المقدمة:
إيران دولة لها أهمية لافتة بحكم تاريخها وموقعها الجغرافي و ومساحتها وثقلها السكاني وقوتها العسكرية, ومواردها وثرواتها خاصة النفطية وقيادتها للمذهب الشيعي, وتستطيع وفقاً لذلك تبوء مكانة إقليمية ودولية بارزة, وأن تكون مؤثرة في العالم الإسلامي وفاعلة, إلا أن سياسات إيران الداخلية والخارجية أدت إلى دخولها في نزاعات وصراعات مع الكثير من الدول الإسلامية وغيرها ودول الجوار خاصة حيث أدى هذا إلى جعل منطقة الخليج العربي أو " الفارسي " كما تسميه إيران منطقة توتر واضطراب.
وحيث إن سياسة إيران الخارجية يتولد عنها غالباً آثار سلبية وسيئة للهوية الإسلامية التي تدعيها, فإننا مدعوون لدراسة هذه السياسة ومعرفة منطلقاتها والعوامل المؤثرة فيها, ومدى تاثير العقيدة الشيعية فيها لتكوين صورة واضحة وشاملة نستطيع من خلالها فهم الواقع ومجريات الأحداث.
كما أننا مدعوون إلى معرفة طبيعة النظام السياسي الإيراني, ومصادر اتخاذ القرار, معتمدين في ذلك كله على الأفعال لا الأقوال, فدراسة سياسة بلد ما لا تكون من خلال ما يصدر عن هذا البلد من خطب وتصريحات وإنما بدراسة مسلكها وتصرفاتها وخطواتها العملية, ومقارنة الأقوال بالأفعال.
كما أنه قد ترد شبهة أن ما نتحدث عنه إنما هو ضرب من الماضي, وأن سياسة إيران الخارجية قد تغيرت بوفاة الخميني عام 1989م, وبدأت تنحى منحى إيجابياً, وقد يكون لهذا الادّعاء جزءاً من الصحة في الظاهر إلا أن السياسات الإيرانية منذ بداية الثورة وحتى الآن – كما سيتضح من ثنايا هذا البحث- تسير باتجاه واحد لكن الفرق هو في فجاجة الأسلوب!.
سيطلع القارئ على السياسات والمبادئ الشيعية الجعفرية التي تنطلق منها سياسات إيران, وعلى مبدأ تصدير الثورة, والإرث الفارسي وخذلان المسلمين في قضاياهم, وغير ذلك مما هو في هذا البحث, بخلاف الدعاية التي تروجها إيران من أنها تسخر سياستها وقوتها لخدمة الإسلام والمسلمين.
" والله الموفق "
إيران في سطور:
تقع إيران في جنوب غرب آسيا بين بحر قزوين في الشمال والخليج العربي وخليج عُمان في الجنوب, وتعتبر إحدى حلقات الوصل البرية بين أوروبا وبين الشرق الأقصى.
وسطح إيران معقد بوجه عام, حيث تتكون الأراضي الإيرانية في معظمها من هضبة واسعة تحيط بها سلاسل جبلية عالية ووعرة تشكل حدوداً طبيعية تفصل بين إيران وبين جيرانها.
وتبلغ مساحة إيران 1,648,000 كم مربع, وعدد سكانها 65 مليون نسمة[1]
وعاصمة البلاد هي طهران, وأهم المدن: أصفهان, تبريز, قم, مشهد.
والدول المحيطة بإيران هي: باكستان, أفغانستان, تركمانستان, أذربيجان, أرمينيا, تركيا والعراق.
والقسم الأعظم من دخل البلاد يأتي من الثروة النفطية الكبيرة.
ومنذ عام 1979, أصبح الحكم في إيران جمهورياً بعد الإطاحة بالنظام الملكي للأسرة البهلوية الذي بدأ منذ عام 1925, وتبنت الجمهورية المذهب الشيعي الجعفري مذهباً رسمياً للبلاد[2].
النظام السياسي الإيراني:
يتركب النظام الإيراني من عدة مؤسسات غير تقليدية في الأنظمة السياسية, وهذا التركيب المعقد هو بهدف إحكام قبضة رجال الدين على السلطة لكن بصورة ديمقراطية!!.
ويوجد في إيران عدة هيئات تؤثر في السياسة الداخلية والخارجية, حيث النظام السياسي متعدد الأقطاب, وثمة قوى فاعلة عديدة ترسم سياسة البلد يمكن أن يطلق عليها " مصادر اتخاذ القرار ", وأهم هذه المؤسسات:
1- المرشد أو القائد:
وهو أعلى سلطة ومقام في الدولة, وصاحب القرار والصلاحيات الكبرى, وينبع ذلك من نظرية " ولاية الفقيه ", وهي نظرية سياسية شيعية حديثة أفسحت المجال لتولي رجال الدين الشيعة الحكم في إيران, وكان الخميني مرشد إيران السابق أول من جسّدها عملياً, بعد أن ألبسها لباس الدين, ووضح الخميني تصوره لهذه النظرية قائلاً: " إذا نجح شخص جدير ومتصف بصفتي العلم بالقانون وبالعدالة في إقامة الحكومة, وأصبح له ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاية بشأن إدارة المجتمع وجبت طاعته على جميع الناس " [3]
ويعتبر الخميني أن الامام له نفس الصلاحيات التي كان يتمتع بها الرسول صلى الله عليه وسلم من: " إعداد الجيش وتعبئته وتنصيب الولاة وتحصيل الضرائب وإنفاقها على المسلمين... " [4].
وتطبيقاً لهذه النظرية المرتدية لباس الدين, أعطى الدستور الإيراني -الذي تمت صياغته بعد الثورة – المرشد أو القائد صلاحيات واسعة أهمها:
حق تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية والإشراف عليها, وإصدار الأمر بالاستفتاء العام, وقيادة القوات المسلحة, وإعلان الحرب والسلام والنفير العام.
كما أعطاه حق عزل رئيس الجمهورية، وتعيين وعزل قادة مجلس صيانة الدستور ومسؤول السلطة القضائية, ورئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون, ورئيس أركان القيادة المشتركة, وإصدار أحكام العفو والتخفيف عن عقوبات المحكوم عليهم[5].
ويذهب د. بيزن ايزدي استاذ العلوم السياسية بجامعة طهران إلى أن ما ذكره الخميني عن حدود سلطة الولي الفقيه أوسع مما حدده لها الدستور, حيث اعتبر ولاية الفقيه ولاية مطلقة تسري على جميع أمور المسلمين, مثلها مثل سلطة الوحي المطلقة والكاملة على الطفل القاصر[6].
والمرشد الحالي لإيران هو علي خامنئي, وتولى منصبه هذا عام 1989م.
2- رئاسة الجمهورية:
رئيس الجمهورية هو أعلى منصب رسمي في الدولة بعد منصب القيادة, وهو المسؤول عن تطبيق الدستور ورئاسة السلطة التنفيذية, باستثناء الشؤون التي ترتبط بالقيادة [7].
ورئيس الجمهورية هو المسؤول أمام الشعب والقائد ومجلس الشورى الإسلامي, في حدود صلاحياته ووظائفه بموجب الدستور أوالقوانين العادية [8].
ومن ضمن ما يختص به الرئيس هو ما نصت عليه المادة 128 من الدستور: " يتم تعيين الســــفراء باقتراح من وزير الخارجية وتصديق رئيس الجمهورية, ويقوم رئيس الجمهورية بالتوقيع على أوراق اعتماد السفراء كما يتسلم أوراق اعتماد سفراء الدول الأخرى.
ويلاحظ من المواد السابقة الذكر, أن الدستور قد خصص جانباً من مهام رئاســـة الجمهورية للسياسة الخارجية, بعضها بروتوكولي, والبعض الآخر تنفيذي [9].
ورئيس الجمهورية الحالي هو محمد خاتمي: وقد انتخب في هذا المنصب عام 1997 وأعيد انتخابه لدورة ثانية عام 2001.
3- مجلس الوزراء أو الحكومة:
والمجلس يتبع سلطات رئيس الجمهورية, بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء الذي كان يتمتع بسلطات كبيرة, وقد فوّض الدستور لمجلس الوزراء بعض الصلاحيات المباشرة بشأن السياسة الخارجية حيث نص على ما يلي:
حكومة جمهورية إيران الإسلامية مكلفة بـ:
- طرد الاستعمار تماماً ومكافحة النفوذ الأجنبي.
- تنظيم السياسة الخارجية للبلاد طبقاً للمعايير الإسلامية, والالتزام الأخوي تجاه جميع المسلمين والعمل على الحماية الكاملة لمستضعفي العالم...."
4- مجلس الأمن القومي, والذي يرأسه رئيس الجمهورية, ويعد مصدراً للسياسة الخارجية ومراقباً لتحركاتها ومواقفها, وقد نصت المادة 176 من الدستور على ما يلي: -
" يتم تأسيس مجلس الأمن الوطني برئاسة رئيس لجمهورية بهدف تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة الإسلامية ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية.. للقيام أيضاً بالمهمات التالية:-
1- تعيين السياسات الدفاعية الأمنية للبلاد في إطار السياسات العامة التي يحددها القائد.
2- التنسيق بين الأنشطة السياسية والمخابراتية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط الدفاعية الأمنية العامة.
3- الاستفادة من الإمكانيات المادية والمعنوية للبلاد لمجابهة التهديدات الداخلية والخارجية ويتكون أعضاء المجلس من رؤساء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ووزراء الخارجية والداخلية والمخابرات ومسؤولي الأجهزة العسكرية والأمنية.
5- مجلس الشورى:
وهو مجلس تشريعي ورقابي يمارس دوراً هاماً في السياسات الخارجية.
والمجلس الحالي المنتخب عام 2000م هو المجلس الســــادس في عمر الجمهورية, وتسند إلى المجلس مهام عديدة منها: -
1-سن القوانين في كافة القضايا ضمن الحدود المقررة دستورياً.
2-شرح القوانين العادية والتدقيق والتحقيق في كافة شؤون البلاد.
3-التصديق على المواثيق والعقود والمعاهدات والاتفاقيات الدولية.
4-البت في التعاملات المالية الخاصة بأخذ القروض أو تقديمها أو تقديم
المنح سواء الداخلية أو الخارجية.
5-منح الحكومة الثقة, وطرحها عنها واستجوابها.
6-إجراء أي تعديل جزئي على حدود البلاد لا يكون إلا بموافقته[10].
وتصطدم أعمال مجلس الشورى بمجلس آخر هو مجلس صيانة الدستور الذي يمثل سلطة رقابية حاكمة على أعمال المجلس وممارساته[11].
والرئيس الحالي لمجلس الشورى هو مهدي كروبي.
6-مجلس صيانة الدستور:-
المهمة الرئيسة للمجلس هي مطابقة ما يصادق عليه مجلس الشورى مع الأحكام الإسلامية والدستور [12], والمجلس رقابي على أعمال وممارسات مجلس الشورى, وإذا رأى مجلس صيانة الدستور أن ما يصدره مجلس الشورى من قرارات لا يتوافق مع أحكام الإسلام والمذهب الشيعي الرسمي في البلاد, فإنه يقوم بإعادتها إليه, كما أن المجلس هو الجهة الوحيدة المؤهلة لتفسير مبادئ الدستور [13].
وأضاف الدستور إلى المجلس مهام الإشراف على انتخابات مجلس خبراء القيادة وانتخابات رئاسة الجمهورية والانتخابات التي تجري لمجلس الشورى, وعلى الاستفتاءات العامة [14].
ويتكون مجلس صيانة الدستور من اثني عشر عضواً: يعين المرشد ستة منهم مباشرة, ويوقع على تعيين الستة الآخرين الذين يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويوافق عليهم مجلس الشورى [15].
7-مجمع تشخيص مصلحة النظام:
ويقوم بفض النزاعات بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى إذا رفض الأول توصيات الثاني, وشريكاً للمرشد في اتخاذ القرار ومستشاراً له, كما أن الدستور أناط به " حل كافة مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية "[16].
ويقوم المرشد بتعيين جميع أعضاء المجمع الدائمين والمؤقتين [17].
ويتولى رئاسة المجمع منذ عام 1997, رئيس الجمهورية الأسبق رفسنجاني, الذي أدخل عليه تعديلات أشمل وصلاحيات أوسع جعلت منه المؤسسة الأولى في ترسيم السياسات العامة للدولة, ومن رفسنجاني رجلاً ثانياً في هرم السلطة في إيران, والذي يضطلع بدور مهم في السياسة الخارجية أيضاً, كما اتضح ذلك من خلال زيارتيه للسعودية والبحرين سنة 1998 [18].
8-مجلس الخبراء:
يعد مجلس الخبراء من أهم المؤسسات السياسية لاتصاله المباشر مع مرشد الثورة, حيث يعهد الدستور إلى المجلس بوظيفتين أساسيتين هما:
1-تحديد صلاحية القائد وترشيحه للقيادة, ومتابعة قيامه بمهامه.
2-عزل القائد إذا رأى الأعضاء أنه انحرف عن المسار الدستوري أو افتقد لأي من الشروط اللازمة [19].
ويؤثر المجلس على السياسة الخارجية بشكل غير مباشر من خلال تعيينه للمرشد [20].
9-وزارة الخارجية:
وتقوم بتنفيذ ما يصدر عن المصادر السابقة من قرارات ورؤى, كما أن هناك بعض الجوانب التخطيطية في عملها, إضافة إلى تجميع الأخبار والتحليل وتقديم الخبرة [21]
ووزير الخارجية الحالي هو كمال خرازي, ويتولى منصبه منذ عام 1997 م.
الملامح العامة للسياسة الخارجية الإيرانية
أولاً: تخبط وتذبذب المواقف والسياسات:
سبق القول أنه يوجد في إيران عدة مؤسسات لاتخاذ القرار, مما ينعكس سلباً على المواقف والسياسات, بل يذهب فرهانغ رجائي, أستاذ العلوم السياسية في جامعة كارلتون الكندية في مقالة " الدين والسياسة في إيران " إلى أن نظرية ولاية الفقيه المعتمدة في إيران أنشأت دولة برأسين [22] في إشارة إلى المرشد ورئيس الجمهورية.
ولا يتوقف الأمر عند تمتع المرشد بصلاحيات واسعة جداً, بل إن المرشد الحالي خامنئي يمتلك مؤسسة خاصة به موازية لمؤسسة الدولة تطيعه طاعة عمياء ومطلقة, ولم يمنع نفسه من استخدامها منذ وصول خاتمي لموقع الرئاسة [23] ومن هذه المؤسسات رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية التي يرأسها محمد علي التسخيري مستشار المرشد خامنئي لشؤون العالم الإسلامي.
في حكومة الرئيس خاتمي الأولى, واجه وزيران فيها متاعب جمة من قبل أتباع المرشد: الأول وزير الداخلية عبد الله نوري, الذي لم يسمح له بممارسة سلطته على قوات الشرطة إلا بعد فترة من الزمن وعلى مضض وسرعان ما أزيل من منصبه وسحبت الثقة منه, والآخر وزير الثقافة مهاجراني الذي وجد أنه ووزارته بموازاة منظمة الثقافة والإرشاد التي تتبع المرشـــد الذي يشرف أيضاً على مؤسسة الإذاعة والتلفزيون[24].
في أثناء الأزمة بين الولايات المتحدة والعراق, كان الرئيس خاتمي وأنصاره يرون الانفتاح على الولايات المتحدة وفتح حوار بينهما, حتى لو وصل الأمر إلى الوقوف معها ضد العراق, لأن هذا –برأيهم- سيحول دون استهداف إيران, في حين يرفض المرشد خامنئي وأنصاره الحوار مع أمريكا جملة وتفصيلاً ويرون أن إيران مستهدفة بعد العراق, "ويجرّمون" من يدعو للحوار والتقارب مع الولايات المتحدة, وهذا نموذج على التخبط الذي يحدث لدى صانعي السياسة الإيرانية.
وهذا يعيد إلى أذهاننا قضية احتجاز الرهائن الامريكيين في إيران عام 1980, حيث وقف رئيس الجمهورية آنذاك بني صدر موقف النقيض مع رجال الدين الحاكمين في كيفية التعامل مع هذه القضية [25].
وعلى الصعيد العربي تعتبر العلاقة الإيرانية المصرية مؤشراً من مؤشرات هذا التذبذب, فالرئيس خاتمي يرحب بعودة العلاقات, والمرشد خامنئي لا يتحدث عن شيء من هذا ويلتزم الصمت حياله, مما حدا بـ د. محمد السعيد إدريس أن يعتبر إعادة إيران لعلاقاتها الدبلوماسية مع مصر " مشكلة إيرانية إيرانية " [26] بينما يخرج رأي ثالث يعتبر أن تنمية العلاقات بين إيران وكل من السعودية ومصر تأتي في المقام الأول [27].
ومن مظاهر هذا التخبط الاستياء الذي أبداه العديد من النواب الإيرانيين في مجلس الشورى في طلب إحاطة وجّهوه إلى وزير الدفاع بسبب تدخل العسكريين المتزايد في الشؤون السياسية, وإصدار الحرس الثوري –التابع للمرشد- بيانات تعارض توجهات الخارجية الإيرانية حول الأوضاع السياسية الراهنة في إيران والمنطقة [28].
وقبيل شن الولايات المتحدة حربها على العراق في 20/3/2003, اقترح وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي تنظيم استفتاء في العراق بإشراف الامم المتحدة لتحديد مستقبل الحكم, الأمر الذي جعل زميله في الحكومة وزير الدفاع علي شمخاني -الذي ينتمي إلى تيار آخر- يسخر من هذا الاقتراح.
وفي عام 2001 جرت عدة محاولات من عناصر من حزب الله اللبناني التابع لإيران وجهات إيرانية لإدخال أسلحة إيرانية الصنع إلى الأراضي الفلسطينية عبر الأردن, ومحاولة فتح جبهة أردنية, ولدى اعتراض العاهل الأردني الملك عبدالله وإبلاغه الرئيس خاتمي بذلك, أجاب خاتمي بعدم علمه بذلك و أن جهات لا تتبع له, هي التي ربما قامت بذلك, واتهم التيارات المتشددة بمحاولة تخريب جهوده لتغيير السياسة الخارجية لإيران [29].
ومع استلام خاتمي للرئاسة عام 1997, كثر الحديث عن وجود تيارين رئيسين في الحكم في إيران:
الأول: محافظ متشدد يتزعمه المرشد خامنئي.
الآخر: إصلاحي معتدل يتزعمه الرئيس خاتمي.
رغم أن خامنئي يحاول التقليل من شأن الانقسام هذا, ليصف التيارين بـ " جناحي عصفور " لا يستغني أحدهما عن الآخر للطيران والتحليق.
وقد كان تيار خاتمي عرضة للإقصاء من تيارات أخرى في الحكم, بل تعرض العديد من الكتاب والمثقفين المؤيدين لخاتمي للاغتيال, ووجهت أصابع الاتهام إلى جهاز الاستخبارات ووزيره وقياداته, وامتنع مجلس الشورى الذي كان يسيطر عليه المتشددون آنذاك عن استجواب الوزير.
لقد أدّى هذا الوضع المضطرب إلى أن يلجأ الرئيس خاتمي إلى مجلس الشورى لسن قانون بتوسيع وتحديد صلاحياته, وإلا فإنه قد يلجأ إلى الاستقالة أو الاستفتاء العام, فهو يكشف عن التباين والازدواجية في السلطة, حيث يرغب خاتمي بوضع حد لذلك.
وفي الوقت ذاته, لا تعدو بعض المواقف المتناقضة في السياسة الإيرانية من كونها تبادلاً للأدوار تهدف إلى تبني موقفين أحدهما يعطي رسالة إلى الداخل بأن إيران ملتزمة بمبادئها وثورتها ولن تحيد عنها, والموقف الآخر موجّه إلى الخارج بأن إيران دولة متسامحة وتسعى لعلاقات تعاون واحترام مع الدول الأخرى, فالقادة الإيرانيون خرجوا من رحم واحد حيث يقول محمد علي التسخيري – مستشار المرشد خامنئي- " إن كلا الخطين يؤمنان بالثورة الإسلامية ويؤمنان بمبادئ الإمام الخميني ويؤمنان بالدستور ويؤمنان بأهم مادة في هذا الدستور وهي لزوم أن يكون القائد فقيهاً أو ما يعبر عنه بولاية الفقيه و إنهما معاً يؤمنان بهذه المبادئ ويختلفان في أساليب التطوير وآلياته " [30].
ثانياً: الإرث الفارسي وامتداد سياسات الشاه:
ليس غريباً أن تصر إيران على تسمية الخليج الذي تطل عليه بـ " الفارسي" رغم أن أغلبية الدول المطلة عليه عربية إسلامية, وقد جاورته القبائل العربية منذ زمن بعيد, فالإرث الفارسي إرث متجذر في إيران اليوم رغم دخولها في الإسلام في صدر الإسلام, وفي زمن الخلافة الراشدة تحديداً.
والوجود الفارسي لا يقتصر على اللغة الفارسية الرسمية, بل إن مظاهر عديدة وسياسات كثيرة تهدف إلى تعزيز الوجود الفارسي وتكريسه, والأمر هذا ليس وليد اليوم بل كان للدولة الصفوية الشيعية (906 هـ) السبق في ذلك, فقد أشار المفكر الإيراني الشيعي د. علي شريعتي, إلى أن الدولة الصفوية قامت على مزيج من القومية الفارسية والمذهب الشيعي, حيث تولّدت آنذاك تيارات تدعو لإحياء التراث الوطني والاعتزاز بالهوية الإيرانية, وتفضيل العجم على العرب, وإشاعة اليأس من الإسلام, وفصل الإيرانيين عن تيار النهضة الإسلامية المندفع وتمجيد الأكاسرة... [31].
وحافظت إيران في عهد الثورة على هذا الإرث ورعته, فالعنصر الفارسي في إيران اليوم هو العنصر الحاكم والمسيطر على مقاليد الأمور رغم وجود عرقيات أخرى كثيرة, وتؤكد الدكتورة آمال السبكي أنه في بداية الثورة ازدادت الخلافات العرقية بين الإيرانيين (الفرس) والأقليات الأكراد والتركمان والعرب والبلوش الذين لم يشاركوا في مكاسب الثورة[32].
ويصل التعصب الإيراني للعنصر الفارسي ذروته في سعي إيران حصر المرجعية الشيعية فيها, وعدم ذهاب المرجعية إلى مناطق أخرى كالنجف في العراق أو جبل عامل في لبنان, بالرغم أن "جبل عامل" كان له الدور الأكبر في إرساء المذهب الشيعي في إيران أثناء حكم الصفويين, وتصر إيران على أن تكون قبلة الشيعة مدينة قم الإيرانية, ولا يكون للعرب هذه الوضعية, وهذا يفسر تعرض المرجع الشيعي اللبناني محمد حسين فضل الله المقايضات والتشكيك بمرجعيته, ذلك أن عنصراً غير العنصر الفارسي لن يكون بوسعه أن يكون المرجع الأعلى للشيعة, وإن مدينة غير إيرانية لن يكون بوسعها أن تكون "حوزة" الشيعة وقبلتهم.
ويعترف الدستور الإيراني رسمياً بالديانات القديمة التي هي متواجدة في بلاد فارس قديماً كالزردشتية ويعترف بحقوق أفرادها, ويعطيهم مقاعد في مجلس الشورى منصوص عليها, في الوقت الذي لا يحصل أهل السنة هناك على اعتراف رسمي حقيقي وملموس بمذهبهم أو على حرية في ممارسة شعائر الإسلام
وفي الوقت الذي أبطل فيه الإسلام جميع الأعياد الجاهلية, يحظى عيد النيروز الفارسي بأهمية خاصة في إيران, كما أن الشهور الفارسية تحل محل الأشهر الهجرية الإسلامية التي أجمع المسلمون على استخدامها والتي ترتبط بالشعائر والمناسبات الإسلامية ارتباطاً وثيقاً.
وإذا كان الفرس قد أقاموا في السابق دولة قوية, واحتلوا أجزاء من بلدان عربية, وحاربوا الإسلام, فإن هناك في العصر الحديث في إيران من اقتفى هذا الأثر, وحلم بإنشاء دولة قوية, ولو على حساب الآخرين.
كان شاه إيران المخلوع محمد رضا بهلوي يعتبر نفسه قوة كبرى أمام كيانات صغيرة وكان يرى بلاده القوة الرابعة في العالم, وكان التسليح يستهلك الجزء الأكبر من ميزانية الدولة, ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية قام الشاه باحتلال ثلاث جزر إماراتية عام 1971 بتواطئ مع بريطانيا, وكان دائم التهديد للبحرين ومطالباً بضمها إلى إيران, ولم يتوقف عن مطالبته إلا عام 1970, رضوخاً للأمر الواقع والضغط البريطاني, كما أن الشاه أرسل حملة عسكرية إلى عُمان لدحر ثوار ظفار وإخماد ثورتهم وحماية النظام البوسعيدي.
ولم يكن العراق بعيداً عن الإساءات والأطماع الإيرانية, فقد دعم الشاه في عام 1968 الفصائل الكردية للثورة والتمرد في شمال العراق, وإضعاف الحكم في العراق.
وعلى منوال الشاه سارت الثورة, رغم العداء الذي ناصبته للشاه, فقد أعادت إيران في ظل الثورة احتلال جزر الإمارات الثلاث أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى بداية التسعينات مدّعية ملكيتها لها, وحتى اللحظة ترفض إيران الوساطة أو مناقشة القضية مع الامارات.
وكانت البحرين مسرحاً للتخريب الإيراني منتصف التسعينات عندما أثارت طهران مجموعات بحرينية شيعية معارضة ضد نظام الحكم, كما أن العراق كان هو الآخر إحدى محطات التخريب الإيراني, فقد استمر الدعم الإيراني للأكراد لإضعاف الحكم في العراق, ودخلت إيران في حرب مع العراق (1980-1988) أكلت الأخضر واليابس, وظلت إيران خلال تلك الفترة ترفض وقف الحرب, وترفض الوساطات, ولم تقبل إيران بوقف لإطلاق النار إلا بعد بروز التفوق العراقي.
وتذكر الباحثة نيفين مسعد أن اتفاقاً بين مختلف الأجنحة والتيارات في إيران مفاده (ما حصل عليه الشاه لا تتنازل عنه الجمهورية الإسلامية) [33]
ثالثاً: العقيدة الشيعية المسيطرة:
ينص الدستور الإيراني على أن المذهب الشيعي الإثني عشري هو المذهب الرسمي في البلاد [34], كما ينص على أن نظرية " ولاية الفقيه " الشيعية الحديثة هي المرجع والمنظم لأمور الحكم في إيران [35], كما أن الدستور يشترط اعتناق هذا المذهب لتولي المناصب الهامة وعلى رأسها المرشد ورئيس الجمهورية [36], وتأثير العقيدة الشيعية في الحياة الإيرانية يتجاوز هذه المواد الدستورية بكثير, فالمذهب الشيعي يحكم ويوجه جميع جوانب الحياة الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
وإذا علمنا أن العقيدة الشـــــيعية - كما تنص على ذلك كتب علمائهم ومراجعهم- [37] تعتبر المسلم السني العدو الأول, فإننا نستطيع تفسير العداء الذي تكنّه إيران للمسلمين السنة, وللدول السنية, والتحالفات المشبوهة مع غير المسلمين من اليهود والنصارى والشيوعيين, وكذلك التحالف مع أتباع الفرق الباطنية.
والعداء الإيراني للمسلمين من أهل السنة في الخارج ليس أمراً مستغرباً إذا كانت إيران تمارسه في الداخل وعلى مواطنيها, ولم يعد يخفى ما تمارسه إيران ضد مواطنيها السنة من ظلم وتهميش, وهدم للمساجد والمدارس, واعتقال للعلماء والشباب...[38], حتى أن العاصمة طهران التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون مسلم سني لا يسمح فيها حتى الآن ببناء مسجد للسنة.
والعداء للسنة هو الذي جعل إيران تقوم بخذلان المسلمين في قضاياهم المصيرية كما برز ذلك في فلسطين والشيشان وافغانستان وكشمير.., وتقوم عوضاً عن ذلك بإقامة علاقات سياسية وعسكرية واقتصادية متميزة مع الدول التي تحارب الإسلام وتضطهد المسلمين كما هو حال علاقات إيران مع روسيا والهند.
ففي غمرة الاجتياح السوفييتي لأفغانستان, تعقد إيران صفقات كبيرة مع الاتحاد السوفييتي الذي احتل أرضاً إسلامية وشرّد أهلها, واستمر التعاون مع وريث الاتحاد السوفييتي روسيا التي ما زالت تحتل أرضاً إسلامية هي الشيشان, وترتكب أبشع المذابح بحق الشعب المسلم هناك, في الوقت الذي لا تحرك إيران فيه ساكناً, بل تلجأ إلى وصف المجاهدين هناك بالتطرف والتمرد.
والهند بلد يضطهد الأقلية المسلمة هناك, ويغض الطرف عن ممارسات الهندوس الإجرامية بحق المسلمين, كما أنه يحتل أرضاً إسلامية هي جامو وكشمير, ومع ذلك تدخل إيران في تحالف مع الهند موجّه أساساً ضد دولة باكستان المسلمة.
ويتكرر الأمر مع كوريا الشمالية, هذه الدولة الشيوعية التي كانت تزود إيران بالمستشارين العسكريين, في بداية الثورة [39].
وتقف إيران مع أرمينيا المسيحية التي تحتل 20% من أراضي أذربيجان المسلمة نكاية بتركيا التي تؤيد أذربيجان ضد أرمينيا المعتدية.
وتؤيد إيران اليونان المسيحية في صراعها مع تركيا المسلمة, وتعارض إيران التدخل التركي في شمال قبرص الذي جاء حماية للمسلمين من التطهير العرقي والمجازر التي كانت ترتكب ضدهم, كما أنها ترفض أن يكون للمسلمين دولة في قبرص بحجة معارضتها تقسيم هذه الجزيرة [40].
وإذا انتقلنا إلى قضية المسلمين الأولى فلسطين, فإننا نجدها مثالاً آخر على خذلان المسلمين والتحالف مع أعداء المسلمين, ففي ذروة الاجتياح الإسرائيلي للبنان سنة 1982, يطلب الخميني من الإيرانيين عدم الالتفات إلى هذه الحرب الصغيرة, التي تلهيه عن الحرب الكبيرة ضد العراق, ولم يكن الموقف الإيراني منسجماً مع العقيدة الإسلامية, وازدادت الأمور سوءاً عندما عقدت إيران اتفاقاً مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض المسلمين لتزويده بأسلحة وقطع غيار بلغت قيمتها 100 مليون دولار, وهي الفضيحة التي اشتهرت باسم (إيران غيت) [41].
إذاً: التحالفات مع الدول غير المسلمة التي تضطهد المسلمين, وتحارب الإسلام سمة مميزة للسياسة الإيرانية التي تتبنى العقيدة الشيعية القائمة على أن المسلم السني هو العدو الأول, وتقلل من شأن الكافرين, حيث يقول الرئيس الأسبق رفسنجاني مبرراً اللجوء إلى هذه الدول الكافرة: " يجب ألا نفرض على أنفسنا قيوداً تجاه الدول التي نستفيد منها علمياً, ولا ضير أن نتعامل مع أي دولة لسد حاجة بلدنا " [42].
وفي الوقت الذي تحرص فيه إيران على علاقات متينة وتحالفات قوية مع الدول غير الإسلامية المعادية للمسلمين, تحتفظ إيران بسجل سيء لعلاقاتها مع الدول الإسلامية, خاصة تلك التي تتبع المذهب السني, وتجعل إيران نفسها ممثلاً للشيعة في العالم ووصيّه عليهم, كما أنها تسعى لجعلهم ورقة في يدها تحركهم ضد بلدانهم لإحداث القلاقل والفتن في هذه البلدان, وهذه الوصاية تشبه إلى حد كبير الوصاية التي يمارسها الكيان الصهيوني تجاه اليهود في العالم بغض النظر عن جنسياتهم وأصولهم.
والمسلك الذي تسلكه إيران تجاه الدول الإسلامية سلكته فيما سبق الدول الشيعية التي حكمت بعض بلاد المسلمين, كالفاطميين والبويهيين والصفويين, حتى أن الصفويين انقضّوا على الدولة العثمانية المسلمة في الوقت الذي كان العثمانيون يفتحون البلاد الأوروبية وينشرون الإسلام شرقاً وغرباً, ويقفون سداً منيعاً أمام الهجمات والمطامع الأوروبية.
وبالعودة إلى عقيدة أن المسلم السني هو العدو الأول, فإننا نستطيع تفسير العلاقات المتوترة التي كانت تميز علاقات إيران بالدول الإسلامية, واستغلال الأقليات الشيعية المتواجدة هناك للإضرار ببلدانها, فالكويت كانت في سنوات الثمانينات مسرحاً للتخريب الإيراني وإثارة الشيعة ضد حكم آل الصباح, وتجلى ذلك في حرق بعض آبار النفط والاعتداء على السفارات الأجنبية, ومحاولة اغتيال أمير الكويت سنة 1985, والاعتداء على ناقلات النفط الكويتية, وإسقاط الصواريخ الإيرانية على المياه الاقليمية الكويتية.
وفي البحرين تدعم إيران الشيعة هناك لإحداث القلاقل في سنوات التسعينات وخاصة في منتصفها لقلب نظام الحكم, وربما احتلالها أو ضمها إلى (الوطن الأم).
وبنفس المنوال كانت تسير علاقات إيران بالسعودية حتى وصل الأمر إلى إرسال إيران لعشرات الآلاف من عناصر الحرس الثوري إلى أرض الحرمين الشريفين في موسم الحج لعام 1407هـ (1987م) وقاموا بتنظيم المظاهرات, والتخريب في مكة المكرمة وصرف الناس عن مناسك الحج.
وكانت إيران تدعم بشكل منقطع النظير حزب الوحدة الشيعي في أفغانستان, ومعه بقايا الشيوعيين المنضوين تحت تحالف الشـــمال ضد الحكم أيام حركة طالبان, حتى برز التحالف مع الولايات المتحدة لإسقاط حكم طالبان, في حين لم نجد ذلك الحماس الإيراني لدعم المجاهدين الأفغان أيام كانوا يقاتلون السوفييت الشيوعيين.
والعلاقة بين إيران وتركيا, وصراعهما الإقليمي ليس بعيداً عن حروب الصفويين الشيعة مع العثمانيين السنة, وكما كانت إيران الصفوية تقف مع الدول النصرانية الأوروبية ضد العثمانيين, تقف إيران اليوم في عهد الثورة مع إرمينيا واليونان المسيحيتين في صراعهما مع تركيا.
ومن نفس المنظار وانطلاقا من فهم عقيدة أن المسلم السني هو العدو الأول نستطيع تفسير ذلك التعاون والتحالف الذي يربط إيران وسوريا التي تحكمها الطائفة النصيرية منذ عام 1970م.
وثمة أمر محل استغراب وهو مهاجمة إيران المستمر وتكفيرها لحزب البعث العراقي, وأنه حزب خارج عن الإسلام, في الوقت الذي لا تصدر مثل هذه الأقوال تجاه حزب البعث الحاكم في سوريا الذي يتطابق في فكره وأدبياته مع البعث العراقي, وإذا علمنا أن رأس الحكم في سوريا ينتمي إلى حزب البعث, فإنه في الوقت نفسه ينتمي إلى طائفة النصيرية أو العلوية التي تشترك مع الشيعة الإثني عشرية في كرهها للمسلمين السنة.
وقد برز هذا التحالف الإيراني السوري أو الشيعي النصيري مع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية سنة 1980, حيث وقفت سوريا بجانب إيران ضد العراق الجار العربي والبعثي.
وفي تلك الأثناء, يقترف النظام السوري المذابح المروّعة بحق مواطنيه المسلمين الأبرياء, في مدن حماه وحمص, ويهرب الآلاف من السوريين خارج وطنهم, وتغض إيران الطرف عن هذه المأساة التي يستبب فيها حليفه السوري النصيري.
وفي عام 1991, تدخل سوريا شأنها شأن الأردن ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية مسيرة السلام مع الكيان الصهيوني, فتصب إيران جام غضبها على منظمة التحرير, واصفة إيّاها بالخيانة والتفريط وتتغاضى عن سوريا التي ما زال المسؤولون الإيرانيون يصرحون بأنهم يتفهمون أسباب وظروف مشاركة سوريا في العملية السلمية.
وكما ارتكب السوريون النصيريون المذابح بحق المسلمين الأبرياء من أبناء الشعب السوري, فإنهم ارتكبوا مذابح أخرى بحق المسلمين الفلسطينيين واللبنانيين في لبنان, وفي كلتا الحالتين لا تحرك إيران ساكناً, فالمعتدى عليهم هنا هم مسلمون سنة.
ويبلغ التحالف الإيراني السوري مداه في رعاية ودعم حزب الله اللبناني الشيعي الذي أنطيت به مهام عديدة من بينها تصفية الوجود السني في جنوب لبنان والضغط على لبنان والتحكم بقراره وتهديد سيادته, وما زال الدعم المشترك لحزب الله أحد القواسم المشتركة, والعناوين الهامة للتحالف الإيراني السوري أو الشيعي النصيري.
رابعاً: تصدير الثورة:
ترى إيران بأن ثورتها هي الدولة الإسلامية التي طال انتظارها كما أنها ترى نفسها نموذجاً للمسلمين, ومثلاً للإسلام, ولا بد لها من قيادة العالم الإسلامي.
يقول الرئيس محمد خاتمي: " والإسلام الذي بقي في الأذهان قروناً عديدة بهيئة مجموعة من الأفكار والقيم – نزل اليوم ببركة الثورة الإسلامية إلى الميدان لإدارة الحياة وتأسيس النظام, وقد أقام دولة, ومن ثم دعا منافسيه ومعارضيه إلى النزال, ليس في ميدان العقل والأفكار فحسب, بل وفي ميدان العمل وواقع الحياة "[43].
وانطلاقاً من هذا المفهوم المغلوط, وهو أن إيران هي التي جسّدت الحكم الإسلامي الذي كان مفقوداً, وتصفية لبعض الحسابات, تبنت إيران منذ وقت مبكر من الاطاحة بالشاه مبدأ " تصدير الثورة ", وهو أن تلجأ إيران إلى القوة لنشر عقيدتها ومذهبها إلى الخارج الذي اعتبرته متعطشاً لهذا الثورة, واعتبرت أنه لا بد من قتال حكام المسلمين المتكبرين الذين يحولون دون وصول أنوار هذه الثورة إلى المسلمين المستضعفين من شعوبهم![44].
وبتبنيها لهذا المبدأ, بدا واضحاً أن إيران تدخل مستنقعاً أشبه بالذي دخلته فرنسا التي تكبدت خسائر جسيمة أثناء تصدير الثورة الفرنسية وحروبها الفاشلة في أوروبا [45].
وجاءت الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) لتشكل الحلقة الأولى في مسيرة التصدير, لتشمل بعدها دولة أخرى, الأمر الذي جعل الدول الخليجية تتوجس من المشروع الإيراني, وتلجأ إلى دعم العراق في حربه ضد إيران, ومع فشل إيران بإلحاق الهزيمة بالعراق, والولوج إلى دول أخرى لتصدير الثورة توقف هذا الاسلوب مؤقتاً ليحل محله أساليب أخرى.
مع انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ثم وفاة مرشـــد الثورة الخميني سنة 1989, صارت إيران تلجأ إلى " الغزو الناعم " من خلال إنشاء مراكز ثقافية وطبية, وتقديم منح دراسية لطلاب من العالم الإسلامي لدراسة العلوم الدينية والعقيدة الشيعية, كما أنها تقوم بتوزيع الكتب والنشرات التي تدعو إلى المذهب الإمامي وتحاول تحسين صور إيران, وتنظم معارض للكتاب الإيراني وأسابيع ثقافية إيرانية في الخارج.
كما اعتمدت إيران أسلوب ترميم الأضرحة, حيث تبدي رغبتها بترميم وقبور بعض الصحابة والأئمة في بعض الدول, ومن ثم قدوم حجاجها إلى هذه الدول لتبدو المنطقة بفعل المال الإيراني والحجاج الإيرانيين كما لو أنها جزء من إيران.
ومن الأساليب التي تعتمدها إيران في تصدير ثورتها, هو ما عبر عنه الرئيس الأسبق رفسنجاني بأمل إيران، بأن تعتمد السعودية على اليد العاملة الإيرانية والبضائع والمنتجات الإيرانية, كي يتم إيجاد تكتل بشري إيراني يشبه إلى حدٍ كبير ما كانت تمارسه إيران من تصدير مواطنيها إلى مناطق مختلفة من دول الخليج ليسهل فيما بعد المطالبة بها بحجة أن معظم سكانها إيرانيون, كما تهدف هذه الخطوة على المدى البعيد إلى ربط اقتصاد الســعودية بالاقتصاد الإيراني[46].
خامساً: توريط الآخرين:
في عام 2001م, اعتقلت السلطات الأردنية عناصر من حزب الله الشيعي اللبناني التابع لإيران لقيامهم بمحاولة تهريب أسلحة إيرانية الصنع إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة بحجة دعم الانتفاضة هناك, وهذا مثال واضح على الصراع الذي تحاول إيران دائماً إلى نقله للآخرين, وأن تجعل من بلادهم جبهة مفتوحة في الوقت التي تغلق هي وحلفاؤها جبهاتهم, ففي الوقت الذي سعت فيه إيران إلى اشعال الجبهة الأردنية, فإنها تقوم بالعمل على تهدئة الجبهتين السورية واللبنانية بل إن الجبهة السورية تشهد شبه تجمد منذ 1967م.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم تبادر إيران إلى دعم الفلسطينيين واللبنانيين ضد البطش الصهيوني أيام كانت الجبهات مفتوحة؟ في عام 1982, وعندما كان المسلمون الفلسطينيون في لبنان يعانون الأمرّين من الحصار والظلم الصهيوني, كان الخميني يطالب الإيرانيين بعدم الالتفات إلى هذه الحرب التي أسماها (الصغيرة) لأنها تلهيهم عن الحرب (الكبيرة) ضد العراق, فقتال العراق – بنظر الخميني- أهم من قتال اليهود [47].
وأمر آخر جدير بالتساؤل وهو احتضان إيران لبعض الفصائل الفلسطينية المعارضة لمنظمة التحرير الفلسطينية وللمسيرة السلمية ورعايتها وتخريب الاتفاقيات التي عقدها الفلسطينيون مع الكيان الصهيوني, واعتماد التوقيت الخاطئ أحياناً, الأمر الذي كان ينعكس سلباً على الشعب الفلسطيني وجهاده, ويظهر المجاهدين بمظهر المرتمي بأحضان إيران, وفي النهاية تعلن إيران أنها تقبل بما يقبل به الفلسطينيون [48].
الأصول الشيعية التي تستند عليها السياسة الإيرانية
وبعد أن عرضنا الملامح العامة للسياسة الإيرانية والتي هي لا تصب في صالح الإسلام وأهله لا بد من التعرف على تأثير العقيدة الشيعية على هذه السياسات المعادية لمصالح الإسلام والمسلمين.
وإن استعراض بعض الأصول التي قام عليها مذهب الشيعة, وما كتبه وأصّله علماؤهم المعتبرون حديثاً وقديماً كفيل بتفسير هذه المواقف وفهمها فهماً صحيحاً.
أولاً: تكفير جميع المسلمين ما عدا الشيعة:
فأحد أصول الشيعة هو تكفير جميع المسلمين وجميع الفرق ما عدا الشيعة, وبخاصة أهل السنة الذين يسمونهم (النواصب), يقول رئيس محدثيهم محمد بن علي القمّي الملقب عندهم بالصدوق في رسالة الاعتقادات ص103 ما نصه:
" واعتقادنا فيمن جحد إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من بعده عليهم السلام أنه كمن جحد نبوة جميع الأنبياء, واعتقادنا فيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة أنه بمنزلة من أقر بجميع الأنبياء وأنكر نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله ".
وينقل القمي حديثاً منسوباً إلى الإمام الصادق أنه قال: " المنكر لآخرنا كالمنكر لأولنا " رسالة الاعتقادات ص103.
ويقول شيخهم ومحدثهم يوسف البحراني في موسوعته المعتمدة عند الشيعة (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ج 18 ص 153: " وليت شعري أي فرق بين من كفر بالله سبحانه وتعالى ورسوله وبين من كفر بالأئمة عليهم السلام مع ثبوت كون الإمامة من أصول الدين ".
ويسير معاصروهم على نفس المنوال بالاعتقاد بكفر جميع المسلمين الذين لا يؤمنون بولاية الأئمة, فيقول الخميني معقّباً على قول الله تعالى: " فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً " ما نصه:
" ومن المعلوم أن هذا الأمر يختص بشيعة أهل البيت ويحرم عنه الناس الآخرون, لأن الإيمان لا يحصل إلا بواسطة ولاية علي وأوصيائه من المعصومين الطاهرين عليهم السلام, بل لا يقبل الإيمان بالله ورسوله من دون الولاية... " الأربعون حديثاً ص511.
ثانياً: إباحة دماء أهل السنة وأموالهم:
وحيث أن الشيعة يحكمون بكفر المسلمين من أهل السنة –كما تبين- فإنهم وبناءً على هذا الأصل عندهم يبيحون دماءهم وأموالهم, وقد روى شيخهم القمي في كتابه علل الشرايع(ص601) عن داود بن فرقد قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم ولكني أتقي عليك, فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل, قلت: فما ترى في ماله؟ قال: توّه ما قدرت عليه ", وذكر هذه الرواية الخبيثة شيخهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (18/463) ونعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية (2/307) إذ قال: " جواز قتلهم (أي النواصب) واستباحة أموالهم.
وعندما غدر الوزير الشيعي الطوسي بالمسلمين في بغداد وتسبب في إبادتهم على أيدي التتار, وإلغاء الخلافة, تترحم عليه علماء الشيعة من بعده, واعتبروا عمله هذا خدمة للإسلام والمسلمين.
يقول علامتهم الميرزا محمد باقر الموسوي الخونساري الأصبهاني في روضات الجنات في أصول العلماء والسادات (الجزء الأول ص300-301) في ترجمة المجرم الطوسي ما نصه: " هو المحقق المتكلم الحكيم المتبحر الجليل ومن جملة أمره المشهور المعروف المنقول حكاية استيزاره للسلطان المحتشم في محروسة إيران هولاكو خان بن تولي خان بن جنكيز خان من عظماء سلاطين التتارية وأتراك المغول ومجيئه في موكب السلطان المؤيد مع كمال الاستعداد إلى دار السلام بغداد لإرشاد العباد وإصلاح البلاد, وقطع دابر سلسلة البغي والفساد وإخماد دائرة الجور والإلباس بإبداد دائرة ملك بني العباس, وإيقاع القتل العام من أتباع أولئك الطغاة إلى أن أسال دماءهم الأقذار كأمثال الأنهار فأنهار بها في ماء دجلة, ومنها إلى نار جهنم دار البوار ومحل الأشقياء والأشرار ".
والخميني أيضاً يبارك عمل الطوسي (قتل المسلمين السنة) ويعتبره نصراً للإسلام إذ يقول في كتابه الحكومة الإسلامية (ص142): " وإذا كانت ظروف التقية تلزم أحداً منا بالدخول في ركب السلاطين فهنا يجب الامتناع عن ذلك حتى لو أدّى الامتناع إلى قتله, إلا أن يكون في دخوله الشكلي نصر حقيقي للإسلام والمسلمين مثل دخول علي بن يقطين ونصير الدين الطوسي رحمهما الله ".
وإضافة إلى إباحة دماء أهل السنة, والترحم والترضي فيمن يقتلهم, فإن الشيعة يبيحون أخذ أموالهم, حيث يروون عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: " خذ مال الناصب حيث ما وجدته وادفع إلينا الخمس " وقد أخرج هذه الرواية شيخ طائفتهم أبو جعفر الطوسي في تهذيب الأحكام (4/122) والفيض الكاشاني في الوافي (6/43) ونقل هذا الخبر شيخهم الدرازي البحراني في المحاسن النفسانية (ص167).
وبمضمون هذا الخبر أفتى مرجعهم الخميني في تحرير الوسيلة(1/352) بقوله: " والأقوى إلحاق الناصب (السني) بأهل الحرب في إباحة ما اغتنم منهم, وتعلق الخمس به بل الظاهر جواز أخذ ماله أين وجد وبأي نحو كان ووجوب إخراج خمسه ".
ويقول فقيههم ومحدثهم يوسف البحراني في كتابه (الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة) 12/323-324 ما نصه: " إن إطلاق المسلم على الناصب وأنه لا يجوز أخذ ماله من حيث الإسلام, خلاف ما عليه الطائفة المحقة سلفاً وخلفاً من الحكم بكفر الناصب ونجاسته وجواز أخذ ماله بل قتله.
ثالثاً: نجاسة أهل السنة عند الشيعة:
يؤمن الشيعة بنجاسة أهل السنة كما استفاض ذلك في كتب متقدميهم ومتأخريهم, فيقول علامتهم الحلي في كتابه نهاية الأحكام في معرفة الأحكام (1/274): " والخوارج والغلاة والناصب, وهو الذي يتظاهر بعداوة أهل البيت عليهم السلام أنجاس ".
وروى شيخهم القمي الملقب عندهم بالصدوق عن الإمام الصادق في عقاب الأعمال ص252: " إن المؤمن ليشفع في حميمه إلا أن يكون ناصباً ولو أن ناصباً شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا ".
ويقول مرجعهم الأسبق محمد كاظم الطبطبائي في كتابه العروة الوثقى (1/68): " لا إشكال في نجاسة الغلاة والخوارج والنواصب ".
ويقول الخميني في كتابه تحرير الوسيلة (1/118): " وأما النواصب والخوارج لعنهم الله تعالى فهما نجسان من غير توقف ".
ويضيف في نفس الكتاب ص119: " غير الإثنى عشرية من فرق الشيعة, إذا لم يظهر منهم نصب ومعاداة وسب لسائر الأئمة الذين يعتقدون بإمامتهم طاهرون, وأما مع ظهور ذلك منهم فهم مثل سائر النواصب.
رابعاً: جواز اغتياب أهل السنة ولعن موتاهم:
يقول آيتهم عبد الحسين دستغيب في كتاب الذنوب الكبيرة (2/267): " ويجب أن يعلم أن حرمة الغيبة مختصة بالمؤمن أي المعتقد بالعقائد الحقّة ومنها الاعتقاد بالأئمة الإثنى عشر عليهم السلام, وبناءً على ذلك, فإن غيبة المخالفين ليست حراماً ".
ويؤكد الخميني هذا المعنى في كتابه المكاسب المحرمة (1/249): "ثم إن اختصاص الحرمة بغيبة المؤمن, فيجوز اغتياب المخالف إلا أن تقتضي التقية وغيرها لزوم الكف عنهم".
كما أن الشيعة يجيزون بل يحثون أتباعهم على لعن موتى أهل السنة إذا حضرت جنائزهم, حيث يقول شيخهم محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالمفيد في كتاب المقنعة ص85: " ولا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفاً للحق في الولاية ولا يصلي عليه إلا أن تدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية فيغسله أهل الخلاف ولا يترك جريدة, وإذا صلّى عليه لعنه ولم يدع له فيها ".
ويقول الميرزا حسن الحائري الأحقافي في كتابه أحكام الشيعة (الجزء الأول ص186): " لا يجوز الصلاة على الكافر بجميع أقسامه كتابياً أو غيره, وكذا المخالف إلا لتقية أو ضرورة فيلعن عليه عقيب التكبيرة الرابعة ولا يكبر للخامسة ".
خامساً: تكفيرهم خلفاء المسلمين وحكوماتهم وبلدانهم:
يؤمن الشيعة بأن كل حكومة غير حكومة الإثنى عشرية باطلة, وصاحبها ظالم وطاغوت يُعبد من دون الله, ومن يبايعه فإنما يعبد غير الله, ويعتقدون أن كل خلفاء المسلمين ما عدا عليّاً والحسن طواغيت, ذلك أنهم يقولون: " كل راية ترفع قبل راية القائم (مهديهم المنتظر) رضي الله عنه صاحبها طاغوت " وقد ورد هذا في الكافي للكليني بشرحه للمازندراني 12/371 وبحار الأنوار للمجلسي 25/113.
ويقول شيخهم محمد باقر المجلسي في بحار الأنوار عن الخلفاء الراشدين (4/385): " إنهم لم يكونوا إلا غاصبين جائرين مرتدين عن الدين, لعنة الله عليهم وعلى من اتبعهم في ظلم أهل البيت من الأولين والآخرين".
كما يصرح الشيعة بتكفير بلاد المسلمين وكفر أهلها كما جاء في أصول الكافي (2/409): " أهل الشام شر من أهل الروم (يعني شر من النصارى), وأهل المدينة شر من أهل مكة, وأهل مكة يكفرون بالله جهرة ".
وقال شيخهم المجلسي في بحار الأنوار (60/208): " أبناء مصر لعنوا على لسان داود عليه السلام, فجعل الله منهم القردة والخنازير ".
ويعتبر الشيعةُ قضاةَ المسلمين طواغيت لا يجوز التحاكم إليهم, فقد جاء في أصول الكافي للكليني (1/67) عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة, أيحل ذلك؟
قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت, وما يحكم به فإنما يأخذ سحتاً, وإن كان حقاً ثابتاً له, لأنه أخذ بحكم الطاغوت, وقد أمر الله أن يكفر به, قال تعالى: (يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) النساء الآية 60.
ويعقب الخميني بعد أن ساق الرواية السابقة في كتابه الحكومة الإسلامية ص87 قائلاً: " تحريم التحاكم إلى حكام الجور: لقد نهى الإمام في مقام جوابه عن سؤال السائل, عن الرجوع إلى حكام الجور في المسائل الحقوقية أو الجزائية نهياً عامّاً... ".
سادساً: تحريم الجهاد:
يحرم الشيعة الجهاد إلى حين خروج إمامهم الثاني عشر, لذا لم يسجل التاريخ للشيعة ولن يسجل جهاداً ضد الكفار.
يروي ثقتهم الكليني في الكافي (8/295) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله عز وجل ", وذكر هذه الرواية شيخهم الحر العاملي في وسائل الشيعة (11/37).
وقد قرر مرجعهم الخميني أن البدأة بالجهاد لا تكون إلا لقائمهم إذ يقول في تحرير الوسيلة (1/482): " في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر-عجل الله فرجه الشريف- يقوم نوابه العامة وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام عليه السلام إلا البدأة بالجهاد"
وروى الملا محسن الملقب بالفيض الكاشاني في الوافي (9/15) والحر العاملي في وسائل الشيعة (11/21) ومحمد محسن النجفي في جواهر الكلام (21/40): " عن عبد الله بن سنان قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك ما تقول في هؤلاء الذين يقتلون في هذه الثغور؟ قال: الويل يتعجلون قتلة في الدنيا وقتلة في الآخرة والله ما الشهيد إلا شيعتنا ولو ماتوا على فراشهم".
سابعاً: اعتبار الكفار أفضل من المسلمين:
وفي كتاب الوشيعة: " وفي الكافي (2/396) وفي كتاب التهذيب (2/15) أن بعض الناس قال للصادق أحد أئمة الشيعة: أأنزل مكة؟ قال: لا تفعل, أهل مكة يكفرون بالله جهرة, قال: أأنزل في حرم النبي؟ قال هم شر منهم, أهل المدينة أخبث من أهل مكة سبعين ضعفاً, عليك بالعراق بالكوفة, أهل الشام شر من الروم, والمخالف شر من سائر الكفار, لعنة الله عليهم وعلى أسلافهم ".
ختاماً
تعرضنا في هذا البحث إلى أهم ملامح السياسة الخارجية الإيرانية منذ قيام الثورة سنة 1979, وبينا أنها سياسات مستمرة, وإن كان ثمة تغير في الأسلوب, وربطنا هذه السياسات بالعقيدة الشيعية التي تنطلق منها إيران, فمعرفة الأسس والأفكار الشيعية يسهل لنا تفسير المواقف, وربط الأحداث بعضها ببعض, وهنا قد تزول الدهشة عند كثير من المسلمين, الذين يرون التخاذل الإيراني تجاه قضايا المسلمين كفلسطين والعراق وأفغانستان, كما أنهم يرون العلاقات الوثيقة التي تربط إيران بالدول الكافرة المعادية للإسلام والمسلمين على عكس ما تعلنه إيران عن الوحدة الإسلامية, ونصرة المسلمين.
بيان سياسة إيران الخارجية قد لا يبدو أحياناً بالأمر السهل وسط جبال الخطب والتصريحات الإيرانية التي يتم تضليل المسلمين بها, لكن العودة إلى الأفعال والممارسات وعلى مدى 24 سنة من عمر الثورة هو الكفيل بإصدار حكم دقيق, كما أن إيران ليست استثناءً من الدول الشيعية التي حكمت بعض بلاد المسلمين في فترات سابقة, فالمسلك واحد والمنهج واحد (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون).
[1] عام 2001 بحسب تصريح نائب رئيس مصلحة الأحوال المدنية شهاب الدين شاووس.
[2] المصدر: الوجيز في جغرافية العالم الإسلامي – د. محمد محمود السرياني.
[3] الحكومة الإسلامية – ص 63
[4] المصدر السابق – ص 63
[5] الدستور المادة 110
[6] مدخل إلى السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية ص 89.
[7] الدستور الإيراني المادة – 113 -
[8] المصدر السابق المادة – 122 -
[9] مدخل إلى السياسة الخارجية د. بيزن ايزدي ص 97
[10] الدستور – المواد 71-78 –79 –80 -125
[11] مدخل إلى السياسة الخارجية ص 23
[12] الدستور – المادة - 91
[13] المصدر السابق - المادتان - 94, 97.
[14] المادة 99
[15] الدستور – المادة – 91
[16] المصدر السابق – المواد – 110, 111, 112
[17] المصدر السابق – المادة - 112
[18] مدخل إلى السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية – ص25
[19] المادة 111
[20] مدخل إلى السياسة الخارجية د. بيزن ايزدي – ص 91.
[21] المصدر السابق – ص 100, 101.
[22] شؤون المتوسط – صيف 2001 – العدد 103
[23] إيران: تحديات العقيدة والثورة د. جواد بشارة ص 75
[24] المصدر السابق ص 75
[25] تاريخ إيران السياسي بين ثورتين ص 248
[26] افتتاحيةرشهرية مختارات إيرانية– العدد 30 (يناير 2003) ص 5
[27] سيد حسين الموسوي – فصيلة إيران والعرب, العدد صفر ص 10
[28] صحيفة الرسالة الإيرانية 11/1/2003
[29] صحيفة الشرق الأوسط 5/2/2003
[30] صحيفة اللواء الأردنية 25/4/2001
[31] التشيع العلوي والتشيع الصفوي 119-122
[32] تاريخ إيران بين ثورتين (1906-1979) ص 241
[33] المستقبل – العدد 279, ص 92.
[34] المادة 12.
[35] المادة الخامسة والمادة 107.
[36] المادة 115.
[37] انظر صفحة 19 من هذا البحث.
[38] أحوال أهل السنة في إيران – عبد الله الغريب.
[39] الثورة البائسة – د. موسى الموسوي ص
[40] د. السيد عوض عثمان (مختارات إيرانية – العدد 25, ص 80-82).
[41] الثورة البائسة ص125
[42] فصيلة إيران والعرب – العدد صفر – ربيع 2002.
[43] تحديات العقيدة والثورة – ص186.
[44] تصدير الثورة كما يراه الامام الخميني.
[45] تاريخ إيران السياسي بين ثورتين ص 243.
[46] فصيلة إيران والعرب – العدد صفر – ربيع 2002.
[47] الثورة البائسة – ص 125
[48] تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية.