيوعي ( تودة) "1" في العمل السياسي والإعلامي في إيران الأول مرة منذ تأسيسها، وفي ظل نظام يدعي أنه جاء لحماية الإسلام. وماذا يعني سكوت الخميني عن المجازر التي ترتكب بحق المسلم في أفغانستان على يد المحتلين الروس ؟ وما هو معنى هذا الهجوم العنيف ليل نهار على الاستعمار الغربي فقط، وعدم ذكر الاستعمار الشرقي، بل الإصرار بعدم التعرض له ؟ وكيف يبرر الخميني إعطاء المناصب الحساسة في الدولة للشيوعية، والتعاون مع الحزب الشيوعي لقتل ( مجاهدي خلق) ؟ ومما أن الكلمات العبارات لا تغرني أبدا، بل انظر إلى العمل كمقياس حقيقي لتقيم الأفراد والجماعات، فلذلك لا أجد صعوبة في رمي الخميني بالشيوعية مع ما عليه من الطيلسان والعمة والرداء، وتكراره اسم الله والإسلام في كل أحاديثه .
فالخميني الذي لم يتورع من الكذب وقتل الأبرياء والحرب مع الاخوة المسلمين واغتصاب أموال الناس والسطو على حقوق الشعب والتعاون مع إسرائيل لضرب المسلمين، وكل هذه القبائح لم تكن تعرف عنه قبل أن يعتلي سده الحكم بل لم يحلج بخلد أي بشر أنه سيتوغل فيها حتى قمة رأسه في يوم ما، فهل يكون من الصعب عليه أن يخفى آرائه السياسية كما أخفى دهرا أخلاقه اللئيمة ؟
وسواء كان الخميني شيوعيا أم غير شيوعي، فالشيوعيون الإيرانيون يعيشون في ظل نظامه في عهد ذهبي لم يحملوا به من قبل إبداء ، وأن إيران في ظل هذا النظام الفوضوي الجائر أصبحت أكثر استعدادا من أي وقت مضى لقبول السيطرة الشيوعية، وأن الشيوعيين الآن في إيران ينظرون اللحظة المناسبة للوثبة الأخيرة يساعدهم الدب القطبي من خارج البلاد والطابور الخامس من داخلها "1" .
الخميني بين القول والفعل
لابد من المقارنة ما قاله الخميني عن الشاه وهو يقود المعارضة ضده وما فعله هو بعد أن وصل إلى السلطة وأزاح الشاه من عرشه ليكون القارئ الكريم على بينة من أمر الرجل الذي خدع أمة الإسلامية بمعول الكلام والوعود الكذبة والمستقبل المشرق .
(1) كان الخميني يندد بالدستور الإيراني ويسخر من البند الذي كان ينص على: أن الملكية وديعة الهبة أعطاها الله للملك عن طريق إرادة الشعب التي تجلت في الاستفتاء العام .
وها هو الخميني جعل في البند بعد المائة من دستور الجمهورية الإسلامية نصا مماثلا. يقول: إن ولاية الفقيه سلطة إلهية أعطاها الله للفقيه عن طريق إرادة الشعب التي أقرها في الاستفتاء العام .
(2) ندد الخميني في خطبة بصلاحيات الشاه كقائد أعلى للقوات المسلحة وإقالة الوزراء ونصهم وتعيين رئيس ديوان التمييز والمدعي العام وها هو حصل في البند الحادي عشر بعد المائة من الدستور الجديد هذا النص. آية الله الإمام الخميني هو القائد الأعلى المحكمة العليا والمدعي العام ورئيس ديوان التمييز وتنفيذ رئاسة الجمهورية بعد أن ينتخب الشعب الرئيس .
(3) كان الخميني يندد بالشاه لتدخله في شؤون البلاد الكبيرة والصغيرة وكان يندد بأسرته وحاشيته ويتهمهم بالتلاعب بمقدرات البلاد والعباد واستغلال أموال الشعب وعندما وصل هو إلى الحكم سلك الطريق نفسه كما أن ابنه أحمد وزمرته من آل الخميني يسيرون على سيرة أسلافهم من آل بهلوي في التلاعب بمقدرات الأمة واستغلال موارد البلاد وسرقة أموال الشعب، ويعتقد الضالعون بشؤون آل الخميني أن أرصدة أحمد في البنوك السويس تتجاوز المئات الملايين من الدولارات .
(4) كان الخميني يندد في خطة بالزمرة الحاكمة ويصفها بأنها المحسوبة على النظام وكان يقول أن الشرط الوحيد لتسلم كرسي الحكم هو الإخلاص والوفاء والإطاعة العمياء للشاه . وها هو جعل الشرط الأول والأخير لأشغال المناصب الحساسة في جمهوريته الولاء والعبودية لشخصه ولفكره ولاية الفقيه .
(5) كان الخميني يسخر ويندد في خطبة بتشكيل الأحزاب الحكومية في عهد الشاه وكان يعتبرها أحزابا غير شرعية كما كان يندد بالانتخابات النيابية ويعتبرها مزورة والخميني نفسه عندما وصل إلى الحكم أمر بطانته بتشكيل الحزب الجهوري الإسلامي أي الحزب الحاكم فعلنيا وكما كان الحزب الحاكم في عهد الشاه يزور الانتخابات ويفوز بالأكثرية النيابية هكذا زور الحزب الجمهوري الإسلامي والانتخابات وفاز بالأكثرية . فما شابه الليلة بالبارحة .
(6) كان الخميني يندد بالشاه ويتهمه بإرسال جلاوزته لإخماد المتظاهرين بالعصي والهروات وها هو نفسه تجاوز سلفه في هذا المضمار كيرا حيث أرسل جلاوزته " حزب الله " إلى الاجتماعات التي تعقد ضده لإخماد الأنفاس كما أن هؤلاء المرتزقة يستعملون الأسلحة النارية في غالب الأحيان كما فعلوا مع المجاهدين وغيرهم وقتلوا سبعن طالبا جامعيا في حرم جامعة طهران .
(7) كان الخميني يدافع عن الجرائد التي انتقدت سياسة الشاه والتي عطلها هذا الأخير انتقاما منها . وعندما وصل هو إلى الحكم عطل العشرات من الجرائد التي كانت تنتقد سياسة بل ذهب إلى أبعد من ذلك حيث صادر الصحف الكبيرة مثل جريدة كيهان وجريدة إطلاعات وجعلها بوقا من أبواقه .
(8) كان الخميني يندد بأسرة الشاه ويتهمهم الاتجار بالمخدرات وقبل بضعة أشهر اعتقل الشرطة الألمانية في مطار دوسلدوف صادق الطباطبائي صهر الخميني وهو يحمل حقيبة مليئة بالأفيون وكان وهكذا يفضح الله المنافقين والذين في قلوبهم مرض ليكونوا عبرة للناس كافة .
(9) ندد الخميني في كثير م خطبة بإعدام المتهمين بتجارة الأفيون وكان يقول أن هذه ذريعة اتخذها الشاه لإعدام المناؤين لنظامه كما أنه كان يقول ويؤكد أن الإسلام لا يقر عقوبة الإعدام لتجّار المخدرات ولكنه عندما استلم السلطة أعدم أكثر من ألف وأربعمائة شخصا بتهمة الاتجار بالمخدرات .
(10) كان الخميني يتهم الشاه بالهذيان في الكلام عندما كان يقول أن قوة بلاده أصبحت تخيف الدول القريبة والبعيدة لأنها القوة الرابعة في العالم أو أن اقتصاد إيران سيكون أكثرها ازدهار من الاقتصاد الياباني في عام 1980، وها هو الخميني يهذي في الكلام ما استطاع إلى الهذيان سبيلا. فتارة يزعم أنه ينظم جيشا قوامه عشرين مليون جندي يحارب به أمريكا وتارة يهدد فرنسا وضرب مصالحها في العالم وتارة يقول أنه تم في إيران بناء مائة ألف مدرسة في عام واحد كما أن العالم سمعه يهدد العراق باحتلال عاصمته في غضون أربع ساعات .
(11) كان الخميني يندد سياسة القمعية ولا سيما تصفية المناوئين في خارج البلاد على يد بوليسه السري ( السافاك ) وها هو الخميني سلك نفس الطريق حيث قتل بوليسه السري محيط الطباطبائي في واشنطن وابن شقيقة الشاه المسمى شهرام في باريس. كا قام بوليسه باغتيالات فاشلة بالنسبة لكل من الدكتور شاهبور بختيار رئيس الوزراء في عهد الشاه وبني صدر أول رئيس جهورية في عهده والدكتور علي أميني رئيس الوزراء الإيراني الأسبق وغيرهم .
(12) كان الخميني يندد بالمحاكم العسكرية التي تصدر أحكاما بالإعدام في حق المناوئين لنظام الشاه ومحاكم الخميني الثورية أعدت من مناوئي حكمه في أربعة أعوام مئات أضعفا ما فعلت محاكم الشاه في ثلاثين عاما. وبهذا الفارق أيضا هو أن المتهمين السياسيين كان يحق لهم الدفاع عن أنفسهم في محاكم الشاه وكان يحق لهم التمييز والاستئناف في الأحكام الصادرة بحقهم أما في محاكم الثورة الإسلامية فلا دفاع ولا استئناف ولا تمييز مائة إعدام في مائة دقيقة .
(13) سخـر الخميني من الشاه عندما لقبه المجلس الثوري بـ(اريامهر) أي محبوب الشعب الاري ولكنه استبشر سرورا عندما لقبه أصحابه ( إمام الأمة ) .
(14) كان بيت القصيدة في خطب الخميني ضد الشاه اضطهاد هذا الأخير للأقليات القومية في أنحاء البلاد وعدم الاستجابة لمطالبهم المشروعة وها هو الخميني بعد استلام السلطة قتل اباد من القوميات الإيرانية المختلفة في شرق البلاد وغربها عشرات الآلاف ولا زالت الحرب سجلات بين حرس الخميني والأكراد في غرب إيران ومع التركمان في شرق البلاد. وقد قتل الخميني من الأكراد العرب والبلوش والتركمان في غضون أربعة أعوام من حكمه مئات أضعاف ما قتل سلفه في ثلاثين عاما .
(15) كان الخميني يسخر بالشاه عندما كان يدعي أنه يأتيه الإلهام من عالم الغيب والملكوت ويصفه بالكذب المخادع وها هو الخميني نفسه يبتسم راضيا عن أولئك الذين قالوا فيه ما ادعى سلفه بل زادوا في ذلك وقالوا أنه فعل ما لم يعله الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم . وهكذا ابتلى الشعب الإيراني المسلكين بمعتوه مجرم متعطش للدماء ولكنه ليس في لبوس الأباطرة بل في لبوس الزهاد والكهنوت .
انا والخميني
لقد رأيت من الضرورة بمكان إضافة هذا الفضل إلى الفصول الأخرى من الكتاب حتى لا يتوهم القارئ الكريم ولا أولئك الذين يؤرخون هذه الحقيقة من تاريخ إيران أن مؤلف هذا الكتاب طفيلي على الثورة أو كان بعيدا عنها أو أنه بعيد عن الشؤون الإسلامية ومعارفها. وها أنا أعلن لأولئك الذين بهرتهم فكرة ولاية الفقيه بأني كأحد فقهاء الإسلام أعلن بصراحة مطلقة وصريح القول أن فكرة ولاية الفقيه بدعة ابتدعها الخميني وضلال أضل به المجتمع وأنه والله كملة لا يؤمن هو بها ولا زمرته، بل اتخذها ذريعة للسلطة على رقاب المسلمين ظلما وعدوانا، وأن الله ورسوله برئ منه كل من يحكم بالباطل ويتخذ الظالمين إماما وهاديا .
لقد عشت في كنف الإمام الأكبر جدنا السيد أبو الحسن الموسوي الأصفهاني رحمه الله سبعة عشر عاما وكان هو المرجع الأعلى للطائفة الشيعية في شرق الأرض ومغاربها حتى قال فيه الإمام كاشف الغطاء الكبير رحمه الله أن السيد أبو الحسن ( أنسى من قبله واتعب من بعده ) فوالله لم اسمع منه مرة واحدة كلاما كهذا ، بل كان رحمه الله دوما يوصي مراجع الإسلام بالابتعاد عن السلطة الزمنية والترفع عنها وكان يقول ( واجب المجتهد هو هداية النفوس وإرشاد العباد والسعي في تكوين جامعة فاضلة لا حقد فيها ولا كراهية ولا ظلم ولا عدوان ). وعندما استشهد ابنه الكبير في النجف وبين صلاة المغرب والعشاء وهو أبي ، الذي قتله رجل متلبس بلباس طلبة العلوم الدينية أرسله الاستعمار من مدينة قم الإيرانية إلى النجف كي ينفذ جريمته النكراء ، عفى الإمام الأكبر جدنا عن القاتل وقال ( لا ينبغي لإمام المسلمين أن يتقاضى أحد أفراد أمته . ولوكان قاتل أبنه ظلما وعدوانا). وكتب إلى المحكمة بخطه (( إمام المسلمين بمثابة الأب الروحي لجميع المسلمين ولا يليق به أن يتقاضى أحدا منهم وإلى الله المشتكى وهو نعم المولى ونعم النصير )) .
لقد كان تصور الشعب الإيراني أن الإمام الخميني قائد المسيرة ومرشد ثورته له خصال السابقين من مراجع الإسلام ولم يمر بخلده قط أن هذا الإمام بعيد عن الرحمة قريب إلى الشر إذ قتل أسرف في القتل، وإذا أسرف في القتل لم يأبى سيفه من قطع رقاب الصغار من الفتيات والشباب من الفتان، وقد قتل في غضون ثلاثة أشهر من عمر الزمان الثلاثة آلاف شاب مسلم وشابة مسلمة لأنهم قالوا كلمة واحدة ( الموت للخميني ) . ولست أدري كسف يلقي الخميني ربه وفي رقبته من دماء المسلمين ما لا تعد ولا تحصى . وأعود الآن إلى بيت القصيد من هذا الفصل وأذكر معرفتي بالخميني منذ كان مغمورا في مدينة قم ، لا يعرفه أحدا إلى أن أصبح مشهورا يعرف اسمه كل واحد .
كنت إذا زرت مدينة قم التقيت بالخميني في قارعة الطريق أو في دار أحد الأصدقاء وكان مجلسه لطيفا لا تخلو أحاديثه من الفكاهة، وكانت له حلقه تدريس في الفلسفة الإسلامية ممزوجة بالتصوف والعرفان، وكان يقضي الصيف في مصايف طهران بعيدا عن مدينة قم وهجيرها في كل عام، وكنت إذا ما جاء إلى طهران أزوره مرة أو مرتين في بعض السنوات وأذكر إني دعوته مرة إلى طعام الغذاء في دارنا وكان بصحبه الإمام الشيخ مرتضى الحائري وهو الآن حي يرزق في مدينة قم ومن أكبر علمائها ، وطبعا لم يلج ببالي آنذاك أن القدر سيسخر يوما ما بأمة إيران ويجعل من هذا الذي كنت اسقيه الماء والطعام بيدي الفاعل لما يشاء والحاكم لما يريد ومن ورائه دماء شامل وفناء عام ، كان هذا في صيف عام 1955 .
وتركت إيران إلى فرنسا لحصول على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون وكنت أول مجتهد يحمل الشهادة العليا في الفقه الإسلامية يسافر لطلب المعرفة الحديثة إلى أوربا حتى يكون كالسيف ذو الحدين ، وانقطعت صلتي بالخميني ولم أسمع شيئا عن أخباره طيلة السنوات الأربع التي قضيتها في أوربا، وعدت إلى إيران في عام 1959 ودخلت معامع السياسية وانتخبت من ل منطقتي نائبا في المجلس النيابي، وعندما كنت نائبا كنت أقود المعارضة ضد الحكومة والنظام، لم اسمع شيئا عن الخميني أيضا وشغلتني واجباتي عن التفكير حتى بالرجل. وتوفى الزعيم الروحي الكبير الإمام البروجردي في عام 1961 في مدينة قم وبرزت أسماء الزعماء الجدد ولم يكن في ضمنها اسم الخميني، بل كان الزعماء الجدد وكلهم إلى الآن على قيد الحياة الشريعتمداري والكلبايكاني والمرعشي .
ودارت الدوائر وإذا بالشاه يعلن تقسيم الأراضي على الدهاقين ، فانبرت للشاه فئات كثيرة في ضمنها زعماء الدين والتحق الخميني تلك المجموعة ، وأظهر من الحماس والجرأة في الكلام الكثير فاستقطب الجماهير وعلا يحمه واشتهرت صيته كما قلنا في موضع أخر من هذا الكتاب . وسجن الخميني بأمر الشاه وبرفقته الإمام القمي والإمام المحلاتي وزعماء دينيون آخرون وحصلت مجابهة دموية بين الشعب والنظام، ولم يدم سجن الخميني كثيرا فأطلق سراحه وبقي الخميني بعض الوقت رهين الإقامة الجبرية في طهران ثم عاد إلى قم واستأنف نشاطه ضد الشاه فسافر إلى تركيا لقيم في بورما وغادر تركيا إلى العراق، ليعيش في النجف رهطا من الزمان . ودارت الدوائر وإذا بالشاه يعلن تقسيم الأراضي على الدهاقين ، فانبرت للشاه فئات كثيرة في ضمنها زعماء الدين والتحق الخميني تلك المجموعة ، وأظهر من الحماس والجرأة في الكلام الكثير فاستقطب الجماهير وعلا يحمه واشتهرت صيته كما قلنا في موضع أخر من هذا الكتاب . وسجن الخميني بأمر الشاه وبرفقته الإمام القمي والإمام المحلاتي وزعماء دينيون آخرون وحصلت مجابهة دموية بين الشعب والنظام، ولم يدم سجن الخميني كثيرا فأطلق سراحه وبقي الخميني بعض الوقت رهين الإقامة الجبرية في طهران ثم عاد إلى قم واستأنف نشاطه ضد الشاه فسافر إلى تركيا لقيم في بورما وغادر تركيا إلى العراق، ليعيش في النجف رهطا من الزمان .
عندما سجن الخميني ورفقائه في طهران ذهبت إلى الشاه لعلني أستطيع التوصل إلى حل بينه وبين الزعامة الدينية التي كادت تفجر البلاد، وكان اللقاء معه ساخنا ودار حديث صريح بيننا انتهى إلى خروجي من قصر سعد آباد مأيوسا، كما كان ذلك اللقاء أحد الأسباب التي أدت إلى القطيعة الأبدية بيني وبين الشاه ومن ثم مغادرتي لإيران وما تعرضت إليه من أدى وأخيرا محاولة الاغتيال الفاشلة على يد سافاك الشاه في البصرة والتي نجوت منها بإرادة إلهية بعد أن استقرت رصاصة في ظهري واخترقت الأخرى يدي اليمنى. ولا أيريد أن أسرد هنا تفصيل الحوار مع الشاه مرة أخرى فقد نشرته في ضمن مذكراتي ( إيران في ربع قرن) ولا داعي لتكراره. والمذكرات قد طبعت في عام 1972 .
وفي صيف 1965وصل الخميني إلى العراق وكنت أنا في النجف الأشرف ورحبت به كل الترحيب واستقبلته في الكاظمية وذهبت بصحبته إلى سامراء لزيارة الإمامين العسكريين وفي الطريق كان يحدثني عن الاضطهاد الذي لاقاه في تركيا وكيف أن الأتراك أرغموه على خلق الملابس الدينية وارتداء الزي الإفرنجي إذا أراد الخروج من الدار التي كان فيها تحت الحراسة حتى لا يعرفه الناس،وجاءني انبه مصطفى بعد أيام من وصله إلى النجف يستشيرني في أمير أبيه والضيقة المالية التي يتعرض هلا، فكتبت كتابا إلى السيد عباس المهري أحد العلماء البارزين في الكويت وهو الآن حي يرزق في قم بعد أن نفته السلطات الكويتية لعلاقته بالخميني، طلبت منه مساعدة الخميني ماليا لأنه كان على صلة بالتجار الموالين للزعماء الروحيين الذين كانوا ضد الشاه ، وكانت له علاقة خاصة بالخميني، وبالفعل استجاب السيد المهري لندائي ووصلت إمداداته المالية إلى الرجل ، ومرة أخرى أكرر هنا أن الخميني لم يكن هو الزعيم الروحي الذي كان يعارض الشاه بل كان آخرون يسيرون في نفس الطريق، وكان نصيبهم السجن والعذاب والتشرد، وقد أشرنا إلى أسمائهم في مكان لاحق غير أن الخميني عندما استبد بالسلطة قضى على رفقاء النضال بصورة أخرى .
فالإمام الشريعتمداري شبه مسجون في داره والإمام الخلقالي مسجون في داره .
والإمام القمي الذي قضى 14 عاما في سجن الشاه يعيش نفس المأساة.
والإمام الزنجاني الذي قضى 7 سنوات في سجن الشاه، جالس في داره ولم يغادرها منذ سنين .
نعود إلى الحديث عن الخميني وما قدمته إليه من مساعدات وفي الفترة التي قضاها في النجف . كانا إذا ألمت به مشكلة طلب مني حلّها، ومرّات وكرات أنقذت جماعته من السجن أنهما كانوا يدخلون العراق خلسة وبصورة غير مشروعة فيلقى القبض عليهم، فكان يرجو مني أن أتدخل لدى السلطات لإنقاذهم وكان له ما يريد .
وطلب مني أبيه مصطفى أن أطلب من السلطات العراقية تدريب جماعة أبيه على استعمال السلاح في خارج النجف فكان ما أراد . وطلب السلاح فحصلت له على السلاح من السلطات أيضا .
وفي السنوات الأول من وجود في النجف كان الخميني يلاقي صعوبة ومعارضة داخلية من الحوزة العلمية التي كانت رئاستها مناطة بالإمام الحكيم المرجع الشيعي الأعلى في العراق آنذاك وكان الإمام الحكيم على صلة وثيقة بالشاه وكانت حاشيته وبعض أورده وأقربائه عملاء مأجورين للشاه يأخذون الأموال من هذا الأخير ويتعاونون مع سافاك الشاه ما استطاعوا إلى التعاون سبيلا . وكان الإمام الحكيم بطبيعة صلاته بالشاه وصلات بعض أولاده وحاشيته بالنظام الإيراني يقفون موقف الاستنكار من الخميني ونشاطه وأفكاره، وقد قال لي ابنه مصطفى ان جماعة الحكيم وبعض أولاده عندما يرون أبي في الطريق يصفحون بوجوههم عنه ولا يفسحون له في المجالس ، كما ان الامام الحكيم لم يسمح للخميني ان يتحدث باسم النجف والحوزة الدينية عندما كان على قيد الحياة، وشكى لي مصطفى مرة أخرى مما يلاقيه أباه من جماعة الحكيم وقال لي أنهم يصفون أبي بهادم الإسلام وهدام الحوزة العلمية، وعندما زار عباس أرام وزير خارجية الشاه النجف ظهرت صورة الإمام الحكيم واقفا بجنب الوزير في الصحف الإيرانية حتى يعرف الشعب الإيراني الذي كان يرجع أغلبيته إلى الحكيم في التقليد أن الزعامة الدينية العليا من الشاه وليس كما يقول الخميني أنها ضد الشاه، بل أن الخميني شذ عن الطريق وقد طلب مصطفى مني جماعة الحكيم فهددتهم بالويل والثبور إذا لم يقلعوا عن ملاحقة الرجل وكانوا يعلمون أن مركزي في النجف والعراق وانتسابي إلى الإمام الحكيم وكانوا لا يريدون أن يصل الأمر إلى المجابهة فتركوا الخميني وشأنه .
وبدأت اكتشف الرجل ونفسيته وحبه لنفسه إلى مرحلة الجنون شيئا فشيئا أثر اللقاءات التي كانت لي معه، وقد زاد يقيني عندما صدر في كتاب إيران في ربع قرن الذي كان يحتوي على مذكراتي وكثيرا من القضايا السياسية التي عاصرتها في إيران، وقد أحدث الكتاب ضجة كبرى في وقته لأهم الأسرار التي كان يحتويها ، وكان فصل ( الزعامة الدينية ) من أهم فصول الكتاب وكشفت فيه علاقة الإمام الحكيم وجماعته بالشاه، وفي هذا الفصل ذكرت الخميني بإجلال وإكبار، وذكرت جهاده ونضاله ضد الشاه بإسهاب. وبعد صدور الكتاب بأيام زارني أحد أقربائي ليقول لي أنه يحمل رسالة شفهية من الخميني قلت بلغ . قال يقول: بلغ الدكتور موسى إني أعرف أنك ألفت هذا الكتاب لتشويه صورتي فقط وقد كنت موثقا . لقد دهشت دهشة عظيمة عندما سمعت هذا الكلام .
وقلت لمحدّثي: هل جن الرجل ؟ إن الكتاب ملئ بإجلال الرجل وإكبار دوره وعظيم منزلته في النضال، لماذا قال لك مثل هذا الكلام ؟
قال يقول: إنك كلما ذكرت اسمه ذكرت الإمام الطباطبائي القمي معه ويعتبر هذا الترديف إهانة عظيمة أه فهو يرى نفسه الزعيم الكبير الذي لا يحق لأحد أن يردف اسمه به .
قلت لمحدّثي: قل له أن الإمام الطباطبائي القمي مجتهد ومرجع مثلك، ودخل السجن برفقتك وقضى معك أشهرا في زنزانة واحدة وهو لم يزل أسير السجن منذ سبع سنوات وأنت طليق حر تنتقل في إرجاء العالم الفسيح لماذا تأنف تأبى أن يذكر اسمه معك ؟ النضال ليس احتكار لأحد، كما أن المرجعية ليست احتكارا لأحد، ثم أنت كنت مدرس الأخلاق في قم لسنوات طوال هلا تعلمت درسا واحدا من الدروس التي ألقيتها على طلابك ؟ أليس أول درس من دروس الأخلاق ( ترك الذات وحب العباد) .
وحدثت بيننا فجوة بعد تلك الرسالة الجوفاء لكنها لم تصل إلى القطيعة حتى أن حل عام 1973 فقد زارني مصطفى الخميني في بغداد وقال يطلب مساعدتي في نشر مجلة شهرية باللغة الفارسية تصدر في النجف، تنطق باسم المناضلين ويريد تسميتها ( النهضة الروحية ) وأن صحابة أبيه سيتولون نشرها في النجف إذا ما سمعت الحكومية العراقية بذلك وأخذت مصطفى معي إلى دار الشخصية المسؤولة عن شؤون اللاجئين الإيرانيين . فطرحنا عليه الفكرة وحصلت الموافقة، وعين مصطفى المشرفين على المجلة وكلهم من صحابة والده، وانفق السيد شبيب المالكي محافظة كربلاء آنذاك من ميزانية الدولة على المشرفين في إصدار المجلة المال اللازم . وصدر عددين من المجلة أو ثلاثة وإذا بأحد المشرفين عليها يزورني في الدار ويقول أن الخميني يريد أن يراك على عجل، فذهبت إلى داره وسمعت منه حديثا غريبا ..
قال أريد منك أن تغير اسم المجلة إلى آخر .
قلت : لماذا ؟
قال: لأني أنا الزعيم المسؤول عن النضال الروحي، واسم المجلة يوحي بأنها الناطقة باسمي وأنا لا أريد أن تكون لي مجلة .
قلت: ( أولا) هناك غيرك من الزعماء الروحيون الذين خاضوا عمار النضار ولم يزالوا يخضونها وبعضهم في السجن مثل الإمام الطباطبائي القمي وبعضهم في المنفى مثل الإمام الزنجاني قلت أنت الوحيد في الميدان، ( ثانيا) ابنك مصطفى هو الذي اقترح إصدار المجلة واقترح الاسم، وصدرت المجلة بناء على طلب منه . ( ثالثا) لك قناة خاصة في إذاعة بغداد اشملها النهضة الروحية، أي اسم المجلة نفسها واحد أفرادك هو الذي يشرف عليه ويبث فمنها ساعتين في كل يوم، فلماذا لم تطلب غلق القناة تلك ؟
قال: الكلام عبر الفضاء هواء في شبك أما المجلة هذه فمطبوع وملموس، والفرق كبيرين الكلام والكتابة . وبعد كلام طويل دار بيننا ومثل عادته أصر على رأيه .
فقلت: لا أستطيع تغيير اسم المجلة لأنه ليس من اللائق أن تصدر مجلة لشهرين ثم يغير اسمها لأسباب ما أنز الله بها من سلطان ، أن هذا مدعاة للسخرية والاستهزاء .
قال: إن كان كذلك فأصحابي لا يقولون إصدارها .
قلت: سيتولاها قوم آخرون، وكفى الله المؤمنين القتال .
وامتنع أصحابه بناء على أوامره من العمل في المجلة كما قال، وتولاها مناضلون آخرون وصدرت المجلة حتى العدد الثلاثين بنفس الاسم ونفس المنهج المرسوم لها .
ومنذ أن أشرف على المجلة آخرون لم يذكر الخميني ونضاله في صفحاتها الأولى كما كان يذكر عندما كانت تحت إشراف زمرته. وحصلت لي قناعة أن من الأصلح أن اقطع صلاتي بالرجل الذي سبب لي متاعب لا أستطيع تحملها ، وحصلت القطعية التي دامت لخمس سنوات لم أر فيها الخميني من القريب اللهم إلا في بعض المجالس العامة في النجف، ولم استجب الكثير من نداءات أصحابه أو ابنه لتجديد العلاقة به. وزار السيد أبو الحسن بني صدر العراق وحل في بيتي ضيفا في بغداد وحاول جاهدا أن يعيد العلاقات بيننا ، فكان آخر كلامي له ( هذا الرجل مريض بجنون العظمة، وأنه يضحي العالم وما فيه في سبيل حبه لنفسه وأنانيته ، والتعاون مع إنسان كهذا لا يخلوا من الخطورة على الفرد المجتمع ) .
قال بني صدر: أوافقك على كل ما تقوله ،ولكن نحن نحتاج إلى زعم روحي يقود النضال ضد الشاه ولا يلين في جهاده بالوعد أو الوعيد وهذا هو الخميني ولا بديل له .
قلت: حتى لو صح ما تقول فإنا لم أزل عند رأيي .
ودامت القطيعة إلى عام 1967 حيث توفى ابنه مصطفى في حادث غامض لم يعرف له سبب وكنت في بغداد عندما اتصل بي هاتفيا ممثلة العام في النجف واخبرني بوفاة مصطفى وقال أن السيد الخميني يبلغك السلام ويرجو منك في هذه الساعة العصيبة أن تقف بجانبه في عرض رجائه على رئيس الجمهورية بإصدار الأمر لدفن ابنه في الروضة الحيدرية الأمر الذي كان ممنوعا بقرار مجلس قيادة الثورة، وما إني اعتقد أن محاسبة الناس في ساعات المحنة والنكبة مغاير مع الشهامة والأخلاق، ومع أنه لم يحضر فاتحة والدتي رحمة الله عليها في النجف بسبب القطيعة بيننا، وكان من حقي أن أرفض طلبه عملا بالمثل لكني قررت تلبية رجائه فاتصلت فورا بوزير الأوقاف الدكتور الجواري وأخبرته بالحادث وبرجاء الخميني، ونقل الوزير رجاء الخميني إلى الرئيس الرجاء واعلم المسؤولين في النجف بالقرار ودفن مصطفى حيثما أراد واتصل بي حسين الخميني وهو يقد الشكر والامتنان الجزيل. وذهبت إلى النجف عصر نفس اليوم لتقديم التعازي إلى الأب المنكوب بفقد أكبر أولاده وطبعا يفقد صديق لي في الوقت نفسه، فاستقبلني وهو حزين القلب يردد عبارات الشكر والحمد وكان ابنه أحمد حاضرا في الجلسة وهو يبكي ويقول لي لن ننسى أفضالك. وأسجل هنا للتاريخ أن السيد المصطفى إذا كان على قيد الحياة لم يجرأ الخميني أن يفعل كثير من الأفعال التي فعلها، فهو كان بالنسبة لأبيه صمام الأمان وكان والده يخشى منه ومن غضبه، وكانت زمرة الخميني تخشاه أكثر مما كانت تخشى الخميني نفسه . وبعد أن مات مصطفى بصورة غامضة أشيعت في النجف شائعة مفادها أن زمرة الخميني هي التي قتلت مصطفى حتى يفصح لهم المجال بحرية العمل فمصطفى كان يمنع أباه من القيام بعمل حاد يتنافي مع مقامه وشيخوخته، وبالفعل بعد موت مصطفى خلا الجو لأحمد وللزمرة الخمينية واستطاعت أن تلعب بعقل الشيخ العجوز لتجعل منه مهزلة القرن وأضحوكة الزمان، وقد سمعت من مصطفى أكثر من مرة كان يقول ( أبي هدام وليس بناء )، وكان إذا أغلظ أباه في الحديث ضد الشاه في خطبه وسبه وقذف عائلته كما كانت عادته منع مصطفى من تسجيل الحديث وطبعه إلا بعد حذف تلك العبارات الشانئة وكان يقول ( هذا النوع من الكلام لا يليق بمرجع دين أو زعيم أو رجل في عمر أبي ) ، إنه كلام ( المهرجين ) . ولم ألتق بالخميني بعد وفاة ابنه إلا مرة واحدة أخرى في نجف، ثم سافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لغرض التفرغ العلمي في جامعة هارت فارد، وكنت في طرق العودة إلى بغداد وفي مطار أورلي في باريس صادف دخولي صالة المطار ورود الخميني صالة الداخلين، فتصافحنا وسألته خيران إن شاء الله ؟
قال: الخير فيما وقع .
واجتمع نفر حوله كانوا في انتظاره،وبعد ذلك بشهرين كنت عائدا إلى أميركا ومارا بباريس حيث بقيت فيها أسبوعين ورأيت الخميني فيها عدة مرات، وأسجل هنا حوارين دار بيننا في آخر لقاء تم بيننا، أحد الحوارين يدل على أن الرجل من أهل الأحقاد العظام، والثاني يدل على أن الرجل مخادع مكار .
الحوار الأول /
قلت له: إني سأعود إلى طهران في القريب العاجل .
قال: لماذا تعود إلى طهران إذاً ؟
قلت: لأداء الواجب نحو الوضع الراهن .
قال: تستطيع أن تؤدي واجبك في الخارج بعقد المؤتمرات الصحفية والعمل الإعلامي .
قلت: ولكني سأعمل داخل إيران أفضل من خارجها .
قال: لا اعتقد .
قلت: ولكني سأعود على كل حال .
وسكت الرجل ووجهه مكفهر ، وانتهى الحوار .
ولما خرجت من عنده قال لي صاحبي أرأيت كيف يريد إبعادك ولا يريد عودتك إلى إيران، أن حقده عظيم عليك . وكل ما بدر منه وفاة ابنه نحوك من الرجاء والشكر والثناء كان مكرا .
قلت: لصديقي: ولا تكن في ضيقا مما يمكرون . إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون .
وأما الحوار الثاني /
سألته، ماذا يكون عقاب الشاه لو ظفر الشعب به ؟
قال: إذا لم يثبت إنه قتل أحدا من الناس مباشرتا فلا يجوز الاقتصاص منه .
قلت: وفي رقبته دماء الآلاف من أبناء الشعب .
قال: يقتص من المباشر في القتل وليس من الأمر .
أن من أعجب العجائب وأغرب الغرائب أن صاحب هذا الكلام والرأي يقتل أربعين ألف إنسان في خلال أربع أعوام من حكمه، بين فتى وفتاة والشيخ والشيخة لأنهم قالوا ( لتحيى الحرية وليسقط الاستبداد )، وصاحب هذا الرأي أيضا هو الذي أمر بقتل آلاف من الأكراد والعرب والبلوش والتركمان لأنهم قالوا ( نريد حقوقنا المشروعة والتي اغتصبت في عهد الشاه ) .
وأختم الفصل برد قضية سمعتها من ابنه مصطفى قبل بضع سنوات وأيدها الخميني عندما سألته عن صحته، قال لي مصطفى، عندما كان والدي في سجن الشاه وفي أشد الخلاف معه حكم محاكم الشاه على نفر من أنصاره بالإعدام ومنهم الطيب والحاجي رضائي لأنهما قادا التظاهرات في تأييده وقدمت جهات مختلفة التماس العفو إلى الشاه ليعفو عنهما فرض الشاه ذلك أن والدي عندما سمع ذلك قال إني مستعد أن أذهب إلى قصر الشاه وأقدم الالتماس للعفو عن هؤلاء المحكومين فيما إذا أكون على يقين بأنه يقبل التماسي ورجائي لأن فيه إنقاذ رجلين مسلمين من الموت وقد سألت الخميني عندما كان في النجف وفي مناسبة خاصة عن هذا الحديث الذي سمعته من مصطفى، فقال لقد صح ما سمعت .
هكذا كان الخميني يتظاهر بالحب والحنان نحو عباد الله وخلقه حتى إذا وصل سدة الحكم انقض عليهم كالوحش الكاسر لم يأمن من سيفه حتى الصغار من صبية والصبيان وحتى الحوامل والجرحى . لقد صدق قائل هذا البيت :
صلى وصـام لأمـر كان يطلبـه *** فلما قضى الأمر لا صلى ولا صاما
----------------------------------------
"1" منذ سنة والامام الطباطبائي معتكف في داره .
"1" راجع فصل الرعب المدمر .
"1" قبل عام اعتقلت السلطات الإيرانية زعماء الحزب الشيوعي في إيران بعد أن اتهمتهم بمحاولة انقلابية فاشلة واعتقلت أيضا بعض القادة العسكريين بتهمة التعاون مع الحزب الشيوعي وفي ضمن المعتقلين العقيد بهرام أفضلي قائد القوات البحرية.