أهل السنة في إيران
تحديات الواقع وآفاق المستقبل
بالرغم من أن أهل السنة في إيران عانوا ويعانون الظلم والاضطهاد والتهميش على يد الحاكمين الشيعة, إلا أننا قلّما نجد من ينبري لبيان هذه القضية, ويسلط عليها الأضواء بالرغم من استفحالها.
الباحث المصري عصام عبد الشافي يوضح لنا هذه المعاناة التي يتعرض لها المسلمون السنة في إيران, والوعود التي يمنحها لهم الحكام, ولا تترجم إلى واقع............... المحرّر.
تحتل إيران موقعاً مهما في الخريطة السياسية والاستراتيجية إقليمياً وعالمياً فهذا البلد المتسع المترامي الأطراف والغني بموارده كان مركزاً لحضارة وامبراطورية عظيمة, ولم تتوقف دورة الحضارة في ايران عبر عصور التاريخ المختلفة, وإنما ظلت إيران مركز تأثير في العالم والأقاليم المحيطة بها مثل شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى والخليج العربي والوطن العربي وتركيا, وقد كان لموقعها الجغرافي دور محوري في بقاء إيران على صلة بالأحداث والتفاعلات في العالم.
فإيران تقع في قلب القارة الآسيوية, يحدها من الشمال دول الاتحاد السوفييتي (سابقاً) ومن الشرق أفغانستان وباكستان ومن الغرب العراق وتركيا ومن الجنوب خليج عُمان والخليج العربي, وتبلغ مساحتها 1.648 مليون كم مربع منها 1.636 مليون كم مربع يابسة و 12000 كم مربع مياه, ويبلغ طول حدودها البرية
* من مجلة مختارات ايرانية التى تصدر عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية. العدد 31 فبراير (شباط) - 2003
5440 كم, كما يبلغ طول شريطها الساحلي 2440كم على طول الخليج العربي وخليج عُمان وقرابة 740 كم على بحر الخزر(قزوين).
وقلب إيران الجغرافي هو الهضبة الإيرانية التي ترتفع عن سطح البحر ارتفاعات تتراوح ما بين 1000 و 1500 متر يحيط بها مجموعة جبال شاهقة أهمها مجموعة زاجروس التي تتمدد مكونة مجموعة من الوديان والسهول, وداخل هذه الهضبة وجد العنصر الفارسي الذي ظل طوال التاريخ يمثل المجموع الأساسي من سكان فارس ومنه عرف الاسم القديم لإيران وذلك على الرغم من وجود جماعات سكانية متميزة عبر التاريخ في الهضبة كالأذربيجانيين والأتراك والأكراد والعرب وأقلية صغيرة من الهنود.
وقد بلغ عدد سكان إيران 70.3 مليون نسمة في يونيو 2000, ويتوزع السكان بين عدة جماعات عرقية وأهمها (وفقاً لبيان رسمي صادر عن وكالة الأنباء الإيرانية): الفارسي 51% والأذري 24% والجيلاكي والمازاندراعي 8% والعربي 3% والكردي 7% واللور 2%, والبلوش 2%, والترك 2%, وعناصر أخرى 1%, كما تتنوع الأديان والمذاهب وتتوزع بين: الشيعة 80% والسنة 10% والطوائف اليهودية والنصرانية والبهائية والزرادشتية 10%.
والمسلمون السنة في إيران حسب الإحصاءات شبه الرسمية تتراوح أعدادهم بين 10 و 15 مليون مسلم يشكلون نسبة تتراوح بين 15 و 20 % من الشعب الإيراني, وهم مقسّمون إلى 3 عرقيات رئيسية هي الأكراد والبلوش والتركمان, ويسكنون بالقرب من خطوط الحدود التي تفصل إيران عن الدول المجاورة ذات الأغلبية السنية مثل باكستان وأفغانستان, والعراق وتركمانستان, أما المسلمون السنة من العرق الفارسي فوجودهم نادر.
إيران السّنّيّة
لقد كانت إيران دولة سنية حتى القرن العاشر الهجري, وفي الفترة التي كانت فيها على عقيدة أهل السنة والجماعة قدّمت إيران, بسبب ظروفها الإجتماعية والتاريخية والثقافية وقربها لمهبط الوحي, المئات من الفقهاء والمحدّثين والمؤرخين والمفسّرين والعلماء في كل فن وعلم, ويكفي تدليلاً على ذلك أن أصحاب الكتب الستة كلهم إيرانيون إلى أن تشيّعت فأصبحت بؤرة اصطدام ومركزاً للصراع ضد أهل السنة, لأن الدولة الشيعية الصفوية, كانت تتعاون مع قوى الاستعمار لوقف المد السني الاسلامي, كما بُنيت تلك الدولة على آلاف الضحايا من العلماء السنة وفقهائهم وقضاتهم في إيران, وكان ذلك سبباً في إخلاء المدن الكبرى التي كانت مراكز للعلم والفقه والسنة في العالم, كتبريز وأصفهان والريّ وطوس (التي بنيت بقربها مدينة مشهد) وغيرها الكثير, وكان ذلك سبباً لإخلائها من أهل السنة الذين إما قتلوا أو استشهدوا أو تشيّعوا جبراً أو انسحبوا إلى المناطق الجبلية التي يصعب الوصول إليها, فأصبحوا يقطنون المناطق الحدودية الجبلية كبلوشستان وكردستان والمناطق الحدودية الأخرى (فيسكن الأكراد في غرب إيران على الحدود العراقية والتركية, ويسكن التركمان في شمالي إيران على الحدود التركمانية, كما أن العرب يسكنون في حاشية الخليج العربي, أما عرب خوزستان وهم معظم العرب الإيرانيين فهم من الشيعة بسبب مجاورتهم لعرب جنوب العراق الذين هم من الشيعة, ويسكن البلوش في الجنوب الشرقي لإيران على الحدود الباكستانية والأفغانية), ليصبحوا بعد ذلك على هامش الحياة السياسية الإيرانية بسبب استمرار العداء الطائفي والقومي لهم.
ونظراً لأن أهل السنة في إيران من شعوب غير فارسية فقد عاشوا في ظل النظام الملكي السابق أوضاعاً سيئة, فكانوا مواطنين من الدرجة الثانية, أولاً بسبب بعدهم عن المدن الكبرى والعاصمة, ثم بسبب اعتقادهم المخالف للفرس الشيعة, لأن الشاه كان يرفع لواء المجوس والقومية الفارسية, وبما أن الأكراد والبلوش والعرب وغيرهم من السنة لم يكن لهم إسهام في القومية الفارسية الوثنية, فلم يكونوا ينالون حظهم من القسط الاجتماعي والإداري والوظيفي والمساواة مع الفرس.
ولمواجهة الأوضاع قام الشيخ أحمد مفتي زاده (الزعيم الروحي لأهل السنة في إيران), هو ومولاي عبد العزيز البلوشي بتأسيس مجلس لشورى أهل السنة سمّي اختصاراً بالشمس تخفيفاً " لمجلس الشوري المركزي للسنة ", وكانت الدولة ضعيفة آنذاك وكانت مشغولة بحربها مع أعدائها الألدّاء من المنشقين والمعارضين واجتمع أول مجلس سنوي لشورى السنة في طهران, وعقد الثاني في بلوشستان.
والأقلية السنية في إيران اليوم, ليست أقلية دينية تعيش في مجتمع مغاير لها في عقيدتها, ولكنها أقلية مذهبية تعتنق مذهباً إسلامياً مخالفاً للمذهب الفقهي الذي تتبناه الدولة, وبالرغم من كونهم يمثلون أكبر أقلية مذهبية في البلاد, إلا أن مستوى تمثيلهم في البرلمان والتشكيل الوزاري لا يتناسب مع نسبتهم العددية.
أسباب الأزمة:
المشاكل والقيود التي يتعرض لها أهل السنة في إيران شديدة التداخل, ومرجعها ليس المذهبية وحدها وإن كانت أكبر العوامل, فجزء منها يعود لأسباب عرقية في دولة متعددة العرقيات مثل إيران, فجميع المسلمين السنة في إيران ليسوا من أصول فارسية فهم إما أكراد أو بلوش أو ترك, أو لأسباب جغرافية فمعظم أهل السنة يقيمون على أطراف الدول التي تصل بينها وبين دول سنية هي على خلاف مع إيران مثل العراق أو أفغانستان أو باكستان, وزاد من مشكلتهم البعد السياسي الذي تمثل في عدم انخراطهم في الثورة الإيرانية منذ بدايتها, واكتفائهم بدور المراقب في الوقت الذي شاركت فيه كل فئات الشعب في الثورة.
وكانت هذه الأسباب وغيرها مبرراً لإثارة الشك تجاههم فهم في نظر النظام الإيراني ليسوا مجرد فصيل يختلف مذهبياً معه, ولكنهم عرق مشكوك في انتمائه إلى جسد الدولة الإيرانية, وكثيراً ما يتهمون بالقيام بعمليات التهريب أو الاتصال بالجهات المعادية, وهي مبررات كافية للنظام الإيراني للتنكيل بهم, وإن كان النظام أنكر مراراً أنه يقوم باضطهادهم أو تعذيبهم إلا أنه اضطر أخيراً وتحت ضغط الصحافة إلى الاعتراف بأن عدداً من رجال النظام قاموا بأعمال عنف ضد المسلمين السنة وغيرهم من المعارضين, ولكن السلطات قالت أن ذلك لم يصدر بأوامر من القيادة أو من الولي الفقيه.
أهل السنة – تحديات الواقع:
وأمام هذا الاعتراف, تكشفت العديد من الحقائق, وتعددت التقارير حول العديد من مظاهر التحديات التي يعاني منها أهل السنة في إيران, ومن بين هذه المظاهر:
1-تقييد حرية بناء المساجد الخاصة بهم: حيث لا يوجد مسجد سني في المدن الكبرى التي يمثل الشيعة فيها الأغلبية, مثل أصفهان وشيراز ويزد, وكذلك في العاصمة طهران التي يوجد فيها نصف مليون سني, حيث تصطدم الأقلية السنية برد الحكومة بأن المساجد الشيعية مفتوحة أمامهم ويمكنهم الصلاة فيها, ولا داع لبناء مساجد خاصة بهم [1].
وكان الإمام الخميني قد وعد وهو في باريس بتساوي حقوق السنة مع الشيعة الذين كانوا بحاجة ماسة إلى تأييد أهل السنة ضد الأحزاب اليسارية وأنصار الشاه فاضطروا إلى ممالأة السنة, وحاول بعض علماء السنة من جميع المناطق السنية الوقوف مع النظام الجديد ضد الشيوعيين والحصول على حقوقهم السياسية قدر المستطاع عبر القنوات الحكومية التي كانت تعدهم بكل شيء, ولكن ما لبثت الأوضاع أن اضطربت في كردستان وتركمان, -قيل أنها- بمؤامرة من النظام نفسه حيث أخرج اليساريون من المدن المركزية إلى هذه المدن الحدودية.
وكان الشيخ عبد العزيز البلوشي النائب المنتخب في مجلس الخبراء الذي عهد إليه صياغة الدستور الإيراني بعد الثورة, والشيخ مفتي زاده قد طلبا من الخميني أرضاً لمسجد أهل السنة في طهران فوافق تحت الضغط الداخلي والخارجي (قامت به رابطة العالم الاسلامي) وعرضت الحكومة عدة أراض مما كانت قد استولت عليها من أنصار الشاه وصادروها, فرفضها أهل السنة فتم تخصيص عشرة آلاف متر مربع من الأراضي الحكومية بجوار فندق الاستقلال للمسجد, وعندما أراد أهل السنة البناء قامت السلطات الحكومية بمصادرة الأراضي وحسابات المسجد بحجة أن مفتي زاده وهابي المذهب وكان في وقته مؤتمر الطائف منعقداً فربطوا مفتي زاده به.
2-هدم المساجد والمدارس: مثل مدرسة ومسجد الشيخ قادر بخش البلوشي ومسجد كيلان في هشت بر وآخر في كتارك جابهار بلوشستان, ومسجد في مشهد ومسجد الشيخ فيض في شارع خسروي في محافظة خراسان الذي صار حديقة, ومسجد أهل السنة في مدينة يزد, وفي الأهواز وعبادان حيث استولى عليهما حرس الثورة كما أن مسجد آبان في مشهد صودرت الأرض المخصصة له وتم الاستيلاء عليه بعد السماح ببنائه, كما أن مسجد شيخ فيض الكبير في مشهد والذي مضى عليه أكثر من قرنين هدم عام 1994 ومسجد طوالش ومدرستها الدينية لأهل السنة سجن بانيهما ومديرهما, ثم استولوا عليهما, وأما مسجد نغور والمدرسة الدينية فيها فقد تم هدمهما أيضاً في بلوشستان عام 1987, ومسجد قباء والمسجد الجامع الكبير في تربت جام, الذي استولى عليه الحرس الثوري لسنوات عديدة ومسجد الحسنين في شيراز أعدم خطيبه وحولوه إلى محل لبيع الأفلام لسنوات عديدة, هذا فضلاً عن هدم كثير من المساجد الصغيرة الأخرى حيث تعتبر الحكومة الإيرانية تلك المساجد إما مساجد ضرار (بنيت لغير أهداف العبادة الخالصة) أو بنيت بغير إذن من الحكومة أو أن أئمة تلك المساجد لهم ولاءات مع جهات معادية.
3-الاعتقالات والاغتيالات, فحسب العديد من الروايات والتقارير فقد تعرض المسلمون السنة للعديد من مظاهر الاضطهاد منذ الأيام الأولى للثورة الاسلامية في إيران حيث انقلب آية الله الخميني على من عاونه من علماء السنة في الثورة وهو الشيخ أحمد مفتي زاده, فكان مصيره الاعتقال الذي استمر طيلة عقدين من الزمان, كما تعرض كثير من علماء السنة للاعتقال والتعذيب والقتل والاغتيالات في الشوراع, كما عانوا من التضييق في ممارسة الشعائر وفي المدارس وإقامة الصلوات, وما يتعرض له علماء الدين السنة يتعرض لمثله الطلاب والشباب من المسلمين السنة في المدارس والجامعات بل وأثناء أدائهم للخدمة مثل أقرانهم من الشيعة في الجيش الإيراني [2].
وقد نشرت منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي لعام 1993:(أدى التوتر بين الحكومة والمسلمين السنة من قبيلة نروى في مقاطعة سيستان بإقليم بلوشستان جنوب شرقي إيران إلى نشوب عدد من المصادمات المسلحة واعتقال عشرات من أفراد قبيلة نروى وقد أسيئت معاملة بعض هؤلاء المعتقلين وحكم على آخرين بالسجن أو الإعدام بعد محاكمات مباشرة وتردد أن كثيرين من المقبوض عليهم كانوا لا يزالون معتقلين دون تهمة أو محاكمة بسجن زاهدان في نهاية عام 1992).
4-تلغيم أراضي أهل السنة: حيث قامت الحكومة الايرانية بتلغيم مساحات كبيرة من الأراضي البلوشية المتاخمة لأفغانستان, وتحديداً عند مرتفعات سلسلة جبال بير سوران, ودره غلاب, وغابة غزو, وآبار آب شورك, بحجة أنها مناطق لتهريب المخدرات واتخذت الحكومة من ذلك فرصة لتشويه سمعة المسلمين السنة وفرض المزيد من القيود والتضييق الاقتصادي عليهم فقد كانت هذه الأراضي مناطق رعي للمسلمين من البدو السنة, وأدى هذا التصرف إلى تعرض عشرات منهم ومن مواشيهم للموت بشكل منتظم نتيجة انفجار الألغام.
5-التحدي السياسي: ويأخذ هذا التحدي العديد من الأبعاد من بينها:
(أ) البعد التمثيلي: يتمثل في عدم منح أهل السنة تمثيلاً في البرلمان يتناسب مع حجمهم الحقيقي إذ لا يمثلهم في البرلمان سوى 12 نائباً فقط يمثلون ما بين 10إلى 15 مليون نسمة, في حين يمثل الشيعة في البرلمان نائب عن كل 200 ألف تقريباً, كما يتهم السنة في إيران الحكومة بإنجاح العناصر السنية الموالية لها وليست المعبرة عن مطالبهم.
(ب) التناقض بين النصوص الدستورية والواقع المعاش فعلياً والممارسات التي تقوم بها السلطات الحكومية ضد أهل السنة: فقد نص الدستور على العديد من الحقوق والحريات لمختلف الأقليات ومن ذلك:
-الاحترام وحرية أداء المراسم والشعائر الخاصة, حيث نصت المادة (12) على أن " الدين الرسمي لإيران هو الاسلام والمذهب الجعفري هو الإثنى عشري, وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير, وأما المذاهب الاسلامية الأخرى والتي تضم الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي فإنها تتمتع باحترام كامل, وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي من مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية, وما يتعلق بها من دعاوى في المحاكم, وفي كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية, فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية تكون وفق ذلك المذهب. هذا مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى ".
-حرية استخدام اللغات الخاصة: حيث نصت المادة (15) على أن "اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة: هي الفارسية لشعب إيران والكتب الدراسية بهذه اللغة والكتابة, ولكن يجوز استعمال اللغات المحلية والقومية الأخرى في مجال الصحافة ووسائل الاعلام العامة, وتدريس آدابها في المدراس إلى جانب اللغة الفارسية " كما نصت المادة (16) على أن " بما أن لغة القرآن والعلوم والمعارف الاسلامية هي العربية وأن الأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كامل لذا يجب تدريس هذه اللغة بعد المرحلة الابتدائية حتى نهاية المرحلة الثانوية في جميع الصفوف والاختصاصات الدراسية".
-حرية تشكيل التنظيمات والهيئات المختلفة: حيث نصت المادة (26) على أن " الأحزاب والجمعيات والهيئات السياسية والاتحادات المهنية والهيئات الاسلامية والأقليات الدينية المعترف بها, تتمتع بالحرية بشرط ألا تناقض أسس الاستقلال والحرية والوحدة الوطنية والقيم الاسلامية وأساس الجمهورية الاسلامية, كما أنه لا يمنع أي شخص من الاشتراك فيها, أو إجباره على الاشتراك في إحداها".
ولكن من القراءة الدقيقة لهذه النصوص نجد أنها تقيم حالة من الصدام والصراع مع قسم كبير من الشعب (يمثله أهل السنة) وخاصة أنها سوف توجه التصرفات الحكومية وتعطيها غطاء من المحاسبة, نظراً لأن المذهب الجعفري يسقط كل المذاهب الاسلامية الأخرى ولا يقيم لها وزنا, وتركيز هذه الصبغة الطائفية في الدستور الإيراني تتكرر في مواد أخرى متعلقة مثلا بمجلس الشورى أو الجيش وقسم الرئيس, وهذا القلق في الدستور تجاه الهوية الطائفية من خلال تكرار النص على مذهب الشيعة هو في الحقيقة خوف من المستقبل الذي لا يكون فيه الملالي في الحكم!
6-التحدي الديني: فنظراً لأن أهل السنة يعتبرون أنفسهم مخالفين في بعض المسائل الفقهية للشيعة الايرانيين الذين يغلب عليهم المذهب الإثنى عشري, فإن كل طرف يحاول الدعوة إلى إفكاره التي يؤمن بها وسط الطرف الآخر, وهنا تقول الأقلية السنية إنها تتعرض لفرض الأفكار الشيعية بالقوة في حين تمنعها الحكومة من تعليم مذهبها.
فالإيرانيون من السنة والشيعة يحملون فوق كاهلهم ميراثاً من الخلافات والعداء التاريخي والمذهبي, ويزيد من حالة المذهبية أن النظام الايراني لم يفعل إلا ما يؤدي إلى تدعيمها رغم ظهوره في السنوات الأخيرة بمظهر المتسامح,فأحد المزارات الرئيسية في إيران قبر أبي لؤلؤة المجوسي, ورغم أنه من عبدة النار إلا أنهم يحتفون به لمجرد أنه قاتل عمر, كما أن من عقائدهم سب الصحابة وتجريح كبرائهم, وغير ذلك من الأمور التي لا يمكن أن يقبلها المسلمون السنة.
وفي إطار التحدي الديني أيضاً, تأتي اتجاهات التقريب بين السنة والشيعة التي يدعو إليها عدد من علماء المذهبين, وتتبناها العديد من المؤسسات والجهات الرسمية والعلمية في عدد من الدول العربية والاسلامية, وعن هذه الدعوة يقول رئيس رابطة أهل السنة في إيران: " إن الإتجاه نحو التقريب بين المذهبين هو اتجاه خطير ومدمر بصورة تدفع إلى التفكير في أن وراءه مخطط تآمري ضخم على العالم الاسلامي, ويترتب على السير في هذا الطريق عدد من النتائج الخطيرة على الاسلام والمسلمين وخاصة أهل السنة منهم ".[3]
7-الإهمال والتجاهل: فمناطق أهل السنة هي الأقل استفادة من الخدمات التي تقدمها الدولة, ومساجدهم القليلة تتعرض لرقابة صارمة, وملاحقة مستمرة ولا يسمح لهم بإقامة مدارس, وفي الوقت الذي يوجد فيه معبد للزرادشتية في قلب طهران, فإن المسلمين السنة ممنوعون من إقامة مسجد يؤدون فيه شعائرهم رغم أنه مطلب يلحون عليه منذ سنوات.
أهل السنة, آفاق المستقبل:
حقيقة التقارب
إذا كان هذا عن التحديات التي يعاني منها أهل السنة في إيران, فإن السنوات الخمس الأخيرة وخاصة مع بدايات حكم خاتمي, شهدت نوعاً من التحسن في أوضاعهم, فالمسلمون السنة الآن ممثلون في البرلمان ب 14 نائباً, كما شكل الرئيس خاتمي لجنة لمتابعة شئونهم مشكلة من رئيس شيعي (ابن شقيقة الرئيس خاتمي, والذي كان مديراً للمخابرات قبل ذلك في أحد الأقاليم ذات الأغلبية المسلمة) واثنين من المسلمين السنيين, وهؤلاء النواب يطالبون باستمرار بتحسين أحوال المسلمين السنة ويسعى خاتمي لذلك في حدود قدراته كرئيس للجمهورية, وهذه المؤشرات وغيرها تنبئ بمستقبل أفضل لأهل السنة في إيران, إلا أن تحقيق ذلك يبقى رهناً بعدد من الاعتبارات:
-أنه إذا كان هناك حوار واسع بين العديد من الباحثين والمفكرين للتقارب بين السنة والشيعة, فإنه ما لم يكن الحوار حول أصول النزاع بين السنة والشيعة والوصول إلى اتفاق واضح فيما يحق الحق ويبطل الباطل ستكون العملية عملية خداع يراد بها جر السنة إلى مواقف الشيعة!! وإلا لماذا لا نرى تطبيقاً عملياً للتقارب بين السنة والشيعة في إيران؟ ولماذا لا يسمح بمساجد للسنة في العاصمة طهران؟ ولماذا لا يسمح لأهل السنة أن يمارسوا نشاطهم الديني بحرية حتى لو خالف الشيعة؟ ولماذا لا يحصل السنة على حقوق سياسية مساوية للأسف لحقوق اليهود في إيران؟.
-لقد بيّن واقع التجربة السياسية في إيران الأدوار المزدوجة التي يمكن أن يلعبها الدين الواحد, بل والمذهب الواحد, فبينما يستند المحافظون إلى قراءة مغلقة لأساسيات المذهب الشيعي, مستظلين بقدسية الولي الفقيه, فإن الاصلاحيين الإسلاميين يستندون إلى ذات العقيدة الإسلامية, وذات المرجعية الشيعية الجعفرية مؤكدين على علوية القانون والمساواة بين المواطنين وعلى دور إرادة الشعب في إفراز المؤسسات والأشخاص.
ولعله من المطلوب اليوم من الاسلاميين الايرانيين (محافظين واصلاحيين) أن يتأملوا التجارب التي سبقتهم, سواء داخل إيران نفسها أو في محيطهم الاســـلامي والدولي, فليس بمقدور المحافظين إيقاف عجلة التاريخ أو احتكار السلطة تحت عباءة الشعارات ومبادئ الثورة, أو الاكتفاء باستخدام غطاء الولي الفقيه, كما أن الاصلاحيين يخطئون خطأًًً جسيما ًً إذا فهموا أن عملية الاصلاح ستؤثر على مرتكزات النظام الاجتماعي والسياسي.
-إذا كان الدستور يختار الطائفية وينص عليها للأبد فهل من أمل في التقارب أو الوحدة؟ وإذا كان جزء من الشعب الإيراني يظلم لأنه سني فكيف سيكون التعامل مع السنة من الدول الأخرى؟ وإذا كان الدستور يعلي من القومية والشعوبية والعرقية من خلال إعلاء اللغة الفارسية علي لغة القرآن؟ وإذا كانت السياسة الخارجية تصب دائماً في العداء لأهل السنة؟ فكيف ستكون هذه الوحدة والأخوة الاسلامية؟!.
إن الوحدة الاسلامية تتطلب التخلي عن الهوية الطائفية للدولة الايرانية وعن المظاهر الفارسية, وإعطاء أهل السنة حقوقهم, وترك السياسات العدائية تجاه العرب والمسلمين, وتبني سياسات متسامحة تجاه نشر المذاهب الاسلامية في إيران, وإقامة مؤسسات للوحدة الاسلامية والتقارب بين المذاهب في إيران يقوم عليها نخبة من أتباع المذاهب الأخرى يرشحهم الأزهر الشريف ومجمع الفقه الاسلامي في مكة, وغيرهما من المؤسسات الاسلامية التي تلقى قبولاً واتفاقاً بين عموم المسلمين.
-إن أوضاع المسلمين السنة مرشحة لمزيد من التحسن خلال السنوات القادمة وخاصة بعد أن أظهروا في الانتخابات الأخيرة بمجلس الشورى الإيراني حضوراً لافتاً في دعمهم للاتجاه الاصلاحي, حيث ظهرت لأول مرة قائمة النواب الاصلاحيين قالوا إنها مدعومة من المسلمين السنة في البلاد, وكان ذلك بالتنسيق مع محمد رضا خاتمي شقيق الرئيس وزعيم الاتجاه الاصلاحي في الانتخابات.
-إن تطورات الأحداث والسياسات الخاصة بأهل السنة في إيران تطرح سؤالاً مهماً مفاده: " هل يستطيع مشروع الوفاق الوطني –الذي طرحته " جبهة الثاني من خرداد "(التكتل الذي قاد الرئيس محمد خاتمي إلى السلطة عام 1997) في 7/4/2002 أن يجعل عام 2002 عاماً للوفاق الوطني تناقش فيه جميع القضايا الخلافية بين التيارات السياسية المختلفة للخروج بمشروع ميثاق وطني أو ميثاق شرف بين القوى السياسية والتغلب على حالات الانقسام السياسي والاجتماعي التي يعاني منها المجتمع الايراني؟ وأين الأقليات الدينية والقومية من هذا المشروع؟.
إن نجاح مشروع خاتمي الاصلاحي يبقى مشروطاً بوجود قاعدة إجماع واسعة تميز بين دائرة الثوابت المفترض أن يتفق حولها, ودائرة الاجتهاد المسموح بالاختلاف فيها, وتضم مختلف القوى السياسية والاجتماعية, التي تعترف بثوابت وشرعية النظام الاسلامي حتى تكتمل صورة النظام الديمقراطي الإسلامي.
[1] يرد أهل السنة على ذلك بأن القول بأن المساجد موجودة, ولا يمنع مسلم سني أو شيعي من أن يصلي فيها, فهذا خلاف الواقع لأنه يمنع قطعاً إقامة صلاة الجماعة لأهل السنة في مساجدهم وأما الفرادى فصحيح وإن كانوا ينظرون إليهم بازدراء وتحقير, وهل يمكن للسنة أن يصلّوا في مساجدهم وهم يدعون إلى عقيدتهم الصافية, فضلا عن أن مساجد الشيعة مليئة بالمنكرات مثل الصور المعلقة لمن يسمونهم بالشهداء, هذا عدا عن التدخين العلني داخل مساجدهم والسباب والشتائم لأصحاب الرسول, فكم يهينون مساجد السنة؟ ولماذا يقومون ببناء مساجد خاصة بهم في العالم الإسلامي؟
[2] عن هذا الاضطهاد يقول الدكتور أبو منتصر البلوشي – رئيس رابطة أهل السنة في إيران -: " لا يوجد لون من ألوان التعذيب أو الإيذاء لم يتعرض له السنة في إيران, ويبدو أن المخابرات الإيرانية (الواواك) تمارس تدريباتها العملية في مواقع السنة, فاغتيال علماء السنة وتوقيفهم المتتالي والعشوائي مستمر حتى هذه اللحظة وحتى بعد مجيء خاتمي, وقد بدأت امواج الاضطهاد تتسرب من المدن السنية إلى القرى, وخاصة في منطقة بلوشستان, جنوب شرقي إيران وكذلك الأمر للسنة من أصول تركمانية في الشمال ".
[3] من بين هذه الأخطار كما يراها رئيس الرابطة:
- أنه سيدفع إلى خداع الغافلين من أبناء المسلمين السنة فيتأثرون بالاطروحات الشيعية التي لا يتنازلون عنها, فيظنون أن مذهب هؤلاء الشيعة هو مذهب آل البيت ومعتقداتهم ومبتدعاتهم هي حقاً من عقائد آل البيت, فيقع هؤلاء فيما يقع فيه الشيعة من المعتقدات.
- أن هذا الاتجاه لن يؤدي إلى تقارب بين السنة والشيعة كما يظنون, لأن حقيقة الشيعة في إيران هي أنهم لا يقبلون إلا بمن يقبل بولاية آل البيت ويقول بإمامتهم وتقديمهم على الشيخين بالمعنى الشيعي لهذه المفاهيم.
- أن هذا السلوك المهادن والصمت على مخالفات الشيعة, سيؤدي إلى مزيد من المذابح والظلم والاغتيالات التي يتعرض لها المسلمون السنة في إيران, فيما يواصل العالم الاسلامي صمته رغبة في التواصل السياسي مع إيران موظفين الدين لتحقيق هذا الغرض.