بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وجه النواب السنة في البرلمان الإيراني رسالة هي الأولى من نوعها إلى أربعة من المراجع الشيعة الكبار نددوا فيها بما وصفوه بـ "التمييز الفاضح" ضد أهل السنة في إيران من قبل أجهزة الحكم، وقد وجهت الرسالة إلى اثنين من المراجع المعارضين، وهما آية الله حسين على منتظري وآية الله عبد الكريم موسوي أردبيلي، واثنين آخرين من المرتبطين بالسلطة العليا في طهران وهما آية الله فاضل القوقازي، الملقب بلنكراني، وناصر مكارم الشيرازي.
ذكرت الرسالة أن أهل السنة يشكلون ما يزيد على عشرين في المائة من سكان إيران حسب تقديرات غير رسمية، بينما تقول السلطات الرسمية إنهم لا يشكلون أكثر من تسعة في المائة من السكان البالغ عددهم 65 مليون نسمة، وتساءل النواب السنة، عما إذا كان تولى أصحاب الكفاءة والمؤهلات العلمية من السنة الوظائف القيادية والمسؤوليات الكبرى كالوزارة ونيابة الوزراء والسفارة فضلا عن قيادة القوات المسلحة والمسؤوليات الرئيسية في القضاء، أمرا مخالفا للمذهب الشيعي المسيطر على البلاد، وأشاروا إلى أن أهل السنة محظور عليهم تولي تلك المناصب حيث لا يوجد سني واحد في مجلس الوزراء والمناصب الرئيسية في الوزارات والمؤسسات الكبرى، كما أن المحافظين ورؤساء الدوائر الرسمية في المدن والمحافظات التي يشكل أهل السنة الأغلبية المطلقة فيها مثل كردستان وبلوشستان وطالش وبندر عباس والجزر الخليجية وبوشهر وتركمن صحرا وشرقي خراسان، هم جميعا من الشيعة.
واشتكى النواب الإيرانيون السنة من عدم موافقة السلطات العليا على إقامة مسجد لأهل السنة في طهران رغم انتماء ما يزيد على نصف مليون من سكان العاصمة إلى المذهب السني، وقالوا في رسالتهم: "بينما هناك معابد وكنائس للأقليات الدينية مثل الزرادشتيين واليهود والنصارى في العاصمة، تواصل السلطات الحاكمة رفضها لبناء مسجد لأهل السنة في طهران"، وكشفت الرسالة أن النظام أقام مركزا في كردستان تحت اسم "المركز الإسلامي الأعلى" يديره رجل دين شيعي معين من قبل السلطة العليا لكي يشرف على كافة الأمور الدينية وغير الدينية الخاصة بأهل السنة، وبينما الشيعة قادرون على مراجعة من يقلدونه من مراجع التقليد حيث هناك نوع من التعددية في الآراء الفقهية ومصادر التشريع الديني لدى الشيعة فرضت على أهل السنة قيوداً صارمة بربط مدارسهم ومناهجهم الدراسية، وأمورهم الشخصية والحسبية بالمركز الإسلامي الأعلى.
ولا توجد في إيران إحصائية دقيقة توضح عدد الذين ينتمون إلى أهل السنة والجماعة، لكن على الرغم من كل ذلك نستطع أن نجزم بأن عددهم يقدر بأكثر من 18 مليون نسمة من إجمالي سكان إيران البالغ عددهم حوالي 65 مليوناً وهذا العدد يعادل أكثر من 25% من سكان إيران، ويشكل الشعب الكردي حوالي نصف أهل السنة في إيران حيث يعيش في إيران أكثر من 8 ملايين من أبناء الشعب الكردي وأكثر من 95% منهم من أهل السنة، ويأتي الشعب البلوشي في المرتبة الثانية من أهل السنة في إيران.
ووفقا لما ذكرته مصادر أهل السنة في إيران فإن أوضاعهم تذبذبت بشدة خلال الثلاثين عاما الأخيرة، فحين اندلعت الثورة المليونية في إيران عام 1979 شارك أبناء أهل السنة بكل أطيافهم في تلك الثورة وكان علماء وشباب أهل السنة في مقدمة المؤيدين لإقامة الجمهورية الإسلامية، لكن بعد انتصار الثورة وسقوط نظام الشاه بأشهر قليلة بدأ الخميني وتلاميذه بالخداع والنفاق لاحتكار السلطة وسيطروا على الحكم وحولوا آمال الشعب في إقامة جمهورية إسلامية إلى إقامة جمهورية طائفية شيعية، واستعملوا السلطة لقمع الأقليات المذهبية والقومية.
أدلة الاضطهاد
ويقول المصدر الكردي، الذي خشي من ذكر اسمه، إنه منذ بداية الثورة وحتى اليوم تمارس الحكومة الإيرانية أبشع أنواع الظلم والتمييز ضد علماء ودعاة وشباب ومثقفي وأبناء أهل السنة وخاصة ضد الشعبين: الكردي والبلوشي، وروى المصدر الكردي بعض الحقائق حول الأوضاع المأساوية التي يعيشها أهل السنة في إيران، ومن بينها:
1ـ أن الشيعة أحرار في نشر عقائدهم وممارسة طقوسهم وتأسيس الأحزاب والمنظمات في حين أنه ليس لأهل السنة شئ من هذه الحقوق بل هم يظلمون ويطردون ويسجنون ويقتلون.
2ـ منع أئمة وعلماء أهل السنة من إلقاء الدروس في المدارس والمساجد والجامعات ولا سيما إلقاء الدروس العقائدية، بينما لأئمتهم ودعاتهم الحرية المطلقة في بيان مذهبهم بل التعدي على عقيدة أهل السنة.
3ـ وضع مراكز ومساجد أهل السنة تحت المراقبة الدائمة، وتجسس رجال الأمن وأفراد الاستخبارات على جوامع أهل السنة لا سيما أيام الجمعة ومراقبة الخطب والأشخاص الذين يتجمعون في المساجد.
4ـ جميع وسائل الإعلام والنشر كالإذاعة والتلفزيون والكتب والجرائد والمجلات شيعية المذهب ولا يملك أهل السنة أيا من تلك الوسائل بل تستعمل هذه الوسائل لضربهم وإضعافهم.
5ـ حرمان شباب وأبناء أهل السنة لاسيما المثقفين منهم من تنظيم ندوات واجتماعات خاصة بهم مهما كان نوعها أو حجمها.
6ـ منع بيع وشراء الكتب العقائدية لأهل السنة، ومنع كتب العلماء البارزين مثل كتب الإمام ابن تميمة وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب وعلماء آخرين.
7ـ منع دخول أي كتب أو مجلات إسلامية من الدول العربية أو الإسلامية إلا بعد موافقة وزارة الإرشاد.
8ـ أهل السنة في إيران محرومون من بناء المساجد والمراكز والمدارس في المناطق ذات الأكثرية الشيعية، فمثلا يعيش في طهران حوالي مليون شخص من أهل السنة ولكن ليس لديهم أي مسجد أو مركز يصلون أو يجتمعون فيه، بينما توجد كنائس للنصارى واليهود ومعابد للمجوس، وذلك يتم تحت ذريعة الحفاظ على وحدة المسلمين السنة والشيعة وتجنب التفرقة بينهم، في حين للشيعة مساجد وحسينيات ومراكز في المناطق ذات الأكثرية السنية، وبالإضافة إلى طهران فإن هناك مدناً كبيرة ليس فيها أي مسجد لأهل السنة مثل أصفهان، يزد شيراز، ساوة، وكرمان.
9ـ هدم وإغلاق المساجد والمدارس والمراكز الدينية لأهل السنة مثل هدم مسجد (جامع شيخ فيض) الواقع في شارع خسروى في مدينة مشهد بمحافظة خراسان في 18 يوليو "تموز" 1994 وتحويله إلى حديقة للأطفال، بالإضافة على إغلاق عشرات المساجد والمركز الدينية مثل مدرسة ومسجد نور الإسلام في مدينة جوانرو في كردستان، ومسجد ومدرسة شيخ قادر بخش البلوشي محافظة بلوشستان، ومسجد لأهل السنة في هشت ثر في محافطة جيلان، ومسجد حاج أحمد بيك في مدينة سنندج مركز محافظة كردستان، ومسجد في كنارك في ميناء ضابهار ببلوشيتان، ومسجد في مدينة مشهد في شارع 17 شهريور، ومسجد الإمام الشافعي في محافظة كرمانشاه في كردستان، ومسجد أقا حبيب الله في مدينة سنندج بكردستان، ومسجد الحسنين في شيراز، ومسجد ومدرسة خواجة عطا في مدينة بندر عباس بمحافظة هرمزكان، ومسجد النبي في مدينة ثاوة في كردستان.
10ـ اعتقال وسجن عدد كبير من الشيوخ والعلماء البارزين وطلبة العلم والشباب الملتزمين دون أني ذنب أو ارتكاب أية جريمة فقط لأنهم متمسكون بعقيدتهم الإسلامية ويدافعون عن الحق ويطالبون بحقوقهم الشرعية.
11ـ اغتيال أو اختطاف ثم إعدام العشرات من العلماء والدعاة البارزين والمئات بل الآلاف من المثقفين وطلبة العلم والشباب الملتزمين من أهل السنة ومنهم الشيخ العلامة ناصر سبحاني، والشيخ عبد الوهاب صديقي، الشيخ العلامة أحمد مفتي زادة، الشيخ الدكتور على مظفريان، الشيخ الدكتور أحمد ميرين سياد البلوشي.
______________________________
المصدر: الوطن العربي ـ العدد 1457ـ الجمعة 4/2/2005