غليان في إيران
تتسارع الاحداث في إيران على درجة من السرعة تحير المتابع، وما أعلنته في قناة الجزيرة قبل عامين في الاتجاه المعاكس جاءت الحوادث اللاحقة ليس فقط لتصدقه بل لقد طفت أسرار على الساحة كانت خارج التوقع بالنسبة لمن لم يكن يتابع الأمور، وأما آخر هذه الوقائع فهو ما حدث في مدينة خرم آباد حيث ذهب د. عبد الكريم سروش ومحسن كديور الاصلاحيان لإلقاء كلمة هناك في 24\8\00 في مخيم صيفي أقامه مكتب تحكيم الوحدة – الحركة الطلابية- ولما نزلا من الطائرة ألقي القبض عليهما وبعد أخذ ورد طويل أعيدا من حيث أتيا وقد تبع ذلك تظاهرات وقتل وأصدر مكتب تحكيم الوحدة بيانا ذكر فيه ما يلي:
إن حوادث مرة وقعت في خرم آباد وهي نكتة سوداء تسجل في التاريخ ، إن منع فئة ضالة-يقصد أصحاب الهراوات من أوباش ما يسمى بحزب الله- لإثنين من كبار أساتذة الجامعة من القاء كلمتهما وتهديدهما بالقتل وضربهما من هذه الحوادث المرة .
والسؤال الذي يطرح نفسه هو : الى متى يجب أن تستمر محافل المؤامرات وفئات الإفساد في هذه الدولة بحيث تستمر في جرائمها بحماية من مافيا السلطة السوداء.
إيقاظ: منذ يوم الجمعة 25\8\ الى 28\8\00 كانت أيام انتفاضة هذه المدينة وقد حدث ما يلي:
الشعارات التي هتف بها المتظاهرون كانت هي نفسها كما في السابق –قبل شهرين- ويكفي في ذلك أن تستمع لبيانات مشكيني ورفسنجاني وخامنئي بمناسبة جلسة مجلس القيادة، وكان لب هذه الشعارات المخالفة والتنديد بخامنئي كقائد لمنظمة الاغتيالات ، كما أن عشرات من الناس والطلاب قد أصيبوا بجروح من جراء مهاجمة مرتزقة النظام بالهراوات ، كما هوجمت الحافلات التي كانت تقل الطلاب من خرم آباد، وجرح كثير منهم ، وكالعادة ألقى القبض على الطلاب والناس ، ولذا طلب مكتب الوحدة من خاتمي التوقف عن المجاملات كما حمل المسؤولية لرحيم صفوي قائد الحرس والمسؤولين المحليين تابعين له.
أما جناح العنف والهجوم في الشوارع من منظمة الاغتيالات فقد حاصر مقر المحافظة –حيث كان فيه سروش و كديور- وهاجموا بحماية من قوى الجيش الناس الذين قاموا ضد استبداد ولي الفقيه ، وقتل عسكري على يد أصحاب الهراوات الذيك كانوا مدججين بالذخيرة الحية ولم يعرف من هو القاتل –كالعادة-.كما أن المحافظ الاصلاحي هوجم من قبل أصحاب الهراوات من جناح العنف لما كان يشارك في تشييع جنازة المقتول.
*جناحا النظام: صرح د. معين وزير التعليم العالي أن هناك عزم على اشعال العنف والتوتر في الجامعة وفي العام الدراسي الجديد ، كما أن وفود قد وصلت الى مدينة خرم آباد من طرف كل من الشاهرودي –رئيس السلطة القضائية- والأمن الوطني و أمن الدولة. وفي 31\8\00 أعلن يونسي –وزير الاستخبارات- بأن مشكلة خرم آباد انتهت بشكل كامل!!!إذاً بناءاً على تصريحات خاتمي وربيعي فإن حوادث خرم آباد والحكم على الجرائد والتوقيفات تثبت أن البنود الثمانية لمؤامرة منظمة الاغتيالات قد عُمل بها.كما أعلنت الجبهة المتحدة للطلاب أن 163 من رجال الدين من الطائفة الشيعية وغيرهم مسجونون لارتباطهم بآية الله منتظري 23\8\00.كما مر 80 يوما على سجن الطلاب دون محاكمة ، والسنة الثالثة لعدد من الطلاب والدعاة من أهل السنة في مدينة إيران شهر وهم قابعون في السجون.
خطة اغتيال آية الله منتظري وكديور:
كديور هو الذي ألف كتاباً رد فيه على أصل ولاية الفقيه الذي أصبح لدى النظام مبدأ الولاء والبراء كإمامتهم المختلقة ، ونشرت صحيفة انقلاب اسلامي 487 : بناءاً على خبرين وصلا إلينا أن منظة الاغتيالات تنوي اغتيال آية الله العظمى منتظري وكديور وأن رفسنجاني هو الذي يصر على أن الحل هو الاغتيالات من جديد ،لكن خامنئي يفضل الاغتيالات الجماعية، كان من المفترض في 6\8\00 عندما أصدر خامنئي حكمه الولائي –ما أسماه بالحكم الحكومي! - وهو مصطلح سياسي فقهي اختلقه النظام مؤخراً، فإذا لم يوافق النواب يجب قتل عدد منهم، وبناءاً على الاخبار أنه رضي باستسلام المجلس لكنه لم يزل غاضبا لعدم اغتيال المعاندين!!! (المخالفين السياسيين).
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على طريقة حزب الله الشيعية:
إن عناصر ما يسمى بحزب الله أو العناصر السذج الذين يستغلهم رجال الطائفة الحاكمة أساءوا الى الدين بتصرفاتهم الهمجية إساءة لا تعادلها إساءة من خلال عقدين من الزمان، مما أدى الى أن ينبذ كثير من أبناء الطائفة الدين و يعودوا الى الثقافة المجوسية والعلمانية. ففي حوادث خرم آباد تتكلم إحدى الطالبات وهي ملطخة بالدماء نقلا عن د. نوري زادة على موقعه في الإنتر نت 29\8\00 بأنها عادت مع زميلاتها من مخيم خرم آباد وفي مدينة بروجرد صعد أوباش ما يسمى بحزب الله الى الحافلة، ورأوا أن طالبان في المقدمة وبقية الطالبات في الخلف فصرخ عليهن أحدهم بقوله : أيها المومسات ألا تخجلن من الركوب مع الرجال الأجانب!!! وكان يضربهن بالهراوات واللطمات على رؤوسهن غافلين أن لمس جسم النساء هو نفسه منكر! فضلا عن ضربهن دون حكم محكمة!!!
تساؤل في جلسة المتفلسف الشيعي كان أسهل مع د. القرضاوي:
ألقى د.عبد الكريم سروش الفيلسوف الاصلاحي المتصوف محاضرة بمناسبة ذكرى وفاة أية الله طالقاني في لندن ، وذكر مما ذكر أشياء وأشياء ، وحضرت في هذه المحاضرة التي حضر فيها قرابة 60-70 مستمعاً في جامعة لندن في يوم الجمعة 12\8\00.
ذكر في المحاضرة أن طالقاني كان قريبا من جو أهل السنة ومتأثرا بتفسير سيد رشيد رضا ومحمد عبدة اللذان كانا تلميذا السيد جمال الدين الأسد آبادي ، وسألته بعد المحاضرة حيث هناك دقائق معدودة للسؤال والجواب علنا، خلافا لما يحدث مثلا مع بعض الدعاة السنة ، فعلى سبيل المثال لما ألقى فضيلة الدكتور القرضاوي محاضرة في العام الماضي في المسجد المركزي فأرسلت اليه السؤال التالي: لم زرتم إيران بعد 19 سنة من الثورة في جلسة التقريب أي بعد تحسن العلاقات الإيرانية-الخليجية ، فإذا كنتم تريدون الوحدة فلم الآن وليس من بداية الثورة ؟ فمنع السؤال ولما سألت المقدم لماذا لم يعرض السؤال قال : قال لي الشيخ لا تسألني هذا السؤال ، وأما هنا مع هذا الشيعي الذي أصبح اليوم من الاصلاحيين وينظرون اليه كمنظر جديد سألته : بأنكم معشر المتنورين الدينيين –هكذا اصطلح على تسمية هذه الفئة في إيران- أدخلتم إيران في دوامة، جاء شريعتي ومهد لتسلم رجال الدين السلطة وأنتم الآن تريدون إبعاد الدين عن السلطة ، لم هذه الدوامة ، بدل أن تصلحوا في هذا الدين نفسه –المذهب الإثنا عشري- وتعودوا الى الفكر الاسلامي الصحيح، ولم يجد جوابا وقال هذا أيضاً رأي من الآراء !!! وكما ترى فإن السؤال محرج أكثر بكثير من السؤال لدى الشيخ القرضاوي ، وكلاهما فيه الحق دون تقية ومجاملة. وأما في هذه الجلسة الأخيرة فوجهت اليه السؤال التالي: إن آية الله طالقاني كان بسبب ضلوعه في النضال السياسي سكت عن كثير من البدع والخرافات والإصلاح العقدي والديني ، فعلى سبيل المثال لما توفي كان النظام يريد أن يبني على قبره قبة ومزاراً فأصدر أولاده بيانا يخبرون فيه بأن والدنا كان يعد هذا نوعا من الشرك ، وأعلنت الإذاعة ذلك وقتئذ، ثم إن طالقاني قال لآية الله برقعي الذي لم يترك شيئا للتشيع ورجال الدين الشيعة في كتاباته إلا وهدمه ، قال له: ما تقوله حق ولكننا لا نرى المصلحة في إظهاره[1][1] وإن تجربة الثورة الإيرانية أثبتت فيما بعد أن الإصلاح الفكري والديني مقدم على النضال السياسي ، ثم السؤال الآخر ، لِمَ هذا التركيز من قبل المثقين الاسلاميين الايرانيين بأن جمال الدين من أسد آباد[1][2] مع أن الرجل أفغاني وقبره في أفغانستان وكان حنفي المذهب[1][3] ، ثم ان تفسير رشيد رضا الذي تستند اليه هو سلفي المذهب[1][4] في كثير من المسائل ومتأثر جداً بآراء شيخ الاسلام أحمد بن تيمية فما دخل هذا بالسيد جمال الدين.
فكان جواب الفيلسوف بأن بعض إخواننا السنة يبدون حساسية زائدة تجاه القبور وهذا اتجاه انحرافي في النضال[1][5] وإني لا أريد مناقشة هذا القول عن التفسير.
إنه ذكر تفسير رشيد رضا لإثبات دعواه بأن طالقاني كان يريد العودة الى القرآن وله مختارات في تفسير القرآن وهذا كلام صحيح وهو الذي كان قد أثر على مجاهدي خلق وأخرجهم من اليسار الى المذهب ، ولكن جاء خميني بغلوه وتطرفه وألجأهم مرة أخرى الى ما لجأوا اليه من التشدد والغلو.
لكن ما يحز في نفسي وقلبي هو كيف يمكنني طرح أسئلتي ببعض من الحرج والحرية في جلسات الروافض الذين أكافحهم ولا يمكنني ذلك مع دعاة التقريب هؤلاء الذين أصبحوا ، علماً أن سروش وأمثاله محاربون من قبل النظام ، وما يريد أنصار التقريب الاقتراب منهم هم جلاوزة النظام ورجال دينهم الذين جعلوا أنصار التقريب من السنة سلماً لنشر التشيع في العالم وثم يرمونهم كمنديل مهترئ بعد نفاذ مهمتهم وقت ما يشاؤون كما حدث مع شخصيات كثيرة في لبنان وباكستان وأفغانستان وغيرها.
خاتمي يدين السلوك الداخلي تجاه امريكا:
أعلن خاتمي بعد عودته من جلسة الألفية من نيويورك في جواب لصحفي سأله عن تغيير برنامج الرئيس الأمريكي ووزيرة خارجيته والجلوس لاستماع كلمته وتأثير ذلك على العلاقات الأمريكية الإيرانية ، قال : يجب علينا قبل أن نتكلم عن سلوك الآخرين أن ندرس سلوكنا ! أي أنه يدين ما يحدث في الداخل من الأعمال الاستفزازية التي تثير حفيظة العالم.
قناة الجزيرة وفخ التقريب ومصيدة الإمامية:
نتابع ما ذكرناه في العدد السابق عن هذا الموضوع: شكر الضيف برنامج الشريعة والحياة بادئ ذي بدء على عقلانيته ووسطيته وظهر بعبائة خليجية وصلى على الصحابة .
إيقاظ: هذه مجاملة عادية لا بأس بها لكن العباءة الخليجية التي لبسها ومن قبل لبسها خاتمي في الخليج لا يتجرأون على لبسها في ايران ، حيث هم متمسكون بعباءتهم الخاصة، وفي هذه نكتة للمعتبرين ، وأما الوسطية والعقلانية التي يتكلم عنها محمد سعيد نعماني : فقد كانت جمهوريته الاسلامية المبنية على مذهبه أحرى بها ، حتى لا يحذف-مثلا- من كتب د. قرضاوي كل ما يمت بصلة الى العقيدة من صلة بعد ترجمتها من قبل السنة ، فضلا عن المآسي الأخرى التي دمرت البلاد وأهلكت العباد ، من الشيعة والسنة ، أما الوقفة الثانية ، فهي صلاته على الصحابة الذين يعتقد هو ومذهبه بتكفيرهم ، ولا يصلي عليهم في ايران وفي تجمعات شيعية كما جربتها مرارا وتكرارا اللهم في تجمعات سنية كنوع من التقية ، دع عنك ما يبثه الاعلام الايراني المرئي والمقروء ضد الصحابة حيث تصورهم كلصوص اجتمعوا حول النبي صلى الله عليه وسلم وسرقوا الخلافة وحرفوا الدين ، خذ مثلا فلم إمام علي الذي يبث في كل عام في شهر رمضان من 19 الى آخر الشهر، واغتيل عدد من علماء السنة لمجرد اعتراضهم على انتاج وعرض الفلم في مجالس خاصة . ثم يأتي هذا المتقي!! ويصلي عليهم ليكسب السذج ويخدع الجهال.
س: سأل الاستاذ ماهر عبدالله مقدم البرنامج عدد من الاسئلة نختار بعضها وأجوبتها وتعليقنا عليها.
س1. كيف انتقلنا من حال الرجل الواحد –النبي صلى الله عليه وسلم- الى حال أن يذبح بعضنا بعضا !
ج. أي رسالة تبدأ من الشخص الواحد وبعد أن تتوسع من الطبيعي جداً أن تحدث كثير من الخلافات ، وأتصور أن القضية طبيعية جداً ومن السنن الإلهية وحتى الرسالة الاسلامية ليست بدعا في هذا المجال ونحن لو لاحظنا كل المسيرة البشرية لوجدنا هذا النوع من الاختلافات في فهم بعض جوانب الرسالة.
إيقاظ: هذا اختزال مخل بالموضوع ، صحيح أن الخلاف من الطبيعة البشرية ، ولكن السؤال كان لماذا وصلنا الى الذبح، ولم التفلسف ؟ أولا : إن القرآن امر الأمة بالاعتصام بحبل الله وعدم التفرق والتشرذم، قال تعالى : "لا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا" إذاً التفرق في الدين من دأب المشركين ولا يجوز الاختلاف في الدين والعقيدة وإنما الخلاف في الأمور الفرعية هو من طبيعة البشر ، فلم اختزال القضية وسحب الامور الفرعية التي يجوز الخلاف فيها الى ما لا يجوز الخلاف حوله .هل يجهل الضيف ذلك ؟
ثم ما هو سبب الذبح الذي يسأل عنه مقدم البرنامج، هناك أسباب داخلية وخارجية ، فالأسباب الداخلية هي ما لعبه المنافقون من دور بارز في إيقاد واشتعال النار بين الطرفين في حرب الجمل ولعب ضلال الخوارج دوره في حرب صفين ، أي أن هناك ضلال عقدي لدى الخوارج الذين كفروا عليا وهناك فئة بن سبأ اليهودي وأنصاره من المجوس الذين اغتالوا بتعاون مجوسي يهودي الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ثم أثاروا الفتن ضد عثمان وقتلوه وهم الذين اندسوا في جيش علي رضي الله عنه ثم سبب الذبح هو دخول الفلسفات البائدة عبر المعتزلة وظهور الفرق الضالة ومنها الرافضة بعد ذلك الذين تشربوا بآراء معتزلة في الصفات الى أن جاء غلوهم فيما بعد أكثر فأكثر حتى ترك الشيعة الأولى هذا الاسم الذين لم يكونوا يختلفوا مع غيرهم من المسلمين الا في الاشخاص وليس في الدين والايمان والتوحيد، خلافا لما حدث بعد ذلك .
كيف نفعل كل هذا بمجاملة باردة وتقية سياسية ونعدها من "السنن الالهية وأن القضية طبيعية جداً" زد على ذلك الابتعاد عما كان عليه الصحابة بقوله صلى الله عليه وسلم عدا الفرقة الناجية : قيل ما هي يا رسول الله قال الجماعة، وفي رواية اخرى بما أنا عليه اليوم وأصحابي،
س: أنا أتفهم موضوعية ان يحصل اختلاف وهو من طبيعة البشر في سقيفة بني ساعدة حدث نوع من الاختلاف ولكن حلها بنوع من النقاش ، بعد ذلك مباشرة انتقلنا الى السيوف وعهد السيوف استمر، الدولة الأموية جائت بما يشبه الانقلاب والعباسية عمليا كانت انقلابا والانقلاب لم يكن سلطوي فقط وليس سعيا الى السلطة، ولكن دعم لاحقا بآراء مذهبية واجتهادات تبرر وجودي في السلطة ونبذك منها؟س: كيف حصل هذا التحول ؟
ج: أنا أتصور أن المذهب والدين بشكل عام نبرر ساحته من الكثير مما حدث ، صحيح أنه في كثير من الاحيان قد تلبس القضايا لباسا مذهبيا ودينيا يستغل الدين والمذهب لتدعيم سلطة ما ورؤية سياسة ما ، ولكن القضية في حقيقتها ليست صراع مذاهب، والدليل على ذلك أن العلاقات كانت بين الفقهاء ورؤساء المذاهب الاسلامية من أروع ما سجله لنا التاريخ من علاقات ودية واحترام الآراء، وطرحوا مبادئ لا زالت حتى في عصرنا الحاضر وبعد هذه القرون المتمادية أنها مشاعل مضيئة في مجال حرية الفكر والرأي واحترام الآراء الاخرى .
إيقاظ: هذا تلبيس كبير على المشاهد، لأن الحق يجب أن يقدم ناصعا أبيضا دون غلاف من التبجح ، فإذا كان صراع السلطات سياسيا لأجل السلطة فهذا جانب من الحق ولكن الحق أيضا أن هذه السلطات استغلت الآراء المذهبية الموجودة، فما هي فتنة المعتزلة ومن قبلها فتنة الخوارج ومن بعدها فتنة الروافض ، كلها آراء مذهبية ولها أصحابها وأتباعها، ومن طبيعة كل سلطة سياسية غاشمة استغلال الوضع القائم علما أنه ينددون بالسلطات هنا لأنها سنية ويكفرونها وإلا فهم يثنون السلطات الشيعية في التاريخ التي لم ير التاريخ الأسلامي أظلم منها وأكثر دموية وبطبيعة المذهب، ولكن على كل حال ان الصراع الفكري والمذهبي والعقدي له نصيب كبير في الامر ، وفتنة المعتزلة أكبر شاهد على ذلك، أما الاستدلال بالعلاقات الودية بين الأئمة الفقهاء فهناك أكثر من نقطة ،وأكثر من تلبيس،
أولا: هؤلاء الفقهاء لم يختلفوا في الدين والتوحيد والعقيدة كالصحابة تماما، وأنما اختلافهم في الرأي في المسائل الفرعية، وكلهم من أهل السنة والجماعة.
ولم يخرجوا عن دائرة الكتاب والسنة خلافا لما يرمي اليه ، فعلى سبيل المثال الإمام جعفر الصادق المكنى بأبي بكر لم يكن رافضيا ، وله نقاش وجدال مع الروافض وطبع ذلك في كتاب مستقل ، فضلا عن أن الإمام الصادق صادق وهم الكاذبون، بدليل أنه لم يكن يعتقد بما يعتقده الاثنا عشرية اليوم، ومنها الامامة والعصمة ، وما الى ذلك من مفردات الاثنا عشرية، وأما عن حرية الفكر التي يستند اليها فهذا صحيح بين أئمة الاسلام، ولكن التلبيس كل التلبيس أن يستند اليها الاثنا عشرية المؤمنون بكفر مخالفيهم قلبا واعلان خلاف ذلك تقية كما صرحوا في جميع مصادرهم.
والواقع الايراني يشهد بأن الاثنا عشرية لا يريدون احتراما للرأي الآخر ، وبل أصبح الولاء والبراء بأهل ولاية الفقيه الذي لم يكن يعرفه الاثنا عشرية قبل هذا الخميني، فضلا عن مؤامراتهم في السر والعلن ، فقتلوا عشرات من علماء السنة ويدعون حرية الفكر، يبدو أنهم سبقوا غوبلز الألماني في المكافلية ، إن هذا المذهب الذي أصبح الاغتيال من أصوله القديمة والحديثة والافتراء من وسائله ، ويتكلم أصحابه أمام الرأي العام بناءاً على مبدأ التقية عن احترام الرأي المخالف، فلم أذن ثلاثة ملايين ايراني مشرد في الغرب ، وقرابة 800 اغتيال سياسي و 500 شيخ من طائفتهم فضلا عن السنة –مسجونون في بيوتهم-، وقتل عدة آلاف خلال ثلاث ليالي بعد توقف الحرب !!!ولكن إذا لم تستح فقل ما شئت.
لماذا يتراجع الايرانيون عن الالتزام الديني؟
الأرقام التي أذاعها رئيس الشؤون الثقافية في بلدية طهران الشيخ محمد علي زام ، مؤخرا ، عن نسبة الالتزام الديني لدى الشعب الإيراني وخاصة الطلاب والشباب ، فيما يتعلق بأداء الصلاة والإباحية الجنسية والإدمان على المخدرات ، أحدثت نوعا من الصدمة والدهشة والذهول لدى المراقبين والإسلاميين خارج الجمهورية الاسلامية الإيرانية ، وأثارت قلقا شديدا على مستقبل التجربة الاسلامية الرائدة في القرن العشرين ، ودفعتهم للتفكير وإعادة النظر في مخططاتهم الحركية وبرامجهم للحكم في المستقبل ، فقد كان الإسلاميون في أواسط القرن الماضي يتجادلون فيما بينهم حول الطريقة الفضلى لإقامة المجتمع الاسلامي وفيما اذا كانت التربية قبل مرحلة السلطة ؟ أم السلطة قبل مرحلة التربية ؟ وجاءت الثورة الاسلامية في ايران في نهاية السبعينات لتحسم ذلك الجدل الطويل بعد انضمام قطاعات واسعة من الشعب الإيراني الى المشروع الاسلامي وخضوعها لقيادة رجال الدين ودعمهم في اقامة حكم إسلامي ، وكان ينتظر ان يواصل رجال الدين الذين استلموا السلطة في ايران أسلمة ما تبقى من المجتمع والقضاء على جذور الفساد والانحلال والانحراف ، الا ان الأرقام التي أذاعها المسؤول الثقافي الإيراني ، وكشف عنها خلال مؤتمر صحفي يعد الأول من نوعه من حيث الشفافية والصراحة والنقد الذاتي ، أشارت الى تراجع نسبة الالتزام الديني لدى غالبية الشعب الإيراني وخاصة الشباب حيث تجاوزت نسبة غير المصلين الثمانين بالمائة ،وتجاوزت نسبة الإباحية الجنسية الستين بالمائة وبلغت نسبة المدمنين على المخدرات العشرين بالمائة ، وهي أرقام مرعبة حقا في مجتمع إسلامي تحكمه حكومة دينية تسيطر فيه على وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون ، ويوجد فيه حوالي نصف مليون رجل دين.
ورغم ان الحكومة الاسلامية بذلت عناية فائقة في إعداد برامج دراسية دينية للأطفال منذ نشوئهم في المدارس الابتدائية وغيرها الا ان حصيلة تجربة عقدين من الزمن كانت ابتعاد الشباب والطلاب عن الدين بنسبة عالية جدا .
واذا كان الحديث بصراحة عن المشاكل الثقافية والاجتماعية خطوة إيجابية وشجاعة نحو حلها ، فان السؤال الذي يفرض نفسه هو : لماذا أخفق النظام الاسلامي في تعبئة الشباب ورفع مستوى الالتزام الديني لدى الجيل الجديد؟ وهل يمكن القول ان النظام الاسلامي فشل في إنتاج جيل يحافظ على مسيرة الثورة ويواصل حمل مشعل الاسلام؟ وما هو مستقبل هذا النظام في ظل تلك الأرقام المرة؟
لا شك ان نسبة معينة من التحلل الديني والأخلاقي ، قد تزيد او تنقص ، موجودة في كل مجتمع إسلامي ، وان نسبة معينة من الإباحية الجنسية ذات علاقة بمستوى الفقر في أي بلد ، كما ان درجة معينة من الفقر تعود الى ارتفاع نسبة الولادة ، فاذا اجتمعت هذه الأمور مع بعضها البعض كما في حالة ايران ، وأضيفت اليها عوامل اخرى سياسية وثقافية فإنها قد تشكل ظاهرة خطيرة تنذر بتدهور المجتمع وتفسخه وتفككه.. ولن يقف دون ذلك وجود حكومة اسلامية ذات نوايا طيبة ، كما لن يجدي التزام الحكومة بتطبيق الشريعة الاسلامية ووضع الحدود الرادعة ، وذلك لأن هذا الأمر مفيد في حالة المجتمعات الاسلامية السوية والملتزمة وردع الشواذ والمنحرفين ، اما اذا اصبح الانحراف ظاهرة عامة متجذرة واسعة وعميقة فلن تستطيع أقلية ملتزمة ومؤمنة فرض الشريعة بالقوة والإرهاب ، وعندها يصبح مصير الحكومة الاسلامية نفسها في خطر ، حيث ستفقد الأرضية الشعبية الداعمة لها و تواجه خطر السقوط في الانتخابات او عبر التمرد الشعبي او الانقلاب العسكري. وفي هكذا حالات يصعب الحفاظ على نقاء وطهارة النخبة الحاكمة التي قد يتورط أفرادها في أعمال الفساد ، والانغماس في مستنقع الخطيئة.
واذا صحت الأرقام التي ذكرها المسؤول الإيراني وثبت تدهور الحالة الدينية والأخلاقية للمجتمع الإيراني بوتيرة متسارعة في السنوات الأخيرة ، فإنها تشكل تهديدا جديا لحكومة رجال الدين ولأساس الحكومة الاسلامية في السنوات القادمة ، وتضع النظام الديموقراطي الإيراني أمام مفترق صعب ، فإما ان يتنازل رجال الدين أمام التيارات العلمانية ، وهذا مستبعد جدا ، واما ان يضطروا لتشديد قبضتهم على السلطة وتقليص المساحة الديموقراطية خوفا من صعود التيارات السياسية العلمانية المعبرة عن الشرائح غير المتدينة في الشعب الإيراني ،وهذا ما سيؤدي بدوره الى الاصطدام مع تلك الشرائح المتمردة والدخول في دورة جديدة من العداء والعنف والتوتر بين السلطة الدينية والشعب المتحرر.
واذا اضطر النظام الاسلامي الإيراني الى إلغاء الانتخابات والمظاهر الديموقراطية ، مثلا ، فانه قد يواجه حالة من التحدي الثقافي السياسي السلبي والإيجابي ، وفي الحقيقة يمكن للمراقب والمحلل ان يعزو قسطا من عوامل التحلل الخلقي والديني الى بعض أساليب العنف التي يتبعها النظام الإيراني ، وهناك مؤشرات عديدة على انخفاض درجة الالتزام الديني بعد الثورة ردا على سياسة رجال الدين وأخطائهم وتجاوزاتهم ، وهناك من المعارضين للنظام الاسلامي وخاصة في الخارج ، من أعلن عن ارتداده عن الدين الاسلامي او ترك الصلاة تحديا للسلطة الدينية القائمة ، تماما كما يقوم بعض المعارضين للأنظمة العلمانية المستبدة بتحديها في التظاهر بمظاهر الدين كارتياد المساجد وارتداء الحجاب. وكانت ايران نفسها قد شهدت في العام الأخير من نظام الشاه ثورة شعبية في ارتداء الحجاب الشرعي ردا على أوامر شاهنشاهية بضرورة خلع الفتيات في المدارس للحجاب ، وجاء ذلك ضمن سياق الثورة والعواطف الاسلامية الجياشة ضد نظام الشاه ، فاذا انقلب الأمر وتحول النظام الجديد "الاسلامي" الى ممارسة العنف والديكتاتورية وفشل في حل مشاكل الشعب فان من المتوقع ان يواجه حالة من التحدي وقدرا من العصيان.
ولا يمكن بالطبع ان نعزو حالة الانحلال الديني كلها الى ظاهرة التحدي ، كما لا يمكن ان نفسرها ببعد أحادي يتمثل في انخفاض الروح الإيمانية ، ولكن ذلك يشكل في ايران الراهنة عاملا مهما ومؤثرا ، الى جانب العوامل الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، وان شئنا العودة الى الوراء فيمكن ان نتوقف عند الحرب العبثية الطويلة بين العراق وإيران وما استتبعته من صرف هائل على التسلح ، تلك الحرب التي دمرت اقتصاد ايران كما العراق ، إضافة الى فشل الخطط الاقتصادية التي اتبعتها حكومات إيرانية عديدة في ظل إدارات سيئة ، وعجزها عن توفير العمل للعاطلين فضلا عن توفير التأمين الاجتماعي للفقراء والمساكين.
يقول التقرير الإيراني ان 12 مليون مواطن من 60 مليون ، أي 20 بالمائة من الشعب الايرني يعيشون تحت خط الفقر ، وربما كان الواقع أكثر من ذلك بكثير قد يتجاوز نسبة الخمسين بالمائة ، كما يقول : ان 35 مليون مواطن هم دون العشرين . وقد ولد هؤلاء في ظل الحرب ووجدوا أمامهم المستقبل غامضا ومغلقا ولا يؤهلهم لاقامة حياة اجتماعية طبيعية ، مما يفسر حالة الانحلال الجنسي وتزايد نسبة الزنا خلال السنتين الأخيرتين فقط بنسبة 635% وانخفاض معدل عمر الزناة من 27 سنة الى 20 سنة ، حسبما يقول التقرير. وقديما قيل:" اذا دخل الفقر بلدا قال له الكفر خذني معك" فكيف اذا كان نظام الحكم المسؤول دينيا ويعتبره الفقراء مسؤولا عن فقرهم وتعاستهم ؟ وكيف اذا مارس الحكم الديني الديكتاتورية والعنف مع المعارضة؟
وهذا يذكرنا بذلك الرجل الذي دخل على الحجاج بن يوسف الثقفي فقرأ ( ورأيت الناس يخرجون من دين الله أفواجا) فلما صحح له الحجاج الآية قائلا: (ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) قال ذلك الرجل: كان ذلك أيام زمان ، أما في أيامك فان الناس يخرجون من دين الله أفواجا!..
من هنا كان كثير من قادة الثورة الاسلامية ومراجع الدين المخلصين يتخوف من حدوث ردة كبرى في ايران وثورة ليست ضد حكم رجال الدين فقط وانما ضد الدين الاسلامي وعودة رهيبة للعلمانيين المتطرفين نتيجة تراكم السلبيات في التجربة الاسلامية الإيرانية وخاصة فيما اذا اتجهت نحو مزيد من العنف في مواجهة المعارضة والتشدد في التعامل مع الفئات غير الملتزمة بدقة بالمظاهر الاسلامية ، وذهب بعض الإصلاحيين الى ضرورة تقليص سيطرة رجال الدين على السلطة وانسحابهم من المسؤوليات السياسية والاقتصادية البعيدة أساسا عن اختصاص رجال الدين ، وترك الساحة الإدارية للمدنيين ، والاكتفاء بدور المراقبة الوعظ والإرشاد والتربية والتوجيه ، من أجل كسب الشعب وعدم تحمل مسؤولية الفشل والإحباط ، والمحافظة على طهارة رجال الدين من التلوث في أوحال السياسة وألاعيبها القذرة، فضلا عن ممارسة العنف والقتل والتعذيب والرشوة والفساد. وقد كانت الحركة الإصلاحية بمختلف فئاتها تتبنى هذا التوجه بشكل او بآخر ، وشكل موضوع الإصلاح السياسي في هيكل النظام الاسلامي جزءا من برنامج الرئيس محمد خاتمي ، ولكن المحافظين اعتبروا ذلك خطا أحمر لا يمكن تجاوزه او الاقتراب منه .
وفي الوقت الذي قال فيه المرشد السيد علي الخامنئي : ان الإصلاح فريضة وضرورة وانه من طبيعة الدين والنظام الثوري وان تجاهله سيولد الفساد والظلم ، الا انه رفض في لقائه مع أركان النظام ، يوم الأحد قبل الماضي ، الإصلاح السياسي او المساس بموقع رجال الدين في النظام ، وأدان الدعوة الى حرية التعبير حسب الطريقة الغربية ، وطالب الجميع بما فيهم رئيس الجمهورية بالاعتراض على الصحف التي تستغل الحرية ، وأشار الى وجود مؤامرة خطيرة ومدروسة للعدو تستهدف ضرب الجمهورية الاسلامية ، تتمثل في وجود خطة استكبارية (أمريكية وبريطانية) شاملة ، تشابه خطة تفكيك الاتحاد السوفيات ، تستهدف تفكيك نظام الجمهورية الاسلامية ، وتعتمد على برامج إعلامية وثقافية وسياسية ، وأكد على الدور المحوري لرجال الدين في التصدي لها ، وقال ان الامام الخميني كان مستعدا للتضحية بكل شيء من أجل المحافظة على القيادة الدينية وانني مستعد للتضحية بكل شيء من أجل المحافظة على الاسلام والثورة والنظام. وطمأن المرشد الحاضرين بأن (الرئيس الإصلاحي) السيد خاتمي لا يشبه غورباشوف كما لا يشبه الاسلام الماركسية ولا الشعب الإيراني الداعم للنظام الاسلامي الشعب الروسي الرافض للشيوعية.
وقد حاول المرشد الخامنئي خلال اللقاء توحيد الجناحين المحافظ والإصلاحي تحت لواء ولاية الفقيه واقناع أعضاء مجلس الشورى الإصلاحيين الذين كانوا يطالبون بتعديلات أساسية في هيكل النظام الاسلامي لجهة تقليص صلاحيات المرشد ، بالعدول عن مطالبهم ، بعد ان نجح في وضع الشيخ مهدي كروبي على رأس مجلس الشورى وتوجيهه للاهتمام بالشؤون الاقتصادية وصرف النظر عن الإصلاحات السياسية المنشودة.
ولكن ذلك لم يحل دون خروج الطلبة في جامعة طهران في الذكرى السنوية الاولى لأحداث تموز الماضي ، والمطالبة بسقوط رجال الدين وتخليهم عن السلطة.
والسؤال الآن هو الى متى يستمر رجال الدين في ضمان تأييد الشعب لهم اذا كانت غالبيته تتجه نحو التحرر من الالتزام الديني اذا لم نقل الردة عن الدين ؟ وكيف سيتعاملون مع الأكثرية الساحقة غير الملتزمة اذا قررت التعبير عن نفسها بأشكال سافرة او أيدت حركات سياسية علمانية تعتمد العنف؟
ان السلطة الإيرانية تعتمد حاليا على الشريحة المتدينة التي تشكل حوالي عشرين بالمائة ، ولكن المتدينين أنفسهم منقسمون الى مرجعيات وطوائف وأحزاب ومحافظين وإصلاحيين ، فاذا دب الخلاف بينهم ، وتوحد الآخرون فان مصير النظام الاسلامي يصبح في خطر جدي فعلا ، اذا لم يكن الآن يعاني من بعض المصاعب .
ان الحركة الإصلاحية تعتقد ان طغيان دور رجال الدين في الحياة السياسية وتعالي المرشد على المراقبة والمحاسبة الشعبية واستخدام القضاء والمحاكم الخاصة وسيلة لضرب المعارضين حتى من رجال الدين ، واغلاق باب الاجتهاد ، من أسباب إخفاق المشروع الاسلامي وانفضاض الناس عن الدين ، أكثر من وجود مؤامرة استكبارية لتفكيك الجمهورية الاسلامية ، وان الاستمرار في السياسة الديكتاتورية يعطي المؤامرات الأجنبية أرضية للعمل ، وان الاتحاد السوفيتي لم يسقط بفعل العوامل الخارجية بقدر ما سقط بفعل عوامل من داخله ، وكذلك النظام الاسلامي اذا ما سار على طريق صحيح ومعتدل وحافظ على حرية الناس وكرامتهم ووفر لهم الخبز والديموقراطية فانه يمكن ان يستمر ، واذا ما انقلب الى نظام بوليسي مستبد فانه سوف يفقد هويته ويخسر جماهيره وينفض الناس عنه ، ولذا فان الحركة الإصلاحية تحاول ان تنقذ ما يمكن إنقاذه والقضاء على جذور المخاطر بإجراء تعديل أساسي على هيكل النظام وفتح باب الاجتهاد لجهة تطوير نظرية ولاية الفقيه ، ونقل السلطة المطلقة من يد رجل واحد غير منتخب بصورة مباشرة ولا يخضع لمحاسبة الامة ، يسمى المرشد او الولي الفقيه ، الى مجلس الشورى المؤلف من مجموعة من الفقهاء العدول الخبراء والمختصين والمنتخبين من الشعب . وتأمل ان تشكل الأرقام المرة عن واقع التزام الناس بالدين حافزا على مراجعة الذات ونقد التجربة الماضية واعادة النظر في هيكل النظام أملا في المحافظة على ايمان الجماهير العامة بالدين ورجال الدين.
أحمد الكاتب
و أسيراً
من فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه التي يتشدق بها الشيعة دائماً،أنه فيه نزل قول الله تعالى:(و يطعمون الطعام على حبه مسكيناً و يتيماً و أسيراً).و مع أننا نعتقد في علي أنه كذلك و أفضل،و بغض النظر عن صدق هذه الرواية أو عدمه نقول:
يأبى الله تعالى إلا أن يفضح الأدعياء الكذبة،حتى يتبين الصادق من الكاذب(أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم)،(الم * أحسب الناس أن يُتركوا أن يقولوا أمنا و هم لا يفتنون * و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا و ليعلمن الكاذبين).و هكذا شاء الله تعالى أن يبين للناس كذب و دجل أدعياء السير على سيرة علـي بن أبي طالب رضي الله عنه من (آيات الله)!!و (حجج الإسلام)!!الحاكمين في(الجمهورية الإسلامية)!!!المزعومة.
إذ كان من نتائج حرب الخليج الأولى(1980م-1988م)بين إيران و العراق أن وقع آلاف من الأسرى لدى طرفي النزاع،أما العراق الدولة التي كانت تتهمها (الجمهورية الإسلامية)!بالكفر و معاداة أتباع أهل البيت فقد عاملت الأسرى الإيرانيين لديها معاملة جعلت الكثيرين منهم يفضلون البقاء في العراق على العودة إلى (دار الإسلام الخمينية)!!!.
يقول السيد(حكمت رزوقي)و قد كان مسؤولاً في أحد معسكرات الأسرى الإيرانيين في العراق:لقد كنا نعاملهم معاملة طيبة جداً،على الرغم من شغبهم الدائم،و معروف عن الشعب الإيراني عموماً أنه يكثر فيه الشغب،و أحداث مكة المكرمة حماها الله
من كل ذي شر،التي جرت في العام (1987م)خير شاهد على ذلك،حيث أشاعوا الفوضى و التخريب في بلد الله الحرام و
روعوا الحجاج الآمنين و قتلوهم،كنا - و الكلام لا زال للسيد حكمت - نقطع عن أنفسنا الكثير من حاجياتنا و نعطيها لهم،و قد أقمنا لهم ملاعب للرياضات المختلفة،أما الطعام فقد كنا نحن نحسدهم عليه،إذ لم يكن يقدم إلينا مثله في غالب الأحيان.
و نحن هنا لا نناقش بالطبع صدق هذا الكلام أو كذبه،ذلك أن دولة العراق - على أي حال - لا تدعي أنها تقوم على مبادئ الأئمة من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم،أما إذا انتقلت إلى الجانب الآخر،فسوف تسمع من القصص ما يقشعر له بدنك.
يقول الأسير العراقي س . ج . ع:أمضيت في الأسر عشر سنين،كان كل يوم فيها يعدل عشر سنين!،لقد كانوا يعاملوننا معاملة لا تليق حتى بالحيوانات،لقد ثبت لي أن هؤلاء لا دين لهم رغم أنهم ينادون بالإسلام!، فالإسلام دين الرحمة و العفو،حتى لو افترضنا جدلاً أننا اعتدينا عليهم،فثمة أمر اسمه (العفو عند المقدرة)،أقول ذلك رغم تسليمي بأنهم هم الذين اعتدوا على العراق و حاولوا تصدير كفرهم و ضلالهم إليه عن طريق ما سموه (تصدير الثورة)،لقد كانوا يشنون علينا حرب تجويع لا مثيل لها،كانوا في بعض الأحيان يمنعون عنا الطعام أياماً عديدة حتى يأكل الأسرى كل شيء تقدر أسنانهم على طحنه!،و ربما جرت معارك عنيفة بينهم على كسرة خبز لا يتجاوز حجمها حجم كف اليد!...
و يحدثني الأسير علي حسين الياسري،و قد بدا عليه الانفعال قائلاً:... يا أخي أقسم لك على أن هؤلاء ليسوا من الإسلام في شيء بل هم في واد و الإسلام في واد آخر،و خصوصاً أهل التدين منهم!!،إذ إن هؤلاء بالذات من أقسى الناس قلوباً!!!، لا رحمة لديهم و لا شفقة،و كلما ازداد الواحد منهم من الدين قرباً ازدادت الرحمة عن قلبه بعداً!!!!!،لقد كانوا يمنعوننا الطعام و الماء،و كانوا يطعموننا أشياء لا ندري ما هي!،لقد جاءونا يوماً بنبات(البرسيم)الذي تأكله الدواب،و قالوا:هذا طعامكم!!،و بقي (البرسيم)أياماً حتى كدنا نموت من شدة الجوع فاضطررنا إلى أكله!!!!!،و (أتباع أهل البيت)!!ينظرون إلينا و يضحكون،و كانوا كلما هُزموا في معركة في الجبهة انتقموا منا بهذه الطرق الخبيثة،لقد أخبرتهم بأنني سيد (يقصد أن نسبه يرجع إلى علي رضي الله عنه)،و مع ذلك آذوني بسبب أنهم طلبوا مني يوماً سب أبي بكر و عمر و عثمان و معاوية رضوان الله عليهم،فلم أرفض!و لكنني حاولت مناقشتهم فقط لفهم السبب!!!،و يضيف:لقد كان وقوعي في الأسر مصيبة كبرى من جهة،و نعمة عظمى من جهة أخرى!،أما كونه مصيبة فهذا لا يخفى لما تقدم،و أما كونه نعمة فلأنه أزال عن عيني غشاوة كادت تهوي بي في النار،لقد كان لمعاملتهم السيئة لنا أثر في كرهنا لهم مما دفعنا إلى ترك مذهبهم المنحرف و لله الحمد،و بعد أن هداني ربي إلى اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم و تعلمت معنى أن يكون الإنسان متديناً تمنيت أن لو كانت إيران تمكنت من أسر الشيعة في الأرض كلها!! لعلمي بأنهم سيعلمون الحقائق كما هي،لأنك في إيران ترى التشيع على حقيقته،إذ لا تقية هناك و لا مداراة !!!،و قديماً قيل:رُب ضارة نافعة!.
و ماذا عن (التوابين)؟ نسأل الأسير سعد . س . هـ ، فيجيب:(التوابين) مصطلح أُطلق على قسم من الأسرى العراقيين في إيران،استطاع الإيرانيون كسبهم عبر إغرائهم بنوعيات خاصة من الطعام،و معاملة خاصة أيضاً،و لم يكن ذلك إلا لعدد محدود من الأسرى يجب أن تتوفر فيهم شروط معينة،إذ يجب أن يكونوا متدينين أولاً،و يتم إخضاعهم لتجارب للتأكد من ولائهم ، ثم - و هذا هو الأهم - يجب أن يكونوا على استعداد لفعل أي شيء يطلب منهم مهما بلغ من الخسة!،و أعتقد - فعلاً - أن هذا أهم الشروط!لأننا لم نرَ منهم إلا الغلظة و الشدة و الحقد!، تنظر إلى الأسير و هو معك ، فتراه وديعاً طيب المعشر ، يؤثرك على نفسه بكثير من الأشياء،حتى إذا صار من (التوابين) استحال شيطاناً رجيماً،و صار أنانياً،كما أن بذاءة اللسان تصبح سمة بارزة فيه!.
و يشارك الأسير كاظم . أ . م في الحديث عن (التوابين) فيقول:لقد صرت أعتقد بأن أبعد أمة عن الدين الإسلامي في الأرض هي أمة الرافضة بعد أن رأيت ما رأيت في إيران،هؤلاء لا يعرفون الدين إلا في العاشر من محرم،حيث اللطم و العزاء و تسويد الوجوه!!!،أما ما عدا ذلك فلا تسأل عن أي دين هناك ، و إن كان هذا هو اعتقادي في الشيعة عموماً - رغم أنني كنت منهم - فإني أشهد بأن أخس ما رأيت في الشيعة هم هؤلاء الذين عرفناهم بـ (التوابين)!!،حيث كان الفجور و الفسق يكثر فيهم إلى درجة جعلت مجرد ذكر (التوابين) يوحي بسوء الخلق!!!!!،اقسم أنني رأيت بعضهم أكثر من مرة – رأي العين – و هم يـ (…) و العياذ بالله ، و اسألوا من شئتم من الأسرى عن ذلك،حيث كان هذا الفعل مشهوراً في معسكرات الأسرى،إذ أفتى لهم الذين لا يخافون الله من (علماء المتعة و الخُمُس) بجواز ذلك استناداً إلى رواية عندهم عن أحد أئمتهم تقول:)إذا طال بكم السفر فعليكم بالذَكَر)!!!ذكرها صاحب كتاب(لله ثم للتاريخ)السيد حسين الموسوي،و كانوا - أي (التوابين) - يقومون بالعمل على نشر هذه الفتوى الآثمة بين الأسرى حتى لا يُلاموا إذا شوهدوا و هم يمارسون هذا الفعل القبيح،الذي خسف الله الأرض بأمة كاملة بسببه.
هذا - أخي القارئ - غيض من فيض ما يرويه الأسرى الذين رأوا (دولة أهل البيت)!!!على حقيقتها،و أعتقد أنه لو قُدر لـ (آل فرعون) أن يقيموا لهم اليوم دولة،لما استطاعوا الوصول إلى عُشر ما وصلت إليه الجمهورية الإسلامية المزعومة من الظلم و الطغيان و الجبروت و الإساءة إلى دين الله تعالى.
من كتاب مقالات في التشيع لعبد الحميد شاهين
الرقص مع إيران
غسان شربل الحياة 4/1/2005
لم يخف وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي فرحته بـ "الانتصار" الذي حققته بلاده حين وافقت مجلة "ناشونال جيوغرافيك" على سحب تعبير الخليج العربي من أطلسها لتعتمد من الآن فصاعداً عبارة "الخليج الفارسي". واحتفلت وكالة الأنباء الإيرانية بـ "تصحيح التسمية" ورأت في الخطوة "انتصاراً لكل إيراني" وأزالت المجلة عن موقعها في الإنترنت الإشارة إلى الخلاف الإيراني ـ الإماراتي حول الجز الثلاث في الخليج.
لنترك جانباً مسألة المجلة والتسمية، ونلتفت إلى الحقائق في المنطقة. في المثلث الإيراني ـ العراقي التركي المستند إلى توازنات تاريخية وذاكرة مثقلة بالحروب الإمبراطورية يمكن القول إن الضلع العربي قد سقط فعلاً ولا شيء يشير إلى ترميم موقعه في المدى المنظور. لا نقول ذلك من باب حراسة "البوابة الشرقية" عن طريق الاشتباك مع إيران، وهو ما فعله صدام حسين، بل من باب قراءة التوازنات الجديدة التي أنجبتها عوامل عدة بينها النكبة التي ضربت العراق. فتركيا المقيمة تحت قبعة الأطلسي في عهدة حزب ذي جذور إسلامية يتعامل بواقعية مع إرث أتاتورك، انتزعت لنفسها موعداً لبدء المفاوضات لدخول النادي الأوروبي، فيما وحدة العراق مهددة وأرضه مستباحة.
في المقابل، نجحت إيران في إعادة بناء ترسانتها العسكرية في ظل نظام مستقر تسرب الانتخابات اختناقاته. ولم تكتف طهران بالترسانة التقليدية، بل تزايدت الشكوك حول استعداداتها للتسلل إلى النادي النووي أسوة بالهند وباكستان وإسرائيل.
صحيح أن العلاقات بين طهران وواشنطن لم تستأنف، وأن الإدارة الأميركية لا تبخل على النظام الإيراني بالضغوط والحملات، لكن الصحيح أيضاً أن إيران أظهرت براعة في الرقص مع الأميركيين فوق المسرحين الأفغاني والعراقي، وشهدت تهاوي نظامين معاديين لها من دون خسارة نقطة دم واحدة. في الوقت ذاته نجحت في الاحتفاظ بعلاقات صداقة وتشاور مع سورية على رغم اختلاف الحسابات في عدد من الملفات.
أما أخطر ما حققته إيران حتى الآن فهو تحولها لاعباً مقرراً في المستقبل العراقي، وهي تمتلك على الأقل القدرة على منع قيام عراق معاد لها. وسيكون الأمر بالغ الخطورة إذا تحولت إيران جزءاً من النسيج العراقي الداخلي وبدت في صورة الداعم لشيعة العراق أو الحامي لهم أو العراب لفوزهم بالقسط الأكبر من السلطة.
لا مصلحة للعرب في العداء لإيران أو التحريض عليها. لكن من حقهم الالتفات إلى تقدم موقعها في الإقليم فيما يتراجع موقعهم بفعل الانهيارات المتلاحقة، ثم أن من حقهم الالتفات إلى أن امتلاك إيران ترسانة نووية يجب أن لا يقرأ فقط من زاوية التوازن مع إسرائيل، لأنه يضاعف الخلل أيضاً في ميزان القوى بين إيران والدول العربية.
للعرب مصلحة في أوثق علاقات التعاون مع إيران، لكن من حقهم أن يفكروا في موقعهم المقبل في إقليم الشرق الأوسط خصوصاً إذا اختارت واشنطن الاعتراف لإيران ببعض ما تسعى إلى تكريسه بعد انهيار "البوابة الشرقية" وسيكون ذلك الانتصار أهم بكثير من احتفال خرازي بعبارة "الخليج الفارسي" في المجلة الأميركية.
فضيحة أخلاقية تهز إيران
علماء دين ومسؤولون متورطون في اعتداءات جنسية على فتيات
لندن: علي نوري زاده
تهز المجتمع الايراني والاوساط السياسية والثقافية فيه منذ ايام معلومات اخترقت حاجز الكتمان القوي الذي فرض في البداية على فضيحة «مؤسسة رعاية شؤون البنات الهاربات» التي لم يبق غير حافظ الشيرازي (شاعر ايران الكبير الذي عاش في القرن الثامن الهجري) لا يعرف بها، حسبما هو متداول الآن، تهكما، في ايران كلها.
وكشف لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل هذه الفضيحة احد المسؤولين السابقين في محكمة الثورة بمدينة كرج (غرب العاصمة طهران)، موضحا ان هذه المؤسسة انشئت قبل اربع سنوات لايواء وحماية الفتيات الهاربات من بيوتهن بسبب تعرضهن لاعتداءات جنسية او انواع اخرى من سوء المعاملة او تورط اولياء امورهن في الادمان على المخدرات.
وتتلخص الفضيحة المتصلة بهذه المؤسسة في ان علماء دين ومسؤولين في اجهزة الامن والحرس الثوري من المحافظين كانوا يستغلون جنسيا العشرات من فتيات المؤسسة اللواتي لم تتجاوز اعمارهن العشرين عاما، فكانوا «يتزوجونهن» لساعات قلائل ليلا وفقا لـ«زواج المتعة»، وان احداهن في الاقل، وعددا من الزبائن اصيبوا بمرض نقص المناعة (الايدز).
واوضح مصدر هذه المعلومات ان الرئيس محمد خاتمي شكل لجنة تحقيق رئاسية للكشف عن المتورطين في الفضيحة مما اسفر عن اعتقال العشرات من مسؤولي المؤسسة ومحكمة الثورة في كرج وعلماء دين وتجار ومسؤول بارز في وزارة الامن. وأضاف ان مرشد الثورة آية الله علي خامنئي الذي علم بأمر الفضيحة اصدر اوامر مشددة بالتكتم عليها حفاظا على سمعة علماء الدين وبعض منظماتهم.
جريدة الشرق الاوسط.
80 مثقفا ورجل دين تم اغتيالهم والحبل على الجرار
وزير الاستخبارات الايراني يعترف باغتيال 80 مثقفا ومعارضا وكذلك رجال دين شيعة
ايران التي تحولت الي جحيم بعد مجييء الخميني الي العقلاء من الشيعة هذا ما تفعله دولة الايات الشيطانية بالشعب الايراني لم يسلم من الجرائم ضد الشعب حتى رجال الدين الشيعة وكبار المثقفين
بل قل كبار رجال الدين الشيعة من امثال منتظري الذي عليه اقامة جبرية ومن امثال رجل الدين الشيعي محسن كديور المعتقل حاليا وما خفي كان اعظم فهنيئا لكم يارافضة بدولة رجال الدين المجوس
++++++++
وزير الاستخبارات الإيراني يؤكد: كل المتهمين باغتيال المعارضين والمثقفين هم من عناصر الأمن
لندن: علي نوري زاده
دافع وزير الاستخبارات الايراني علي يونسي عن قرار سلطات القضاء العسكري باجراء محاكمة سرية للمتهمين باغتيال عدد من ابرز الكتاب والشخصيات السياسية المعارضة. واكد ان جميع هؤلاء المتهمين هم من موظفي وزارة الاستخبارات.
وفي كلمة القاها يونسي في مدينة شهركرد وسط ايران خلال اجتماع بثتها محطة الاذاعة والتلفزيون الايراني، اقر يونسي بان المتهمين الـ18 الذين تجري محاكمتهم حاليا امام المحكمة العسكرية ما زالوا من منتسبي الاستخبارات ولم تتم ادانتهم في المحكمة. وهذا السبب اعتبر ان الكشف عن هويتهم ليس من مصلحة البلاد والأمن القومي.
وكانت السلطة القضائية قد فرضت حضرا على نشر الاخبار والتحليلات المتعلقة بدور اجهزة الامن وكبار مسؤوليها في اغتيال المثقفين والمعارضين، وفرضت على الصحف الاقتصار على نشر البيانات الرسمية الصادرة عن منظمة القضاء العسكري فقط، غير ان تسرب اخبار المحكمة من قبل عوائل بعض المتهمين والمسؤولين المشاركين في جلسات المحاكمة طيلة الاسابيع الثلاثة الاخيرة وضع السلطة القضائية ومنظمة القضاء العسكري في موقع حرج جدا، اذ ان البيانات الصادرة عن منظمة القضاء العسكري حول سير المحاكمات وما افاد به المتهمون تتناقض تماما مع ما دار وراء ابواب المحكمة المغلقة.
واستنادا الى مصدر متابع لملف الاغتيالات فان طريقة تعامل السلطة القضائية واجهزة الامن مع هذا الملف اثارت شبهات كثيرة حول اهداف ونوايا الجهات المعنية بالملف. كما ان اعتقال الكاتبين الاصلاحيين اكبر كنجي وعماد الدين باقي ومحاولة اغتيال الشخصية الاصلاحية سعيد حجاريان، فضلا عن تعطيل كافة الصحف والمجلات الاصلاحية المتابعة لقضية الاعتقالات زادت من الشكوك حول مصداقية القضاء والقضاء العسكري في ملاحقة المتهمين الحقيقيين وادانتهم. وعشية عقد الجلسة الاولى لمحاكمة المتهمين وبينهم مصطفى كاظمي مدير عام وزارة الاستخبارات ومساعده مهرداد عاليخاني وخسرو براتي مسؤول شبكة الاغتيالات، اعلنت عوائل الضحايا مقاطعتها للمحاكمة، بينما انسحب المحامون وبينهم الدكتور ناصر زرافشان الذي امرت منظمة القضاء العسكري بحبسه بتهمة الكشف عن محتوى ملف اعترافات المتهمين في مقابلة مع اذاعة فرنسا. علما ان الدكتور زرفشان اعترض في تلك المقابلة على محاولة التكتم على دور وزير الاستخبارات الاسبق علي فلاحيان وخلفه قربان علي دري نجف اباد ومسؤولين امنيين اخرين في الاغتيالات السياسية المسلسلة.
وبناء على مصادر «الشرق الأوسط» فان مصطفى كاظمي اكد في المحكمة العسكرية ان علي فلاحيان ومعاونيه سعيد امامي ومصطفى بور محمدي كانوا وراء تصفية اكثر من ثمانين معارضا وكاتبا داخل ايران وخارجها قبل انتخاب الرئيس محمد خاتمي عام 1997. كما اشار الى ان سعيد امامي رفع تقريرا الى فلاحيان في العام 1996 وصف فيه بعض الشخصيات السياسية والثقافية وبينهم فروهر وزوجته ومحمد مختاري ومحمد جعفر بونيده الذين اغتيلوا في ما بعد، بانهم يمثلون تهديدا ضد كيان النظام وولاية الفقيه ولا بد من التصدي لهم بضراوة. واوضح كاظمي ان تقرير امامي تضمن اسماء عدة منها سعيد حجاريان ومحسن كديور وعبد الكريم سروش وهوشنغ غولشيري وغيرهم وكان فلاحيان قد ذيل التقرير بموافقته على طلب امامي تصفية هؤلاء.
وتجدر الاشارة الى ان سعيد امامي انتحر في السجن عقب اعتقاله، وقررت منظمة القضاء العسكري سحب اعترافاته من الملف واعتبار مساعده مصطفى كاظمي هو المتهم الرئيسي في القضية. وقد مثل امام المحكمة لحد الآن الى جانب كاظمي وعاليخاني كل من علي روشني ومحمود جعفر زاده وعلي محسن وحميد رسولي ومرتضى حقاني ومحمد عزيزي وايرج آموزكار ومرتضى فلاح ومصطفى قاسمي وعلي رضا اكبريان واصغر سياح وعلي ناظري وخسروبراتي وهؤلاء جميعا ما عدا اكبريان اعترفوا بالمشاركة في عملية اغتيال فروهر وزوجته ومختاري وبونيده، بينما قال اكبريان انه لم يدخل بيت فروهر بل كان يراقب الوضع خارج البيت. وكان الشيخ خسروخوبان الذي غير اسمه الى روح الله حسينيان وهو من المقربين الى فلاحيان وسعيد امامي وسبق ان عمل معهما في وزارة الاستخبارات.
اعلن في مقابلة تلفزيونية عقب اعتقال سعيد امامي ومجموعته ان سعيد امامي بريء والرأس المدبر للاغتيالات هو مصطفى كاظمي الذي حسب زعم حسينيان يساري الانتماء وكان مؤيدا لخاتمي. ورغم ان الصحف الاصلاحية وقتذاك ردت على مزاعم حسينيان وكشفت عن الخيوط السرية التي تربطه بمافيا وزارة الاستخبارات. كما كشف عماد الدين باقي وكتاب آخرون، عن ارتباط كاظمي مع وزير الاستخبارات الاسبق محمدي ريشهري، وعدم صلته بالاصلاحيين، غير ان اصرار السلطة القضائية على ان كاظمي كان المسؤول الرئيسي عن الاغتيالات بالتزامن مع ظهور حسينيان المجدد في الصحف المعارضة لخاتمي والاصلاحيين. هما من العوامل التي تعزز قناعة خاتمي وانصاره بان الهدف ليس القضاء على مافيا الاغتيالات في جهاز الاستخبارات حسب قول نائب اصلاحي في البرلمان، بل ان خاتمي والحركة الاصلاحية مستهدفان. والجناح اليميني المناهض للاصلاحات الذي نزع كنجي النقاب عن دور بعض اقطابه في الاغتيالات ينوي ادانة كاظمي والسعي لربطه بالتيار الاصلاحي تشويه صورة خاتمي ودفعه الى اعلان عدم الترشيح الى الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ولافشال هذا المخطط، كما يقول النائب الاصلاحي، قررت لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الايراني اطلاع الشعب على نتائج التحقيقات حول قضية الاغتيالات والمتهمين الحقيقيين فيها بغض النظر عما سيصدر عن المحكمة العسكرية من احكام.
http://www.asharqalawsat.com/defaul...tate=true#20917
المجوسية وآثارها في المجتمع الإيراني - النيروز نموذجا
المجوس كلمة معربة عن مكوسيا (Magucia) البهلوية، وهي في اللغة (الاوستانية – الآقستا مغو) أو (مغاو) (Maghu) وهي مادة اشتقاق مغان في اللغة الفارسية الحديثة، وقد وردت هذه الكلمة في عبارة واحدة من عبارات الآقستا في الجزء الذي يطلق عليه اليستا.
والمغان أو المجوس في الأصل قبيلة ميدية أو طبقة خاصة بين الميديين وكان لهم امتياز الرئاسة الروحية في الديانة المزدية التي سبقت الديانة الزرادشتية، وعندما تغلبت الزرادشتية أو بالأحرى أصبحت الديانة الرسمية في العهد الفارسي الساساني في عهد أرشيد الأول (224 – 241 م) أصبح المغان السادة الروحانيين للدين الجديد، وقد استمر المغان أو المجوس يعدون أنفسهم قبيلة، ويعتبرون أنفسهم طبقة من الناس "نشأوا من قبيلة واحدة وجبلوا على خدمة الآلهة" وهذا ما حدا بالعالم الدانمراكي كريستنس إلى مقارنتهم بالسادة عند الشيعة.
وكان الإيرانيون قبل أن يتخذوا الزرادشتية ديناً لهم يتجهون كغيرهم من الشعوب الآرية إلى عبادة مظاهر الطبيعة، وكان أهم آلهتهم في ذلك الوقت ميثرا إله الشمس وآناهيتا آلهة الخصوبة والأرض.
ظهور زرادشت:
ظهر زرادشت في نحو منتصف القرن السابع ق.م في مقاطعة أذربيجان (اتروباتن Atropatene) شمال غرب إيران، ونشر دعوته في بداية الأمر في شواطئ بحيرة أورمية، ثم انتقل بعد ذلك إلى منطقة باختريا في شرقي إيران.
وقد جاء زرادشت بالكتاب المعروف بالآقستا، ويسميه المؤلفون العرب الأبستاق، وكان هذا الكتاب ضخماً في أول أمره فلما غزا الإسكندر المقدوني إيران ضاع منه شيء كثير. وفي العهد الأشكاني (ملوك الطوائف) حاول الملك بلاش جمع ما تفرق منه، وانتهى الأمر بالملك الساساني أردشير الأول إلى إعادة المحاولة واستطاع أن يجمع من هذا الكتاب قدراً دونوه في واحد وعشرين مجلداً أو نسكاً. ولكن هذا القدر المجتمع من هذه المجلدات قد عاد إلى التبدد والضياع مرة أخرى. ولم يبق من الآفستاني في الوقت الحاضر سوى خمسة كتب أو أجزاء؛ هي: يسنا، ويسيريد، وندياد، ويشتها، و خورده آقستا.
وخلاصة الديانة الزرادشتية : هي أن العالم ناشئ من أصلين هما النور والظلمة، وهذان الأصلان في نزاع معاً ويتناوب الاثنان الانتصار والهزيمة فيما بينهما، ولهذا قسم العالم إلى قسمين: جيش النور أو الخير، وجيش الظلمة أو الشر.
وعلى رأس قوى قسم الخير أهورامزدا، ويرأس جيش قوى الشر أهريمن، ومن المسائل المهمة في العقيدة الزرادشتية مسألة النار حيث تعتبر رمزاً للإله إضافة إلى الشمس، فالنار حسب زعمهم رمز للإشراق والضياء، كما أنها طاهرة نشيطة في استعارها وتوقدها غير قابلة للفساد. لذا فلا عجب أنهم يتوجهون في صلواتهم إلى النار وإلى الشمس باعتبارهما رمزاً للإله أهورامزدا.
ونظراً لأهمية النار عند الزرادشتيين سمي الإيرانيون في العهد الإسلامي بيوت النار (كعبة زرادشت) وسموا النار نفسها قبلته، ونظراً لعبادة الزرادشتيين النار سماهم الإيرانيون المسلمون عبدة النار (آتش برست وآذر برست)، ولما قهر المسلمون الفرس المجوس حطموا معابد النيران فضعفت بذلك هيبتها ولكن حين سمحت الظروف السياسية للشعوبيين أن يفخروا بماضيهم – فخر الشعراء الفرس بالنار وفضلوها على الطين – كما فعل بشار بن برد إذ فضل إبليس على آدم في قوله:
الأرض مظلمة والنار مشرقة *** والنار معبودة مذ كانت النار
إبليس خير من أبيكم آدم *** فتنبهوا يا معشر الفجار
إبليس من نار وآدم طينة *** والأرض لا تسموا سمو النار
والفردوسي صاحب الشاهنامة (رائعة الفرس الكبرى) يعرف النار بأنها دليل الضوء الإلهي وأنها قبلة الإيرانيين كما أن الكعبة قبلة العرب، وكان الإيرانيون إذا ضاق بهم أمر ضرعوا إلى أهورامزدا في بيت النار عسى أن يكشف عنهم الضيق، وإذا تعبدوا في بيوت النار لبسوا الثياب البيضاء وأرخوا شعورهم.
وقد فرض زرادشت على أتباعه ثلاث صلوات يدورون فيها مع الشمس كيفما دارت، إحداها عند طلوع الشمس، والثانية عند انتصاف النهار، والثالثة عند غروب الشمس [1].
وقد تأثرت الحياة الاجتماعية للإيرانيين القدماء بالدين تأثراً كبيراً، وكانت السمة الدينية ظاهرة في جميع نواحي حياتهم الاجتماعية. فأعيادهم كان الباعث على اتخاذها في أغلب الأحوال دينياً فإن لم يكن الأمر كذلك كانت الطقوس الدينية هي المظهر الغالب على هذه الأعياد، ولنأخذ مثلاً عيد النيروز.
عيد النيروز:
النيروز معرب كلمة النوروز التي تعني في اللغتين الفارسية والكردية اليوم الجديد، والنوروز عند الفرس يومان: الأول نوروز العامة، والآخر نوروز الخاصة، ونوروز العامة يقع في اليوم الأول الذي يطلق عليه اسم إلههم أهورامزدا في شهر فرودين الذي يقابل 21 آذار مارس في السنة الميلادية، وفيه تأتي الشمس النقطة الأولى لبرج الحمل ويعتبر وصولها بداية فصل الربيع ويقال أيضاً أن الله تعالى خلق العالم في ذلك اليوم، كما أنه خلق آدم عليه السلام في ذلك اليوم، ولذلك سمي هذا اليوم (نوروز).
فيما ذكر بعضهم أن جمشيد أول ملك إيراني في الأساطير القديمة الذي كان اسمه أولاً جم، والعرب تطلق عليه منوشلح لما وصل أذربيجان أمر أن يقيموا له عرشاً مرصعاً على مكان مرتفع مقابل المشرق، وضع تاجه المرصع على رأسه وجلس على ذلك العرش فلما طلعت الشمس وسقط شعاعها على ذلك التاج والعرش ظهر لها شعاع في منتهى اللمعان فسر الناس وقالوا: هذا يوم جديد.
ولما كانت لفظة شعاع يطلق عليها في اللغة البهلوية (شيد) فإنهم أضافوا هذه اللفظة على جم وسموه (جمشيد) وأقاموا احتفالاً مهيباً له وجعلوه يوم عيد لهم.
وأما نوروز الخاصة فيوم كان اسمه خرداد (السلامة والعافية) وهو اليوم السادس من شهر فرودين، وقد جلس كذلك الملك جمشيد في ذلك اليوم على العرش وطلب خاصة رعيته وأعلن لهم المراسم الطيبة، وقال لهم: إن الله تعالى خلقكم فينبغي أن تغسلوا أجسامكم بالمياه الطاهرة وتسجدوا له شكراً على نعمه، وتقوموا بمثل هذه الأعمال والأوامر كل سنة في مثل هذا اليوم، ولهذا السبب سمي هذا اليوم (نوروز الخاصة)، ويقال أن الأكاسرة (ملوك الدولة الساسانية الفارسية) كانوا يقضون حاجات الناس ويطلقون سراح المسجونين، ويعفون عن المجرمين ويعيشون عيشة المرح والسرور وذلك من نوروز العامة حتى نوروز الخاصة الذي هو ستة أيام من كل عام.
وأول من أعاد هدايا عيدي النوروز والمهرجان في الإسلام هو الحجاج بن يوسف الثقفي الوالي الأموي على العراق والمشرق، وقد أبطلها الخليفة الأموي عمر ابن عبد العزيز (99 – 101 هـ) وقد أعيدت مرة ثانية رسوم النوروز والمهرجان في العصر العباسي، سيما وأن أغلب وزراء العباسيين كانوا من الفرس، لذا فلا عجب أن حاولوا إحياء مظاهر أسلافهم القدماء.
أما السنة الإيرانية فهي تبدأ من أول يوم في فصل الربيع وبه يبدأ كما ذكرنا النوروز الذي يسمى (النوروز الجلالي)، لأن تاريخه يبدأ منذ حكم السلطان السلجوقي ملكشاه بن ألب أرسلان الذي عقد في الفترة 463 – 1074 م مؤتمراً للفلكيين في مرصده الذي بناه حضرة الشاعر الرياضي الشهير عمر بن إبراهيم الخيام، وطلب من المؤتمرين إعادة إصلاح التاريخ الفارسي القديم، والموازنة بينه وبين ما توصلوا إليه في مراصدهم، وكان التاريخ الفارسي المعمول به وقتذاك هو (تاريخ يزدجرد).
وعلى هذا الأساس اعتبر الفلكيون الفرس أن أول السنة الجديدة (النيروز) هو العاشر من رمضان عام (471 هـ الموافق 15 آذار – مارس 1079 م)، وفي هذا اليوم تنتقل الشمس إلى برج الثور ولا يمكن التأكد من المصادر هل استعمل هذا التاريخ الفارسي إلى جانب التقويم الهجري، على أن أحد العلماء الأوربيين ويدعى أدلر Adler يذكر أن الشاعر الفارسي المشهور سعدي (ت 1362 م) قد امتدح في كتابه كلستانه شهر (أردي بهشت جلالي) أي الشهر الفارسي الثاني من السنة الجلالية وتعني في لغة الآفستا أفضل القوى الذي يوافق الفترة من منتصف نيسان إلى منتصف أيار، بقوله: إنه أحسن فصول السنة.
ويطلق الزرادشتيون المقيمون في (الهند – بومباي) على عيد النوروز في الوقت الحاضر (بتيتي Pateti) وهي مأخوذة من كلمة في اللغة الآفستية (Paitita) بمعنى يوم التوبة. وهو بناءً على هذا يوم يصلي فيه المرء ليغفر أهورمزدا له ما اقترف من ذنوب طيلة العام المنصرم. وفي هذا اليوم يصحو الزرادشتي مبكراً فيغتسل ويتطهر ويرتدي ملابسه الجديدة ويؤدي الصلوات ملتمساً الرحمة من أهورامزدا له ولأهله ثم يذهب إلى معبد النار ويهدي إليه خشب الصندل، وهناك يعود إلى الصلاة ليستعيد حب الإله أهورمزداد رحمته.. وإذا انتهت صلواته وزع الصدقات على الفقراء من رجال الدين والمحتاجين من الناس، ويقضي بعد ذلك بقية يومه في مرح وسرور مع أفراد أسرته، وفي هذا اليوم (النيروز) يتزاور الزرادشتيون للتهنئة بالسنة الجديدة.
وقد استمرت الاحتفالات بعيد النيروز تقام في إيران منذ العصور العباسية حيث كان التأثير الفارسي واضحاً في صبغ مظاهر الحياة الثقافية والاجتماعية وإلى التاريخ المعاصر، حيث بلغت ذروتها في أيام الشاه محمد رضا بهلوي (1941 – 1979) حيث كانت العطلة تقارب أسبوعاً كاملاً إضافة إلى أسبوعين عطلة للجامعات والمدارس بعكس عطلتي عيد الفطر والأضحى حيث خصص لكل منهما يوم واحد فقط.
وقد توقع البعض أن نجاح الثورة الشيعية التي قادها الخميني ستنعكس بصورة إيجابية على وأد هذه الممارسات والتقاليد المجوسية التي كانت سائدة في الحياة الإيرانية، وأن القيم الإسلامية سوف تسود، ولكن خاب ظنهم فالاحتفالات أصبحت تقام مثل السابق ولكن مع إعطائها صبغة إسلامية! والعطلة أضحت أربعة أيام إضافة إلى أسبوعين للجامعات والمدارس.
وهذا ما انعكس على الوضع في كردستان العراق، فبعد أن كانت عطلة النيروز يوم واحد (21 آذار) حسب الاتفاق الذي أبرمته قيادة الحركة الكردية مع الحكومة العراقية في (11 آذار 1970 م)، وصلت إلى أربعة أيام كجزء من الصراع الذي كان دائراً بين الحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البرازاني والاتحاد الوطني الكردستاني بقيادة جلال الطالباني.
وأخيراً تم تثبيت ثلاثة أيام كعطلة للنيروز في حكومتي إقليم كردستان في أربيل والسليمانية للأيام (21 و 22 و 23 آذار) من كل سنة بالرغم من الانتقادات التي كانت توجه على استحياء إلى حكومة إقليم كردستان من بعض الاتجاهات الإسلامية الحزبية والشعبية، إلا أن مبرر البعض كان "إذا كانت إيران تدعي الإسلام! وتحتفل بالنيروز وعطلتها أكبر من عطلتنا ونحن أصحاب اتجاه قومي علماني فلماذا لا نزيد من عطلتنا كي تضاهي عدد أيام العطلة في إيران الإسلامية!.
وختاماً :
لا يسعنا إلا أن نردد قول سيد المرسلين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة" ...
[بقلم : فرست محمود مرعي الدهوكي |عن مجلة السنة | العدد 87 | ربيع الأول 1420 هـ]
[1] وهذا ما حدا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى النهي عن الصلاة في هذه الأوقات الثلاثة لعدم التشبيه بالمجوس.
الانتفاضة الطلابية في إيران
هل تكون بداية لثورة "شعبية"؟
يزيد المتوكل([1])
هذا المقال يبين جانباً من الوضع الداخلي في إيران, ويوضح القمع الذي يُمارَس باسم الدين ضد الشعب الذي انخدع بشعارات الثورة الخمينية, إلا أن المقال –برغم ما احتواه من معلومات عن القمع والظلم- يسير وراء الرأي السائد بوجود معسكرين في إيران أحدهما إصلاحي معتدل والآخر محافظ متشدد, في الوقت الذي يرى آخرون أن الجناحين المشار إليهما هما وجهان لعملة واحدة.
الانتفاضة الطلابية المفاجئة التي عمت الشارع الإيراني في منتصف حزيران/ يونيو 2003, كانت أضخم بكثير وأشد خطورة على النظام القائم, بما فيه رئاسة محمد خاتمي المعتدلة, من تظاهرات تموز/ يوليو 1999 التي خلخلت جدار التشدد وأحدثت فيه ثغرات واسعة وعميقة, استطاع الاصلاحيون النفاذ منها لتسلم مقاليد الحكم الظاهرية, فيما استمر في حقيقته واقعاً تحت رحى جماعات قم والمدارس الدينية المتشددة التي ترفض إدخال أي إصلاحات على مفاهيمها القديمة, في الوقت الذي يشهد العالم أجمع انفتاحية جذرية في أسلوب وممارسات الحكم.
الطلاب في إيران؟
يمثّل الطلاب في إيران منذ 1979 قوة فاعلة كبرى, تدعم اليوم الرئيس محمد خاتمي. لكنهم يزدادون إحباطاً, مع الأيام, نظراً إلى تعثر الاصلاحات وتصفية المثقفين, على أيدي المتطرفين الدينيين من دون محاسبة, وغياب الوظائف للخريجين, الأمر الذي نشر البطالة في البلاد, بشكل غير مسبوق. ويتهم الطلابُ المحافظين في أجهزة الأمن والقضاء ومجلس الشورى بممارسة الضغوط والعنف, لفرض السيطرة الصارمة على الجامعات والمؤسسات والحياة, وأكد مدافعون عن حقوق الإنسان.. أن عشرات من الطلبة أعدموا بلا رحمة, في غير مناسبة وبدون محاكمة.
ملاحقات مستمرة!
يلاحق أفراد "الباسيج".. وهم متشددون, الطلاب في جامعاتهم, ويعملون باستمرار على جذب الإصلاحيين إلى صفوف المحافظين, مستخدمين التهديد حيناً, والإغراءات أحياناً. وبدا المجتمع الإيراني منقسماً على ذاته, في كل المجالات: من ساحة الطلاب, إلى عنابر القضاء, إلى حوزات الدين, ووسائل الإعلام, وغيرها. وكثيراً ما تهاجم الميليشيات الإسلامية تجمعات الطلاب, التي تنادي "ليرحل المتطرفون من إيران" وهدد خامنئي" الإصلاحيين باللجوء إلى القوة المفرطة لمواجهة التوتر المتزايد في الجامعات, الذي بدأ رداً على حكم الإعدام بحق المثقف الاصلاحي "هاشمي آغاجاري", وقد أُعيد النظر في هذا الحكم, تحت الضغط الطلابي العارم.
النفق المظلم
رئيس الميليشيا "الباسيج" قال: إنه سيملأ الشوارع بالملايين من العناصر المتطرفة, ورد الإصلاحيون, على لسان جاسم شهيد زادة: "إذا كانت المسألة إنزال الشعب إلى الشارع, فنحن أيضاً قادرون على القيام بذلك".
ومن عادة الطلاب الثائرين على (الثورة الخمينية) أن يرددوا: "الموت للطغيان" و"إيران أصبحت فلسطين". وغالباً ما يهاجمون السلطة القضائية, والرئيس السابق "رفسنجاني". وذهب بهم اليأس إلى حد مطالبة "خاتمي" بالاستقالة, بعد سلسلة إخفاقات في تعديل القوانين لمزيد من الديمقراطية, أو في الحد من تأثير الميليشيات المتزمتة, والتي وصفها أحد الإصلاحيين بـ "المافيات السرية".
الحرية أو الموت
طالما هتف الطلاب, وهم يُقاومون "أنصار حزب الله" و"الحرس الثوري" والأشباح الأخرى: "الحرية أو الموت", ولحظ عبد الله نوري (رئيس المجلس البلدي في طهران) أن المحافظين, ومنذ انتخاب "خاتمي" وهم يمارسون أعمال العنف ضد تجمعات الطلاب, وضد شخصيات تمثل الأفكار الجديدة.. الحوارية المنفتحة وتوجه الطلاب إلى "خامنئي" مرشد الجمهورية, بمجموعة أسئلة تشكك في سلطته, وأرسل الإصلاحيون رسائل يحذرون فيها من "ثورة جديدة" ويدعون المسؤول الأول في النظام إلى لجم الأصوليين, ومحاولة فهم التهديدات الأميركية الجدية, بعد الحرب على العراق. وكانت ردات الفعل مزيداً من التشدد والتوعد, سواء بالنسبة إلى إصلاحيي الداخل, أو بالنسبة إلى المتغيرات الدولية والإقليمية!
استقالات احتجاجية
كرر الطلاب المتظاهرون, وهم يحملون صور الرئيس خاتمي: "أنصار حزب الله ارتكبوا جرائم والمرشد يؤيدهم". ومعروف أن رئيس جامعة طهران, ومدراء 18 كلية في الجامعة, كانوا قد قدموا استقالاتهم احتجاجاً على القمع الذي تعرض له الطلاب في طهران ومشهد وأصفهان وتبريز وغيلان, وغيرها.
ومن عادة "الباسيج" تكرير ما يقوله "طالبانيو إيران" عن كون الانفتاح والحوار, بإزاء الغرب, يعنيان الإرتهان للخارج, وعلى الثورة (الإسلامية!) أن تتخلص من أعداء الداخل الراغبين إلى تغيير في مسارات الثورة (الخمينية). ومن هنا العبثية الإيرانية واستحالة تحقيق الإنجازات والإصلاحات داخل الدولة والنظام, خصوصاً بعد الحملة الشرسة التي شنها التيار المحافظ لإسقاط مشروع قانون تحديد صلاحيات رئيس الجمهورية الدستورية, وتعديل قانون الانتخابات.
نظرية المؤامرة!
إن أبرز ما شغل الطلاب, منذ عامين, تمثل في الأمور التالية: عمل مراكز القوى غير المُنتخبة, أهلية النظام وإمكان إصلاحه تغيير الدستور, العلاقة مع أمريكا, النظام السياسي المطلوب.
ولكن, كل اجتهاد فكري, إصلاحي, عقلاني, خارج حدود رجال الدين, يوصم بأنه حركة "مخدوعة من قبل أمريكا" وقد شكا "رفسنجاني" في إحدى خطبه, من الإفراط في الأسئلة, التي يطرحها الشباب, لشعوره بأن النظام لا يملك دائماًَ أجوبة عليها! وفي إيران اليوم فئات طلابية ثلاث: أولى تقبل بالسلطة الدينية وتؤمن بولاية الفقيه وبالنظام السياسي القائم, وثانية لا تعترف بالنظام, وثالثة إصلاحية تنتقد السلطة السياسية وتتطلع إلى مستقبل علماني.
ما بين الأمس واليوم
لقد كان شعار رفض الأجنبي هو السائد بين الطلبة, عندما احتلوا السفارة الأميركية في طهران, لكن سرعان ما صدموا عندما غيّرت السلطة سياستها الخارجية, حيال الغرب, ودول على علاقة متينة بالولايات المتحدة, وعندما نشأ حوار بين إيران وأمريكا, ونما كثيراً, في السر خصوصاً, بعد سقوط (طالبان) في أفغانستان.
وتضم الفئة المتعاطفة مع النظام الديني: "الجامعة الإسلامية للطلبة", "الجمعيات الإسلامية للطلبة الجامعيين", "الباسيج الطلبي", أما الذين لا يعترفون بالنظام السياسي فمعظمهم من المثقفين المنفصلين عن نظام الجمهورية الإسلامية, إضافة إلى القوى الطلابية الجديدة المنتمية إلى الأوساط الفكرية والثقافية, العلمانية والإسلامية ويضم القسم الثالث الطلبة الجامعيين العاملين تحت شعار الديمقراطية والحرية, ويُعرفون بتيار الثاني من خرداد (وخرداد هو الشهر الإيراني الذي انتخب فيه "خاتمي" للرئاسة الأولى عام 1997) ويطالب هؤلاء بإطلاق السجناء, وحرية التعبير, وبحرية المطبوعات, ويريدون حرياتهم الثقافية, وحق الاجتماع وإلقاء المحاضرات وممارسة النشاطات الفكرية مهما كان لونها, كما ألحّوا دائماً على حظر دخول قوى الأمن إلى الجامعات, والسماح للطلاب بالتحرك في مجالات السياسية والاجتماع.
مجابهة.. مجابهة...
غالباً ما اتبع الإصلاحيون الطرق القانونية في عرض مطالبهم لكنهم جوبهوا دائماً بالقمع من جانب الميلشيات وأجهزة الأمن والقوات الحكومية المتمركزة في الجامعات وآخرها كان هجوم 1999, ثم تكرر في غير مناسبة, وبدا أن الزمان لم يعمل لصالحهم بعد الحرب على الإرهاب, واعتبار إيران محوراً للشر, وتهديد "خامنئي" بإقصاء مسؤولين يدعمون الليبراليين ويشجعون الانفتاح على الأمريكيين, أضِف أن المحافظين نجحوا في شق مكتب تعزيز الوحدة (المؤسسة الطلابية), وفي زعزعة التوافق الداخلي فيه, وبالتالي اختراقه, والتمكن من الفوز في مدينة شيراز (جنوب إيران), حيث انسحب الإصلاحيون ومع أن وزير العلوم والبحث والإبداع, اعترف بقيادة التيار الإصلاحي للحركة الطلابية, فإن التيار المحافظ يملك السلاح والقوة, في مقابل الكلمة الحرة التي يملكها الآخرون.
تكميم الأفواه وكسر الأقلام
عندما حملت "الطروحات الإصلاحية" محمد خاتمي إلى كرسي رئاسة الجمهورية, استبشر أرباب الصحافة وأصحاب الفكر, واعتبروا "نجاح" خاتمي بمثابة الانتصار للشعب الإيراني المتعطش للحرية والديمقراطية.
بيد أن أعضاء "جمعية الائتلاف الإسلامي" وهي جمعية دينية-سياسية تحكم إيران من وراء الكواليس وتسيطر على كل الجهاز المتشدد بمن فيهم المرشد "علي خامنئي" نفسه, شمّروا عن سواعدهم لصد أية رياح للحرية الفكرية يمكن أن تهب على إيران, فعمدوا إلى إغلاق العديد من الصحف ذات النهج الليبرالي وزجّوا بكتّابها في السجون, حتى أن الحملة لم توفر صحيفة "زان" التي تملكها النائبة فائزة رفسنجاني (الابنة الصغرى للرئيس السابق هاشمي رفسنجاني), فلقد أغلقت الصحيفة وقدمت نائبة طهران "فائزة رفسنجاني" للمحاكمة لأنها تجرأت على نشر سطرين من رسالة وجهتها الأمبراطورة "فرح ديبا" إلى الشعب الإيراني لمناسبة رأس السنة الإيرانية (في 21/4/1999), وفي هذه الرسالة عبّرت "فرح ديبا" عن قناعتها بانتصار الشعب وخصوصاً الشباب الإيراني!!!
بل ونشطت "ماكينة" المحافظين في محاولة تشويه صورة النائبة رفسنجاني, فقامت الصحف التابعة للتيار المتشدد بالادعاء, بأن السيدة "فائزة رفسنجاني" استغلت إحدى زياراتها للقاهرة للصلاة على قبر الشاه في مسجد الرفاعي! واضطرت ابنة رفسنجاني لتصحيح المعلومة مشيرة إلى أنها لم تقم سوى بزيارة للمسجد الكبير في القاهرة ضمن برنامج رسمي.
هذا غيض من فيض مما نال أرباب الفكر وأصحاب الصحافة من جور التيار المتشدد.
تأخذهم العزة بالإثم!
وعودة إلى موضوع "انتفاضة الطلبة" وتداعياتها, فقد أفادت الأنباء بأن قاضي طهران "سعيد مرتضوي" نقل مكتبه إلى مقر استخبارات السلطة الفضائية داخل سجن (آيفين), بعدما كلفه مرشد الثورة "علي خامنئي" بمعاملة الطلبة المحتجين على (حكم رجال الدين) بقسوة.
وكان "مرتضوي" قد عين قبل فترة وجيزة مدعياً عاماً لطهران, وسط احتجاج العشرات من القضاة الذين يعتبرونه غير مؤهل لتولي منصب قضائي هام كهذا.
"مرتضوي" انتقل إلى نفس الغرفة التي كان يجلس فيها أسد الله لاجوري المدعي العام الثوري المعروف الذي أغتيل قبل أربعة أعوام على أيدي حركة "مجاهدي خلق" انتقاماً لدوره في حملات الإعدام التي طالت عشرة آلاف شخص بين العامين 1981-1989.
وفي خرق للدستور الإيراني الذي يلزم القضاء بالإفراج عن المعتقلين بعد 24 ساعة من حبسهم, أو توجيه اتهام محدد إليهم بحضور محاميهم... أمر "مرتضوي" بمواصلة اعتقال ما يزيد عن 390 طالباً ومتظاهراً ممن اعتقلوا خلال المظاهرات التي بدأت في طهران وتوسعت رقعتها ووصلت إلى مدينة "قم" العاصمة الدينية لإيران ومركز الثورة الخمينية قبل 25 عاماً.
ومما تجدر الإشارة إليه بأن سكان مدينة (همدان) يعيشون أجواء متوترة منذ أكثر من خمسة شهور, عقب صدور حكم إعدام الدكتور هاشم آغاجري (المفكر والأستاذ الإسلامي) بسبب خطاب ألقاه للطلبة في (همدان) أعلن فيه أن الشعب الإيراني ليس قرداً كي يقلد من يعطي لنفسه لقب "مرجع التقليد", وانطلقت المظاهرات الصاخبة في جامعة بوعلي, ردد خلالها الطلبة شعارات عنيفة المضمون ضد "الولي الفقيه".. أي "علي خامنئي" ورجال حكمه, كما طالبوا "محمد خاتمي" بالاستقالة لنزع "ورقة توت الشرعية عن جسد النظام المتعفن".. حسب إحدى الشعارات.
وخلال انتفاضة الطلبة, قام حوالي 150 من أنصار "حزب الله" مدعومين من قبل عناصر الفيلق الخاص (الكوماندوس) للحرس الثوري, بمهاجمة المجمع السكني لطالبات جامعة (تبريز), وتعرضت الطالبات لممارسات عنيفة.. حسب ما جاء في كلمة النائبة "فاطمة حقيقت" أثناء الجلسة العلنية لمجلس الشورى الإسلامي (البرلمان), التي وصفت أعمال أنصار "حزب الله" بأنها كانت أسوأ من جرائم جنكيز خان وجيشه, وقالت النائبة وسط ضجيج نفر من أعضاء تكتل النواب المحافظين: "لقد شرح لنا بعض الطلبة الأعمال الوحشية التي قام بها بلطجية أنصار حزب الله والأوباش الذين كانوا يضربون الطلبة ويطعنونهم بالسكاكين ويرددون: يا حسين يا زهراء... لنحول الجامعة إلى كربلاء!!!
التقية.. في السياسة
في وقت سابق من العام المنصرم 2002 عمدت إيران –بحذر- إلى المس بعقيدة ولدت مع ولادة الجمهورية نفسها, إذ أعلنت رسمياً أنها لا تعارض تعايش دولتين فلسطينية وإسرائيلية.. مدفوعة إلى ذلك بقلقها من أن تجد نفسها معزولة بفعل حرب ضد العراق.
لقد قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية (يوم 16/10/2002): "نؤمن بدولة فلسطينية ولكن إذا اتفق الفلسطينيون والإسرائيليون على حل آخر فلن نعارض, بل سنوافق على مشاركة اليهود الإسرئيليين في تقرير مستقبل المنطقة".
إن هذا "التليين" في الموقف الإيراني ليس هو الوحيد أو الأخير فها هي طهران تتقزّم أمام تهديدات أمريكا التي سبق ووصفها "الخميني" بالشيطان الأكبر, وقال بأنه تجرع السم عند قبوله قرارات الأمم المتحدة بوقف الحرب ضد العراق, أفليس عجيباً –اليوم- أن يصبح شرب السم –عند خلفاء الخميني- مثل شربة الماء.
في المقابل فإن الإدارة الأميركية تصف إيران بأنها أحد أضلاع محور الشر, ومخاوف أمريكا من إيران ترجع إلى أمور رئيسية ثلاث:
أولها الخوف على إسرائيل من المفاعل النووي الإيراني في منطقة "بوشهر", وثانيها تورط إيران في دعم جماعات عراقية "شيعية" متطرفة لاستلاب الحكم وجعله صورة عن مثيله في إيران, وثالثها إيواء جماعات إسلامية متشددة تابعة لتنظيم "القاعدة".
تصدير الثورة
لقد استبشر العرب خيراً في ثورة 1979 التي أطاحت بالشاه, وتوقعوا أن تبني الجمهورية الإيرانية أحسن العلاقات مع الدول العربية, وانتظروا بادرة حسن نية في حل قضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) بإعادتها لدولة الإمارات العربية المتحدة, بعد أن جرى اغتصابها في زمن العهد البائد([2]), وكذلك معاملة العرب "السنة" في إقليم عربستان "الأحواز" بالحسنى إن لم نقل إعطاء هذا الإقليم المسلوب استقلاله.
بيد أن الحكام الجدد أبقوا على التعسف الذي كان, وزادوا عليه التدخل في شؤون الدول العربية ومحاولات زعزعة الاستقرار فيها, لا سيما دول الخليج, من خلال ما عرف بشعار تصدير الثورة.
وإن الحديث في هذا المجال يطول ويطول وينكأ الجراح سيما أن ذكرت الشواهد, وهي كثيرة, وقد انكوى بنار المخابرات الإيرانية أكثر من قطر عربي, وتعرضت تركيبته الاجتماعية للقلاقل والاضطرابات منهم.
واليوم.. تتعرض إيران لحملة إعلامية قد تليها هجمة عسكرية من قبل الولايات المتحدة والدول التي ستتحالف معها, فحري بالجمهورية الإيرانية أن تتخلص من كل الذرائع التي جعلتها في مرمى سهام الاتهامات.
الانفجار... آت
إنها حالة إيرانية قابلة للانفجار, ولا سيما في أوساط الجيل الجديد, الذي لم يعد يثق بما قدمته (الثورة) بعد سقوط الشاه, عام 1979. فالجيل الأول أسقط الشاه, وأقام النظام الديني بواسطة العنف والسلاح, وجاء الجيل الثاني في ظل الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) وسط 270 ألف جثة و50 ألف جريح في الجانب الإيراني, وهو مُحبط, خائب, يائس. أما الجيل الثالث فيتراوح عمره ما بين 16 و 30 سنة, فهو نشأ وكبر في ظل نظام حكم (الملالي), ويزيد عدد المنتمين إليه عن 18 مليوناً, مليونان في الجامعات و4 ملايين لم يُكملوا دراساتهم الجامعية, ومعظم هؤلاء لا يُحبّذ (ولاية الفقيه) وليس معجباً برجالات الدين الذين يديرون سياسة البلاد بشكل لا يتفق مع الديمقراطية.
ويقول المراقبون: إن الجيل الثالث, هذا, هو الذي يقرر مستقبل البلاد, وهو يُعاني اليوم.. البطالة والعزلة, ويرغب في الانفتاح على العالم الخارجي.
إن هذا الجيل لا يستعدي الدين, لكنه غير راغب في لعب دور الغنم. وهذا الأمر كان أشار إليه الإصلاحي "هاشم أغاجاري" عندما نصح بعدم السير وراء (الملالي) بشكل أعمى. وهذا الجيل ينقل إيران إلى مزيد من الليبرالية, وإلى أضعاف الثيوقراطية. ولكي يتم له ذلك لا بد من أن يواجه التطرف بالحكمة والوعي, مستفيداً من المتغيرات الدولية والإقليمية, فهل ينجح؟ أم أن التيار المحافظ مقدم على تطبيق شعار "عليّ وعلى أعدائي".. ومهما كانت النتائج؟
لقد نصح 163 نائباً, ومعهم أكثر من مئة مثقف, ومدرس حوزة, وصحافي, وكاتب.. نصحوا مرشد الثورة الإيراني علي خامنئي بترك سياسة القمع, واحترام آراء الـ 20 مليون الذين انتخبوا محمد خاتمي والعمل على ردع الخطر الأميركي, باعتماد نظام قائم على الحرية والديمقراطية, وحسن الجوار مع الآخرين بدلاً من سلبهم أراضيهم وحقوقهم.
ولكن..... هل نقول يوماً: على نفسها جنت براقش؟!
([1]) مجلة الشريعة (الأردن) أغسطس 2003 – العدد 452.
([2]) تم احتلال هذه الحزر وغيرها من الأراضي العربي سنة 1971, وأعادت إيران في ظل الثورة احتلالها سنة 1992, وحتى الآن! –المحرر-.