العلاقات الإيرانية الإسرائيلية في ظل الثورة لا تخفى على أحد كما جسّدتها فضيحة " إيران غيت ", والمقال الذي بين أيدينا وإن كان يعيدنا إلى شيء من الماضي القريب, إلا أنه يلفت انتباهنا إلى النقلة النوعية الحالية التي تشهدها إيران تجاه إسرائيل, ومنها قبول إيران بدولة إسرائيلية إلى جانب فلسطين.........................................المحرّر.
شهدت العلاقات بين إيران وإسرائيل الكثير من المطبات السياسية, لكن صدور بعض الإشارات الإيجابية من طهران حيال تل أبيب أخيراً أثار مجموعة من التوقعات والتكهنات والتخمينات, خاصة أن هذه التلميحات لامست القضية الفلسطينية وما تنطوي عليه من أهمية مركزية في الخطاب الإيراني الموجه إلى إسرائيل, باعتبارها واحداً من الملفات الحيوية التي تتعلق بمقدسات إسلامية, فقد اتخذت طهران موقفاً ثابتاً يرفض التفاوض الفلسطيني مع إسرائيل, تساقاً مع رفضها السابق لاتفاقية السلام التي وقعتها مصر مع إسرائيل, وذلك استناداً على مقولة رددتها الكثير من الدوائر في إيران, عمادها أن " المفاوضات مع النظام الصهيوني الذي لا يبالي تماماً بالقوانين والقرارات الدولية سبيل خاطئ ولا نتيجة ترجى منه "
وبالتالي بدت المقاومة في مكونات الخطاب الإيراني, بغالبية تنويعاته, هي السبيل الوحيد لإنقاذ فلسطين, لذلك فإن التصريحات التي أشارت مؤخراً إلى إمكان القبول بدولة إسرائيلية إلى جانب دولة فلسطينية تحتوي على معان كثيرة ومضامين كبيرة, حيث جاءت في ظل تطورات سياسية مثيرة وأجواء إقليمية دقيقة. وعلى الرغم من التنصل الإيراني. إلا أن تزامنها مع بدء إذاعة " صوت دافيد " بثها أخيراً من إيران بالعبرية يعزز من أهميتها, وقد استضافت الإذاعة منذ البداية رئيس إسرائيل موشيه كاتساف (من أصل إيراني) الذي عبر عن أمنيته في عودة علاقات بلاده مع إيران المقطوعة منذ عام 1979.
وتضاعفت الأهمية السياسية لهذه النوعية من التطورات, في ظل ترافقها مع عدد آخر من الملامح, منها وصف الإذاعة في إحدى برامجها الانتفاضة الفلسطينية بـ " التخريبية " واستخدام بعض المفاهيم والتقديرات الإسرائيلية في التعامل مع الأحداث الفلسطينية, أضف إلى ذلك قيام
المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي بإصدار عفو عن ثلاثة يهود إيرانيين, في مناسبة ذكرى مولد الإمام المهدي المنتظر في شهر اكتوبر الماضي. وقد تم العفو عن 742 سجيناً في هذه المناسبة أيضاً. وقال زعيم الطائفة اليهودية الإيرانية هارون يشائي أنه تم الإفراج عن اليهود الثلاثة, وهم جويد بن يعقوب (42 عاماً) وفرامارز كاشي (32 عاماً) وشهروخ بكنها (24 عاماً) بعد أن كان قد حكم عليهم بعقوبات حبس تتراوح بين ثماني سنوات وتسع سنوات بتهمة التجسس لحساب إسرائيل, مما أثار احتجاجاً في معظم أنحاء العالم وقد أوقف 13 يهودياً وثمانية مسلمين في عام 1999 في مدينة " شيراز " بتهمة التجسس. وخلال محاكمة جرت في جلسات مغلقة في يوليو عام 2000 حكم على عشرة يهود ومسلمين اثنين بالسجن ما بين 4 و 13 عاماً مع النفاذ. وفي سبتمبر عام 2000 خففت محكمة الاستئناف العقوبات وأفرجت عن اثنين من اليهود العشرة الذين أمضوا عقوبتهم, هذا الوضع أثار علامات استفهام متعددة إزاء هذه الجملة من التطورات, وجعل بعض المراقبين يرجحون احتمال حدوث تحولات في العلاقات بين إيران وإسرائيل, تأخذ في حسبانها البيئة الإقليمية المحيطة بطهران وما تموج به من أحداث متلاحقة.
في قلب الخطاب الديني:
كانت فلسطين تأتي في قلب الخطاب الديني والسياسي للإمام الراحل الخميني منذ بداية ظهوره في عام 1963 وعلى الرغم من البعد الجغرافي, إلا أنه تعامل معها كقضية داخلية أو قضية حدودية, فطول سنوات صراعه مع الشاه كان الخميني يربط بينه وبين إسرائيل وكأنهما شيئان متلاصقان ووجهان لعملة واحدة, وبعد نجاح الثورة الإسلامية بدت كل إيران بمثابة العمق الاستراتيجي للانتفاضة الفلسطينية, وتعد فتوى الخميني بجواز صرف الحقوق الشرعية لصالح العمل الفدائي المجاهد من المواقف البارزة تجاه القضية الفلسطينية.
وفي إبريل الماضي قال آية الله خامنئي " إن المنظمات الفلسطينية المناضلة مثل فتح وحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وسائر الجماعات الجهادية, هي السبيل الحقيقي لإنقاذ فلسطين لأنها أدركت معنى الفداء والتضحية وأدركت حقيقة أن العدو عاجز أمام العمليات الاستشهادية وأن الشعب الفلسطيني باختياره طريق الاستشهاد يجعل المسؤولين في قيادة الحكم الذاتي (الفلسطيني) يصمدون في مواقعهم ولا يسلمون ", ووصلت المسألة إلى حد اعتبار بعض القيادات الإيرانية, خامنئي ورفسنجاني, تطبيع العلاقات مع إسرائيل خيانة عظمى للإسلام والعرب والفلسطينيين وعلى هذا الأساس جرى الكثير من المياه وعارضت طهران عملية التســـــوية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين, لذلك فإن أي تغيير في آليات التعاطي الإيراني مع إسرائيل يثير الانتباه ويفرض قراءة مفرداتها بصورة تتلاءم مع المجريات الإقليمية الراهنة.
والواقع أن بعض الدراسات العربية تفرق بين عنصرين, هما اليهودية والصهيونية في التعامل الإيراني مع إسرائيل, حيث يقوم الرأي الرسمي حول اليهودية على الأساس نفسه الذي وضعه الإمبراطور قورش الأول مؤسس أول امبراطورية فارسية عند تحريره اليهود من " السبي " البابلي, وهو يقوم على أن اليهود جنس له شبه كبير بالجنس الآري, ويمكن الاستفادة منهم بمزيد من الإغراء بالمصالح, وعلى هذه القاعدة استفادت طهران من اليهود خلال الحرب مع العراق, كوسطاء يعقدون الصفقات مع الدول الغربية لإمداد إيران بما تحتاجه من المؤن والعتاد, ففي عام 1980 باعت تل أبيب لطهران صفقة أسلحة قيمتها 500 مليون دولار, شملت قطع غيار لطائرات الفانتوم A4 وفي العام التالي لعب تاجر السلاح يعقوب نموردي دوراً في صفقات الأسلحة بين الجانبين بموجبها تسلمت إيران شحنات من صورايخ " الهاون " وكان نموردي هو أحد أبطال الفضيحة المعروفة " إيران جيت " بين واشنطن وطهران خلال عهد إدارة الرئيس رونالد ريجان, ولم يقف الحال عند هذا الحد, بل تسلمت إيران في عام 1982 شحنات أسلحة جديدة من خلال صفقة مع إسرائيل, عقدها تاجر يهودي من أصل إيراني يدعى فاروق عزيزي, وفي العام نفسه اشترت طهران صوايخ جوية من نوع (سايدو نيدر), ونشرت صحيفة " التايم " في 25 يوليو 1983 أن طهران تسلمت ألف جهاز تليفون للاتصالات العسكرية من إسرائيل, وفي عام 1986 باعت إسرائيل لها2800 صاروخ W.O.T. وما يزيد على ألفي صاروخ مضاد للطائرات.
وقالت بعض الأوساط السياسية أن شحنات الأسلحة الإسرائيلية التي تلقتها الجمهورية الإسلامية خلال حربها مع العراق جاءت في إطار صفقة نجحت من خلالها تل أبيب في تهجير حوالي 55 ألف يهودي إيراني على إسرائيل... وتمت عمليات التهجير برعاية ووساطة نمساوية ولم تحل الثوابت الإسلامية دون تحقيق المصلحة الإيرانية أثناء حربها مع العراق, الوضع الذي يلفت الانتباه إليه حالياً بعض المراقبين, حيث أشاروا إلى عدم استبعاد حدوث اتصالات جديدة بين الجانبين, إذا استشعر النظام الإيراني وجود ضرورة أو مصلحة سياسية أو درء مخاطر معينة, في ظل بيئة إقليمية جديدة, أما الصهيونية فهي العدو الحقيقي لإيران, لأن مضمونها الاستراتيجي يتعارض تماماً مع استراتيجية النظام الإيراني كما تتقاطع أنشطتها الفعالة مع نظيرتها الإيرانية في مختلف أنحاء العالم وفي نظر كثير من الدوائر الإيرانية تمثل إسرائيل بؤرة النشاط الصهيوني مما يجعلها قطباً متنافراً مع إيران, لا سيما أن التحديات الأكبر تكمن في الشق الأمني وقد حرصت النخب الإيرانية الحالية على نفي اتهام بلادهم بالارهاب ورمي الكرة في فناء إسرائيل, إذ اعتبر الرئيس محمد خاتمي أن " النظام الصهيوني أكبر مظهر للإرهاب الدولي والعنصرية العالمية ".
مصدر تهديد الأمن:
وفي المقابل, تنظر إسرائيل إلى إيران باعتبارها واحدة من الدول التي تشـــكل تهديداً أمنياً لها, بحكم إيديولوجيتها الظاهرة وإمكاناتها التسليحية واستعداداتها العسكرية, فضلاً عن البعد الجغرافي, وإذا أخرجنا مصر من المعادلة الاستراتيجية بسبب التزامات التسوية السياسية ومعاهدة السلام مع إسرائيل, واستبعدنا سوريا بسبب جملة من الحسابات المعقدة, داخلياً وإقليمياً ونحينا العراق جانباً بسبب ظروفه الراهنة, فإن إيران تبدو هي الدولة الأكثر تأهيلاً لتشكل خطراً مباشراً على إسرائيل, لذلك راجت خلال الأشهر الماضية حملة منظمة في بعض الأروقة الإسرائيلية طالبت باستهداف طهران, ربما قبل بغداد, وتم تسويق معلومات مختلفة بشأن قدراتها النووية والعسكرية, والاشارة من حين لآخر لمفاعل " بوشهر " والدور الروسي في تطويره, ليكون مستعداً لإنتاج أسلحة نووية واستفاد الإعلام الإسرائيلي من التوجيهات الأمريكية حيال إيران التي تضعها واشنطن ضمن دول ما يسمى " محور الشر" مع العراق وكوريا الشمالية.
وفي هذا السياق لا تألو إسرائيل جهداً في الربط بين إيران والفصائل الإسلامية في الاراضي الفلسطينية المحتلة, حيث تروج لاتهامات كبيرة إزاء قيام طهران بتقديم السلاح لها الذي تحارب به إسرائيل وتحض علناً على المزيد من العمليات الاستشهادية, وإذا كانت طهران تنكر الأولى فإنها لا تنفي الثانية, تأسيساً على منهج يحض قتال الإسرائيليين بكل ما أوتي الفلسطينيون من قوة. وفي هذا المضمار تستغل إسرائيل الارتباط المعنوي بين إيران وحزب الله لشن حملة أكاذيب موسعة حول دورها في التفوق الذي ظهر عليه الحزب طوال السنوات الماضية, وبالتالي تطالب دوما بتفكيك الارتباط بينهما من خلال مواصلة الضغط على طهران للكف عن إية محاولات لاستمرار أو تطوير التعاون والتنسيق بينهما.
وقد حرك الخطاب الذي ألقاه الرئيس بوش في شهر يوليو الماضي وما أعقبه من تعليقات الكثير من المياه تجاه إيران, حيث أشار فيه إلى أنه تخلي عن الآمال في أن الرئيس خاتمي وجماعته يمكن أن يتقدموا في الإصلاحات ويشرعوا بحوار مع واشنطن " وذلك كطريق لإحداث تغيير كبير في العراق, في ظل تزايد الممانعات الإقليمية والدولية لضرب بغداد في ذلك الوقت, ودفعت إشارة بوش التيار المؤيد لخيار إيران أولا للتحرك على الصعيد الإعلامي, حيث تولت الدعاية الصهيونية الترويج عبر مقالات وتصريحات بشأن مخاطر النظام الإيراني على المصالح الإمريكية وأنه يعوق حدوث أية تحركات جادة نحو العراق وأن الجمهورية الإيرانية في حالة أزمة وتتجه إلى انفجار اجتماعي وسياسي يمكن استثماره بصورة جيدة.
وتعمد بعض المسؤولين في إسرائيل التضخيم من هواجسهم بشأن تكوين تحالف –غير معلن- بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وإيران باعتبار أن ذلك يمنح الفلسطينيين رادعاً تسليحياً جيداً, وقد تجدد هذا الحديث عقب إعلان إسرائيل في أوائل عام 2002 عن ضبط سفينة تحمل 50 طناً من الأسلحة الإيرانية, من بينها أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ يمكن أن تصل إلى المدن الإسرائيلية, وزعمت إسرائيل أيضاً أنها قبضت على ثلاثة أعضاء من حماس تلقوا تدريباً خاصاً لمدة سنتين في دورة خاصة لتدريب ضباط الحرس الثوري في منطقة " دار قزوين " خارج طهران, لكن المسئولين قالوا أنه ليست لديهم أدلة على أن نشطاء المخابرات الإيرانية يعملون مباشرة في الضفة الغربية وغزة.
ونفت السلطة الفلسطينية أية علاقة مع إيران في مجال الصراع ضد إسرائيل وعدم معرفة الرئيس عرفات أية معلومات عن شحنة الأسلحة, واعتبرتها السلطة محاولة إسرائيلية للإساءة للفلسطينيين وتبرير العمليات العسكرية, كما نفت طهران تورطها مع الفلسطينيين أو تقديم شحنات أسلحة,وقال علي شمخاني وزير الدفاع الإيراني " ليست لدينا أية علاقات مع عرفات ولم تتخذ خطوات من جانب أية منظمة إيرانية لشحن أسلحة للأراضي المذكورة ".
واستمرت الدعاية الإسرائيلية في حرصها على تبرير إخفاقات حكومة شارون بالربط بين إيران والمقاومة الفلسطينية, فقد زعمت بعض الصحف الإسرائيلية أخيراً مثل " هآرتس " أن طهران عمقت أخيراً نفوذها في أوساط التنظيمات الفلسطينية في المناطق المحتلة, عبر إقامة صلة مباشرة مع ناشطين في الذراع العسكرية لفتح " كتائب شهداء الأقصى " وحضها على تنفيذ عمليات تفجيرية, وادعت مصادر إسرائيلية أن التعليمات الإيرانية تصدر عن طريق عناصر " حراس الثورة الإيرانية " التي أشارت إلى وجودها في لبنان عن طريق حزب الله وحركة فتح في لبنان وأن هذه التعليمات توجه أساساً لناشطي فتح في نابلس, وبفعل هذه العلاقة نفذت فتح عمليات استشهادية كانت في السابق قاصرة على تنظيمات إسلامية.
نقلة... ولكن:
فهل بعد كل هذه التقديرات يمكن أن تحدث نقلة نوعية كبيرة في اتجاه تطوير العلاقات بين إيران وإسرائيل؟.
على الرغم من صعوبة الحصول على إجابة قاطعة حول هذا السؤال إلا أن المؤشرات الحالية التي رصدناها من بعض المصادر المتابعة للمشهد الإيراني انقسمت إلى اتجاهين:
الأول, يعتقد أن القبول بدولة إسرائيلية إلى جانب فلسطين يتناقض مع الخطاب الرسمي الذي تتبناه طهران منذ اندلاع الثورة الإسلامية. وحتى لو كانت هناك تباينات مع السلطة الفلسطينية, فإن إيران تعول كثيراً على حركات المقاومة المختلقة, من الجهاد إلى حماس مروراً بالجبهة الشعبية وغيرها. ومعنى القبول رسمياً بإسرائيل التأثير بقوة على بعض الثوابت الأساسية لأن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه يخص قضية القدس الشريف التي تزعم إسرائيل أنها عاصمتها الأبدية كما أن الكونجرس الأمريكي وافق أخيراً على قرار نقل السفارة الأمريكية إليها باعتبارها عاصمة إسرائيل المزعومة, المهم أن هذا التيار من المراقبين يشكك في جدوى تصريح آية الله أصفى بشأن دولة إسرائيلية بجانب فلسطين, ويقلل من مسألة إنشاء إذاعة عبرية وإطلاق سراح يهود من السجون الإيرانية, ويلخص أهدافها في توصيل رسالة طهران الإعلامية إلى الداخل الإسرائيلي وليس العكس والتي تطالب باسترداد الحقوق الفلسطينية وتاكيد ديمقراطية الجمهورية الإيرانية.
أما الاتجاه الثاني, فيرى أن هذه التطورات تنطوي على أبعاد دقيقة, وأنها جاءت من رحم حسابات عميقة فرضتها طبيعة الأجواء الحرجة التي تخيم على سماء طهران حالياً, وهي عملياً تنهي فرضية وجود دور إيراني قوي في مجابهة إسرائيل. وقد كانت هذه النوعية من المواقف الإيرانية المتوقعة من جانب بعض الأوساط السياسية, في ضوء خطوات الرئيس محمد خاتمي التي تتسم بالبرجماتية السياسية ومحاولة إصباغ خطواتها بشيء من المرونة التي تأخذ في اعتبارها حسابات المكسب والخسارة على الدولة الإيرانية, وينظر هذا الفريق من المراقبين إلى التهديدات الأمريكية والتحذيرات الإسرائيلية المتواصلة لطهران بأنها دفعت إيران لاتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تبدو متوافقة مع حصيلة التوجهات الأمريكية, من أفغانستان وحتى العراق ومروراً بمفردات الخطاب الأمريكي ضد " الإرهاب " حتى يتسنى تفويت الفرصة على استهدافها بعد العراق.
فهناك عدد كبير من المؤشرات لا يستبعد وضع إيران على قائمة الدول المطلوبة, أمريكياً وإسرائيلياً, تصفية بعض المسائل السياسية معها, إذ لا تستقيم أية ترتيبات في المنطقة دون تسكين هذه الجبهة بصورة مرضية, من ثم على طهران إعادة صياغة أوجه علاقتها مع حزب الله الذي تتعامل معه بحسبانه واجباً مذهبياً وثورياً, وكذلك مع حركتي الجهاد وحماس في الأراضي الفلسطينية, لا سيما أن هذه التنظيمات المقاومة للاحتلال تأتي في مقدمة الجهات الموضوعة على اللوائح الأمريكية والإسرائيلية " للإرهاب " واستمرار العلاقة معها يستوجب تحمل تكاليف سياسية باهضة.
وبغض النظر عن قبول طهران بدولة إسرائيلية رسمياً أم لا, فإن هناك الكثير من معالم التغيير في الخطاب الإيراني حيال عدد من القضايا والملفات, بشكل يسهل توقع حدوث هذا الاختراق عملياً في المستقبل, لأن إعلان آية الله أصفى يرمي إلى:
أولاً: جس نبض الشارع الإيراني, الذي جاءت حصيلة رده متحفظة وليست معترضة, كما كان متوقعا من جانب بعض الدوائر, وبالتالي يمكن المضي في خطوة من هذا النوع,
ثانياً: التخفيف من وطأة الادعاءات الإسرائيلية, بأن طهران لديها بعض الأوراق المؤثرة في لعبة التوازنات الإقليمية لذلك فالأيام المقبلة قد تكشف لنا عن معالم خريطة جديدة لتلك المعادلات والتوازنات الإقليمية.
______________________________
المصدر: مختارات إيرانية عدد 30 يناير 2003