سقوط الامبراطور
الفئات المتحالفة لاسقاط الشاه .
اذاعة بي بي سي الريطانية .
فرنسا تحمي الخميني .
الثورة الشاملة .
بازركان في الحكم .
{ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (26)
سقوط الامبراطور
كيف سقطت الامبراطورية الايرانية ؟ وكيف سقط الامبراطور محمد رضا بهلوي ؟ ومن هم الذين مهدوا الطريق لاسقاطه ؟
لقد توالت الاحداث تلو الاحداث ومهدت الطريق في سقوط امبراطورية كان عمرها 2500عاما . لقد كانت الاحتفالات العظيمة التي شهدتها برسبوليس بمناسبة مرور الفين وخمسمائة عام على عمر الملكية في ايران لم تزل حديث الملوك والرؤساء التسعين الذين حضروا تلك الاحتفالات من اقصى الارض عندما بلغهم ان القي وخمسمائة عاما من التاريخ الذي احتفلوا لاجله في برسبوليس قد تبخر في خلال 6ساعات فقط .
قال المهندس بازركان في احدى خطبه ان الخميني لم يسقط الشاه بل الشاه هو الذي اسقط نفسه ، ان اعدى اعداء الشاه كان الشاه نفسه وليس الخميني وزمرته والجماهير التي تعاونت لاسقاطه . ان السياسة التي اتبعها الشاه في ايران كانت نتيجتها المحتومة سقوطه وسقوط نظامه كما اشرنا اليها بصورة اجمالية في فصل آخر من هذا الكتاب ، اما الفئات التي تعاونت وتكاتفت لاسقاطه في اللحظة المناسبة ومن ثم استطاعت ان تستقطب الجماهير في كل مكان فانها كانت لا على سبيل الحصر :
1. الجبهة الوطنية والتي كانت ترى في الدكتور مصدق رحمه الله رائدا لها .
2. نهضة المقاومة الشعبية التي اسسها الامام الزنجاني والمهندس بازركان بعد ان انشقوا من الجبهة الوطنية وكانت لهاتين المجموعتين نفوذ كبير في الاوساط الجامعية وفي البازار ( المركز التجاري لطهران والمراكز التجارية في مدن اخرى ) .
3. مجاهدين خلق : وهو الحزب الذي اسسه موسى خياباني ومسعود رجوي وغيرهما وبدأوا يعكرون صفو النظام بالمقاومة المسلحة وكان الاب الروحي لهؤلاء اية الله الطالقاني رحمه الله والتف حول هذا الحزب شباب المدارس والجامعات ، وكان الشاه يعبر عنهم بالمركسيين الاسلاميين ، وكان لهؤلاء دور بارز وعظيم في نجاح الثورة ."1"
4. كبار رجال الدين والذين اضطهدتهم سلطات الشاه في خلال السنوات التي تلت المجابهة الدامية بين الشاه والزعامة الروحية وكان لهؤلاء نفوذ واسع بين صفوف الشعب امثال ، اية الله الطالقاني والامام السيد حسن القمي والامام الشيخ بها الدين المحلاتي والامام الخاقاني ، وهؤلاء كانوا على طرفي نقيض مع الخميني وزمرته سواء في افكاره او في سياسته ولكن المصيبة كانت تجمعهم على كل حال فكانوا في خندق واحد ضد الشاه مع احتفاظهم باصالتهم في التفكير واستقلالهم في اتخاذ القرارات .
5. جماعة الدكتور شريعتي : وكلهم كانوا ولايزالون من الشبان الجامعيين المتحمسين للتجديد الاسلامي وقد سحرهم شريعتي بافكاره الغامضة التي كانت تفسر بانها ضد طبقة من رجال الدين الموالين للشاه وللنظام الحاكم .
6. خميني وزمرته من رجال الدين الموجودين في اخل ايران وخارجها .
7. الاحزاب اليسارية بما فيها حزب توده الشيوعي .
لقد اجتمعت هذه الاحزاب والفئات كلها على اسقاط النظام ، وبما ان كل حزب وفئة كانت ترى نفسها اولى واحق بتولية امور البلاد اذا ما قدر لها النجاح في اسقاط الشاه ، فقد استقر رأيهم على اختيار زعيم يقود الحركة وهو على حد ( زعمهم ) لايطمع في الحكم فوقع الاختيار على الخميني . ولعب الخميني نفسه دورا عظيما في اغفال الشعب وسائر الفئات المناضلة وايهامهم انه يكون الرجل المفضل لقيادة الثورة اذا ما اجتمعوا تحت لوائه ، ومن هنا جاء تعيينه للمهندس بازركان كاول رئيس للوزراء بعد الثورة ومشاركة نفر قليل من افراد زمرته في الحكم ، دليلا قاطعا على التزامه بالنهج الذي اعلنه للشعب كافة . واستقر الخميني في نفل لوشاتو قرب باريس تحميه الشرطة الفرنسية وكل الاذاعات العالمية والصحف الكبيرة تنشر ما يقوله ضد الشاه وكانت زمرته في ايران تنشر الكاسيتات التي تحتوي على خطبه المثيرة للشعب وانضمت إلى الخميني اذاعة بي بي سي الفارسية في لندن لتذيع كلما يقوله الخميني ويطلبه من الشعب الايراني حتى اصبحت بوقا من ابواقه ولعب تلك الاذاعة البريطانية دورا هاما في نجاح الثورة لانها الاذاعة الفارسية الوحيدة التي يهتم بسماعها الشعب الايراني الذي كان يعتقد انها تجسد السياسة البريطانية وكان الاستنتاج السياسي لدى الشعب الايراني وساسته ان الوضع الذي اتخذته اذاعة بي بي سي البريطانية في حمايتها للخميني وللثورة انها تمثل رأي بريطانيا وان الدول العظمى قد اتفقت على تصفية الشاه . فموقف الامريكان مع التناقض الموجود في تصريحات الساسة الامريكيين حول تأييدهم للشاه كان ضعيفا . وموقف بريطانيا كما تشهد به اذاعتهم الرسمية كانت مع الخميني والثورة ، وان كانت البيانات الرسمية التي يدلي بها الساسة الانكليز تناقض اذاعتهم . اما فرنسا فقد جندت كل قواها لحماية الخميني واعطائه فرصة التحرك كما يحب ويشاء. اما الروس فهم ضد الملكية بطبيعة سياستهم وحزبهم (التودة) كان يتعاون مع الثورة والخميني تعاون الصديق مع صديقه .
اذن كل القوى العظمى رضخت للامر الواقع وهو تصفية الشاه ، وعاد الخميني إلى طهران عودة الابطال واستقبله 6 ملايين شخص لدى وصله مطار مهر اباد الدولي ولم يسقط سلاح الجو الايراني طائرة البوينغ التي كانت تقله في سماء ايران ومع ان قائدها كان يحمل في قلبه الولاء الكامل للشاه لم يقدم على هذا الامر الذي كان اخر بارقة امل لانقاذ النظام الشاهنشاهي في نظر المخلصين للنظام ، وقد جازى الخميني بالاعدام هذا القائد الذي كان باستطاعته اسقاط طائرته والقضاء عليه وعلى زمرته التي كانوا في معيته و 150 صحفي من انحاء العالم .
واعلن الخميني فور وصوله إلى طهران عدم شرعية حكومة بختيار وتعيين المهندس بازركان رئيسا للوزراء ، واصبحت ايران تعيش في حالة من الفوضى والارتباك ، وكان لابد للازمة ان تنتهي بنصر احد المتخاصمين ، وكانت الايام تمر بسرعة ، ففي يوم 14فبراير من عام 1979 اعلنت حكومة بختيار الحم العسكري ومنع التجوال واعلن الخميني العصيان العام فخرجت ملايين الناس إلى الشوارع متجهة نحو الثكنات العسكرية وسلاح الجو ومقر السافاك والقوات الصاعقة التي كانت تحت امرة قائد حرس الشاه ، وحصلت مواجهة صغيرة استولى الناس على تلك المرافق العسكرية والسلاح الموجود فيها وقتلوا بعض القادة العسكريين الذين ارادوا الدفاع عن ثكناتهم وجاء الجنرال قرباغي القائد الاعلى للقوات المسلحة إلى الخميني مستسلما للامر الواقع معلنا حياد الجيش في المجابهة التي كانت تدور رحاها في شوارع طهران وسائر المدن الايرانية الاخرى ، وعاد الجيش إلى ثكناته بامر من قائده الاعلى واعلن الخميني ولادة الجمهورية الاسلامية الايرانية . فولى عصر ليشهد العالم عصر جديد .
اما بختيار فقبل ان يستطيع الهرب القت مجموعة من المتظاهرين القبض عليه واقتادوه إلى مقر بازر كان رئيس الوزراء ، غير ان بازركان وفاء لسنوات النضال إلى قضاها مع هذا الزميل المنكوب هيئ له وسائل الفرار ، فهرب بختيار بعلم بازركان ومساعدته من ايران إلى فرنسا "1" ، وهكذا انتهت الفين وخمسمائة عاما من التاريخ بسقوط الامبراطورية والامبراطور .
"1" بعد مرور سنتين على استلام الخميني للسلطة حصلت مجابهة سياسية بينه وبين المجاهدين اعدم على اثرها منهم بضعة الاف من الفتيان والفتيات في غضون ثلاثة اشهر واستعمل معهم قصوة قلما نجد في تاريخ الطغاة مثيلا لها .
"1" لقد سمعت رواية فرار الدكتور بختيار من المقربين إلى المهندس بازركان عندما كنت في طهران وذكرتها بعض الصحف الايرانية ايضا اما الحقيقة فعلى بختيار ان يقول كلمته فيها .
رفض الصلح
الالتقاء بين الخمينية والصهيونية لتضعيف الامة العربية .
الخروج على نص القرآن الكريم .
التناقض في القول والعمل .
احياء الغوبلزية .
احمد الخميني : نحارب العراق لان الحكومة العراقية قالت لابي : اما السكوت واما الخروج .
فلسفة الخميني : البقاء في الحكم باي ثمن .
(وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34))
رفض الصلح
لماذا يرفض الخميني الصلح الذي اقترحه العراق مرات ومرات ، واقترحته اللجان الساعية لاحلال السلام بين البلدين والجارين المسلمين اكثر من مرة ؟ والصلح لا يرفضه عاقل مسلم . والقرآن الكريم يقول " وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ " (سورة الحجرات الاية 9) .
وهذه الاية الكريمة التي لاياتيها الباطل من بين يديه ولا من خلفه صريحة واضحة في ان واجب المتخاصمين من ابناء الامة الاسلامية هو الركون للصلح ولم تحدد الاية الكريمة المتعدي والمتعدى عليه حتى يتعذر احد المتحاربين بعدم الصلح كما هي الحالة في منطق الخميني . ان رفض الصلح خروج على نص القرآن الكريم ، وليت شعري ان اعرف كيف يدعي نظام انه ينبع من روح الاسلام وهو يناقض ما امر به ، ان من اغرب الغرائب في العقلية الخمينية المتناقضة التي ابتلي الشعب الايراني بها هو ان الرجل الذي اعلن للصحافة وهو على متن الطائرة التي اقلته إلى ايران بعد 15سنة من الغياب عنها (انه لايحس باي شعور تجاه الوطن الذي كان بعيدا عنه واليوم يعود اليه ) ، وانه القائل ( ان الوطنية ليست من الاسلام بشيء ) يعود اليوم ليتحدث عن الوطن والحدود والتراب الذي يرى حبه مغايرا للروح الاسلامية والذي لم يشعر نحوه بحنان وحب حتى بعد الغياب عنها خمسة عشر عاما .
ان هذا التناقض في القول والعمل امر مألوف في قاموس الخميني والخمينية وسنشير اليها في فصل خاص به .
اذن رفض الصلح له اسباب كثيرة منها نفس الاسباب التي ادت إلى الحرب وهي الاحقاد التي اشعلت نار الحرب وفصلنا في محلها . وهناك سبب آخر وهو ان الخميني والزمرة الحاكمة يعلمون جيدا انهم سينتهون بانتهاء الحرب ، فانهم يعلمون جيدا انهم لا ولن يستطيعوا تنفيذ الوعود التي اغروا الشعب بها ، بل ان وضع الشعب وصل إلى مرحلة من البؤس لم يكن لها نظير من قبل ووصلت البلاد إلى حافة الانهيار .
ان الذريعة الوحيدة التي يتذرع بها الخميني في استمرار هذا الوضع الشاذ هي الحرب فكل نكسة وراءها الحرب .
وكل كارثة اقتصادية وراءها الحرب .
وكل فشل يصيب الدولة في اناء الليل واطراف النهار سببها الحرب .
اذن ذريعة الحرب فرصة العمر بالنسبة للخميني وزمرته ، وتفويت هذه الفرصة تفريط بحياتهم وبقائهم على سدة الحكم ، وعلينا ان لاننسى ايضا ان اجهزة الاعلام الخمينية والخميني نفسه لم يعترفوا حتى الان بالهزيمة التي الحقها العراق بهم ، فالحكومة الخمينية بنت سياستها على نهج غوبلز وزير الدعاية النازي ابان الحرب الكونية الثانية الذي يقول ( اكذب ، اكذب ، اكذب حتى يصدقك الناس ) فكذبت وتكذب وستكذب ماشاءت إلى الكذب سبيلا . ومن هنا نرى بوضوح ان البلاغات التي تصدرها وزارة الدفاع الخمينية وحرس الثورة عن سير القتال انها بلاغات صنعت بذكاء مفرط لاغفال الشعب ، فهم يتحدقون عن النصر في هامش عبادان وعلى مرتفعات سربيل زهاب وعلى ابواب ديزفول وفي قلب خرمشهر وهذه كلها ارض ايرانية ، ولاول مرة يستعمل في القاموس الحربي كلمة النصر عوضا من كلمة المواجهة لايهام الشعب المسكين بالنصر ، ثم هناك ما هو اخطر من هذا بكثير ان البلاغات التسعمائة التي اصدرتها منذ نشوب الحرب حتى الان وزارة الدفاع الخمينية اذا جمعت الارقام المعلنة عن عدد القتلى والسلاح والعتاد الذي دمر من الجانب العراقي فستكون الارقام مدهشة ومضحكة في آن واحد.
ان عدد القتلى من الجنود والعراقيين في مجموع هذه البلاغات حسب زعمها يتجاوز مليون وسبعمائة الف قتيل ، وهذا العدد من الجنود يزيد على ما لدى الحلف الاطلسي والناتو ووارسو ومجموع الدول العربية ، اما عدد الطائرات التي اسقطت حسب البلاغات المزعومة فهو يتجاوز الف وثمانمائة طائرة ، أي اكثر من مجموع الطائرات الحربية التي تملكها بريطانيا وفرنسا .
اما عدد الدبابات التي دمرتها فهي تتجاوز تسعة الاف دبابة ، أي اكثر من مجموع الدبابات التي تملكها الدول الاوربية والاتحاد السوفياتي مجتمعة .
اما عدد المزنجرات وسائر انواع العتاد التي دمرت حسب زعمها فانها تتجاوز الخمسين الف مجنزرة وناقلة جنود وشاحنات ، أي عددا يتجاوز كل ما لدى الدول العربية والهند وباكستان . بهذه الارقام الخيالية والوهمية يستمر الخيمني في حربه مع العراق ، فهو لا يستطيع الصلح فالغالب لايصالح بل يذهب حتى نهاية المطاف . ثم هناك شيء اخطر من كل الملاحظات التي اشرنا اليها وهو انه باعتقادي ويقيني ان السياسة العالمية الاستعمارية الكبرى والتي تريد دوما ان تجعل من هذه المنطقة الحساسة من العالم موضع اضطراب وعدم استقرار لن ترغب ابدا في ان يحل السلام في هذه المنطقة الحساسة كما هي الحالة في لبنان ، وحكام ايران الذين اعرفهم بسيرتهم البشعة وصورتهم الابشع لا يتورعون من افناء شعب وبلاد بكاملها اذا ما اقتضت مصالحهم الشخصية وهي البقاء على كرسي الحكم ، فانى كان للخميني القابع في زاوية من زوايا النجف الاشرف او المنتظري والرفسنجاني والخامنة اى والكنى ومحمدي كيلاني وغيرهم من الزمرة الخمينية تسييس البلاد باسم الامام ونائب الامام ورئيس الجمهورية ومجلس الشورى وغيرها من المناصب السامية التي اقترفوا لغصبها ما تقشعر من سماعها الابدان .
وهم الذين الحقوا بايران من الدمار والفناء ما لايمكن تداركه في مائة عام ومن الاموال 500الف مليون دولار ، ان قوما كهؤلاء هل يتورعون من التعاون مع القوى الاستعمارية في سبيل بقائهم على كرسي الحكم ؟ كلا ثم كلا .
ان هذا اوضح من الشمس في رائعة النهار وال كيف تفسر ان الجمهورية الاسلامية الايرانية التي تدعي انها الدولة الاسلامية الوحيدة في العالم وهي تصافح الاياد الملطخة بدماء المسلمين في افغانستان ، وتتعاون مع البلاد الشيوعية التي تقول فلسفتها : ان الدين افيون الشعوب وتستورد الاسلحة من اسرائيل لقتل الجار المسلم وتستخدم المستشارين العسكريين من كوريا الشمالية لتغير بطائرتها على اراضي الاسلام وتدمرها بالقنابل المحرقة . ان هذه الشرذمة من الناس لا ولن يانفوا القيام باي عمل اجرامي مهما كان نوعه لارضاء سيدهم الذي يحميهم ، واذا كانت من سخريات القدر ان تذل الامة الايرانية حتى يسودها اوباش اجلاف كهؤلاء ، فان الجلف الجاف عندما يجد ضالته المنشودة فلا ولن يضيعها حتى بحد السيف ومن دونها خرط القتاد .
ان من اغرب الغرائب في تاريخ الحروب هو هذه الحرب التي يشنها قوم ضد بلد يقدسون ترابها ويسجدون عليها في صلواتهم الخمسة اليومية . ان الجندي الذي اغفله الخميني والشعوذة الحاكمة في ايران لقصف العراق ومدنه يحمل معه دوما قطعة من تراب ذلك العراق ( كربلاء ) وهو يسجد عليها في كل صلاة ويقبلها ويتبرك بها ويستشفي بها ، واعظم امنية له في الحياة هي زيارة صاحب تلك التربة الطاهرة المقدسة حسين بن علي بن ابي طالب عليهما السلام .
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ، كيف يحارب الجنود الايرانيون في جبهات القتال ……؟ والجواب هنا اثبته للتاريخ ، ان الجنود المتواجدين على جبهات القتال على ثلاثة اصناف : مكرهون على القتال وهم اكثرية الجنود النظاميين الذين اعدم الخميني قوادهم وهم يعلمون ان هذه الحرب هي حرب الاحقاد التي يشعل الخميني نارها كلما جاء قوم لاطفائها وان شرطه لوقف القتال في عودة القوات العراقية إلى الحدود السابقة انما هو ذريعة جوفاء لان العراق اكد اكثر من مرة موافقته على ذلك اذا ما قبل النظام الحاكم على وقف اطلاق النار ، ثم انهم يعلمون جيدا ان الوطنية التي بداء الخميني يغني بها انما هي خدعة من خداعه فلن ينسى الشعب الايراني ان الخميني قال وهو على متن الطائرة التي كانت تقله من باريس إلى طهران ( اني لا احس بشعور خاص عند عودتي إلى ايران ) ثم هو الذي حارب الوطنيين من انصار مصدق ورماهم بالزندقة لان الاسلام على حد زعمه يعارض الوطنية ثم ان اكثرية هذا الجيش حاقد على تصنيفه في المرتبة الثانية وتقديم الحرس الثوري عليه في كل الامتيازات وفي كل الميادين ، والحرس الثوري مجموعة من المرتزقة جمعهم النظام الحاكم من الشوارع والازقة لا يحسنون استعمال السلاح ، وهذه المجموعة هي التي تتقدم على الجنود في جبهات القتال بصفتهم حراس الثورة وانهم المعتمد عليهم من قبل الخميني .
والصنف الثاني هم العنصريون وانهم طبقة صغيرة من الجنود النظاميين الذين يحاربون لاحياء الامجاد الفارسية التي اكل عليها الدهر وشرب . واذكر هنا قصة للتاريخ لبيان هذه العنصرية التي نجدها لدى البعض من ابناء الشعب الايراني :
عندما كنت خائضا معمعة الانتخابات ، كانت بعض الفئات السياسية المعادية لي تنشر المناشير وتقول معلنة ان اعتراضها على انتخابي هو انني سيد هاشمي انتمي إلى رسول الله ورسول الله عربي ، والغريب في الامر ان بعض هؤلاء الذين كانوا يقفون ضدي لانني هاشمي عربي كانوا اذا التقوا بي قبلوا يدي او ارادوا تقبيلها تبركا برسول الله وتقربا اليه ، هذه صورة للعنصرية التي اشرت اليها في هذا المقال .
اما الصنف الثالث المغفلون واكثرهم من الحرس الثوري الذين جمعهم النظام الحاكم من هنا وهناك ، وقد امر الخميني بتقليدهم مفاتيح الجنة كما كان الباب غريغوار يقلد الجنود الصليبيين مفاتيح الجنة عندما ارسلهم لمحاربة المسلمين في فلسطين . حقا انه لامر مشين للغاية فيه سخط الله ورسوله ان يقلد مسلم مفاتيح الجنة لانهم يحارب اخاه المسلم ويريق دمه …… , واخيرا اختارت الزمرة الحاكمة الشباب المراهقين حراسا للثورة والحقوهم بجبهات القتال فكانت المآسي التي تحدثت عنها الصحف العالمية باسهاب وادانت النظام الارهابي الانتحاري في ايران وشبهت الخميني بهيتلر الذي جند المراهقين في الشهور الاخيرة من حربه الخاسرة .
ان هؤلاء المغفلين واولئك المكرهين هم الذين يقصفون تراب العراق وهم يتبركون بها ، ويهدمون تربة العراق واعظم امانيهم هي زيارة تلك التربة ، ويقتلون ابناء كربلاء والنجف واسم كربلاء والنجف يبكيهم ويدمع عيونهم . لا انسى ان احمد الخميني قال لي مرة : انك تحاول القيام بعمل عظيم ، فلو قدر لك النجاح في عملك واستطعت ان تقرب بين العراق وايران وفتحت الحدود للزوار الايرانيين لزيارة العتبات المقدسة فستصبح محبوب الشعب كل الشعب ويذكر اسمك بعد اسم الامام ( السيد الخميني ) .
قلت له : اذا كنت مؤمنا بما تقوله تعاون معي لنجاح المهمة ودع الناس يعتقدون انك فعلت ذلك فتصبح انت محبوب الشعب فليذكر اسمك بعد اسم ابيك .
وقال لي احمد : كيف نلتقي مع الحكومة التي قالت لولدي اما ان تسكت واما ان تخرج . وهكذا يدفع الشعب الايراني المسكين ثمن الحقد والانانية والجهل والخيانة الذي كلفه حتى الآن 300الف قتيل و500الف مليون دولار الخسارة في الاموال و 3ملايين مشردي الحرب .
واختتم هذا الفصل بمقارنة بين رجليين احدهما هندوسي وآخر يدعي الاسلام . احدهما مرشد للثورة الهندية وهو مهاتما غاندي الذي قال لقاتلة الذي ارداه قتيلا (السلام عليكم ) والآخر مرشد للثورة الاسلامية الايرانية الذي اعدم الآلاف من الصبية لانهم قالوا ( الموت للخميني ) .
لقد بلغ إلى مسامع مهاتما غاندي ان حربا دينية قومية ضروسا نشبت بين الهندوس والمسلمين في وسط القارة الهندية يذهب ضحيتها المئات من الجانبين في كل يوم ، فطلب غاندي منهم ايقاف القتال فلم يستجيبوا فاعلن عزمه في السير إلى منطقة الحرب على الاقدام ، وخرج مهاتما من اشرم قاصدا المنطقة المنكوبة والتي تبعد حوالي الف ميل ، وكلما مر بمدينة على قارعة الطريق طلب من اهلها الانضمام إلى مسيرة الصلح ووصل غاندي إلى المنطقة المنكوبة ومعه جمع غفير يحملون لافتات الرجاء إلى المتحاربين بايقاف القتال ، فلم يستجب الطرفان لغاندي ولا للركب السائر في معيته ، فأعلن مهماتما عزمه على الصيام حتى الموت الا اذا استجاب الطرفان لندائه ، واستمرت الحرب واستمر الصيام ، واشرف غاندي على الموت واعلن الاطباء ان زعيم الهند العظيم سيلقي حتفه اذا لم ينه الصوم في غضون 48ساعة . واستيقظت ضمائر المتخاصمين اجلالا واكبارا للزعيم الذي يضحي بحياته لانقاذ حياة الآخرين ، وصام 45يوما حتى تنفذ كلمته ، وانتهى القتال وعاد الوئام ورجع القوم إلى شئونهم الخاصة واعمالهم اليومية ، اما غاندي فقد بقي طريح الفراش يعاني من آثار الصوم شهورا طوالا لايقوى على الحركة ولكن الابتسامة لم تفارق شفتيه لانه وجد إلى الصلح سبيلا .
اما الامام الخميني مرشد الثورة الاسلامية الايرانية فرفض عروض الصلح من الجانب العراقي ورفض الوساطات الاسلامية ، ورفض كل مبادرة خيرة لانهاء الاقتتال بين آخوة مسلمين تربطهم روابط الجيرة والدين ، وها هو ينادي بالمزيد من اراقة الدماء ويسعى للمزيد من الدمار والفناء مناقضا بذلك ما امر به الله ورسوله وكتابه الكريم .
وليت شعري ان اعرف ان الخميني اذا لم يشاء ان يسير على هدى الاسلام ورسوله في الصلح افلم يكن من الحري به ان يقتدي بسيره مصلح الهند ، ولكن صدق الله العظيم حيث يقول ، " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا " .
حرب الاحقاد
قطع الجسور .
تهديد الجيران .
التعاون مع اعداء الامس .
الخطأ في التقييم .
سياسة التفريق .
الخميني يهدد بقطع يد بازركان .
احمد يقول : ذاكرة ابي لا شيء ، انا السيد والسيد انا .
وعلى ايران السلام .
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11))
حرب الاحقاد
الحروب التي شهدها العالم لايتجاوز كونها حروبا قومية او اقتصادية او دينية ولاول مرة يشهد العالم نشوب حرب بين شقيقين مسلمين لاتحمل بين طياتها هذه العناصر الثلاثة منفردة او مجتمعة . فماذا نسمي الحرب الايرانية العراقية ؟ هذه الحرب العجيبة الغريبة التي ادهشت العالم ولن ينساها التاريخ . فلنسمها اذن بحقيقتها وواقعها ، انها (حرب الاحقاد ) .
لماذا وكيف نشبت الحرب الايرانية العراقية وماهي اسبابها وماهي خفاياها ؟ قد اكون انا خير من يستطيع الجواب على هذا السؤال لأنني عاصرت ظروفها في العراق وايران معا وتحدثت مع زعماء البلدين قبل نشوب الكارثة واطلعت على امور لم يطلع عليها احد من قبل ولامن بعد.
لقد وصل الخميني إلى الحكم بصورة فجائية لم يتوقعها احد حتى هو نفسه لم يتوقعها ولم يفكر فيها . فلذلك لم يكن بعيدا على مثله ان يفكر في تصدير الثورة الايرانية التي كان يسميها الاسلامية إلى خارج حدود ايران ، فاذا ما نجحت الثورة في ايران بالصورة التي لم يتوقعها هو ولا غيره فلماذا لم تنجح في دول عربية مجاورة كانت حسب زعمه وتقديره مزرعة مستعدة لنمو افكاره لا سيما انها لابد وان تأثرت بثورة كانت نتائجها سقوط اقوى نظام مجاور في المنطقة بين عشية وضحاها . فكما لعبت الصدفة والمفاجأة في نجاح الثورة الايرانية فقد تتكرر الصدفة والمفاجأة في بلاد مجاورة اعجبت شعوبها بايران الثورة في ايامها الاولى .ولعب الحقد الدفين لدى الخميني لعبته فاختار العراق ليكون اول محطة من محطات تصدير الثورة اليها ، ولكنه في نفس الوقت لم يسقط الدول المجاورة الاخرى من حسابه فشنت اجهزة اعلامه هجوما عنيفا على دول الخليج والدول العربية تهددهم بالويل والثبور وتنذر حكامها بمصير الشاه واعوانه . وهكذا قطع الخميني الجسور بينه وبين جيرانه منذ ان وصل إلى الحكم تاركا وراء ظهره معطيات العقل السليم وحسن الجوار ومصلحة ايران واخلاق الاسلام ودستور القرآن الكريم الذى يقول (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ولكي نضع النقاط على الحروف نعدد هنا الخطط الخمينية لضرب الحكم القائم في العراق لنكون على بينة من الاسباب التي ادت إلى حرب الاحقاد .
منذ اليوم الاول لاستلام الخميني للسلطة نصب عميلا للمخابرات السورية وهو صادق قطب زادة رئيسا لاعلام الجمهورية الاسلامية الفتية ، وقطب زادة هذا كان من اقرب المقربين إلى قلب الخميني "1" ولم ينفع نصح الناصحون بابعاده من هذا المنصب الخطير في الجمهورية الفتية ، حتى ان الشيخ صادق الخلخالي المعروف ( بجلاد الثورة ) قال لي انه اخبر الخميني بنفسه ان شقة قطب زادة في باريس مليئة بالخمور وانواع المسكرات وكل انواع اللهو والفجور وان رجلا كهذا لا يحق له ان يكون في مثل منصبه الا ان الخميني لم يعر اذا صاغية لكلامه وبفضل قطب زادة هذا فان كثيرا من مناوئي الحكومة العراقية الذين وصلوا إلى ايران لتوهم بعد الثورة احتلوا اماكن حساسة في الاذاعة العربية بطهران والاهواز وبدأوا بالهجوم الاذاعي على الحكومة العراقية بين حين وآخر. ولكن الطين زادت بلة عندما ارسل الرئيس العراقي احمد البكر برقية تهنئة إلى الخميني بمناسبة اقرار الشعب الايراني لنظام الجمهورية الاسلامية في استفتاء عام ، فجاء رد الخميني مخيبا للآمال وضاربا عرض الحائط اصول الاخلاق بين رؤساء الدول واغرب من كل هذا ان الخميني نفسه الذي كان يبرق للرئيس البكر في العراق برقيات مهذبة يبدأها بالتحية ويختمها بالدعاء له ولدولته قد نسي ما خطه بيمينه في تلك الايام ، وقد تضمنت برقيته هذه المرة وعيدا وتهديدا وكلاما جارحا وخطابا غليظا لكل زعماء العرب والاسلام الذين يسلكون طريقا يناقض الطريقة التي يسلكها هو وحكومته في ايران ثم ختمها بقوله والسلام على من اتبع الهدى .
كان موقف العراق إلى ذلك التاريخ موقف جار يريد ان يعطي الفرصة لجاره المخدوع كي يفيق من اوهامه وخيلائه لعله يسلك النهج الصحيح في تقييم الامور ومعالجته لها . ومن هنا كانت سياسة العراق الصبر والتريث والمعاملة بالحسنى حتى تنجلى الغبرة ليقيم هو بدوره مستقبل العلاقات مع ايران . وهنا اسجل للتاريخ ما سمعته بنفسي من الرئيس صدام حسين قبل سفري إلى ايران كما اسجل هنا ما سمعته من الخميني بعد ذلك اللقاء ليعلم الناس كافة مدى الاختلاف الهائل في تفكير الزعيمين ومعالجتهما لأخطر القضايا المتعلقة ببلديهما . قال الرئيس صدام حسين : ان حكومة ايران الفتية التي وصلت إلى الحكم وهي تجابه مشاكل داخلية عظيمة خلفها النظام السابق والمشاكل التي تحدث بعد كل ثورة بالطبع وقد كان من الواجب عليها ان تبدأ ببناء نفسها ومعالجة مشاكلها الداخلية وتستفيد من كل الامكانيات المتاحة لها سواء كانت داخلية او خارجية وان مصلحة هذا النظام هو الاستفادة القصوى من العراق الجار الذي ابدى استعداد كاملا لدعم النظام الجديد وهكذا من كل الجيران الذين ابدوا التعاطف مع النظام الجديد وهم على استعداد لمساعدته ، اما خلق المشكلات واضافة بعضها إلى البعض فانها تنهك قوى هذه الدولة وتجرها إلى مشاكل داخلية عظيمة لاتستطيع الصمود عليها ، وهنا قال الرئيس العراقي كلمة لن انساها وقد نقلتها بنفسي إلى الخميني وهي ان النظام الحاكم في ايران حتى في صورة عدائه للعراق لم يكن من مصلحته ان يتجاهر به ويعلنه ، وكان عليه ان يتريث حتى يصلب عوده ويشتد عضده وحينئذ كان يستطيع التجاهر بكل ما يريد ، اما وهو الآن على حافة الانهيار ويريد ان ينال من هذا الجار وذاك فانه انتحار لا للمجموعة الحاكمة بل للشعب والامة باسرها . وقال الرئيس صدام حسين انه مع كل ما ظهرت من النوايا غير الطيبة والعدائية من النظام الجديد فانه مستعد لفتح صفحة جديدة في العلاقات وانه مستعد لدعم ايران الثورة اذا تركت التدخل في شئون الآخرين ، وطلب مني ابلاغ تحياته إلى مهندس بازركان رئيس الوزراء مع التمني له بالتوفيق ، اذن لم يكن هناك خلاف اطلاقا من جانب العراق ، كلما في الامر هو ان يلتزم النظام الجمهوري الجديد بحدوده ويترك جيرانه بسلام ويهتم بشئونه الداخلية . وبعدما سمعت من الرئيس صدام حسين طرت إلى طهران وانا متفائل جدا بمستقبل العلاقات بين البلدين ولدى هبوط طائرتي في مطار مهرآباد الدولي كانت سيارة السيد بني صدر وحرسه الخاص على مقربة من سلم الطائرة في انتظاري وقيل لي انه ينتظر مني مخابرة في أي ساعة اصل إلى طهران ، وكانت الساعة تشير إلى الواحدة صباحا فاتصلت به من الهاتف الموجود في سيارته وقال لي انه عائد لتوه من مجلس قيادة الثورة وكان يود ان يكون في استقبالي في المطار لولا الجلسة الطارئة للمجلس الذي كان يحتم عليه حضورها ، وقال انه سيكون في داري في الساعة السادسة صباحا ، وهكذا بعد سويعات من وصولي إلى طهران كان الرئيس بني صدر في داري وهو متلهف ليسمع رأي الرئيس العراقي في العلاقات بين البلدين ، وكان السيد بني صدر يرى انه من اهم المشاكل السياسية لايران هي العلاقات مع العراق لان العراق يستطيع ان يلعب دورا هاما وحساسا في استقرار الوضع السياسي في ايران ولاسيما في منطقة الجنوب التي كانت تغلي والارهاب المتبع من قبل الادميرال مدني لم يكن يغنى من الحق شيئا ، وان العراق اذا وقف مع ايران فسوف يمكن ايجاد حل مناسب يرضي الله والضمير لمشكلة العرب المتواجدين في الجنوب. اما اذا ما استفز العراق من قبل النظام الايراني في حدوده ومصالحه واراضيه فلا بد وان العراق سيتخذ سياسة اخرى تكون مدمرة لحل مشكلة الجنوب وقال لي السيد بني صدر انه لا يعلق امالا كبيرة على لقائي بالخميني واضاف بلهجة حزينة ان الخميني تغير كثيرا وسترى رجلا اخر يختلف تماما من الرجل الذي عهدناه في النجف وباريس وانه عاد رجلا لجوجا ركب رأسه واصبح احمق من هي النقة . وذهبت إلى قم والتقيت بالخميني في جلسة مغلقة طالت زهاء ساعة وخرجت من عنده وانا حزين القلب اندب حظ الامة الايرانية المسكينة التي اعطت قيادتها بيد هذا الشيخ العجوز .
لقد كانت هذه هي اول مرة التقي بالخميني بعد ان استولى على سدة الحكم فرأيته كما قال بني صدر شخصية تتناقض تماما مع الخميني الذي تعودنا عليه زهاء خمسة وعشرين عاما سواء عندما كان في قم او في النجف ، ولمست فيه نفسا شريرة وروحا انتقامية وغرورا شيطانيا وابتسامة ساخرة بكل المثل والاخلاق ، لم ار في هذه المرة ذلك الشيخ الوقور الناسك الزاهد الذي كان يتحدث دائما باسم الدين والاخلاق ومصلحة المسلمين ، بل رأيت شيخا عجوزا غلبه هواه وسخره شيطانه وتجلى حقده وها هو يبتهج من اراقة الدماء ودمار البلاد واذلال العباد ، وسأقص في آخر هذا الفصل تفاصيل هذا اللقاء المثير والمخيب للآمال ليسجل في التاريخ للاجيال الحاضرة والقادمة على السواء .
وفي الايام نفسها التي كانت فيها العلاقات الايرانية العراقية تسير من سيء إلى اسوأ .
استقبل الخميني ابنا ملا مصطفى البرزاني ودعا لهما بالتوفيق وامر بتزويد الرزاني بالاسلحة والعتاد لضرب العراق وايجاد القلاقل في شمال العراق وهنا تظهر احدى المفارقات للجمهورية الاسلامية التي كان يرأسها الخميني ، كيف اجاز الخميني لنفسه ان يستقبل عميلين مكشوفين للمخابرات المركزية الامريكية "1" وعميلين للشاه الايراني في الوقت نفسه وهو الذي عاصر المجازر التي ارتكبت في شمال العراق على يد هؤلاء باسلحة امريكية ايرانية ، وعاصر اقتتال الاخوة في شمال العراق بمساندة الشاه الذي كان الخميني احد ضحايا تعسفه واستبداده وها هو اليوم يصافح يدا طالما صافحت الشاه واخذت منه المال والسلاح لقتل المسلمين ، ثم هو لا يقنع بالمصافحة بل يسلك الطريق نفسه الذي سلكه الشاه فيمد العصابة هذه بالسلاح والمال ويامرهم ان يسلكوا الطريق الذي امرهم الشاه ان يسلكوه . ان هذا من اغرب التناقضات التي يسجلها تاريخ الثورة الايرانية عن المنحنى الفكري لمرشد الثورة والذي بدأ يتجلى في تناقضه مع روح الاسلام ومصلحة المسلمين . وقد زاد الطين بله تنصيب الدكتور مصطفى جمران المسؤول عن منظمة امل اللبنانية المعروفة بعدائها للعراق وزيرا للدفاع لكي ينسق مع المنشقين العراقيين ضرب العراق ، ومن اغرب المفارقات ايضا ان حسين الخميني حفيد الخميني ذكر لي انه حمل إلى جده وثائق زودته بها منظمة فتح تثبت ان جمران عميل للمخابرات المركزية الامريكية ، كما انه ابلغ جده موقف جمران من القضية الفلسطينية وكيف ان يداه ملطختان بدماء الفلسطينيين عندما كان مسؤولا عن منظمة امل في لبنان الا ان جده لم يعر اذنا صاغية لهذه التقارير بل ازداد في تعلقه بجمران وثبته في مركزه كوزير للدفاع . ومع ان حسين الخميني صفع جمران في مطار طهران وامام الجموع المحتشدة عسى ان تؤدي هذه الاهانة الكبيرة لاستقالته من الحكومة الا ان جمران تمسك بمنصبه ولم تهزه صفعة الخميني الصغير املا بعطف الخميني الكبير ، ولم يقنع الخميني بمساعدة البرزانيين فحسب بل مد يده إلى جلال الطالباني وامده بالمال والسلاح ليقوم هذا الشخص بدوره ايضا بايجاد القلاقل في العراق . ولقد اتصلت بي شخصية سياسية عربية كبيرة في حينه واخبرتني انه حسب المعلومات المتوفرة لدى حكومته فان جلال الطالباني يقوم بدور خطير للروس في المنطقة حسب الاتفاق مع سوريا وان امداد الطالباني بالسلاح والعتاد انما هو في حقيقته امداد للشيوعيين المتواجدين في ايران وان الجمهورية الاسلامية في حقيقة الامر تساهم في تسليح الشيوعيين الايرانيين الذين سيضربون الجمهورية عندما تحين لهم الفرصة وان هذه الاسلحة ستستخدم لضرب ايران في المستقبل لا لضرب العراق كما يرغب الخميني ، وطلبت الشخصية السياسية العربية مني ابلاغ السيد بني صدر بهذا الامر فابلغته على عجل وبلغ بني صدر الخميني ولكن الاخير لم يعتبر بكل ما قيل له في هذا المجال حسب عادته المألوفة ودخلت الازمة الايرانية العراقية إلى مراحل خطيرة عندما قال الخميني في خطاب اذاعي تلفزي انه سيحتل بغداد في غضون (4) ساعات واعلن بني صدر في خطاب اذاعي آخر انه لايستطيع وقف زحف الجيش الايراني على العراق واحتلال العاصمة العراقية اذا ما اراد الجيش الايراني ذلك ، ونزولا عند رغبة الخميني ركزت اجهزة الاعلام الخمينية هجومها ضد العراق من الصباح حتى المساء وتحركت فرق من الجيش الايراني إلى الحدود واستقرت مجموعة كبيرة من حرس الثورة في الحدود الايرانية وبدأ القصف المدفعي للاراضي والقرى العراقية في اناء الليل واطراف النهار . ولما لم تنفع كل الخطوات الخمينية لضرب العراق ارتكب خطأ آخر كان بحد ذاته مميتا للخمينية في المنطقة ومدعاة للسخرية والاستهزاء في الوقت نفسه حيث كشف نواياه ونوايا خلفائه وحكومته لقد اراد الخميني ان يستغل الطائفية في العراق ويتخذ من شيعة العراق بصفته زعيم ايران الشيعي اداة لضرب الحكم القائم وبدأ يوجه نداءات إلى شيعة العراق يطلب منهم القيام ضد الحكومة والصعود على اسطح البيوت للتكبير والتهليل الامر الذي حدث في ايران في ظروف خاصة ومع ان شعب العراق بطائفتيه استهزأ بهذه النداءات الصبيانية الطائشة واستنكرها واتخذ من الخميني اضحوكة في مجالسه ونواديه الا ان الاخير لم يعتبر بكل هذه الاهانات بل كرر ابواقه ندائه بين فينة واخرى يطلب من الجنود العصيان في الثكنات ومن الشعب الصياح فوق السطوح واغرب ما في هذه الفكرة الحمقاء المضحكة هو ان صاحبها عاش في العراق 15 عاما وعاصر عن كثب السيد الحكيم الذي كان المرجع الديني الكبير للشيعة في العراق واراد استغلال الطائفية لضرب الدولة الحاضرة في ابان قيامها وأى بأم عينه كيف ان الشيعة خذلت الحكيم ووقفت ضده معبرة عن شعورها واستيائها العميق نحو زعيمها الذي اراد ان يستغلهم في صراع بينه وبين الدولة لاقبل لشيعة العراق فيه . واثر هذا الصراع اهين السيد الحكسم في عقر داره والنجفيون رموا بالحجارة طلبة الافغان الذين خرجوا متظاهرين في شوارع النجف تأييدا للحكيم وضربوهم بالعصى واهانوهم شر اهانة . والخميني آنذاك كان في النجف يرى عن كثب كل ما الحق بالسيد الحكيم من اهانة وذل وهزيمة منكرة حتى هو بنفسه لم يقف بجانب السيد الحكيم في تلك المحنة بل وقف مع الدولة التي كان آنذاك يدعوا لها بالعمر المديد ، انها الدولة التي هو اليوم في حرب معها ، ثم ان الخميني اذا كان يقرأ تاريخ العراق المعاصر وكانت له قدرة الاستنتاج من الحوادث التاريخية لكان يستنتج بوضوح ان شيعة العراق لم يسمحوا لاحد مهما كان شأنه وقدره ان يستغلهم في مآربه السياسية وان ابغض الاشياء لديهم هو المتاجرة بانتمائهم الطائفي .
ان التاريخ يحدثنا ان الشيعة والسنة اشتركوا في ثورة الاستقلال عام 1920 ودحروا الانكليز وقواه المدججة ب 400 الف جندي مسلح ، وعندما اراد الشعب العراقي اختيار الملك ذهب زعماء الشيعة والسنة معا إلى الحجاز لدعوة ملك سني هو الفيصل بن الحسين ليتربع على عرش العراق وكان الوفد العراقي مؤلفا من زعماء الشعية والسنة معا . كان من الشيعة الشيخ محمد رضا الشبيبي والسيد محسن ابو طبيخ والحاج محمد جعفر ابو التمن وكان من السنة السيد النقيب . ولم يحدث أي نقاش بين الطائفتين لانتخاب الملك على اساس الطائفية او احقية احدى الطائفتين بان يكون الملك منها ، بل ذهب وفد الطائفتين إلى الحجاز بقلب واحد وعقل واحد وروح واحدة ، أي بالاخوة الاسلامية التي بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لترسيخها في كل ضمير وعقل . وبعد ثورة الاستقلال يعيد التاريخ نفسه لتجتمع الشيعة والسنة لمحاربة الانكليز مرة اخرى وذلك في عام 1941 حيث افتى المرجع الاكبر للشيعة وهو جدنا السيد ابو الحسن وسائر المراجع مثل الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء والسيد عبدالحسين الحجة ومراجع السنة الكبار مثل الشيخ نجم الدين الواعظ والشيخ امجد الزهاوي . وتكاتفت الشيعة والسنة لمحاربة العدو المشترك .
وفي سنة 1949 اجتمعت الشيعة والسنة مرة اخرى لضرب معاهدة بورتسموث والاطاحة برئيس وزراء شيعي هو صالح جبر ولم يحدث أي نقاش بين الطائفتين حول اسقاط رئيس الدولة الذي كان ينتمي إلى الشيعة بل اتفقتا لاسقاطه عندما رأت انه يتعامل مع الاستعمار الانكليزي وبالفعل سقطت دولة الجبر بين عشية وضحاها وكانت التظاهرات الصاخبة محورها النجف وكربلاء اكثر من أي مدينة اخرى . ومرة اخرى اتفقت الطائفتان لضرب عبدالكريم قاسم ونجحتا في نضالهما المشترك ودحر القاسم وزال نظامه ، ولم يحدث حتى الآن ان اتخذت احدى الطائفتين الرئيسيتين في العراق الطائفية وسيلة لاغراض العداء السياسي بينهما او مع الحكومة .
نعم اذا كان هناك خطر حقيقي يهدد العراق فان الشيعة والسنة يواجهون الخطر مشتركين ويناضلان مشتركين واذا كانت هناك حكومة غير وطنية فانهما سيواجهونها بنفس الروحية ايضا كما حدث في حرب الاستقلال وثورة رشيد عالي او حكومة صالح جبر وعبدالكريم قاسم ، اذن فان كلا من شيعة العراق وسنة العراق عراقيون قبل انتمائهما المذهبي .
اليس من المؤسف والمؤلم ان الحاكمين في ايران وعلى رأسهم شيخهم الكبير لا يدركون بديهيات التاريخ ونفسيات الشعوب ، اوليس جنود العراق المتواجدين اليوم من اقصى الحدود إلى اقصاها والذين يحاربون الدولة الخمينية كلهم من ابناء الشيعة والسنة معا من ابناء الكربلاء والنجف والكاظمية وسامراء والموصل وذي قار والانبار والبصرة ، واليست الغلبة في الاسامي انما هي للحسين وعلي وجعفر وصادق وكاظم ، ومع كل هذا ألم يأن لهذا الشيخ العجوز ان يفيق من ظلمات الجهل والغدر والغباء .
وبعد كل هذا ما هذا الاسلام الذي يدعيه الخميني واي اسلام هذا الذي اتخذ منه شعارا في اقتتال الاخوة وايجاد الفرقة والنعرات الطائفية والتعاون مع عملاء الاستعمار لضرب دولة جارة مسلمة وقتل ابنائها . ان لغة السياسة مع ما فيها من انعطاف واساليب ملتوية لا تجوز هذه السياسة النكراء التي تشمئز منها روح الانسانية فكيف وهذه المنكرات التي ترتكب باسم الاسلام اليس هذا يعني ان هناك مؤامرة شريرة للاطاحة بمعاني الاسلام ونقاء صورته وصفاء واقعه امام العالم وان الذين ينفذون هذه المؤامرة الخبيثة انما هم نفر من الجن ظهروا في لبوس رجال الدين لهدم الاسلام وقد بذلوا جهدا يفوق على ما بذله الصليبيون والمغول معا في تحقيق اهدافهم واخذوا على عاتقهم المشئوم هدم الاسلام في كل زمان ومكان وقد كانوا اطول باعا واقوى ذراعا من أي طابور خامس ظهر حتى الآن في تاريخ الدول القديمة والحديثة . ولقد كادوا الكيد ونشروا الرعب وقالوا في الاسلام ما لم يقله احد من قبل ولا من بعد . الا ان يقظة الامة الاسلامية وحرصها اكتشفت زيف هذه العصابة ونواياها الشريرة فوقفت صفا واحدا كالبنيان المرصوص تدافع في هذا المنعطف الخطير من تاريخ الاسلام عن كرامته وسمعته ( ولولا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ) لكانت امة الاسلام تنكب بالخمينية نكبة لا يقوم لها قائمة بعد اليوم ، ولكن الحمد لله ان يقظة الامة لم تهمل الخميني لتظهر إلى الوجود كما ظهرت البهائية والقادرية بل تركها في مهب الريح لتنزف جراحا ودما وحقدا وبغضا ولتكون كالعصف المأكول في حاضر الزمان ومستقبله .
وقبل ان انهي هذا الفصل اود ان اكشف هنا سرا قد يكون جوابا على كثير من التساؤلات التي تدور حول الحرب الايرانية العراقية بل انه جواب للتاريخ وللاجيال القادمة التي لم تعاصر محنة الاسلام في هذه البلاد .
قد اراد الخميني وبذل قصار الجهد لتنصيب متهم بعمالة اسرائيل واجنبي لاينتمي إلى ايران بصلة رئيسا لجمهورية ايران لانه كان متجاهرا بعدائه للعراق ويبارك الحرب معها بل هو من اشد المتحمسين لها . كان هذا هو جلال الفارسي الافغاني المولد والذي هاجر إلى ايران في سن الشباب وحصل على الجنسية الايرانية ثم انتمى إلى الخميني وجماعته ، وجاء إلى العراق عندما كان الخميني لاجئا في العراق فتعرف عن طريق الخميني باجهزة الدولة العراقية التي كانت تحميه فزودته الحكومة العراقية بجواز سفر عراقي وبمساعدات مالية عندما غادر العراق إلى لبنان ، غير ان الفارسي لم يلبث كثيرا في لبنان فقد داهمت الشرطة اللبنانية داره للقبض عليه بتهمة التجسس لاسرائيل وعثرت الشرطة في داره على مخطط للحدود اللبنانية الاسرائيلية وفر الفارسي إلى سوريا ونشرت الصحف اللبنانية هذا النبأ باسهاب واطناب .
ودخل الفارسي إلى العراق بعد ذلك ليعيش فيه الا ان الحكومة العراقية رفضت ايوائه بعد التهمة الموجهة اليه وسحبت منه جواز السفر العراقي وارغمته على مغادرة العراق ، فعاد إلى سوريا ليعيش فيها بعض الوقت والتحق بالخميني في باريس ليعود معه إلى ايران ، وبدأ الفارسي في ايران حملاته ضد العراق من الاذاعة الفارسية ومنذ الايام الاولى من نجاح الثورة عرف نفسه بانه سيكون الرجل المفضل لدى الخميني في هذا المضمار ، وعندما امر الخميني بتعيينه رئيسا للجمهورية رشحه الحزب الجمهوري الاسلامي وصرف الملايين لفوزه في انتخابات الرئاسة غير ان الرياح جرت على غير ما كان الخميني يشتهيه فانبرى قوم من المناضلين ضد هذا الترشيح .
لقد كنت انا اول من كشف هذا السر لان الرجل عندما كان في العراق صارحني بحواله وفصله ونسبه واردت اعلان الخبر في الصحف فمنعني اصدقاء مخلصون وطلبوا مني ان لاادخل المعمعة بنفسي حتى لا اثير الخميني وجماعته فيتحمسون للرجل اشد التحمس وسوف لايجدي الامر شيئا ، ولذلك اخذوا على عاتقهم كشف السر للجماهير الايرانية وكان نجاحهم باهرا وعظيما في مهمتهم فبين عشية وضحاها عرف الشعب الايراني ان الخميني وحزبه يريدون تنصيب رجل اجنبي عليه كأول رئيس لجمهوريته الاسلامية ، كما انهم قرأوا في الصحف نص البيان الرسمي الصادر من الاحوال المدنية الذي كان يقول ان الرجل مولود في افغانستان وانه حصل على الجنسية الايرانية بعد ان هاجر اليها وبلغ سن الرشد وهكذا منع الرجل من خوض انتخابات الرئاسة بنص الدستور الايراني الذي كان يقول ان رئيس الجمهورية يجب ان يكون مولودا في ايران ومن اب ايراني ، ودحر الحزب الجمهوري والخميني معا وولوا الادبار . لقد اشرت في مقدمة هذا الفصل إلى محادثاتي مع الخميني وها انا اختم الفصل بكشف تلك المحادثات لنبدأ فصلا آخر من فصول الكتاب بأذن الله .
لقد دام اللقاء ساعة تحدثت معه بصراحة بالغة وفي شتى المواضيع وكان بيت القصيد في المحادثات العلاقات الايرانية العراقية ، قلت له : اذا كنت مغتاظا من الخروج من العراق فان ذلك قد مهد لك من الاتصال بالصحافة العالمية ما لم تستطع ان تفعله في النجف ، اذن كان خروجك من العراق لمصلحة الثورة الايرانية . ان الحكومة العراقية قدمت لك ولحاشيتك من العون طيلة 15 عاما ما لم تقدمه اية حكومة اخرى في العالم لللاجئين السياسيين ، وانت اليوم في سدة الحكم في ايران ما تزال محتاجا إلى مساعدة العراق فاذا تريد بناء ايران فلا تعادي الجيران ولا سيما اقربهم إلى ايران ثم اقول لك ما عدا مما بدا ان رسائلك الموجهة إلى المسئولين العراقيين لازال حبرها لم يجف بعد وها انت الذي كنت تختمها بالدعاء والتوفيق والنصر لحكومة العراق رئيسا وشعبا واليوم يسمع منك العراق ما يناقض ما قلته وخطته بيمينك في الامس ، ان هذا التناقض في القول والعمل قد يصدر من ممتهن السياسة البحتة ولاعجب ولا غرو اما من زعيم ديني فيحير العقل ويربك النفس ، كان جوابه ماذا فعلت حتى تقول لي هذا الكلام فعددت له الكثير من الممارسات العدائية الي مارستها الجمهورية الفتية ضد العراق بما فيها البرقية الجوابية للرئيس العراقي احمد حسن البكر وما تضمنتها من جفوة وقسوة في الكلام ، فقال كانت نصيحة فكان جوابي التحية ترد باحسن منها او مثلها كما تقول الآية الكريمة ولا ترد بالكلام الجارح ، ثم اعلم الجار ما من صداقتها بد . قال : وزراء خارجية البلدين يتحدثان بينهما لحسم المشاكل وانا انتظر التقرير من وزير خارجية ايران .
قلت : ان مايدور في اروقة وزارة خارجيتكم تضييع للوقت وتبديد للامال وانت تعرف هذا جيدا انا اضمن لك اذا قبلت اقتراحي ان يكون العراق نصيرا لايران وعونا وسندا وظهيرا لها في حاضرها ومستقبلها . ثم قال … وقلت "1" … وعرجت بعد ذلك إلى الاشاعة التي كانت تدور رحاها في ايران من انه ينوي ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية ، وقلت : حصلت الهند على استقلالها وبنفوسها البالغة 600 مليون هندوسي ومسلم بفضل مهاتما غاندي دحرت اعظم امبراطورية عرفها تاريخ الانسان ، وبعد ان استقلت الهند ، ارتفع غاندي عن قبول أي منصب بل كان مقامه اشمخ من ان يعرض عليه منصب ومقام وانصرف إلى رسالته الاساسية وهو التوحيد بين مختلف القوميات في الهند لبناء الهند الجديد ، والتاريخ يخلد غاندي لانه اسس اكبر دولة ديموقراطية في التاريخ الحديث وهو لم يغتنم منها جلد شعيرة .
انك لو بقيت على وسادتك كمرشد للثورة وكزعيم روحي للامة ولم تطلب لجهادك جزاء ولا شكورا فان رؤساء الجمهورية سيصطفون على بابك وستدخل في التاريخ من اوسع ابوابه .
قال : كلا ، لم ارشح نفسي للرئاسة ولا اريد جزاءا ولا شكورا .
ومع ان الرجل التزم بكلامه هذا وامتنع عن ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية الا انه رشح نفسه للولاية المطلقة والامامة العظمى ونال ما اراد ، فقد جعل نفسه بنص الدستور الجديد حاكما بامر الله على العباد والبلاد يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهكذا جعل من الدستور الايراني اضحوكة وسخرية وهراء وعبثا تضحك الثكلى ولولا ان التاريخ قد يكشف للاجيال القادمة التزوير الذي اقر في ظله هذا الدستور المهين للانسان والانسانية واهانة كرامة الامة الايرانية في حاضرها ومستقبلها لكانت الاجيال القادمة تعلن في اناء الليل واطراف النار آباءا وامهاتا واجدادا وجداتا اقرت العبودية والرقية والذلة لشعب باسره ونصبت عليه ولاة طغاة جناة جفاة في رداء الاسلام ولبوس الدين لا يفقهون من الحق شيئا ولا يجدون اليه سبيلا .
لقد خرجت من عند هذا الرجل وقد لمحت فيه آثار الارهاق والنسيان وعدم الاتزان في التفكير بما في ذلك روح اجرامية نمت وترعرعت لم نكن نعرفها من قبل . ورأيت ابنه احمد في قارعة الطريق وكانت من الاسئلة التي وجهتها اليه كيف ذاكرة ابيك فقال : لاشيء ، ثم اضاف قائلا انا السيد والسيد انا ، وقلت انا اتنفس الصعداء ، وعلى ايران السلام وعلى الاسلام في ايران السلام . ولاحمد هذا من العمر 28 عاما ، اما مبلغه من الثقافة فهو خريج المتوسطة .
وفي مشهد الرضا عليه السلام التقيت بالامام الشريعتمداري واعرب لي عن اهتمامه البالغ بالعلاقات بين العراق وايران وقال انه يتمنى من كل قلبه ان تسود العلاقات الاخوية الصادقة وحسن الجوار بين البلدين ولو كان بوسعه لعمل بكل ما اوتي من قوة وجهد في هذا السبيل الذي فيه رضا الله ورضى رسوله ومصلحة الاسلام والمسلمين .
وفي طهران زارني السيد داريوش فروهر وزير العمل في دولة بازركان ورئيس حزب الامة ليخبرني بحديث مخيب للامال قال الوزير داريوش : ان مجلس الوزراء برئاسة بازركان بحث مقترحاتكم للتقارب مع العراق وفتح صفحة جديدة في العلاقات مزدهرة ونافعة ، وكان بازركان متحمسا للفكرة اشد التحمس ويورد الدليل تلو الدليل لمصلحة التقارب والتعاون مع الجيران ولا سيما العراق واكثر الوزراء كانوا متحمسين ايضا واتخذ مجلس الوزراء بعض القرارات المناسبة لمثل هذه الخطوة ، الا انه لم يمض يومين على تلك المحادثات واتخاذ القرارات حيث طلبني الخميني إلى قم على عجل وعندما بلغت مجلسه لم يمهلني الكلام بل بدا الحديث بغضب انفعال وقال لي : بلغ بازركان لقد بلغني تحمسك في التقارب مع حكومة العراق فوالله لو مددت يدك إلى الرئيس العراقي صدام حسين لقطعتها .
واختم هذا الفصل بسرد حديثين متناقضين سمعتهما من بني صدر احدهما قبل رئاسته والاخر بعدها كي اثبت مدى توغل الخميني في اشعال الحرب ضد العراق ومسئوليته الكاملة لهذه الحرب امام الله والتاريخ ، لقد قال لي بني صدر قبل ان ينتخب رئيسا للجمهورية ، هل رأيت كيف ان الخونة لم ينتصحوا بنصحك عندما نصحتهم في التقارب مع العراق ، فلماذا هذا العداء ونحن بحاجة ماسة إلى الاصدقاء لبناء بلادنا وحل مشاكلنا الداخلية ، ولكنهم يريدون تحطيم ايران . ودارت الدوائر واصبح بني صدر رئيسا لايران وذلك بعد شهر من ادلائه بهذا الكلام واذا به يفاجئني في اول لقاء معه في داره بقوله " لابد لنا من محاربة العراق " ومع انني عرفت فورا ان هذا الكلام انما هو من ايحاء الشيخ العجوز وهو مرغم على الادلاء به ، الا انني خرجت من طوري واجبته بلهجة قاسية ان جيشك لايستطيع العبور من قصبة سنندج منذ عام فكيف تريد ان تحارب اقوى دول المنطقة ، ثم اضفت وما عدا مما بدا ، فطأطأ الرجل رأسه ولم ينبس بكلام ، وهكذا خطط الخميني لحرب الاحقاد فكانت .
"1" اعدام الخميني قطب زادة في العام المنصرم بعد ان اتهمه بالمؤامرة للاطاحة به .
"1" راجع الخميني والمتناقضات .
"1" راجع فصل الخميني في الميزان .
تصدير الثورة
¯ المباديء الستة عشر التي يريد الخميني تصديرها .
¯ فلسفة الثورة الخمينية .
¯ التكرار واللايعني .
¯ الخمينية قبرت .
¯ الارهاب لازال قائما .
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104))
تصدير الثورة
لقد وجهت إلى الخميني عبر خطاب اذاعي هذا السؤال :
ماهي العبقريات التي تريد تصديرها إلى العالم ؟
1- الفوضى والدمار الشامل في كل شؤون البلاد .
2- اعدام الفتيات المراهقات والشباب الذين لم يبلغوا سن الحلم .
3- اعدام الشيوخ الذين تجاوزوا الثمانين او بلغوا التسعين .
4- اعدام النساء الحوامل .
5- الحرب الاهلية .
6- الحرب مع الجيران وقتل الاخوة المسلمين .
7- قتل الشعب من ابناء القوميات المختلفة بالالاف .
8- الانهيار الاقتصادي في كل مرافق الحياة .
9- المحاكم الثورية التي تحكم بالاعدام 100شخص في 100دقيقة .
10- خمسة انواع سجون وخمسة انواع محاكم وخمسة انواع قوى تنفيذية .
11- ثلاثون الف سجين سياسي .
12- اربعة ملايين عاطل عن العمل .
13- ثلاثة ملايين منكوبي الحرب .
14- التضخم بمعدل 400 في المائة في خلال سنتين .
15- اغلاق الجامعات لمدة غير معلومة .
16- انهيار عملة البلاد إلى 500 في المائة من سعرها الرسمي .
ثم اضفت قائلا : لا اعتقد انه توجد مقبرة من المقابر الدّراسة في العالم تقبل بتصدير ثورتك اليها فانها تكدر حتى صفو الاموات ، كيف وبالاحياء .
لقد شهد العام ثورتان عملاقتان في تاريخه الجديث غيرت مجرى التاريخ الانساني احدهما الثورة الفرنسية التي استلهمت اصولها من النظام الديمقراطي الانكليزي 1781 – 1791 واسقطت ملوكا وتيجانا واغرقت اوربا في ثورات اهلية استمرت سنوات طوال وادت في اخر المطاف إلى الديمقراطية التي تتمتع بها بلاد كثيرة في اوربا .
والثورة العملاقة الثانية هي الثورة البلشفية التي اسقطت النظام القيصري في روسيا ، ثم اجتاحت العالم شرقا وغربا فبلغت تخوم الصين في اقصى الشرق وبلغت مشارف نهر الراين في ادنى الغرب واكثر من ثلثي العالم يحكمهم النظام الشيوعي في الوقت الراهن ، ولكل من الديمقراطية والشيوعية مبادئها ومزاياها الخاصة بها وقد الفت مئات الكتب في فلسفة كل من النظامين الحاكمين على المجتمع البشري ، واليوم يسمع العالم ولاول مرة ثورة جديدة تسمى بالخمينية ، يدعي الخمينيون انها ستجتاح العالم في غضون بضع سنوات ، وهذه الثورة تتمثل في النظام الحاكم في ايران وما تصدر عنه من شر ونكر وبلاء ومحنة على منطقة الشرق الاوسط بكاملها ولا تحتاج الثورة هذه إلى كتب فلسفية تؤلف عنها ولا إلى دعاة يدعون اليها ، فالنكبات العظيمة التي حلت بايران في ظل النظام الثوري تحكي عن مغزى تلك الثورة التي تنتظر الزمرة الخمينية بسطها على العالم باقل من بضع سنوات ، ان مايريد الخمينيون بسطه على العالم هو النازية والفاشية في تعابير الدين وقيم السماء ينفذها حراس الثورة الاسلامية بدلا من كستابو النظام الهتلري ورجال في لبوس الدين بدلا من اس اس الامام ادولف هتلر ، لقد استطاعت النازية والفاشية قبل الخمينية ان تسيطر على مرافق الحياة في المانيا وايطاليا ولكنها لم تستطع ان تصدرها خارج حدودها ، واذا كان هتلر وموسوليني لم يستطيعا بسط سلطانهما على خارج حدودهما وورائهما شعبان عملاقان معبئان بكل الطاقات اللازمة لتصدير النازية والفاشية فهل يستطيع شيخ عجوز بلغ من السن عتبا وحوله اقزام وشراذم من سفلة المجتمع ، ان يرغموا امة الاسلام لقبول مبادئهم الهدامة التي ستقبر قبل ان تجد إلى النور سبيلا .
ان من يمعن النظر في ثلاثة الاف خطاب اذاعي وتلفزي القاه مرشد الثورة الايرانية منذ استيلائه على الحكم حتى الان والتي طبعت في عشر مجلدات ضخمة يعرف ان الهذيان وسخف القول كيف وجد إلى عقول الامة سبيلا واصبح اللايعني شيئا في نظر امة لها من الحضارة 25 قرنا.
ماذا قال الخميني في هذه المجلدات العشرة ؟ وكيف ملاء النفوس بهذا الفراغ الفكري المطلق ؟ انه معجزة الرجل . بل معجزة القرن . ان يتخبط انسان في القول ويهذي ما استطاع إلى الهذيان سبيلا ، ولكنه في الوقت نفسه متربع على منصة الارشاد وله زمرة تاتمر بامره وتنتهي بنهيه . ان من يقرأ تلك المجلدات الضخمة التي تحتوي على خطب الخميني يعرف جيدا ماذا اعنيه وماذا اقوله ، فهذه المجلدات الضخمة تحتوي على تعابير مكررة ركيكة باللغة الفارسية وفيها جمل ملحونة بالعربية ، وفي مجموعها تكرار لاسم الاسلام مائة الف مرة .
وتكرار لجملة دم الشهداء 50 الف مرة .
وتكرار لعبارة الشيطان الاكبر 30 الف مرة .
وتكرار لعبارة لا شرقية ولا غربية 20 الف مرة .
وتكرار لاسم محمد رضا بهلوي 10 آلاف مرة .
وشتائم وسباب على اعداء الثورة الاسلامية 5 آلاف مرة .
ثم لاشيء ولا شيء ولا شيء بل سخف في المنطوق والمفهوم معا .
وهنا اكرر القول مرة اخرى واقول بصراحة بالغة ان على المصلحين من رجال الاسلام ان لاتشغل افكارهم تصدير الثورة الخمينية فانها اوهن من بيت العنكبوت ، ولكن الخطر المحدق بالاسلام هي الخمينية كمدرسة ارهابية دينية لها انصارها منذ قديم الزمان ، وسنفرد لهذا الخطر المبين فصلا خاصا في هذا التأليف بعون الله وحوله وقوته .