أقام مجلس سياسة الشرق الأوسط بالولايات المتحدة مؤتمره الـ 41 في مبنى الكونغرس الأميركي تحت عنوان: "الهلال الشيعي: ما هي ذيوله على الولايات المتحدة؟" وذلك بمشاركة خمسة خبراء.
"الوطن العربي" تابعت المؤتمر.. وتنقل أهم ما دار فيه.. بداية تحدث رئيس المجلس السفير تشاز فريمان وقال: إن السيطرة الإيرانية على العراق الشيعي الضعيف والمقسم تثير قلق دول الخليج التي زرتها مؤخرا.. ففي هذه الدول يرون أن الولايات المتحدة بطريقة الصدفة وبالتدخل في العراق خلقت هلالا شيعيا في العالم العربي. وهذا يعطي إيران فرصة فريدة لم تتح لها لسنوات وستستغل ذلك لنشر عدم الاستقرار في الدول الأخرى بالمنطقة، مثل البحرين حيث غالبية الشعب شيعة.. والكويت لديها أقلية شيعية كبرى.
وقال البروفيسور خوان كول "أستاذ دراسات الشرق الأوسط في جامعة ميتشيغان": عندما غزت الولايات المتحدة العراق فإنها رفعت غطاء القدر الذي كان يغلي في الأوساط الشيعية نتيجة تنافس زعاماتها فقد كان هناك السيستاني ومحمد صادق الصدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق الذي تم تأسيسه في طهران في 1982 تحت وصاية الخميني، وجمع فيه مجموعات شيعية متطرفة هربت من العراق في 1980.
وعندما سقط صدام سنحت الفرصة لكل هذه المجموعات للتنظيم بحرية.. وفاز مرشحو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بـ 9 محافظات من أصل 18 محافظة بما فيها بغداد وكان هذا حلماً للخميني في الثمانينيات. ولم يحقق حزب الدعوة نتائج مثل المجلس ومع ذلك فازوا بمقاعد عديدة، وأصبح إبراهيم الجعفري رئيسا للوزراء. وحزب الدعوة منظم كخلايا ووفقا للتنظيمات الستالينية ولديها مستشفياتها وقواتها الشبه العسكرية ولكنها هادئة جدا وسرية. والصدريون هم أكثرهم صخبا لأنهم تنظيم خرج من الأكواخ الفقيرة المعزولة وجيش المهدي عبارة عن شباب شيعة يحملون رشاشات.
وأضاف: هناك توتر شديد بين منظمة الصدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق. هذه التوترات هي توترات طبقية لأن أتباع الصدر ـ كما ذكرت ـ من البروليتاريا أي الفقراء من سكان الأكواخ. بينما عضوية المجلس للبورجوازيين الشيعة ولأصحاب المحلات ورجال الأعمال. والقتال بينهما كان للسيطرة على تجارة الحجاج في النجف التي تدر أموالا كبيرة. وسينفصل حزب الدعوة عن التحالف مع المجلس في الانتخابات القادمة في ديسمبر "كانون الأول" التي ستكون على القضاء وليس المحافظة. وأتوقع أن يحصل الصدريون على نسبة كبيرة في المجلس وكذلك المجلس الأعلى. ولهذا فإن الحياة السياسية العراقية ستسيطر عليها لسنوات قادمة المنظمات الشيعية.
التهديد الإيراني
من جانبه أشار كينيث كاتزمان "من مركز أبحاث الكونغرس" إلى أن العلاقة الأميركية مع الإسلام الشيعي قد دارت دورة كاملة. موضحاً أنه في العام 1979 وقت قيام الثورة الإسلامية في إيران لم يكن هناك الكثير من التفكير بالإسلام الراديكالي أو الإسلام السياسي. وكان التهديد الإستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة هو الاتحاد السوفيتي، والدكتاتورية الشيوعية المتعاملة مع الاتحاد السوفيتي.وفي الثمانينيات كانت المجموعات الشيعية هي التهديد الرئيسي للولايات المتحدة.
وإدارتا ريغان وبوش الأب آنذاك رأتا التهديد الإيراني والمنظمات الشيعية التي تدعمها إيران ولذلك وضعت الإدارتان جانبا كرههما لنظام صدام حسين ودعمتاه في الحرب العراقية الإيرانية، وكان الأمل أن ينتصر صدام في الحرب ويجبر طهران والأصولية الشيعية على التراجع.
وأضاف كاتزمان: وهذا ينقلنا إلى عراق ما بعد صدام. فمن الواضح أن الولايات المتحدة حددت المتمردين السنة العراقيين والقادمين من الخارج كالعدو. ونفس الأحزاب الشيعية التي دفعت بالولايات المتحدة للميل نحو صدام حسين في الحرب العراقية الإيرانية هم الآن أوثق الحلفاء للأميركيين في العراق. وأصبحت الولايات المتحدة أساسا الحامية للأحزاب الشيعية. وأصبحت الكويت الحليف الثابت والبعيد المدى للولايات المتحدة تعيش إلى جانب حكومة عراقية رئيسها إبراهيم الجعفري وهو من نفس الحزب الذي حاول اغتيال أمير الكويت في العام 1985 ومن الأمور المهمة جداً أن الولايات المتحدة ينظر إليها على أنها تختار من يفوز بين السنة والشيعة. وفي نظر السنة في العراق فإن الولايات المتحدة اختارت الشيعة وفضلتهم على السنة.
والمشكلة أن الأحزاب الشيعية بالتحالف مع الأكراد حصدوا كل شيء عبر مسودة الدستور التي تعطي المنتصر كل شيء. وهذا ما زاد من الإحساس بالمرارة بين السنة. وحلت الميليشيات الشيعية التابعة للأحزاب محل الشرطة الوطنية وخاصة في البصرة.
واعتقد واضعو السياسة الأميركية أنه بعد الإطاحة بصدام ستزدهر الأحزاب الليبرالية المثقفة الموالية للغرب ولكن خابت هذه الآمال فورا فما نتج عوضا عن ذلك أحزاب شيعية موالية لإيران ما عدا مقتدى الصدر. وأما الأحزاب الباقية فتتعاون مع الولايات المتحدة لأن ذلك من مصلحتها. ولكن صبر هذه الأحزاب الشيعية بدأ ينفد من تنفيذ الأوامر الأميركية لأنهم يريدون عراق ما بعد صدام مبنياً على أيديولوجيتهم.
سياسة الفوضى
أما كريم سادجادبور وهو محلل مع مجموعة الأزمات الدولية فقال: لقد عشت لأكثر من عامين ونصف العام في لبنان وإيران، وأعتقد أن إيران مهتمة بخلق ثيوقراطية في العراق على غرار إيران وولاية الفقيه. ولقد تحدثت مع العديد من المسؤولين الإيرانيين وقالوا لي إن العراق مجتمع غير متجانس عرقيا ودينياً.. ولن ينجح نفس النظام الإيراني في العراق.. ولقد كانت سياسة إيران نحو العراق هي الفوضى التي يمكن إدارتها. فطهران من جانب لا تريد أن ينجح الأميركيون في العراق لأن ذلك سيشجع الأميركيين لنقل سياسة تغيير النظام إلى إيران. وتتمنى من العراقيين تلقين الأميركيين درسا باهظا.
وفي نفس الوقت فطهران قلقة حول الانهيار الكبير التام في العراق بشكل ينذر بحرب أهلية.. كما أنها قلقت من قيام كردستان المستقلة في العراق.. لاعتقادها أن ذلك سينتقل إلى أكراد إيران الذي يشكلون 10% من السكان.. وأولوية الإيرانيين وصول الشيعة من أصدقائهم للسلطة في العراق لأنه كما قال لي مسؤول إيراني إن الشيعة لن يقاتلوا الشيعة.
والتقط طرف الحديث راي تاكيه من مجلس العلاقات الخارجية وأوضح أن هناك خوفاً في الأوساط الأميركية من أن قيام حكومة رجعية في إيران سيؤدي إلى إحياء الثورة كأساس للسياسة الإيرانية إقليميا.
وأضاف: ولكنني أرى السياسة الإيرانية الحالية استمراراً للسياسة السابقة.. ولم يعد الحديث عن العودة إلى مبادئ الثورة لحل كل المشاكل كافيا،ً وقد يكون هناك هلال شيعي في الخليج.. فقد مرت عدة مراحل للخليج ففي السبعينيات كانت إيران "البهلوية" حامية الخليج للأميركيين ثم في الثمانينيات انحازت الولايات المتحدة للعراق ضد إيران. وفي التسعينيات كانت سياسة الاحتواء الثنائي ووجود أميركي مكثف في الخليج.. ونرى الآن بروز العمودين الثنائيين أي العمودين الشيعيين في إيران والعراق وتعاونهما الإستراتيجي وجرى تهميش دول الخليج..
نصائح لواشنطن
وبشأن توصيات الخبراء للإدارة الأميركية.. قال خوان كول: بعد أن شكل مقتدى الصدر ميليشياه في صيف 2003 وتنازع مع المارينز في 2004 وصار في موقف صعب توجه لزيارة آية الله السيستاني وقال له: لو أمرتني بحل الميليشيا فسأحلها. فنظر له السيستاني الذي وعى أنه يجر إلى أمر لا يريده وأجابه: لم تسألني قبل أن تشكل الميليشيا فلماذا تسألني الآن؟
ولهذا أقول إن إدارة بوش أرادت صنع ديموقراطية في العراق ولكن لا يوجد قوى ديمقراطية في هذا البلد، وفوز المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق بـ 9 محافظات لم يكن من أمنيات إدارة بوش عندما غزت العراق وهناك إغراء بأن تتلاعب الولايات المتحدة بالانتخابات القادمة في 15 ديسمبر "كانون الأول" القادم عبر رمي النقود لمحاولة إعادة إياد علاوي للسلطة في العراق لأنه كان الحصان الذي راهنت عليه واشنطن في البداية ولكن حزبه جاء في مركز متأخر خلال الانتخابات الماضية.
وإذا لعبت الولايات المتحدة هذه اللعبة من وراء الكواليس وحاولت وضع علمانيين ضد إيران وضد السيستاني فإنها ستكون لعبة خطيرة وتهدد البلاد بالفوضى.. وذكر السفير فريمان أن هناك قولاً ينسب للحزب الديمقراطي: "إنه إذا واجهتك معضلة سياسية عندما تكون في القيادة ففكر، وعندما تواجه الصعوبات حول الحل للآخرين وعندما تكون في شك تكلم كلمات غير مفهومة". المشكلة أننا غزونا العراق وحلمنا بأمور كثيرة تحدث فيه. لكن كان هذا في خيالنا فقط.
وأشار كاتزمان إلى أن الولايات المتحدة ينظر إليها الآن على أنها حامية التحالف الشيعي الكردي في العراق. وكانت تأمل أن تسحق السنة وتدفعهم إلى الاستسلام.. ولكن استمر السنة في القتال ولم تضعف حركة التمرد.. ولقد رفض حارث الضاري وعبد السلام الكبيسي من جمعية علماء المسلمين التفاوض مع الولايات المتحدة لأنهم في الجمعية يصرون على جدول بالانسحاب الأميركي أولا.
واختتم خوان المؤتمر بقوله: ما يطرحه الدستور العراقي هو في الواقع كونفدرالية وليست فدرالية ونعرف ما حدث في الولايات المتحدة من حرب أهلية في ظل الكونفدرالية..
________________________________
المصدر: "الوطن العربي" ـ العدد 1496 ـ 4/11/2005