الكاتب : أمير طاهري ..
هناك ساكن جديد للقصر الفخم ببغداد الذي كان ذات يوم منزلاً لعزت إبراهيم أحد أتباع صدام حسين المقربين, إنه حسين موسوي الخميني أحد الملالي متوسطي المكانة, 45 عاماً, وقد قدم حسين إلى بغداد قبل أسبوعين فقط, ومنذ ذلك الحين صار الصحافيون الغربيون يصطفون صفوفاً لكي يحصلوا على مقابلة مع القادم الجديد الذي قال إنه قدم إلى بغداد ليستجدي الولايات المتحدة كي "تحرر" إيران بالقوة إن لزم الأمر.
بالطبع, هناك في إيران أعداد كبيرة من الملالي, ووفقاً لآخر إحصاء نشر عام 1988 فإن هناك نحو 300 ألف من الملالي في الجمهورية الإسلامية, مما يجعل إيران أكثر مجتمع يعج برجال الدين في التاريخ المعاصر بعد الكبت في ظل الدالاي لاما. والملالي الإيرانيون يوجدون بوفرة, بكل شكل وحجم, ويعبرون عن العديد من الآراء المختلفة التي توجد في المجتمع العريض.
إذن لماذا جذب رجل الدين المحدد هذا الانتباه؟
الإجابة هي أن حسين الخميني هو حفيد الراحل آية الله روح الله موسوي خميني الذي بصعوده على موجة الثورة عام 1978, 1979 برز بوصفه رجل الدين الأول الذي يحكم إيران.
لقد أظهر آية الله الخميني استيلاءه على السلطة كحدث يمثل "إحياء الإسلام", وذلك من بين دعاوى أخرى عديدة, لكن حفيده قال إن إيران اليوم هي بمثابة سجن كبير وأن ثورة جده لم تجلب سوى "المآسي" للشعب الإيراني.
في مقابلة مع صحيفة (الغارديان) اللندنية دعا حسين خميني الولايات المتحدة لإرسال قواتها لتحرير إيران, وفي مقابلة أخرى قال لصحيفة (جيروسليم بوست) إن الولايات المتحدة كانت "جالبة للحرية في العالم المعاصر" وبوصفها هذا فإن عليها واجباً أخلاقياً بـ "حماية الشعب الإيراني الذي يتعرض للمعاناة" بنفس القدر الذي أنقذت به شعوب أفغانستان والعراق.
وقد استقبلت ملاحظات حسين خميني بخليط من الصدمة والفزع في الغرب, لكن, نظر إليها في إيران وفقاً لفلسفة آية الله الخميني.
في الثمانينات قضيت أربع سنوات أعمل على السيرة الذاتية للخميني.
هناك ملمحان أساسيان في شخصية خميني جذبا انتباهي.
الأول: هو رفضه لمفهوم الوطنية, فقد زعمت أسرته أن له دماً عربياً ممتداً إلى موسى بن جعفر, الإمام السابع عند الشيعة الإثني عشرية.
جزء من العائلة أمضى عشرات السنين في كشمير ومن ثم فإن الاسم العائلي الأصلي للخميني هو "هندي" (غير روح الله الخميني اسمه العائلي عام 1930, لكن شقيقه الأصغر احتفظ به).
عندما وطأت قدما آية الله الخميني مطار مهرباد في طهران, بعد 16 عاماً في المنفى في تركيا والعراق وفرنسا, في فبراير 1979 سأله مراسل صحافي فرنسي كان قد صحبه على متن طائرة الخطوط الفرنسية عن شعوره عند عودته للوطن؟ أجاب روح الله قائلاً "لا شيء".
بالنسبة للخميني فإن إيران ليست سوى قطعة أرض, أما ما يهمه فهو ما إذا كان سيستطيع أن يحكمها أم لا.
منذ أن ذهب روح الله الخميني إلى المنفى عام 1964 ظل يسعى لكسب الدعم الأجنبي لحملته ضد الشاه, وفي عام 1965 كتب إلى الدكتاتور المصري جمال عبد الناصر يطلب منه تزويده بالمال والسلاح لـ "تحرير إيران", وفيما بعد بعث بابنه الأكبر مصطفى, والد حسين إلى لبنان لإقامة صلة مع الفلسطينيين هناك, وقد أنشأ مصطفى علاقة مع ياسر عرفات زعيم منظمة التحرير الفلسطينية الذي درب وسلح العشرات من رجال حرب العصابات المعادية للشاه.
وفي عام 1977 أرسل الخميني ابنه الثاني أحمد إلى ليبيا سعياً وراء المال والدعم من العقيد معمر القذافي, وفي نفس العام أقام صلة مع الاستخبارات الفرنسية من خلال عميل تنكر في شخصية صحافي.
وحينما انتقل روح الله الخميني إلى باريس التقى سراً باثنين من المبعوثين الأميركيين. وفي آخر أطوار الثورة لعب روح الله الخميني الورقة الأميركية ببراعة, وقد ضمت الحكومة الأولى التي ترأس مجلس وزرائها مهدي بازرجان خمسة من حاملي الجنسية الأميركية, أما الرجلان اللذان كلفهما بإنشاء الحرس الجمهوري الإسلامي, إبراهيم يازدي ومصطفى تشامران, فكلاهما حاصل على الجنسية الأميركية, في ذلك الوقت (تخلى يازدي عن جنسيته الأميركية).
لم يكن روح الله الخميني يمانع في تدخل أي قوة أو منظمة في إيران ما دامت تناسب طموحاته ولم يتبن روح الله الخميني اللهجة المعادية للأميركيين حتى نهاية عام 1970 عندما وعي أنه سيكتسح من جانب اليسار الراديكالي.
أما الملمح الثاني من شخصية روح الله الخميني فهو إيمانه بأن الغايات تبرر الوسائل.
ففي عام 1970 أقام تحالفاً مع تيمور بختيار وهو جنرال سابق هارب كان في وقت من الأوقات رئيساً لجهاز السافاك, الشرطة السرية للشاه, ودكتور رادمانيش وهو عميل لجهاز (كي جي بي) كان يقود حزب تودا الشيوعي في المنفى. وقد أظهر "الحلف الثلاثي" الذي تم التفاوض حوله في النجف أن روح الله الخميني كان مستعداً للتحالف مع الشيطان من أجل الوصول إلى أهدافه.
وفيما بعد وسع تحالفه لضم منظمة مجاهدي خلق الإرهابية ومنظمات فدائي الشعب الماركسية-اللينينية. ومنذ عام 1977 وما تلاه أمر بحرق دور السينما والمكتبات ومدارس الطالبات والمقاهي والمطاعم وغيرها من "أماكن الفحشاء" في إيران لتصعيد الإرهاب.
في إحدى الحوادث في سينما ريكس في عبدان احترق 400 شخص أحياء بعد أن أشعل الخمينيون النار وأغلقوا المنافذ.
وبعد أن تسلم السلطة أمر بالإعدامات الجماعية التي كثيراً ما كانت تتم بعد محاكمات صورية. ومزق روح الله الخميني الشعار الوطني الإيراني مع أنه كان يحمل رمز علي بن أبي طالب أول أئمة الشيعة واستبدله بشعار يشبه الحرف أوميقا اليوناني الذي هو من علامات الجمعيات السرية الفيثاغورثية. إن الغاية دائماً تبرر الوسائل, والغاية بالنسبة للخميني كانت هي تأسيس حكمه الطغياني والمحافظة عليه.
ولتمكين قاعدته في إيران استورد روح الله الخميني آلاف المتشددين العرب من لبنان وإيران ومنحهم هويات تجنس إيرانية, وكان هؤلاء الإيرانيون الجدد مستعدين للكذب والخداع والقتل لحماية نظام أعطاهم حياة جديدة ومنافع جديدة.
والآن فلنعد إلى الخميني الأصغر: إن حسين يتصرف مثل جده, وهو لا يهتم إذا كان سيعيش في إيران أو العراق الذي قضى فيه 14 عاماً من طفولته وشبابه المبكر. لقد عاش في إيران في فيلا كانت تتبع لأحد وزراء الشاه السابقين, غلام رضا كيامبور. وفي بغداد يعيش في قصر كان منزلاً لأحد كبار مساعدي صدام, لقد كان روح الله الخميني أيضاً يعيش في أنواع مختلفة من المساكن المصادرة وهو مثال حذا حذوه كل أفراد عشيرته الممتدة.
إن حسين, مثل جده, يدعو القوى الأجنبية خصوصاً الولايات المتحدة لـ "تحرير إيران", ومن ثم وضعه في السلطة.
لكن الإيرانيين تعلموا من المأساة على امتداد 25 عاماً, إنهم يدركون أن الحلول لمشاكل إيران يجب أن تأتي من داخل إيران, وهم يعلمون أن الغاية لا تبرر الوسيلة لكنها تتحدد بها.
وبعيداً عن حسين الخميني وسكان العواصم الكبرى (الكوزموبوليتيين) أمثاله فليس ثمة إيراني يود أن يرى بلاده يغزوها الأميركيون أو أي جيش آخر حتى لو كان ذلك يعني التخلص من نظام الطغيان الفاشل. وأهم من ذلك ليس هناك إيراني يرغب في خميني آخر, فكارثة واحدة مثل هذه تكفي لآلاف السنين.
___________________________
المصدر: الشرق الأوسط 15/8/2003