منذ عدة سنين والفصائل الأفغانية تتقاتل في أفغانستان، فتارة يحتل هذا الفصيل مدينة، ثم يعود الفصيل الآخر ويخرجه منها بعد معارك ضارية، وهكذا فقد أصبحت الحروب أمراً عادياً – في هذا البلد المنكوب – لا تثير استغراب أحد، ولا تعني شيئاً مهماً بالنسبة للأمم المتحدة. أما دول الجوار فيختلف موقفها اختلافاً يتناسب مع مصالحها، فإيران منذ بداية هذه الحرب تتبنى الأحزاب الأفغانية الشيعية وتقدم لها ولحلفائها كل أنواع الدعم، وباكستان تدعم الطرف الذي تطمئن إليه، وقد تستبدله بطرف آخر لكنها لا تنطلق من منطلق مذهبي بل من منطلق حساباتـها الأمنية المعروفة، وقد تختلف هذه الحسابات من حكومة إلى حكومة أخرى، كما أن حسابات العسكريين الباكستانيين ربما تختلف عن حسابات المدنيين.
وبغض النظر عن تأييد هذه الدولة أو تلك من دول الجوار، فالحرب قائمة، وتكاد تكون من الأمور المنسية على المستوى العالمي.. وفي هذه الأجواء سمع العالم أن مدينة مزار شريف سقطت بأيدي قوات طالبان!!، وليس في مثل هذا الخبر أي شيء جديد، ففي عام 1997 م سقطت هذه المدينة بأيدي قوات طالبان ثم عاد حزب الوحدة الشيعي وحلفاؤه، وأخرجوا طالبان منها بعد أن ألحقوا بـهم مذبحة فظيعة.. إذن لا شيء يدعو إلى الاستغراب والدهشة.
إيران وحدها اهتمت بسقوط مزار شريف بأيدي طالبان اهتماماً غير عادي، وتحركت على محورين:
المحور الأول: عسكري، فقد دعا مرشدُها الحرسَ الثوري إلى القيام بمناورة حربية على حدود إيران مع أفغانستان، وفي فترة زمنية قصيرة تحرك [70.000] جندي، وأجروا مناورتـهم بأسلحة متطورة، ورافق هذه المناورة تنديد بطالبان وتلويح بإعلان الحرب عليها يبلغ أحياناً حد التصريح، كما رافقها "مارشات" عسكرية تذكر ببداية الحرب العراقية الإيرانية، وفي نـهاية المناورة جاءت الأوامر من القيادة العليا ببقاء هذه القوات في مواقعها انتظاراً لصدور أوامر أخرى إليها.
وزادت حدة التوتر بعد سيطرة طالبان على مقاطعة "باميان" التي يعتبر معظم سكانـها من الشيعة، ولم يعد [70.000] جندي من حرس الثورة كافياً لتهديد طالبان، فصدرت أوامر مرشد الثورة بإرسال [200,000] جندي من الجيش من مختلف القطاعات العسكرية، وتحرك هذا العدد الكبير حيث أخذ مواقعه على حدود إيران مع أفغانستان، وفي المقابل تحركت قوات أفغانية وأخذت مواقعها على حدود بلدهم مع إيران، وأصبحت الأجواء بين البلدين أجواء حرب.
أما على المحور الإعلامي والسياسي، فقد جرى تعبئة واستنفار مختلف أجهزة الإعلام ضد طالبان، ومن يستمع إلى إذاعاتـهم المرئية وغير المرئية يظن أنه لم تعد هناك مشكلة في العالم إلا مشكلة طالبان.. هذه الحركة الهمجية المتوحشة [على حد قولهم] التي فتكت بالشعب الأفغاني الآمن، وحفرت له الأخاديد، ثم هاهي تـهدد دول الجوار، ومن باب أولى فهي تـهدد الأمن العالمي، ولهذا فقد أرسلت الوفود إلى بعض الدول العربية والعالمية لتأييدها وشد أزرها، كما تقدمت بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي، تطلب منه معاقبة طالبان وردعها، وإذا لم ترتدع فليس هناك إلا الحرب.
ترى ما الذي فعله طالبان، وأية جريمة ارتكبوها نحو إيران حتى قامت الأخيرة بقرع طبول الحرب؟!.
تقول إيران: أقدمت حركة طالبان على قتل سبعة ديبلوماسيين إيرانيين عند اقتحامهم لمزار شريف، وطالبان ترد على هذا الادعاء بما يلي:
1 – صحيح أن عناصر من طالبان قتلوا هؤلاء الإيرانيين، لكن هذه العناصر لم تكن منضبطة وستعاقب على هذا العمل.
2 – الإيرانيون الذين قتلوا كانوا يحاربون مع حزب الوحدة الشيعي، ولم يكونوا مسالمين يطلبون الأمان، وكانت إيران قد طلبت منهم مغادرة مزار شريف قبل احتلال طالبان لها، لكنهم اختاروا البقاء مع كل ما يترتب عليه من تكاليف.
3 – قال المتحدث باسم طالبان وكيل أحمد متوكل ما موجزه: في عام 1997 وعندما عادت المعارضة واستولت على مزار شريف كان حزب الوحدة الشيعي قد أسر عدة آلاف من طالبان، ثم اقتادوهم إلى مناطق نائية بالبلاد، وأطلقوا عليهم النار، وقال الصحافيون الذين رأوا الجثث إن أيدي العديد منهم كانت مشدودة الوثاق، وعثر على مقابر جماعية تضم ما يصل إلى ألفي جثة غرب مزار شريف، وأضاف: في 16/9/98 عثرت طالبان على ثلاث مقابر جماعية تضم جثث [900] من طالبان قرب مزار شريف، وقتلوا [30] عنصراً من طالبان في [باميان]، واقتادوا [15] إلى الأسر في إيران.
كان المتحدث باسم طالبان يرد على نفاق الأمم المتحدة لإيران، كما كان يرد على تـهافت ادعاءات إيران.
ومن خلال هذا الرد، بل من خلال الأدلة والشواهد الواضحة يتبين لنا أن إيران ليست طرفاً حيادياً في الحرب الأفغانية، لقد رمت بثقلها منذ بدايتها مع الأحزاب الشيعية وحلفائها، وإلا فما الذي يجعلها تبارك المجازر التي ارتكبها حزب الوحدة الشيعي التي كانت ضحيتها عدة آلاف من طلاب العلم الشرعي، والقتلة اليوم معززون مكرمون في دولة رافضة إيران سواء كانوا من الشيعة أو من حلفائهم؟!.
وأين نفاق الأمم المتحدة، وهي التي لا يجوز لها الادعاء بعدم العلم، لأن أخبار القبور الجماعية نقلت بالتواتر من الأعداء والأصدقاء، ومن المراكز والمؤسسات العالمية التي كانت لا تزال موجودة في كابل وفي غيرها.
إذن: فإن قتل سبعة ديبلوماسيين ليس السبب الأساسي في الموقف الذي اتخذته إيران بعد احتلال طالبان لمزار شريف، وليست إيران من الدول التي تحترم العهود والمواثيق الدولية، وما نسينا إقدامها على احتلال السفارة الأمريكية في طهران، بعد انقلابـهم على الشاه بأشهر قليلة، ولا نسيت الأمم المتحدة المنافقة عمليات نسف السفارات، وخطف الطائرات كما أنـها لم تنس احتجاز الرهائن، ومن بين العشرات مبعوث الكنيسة الأنكليكانية الدكتور "تيري ويت" الذي ذهب وسيطاً فأصبح رهينة.. هؤلاء آخر من يحق لهم أن يتكلم عن مواثيق الأمم المتحدة، وحرمة السفارات مع عدم التعرض لرجال السلك الديبلوماسي، هذا إذا افترضنا أن الإيرانيين قتلوا داخل السفارة الإيرانية أو أنـهم من رجال السلك الديبلوماسي.
إن أجهزة الإعلام العالمية بدأت تتحدث عن السبب الحقيقي الذي دعا إيران إلى استنفار قواتـها ووضعها في حالة تأهب، فنشرات الأخبار لا تخلو من تعليق أو تصريح أو تحليل لمسؤولين كبار يتحدثون فيه عن إيران الشيعية وطالبان السنية وهؤلاء المسؤولون السياسيون من قادة دول الشرق أو الغرب يدلون بـهذه التصريحات بعد لقاءات لهم مع مسؤولين إيرانيين.
فنغمة الشيعة والسنة والصراع بينهما يفهمها الإعلاميون والسياسيون من إيران وحدها، وليس من غيرها، أما الحكومات التي تنتهج شعوبـها نـهج أهل السنة والجماعة فهي لا تـهتم إلا بمصالحها، وبكل ما يضمن لهم الاستقرار والاستمرار على كراسي الحكم.
إيران وحدها دون غيرها أدركت أن احتلال طالبان "لمزار شريف" هذه المرة ثم "باميان" يعني قيام دولة سنية يديرها طلبة علم لم تلوثهم أوحال السياسة، وقيام هذه الدولة سيقطع الطريق على مبدأ تصدير الثورة الذي ينتهجه حكام طهران، ومن ناحية ثانية فإن قيام هذه الدولة سيفجّر صحوة سنية في شبه القارة الهندية ثم في إيران ثم في العالم الإسلامي كله، ولهذا فلابد من وأد هذه الحركة وهي في مهدها قبل أن يأتي زمن يصعب فيه القضاء عليها.
ولا بد لي هنا من الاعتراف بل الإعجاب بقدرة الإيرانيين وشيعتهم في العالم على تنظيم أنفسهم، وتحديد هدفهم، وتوزيع الأدوار فيما بينهم.. كما أنه لابد لي من الاعتراف بأن أهل السنة أو المنسوبين لأهل السنة لا يزالون كما كانوا عشية قيام انقلاب خميني وشيعته، وسأعقد فيما يلي مقارنة بين الطرفين:
الموقف الشيعي: هناك خلافات بين الشيعة الاثني عشرية في العالم تصل إلى حد التكفير أحياناً وهناك أيضاً معتدلون منهم ومتشددون .. لكنني عندما أتابع كل حدث هم طرف فيه ألحظ أن الفروق بينهم تختفي، والخلاف يبقى في الأسلوب وفي القيام بالدور المطلوب.
وهذا الحدث كغيره: صحفهم الناطقة بلغات كثيرة.. مراجعهم وشخصياتـهم المرموقة.. العاديون منهم.. هؤلاء جميعاً لم تعد لهم مشكلة إلا حركة طالبان، هذه الجماعة المتوحشة - على حد قولهم - التي تنفذ المخططات الأمريكية في المنطقة.. وتحاول شق صفوف المسلمين وإثارة النعرات المذهبية بينهم.
قرأت بيانات كثيرة في هذا الشأن وكلها تدندن حول النيل من طالبان، ففي لبنان قرأت بياناً لمرجعهم حسين فضل الله، وبياناً آخر لرئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان الشيخ محمد مهدي شمس الدين، ولأن هذا الأخير يمثل اعتدالهم (!!) فلا بأس من نقل فقرات من بيانه:
دعا الشيخ محمد مهدي شمس الدين قادة ومرشدي وكوادر الحركات الإسلامية، إلى اتخاذ مواقف تحفظ وحدة الأمة الإسلامية، إزاء ما يجري في أفغانستان من ذبح وتدمير همجي وهتك للأعراض وهدر للدماء موضحاً أن هذا الذي يجري ليس قضية شيعية أو إيرانية، بل قضية إسلامية عامة.. ثم أضاف قائلاً: إن طالبان عميلة لأمريكا، وإنـها ليست وطنية ولا سنية ولا مشروعاً إسلامياً. [عن الشرق الأوسط: 17/9/1998].
ليأذن لنا شمس الدين وكل من يحترم تصريحاته ويثق باعتداله في تسجيل الملحوظات التالية:
1 – أين شمس الدين من المجازر التي ارتكبها حزب الوحدة الشيعي بحق قوات طالبان وأنصاره عام 1997؟ ألم تأته أنباء القبور الجماعية، ففي قبر واحد تم اكتشاف [900 جثة].. أم أن هؤلاء عند شمس الدين كفار سنة وعملاء لأمريكا، وقدم واحد من الإيرانيين الشيعة السبعة أفضل منهم؟!.
وأين سعة صدر شمس الدين، ورقة مشاعره من المذابح التي أوقعها شيعة لبنان بسكان مخيمي صبرا وشاتيلا.. المخيمان في بيروت المدينة التي يقيم فيها رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان.. ألم يسمع أنات الثكالى وهتك أعراض العذارى من بنات أهل السنة، ألم تطرق مسامعه أخبار المسنين الذين قضوا نحبهم أو أخبار الأطفال الذين قتلوا وهم في أحضان أمهاتـهم في الأخدود الذي حفرته منظمة أمل الشيعية لهم.. وماذا عنده من تفسير يتحفنا به – أو يفلسفه لنا – عن تناوب اليهود والموارنة والشيعة في تدمير المخيمات الفلسطينية في بيروت على رؤوس سكانـها.. أم هذه دعايات يبثها عملاء الاستعمار الذين يهدفون إلى إشاعة الفرقة؟!.
أم أن وحدة المسلمين في مفهوم الشيعة تعني أن يفعلوا بنا كل ما يقدرون عليه من ذبح وقتل ونشر للتشيع وتصدير لثورتـهم، ونحن نبقى ساكتين، وإن قلنا لهم: كفوا أيديكم وارفعوا سيوفكم عن رقابنا اتـهمونا بمختلف الاتـهامات؟!.
- يقول شمس الدين: "إن طالبان عميلة لأمريكا، وإنـها ليست وطنية ولا سنية ولا مشروعاً إسلامياً".
ليتفضل وليحدثنا كيف توصل إلى هذه النتيجة العجيبة، والعجائب فيما يصرح به ويقوله كثير وكثير.
مبلغ علمنا وعلم كل من يتابع الأحداث أن أمريكا لم تعترف بطالبان، وكذلك الأمم المتحدة في حين يعترف هؤلاء جميعاً بحكومة رباني وحلفائه حزب الوحدة الشيعي، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى، فهناك مشكلة يصعب حلها بين أمريكا وطالبان، فالأولى تطالب الثانية بتسليمها ابن لادن وغيره من المجاهدين الذين كانوا يقاتلون في أفغانستان أيام الغزو الشيوعي، والثانية ترفض بقوة، وتقول: حتى لو قدمت لنا أمريكا أدلة مقنعة على تورط ابن لادن في تفجير سفارتيها في كل من كينيا وتنـزانيا لن نسلّمه إليهم، لأنه لا يجوز تسليم مسلم لكفار ليحاكموه في بلدانـهم، ومن جهة ثالثة فقد أقدمت أمريكا على ضرب أفغانستان بالصواريخ بسبب إيوائها لمن تسميهم بالإرهابيين، فكيف يريد منا شمس الدين أن نغفل عن هذه الحقائق كلها ونصدق ادعاءه؟!.
وإذا كان رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان يتهم طالبان بالعمالة لأمريكا دون أن يقدم دليلاً على ذلك، فنحن نقدم له بعض ما نشر من أدلة تدين إيران بـهذه التهمة.
- الشاه وأركان نظامه نشروا في مذكراتـهم أن أمريكا كانت متورطة في التآمر عليهم لصالح انقلاب خميني، ومثل هذه المذكرات صدرت عن مسؤولين سابقين في الإدارة الأمريكية، ونظام خميني نفسه اعترف بـهذه الاتصالات، ولكنه زعم أنه لم يكن له علم بـها، وسارع إلى الحكم بالإعدام على بعض أركان الحكم مثل قطب زاده وزير الخارجية الأسبق وغيره دون أن يعطيهم فرصة ليدافعوا عن أنفسهم ويبيّنوا للملأ حقيقة موقفهم.
- بينما كانت الحرب العراقية الإيرانية على أشدها حطت طائرة أمريكية في مطار طهران محملة بنوعية من الأسلحة، وكان على متنها وفد من الإدارة الأمريكية جاءوا برحلة سرية ليبرهنوا على صدق موقف بلدهم من النظام الإيراني، وليتوجوا بـهذه الزيارة اتصالات بين البلدين تكللت بالنجاح، غير أن الأمور خرجت عن نطاق السرية فاضطرت إيران إلى الإعلان عن هذه الطائرة وعن هذه الزيارة، وتأكد أن هذه الاتصالات كانت تتم بعلم الخميني، ونحيل شمس الدين وشيعته إلى الوثائق التي نشرت في أمريكا تحت عنوان "إيران غيت" ليعلموا أن ما نقوله ليس مجرد اتـهام يعوزه الدليل، وليتذكروا أن إيران هي التي أطلقت على أمريكا الشيطان الأكبر، وهذا هو تعاملهم معه، فلا حرج عليهم إذن من التعامل مع الشيطان الأصغر [أقصد إبليس].
- وإذا كانت هذه الأدلة – رغم أهميتها – غير كافية عند شمس الدين وشيعته فعندنا ما هو أدهى وأمر.
لأمر يريده الله جلَّ وعلا سقطت طائرة إسرائيلية فوق الأراضي "الأوكرانية" وسقوط طائرة فوق أراض أجنبية لابد وأن يتصدر نشرات الأخبار في الإذاعات العالمية المرئية وغير المرئية، ولابد للبلد الذي سقطت الطائرة فوق أراضيه من إجراء تحقيق لمعرفة سبب سقوط الطائرة، ولابد من إعلان هذا التحقيق.. وجاءت نتيجة التحقيق لتقول: إن هذه الطائرة كانت محملة بالأسلحة الإسرائيلية الصنع، وكانت الطائرة متجهة برحلة سرية إلى إيران، ولم تكن هذه أول طائرة إسرائيلية محملة بالأسلحة تصل إيران، ولا أول اتصال وتعاون مشترك بين البلدين ضد العدو المشترك – العراق -.
هذه أمثلة اخترناها على عجل لنقول من خلالها لشمس الدين: إذا كنت ترمي طالبان بأمر لم تقدم دليلاً عليه، فالأدلة عندنا كثيرة على تورط نظام الآيات مع أمريكا ومع إسرائيل، والتاريخ الإسلامي حافل بالأدلة على تعاونكم مع أعداء الإسلام ضد أهل السنة.
الموقف السني: إذا كان الموقف الشيعي من هذه المسألة – ومن كل مسألة خارج إطار المذهب – موحداً وهادفاً ومستنفراً، فالموقف السني ليس كذلك، ومن الممكن في هذا الصدد اختيار الأمثلة التالية:
1 – نحن في مركز الدراسات الإسلامية نـهتم بقضايا أهل السنة والجماعة، ونتابع أخبار حركة طالبان منذ ظهورها، لكننا وحتى هذه اللحظة لم نستطع تجميع معلومات دقيقة شاملة عنها، ولا نحب أن نجازف في المواقف التي نتخذها.
وملخص ما تجمع عندنا أن أتباع هذه الحركة طلاب علم يدرسون في الكليات والمعاهد الشرعية في كل من أفغانستان وباكستان، وكانت لهم مشاركات جادة في حرب أفغانستان مع الشيخين يونس خالص وجلال الدين حقاني، وبعد انتهاء الحرب عادوا إلى مقاعد الدراسة، ولكن عندما نشبت معارك بين فصائل المجاهدين الأفغان، وطال أمدها، وتعددت خسائرها، وتعذر الاتفاق على حلٍ فيما بينهم، قرر طالبان العمل على تحرير بلدهم من هؤلاء الذين جعلوا من الحروب وسفك الدماء مهنة لهم.
وخلال زمن قصير جداً سقطت المقاطعات بأيديهم واحدة تلو الأخرى، وقيل إن "ميليشيات" بعض الأحزاب الإسلامية كانت ترفض أوامر قيادتـها الصادرة بالتصدي لهم وقتالهم لأن للعلماء وطلاب العلم الشرعي هيبة في قلوب عامة الأفغان.. وقيل أيضاً إن الجيش الباكستاني يدعمهم، وقد قلنا فيما مضى أن الجيش الباكستاني لا يمثل بالتأكيد موقف الحكومة الباكستانية، غير أن الجيش ينفي أن يكون قد ساعدهم.
والأخبار التي ينقلها القادمون من أفغانستان أو من باكستان تؤكد أن طالبان استطاعت نشر الأمن والاستقرار في المناطق التي سيطروا عليها، وإضافة إلى ذلك فقد نأوا بأنفسهم عن سياسة التحالف مع حزب إسلامي ضد حزب آخر، أو سياسة المواقف المتناقضة، وأصروا على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية.
من الطبيعي أن تقف الأحزاب الإسلامية ضدهم منذ البداية، كما أنه من الطبيعي أن تقف منهم إيران موقفاً عدائياً لأنـها تعلم بأنـهم متمسكون بالمذهب الحنفي، وموقف طلاب العلم الأحناف من الشيعة معروف ومشهور.
هذا ما نعرفه عن هذه الحركة، وهي معرفة غير كاملة، إذ لابد من الالتقاء بـهم ومناقشتهم فيما ينسب إليهم، ونخشى أن يكون هذا الذي ينسب إليهم من أكاذيب الرافضة وحلفائها من الأحزاب الأفغانية التي خسرت مواقعها وفقدت ثقة الناس بـها.
وفيما أظن أن موقف كثير من الدعاة لا يختلف عن موقفنا: حسن الظن بـهم مع التطلع للقاء مسؤولين فيهم، وعدم الإفراط في التفاؤل.
2 – نقلت صحيفة الرأي العام السودانية عن الرئيس السوداني عمر البشير قوله لدى استقباله المستشار الرئاسي الإيراني محمد علي التسخيري:
"إن ميليشيا طالبان الأفغانية تشوه صورة الإسلام، وأضافت الصحيفة أن البشير يعيب على طالبان بوجه خاص حرمانـها المرأة من حقها في العمل والتعليم والتعبير عن رأيها، وتحريم تصوير النساء، وإبعادهن عن التلفزيون، وتشجيعهن على زراعة المخدرات".
الرئيس السوداني يمثل جماعة إسلامية تحكم السودان، فهو كرئيس كان من المفترض أن لا يتسرع بالإدلاء بتصريح قد يندم عليه فيما بعد، ومن جهة أخرى كان من الواجب عليه أن يعرب عن عرض وساطته على الأقل بين إيران وأفغانستان عند استقباله لمستشار الرئيس الإيراني، ومن جهة ثالثة فهو ليس أهلاً للإفتاء في مسألة تحريم صور النساء وفي إبعادهن عن التلفزيون، وإذا كانت هذه هي مشكلة طالبان، فعلاجها معهم ليس فيه أدنى صعوبة لأن موقفهم هذا نابع من اجتهاد فقهي، وللاجتهاد عند أهل السنة ضوابط وإن اختلفت مذاهبهم، وبالعكس قد يقول طالبان للبشير: أنتم في دستوركم ألغيتم حد الرجم، وهذا منكم تشويه لصورة الإسلام.. وأنتم لا تكفرون اليهود والنصارى، وهذا ليس موقفاً فقهياً، وإنما موقف عقدي خطير.
إن موقف عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري عند استقباله مسؤول إيراني كان أفضل من موقف عمر البشير، لأنه حذّر من الصراع المذهبي ونتائجه بشكل عام، وإنه لمن المخجل أن نضطر إلى هذه المقارنة بين النظام النصيري في دمشق، ونظام الجبهة القومية في السودان.
3 – كثير من الجماعات الإسلامية المنسوبة إلى أهل السنة تاريخياً تعاطفت مع الموقف الإيراني، وكان بعض ما قالته لا يختلف إلى حد بعيد عما قاله شمس الدين أو حسين فضل الله في لبنان، وسوف أذكر مثالاً على ذلك:
كتب أحد الإسلاميين مقالاً قال فيه:
"إننا نذكر الإخوة في إيران أننا ومعنا كل القوى الثورية الأصيلة في الوطن العربي وقفنا مع ثورة إيران الإسلامية ضد العراق أثناء سنوات الحرب المشؤومة بينهما… وكان هذا الموقف المبدئي، أي أننا وقفنا مع إيران المسلمة ضد قومنا وإخواننا من عرب العراق، لأننا ينبغي أن نقف مع المظلوم ضد الظالم، ومع المعتدى عليه ضد المعتدي، ومع الذين أعلنوا عداءهم الصريح ضد أمريكا والصهيونية ضد من ارتكبوا ضدهم عدواناً مشبوهاً، بل كان معنى ذلك أيضاً بلغة المذهب والطائفة أننا وقفنا مع شيعة إيران ضد سنة العراق… ومسألة السنة والشيعة عندنا هي بلا شك لا وزن لها ولا قيمة، وهي من مخلفات وتراكمات العصور القديمة التي ينبغي تصفيتها أو إذابة الفروق والخلافات فيها، فنحن نؤمن بالإسلام الواحد، إسلام القرآن الكريم والسنة الشريفة وصحابة رسول الله r، لا نفرق بين أحد منهم".
حرصت على ذكر هذا المقطع دون ذكر اسم الكاتب لبيان جهله الفاضح، ولعله يقرأ هذه الكلمات فيستفيد منها، ثم يشكرني على عدم ذكر اسمه.
واكتفي هنا بالتعليق على قوله: إن السنة والشيعة عنده هي بلا شك لا وزن لها ولا قيمة.. ثم قوله: إنه يؤمن بالإسلام الواحد، إسلام القرآن والسنة وصحابة رسول الله حيث أنه لا يفرق بين أحد منهم.. صاحبنا بـهذا الاعتقاد كافر عند الشيعة شأنه شأن عموم أهل السنة، والصحابة الذين يؤمن بـهم كفار عند الشيعة، والسنة عندهم لا تعني السنة التي يعنيها الكاتب، بل سنة المعصومين من آل البيت، وإذا كان المذهب السني عند هذا الأخ لا يعني شيئاً فالشيعة عند أصدقائه الإيرانيين كل شيء، قد يخدع بظاهر قولهم إذا اجتمعوا بأمثاله، ولكن هذا منهم تقية، ولو احترم هذا الأخ عقله، وعاد إلى أمهات كتب الشيعة في القديم والحديث، ونختصر الطريق عليه إن شاء فنطلب منه أن يعود لوصية الخميني التي وزعتها حكومة الآيات بعد موته لتبين له اعتقاد القوم بكفر أهل السنة ومنهم الصحابة رضوان الله عليهم.
هذا هو خلاصة موقف أهل السنة – فيما قدر لي أن أطلع عليه – فالذين يتعاطفون مع طالبان قلة. وهم مثلنا في مركز الدراسات الإسلامية لم يلتقوا بطالبان، ولا تزال هناك كثير من الأسئلة عنهم تحتاج إلى أجوبة، أما غير المتعاطفين مع طالبان فهم بين مؤيد لإيران، مصدق لمزاعمها، وحيادي لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء.
ويأتي هذا الموقف السني المضطرب ليذكرنا – كما قلت فيما مضى – بالموقف نفسه قبل حوالي عشرين عاماً، أي عشية انقلاب الخميني وآياته، وإنه لمن المؤسف أن لا يستفيد إخواننا ويعتبروا من كل ما أحدثه الروافض من فتن في كل بلد من بلدان العالم الإسلامي.
والأمل بعد الله جلَّ وعلا معقود على أهل السنة الذين يتأسون بما كان عليه الرسول وأصحابه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فلينشطوا في بيان الحق للناس، وليبذلوا من حرّ مالهم لنشر الكتب والرسائل التي تفضح عقائد الفرق المنحرفة مع التركيز على كشف الأكثر خطورة منها، وليحرصوا على وجود مؤسسة عالمية مختصة بـهذا العمل دون غيره، وليتذكروا دائماً أن يد الله على الجماعة، والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.
أما حركة طالبان فالواجب عليها أن تنشط إعلامياً، وتسارع إلى إرسال وفودها للاتصال بالمؤسسات – الرسمية وغير الرسمية – والدعاة والجماعات الإسلامية من أجل بيان سياستها الداخلية والخارجية، وتفنيد الشبهات التي يروجها أعداء الحركة من رافضة وغيرهم، وقد سرنا تأييد علماء باكستان لهم بما في ذلك جماعة أهل الحديث، وهذا بحد ذاته تزكية للحركة ممن يعرفونـهم عن كثب.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر. والحمد لله رب العالمين.